قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل التاسع

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل التاسع

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل التاسع

أرخت شادية جفنيها وهي ترفع ساقيها أعلي الحائط، تلك الوضعية تخفف من توترها بل تحاول مساعدتها على النوم والاسترخاء، عضت على شفتها السفلي وهي تحاول تجاهل أحداث اليوم التي مرت، هل تكذب وتقول انها لا تتعلق بحديث عاصي.

هزت رأسها نافية، لم تتأثر، لكنها بحاجة لشخص ومستمع جيد يرشدها للطريق الصحيح، هي لا تعلم ماذا فعلت بحياتها وما أجرمت في نفسها لتعاقب بتلك الطريقة المؤلمة، تعلم انها في الماضي كانت شخصا آخر غير ما كانت عليه، اختنقت أنفاسها وهي تمرر يدها على خصلات شعرها وهي تشعر كلما تخرج خارج المنزل انها عارية، لم تعتاد حتى الان ان تكون بشعرها، يشهد الله انها حاولت اعادة ارتدائه لكنها لم تقدر، كلما تنظر في المرأة تتذكر كم هي ملوثة، نجسة لا يصح لها الاقتراب من شيء طاهر، تخشى أن تلوثه رغما عنها.

تخشي أن تعطي صورة خاطئة لفئة معينة، لا تريده كستار للخفاء كما تفعل بعض النساء، فتحت جفنيها والدموع تهبط بصمت حزين
تريد سبيل راحة لكل هذا، لكن كيف تشعر بالراحة وهي تجلد نفسها كل يوم، كل هذا بسبب خطبتها بذلك الحقير معاذ، تحمد الله انها تخلصت منه قبل الزواج ومن بعدها رفعت شعار لا للزواج ، طفق مشهد يوم حينما اشفت غليلها من نانسي لتتذكر صباح اليوم...

انهت شادية واشرفت على الزفاف الذي كان يبدو رائعا كما رغبته دائما، منظم، أنيق، ملوكي، هادئ، وكلت مساعدها للاشراف على حفلة الزفاف وقررت هي أن تأخذ راحة قليلة قبل أن تستعد لذلك الزفاف العجيب مع زوجان غريبا الاطوار اللذان قررا ان يقيما افراحهما في المعابد، شهر شاق ستتنقل بين محافظة واخري مع طاقم كفء ولا تنسي طاقم التصوير الاجنبي وترغب ان لا يكون المسؤول رجل بارد خنيق حتى لا تأتي في يوم وتكسر كاميرته عنوة على رأسه، اقتحم عاصي افكارها الشريرة ليقول بنبرة هادئة.

- نمشي؟
ألقت شادية نظرة سريعة على قاعة الزفاف بفخر وعيناها تلمع بظفر كون العمل نال اطراء العديد من صديقات العروس ووالد العروسان لتهمس بدون وعي منها
- كل يوم لما اخلى العروسة يوم حلمها احلى يوم بحس اني
صمتت لثواني وهي تحاول أن تختار كلمة تجمع بين السعادة والنجاح ليغمغم عاصي مقاطعا بنبرة رخيمة
- فخورة بنفسك
هزت رأسها وهي تمسد عنقها لتغمغم موافقة
- فخورة بنفسى، وانت ايه اللى مخليك فخور بنفسك؟

اجفل عاصي من سؤالها المباغت، لم يتوقع أنهما يتناقشان بودية الان، بل يتبادلون اطراف الحديث، ك صديقين حميمين وليسا رئيسة وموظف، ابتسم بحنين وهو يغيب بذاكرته قديما ليتمتم
- لما اسعد اللى قدامى.

نظرت شادية باهتمام نحوه لترفع عيناها وهي تحاول الغوص في عمق عينيه، تحتار كثيرا لمعرفة لون عينيه هل هما سوداء أم مائلة للاخضرار؟! نهرت نفسها سريعا من وقاحتها لاطالة النظر في عيني الرجل لتمتم بعدها بارتباك وهي تعبث في خصلات شعرها
- اى حد؟
ابتسم عاصي بعبثية وهو يلاحظ الاحمرار الذي يغزو شفتيها، والارتباك الذي طغي على ملامح وجهها حتى انها تعبث بخصلات شعرها المعقودة بأحكام ليرد ببساطة
- اى حد.

هزت شادية رأسها عدة مرات وهي تخجل من نفسها، بالطبع ذلك الغبي لن يترك فرصة كتلك الا ويستغلها أسوأ استغلال تعلمه، رجل لا ينسى ابدا وان تظاهر الان بعدم ملاحظته، سارت مبتعدة عنه وهي تحاول الابتعاد عن زاوية الجاذبية الخاصة به، بطرف عينيها وجدته يسير بجوارها ويخيم عليها بضخامة جسده التي تخبرها بصمت أنها خاسرة في أي حرب ستخوضها، غمغمت ببرود
- ايه اللى خلاك تشتغل بودي جارد.

وضع عاصي كفيه في جيب بنطاله وهو يسير بكل ثقة، رجل تفوح منه رائحة الرجولة والثقة المفرطة وجاذبية لن تنكرها، وليس بموظف، غير معقول أن يكون موظفا عاديا هذا الرجل، شيئا به يخبرها بذلك، أجابها ببساطة شديدة
- حاجه جديدة قولت اجربها، غير أن منكرش فلوسها مش وحشة
- بس متعبة
أومأ عاصي برأسه لينظر إلى عينيها التي تختلس النظر نحوه ليتمتم
- مفيش شغل من غير تعب
تساءلت بتهور شديد.

- ايه اليوم اللي هتقرر فيه تسيب شغلك وتخش في مجال تانى
صمت عاصي لثواني قبل ان يقبض عليها متلبسة وهي تسترق النظرات له، توردت وجنتيها وهو ينظر باستمتاع رجولي، يري تأثيره على إمرأة مثلها ليجيب بغموض
- لما احس اني اديت مهمتي في الحياة اخد استراحة
رده الغامض لم يعجبها اطلاقا، همت أن تسأله وتستفسر أكتر أي مهمة تلك التي يؤديها الا ان صوت غاضب اخرجها من غمامة كانت تطفو عليها.

- انتى باى حق تسرقى زبونى يا شادية
دارت على عقبيها وهي تري نانسي صاحبة الخصلات الحمراء تكاد تنفجر غضبا، هل وصلها الخبر اذا، ابتسمت شادية بمكر شديد وهي تقترب من نانسي لتتسائل بدهشة
- ثوانى كدا هو مين اللي بيتكلم ده، اصل سامعة حشرة بتتكلم
استشاطت نانسي غضبا لتنفجر هادرة في وجهها، تلك اللعينة كيف خدعت بها، الحية الخبيثة تقسم انها تعلم انها ستوجه لها ضربة قاضية لكن ليس بتلك السرعة.

- انتى اتجننتى، انتى عارفة انا مين
رفعت شادية كفها في وجه نانسي لتخرسها، عضت نانسي على شفتها السفلي بغيظ لتسمع صوت شادية الحازم
- دخلة الهمج دي عمرها ما هتدخل عليا، انتى عارفة انا مين، ملوش لزوم بقى تحرجى نفسك قدام الناس، والزباين اللى بتخطفيهم منى للاسف مش بيعجبهم شغل جودتك يا خسارة.

نطقت آخر كلمة بأسف مصطنع ليتفاقم الغضب داخل جوف نانسي ولا تعلم انها بفعلتها جذبت أنظار بعض الناس، تنفست بهدر وهي تسمع صوت شادية الماكر
- يلا يا حبيبتي شوفى شغلك، عشان تعرفي في الاخر ان ليا بيبقي في الاخر ليا
طرقت نانسي على الارضية المصقولة بكعب حذائها قبل أن تستدير راحلة وهي تقسم في سريرتها ان ما فعلته شادية لن يمر مرور الكرام.

كانت تود شادية في تلك اللحظة ان تصرخ بانتصار وترقص في بهو الفندق الا انها في تمسكت بطرف الحزم الا ان ابتسامتها المتسعة لم تغادرها ليعبس عاصي متسائلا
- عملتى ايه؟
هزت شادية كتفيها وقالت بمكر
- ابدا قررت امسكها من اللي ايديها بتوجعها
ضيق عاصي عيناه لثواني قبل أن يقول
- الفلوس!
هزت رأسها نافية لتهمس بصوت خافض كما لو أنها تفشي سر الحرب.

- المكان، المكان اللى هيعمل فيه الامير حفلته صاحب المكان يعرف بابا كويس ف اداني حرية التصرف في المكان ومعايا عقد ايجار لفترة محترمة اووي، نانسي حاولت تاخد المكان بطريقتها معرفتش حاولت تشوف اماكن تانية وتعرضها على الأمير لكن
صمتت وهي تبتسم بعبث ليجيب عاصي
- الأمير انجذب للمكان الاول.

اومأت رأسها موافقة عدة مرات وهي تنفجر ضاحكة بانطلاق يراه عاصي للمرة الأولى، بهت لثواني وهو يراها بدون وعي تصفق بيدها بمرح وتلف حول نفسها عدة دورات ليحمحم عاصي بجدية وهو ينبهها لتصرفها الطفولي، تسمر قدمي شادية لتتسع عيناها وهي تنظر حولها لتجد ان عاصي هو الشاهد الوحيد على تهورها وقد غطاها بجسده عن اعين الجميع، ارتبكت حينما وجدت انه على مقربة منها بطريقة مخيفة، ليبتعد عاصي عدة خطوات وهو يترك لها مسافة للمرور، أطرقت رأسها خجلة من نفسها وهي تتوجه نحو السيارة تصعدها بصمت، انزوت بعيدا عنه وهي تغلق نفسها لتسمع تعليق عاصي.

- وايه اللي خلاه يمشي في الأول؟
حاولت ان تجد تتحدث، لسانها التصق في سقف حلقها ووضعها في موقف مخزي وخصوصا نظراته المتفحصة لا ترحمها، حمحمت بجدية وهي تجيبه ببرود
- نانسي قدمتله سعر اقل وقالت هيكون بنفس مستوى فخامة الأول ويمكن احسن
هز عاصي رأسه يائسا، الناظرة عادت مرة أخرى، غمغم بعملية وهو ينظر للطريق
- نرجع البيت
استمع الى صوتها الهامس
- ياريت.

راقبها عاصي من مراة السيارة الداخلي وهي تعود لقوقعة نفسها، كأنها تجلد ذاتها اذا تفتحت، هز رأسه يائسا وهو يضع عينيه على الطريق حتى لا يتسبب بحادثة طريق.
استقامت شادية قائمة من مجلسها حينما تذكرت من خضم افكارها المشوشة سبيلها لإنهاء كل توترتها، هو الوحيد الذي قادر على مساعدتها، حتما هو!

اليأس يفقد قيمة الأشياء التي كانت لها قيمة
يأس من الأشخاص والحياة حتى الذات نفسها
يصر على غرق نفسه قبل إغراق السفينة ولما؟
اليأس الذي نخر وجدانه لا يعلم متي أصابه حتى انتشر في دمه كمرض قاتل، لكن يريد أن يغتنم راحة ولو لفترة
هو ليس مثاليا
بل لا وجود للمثالية في عالم الخداع والمكر، الجميع يرتدون وجوه الطيبة فقط حينما يشعرون بالخطر المحدق بهم، وهو الخطر كما أسموه.

أطلقوا عليه القاتل، عديم الرأفة والرحمة، الساخر، ذو القلب الميت، لطالما صرخت بها زوجة ابيه حينما كانوا على وشك فقدان رهف من الخطر الذي ألقى ظلاله عليها، لكن الله وحده يعلم كيف كان على وشك فقدان تهوره حينما غفل عنها لثانيتين
لم يكن ليسامح نفسه أن خسرها.

زفر نضال بحرارة شديدة وهو يمرر أنامله على خصلات شعره، شمسه ابتعد عنها وانزوى بعيدا لفترة، لا يريدها أن تكون شاهدة في أعز ايامه ضعفا وهشاشة، فهو نضال الغانم الملقب بزير النساء، ذو القلب المتحجر كيف يضعف أمام كائن صغير!
مرر يده على خصلات شعره وهو يستل من علبه سجائره لفافة تبغ ضاربا بنصائح الطبيب عرض الحائط، فليمت فمن سيسأل عنه، بل سيكون الجميع سعداء برحيله.

رنين جرس الباب الملح جعله يلقي شتيمة نابية وهو يقوم من الاريكة يشتم الخادمة التي لم تلقى اهتماما بالباب ليتوجه نحو باب الشقة وهو يفتحها بأعين نصف مفتوحة، ابتسم بسخرية وهو يغمغم
- ايه ده حامى العيلة وصل
القي وقاص نظرة نحو لفافة التبغ التي في يده ليشتعل الغضب في عينيه، صاح بصرامة شديدة
- فين فرح
مط شفتيه ببرود ليتمتم بلا مبالاة
- فرح، اظن انك ادرى بمكانها.

انفجر بركان وقاص ليمسك تلابيب نضال وهو يصيح بنفاذ صبر
- فهمنى بس، انت عايز ايه، بتعمل في نفسك كدا ليه
اجاب نضال بلا مبالاة وهو يجر على يد أخيه نحو الحمام، يدفعه اسفل الدش ليتصلب جسده من المياه الباردة المنهمرة على رأسه
- وقاص، انا اهو زي ما انا
لكمه وقاص بعنف ولم يكترث بالبلل الذي أصابه، هو يخشى على أخيه، يخشي لا مبالاته تلك، وكأنه يستعد نفسه للموت.

- مش انت، فوق بقي فوق، ناوي تحبس نفسك في الماضي لحد امتى
غامت عينا نضال لينظر نحو وقاص قائلا بسخرية مؤلمة
- انا مش عارف اطلع منه
نكس نضال رأسه أرضا ولسعات المياه الباردة لم تعد تتأثر بجسده، الحزن غيمه ولفة في غمامة منعزلة عن الجميع، مرر وقاص يده على خصلات شعره ليقول
- رهف هتتجوز، رهف هتروح لبيت جوزها، فينك انت.

يحاول عبثا إعادته للبؤرة، هو يعترف ومقر أنه كان مخطئا في السابق، لكن حبال الندم تكبله، لا يقدر على النوم ليلا وشبح صورة نضال وهو طفل صغير لا تغادر مخيلته اطلاقا، همس نضال بهدوء
- مش انا اللى بدمر، مش انا الوحش اللي فيكم، مش انا مجرد مسخ في العيلة دى، مش بعدتوني عنكم، بعدت عايز ايه تانى
هز وقاص رأسه نافيا وهو يهزه من كتفيه ليقول بصلابة
- عايزينك، نضال ارجوك، المركب هيغرق وانت مش موجود.

ابتسامة مميتة زينت شفتي نضال وهو يوضح له الصورة قائلا
- انتوا كنتوا في مركب وانا مرمى في البحر بحته خشبة تسندني وترفعني لفوق، كنت كلكم بتبصوا عليا، بصرخ وبقول ساعدونى وايه ردكم، كل واحد دور وشه للناحية التانية
انفعل في صوته وهو يزيح جسد وقاص عنه ليغلق صنبور المياه ويلتفت نحو وقاص بشرر.

- كلكم وانت اولهم إلا اسرار، اسرار الوحيدة اللى ادتنى حبل النجاة، كنا بنتخبى وقت ما نتقابل عشان مش عايز الفت هانم تأذيها
تحشرج صوت نضال وهو يشيح بعينيه بعيدا عن وقاص ليتابع بعدها قائلا
- حتى اسرار الغانم لما كانت في المركب محدش كان بيحاول يقرب منها، بنت عمك اليتيمة عمرك ما حاولت تخفف عنها، سبتونا احنا الاتنين جعانين وكل ده عشان ايه، ايه الوحش فينا عشان تكرهونا كدا.

خرج من الحمام وهو يتوجه الى غرفة النوم، الا ان صوت انثوي اربكه
- نضال
استدار حتى يري صاحبة الصوت، اختنقت انفاس نضال و التمعت عيناه وهو يرى دموعها التي تهبط بصمت، غمغم بصوت مختنق وحبل الندم يكاد يزهق روحه
- رهههف
تمتمت بتوسل شديد وهي تقترب منه
- متسبنيش ارجوك
دفنت نفسها بين ذراعي حاميها السري غير عابئة بالبلل الذي أطال ثيابها، لفت ذراعيها حول عنقها ليربت نضال على رأسها وهو يميل برأسه هامسا بأسف.

- سامحيني، كان نفسي الحقك قبل ما الكلب يلمس شعرة منك، انا كنت غبى
رفعت عيناها لتنظر إلى عينينه النادمتين، مررت اناملها بحنو على وجهه لتهمس
- انسى، انا كمان هنسى
أعاد مكررا اعتذاره
- سامحيني، اكبر غلطة في حياتى انى جيت متأخر
بكت، ارتجف جسدها وهي تبكي ليتأوه نضال متألما بصمت، يمسح دموعها بانامله وهو يطلب منها العفو، تمتمت رهف بتوسل
- ارجع اقوى يا نضال، انا محتجاك جنبى الفترة الجاية
أعادت توسلها مرة اخرى.

- ارجع وسطنا
هز نضال رأسه وقال مذكرا اياها بحقيقة مؤلمة
- مكنتش وسطكم، كنت مرمى
شعرت رهف بالدموع التي يكبحها بقوة وصلابة، مالت تقبل خده وهي تبلغه اسفها الصامت الذي تلقاه بصدر رحب لتقول بصدق
- هتصدقنى لو قولتلك انى كنت بحس حد معايا لما وقاص سافر، الاحساس ده مش لاقياه دلوقتي لما بنزل وبروح الكلية بحس ان فيه حاجه ناقصة
لمعت عينا نضال بالدموع وهو يقترب منها هامسا بنبرة فخورة
- كبرتى يا رهف.

هزت رأسها موافقة لتهمس هي بدورها
- وانت كبرت يا نضال، عندك مسؤولية خليك قدها
زفر نضال بحرارة وهو يستعيد جديته ليقول
- مين ده اللى هتتجوزيه؟
احمرت وجنتي رهف جراء تذكرها حبيبها الوقح لتهمس بخجل
- نزار الشامي
ووقاص ابتعد عن الصورة تماما، اختفي حينما اطمئن أن وجود رهف يستطيع ان يعيد نضال الى سابق عهده، تمني أن لا تحدث انتكاسة أخرى فيكفيه طوق الذنب الذي يكبل عنقه.

لم تصدق بيسان أن تلك الحية فعلتها وأخذت منها زوجها المستقبلي، الخبيثة تحسبت بكل خلسة وبطء إلى حياته حتى أصبح ابن خالتها مدلة بحبها..
جميع من في المطعم أصبحوا يتبادلون له التهاني لزواجه المترقب، وهي!
شفافة، لا وجود لها، لم تتحمل الوضع لتذهب إلى خالتها التي ترتشف الشاي بالنعناع وملامحها هادئة ساكنة، غمغمت بيسان بتوسل لخالتها وهي تحاول أن تعدل قرارها
- خالتو.

زفرت عايشة بحرارة، سعادة ابنها فوق كل شيء، لسنوات كانت تخبره أن يتزوج ويستقر لكنه كان يخبرها أنه لم يأتي نصيبه بعد، وحينما جاء يخبرها بقراره للزواج بالتي خطفت قلبه كيف عساها ترفض؟
لكن من ناحية أخرى، بيسان ابنة شقيقتها، تشعر انها حشرت بين المطرقة والسندان
زفرت بحرارة لتجيبها بهدوء.

- -بيسان انا اسفة بس نزار قرر يتزوج البنت يلي دق قلبه منشانها، انت كنت قدامه، وبنات كتيير كمان كانو قدامه، بس هي الوحيدة يلي قلبه اختارها
هطلت دموعها بغزارة وهي لا تصدق أن خالتها باعتها، تمتمت بصدمة
- حتى رغم كل اللى قولتهولك، خالتى بقولك كانت شمامة وعلى علاقة مشبوهة بواحد، تقبلى مرات ابنك تكون نجسة
هزت عايشة رأسها وهي تضع كوب الشاي على المنضدة لتقول
- انت شوفتيها بعيونك؟شوفتي ولا سمعتي؟

ماذا أصاب لخالتها؟ لما تدافع عنها لتلك الدرجة وهي لم تراها وتتعرف حتى؟! الصدمة اعترتها كليا وهي تهمس بخفوت
- خالتو، انا
قاطعتها عايشة بجدية
-بيسان خلصنا بقا، طالما ماعندك دليل وكله حكي ناس فاسكتي
استشاطت غضبا وحليفها أصبح غريمها، تمتمت بحدة
- خالتى مصر كلها تعرف انها راحت مصحة ادمان عشان تتعالج، تقدرى تقوليلي اختفت ليه فترة وعيلتها مكتمة على الموضوع ده
عادت عايشة ترتشف شايها لتهمس بهدوء.

- مافيني احكم عليها لشوفها
عضت بيسان على شفتيها بقهر لتمتم بنبرة يائسة
- مش انتى وعدتيني يا خالتي انه ليا
يشهد الله انها كم تمنت ان يتزوج أحد أبنائها بابنة شقيقتها، لكن ابنها الاول مسافر والثاني قلبه تعلق بفتاة، غمغمت بنبرة ناعمة
- انا وامك نفسنا يتحقق هالشي من لما اجيتي عوش هالدنيا، بس نزار لقى البنت يلي اختارها قلبه
شرست ملامح بيسان للعداء لتصيح بنبرة حادة.

- بس ده مكنش كلامك، اومال انا كنت بشتغل في المطعم وبقرب ليه، انتى حتى مشوفتيهاش كان لبسها ازاي والرجالة عيونهم منزلتش من عليها، هي دى الكنة اللى عايزاها
ابتسمت بظفر حينما اتسعت عينا عايشة من اثر كلامها، اقتربت منها بخبث شديد كالحية التي تلف بجسدها الناعم حول فريستها تغريها بملمسها الناعم لتقول
- عالم البنت غير عالمنا يا خالتو، ممكن نزار انجذب ليها لكن صدقيني مع اول مشكلة الاساس هيتهدم كله.

أصاب عايشة التوجس من الفتاة المجهولة، هي رأتها مرة واحدة فقط في مطعم ابنها وهي تقوم كعادة في كل شهر بزيارة مطبخه وجلب طعام بيتي للعاملين في المطعم، كانت مختلفة نعم، شيء بها بكينونتها أخبرتها أنها ليست من الطبقة الكادحة، بل عينا ابنها كانت مسلطة عليها طول الوقت وكأنه يحميها من أعين الرجال في المطعم، لا تنكر أن سعدت ان ابنها يولي اهتمامه لفتاة ولن يتعبها ورغم الحاحها له ليخبرها عن خلفية الفتاة الا انه اخبرها انها مجرد عاملة في مطعمه، صمتت وقتها وانتظرته ان يأتي ويخرج مكنونات قلبه وقد جاء ذلك اليوم، لذا لما تكسر فرحة ولدها الصغير الذي منذ نشأته لم يرفض لها طلبا، أتبخس عليه فرحته؟!

استغفرت الله في سرها، لقد عزمت على رؤية الفتاة قبل الشروع في طلب التقديم الرسمي، يجب أن تعلمها وتري هل تلك الفتاة جديرة بقلب ابنها الذهبي؟، تمتمت بنفاذ صبر
- بيسان
اجابتها بيسان بطاعة
- نعم يا خالتو
غمغمت بهدوء شديد
- انا رح شوف البنت بالاول ورح احكم عليها، وحتى لو كلامك صح، طالما تابت انا مارح اقسى عليها وربنا غفور رحيم
اتسعت عينا بيسان واحباط اصابها جراء كلمات خالتها لتمتم بتحجج
- لكن
قاطعتها بجدية.

- بدون لكن، مارح احكم عليها قبل ما شوفا واحكي انا وياها ساعتها بنشوف شو رح يصير
ابتسمت بجفاء وقد وصلها رد خالتها النهائي لتستقيم من مجلسها قائلة بجفاء
- مضطرة امشى يا خالتو
شيعتها عايشة بنظراتها وهي تستغفر وتحوقل، تدعي الراحة والاطمئنان لطريق بيسان، التقطت هاتفها من المنضدة لتهاتف ابنها قبل أن ان تبدأ بتحضير الطعام
-نزار، حبيبي انا منيحة، بس بدي شوف يلي خطفت قلبك وجننتك.

قالتها بامومة وهي تسمع ابنها الحبيب المتوجس، لتمتعض ملامحها وهي تهتف ببشاشة
-شو شايفني رح اكلها لا تخاف مارح اعمل عليها حماية من هلا، يلا شوف اليوم يلي بتكون فيو فاضية وتجي لعندي منشان احكي انا وياها
انهت مكالمتها بعد توصياتها المكثفة عليه، رفعت يديها نحو السماء وهي تهمس
-يارب احفظلي ولادي وما اشوف منهم الا كل خير.

انهي نزار المكالمة مع والدته وحقا لا يصدق الخطوة الايجابية التي أقدمت عليه والدته، لا يعلم هل والدته حقا قررت ان تترك ابنة خالته بسلام اخيرا لتعطيه مباركاتها له ولرهف، انتبه على صوت مساعده يخبره ان رهف تنتظره في المطعم، هب من مجلسه على الفور وهو يخرج من مكتبه متوجها نحو المطعم
يريد أن يشبع عيناه منها
يصبر يديه اللتان تتوقان للمسها وجذبها إلى ذراعيه.

بأن يصبر، فقط حينما تصبح زوجته رسميا سيخرج لها حمم شوقه ولهفته، ابتسم بعذوبة شديدة وهو يغمغم بنبرته الشامية الرخيمة
-لك مو مصدق اني اجيتي لهون
استقامت رهف من مجلسها وهي تراقب بعض العاملين يسترقون النظرات نحوهما، حمحمت بجدية لتجيبه ووجنتيها مخضبة بالحمرة
-شيف، أي حركة غدر هرب منك احنا قدام الناس.

عيناه جابت من منبت رأسها حتى أخمص قدميها، فستانها الأصفر الصيفي تبدو وكأنها منعشة، يحمد ربه انه طويل وليس بضيق أو مكشوف بطريقة مغرية، لكن ما أثار غيظه خصلاتها الحرة الطليقة، لما لا ترحم قلبه، بل وترحم غيرته، لو عليه لخبأها داخل منزله ومنع عليها الخروج خشية أن يفتن بها الرجال، غمغم بحرارة ونبرة أثارت بجسدها القشعريرة
-طالعة بتمزعي العقل حلوة اليوم.

توردت وجنتيها لتسبل بأهدابها وهي تشيح عينيها عن عينيه الثاقبتين، حرارة دبت في جسدها تحت نظراته الجريئة لتشعر بجسده الرجولي يقترب منها وهو يهمس بنبرة خاصة
-شايفة خدودك هالحلوين لما احمرو ذكروني بخيوط الشمس وقت بتطلع وبتنور دنيتا، بس الفرق انو الشمس بتنور عالكل وانت بتنوري دنيتي انا.

شهقت بنبرة خفيضة وهي ترفع عيناها لتقابل عينيه، ابتسم بجاذبيه وهو يرى لمعة عينيها التي سلبت عقله ليزداد احمرار وجهها لتغمغم موبخة
-قليل الادب، انا واخدة فكرة حلوة عنك لكن واضح انى هغير رايي
تجهمت ملامحه ليعبس ويقول بنبرة مهددة
-لك استرجي تغيريها يارهف، ماتغيري هالفكرة اقراي الفاتحة عروحك
مطت شفتيها بعبوس شديد، ونظرته ارضتها
ارضي انوثتها.

تعلم انها اصبحت متهورة، بل جريئة بعض الشيء، تتأنق لأجله، لأجل تري تلك العاطفة الهادرة في عينيه، همسات صوته الاجشة، بل وتغزله التي تسكرها، عبست لتقول بنبرة طفولية
-مبخافش منك
رد بنبرة خطيرة أنعش قلبها اليتيم
-فكري منيح قبل ما تحكي
أشار لنادل أن يأتي بطبق الكنافة التي تعشقها وما إن وضع النادل الطبق على الطاولة، امسك الشوكة لكي يأخذ لقمة ويضعها في فمها ليقول بصرامة
-دووقي.

تناولت اللقمة وهي تشعر بالحرج من رؤية بعض الزبائن لهما، أغمضت جفنيها وهي تستمع باللقمة لتهمس بنعومة
-تجنن
كتم نزار زئير داخلي وهو يكاد يعض على أنامله كي لا يمرر أنامله على وجنتها المخضبة بالحمرة اللذيذة، قال بنبرة خفيضة
-قبل ماتمشي تعي خديها من مكتبي
كانت ستوبخه الا ان صوته تحول للجدية
-ماما حابة تشوفك
توترت معالم وجهها وزاغت عيناها لتهمس بتوتر
-هي، هي رافضة ولا ايه
هز رأسه نافيا ليقول بهدوء.

-امي ياعمري متل السكر، انسانة مافي منها اثنين، زعلها بزعلني وفرحها بتخليني اسعد واحد بالكون كله لانها طيبة كتير ومابدها غير كل خير من كنتها وصدقيني بس تحبك وتفوتي عقلبها رح تتفقو عليي، والله الواحد بخاف منكن.

نبرته العطوفة وهو يذكر والدته جعلت عيناها تدمع رغما عنها، لم تحظى هي بأم مثالية ولا اب مثالي، كلاهما سحبتهما موجة الحياة لتقرر العيش بجوار شقيقها وزوجته، كم تمنت في سريرتها أن تكون والدتها صديقتها وبئر أسرارها، في ايام المدرسة كانت تشعر بالغبطة من زميلاتها اللاتي يتحدثن عن عائلتهما والجو الأسري الحميمي الذي حرمت منه، والدتها كانت فقط تأمر وتنهي، كانت تعطيها دروس وتعليمات لتصبح سيدة مجتمع فقط، عروس بلاستيكية تخطف انظار الجميع وخصوصا الرجال، حزن غمرها وهي لا تعلم حتى مكان والدتها الحالي، تخشى ان سألها أحد عن والدتها وتخبره انها لا تعلم، غمغمت بنبرة مختنقة.

-انا حبيتها
أبتسم نزار بحنين وهو يتفهم تقلباتها المزاجية، يتذكر حينما اخبره شقيقها وقاص عن علاقة رهف بوالدتها، زفر نزار وهو يقول بنبرة دافئة
-رح تلاقيا عطوفة وحازمة شوي مع الغريب بس وقت بتفتح قلبا للشخص يلي قداما صدقيني صعب تتخلي عنه
مال بوجهه يغمغم بنبرة مرحة
-انا حبيبا ومدللها، اخي مسافر ولهلا مارجع لهيك اعذريها اذا قست عليك شوي
هزت رهف رأسها عدة مرات لترد بتفهم
-متقلقش.

اومأ برأسه بتفهم وهو يمد بشوكته بلقمة أخرى، لتنظر اليه بحرج لكن كان عنيدا ذو رأس يابس استجابت على استحياء منه للمرة الثانية وهي تسمعه يغمغم بصلابة ونبرة خافتة بها الوعيد
-واللي بيناتنا اوعي مخلوق يخلق يعرفه
هزت رأسها موافقة لتمتم
-حاضر.

حينما هم باعطائها اللقمة الثالثة سحبت الطبق منه وهي تتناوله بمفردها بتلذذ شديد، ابتسم نزار بحنو شديد، ف رهف بالنسبة له ليست حبيبة قلبه، بل يعتبرها صغيرة، صغيرة بحاجة للدلال والكثير من الرعاية، غمغم بنبرة اجشة
-ايمتا رح تجي منشان خبرها
رفعت رأسها عن الطبق لتجيبه ببساطة شديدة وعينيها البريئة تصيبه في مقتل دائما
-بكرا.

استغفر وحوقل في سره لما راوده من أفكار منحرفة، حتما سيتعجل بالزواج، لن يقدر على تحمل برائتها وانوثتها لتلك الدرجة، فهو رجل بالنهاية، يمضي يوم الغد بخير ثم لكل حادث حديث.

طرقات على باب مكتبه جعلته يأذن لدخول سكرتيرته التي قاطعت عمله وهي تقول برسمية شديدة
- مستر لؤي فيه واحدة عايزة تقابل حضرتك ضروري.

ترك لؤي قلم جانبا وهو يفكر بسخرية، هل أخيرا منت عليه صاحبة المكالمات لمقابلته وجها لوجه بعد أن تركته ينتظر في مقهى لساعة كاملة وتبعث بعدها برسالة تخبره انها كانت نائمة ولن تقدر على مقابلته اليوم، لا يعلم كيف حافظ على برودة أعصابه وغادر من المقهى وكيف خدع عقله انها ستتنازل الاميرة من برجها العاجي لمقابلته، تساءل بجمود
- مين؟
ارتعبت السكرتيرة من ملامحه المتحفزة للانقضاض لتهتف بتوجس
- شادية السويسرى.

انعقد حاجبيه بضيق ولوهلة تفاجيء من زيارتها المفاجئة، صاح بجمود
- دخليها
هزت السكرتيرة رأسها عدة مرات لتغادر الغرفة بسرعة وتدخل الضيفة وهي تغلق الباب خلفها وبسرعة شديدة عادت تمارس عملها خشية أن تقابل غضب رب عملها..

ابتسمت شادية بعملية شديدة وهي تتقدم بثقة وسيرها معتدل بدون اعوجاج كما حال بعض النساء، زينتها هادئة وليست صارخة، رائحة عطرها هادئة ليست نفاذة ولا تتقدمها بمترين كحال بعض النساء اللاتي يعلمهن، هذه هي شادية، وبسبب خصلاتها تلك الشاذة عن جنس بناتها في الطبقة المخملية كانت بالنسبة له المثال الأمثل لما كان سيقدم عليه، غمغمت شادية بنبرة ذات مغزى وهي تصافح كفه ببرود لتجلس على مقعدها بانوثة شديدة ورقي.

- يارب ما اكون متأخرتش
هز رأسه نافيا وهو يجلس قبالتها ليقول
- لا اتفضلي متأخرتيش
ابتسمت شادية بجمود لتقول بابتسامة عملية
- اتفائل انك ملغتش عرض جوازك
بينجو، جاءه نصيبه اليوم، ابتسم بتفائل وهو يجيب بهدوء
- ابدا قولتلك انتى الوحيدة اللى عرضى مفتوحلها في اى وقت
صمتت شادية للحظات قبل أن تستجمع شتات نفسها وهي تضع عينيها في عينيه الغامضتين لتقول
- وانا موافقة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة