قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثالث عشر

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثالث عشر

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الثالث عشر

نظرت توحة الى هاتفها بحنق، حفيدها العنيد يبدو مصر على عناده رغم تحذيرها الا يغلق هاتفه، لكنه يخبرها ببساطة شديدة يجعلها تشتعل غضبا انه في عمل، بالله كيف لرجل مثله ان يعمل حارس خاص ويتخذ شهادته كعمل جانبي، بعد كل تلك السنوات من الاجتهاد والكد يعمل تحت طبقة متغطرسون، لفت وشاح أسود حول رأسها وهي تخرج من المنزل لتري أحوال المنطقة وآخر مستجداتها وايضا ستنتظر حفيدها العاصي ويا ويله من عقاب توحة!

الهرج والمرج سائد في المكان في وقت بعد العشاء تحديدا، أكثر ما تمقته هو ذلك المسمى ب توك توك والاصوات الملوثة التي تخرج من اجهزة ذلك الشيء المفسد، أطلقت سبابة في وجه طفل لا يتعدى العشر يقود ذلك الشيء الفاسد برعونة شديدة كاد يدعس طفلة، اخرجت نعلها من قدمها وهي تسحب جسد الطفل تضربه على جسده تلعن يوم قدوم ذلك الشيء المفسد للمنطقة وتتشتم والده الذي تركه يقود شيء يكاد يلقي الجميع بالتهلكة، تجمع جمع غفير من أهل المنطقة وصبي القهوة ابعد جسد الطفل عن مخالب توحة، تنفست توحة بهدر شديد وفتحتي انفها تنقبضان وتنبسطان، أخرجت غيظها وحنقها في ذلك الطفل الفاسد، نظرت بجنون نحو الصبي الذي خلصها من ذلك الطفل وهو يراه يدفع الصبي للهروب من امامها، شرست معالم وجهها وهي تنظر نحو الجمع المحتشد، ك لبوة تدافع عن حقها في مملكتها في غياب الملك، حينما هم صبي القهوة بالمغادرة والفرار صاحت باهتياج شديد.

- انت يا ولا رايح فين تعالى
اغمض الفتى عينيه وهو يلتمس من الله الصبر، قبض بيده على سرواله قبل أن يدير على عقبيه يرسم ابتسامة بلهاء على شفتيه قائلا
- ايه يا ست توحة مالك
استكانت ملامحها المهتاجة وهي تري الجميع بدأ يهتمون بأمورهم توجهت بخطواتها نحو المقهى لتصيح بحنق
- فين عاصي؟
أجاب الفتى بسرعة شديدة وتعجل وداخله يتعجب من جسد امرأة مثلها أفلت الصبي بصعوبة منها
- لسه يا ست الكل مجاش من شغله.

جلست على مقعدها المخصص وهي تنظر بعينها نحو المارة لتشيح بيدها قائلة بحدة
- طب روح اعملي شاي ومتتاخرش
وضع الفتى اصبع السبابة على أسفل عينيه وقال بنبرة هادئة
- من عنيا يا ست الكل
نظرت بنصف عينيها المنغلقتين لتمتم بحدة
- ولد انت بتعاكس ست قد ستك؟، اوعي يا واد تكون من العيال اللى هما، قسما بالله لأقلعك من هدومك قدام الحتة عشان تتعدل.

اتسعت عينا الفتى بصدمة وهو يحاول أن يفهم اين ذهب خيالها بعيدا، هز رأسه نافيا وهو يحاول اللذوذ الفرار منها ولا يعلم اين كان عقله ليوافق على طلب عاصي للاهتمام بها في أوقات عمله، هم بالرد عليها الا ان صوت خليع يقول بنبرة ساخرة
- ايه يا ست توحة، خدي نفسك شوية، لوك لوك لوك مفيش نفس حتى.

امتعضت ملامح توحة للقرف الشديد، رائحة القذارة تفوح من تلك المرأة رغم أفعالها بالخفاء، استغفرت ربها وهي تنظر بعنيها نحو الصبي لتقول بنبرة حادة
- الله اكبر، كبر يا واد يا هيما فيه ست عايزة ترقدني هنا، قل أعوذ برب الفلق، يختي ايه الناس اللي مش سايبة حد في حالها دي
وقفت المرأة تضع يديها على خصرها ونبرة صوتها الشعبية بها استنكارا لتقول بصوت مرتفع نسبيا.

- جرا ايه يا ست توحة الله، انا بقولك خدي نفسك شوية داخلة حامية على الواد كده ليه
ابتسمت توحة بسخرية وهي ترفع من صوتها الاخري لتقول بنبرة هادرة
- انت يا ولية مناخيرك دي حشراها في كل حته ليه، ها؟!؟، تحبي اكسر مناخيرك دي عشان مشوفش وشك العكر ده على الصبح
خبطت المرأة بيدها على رأسها وهي تقول بنبرة مهتزة قليلا
- لا بقولك ايه انا مش فايقالك خالص.

اشمئزت معالم وجه توحة لتصيح بنبرة مرتفعة جذبت انتباه بعض رواد المقهى
- طبعا الحشيش اللي واكل دماغك مش عايزة تضيعيه
اتسعت عينا المرأة بارتباك لتقترب منها وهي تصيح بنبرة خفيضة بها تهديد للمرأة العجوز
- اسكتي، صوتك مسمعهوش
مصمصت شفتيها بامتعاض لتقول بنبرة ساخرة وهي تنظر في عيني المرأة الوقحة.

- ايه لا هو انتي فاكرة اني معرفش كل كبيرة وصغيرة في الحتة دي ولا ايه؟، ده حتى العشة بتاعت الحمام تشهد على الكلام ده
اتسعت عينا المرأة بصدمة، لا تعلم من اخبرها سرا كهذا، لطمت وجنتيها وهي تهمس بولولة
- يا ولية اسكتي بقي، يخربيتك ده انتي فضيحة
هتفت بقرف كما لو أنها تبصق الكلمات من شفتيها
- مشوفش وشك بقي يا مدام.

فرت المرأة هاربة منها، لتتسع ابتسامة توحة، المنطقة لا يوجد بها سرا الا وعلمته رغم الشيب الذي غزا رأسها إلا أنه لم يذهب سدى، فكل خصلة بيضاء من شعرها بها دروس عن الحياة، كادت ان تصيح في ذلك الصبي الذي تأخر بالشاي الا انها وجدته امامها فاتحا شفتيه ببلاهة شديدة لتزمجر بغضب
- انت يا ولا فين الشاي
ارتبك المدعو هيما وهو يهمس برعب سيطر على بدنه
- ح، حاضر والله
ضاقت عينا توحة وهي تصيح بحذر شديد اربك الفتي.

- عارف يا ولا لو سمعت بالصدفة الكلام ده قولته لحد غيري هعمل فيك ايه
ازدرد لعاب هيما ليهمس بقلق وتوجس
- هتعملي ايه يا ست توحة
نظرت نحو الفانوس المعلق من العام الماضي بخبث لتهمس بشراسة
- هعلقك فانوس في شهر رمضان، انجر من وشي يلا
هرب الفتي هاربا داخل المقهى يجهز الشاي لها، تنهدت توحة بحرارة وهي تتصل به مرة اخري بهاتفها الا ان الاجابة ان الهاتف مغلق، جزت على أسنانها لتصيح بتوعد.

- بردو قافل تليفونه، ماشي يا عاصي حسابك تقل يا ابن بنتي.

يا سيد محب الطبيعة
انت معقد، بل جاحد للجميل
فكيف تعتزل عن إمرأة قادرة على أن تسخر وقتها لك ولرعايتك
وانت تتحاشى مبتعدا عنها، هاربا منها، مترصدا لها إن أرادت ان تغزو محرابك.

مررت جيهان يدها على خصلات شعرها البندقية ينافس بندقية عيناها الماكرتين، تحمد الله انها انهت المقابلة على خير رغم انها قررت ان تسمح لبعض المشاعر تظهر بكل جلية له، هي انتهت أوصلت له رسالتها وهو سيكون غبيا إن ادعى الجهل، مسدت براحة يدها على تنورتها الاسكتلندية القصيرة، سحبت هاتفها وحقيبتها وهي تهرول راكضة من المبنى، تستدعي بزر المصعد عدة مرات و حالتها لا تسمح لقضاء وقت أكثر مع وسيم بعد ما فعلته.

ادعت عدم حبها للعيون الملونة رغم أنها تكاد تغرق داخل مقلتيه، ادعت حبها للبشرة السمراء، لكن ذلك الاشقر استحوذ على قلبها بكل عنجهية منه، شهقت بفزع حينما شعرت بيد تلف حول خصرها وجسدها يلف لتصطدم بجسد آخر شخص ترغب ان يحضر مناقشات عقلها وقلبها المؤرقة، رفعت عيناها وهي تهم بالصراخ عليه الا ان السواد داخل مقلتيه اخرسها.

ازدردت ريقها بتوتر وهي تضع كفيها على صدره، تهاون دفاعها وهي تستشعر نبضات قلبه التي تكاد تخرج من ضلوعه من أثر ضجيجها، صاح وسيم بحدة طفيفة وهو يدفع بجسدها داخل المصعد لتصطدم بمراة المصعد وجسده يخيم فوقها واغلق المصعد عليهما لتبقي هي في عرين الأسد بمفردها!
- رايحة فين يا هانم ب المسخرة دي
سبته بعنف بداخلها وهي تحاول أن تستند بجسدها لتمتم بسخرية شديدة
- رايحة البيت وشوفلك بقي ست تنام معاها.

مرر يده على خصلات شعره يكاد يقتلعها اقتلاعا من جذورها، رمق تنورتها الاسكتلندية القصيرة واسفلهما جوربين سوداين سميكين، يا الله ما هذة الحشمة التي ترتديها، اقترب منها وهو يقبض على مقدمة ملابسها ورأسه يدنو نحو شفتيها قائلا بهدر
- جيهان اتكتمي لانك اوقات مبتعرفيش بتقولي ايه
رفعت عيناها الساكنتين له، تخبر قلبه لتدع الحبيب يقترب أكثر، اسبلت بأهدابها وملامحها سكنت بوداعة مخيفة لتهمس برقة.

- وسيم انت محبتش؟، يعني من وسط الستات اللي قابلتهم مفيش واحدة أثرت فيك
صمت للحظات وهو يدقق النظر إلى عينيها، ازدرد لعابه وهو يبتعد عنها حينما استشعر خطرا محقق ليهمس ببرود
- اه فيه، لكن للأسف مكملناش
اتسعت عيناها والألم لم تعتد تحتمله، هل لهذا السبب لا يراها؟، وقع في عشق امرأة أخرى ولا يود الخوض مرة أخرى؟!، همست بنبرة متهدجة والدموع حبيسة داخل عينيها
- طب هي فين دلوقتي.

اشاح يده بلا مبالاة وهو يمرر يده على خصلات شعره المشعثة ليقول
- مش مهتم اعرف
أجلت حلقها وهي تهمس بنبرة خانقة
- طب انا اعرفها، ده انا كنت لازقة جنبك سنين كتير من اول ما وعيت على الدنيا حتى قبل ما تتغير
اتسعت عينا وسيم وهو يلتفت إليها مرددا كلمتها باستنكار
- اتغير؟

وسيم الهادي والحنون والمراعي، الذي كانت تعتبره سندها ورفيق دربها ومعلمها لا اثر له، اصبح نسخة باهتة حينما جرى خلف ملذاته، انتبهت إلى الدموع التي تغرق عينيها لتمسحها بعنف وهي تهمس بصلابة
- ايوا يا وسيم اتغيرت، بقيت نسخة لشباب كتير بيضيعوا حياتهم على الفاضي، يعني ايه اللي غيرك وبقيت بتدور على علاقة تمتعك كراجل
مسح على وجهه وهو يكاد يقتبس من الصبر الواشك على النفاذ، ضم قبضته بعنف وهو يتمتم بحدة.

- جيجي الكلام ده كبير مش هتقدري تستوعبيه
رمقته باستنكار شديد، هل يخرسها حينما تواجهه بجرأة بحجه مبتذلة كتلك؟ّ! صاحت بحدة وهي تثور بوجهه تدفعه بعيدا تخرج من المبنى لتتوجه نحو سيارتها
- وسيم شوفلك حاجه تانية وواجهني بيها، انا مش صغيرة واظن انك اكتر واحد عارف كل سر وايه اللي مخبياه ورا بابا.

سارع وسيم بلحاقها وهو يجرها بغلظة شديدة نحو سيارته، دفعها ببعض من العنف لتجلس على مقعدها، تأوهت صارخة بعنف وهي ترفع يدها لتشتبك به إلا أنه دحض ثورتها وهو يصيح بحزم شديد
- جيهان، اعتقد ان احنا قفلنا الحوار ده زمان
تنفست جيهان باهتياج شديد لتصيح صارخة في وجهه
- قفلته زمان لاني كنت صغيره ومش فاهمه، افتكرت حاجة عادية و انت طمنتني، لكن تقدر تقولي ليه بوستني يوم الخطوبة لما جيت اتصور.

تجمد وسيم وهو يرفع بنظرات عينيه نحوها، يحاول أن يتناسى يوم فقد بها رشده، بل اتزانه، اندفع كثور احمق باهتياج نحو صاحب الرقعة، كز على أسنانه وهو يتحدث بنبرة مفتعلة
- جيهان
اغلق الباب خلفه بحدة، لترفع بوجهها من خلال النافذة وهي تصيح بجراءة شديدة
- رد وبطل شغل الجبنا ده، تقدر تقولي لما حاولت...

استقل سيارته وهو غير عابئا بصراخها ولا حتى عابئ نحو عدد من الناس الذين يتابعون بفضول، تمتم بصراحة شديدة وهو يتحرك من المكان بسرعة عالية
- كنت راجل وضعف في لحظة، ايه افتكرتي ايه مثلا غير ده، مش انا ماجن؟
زفرت جيهان يائسة وهي ترفع عيناها نحو سقف السيارة، تدع الهواء يلطف من جحيم نيرانها المستعرة لتمتم بانهاك
- وسيم انا تعبت، وانت تعبت، خلاص بقي انا مبقتش صغيرة روح شوف حياتك.

لا يعجبه المنحني الذي تذهب إليه، رمقها بطرف عينيه باستخفاف ليستخدم الجهل قائلا
- عايزة ايه من الاخر فهميني
ازدردت ريقها وهي تفكر في عمرها الذي سيذهب في غمضة عين، هي فعلت الكثير، سافرت وتشارك في سباقات، نشوة الشباب في أوج ذروتها، لكن الضعف احتاجها، ضعف مشاعرها يحتاج لشخص يشارك جنونها، تمتمت بصراحة شديدة.

- عايزة اتحب يا وسيم، عايزة اتحب، اكون مهمة عند واحد لدرجة أن يومه ميكملش بدوني، حياته يحس ملهاش طعم من غيري، وحياتي انا تكمل بيه، لدرجة منعرفش ننفصل عن بعض.

قبض وسيم بعنف على المقود، مجرد تفكير رجل يحوم حولها غيره، تثير سخطه وغضبه، الفتاة تلك فتاته الصغيرة، هو من رباها واعتني بها كيف تسلم نفسها لرجل وتريد ان تجرب الحب؟!، لم يظهر من ملامح وجهه التي تكاد تشبه الرخام شيئا من مراجل غضبه الداخلية سوى اختلاجة في فكه، انصت مستمعا إلى تنهيداتها الناعمة لتتابع بعبوس.

- انت من ناحية بتبعد أي راجل يحاول يقرب، شوفتك وانت بتطرد اللي اسمه باسم من الاوضة، وبابا من ناحية اني طايشة ومتهورة، طب امتي هلحق احب، امتي هعيش كل ده والعمر بيجري مني
اجلي حلقه وهو يضع عينيه على الطريق ليهمس بنبرة فاترة
- احنا مش عايزين ليكي غير اللي يستحقك، جيهان انتي رقيقة جدا رغم كل اللي بتعمليه انا عارفك كويس، بتدعي الشجاعة لكن جواكي عارف انك مرعوبة.

هزت رأسها ساخرة، يردد كلام والدها كالببغاء، همست بعفوية شديدة
- جوزنى
شهقت بفزع حينما اوقف سيارته، حمدت الله انها واضعة حزام الامان وإلا لوجدت رأسها زين زجاجة سيارته، كادت ان تصرخ في وجهه بعنف الا ان الجحيم في عينيه ونبرته الهادرة جعل جيوشها تتقهقر منهزمة من اول جولة
- والله في يوم عايز اديكي علقة عشان تفوقك
خبط وسيم بعنف على المقود وهو يسمعها تغمغم بهذيان شديد.

- عايزة حضن، يضمني في حضنه و اسند راسي على صدره واحنا نايمين على الارض نبص للسما فوق، او في البحر نلعب مع بعض في الماية ويجي يشلني ويغرقني في البحر لما استفزه، عايزاه يعلمني السباحة لاني بخاف من الماية جدا، يعلمني وانا في حضنه
يا الله، لن يتحمل اكثر من هذا، خلع حزام الأمان الخاص به ليقترب منها ممسكا بعضديها بخشونة جعلها تتوجع هامسة بألم
- ايي، بتوجعني
خبط بعنف على رأسها لتزداد الما وهو يقول بجنون.

- انتي اتجننتي، جرا لمخك ايه يا مجنونة
مطت شفتيها باستياء وهي تري اقترابه الغير برئ بالمرة، ابتسمت بمكر شديد لتقول بوداعة شديدة
- الله مش انت اخويا، والاخوات من حقهم يحكوا لبعض كل حاجه، انا مرضتش احكي تفاصيل واديت لمحة عن اللي في خيالي.

تركها وهو يعود لمقعده، غير قادر للرد عليها، فقد أربكته بردها، أليس هذا جواب حينما يتدخل في حياتها، قاد سيارته بسلاسة والصمت هنا متوتر، تنهد وهو يتنفس الصعداء حينما اوقف سيارته امام منزلها ليقول بحدة
- امشي من وشي حالا لحسن وربي ما اعرف هعمل فيكي ايه
ادعت الابتسامة البريئة لتهمس بخبث
- وسيم بطل بقي الله، يلا يا بيبي باي.

شيعها وسيم بنظراته، وهو يتمتم، تلك المجنونة صاحبة الوان قوس قزح تأثيرها أصبح فتاكا عليه!

- انتى اتجننتى، هو جرا ايه لمخك قولنا عقلنا لكن بقينا مجانين
هدر بها معتصم وهو في صالة فيلته الفسيحة ينهر شادية التي تقف امامه بصلابة شديدة ومن خلفها يقف عاصي الذي يتابع الأمر بوجه غامض..

هزت شادية رأسها يائسة وهي تستشعر وجود عاصي خلفها، جيد انه لم يبرح من مكانه حينما فجرت قنبلتها في وجههما، ليسا هذان الاثنان لهما الحق ليبعثا بحياتها كيفما اردا، ليس بعد الآن، همت بالاقتراب منه لكنه منعها بوقاحة شديدة، زفرت وهي تغمغم برزانة
- بابا من فضلك، احنا مش لوحدنا
رمق معتصم عاصي الذي يلاحظه يتململ في وقفته، ليعود النظر إلى عيني شادية قائلا بسخرية
- ما عاصي مش غريب.

هل يهزء بها والدها؟! حسنا، ليظل في مكانه ذلك الرجل، صاحت بنبرة باردة
- انا مش هتكلم لو فضلت متعصب كدا
هز معتصم رأسه وهو يصرخ باهتياج شديد
- لا واضح اني معرفتش اربي، طبعا ما سايب الحبل على الغارب
رغم صراخه الا ان ابنته تعلم انه لن يؤذيها، اقتربت منه بخوف كي لا يرتفع ضغط دمه وقالت بنبرة ناعمة علها تؤثر على قلبه
- بابا
قاطعها بحدة طفيفة وزمجرة خشنة منه.

- انتى تخرسي خالص، مش خلصنا من موضوع العيلة دي تقوليلى عايزة تتجوزي من لؤي
تمتمت بصراحة شديدة وهي تقف امامه بعدم خشية، عيناها لا يسكنها الخوف
- هو اتقدملي قبل الخطوبة لكن انا قولت يسيبلي وقت افكر
ابتسم معتصم ساخرا بشدة، كيف بعد أن المخاصمة التي فعلها غالب يعود مرة اخرى اليه يشبكان أيديهما معا؟!
- بعد شهور حنيتي عليه مش كدا
توسلته حرفيا وهي تنظر بعينيها تضعف صلابة والدها.

- يا بابا بقي، خليني في مرة امشي على قرار عملته
زفر معتصم متنهدا بيأس شديد، يبحث على أول مقعد يجلس عليه وهو يقول متمتما بنبرة خشنة
- بت انتي، انتي واختك عايزين تموتوني، جواز منه لأ يعني لأ
اثنت شادية ساقيها وهي تضع كفيها على ساقيه تهمس بنبرة مقنعة، تخبره انها موافقة على تلك الزيجة
- بابا ممكن تفهمني بقي ليه الباشا ده ملازمني في كل مكان اروحه ها؟، وجيهان لأ.

رمقها بنظرة ذات مغزى، نظرة تعلمها شادية جعلت القوة في عينيها تنكسر وتنكس راسها وهو يغمغم
- اظن انك عارفة السبب
هزت رأسها وهي تلعن في سرها معاذ، وسبب الخراب الذي جلبه لحياتها الهادئة لتمتم
- عشان خطوبة واتفركشت
قاطعها والدها يتمتم بحدة وتصحيح
- كان كتب كتاب و كنتوا هتعملوا فرح لكن في آخر لحظة اتلغي.

هزت شادية راسها برفض، لماذا هي وليس شقيقتها؟!، هل كل امرأة تلغي زفافها قبيل فرحها يجب أن تتوارى خلف حائط منزلها؟!، لماذا يخشى والدها إذا؟، رغم علمها الاجابة وهي تجيب بندم، أنها ضعيفة أمام الرجال، هذه حقيقة لا تنكرها، نتيجة اعتزالها عن الجميع ومحاشتهم قبل أن تقرر أن تعمل وظيفة تتعامل بها مع الرجال في عملها، خشي والدها أن تضعف مرة أخرى وأصر وقتها بتعيين رجل ذو ثقة يحميها من اي نظرات او تقارب غير برئ من رجال غير موثقين.

رفعت رأسها لتنظر عينيها المليئة بالدموع لتهمس بتألم
- للدرجة دي يا بابا مش واثق فيا؟
وضع معتصم يده على رأسها ليرد بهدوء
- انا مقولتش اني مش واثق فيكي، لكن خايف عليكي، والكلب ده مش عايز افتكره عشان متعصبش عليكي
ابتسمت شادية بنعومة، وشروق شمسها جعلت شفتيه تبتسم دون وعي منه، صغيرته تشبه حرارة الفلفل مغموس داخل عسل نحل، تمتمت شادية وهي تقوم واقفة لتقول.

- طيب ممكن تهدي واقيسلك الضغط وبعدين ابقي قول اللي انت عايزة
اقتربت تطبع قبله على جبهته، وعيناها تطمئنه، تخبره انها واثقة من ما هي مقدمة عليه، مدت كفها نحوه لتهمس
- هات إيدك يا حبيبي
وضع يده على يدها ليستقيم متوجها نحو غرفته وهي تضم بجسدها في حضن والدها قائلة برقة.

- انت عارف يا حبيبي انك نور عنيا، وأنا عمري ما رفضت طلب انت طلبته مني، بالعكس كنت بنفذه من غير ما اناقشك، حتى معاذ لما اتقدملي انت وافقت عليه مرضتش اعترض واقول لأ، ولما جيه حارس عشان يحميني زي ما انت بتقول
- حبيبي انت قولتلي ان الموضوع ده مجرد فترة مؤقتة لحد لما الاقي اللي عايزة اكمل معاه حياتي مش كدا؟

فتحت باب غرفته وهي تجلسه على فراشه، تجلب جهاز الضغط لتقيس ضغط دمه، رقتها وحنانها يجعل معتصم تتراجع جيوشه عن الاقدام، لكنه صاح بتبرم شديد
- وعشان انتي مش عايزة تقعدي معاه ترمي نفسك للنار
همست بهدوء شديد وهي تقول بهدوء شديد
- لؤي يا بابا كويس في شغله ومجتهد وطموح، ملهوش علاقات باي ست بالعكس، حتى كمان تقدر علاقتك مع غالب المالكي تتحسن، ارجوك بقى
التوسل في صوتها يعذبه.

هو لن يحبس ابنتيه داخل جدران منزله رغم انه احب عليه، لكن مسير حياتهما سيكونا في منزل أزواجهما اللذين سيختارهما بنفسه، نظر بطرف عينيه وهو تمارس دور الطبيبة عليه دون تذمر شديد وحينما انهت قال بنبرة ممتعضة
- متحاوليش يا بنتي
زفرت بيأس وهي تنظر الى الجهاز ثم اليه لتمتم بعبوس
- ضغطك عالي يا حبيبي، انا مش عايزة منك غير موافقتك، ده اول طلب اطلبه منك متكسفنيش
أكثر ما يكرهه هو الالحاح، قال بعبوس شديد به تذمر.

- خطوبة، وبس، ولفترة طويلة ماشي، ولو عرفت ان وراه حاجه او نظرتك عنه طلعت غلط هتنفذي اللي هقولك عليه بدون كلمة
اقتربت تقبل وجنته وهي تهمس برقة وعيناها تلمعان باهتمام شديد
- حبيبي
قبلت وجنته الاخري لتلح على شفتي معتصم ابتسامة ماكرة، الماكرة تعرف كيف تربح في حربها، مثل امها رحمها الله، استمع الى صوتها المرح
- احلى بابا في الدنيا، بالمناسبة دي خليه يجي اخر الاسبوع ونعمل الخطوبة.

اتسعت عيناه بدهشة وهو لا يصدق، خطبة آخر الأسبوع، اي خطبة تلك بعد ثلاثة أيام، تلك المجنونة صاح بدهشة
- خطوبة؟!
قالت بابتسامة ماكرة وهي تقول بهدوء
- بابا احنا هنقعد المدة اللي هتتفق عليها، حضرتك حددت مدة الخطوبة مش وقتها
شعر بالغيظ يكاد يأكله لكن ابتسامتها الدافئة وقبلتها على خده جعلته يتسم بالغضب البارد وهو يتوعد لها
- ماشي يا شادية، ماشي، مبقاش انا معتصم لو منهتش الخطوبة دي.

ألقت قبلة في الهواء وهي تغلق الباب خلفها ومعتصم يتسم بالغيظ الشديد منها، ليس ابن السويسري إن لم يعرف قرار هذا الغامض المدعو لؤي، داخله يتنهد وهو يقول ألا يكفيها معاذ الذي قررت أن تكون هي الشاة المساقة للذبح، لما تكرر ما فعلته بالماضي مرة اخرى، يكاد يجن وهو يحاول ما يدور في عقل ابنته!

القت نظرة في الصالة لتجد ان لا اثر من وجوده، تنفست الصعداء وهي عازمة للتوجه نحو غرفتها الا ان صوت اغلاق سيارتها اتوماتيكا جذبها، توجهت خارج الفيلا وهي تلاحظه يحمل حقيبته وسترته يحملها على يده الاخرى، أصدرت صوتا وهي تهمس بهدوء
- انا افتكرتك مشيت.

لعب عاصي بمفاتيح سيارتها لثواني، حتى الان لا يود معرفة إجابة لما تتحاشاه؟!، لما تخشي منه؟ وتخشى الاقتراب من أى رجل؟!، وكيف هي التي تخشى من الرجال تود تجربة خوض تجربة أخرى يبدو أنها كسابقتها، رفع عيناه والغموض الذي اكتنفه جعلها تنظر اليه بعبوس شديد، انفرجت ابتسامة لطيفة على شفتيه وهو يتمتم بنبرة هادئة
- مبارك يا استاذة على الخطوبة
هل تلك اجابته؟
لا صراخ كما كانت ستتوقع.

او شجار كلاهما يحاول اثبات وجه نظرة
أو ضغينة يحملها
مجرد ابتسامة عادية ونبرة رخيمة يهنئها لخطبتها، إذا ما يدور في عقلها هو محض خيال، مجرد نسجته في عقلها، مررت يدها على طول ذراعها تستجلب الدفء في جسدها لترد بنبرة فاترة
- الله يبارك فيك
هم ان يغادر لكنه عاد يقول بنبرة غامضة
- انتي متأكدة انك فعلا عايزة العلاقة دي
لا تعلم خلف سؤاله ما يود الوصول اليه، الا انها رفعت رأسها بشموخ لترد عليه بجمود.

- مش قولتلك لو هدخل في علاقة، هدخل بعقلي
مال شفتي عاصي بابتسامة ساخرة، الغبية تفضل ان تدفن رأسها في التراب كالنعام بدلا ان تستمتع بالحياة التي أمامها، ما العيب ان عاشت علاقة حب قبل الزواج؟!، ما الشيء تحديدا تخفيه تحت طبقتها السميكة الساخرة، تمتم بنبرة محذرة
- متجيش تتندمي بعد كدا
توقع ان تصمت، إلا أنها ردت عليه بحدة
- مين قالك اني مندمتش قبل كدا، بس انا عايزة استمر في علاقة هادية.

لطالما هو يكره زيجة المصلحة، دائما يكون في طرفهما شخص واقع في حب شخص يائس من الوصول والظفر إليه، لأنها الطرف الجامد، صاحبة المشاعر الفاترة، فالطرف الآخر هو الذي يجب أن تقلق منه، تمتم بنبرة غامضة
- لو في قلبه ست غيرك؟

اتسعت عيناها للحظة، غموض لؤي فعلا قاتم، لا تعلم اي شيء عنه ك وسيم ووجد، الا ان من فترة كان لؤي خرج عن جناح عائلته، لا تعلم أكانت تلك شائعة أم حقيقة لكن بعد فترة نكر غالب تلك الاشاعة ولؤي معه في المؤتمر الصحافي، لا تعلم لما طفقت الذكري تغزو عقلها في الوقت الحالي؟!
هل هذا جرس الإنذار؟
رفعت عيناها تنظر إلى عينيه لتهمس بنبرة صلبة
- عاصي
وجه عاصي اهتمامه نحوها، لتهمس شادية بحدة.

- انا مش عايزة حب ولا عايزة حد يحبني، الحب حاجه بتوتر اعصابي وانا عايزة اكون هادية مع اللى هيكون معايا، وبعدين لو بيعاملني كويس ده اللي عايزاه
تمتم عاصي ببرودة أعصاب تستفزها
- مختلفين انا وانتي في النقطة دي
قاطعته بوقاحة شديدة
- احنا عمرنا ما اتفقنا على حاجه
ليرمقها بغموض قائلا
- وأنا عمري ما هغصب حد على حاجه هو مش متقبلها
مررت شادية على خصلة من شعرها انفلتت عن شقيقاتها لترد.

- قولتلك مختلفين، اعتقد ان في الفترات الجاية مش هنشوف بعض كتير
رمي مفتاح سيارتها بعدم اكتراث ليقول عاصي بجمود
- لو مهمتي خلصت هنا، لسه في شغل تاني في مكان تاني
التقطت مفتاح سيارتها بيدها، وحمدت ربها ان رسالتها وصلت اخيرا له، تمتمت بحنق
- اتمنى في يوم انك تلاقي اللي بتدور عليها
رفع رأسه وهو يقول بنبرة عابثة، واثقة للغاية
- هلاقيها.

رفعت رأسها بسخرية، وداخلها يعلم انها طوت صفحة عاصي نهائيا، عيناه لا يوجد بهما شيئا يجعلها تخشي منه كما خيل لها عقلها، تنهدت بارتياح شديد حينما توصلت لتلك النقطة اوقفته وهي تقول بنبرة مرتفعة
- العمر مش هيتسرقش منك، ريح نفسك شوية من الشغل، العالم مش هيجراله حاجه لو اخدت استراحة
دار عاصي على عقبيه وهو يقول بنبرة ساخرة
- طلعتي جبانة.

ما زال بنفس وقاحته، لن يتغير، هزت رأسها يائسة لترفع وجهها وهي تقول بنبرة حادة
- افندم
قال بصراحة شديدة
- بدل ما تتعاملي مع الموضوع وتواجهيه بتختاري اسهل حل وتهربي منه
المثير للغيظ كيف هذا الرجل قادر على قراءتها، يعلم خفاياها بطريقة مزعجة، تمتمت بيأس شديد
- عاصي انا تعبانة ومش قادرة اتخانق معاك
قال بنبرة ساخرة ليضع المزيد من الزيت في الحطب
- انا عايزك تردي عادي، قولتلك تتعصبي مثلا؟

همت بالرد الا ان صوت جيهان المبتهج قالت بهدوء شديد
- مساء الخير عليكم
ضيقت شادية عيناها نحو تنورتها القصيرة بامتعاض لترفع عينيها وهي ترى سيارة وسيم القابعة أمام بوابة منزلهما، عادت بعينيها نحو جيهان التي تنظر نحو عاصي بنظرات مريبة بعض الشيء، قال عاصي برسمية شديدة
- مساء الخير يا استاذة، اعتقد مفيش شغل بعد الوقت ده، عن اذنكم
استدار عاصي راحلا لتشيعه جيهان بعينيها وهي تتنهد بحرارة.

- يختي ايه الحلاوة دي وهو بيقول كلمة استاذة، انا عمري ما سمعت الكلمة دي الا من افلام الابيض واسود
كانت جيهان تعقد مقارنة بينهما، حتما ترغب برجل مثل عاصي ان كان وسيم غير متاح منذ الان، انتبهت على صوت شادية الحازم
- عايزاكي تجهزي اخر الاسبوع ورايا خطوبة
هزت جيهان راسها رافضة للعمل معها مرة اخري
- لا زباين بتوعك احرميني منهم
قاطعتها شادية تقول ببرود شديد
- خطوبتي يا هانم.

اتسعت عينا جيهان بدهشة وهي ترمقها وترمق الحارس الخاص بها، ما الذي فاتها؟، تمتمت بنبرة هادرة
- ايه؟ امتي الكلام ده حصل
صاحت شادية بجفاء شديد وهي تشيح يدها بحركة انها ترغب بالسلام الهادئ
- والاسبوع الجاي حضري شنطك قررت اتعطف عليكي عشان هتسافري معايا سياحة
منعتها جيهان من الدخول للمنزل لتقول جيهان وهي تضع يدها على جبين شادية
- شادية حبيبتي انتي سخنة
أزاحت شادية جسد جيهان بعيدة عنها لتهمس بإرهاق.

- هقولك باقي التفاصيل بعدين، انا طالعه انام، بكرا هنروح لفريال عشان نزار هيتقدم لرهف
وقفت جيهان بمفردها وهي لا تصدق، هل الجميع ستزوجون وستبقى عازبة حتى يحن والدها؟!، هزت رأسها وهي تقول بحنق لتدخل الى منزل غالقة الباب بحدة
- هو موسم التزاوج امتي بدأ؟، طب وانا فين من كل ده.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة