قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثالث والثلاثون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثالث والثلاثون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثالث والثلاثون

-وانا مش موافقة
ثلاثة كلمات، كالرصاص تماما أصابت هدفها تحديدا
العيون جاحظة، وتعابير الوجوه تختلف من شخصية لأخرى
لكن ما زال رأسها مرتفع بشموخ يليق بذقنها الذي لم ينحني لأحد قط
عيونها مبتسمة بسعادة، طنين قلبها يحتضر بموت شديد
يناقض ابتسامتها الواسعة،.

تجيد الابتسام والمزاح في أشد لحظات ضعفها وهشاشتها، عيناها تقابلت عيناه المندلعة بنيران أحست بلسعة تلك النيران، لتبقى على تواصل بصري بينه وأصوات الجميع التي تراوحت من ساخطة ومندهشة، أولهم من سيطر على دهشته غالب الذي استقام من مقعده قائلا بنبرة بها بعض الغيظ نحو معتصم
- ايه التهريج اللي بيحصل ده يا معتصم باشا.

معتصم كانت عيناه تلمع بشقاوة شديدة وهو ينظر إلى صغيرته، كم تشبهه في جموحه، ألقي نظرة نحو شادية التي تنظر إلى المهزلة التي تحدث بعيون جاحظة، اتبع صوت غالب جميلة التي قالت بسخط
- جايبنا لحد هنا عشان تهزقنا
لم تمر جميلة بموقف يجرح من كبريائها كما الآن، تشعر بالاهانة وهي تنظر إلى العروس التي تشن حرب عيون مع وسيم، كأنهما يعيشان في فقاعة خاصة، حربا خاصة، يعلمون قواعدها وكل منهما يترصد الآخر بتحفز.

- امتي غيرنا كلامنا يا بابا
قالها معتصم وهو ينظر بعبوس طفيف نحو جيهان بعتب، انهت جيهان حربها مع غمزة أدى إلى زعزعة جيوشه لتلتفت نحو الجميع الساخطين لتقول بنبرة متلاعبة
- بابا، أعتقد هو مش جاي ومعاه المأذون، يدوب زيارة ويا نزغرط يا اما نقوله شرفتنا وفي الحالة دي بنقوله شرفتنا يا وسيم، طلبك مرفوض
انتفض الأسد الهائج من سباته، ليزأر بصوت مرتفع وهو يدمدم بسخط لجيهان
- انتي اتجننتي.

النيران في عينه تكاد تأكلها حية، يحاول العودة لطور البرود ليتغلف به، لكن أين البرود الذي يتحلى به وهو يراها تخبره بوقاحة
انها ترفضه
الكاذبة الحمقاء، كيف تجرأ لسانها على قول الرفض وعينيها
تستجديانه بعذاب شديد
كأنها تدفعه للغرق في أعماق المحيط لكنها تتشبث بقميصه!
دمدمت جميلة بنبرة منفعلة وهي تسحب حقيبتها قائلة
- انا لا يمكن اقعد هنا ثانية واحدة.

يشملها بنظرة خاصة، متفحصة، ليست متفحصة لأنوثتها، بل يبحث عن مفتاح للإيلاج لروحها التي أصبحت غير مقروءة
ضم قبضة يده بعنف حتى ابيضت سلمياته وما بداخله
حريق هائل متشعب في أنحاء جسده
ضربته في كبريائه، ورجولته، ثم اوجعته بألم في، صمت وهو يقول بنبرة باردة
- عايز اتكلم معاها
صاحت باندفاع ووقاحة
- لأ طبعا
تلك المرة صدر صوت الاب الحاد، يلجم اندفاع ابنته لكي لا يتأزم الوضع أكثر
- جيهان.

التفت إلى والدها لتغمض جفنيها تأخذ نفسا عميقا وتزفره على مهل
تعلم أنها بفعلتها تلك أغلقت جميع أبواب قد يجمعها به
لكنها ترغبه يأتي مدلها في حبها، عاشق حتى النخاع
يكون هو من يتذلل عشقا لمبادلته اياه وليست هي
تريد أن تكون الطرف الجاحد، الأقوي، ليست بضعيفة خانعة تكاد ترتعب من مجرد نظرة تعلم أنه يرغب في كسر عنقها.

اختنقت انفاسها والدموع تتجمع في مآقيها، تحاول ان تسحب انفاسا عميقة قبل أن تسقط باكية أمام الجميع
- بابا انا مكسرتش كلامك لما قولتلي اقعد، لكن قراري محدش يدخل فيه
لم تتحمل جميلة قلة تهذيب بل ووقاحة جيهان لتقول بنبرة امرة
- وسيم، يلا
ابتسمت ببرود شديد وهي توجه حديثا له قائلة بنبرة تحمل عذاب خالص لقلبها الذي طعنته دون رأفة
- شرفتنا.

ثم غادرت الملكة بعد دمار مملكتها تكاد تجلس على تل الرماد تنظر ببرود إلى الجنة إلى استحالت صحراء قاحلة بسببه
بسبب عدم اهتمامه، ورعونته
لا بكاء الآن بعد أن أحرقت الجنة التي زرعتها له وتركتها خاوية على عروشها!
صعدت سلالم الدرج دون أن يهتز بها طرفا حتى توجهت الى غرفتها، نزعت فستانها بكل حدة وألقته بعنف على الارضية ووقفت تنظر الى حالها في المرآة.

هي غير نادمة، سوى على ايام التي انتظرتها كمراهقة غبية ليعرب عن حبه
ابتسمت ساخرة من نفسها وهي تزيل مساحيق التجميل من وجهها، الجمود المسيطر على وجهها ينافي صوت نياط القلب
دمعة واحدة هبطت إلى وجنتها، لتمسح تلك الدمعة بكل عنف، لترفع وجهها تنظر إلى تقاسيم وجهها في المرآة.

ما العيب الذي بها حتى لا يعشقها رجل، حتى وإن صدته أو عنفته لعدم اللحاق بها، لما لا يكون هو أكثر عنادا، بل أكثر إصرارا، يكون حبه صادق ليجذب قلبها بعنف
انتفضت إلى صوت شادية الهادر وهي تقتحم غرفتها الا ان عينيها اتسعت حينما انها بثيابها الداخلية، جزت على اسنانها ساخطة وهي تلتقط منامة ملقاة على الفراش لتلقيه عليها بعنف
- انتي عملتي ايه يا غبية.

التقطت جيهان منامتها وارتدت النصف العلوي بهدوء شديد وعينيها تتفحص شادية التي تراها تلتقط ملابسها الملقاة أرضا وتضعها في سلة خاصة للغسيل، قلبت عينيها بملل وهي ترتدي البنطال لتقول بنبرة باردة
- عايزاني اعمل ايه، واحد مجبر انه يتجوزني، مش في جواه ذرة مشاعر ليا، هستمر معاه مثلا!
اغتاظت شادية من غبائها، كيف حتى الآن لم ترى تلك النظرات الخاصة بها لوحدها
وكأنه يراها أنثاه.

منذ سنوات وهو يتخذ رابطة الاخوة كحجة للالتصاق بها، انفجرت صارخة في وجهها بحنق
- ومين قال انه مش بيحبك
شمخت جيهان رأسها وقالت بنبرتها الباردة
- وانا بقي اقعد جنبه واستناه لحد لما يقولها، شادية انا مش عايزة اللي يمرمطني عشان شوية مشاعر، انا عايزة حب يتملك قلبي، انسان يكون اهتماماتي ومحور حياتي
نفس تفكيرها الساذج قديما قبل أن ياتي معاذ ويقضي عليها كليا.

هما عاطفتين بشكل يثير الشفقة، خجلها ما سمح لحقير كأمثال لمعاذ لتشويهها، لكن جيهان كانت ذات لسان سليط يفزع من يقترب منها، قالت لأختها بابتسامة ميتة
- حاسبي لتتلسعي زيي
رفعت جيهان حاجبها وعاد يرتسم وجهها العداء الشديد لتقول بنبرة متوحشة
- معاذ ده قذر متفكرنيش بيه، ده كان فال وحش عليكي.

كم ترغب في تهشيم وجه ذلك القذر، المرة السابقة لم تقدر سوى على اصابته بعض الإصابات الطفيفة، جعلت سيارته الفارهة عبارة عن كتلة خردة، وسرقت حسابه البنكي الخاص ووزعته على مؤسسات خيرية، ووجهه تتذكر أنه من كثرة إصاباته البالغة لم يخرج من منزل عائلته إلا بعد شهر، كل ذلك لم يشفي غليلها التام منه، إذا بكل بجاحة قبل أشهر تزوج من امرأة ذات سمعة سيئة وقرر أن يجعل شادية منظمة زفافه، لم تكتفي وقتها بتخريب زفافه بجلب زفة شعبية من أدنى حارات شعبية وسربت بعض النشالين إلى زفافه لسرقة المدعويين، وبالطبع لم تهتم إن كان سيشوه إلى اسم أختها أم لا، لكن ما اهتمت به هو الدفاع عن أختها فقط، ثم أشعلت فتيل فضحه في وسائل الإعلام...

كان معتصم يصعد درجات السلم بتمهل واصوات ابنتيه يكاد يصم اذنيه، رغم مفاجأته من ابنته التي اعترضت زواجا بتلك الطريقة، إلا أنه لا يملك طريقة لإجبارها
هو لم يجبره أحد وهم صغار، كيف يفعلها الآن؟!
تقدم من غرفة بلوته وهم بالدخول إلا عينيه اتسعت حينما استمع إلى جيهان تقول بحدة
- هتقولي لبابا انك فسختي خطوبتك من لؤي امتي
ضيق معتصم حاجبيه وهو يسمع إلى شادية التي سارعت تقول بنبرة خفيضة بعد الشئ.

- اششش صوتك يا غبية انتي، كنت ساكتة عشان موضوع جوازتك تمشي، يا هبلة حد يفرط حب عمره
هز معتصم رأسه يائسا، ما تزال غبية حتى الآن، رغم سعادته الجلية التي حفرت طريقها في وجهه وقلبه، قرر العودة إلى غرفته منتظرا تلك الغبية لتخبره بفسخ خطبتها.
ضاقت عينا جيهان لثواني، قبل ان ترفع عيناها قائلة بنبرة غريبة
- اشك ان حب، مش ممكن يكون متعلقة بيه يا شادية
- متعلقة؟!

كررتها شادية بعدم تصديق، لتسترسل جيهان قائلة بعذاب
- صدقيني مجرد تفكيري للنقطة دي بترعبني، بغير اه وبحس انه بغلي لما بشوفه مع واحدة بس مش بيكون في ايدي حاجه
عقدت شادية ذراعيها على صدرها لتقول بنبرة جامدة
- رفضتيه ليه يا جيهان، ايه اللي جد عشان تغيري رأيك.

انفلت من شفتي جيهان شهقة عذاب، غيرة حبيبة من رجلها البارد لتمسك هاتفها وهي تعبث في هاتفها لثواني قبل ان ترفع الهاتف في وجه شادية التي عبست ملامحها ثم تجمدت ملامحها من رؤية الصورة ليتحشرج صوت جيهان هامسة
- جاتلي صور قذرة مع واحدة اوربية.

ضاقت عينا شادية وهي ترى صورة أقل ما يقال عنها خليعة، فتاة لا ترتدي شيئا يسترها جالسة بكل فجور على فخذيه مقبلة شفتيه، قلبت جيهان صورة أخرى لترى نفس الوضع لكن وجهها واضحا لبطل الصورة وهو من جذبها للجلوس عليه
صورة ثالثة وبعدها الرابعة حتى انتهت الصورة بأنها جذبته للذهاب الى مكان أكثر خصوصية، وترك الشيطان يلاعبك في منطقته الخاصة
قالت شادية بجملة تعتبرها اغبي جملة سمعتها جيهان اليوم.

- مش ممكن تكون فوتوشوب
نظرت الى اختها شرزا، هل هي غبية كي لاتعلم الصور التي امامها حقيقة أم معدلة، ثم ما أمامها مقطع مصور لمشهد هابط رخيص، قالت بحدة
- عيب اووي تسألي السؤال ده، من نظرة بعرف اذا كان اصلي ولا لأ
عادت تنظر إلى الصورة الأخيرة لتغمض جفنيها وهي تتذكر انها استلمت الصور من حساب وهمي، قبل دقائق لهبوطها نحو عريسها المنتظر على أحر من جمر لنزولها هو وعائلته، رمت بهاتفها أرضا لتهمس بقهر.

- كأني استلمت دليل خيانته يا شادية، بجد تعبت من العلاقة دي
ثم رفعت عيناها تقول لشقيقتها بنبرة متألمة
- كأن مكتوب علينا منجربش الحب زي ماما وبابا
نكست شادية رأسها، تقلب الكلمات في رأسها، لتهمس بنبرة مختنقة
- احيانا اللي بنطلبه صعب يتحقق
ضاقت عينا جيهان بخبث وتبدل مزاجها في ثواني وهي تقول بنبرة شقية
- قوليلي اخبار الايطالي ايه
رفعت شادية رأسها بتعب لتهبط عينيها وهي تنظر إلى شقيقتها بحنق قائلة.

- مفيش خلصنا شغلنا واعتقد انه سافر
تمتمت جيهان بحنق
- بس، الحكاية، خلصت
رفعت شادية حاجبها دهشة من خيال شقيقتها الجامح لتسحب وسادة من الأريكة وقذفتها في وجهها قائلة بتوبيخ
- حكاية ايه انتي كمان، انا معرفهوش هو مين اصلا ولا ايه اصله وحكايته
تألمت جيهان بوجع من الوسادة التي صدمت انفها تحديدا لتقول بحاجبين متلاعبين
- متعرفيش ان الراجل الغامض بيسحر البنات
هزت شادية رأسها يائسة وهي تتوجه خارج حجرتها قائلة.

- طيب انا مضطرة امشي، عشان ورايا شغل مش زيك يا هانم
شيعتها جيهان بنظراتها حتى أغلقت الباب خلفها وتبدل حالها المازح لجمود مخيف، نظرت إلى هاتفها الملقى أرضا لتنحني بجذعها ملتقطة إياه تنظر إلى الشاشة التي تهشمت، لوت شفتيها بعدم مبالاة وهي تضعه على الكومود ثم توجهت إلى فراشها تضطجع عليه بتكاسل لتغلق جفنيها بنعاس غلبها فجأة لتسقط نائمة بعد دقائق مستسلمة إلى سلطان النوم.

مراجل مشتعلة في داخله لم يقدر على اخمادها، أفكار شريرة تعبث في عقله بشيطانية لأيذائها بأبشع الطرق توقف عن الحركة حول غرفته وهو يشد خصلات شعره بقوة يكاد يقتلعها من جذورها وهو يشعر أنه لثواني قاتل محترف
ارتسمت ابتسامة ساخطة على شفتيه ليعود الغضب يكتنفه
والضيق يستحوذ من كل جانب
والألم يتغلل روحه ببطء.

لقد وبخته جميلة وجده غالب، ولؤي لم يفعل شيئا سوى أنه غادر دون كلمة واضطر ان يعيدهم الى المنزل وعاد هو إلى الفيلا بمفرده، الوحدة لم يختبرها قط سوى وهو يتوجه نحو فراشه، فقط يشعر بسكون يحيطه من كل حدب وصوب، صمت قاتل مخيف تقضي عليه جيهان برسائلها المستفزة حتى في مرات كانت تتذمر منه ساخطة انه يسقط نائما وهي تبعث برسائل تهديدة وساخطة كونه نام وهي ما زالت مستيقظة.

ابتسامة حنين لاحت على شفتيه سرعان ما انقبضت معالم وجهه وهو يتذكرها بهيئة ناعمة لحد الوجع
كانت قاتلة دون شفقة
فاتنة لدرجة أصابت هدفها في مقتل
رفع عينيه نحو السماء، متى سيستمر في الإنكار؟!
بحياته التي تخطت الثلاثين وبضع أعوام لم يري امرأة مثلها
جامعة للطفولة المحببة إليه وفتنة امرأة
حمقاء متهورة لكن يعلم باندفاعتها هو يعتبر من رباها حرفيا وتولدت على يديه الشخصية التي أصبحت عليه.

ما زال يتقلب على جمر متقد، لن يغمض له جفن حتى يرى سر تراجعها عن تلك الخطبة، التقط هاتفه وهو يدق على هاتفها غير مكترث ان الساعة تخطت الثانية صباحا، لعن بسخط حينما انتهت المكالمة دون رد منها ليعيد الاتصال بإلحاح حتى أجبت في نهاية الثالثة بصوت أجش يحمل أثر النوم
- خير
سحب مفاتيح منزله وهو يخرج من غرفته هابطا الدرج بخفة قائلا بنبرة حازمة
- انزليلي
نظرت جيهان بعيون ناعسة نحو الساعة لتقول بنبرة جادة.

- مش نازلة يا وسيم، واتمسا وقول يا مسا
هدر في الهاتف بنبرة صارخة جعلت جسدها يتخشب للحظات
- جيهان قسما بالله لو منزلتيش هطلعلك
تهدج صوتها لثانية وهي تبلل شفتيها الجافة، لتقول بنبرة ساخرة تحاول مدارة مشاعرها
- لا لا متقولش هتتشعلق في ماسورة زي الحرامية، يا تري عيلتك تعرف انك بعد الليل بتشتغل حرامي
وهل في ذلك الوضع تقدر على المزاح، صاح بخشونة ونبرة قاسية
- انزلي.

طار النوم من عينيها وهي تنتفض من فراشها تسحب مئزرا قائلة بهمس لعوب وهي ترتدي خف بيتي
- ولو منزلتش
ابتسم وسيم بمكر شديد وهو يقف عند البوابة المغلقة امامه ليقول بنبرة لعوب
- هطلعلك وسيادة الوالد يشرفنا وساعتها يطلب مني اني اتجوزك عشان السمعة
زمجرت بحدة وهي تصرخ في وجهه
- قذر طول عمرك
لم يلن صوته وهو يأمر بصوت قاسي
- خمس دقايق متتأخريش.

وضعت هاتفها في دخل جيب المئزر وهي تزفر بحرارة طالبة من الله الصبر وقوة التحمل وهي تتوجه بقدميها اليه، خرجت من المنزل بقدمين جاهدت الا يصدر صوتا و توجهت نحو الباب الحديدي وفتحته على مهل حتى لا يصدر صوتا مزعجا واغلقته بحرص وحينما ادارت بجسدها وجدته واقفا بطوله الشامخ واضعا يديه في جيب بنطاله.

أضواء الانارة الخافتة القت بضوئها عليه ليظهر بضعا من ملامحه ومعظم ملامحه مبهمة والظلام أضاف سحرا غامضا يلفه، تقدمت بكسل وهي تقطع الشارع لتعقد ذراعيها على صدرها قائلة بنبرة لا مبالية
- خير جيت، نعم اتفضل
جذب ذراعها بعنف لتشهق مجفلة وهي تشعر في محيطه، ارتفعت عيناها وهي ترى من خلال الضوء الشاحب نظرة عينيه المظلمة، كبئر سحيق لا قرار له، يجذبك للسقوط فيه
انفجر في وجهها هادرا بسخط.

- ايه كان معني اللي عملتيه بليل ده
تخشى أن يستمع إلى دقات نبضات قلبها الخائنة، وهي مقتربة منه بحميمية، تشم رائحته الخاصة به مختلطة بعطر خفيف، زجرت نفسها وعلى أفكارها المنحرفة لتقول بنبرة ساخطة من نفسها اولا
- وهو انت فاكر مثلا اني هوافق، صدقني انت اخر شخص ممكن افكر انى اتجوزه، لأ، لو اخر راجل في العالم استحالة نتجوز.

قست أنامله على ذراعها لتتأوه مخرجة صوت انثوي ناعم جعل وسيم تتقافز في عينيه شياطين، قال بحدة ولم يختفي الغضب من وجهه
- والسبب
حاولت جذب ذراعها واطلاق سراحها الا انه واضح أعجب بذراعها، لو أرادها لتلك الدرجة فستقطع ذراعها لكن أولا تجعله وسادة تنفس عن غضبها، تلك الصور لا تقدر على محوها من ذاكرة عقلها، شياطينها ماجت وهي تقول بصوت لعوب.

- اممم تفتكري ليه يا جيجي، مثلا لأنك نسوانجي، وحقير وايه كمان اااه، احقر انسان شوفته في حياتي
ثم بذراعها الحر اخرجت هاتفها وفتحته لترفع الصورة اليه قائلة بغيرة لم تسيطر عليها
- وممكن اعرف مين الهانم دي، ياتري بقي قضيتوا شهر العسل فين، في تايلاند ولا في جزيرة بعيد عن الناس
تجمدت ملامح وسيم وبقي يطالع إلى الصورة التي أمامه، كيف وصلتها؟!

عقد حاجبيه بعبوس طفيف وهو يراقب هذرها، جنونها وغضبها الجم، حتى شعر بقبضتيها تضغطان على صدره بعنف
- البيه ساكت ليه، طبعا مش لاقي كلام تداري بيه قذارتك
عادت بكل قوة تلكمه بقبضتيها على صدره الصلب، وهو كتمثال صلب لم يتزحزح انشا، اغمضت جيهان جفنيها بأسي شديد وهي تهمس بحشرجة
- مش ده اللي كنت عاوز توصله يا وسيم، ابعد عنك لانك استاذ كازانوفا مش بيحب يتقيد، توقعت انك هتبقي طاير من السعادة لما ارفض.

اغمض جفنيه وهو ينفجر صارخا في وجهها معنفا
- اسكتي ايه، مش سايبة فرصة اني اتكلم
ارتعد جسدها من صوته الأجش، لتضغط على شفتها السفلى بألم والدموع على وشك فضحها
خرجت شهقة من شفتيها، لترفع عينيها المجهدتين هامسة بتعب
- تعبت، تعبت يا وسيم، حررني بقي.

حاول أن يملك في قلبه شفقة لمنظرها المؤلم لقلبه، لكنه لم يقدر، لقد طعنته بقوة، يشعر بالغدر منها، لم يتوقع منها تلك الحرة، جذب معصمها للمرة الثانية هامسا بنبرة غامضة
- وانا اللي جاي اطالب انك تحرريني
رفع رأسها لتصبح في مستوى عينيه، عينيه ما زالت ملبدة بسحب سوادء وعينيها كشتاء قارص وخواء هو ما في داخلهما.

اخرج نفسا عميقا ليرتطم في وجهها، اغلقت جفنيها تزامنا مع زفرة انفاسه الحارة، تشعر بلسعة في وجنتيها، أول قطرة دمعة رآها
لقد سقطت الملكة
وانتصر هو
مرر وسيم إبهامه على وجنتها الناعمة، والنعومة تغريه لاشياء محظورة أكثر
العقل يتلاعب بخبث
والشيطان يخبره يتخذ ذلك الوضع لتلك الأنثى الضعيفة أمامه، مغلقة الجفنين، منفرجة الشفتين
سيطر على أعصابه المتلفة وهو يقول بنبرة مختنقة.

- جيهان، من وانتي وصغيرة كنت معتبرك اختي رغم اني عارف انك مش اختي، غصب عني حاسس انك مصيبة لحياتي ومكدبتش، بلوة ملونة في كل مرة ومحاولاتك وانتي تبيني انك انسه مش لسه بنت بضفيرة عشان اشوفك
فتحت عينيها على اتساعهما جاحظة وهي تسمعه يقول بتصريح وقح منه
- تفتكري مكنتش عارف، تفتكري شوية كلام اهبل زي اللي سامعته هيخليني معرفش ايه اللي بتداريه بلسانك وعنيكي فضحاكي
كشفت الأوراق
وصار اللعب على المكشوف.

تظاهر هو بعدم الملاحظة
وهي الغبية التي كانت تلمح له
أي غباء اخر اوقعها وقد شعرت انه مرغ بأنوثتها ارضا كما فعلت برجولته، شمخت انفها بكذب وقالت بمواجهة
- على الاقل صريحة، وانت
ضاقت عيناه ومازال مقتربا بحميمة منها
السحب تنقشع تدريجيا من عينيه ليظهر بريق من زرقة عينيه الباردتين
لكن لم تكن بادرتين
بل مشتعلتين كجمر
ارتجف جسدها وعينيها اسيرة عينيه وهو يقول بنبرة خاصة
- أوقات الصراحة مش بتكون مناسبة، بنضطر نلمح.

تلملمت في وقفتها وهي تحاول الفكاك من اسر عينيه المتواصل قائلة
- اتأخرت
ابتسم بمكر وهو يمرر أنامله على وجنتها، ليقول بهمس خاص
- خليكي شجاعة وكملي مواجهتك
دفعت أنامله بعيدة عنها لتقول بحدة ورسالته وصلتها كالشمس المتوسطة في كبد السماء
- أكمل؟!، اكمل ايه يا وسيم، ورسالتك باينة، ايه عايز توصل ايه تاني
انفلت ابتسامة من شفتيه وقال
- غبية، مندفعة ومتهورة.

ندمت على محادثاتهما، تشعر بالغباء والتهور، بل والاندفاع لمقابلته كما لو انهما لصين أو عاشقين يتقابلان بعيدا عن أعين الجميع، وصلها صوته الشبة مرتفع وهي تعبر الشارع نحو باب الفيلا الخاصة بها
- لسه شايفاني مثل اعلي ليكي، حجبتك من عيون الناس وكنت ناسي ان عيونك هتكون ليا، لسه شايفاني في مكانة كبيرة ولا زي ما بتقولي نزلت من نظرك
نظرت اليه وهي تستدير على عقبيها لتقول بانزعاج
- عايز ايه يا وسيم
صمت.

وثواني الصمت
اشعرها بدغدغة في جسدها لتسمعه يقول بنبرة خشنة
-حرريني يا جيهان
تسيبت ساقها وهو يلتفت عائدا نحو مدخل فيلته ثم دار وهو يجدها ما زالت واقفة بتخشب، أشار بيده للدخول الا أنها لثواني انفصلت عن العالم
أي تحرر يرغبه هو؟!
أرغب أن يتخلص من واجبه، ارتعد جسدها من نبرته الخشنة
- ادخلي جواا
اطاعته في صمت وهي تدخل عبر البوابة واغلقته خلفها لتستند بظهرها على الباب، والنوم لا سبيل ليزورها الآن
الوغد اللعين.

سبته في داخلها وهي تشعر بالحنق من نفسها ومن ومن تهور قلبها تكاد تشعر انه سيلقيها في التهلكة حتما!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة