قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل التاسع والسبعون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل التاسع والسبعون

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل التاسع والسبعون

الحياة والقوانين تتغير
حتى الحب يقل توهجه في عيون العاشقين ما لم يلقى صداه في قلوب الآخرين
حتى من يصبح جاحدا، ساخرا، قويا، مسيطرا
يأتي يوم ويفقد قوته وجبروته!
يسخر العقل، ويصفق قلبه بمرارة على ما اقترفه بلحظة جنون وغياب عن الوعي
العقل كان مسؤولا
وما زال
حتى تلك الثانية لم ينكر، ولله لو عاد به اليوم مرة اخرى، لن يتردد بصفعها وإزهاق روحها
لن يتردد فعلا
لكن القدر له لعبته.

هريرته الناعمة أصبحت نمرا مفترسا، وخربشاتها التي لم تكن سوى علامات جروح على جسده سابقا
أصبحت خربشاتها مميتة، قاتلة لا سبيل للشفاء..
الرجل يتردد بين الفينة والأخرى وهو ينظر نحو الرجلين الخارجين ببساطة من معركة حامية الوطيس، جعله يجلى حلقه واهتزت اوراقه ومستنداته ليدقق النظر هامسا بتوتر وقد تفصد العرق من جبينه
-دعوة طلاق، رفعتها السيدة...

تعثرت شفتيه وهو يلاحظ ثور ينطلق في وجهه ليخطف الورقة منه قائلا بحدة
-عارف مين اللي رفعتها
احتدت عينا نضال وهو يقرأ الدعوة ليتنفس بهدر لينتفض وحشه الهائج لقتلها
كيف تجرأت
كيف تجرأت على ذلك
هل لكونها بين أحضان عائلته سيكون شفيعا لها
سيقتلها أمام أعينهم، ولن ترمش عيناه، بل سيقف بجمود وهو يراها تتلفظ أنفاسها الأخيرة.

أظلمت عيناه وبرزت عروق يده وعنقه، واحتدت انفاسه ليجلى الرجل حلقه وهو يحاول استكشاف طريقة للمغادرة دون أن يبطش به الوحش الثائر لتتضطرب حدقتيه وهو يستمع الى انفجار ضاحك هستيري، تنقلت عيناه نحو الرجل الآخر الذي يعدل هندام قميصه وعينيه تنتقلان بين الرجل الساكن الذي يقسم الهدوء ما هي الإ طبقة خادعة منه ليتمتم ماهر
-واضح دعوات المظلومين مستجابة
اقترب ماهر وهو يربت على كتفه قائلا بوعيد شرس.

-بس صدقني مش اخر مقابلة ما بينا
كور نضال قبضة يده مستعدا للفتك بالاحمق أمامه ثم سيستعد لعشائه المميز معها، ستكون وجبته الأخيرة ثم سيرسل باقة وردها على قبرها بعد أن يدفن عظامها!
تراقصت الشياطين عبثا على أوتار الجنون، و حافة الانهيار!
انهارت كما انهار العالم بأكمله
الضربة قوية، بل قاسمة شطرته لنصفين
صاح في وجهه وهو يرمقه بجنون
-حاول لو قدرت ترفع ايدك عليا المرة الجاية.

لم يرمش ماهر ولم يهتز بدنه وهو يستمع إليه، ما يشعر به هذا الحقير لا يساوى شيئا كالذى عاشه هو
رمقه بتهكم وهو يجيبه بجفاء
-ده لو وقتها لسه بتتنفس وعايش معانا
ثم استدار راحلا غالقا الباب خلفه بعد أن فر الرجل محافظا على حياته التي اوشك على خسارتها، جعد نضال الورقة وعينيه تحكيان عن القصاص
حاول أن يبحث عن شئ يفرغ به طاقته لكنه لم يجد اي شئ والورقة تمزقت من فرط عصبيته ليستدير على عقبيه راحلا.

وما يضمره ليس خير على الأطلاق
إلا أن نداء باكى أوقفه
-بابا
من خضم جنون وثوراته المتفاقمة نساها، سقط نظراته الغاضبة على شمس التي انفجرت في البكاء من نظرات أبيها التي لم تتعرف عليه وتلتصق على الحائط تشيح بعينيها بعيدا عنه
زفر نضال بسخط معترفا بكاءها ودلالها الزائد افسدها، افسدها لدرجة لا يستطيع تقويم تلك الفتاة ابدا.

توجه نحوها وهو يهبط بجذعه لتزداد شمس التصاقا بالحائط وتخفي بكلتا كفيها وجهها ليزفر نضال بغضب حقيقي وهو يجيبها بلهجة خشنة
-عايزة ايه دلوقتي يا شمس
حاولت الصغيرة مسح دموعها والتغلب على بكاءها لتهمس بعبوس
- اكل بابا
قلب نضال عينياه بنفاذ صبر حقيقي ليرفعها على ذراعه وهو يصيح بلهجة قاسية أجفلتها وجعلت عيناها تتسعان بجحوظ مخيف
- انتي عارفة لولاكي كنت جبتها وقطعتها.

مدت الصغيرة أناملها تمسح الدم العالق بأنفه إلا انها نزعت يدها عنه ونظرت اليه بعبوس شديد وعدم رضا ليقول بخشونة
- قلبتي وشك ليه
تذكرت شمس فرح حينما كانت تمتم بكلمة معينة لوالدها لتهمس بضيق بالغ
-شرير بابا
اتسعت عينا نضال بتفاجئ وهو يحاول التذكر من اين تعلمت تلك الكلمة، هل هي مربيتها الغبية
والله سيقتلها ان علم انها هي السبب.

تغاضي عن تأنيب ضميره وهو يخبره، ضايقتك الكلمة امام الضرب الذي تلقيته ناسيا ابنتك التي من المحتمل شاهدتك
لكن سرعان ما هز راسه نافيا، محتملا وجودها منذ أن رن جرس الباب للمرة الثانية، تنهد بيأس
وهو يلعن غباءه
لدرجة نسيانه ان هناك فرد جديد يجب أن يعتني بها وحياته السابقة ليست مناسبة اطلاقا، اقترب منها بملامح عابسة
وتقطيب جبين ليقول بصوت جامد
- اتعلمتي الكلمة دي من مين.

قلدته شمس في تعبيرات وجهه إلا أن تقطيب الجبين لم تستطيع أن تصمد فيها طويلا وهي تنفجر ضاحكة
- دادا
زاد سخطه وتمرده والشياطين التي عادت لمخدعها انطلقت كمساجين فروا من السجون ليصيح بلهجة حادة قلما يتعامل بها مع الصغيرة
- متتضحكيش
لم تستمع له الصغيرة وهي تدس وجهها في صدره ممرة كفها الصغير على مضخته الثائرة، تهدجت انفاس الأب وهو يراها تربت على قلبه
غامت عيناه وهو يمرر أنامله على ظهرها ليهمس بصوت خفيض.

-قولت متتضحكيش
رفعت شمس بعينيها الماكرتين نحوه تنظر اليه بعينيها الواسعتين المخادعتين، استطاعت أن تلجم وحوش ابيها لتتسع ابتسامة مما جعل نضال يقترب منها قائلا بصوت عابس
- اتعدلي
انفجرت شمس ضاحكة وهي تمرغ وجهها بين جنبات قائلة
- شرير
صاح نضال بحدة وهو يرفع رأسها لتحدق اليه بعبوس
-شمس
ألحت الصغيرة مكررة الكلمة مما جعله يتمنى لو وجد شريط لاصق ويضعه على فم صغيرته التي بدأت هي الأخرى تصبح حليفة لها
-شرير بابا.

اللعنة عليكِ فرح
من أيضا لم تجعليه في صفك
هل انتِ راضية الآن؟!
عاد الحقد يملأ قلبه، والقبضة التي في صدره يتغلب عليها بجسارة شديدة، لن يكون ضعيفا ابدا
ما دام له نفسا يتردد، لن يكون لعبة في يدى تلك المخادعة الصغيرة التي آواها في منزله مشفقا عليها
الآن اكتشف انه هو المغفل الوحيد في تلك اللعبة، لعبت به
ورطته كليا، لا ينفك ثانية وهو يتذكرها يلعنها ثم بعض الاشتياق.

نعم اشتياق التعود، و العشرة مع المرأة التي ظلت زوجة رسمية لأشهر طويلة
نظر بقلة حيلة نحو التي تكاد تشبهه بنسختها المصغرة منه قائلا
- عايزاني اعمل فيكي ايه، قوليلي ها، قوليلي
همست بتطلب وهي تنظر اليه بعينيها البريئتين
- عايزة ماما، بابا
كظم غيظه وهو يجيبها بحدة
- قولنا مفيش ماما
كررت طلبها متوسلة وبدأت الدموع تشارك طلبها المتوسل
-عايزة ماما.

صاح بصرامة وهو يتغلب على سحبها الى عناقه مربتا على ظهرها، يحاول ثقلها بجفاءه وبرودته
لكنها ناعمة جدا وضعيفة جدا كى تستطيع مدارة مشاعرها
ثم جانب منه لا يريدها ان تصبح مسخا مثله
بل افضل منه، يحاول أن يعطيها ما حرم منه
وافكارها مضادة لأفكاره، رغم أجواء البيت الكئيب إلا أن يحرص على جدالها مفتعلا الشجار معها والخصام.

وهو يعلم انها لن تصمد الا وهي تحصل على مبتغاها في النهاية، وبدل تنفيذه بهدوء وصمت البيت تمتد كايادي تزهقه
يبدد الصمت بشجارات لا متناهية ينتهي بتمثيل وضع العبوس وهو ينفذ طلبها، صاح بفظاظة شديدة
-متبكيش
اشاحت شمس بوجهها بعيدة عنه مشبكة اصابعها وتمد شفتيها بوضع مغرى جدا له ليقبلها ويدغدغها حتى تطالبه بالاكتفاء مزيلة عبوسها الذي يخيم على سماءه ليصيح بحدة
-بت.

ما زالت على وضع العابسة، ليمد يده نحو ذقنها وهو يديرها اليه قائلا
-متبكيش
المه بكاءها وحفز مشاعر الأبوة لضمها وبثها الكثير من القبلات لصغيرته، ليقترب منها قائلا بصوت أجش
- خلاص انت عارفة بابا غبي
انقشع حزنها لتنفجر ضاحكة مغمغمة
-بابا غبي، بابا شرير
ماكرة الأخرى، ومثله غمغم بحدة
-محتاج اقص لسانك ولسانها
لوت شفتيها محدقة به بحدة ويأس ليقول بحدة
-متبوزيش
صاح مهددا للمرة الثانية
- هقص لسانك.

نظرت اليه بتفكه ولم تحاول حتى الخشية منه، بل نظرت اليه بثبات شديد وهو يقول بغلظة شديدة
-هقص شعرك
شهقت شمس تتمسك بخصلات شعرها وهي تنفجر في البكاء الحاد ليزفر نضال بسخط فها هو زاد من بكائها بغباءه، لينفجر في وجهها بحدة
-اسكتي.

مطت شمس شفتيها بعبوس وهي تمسح دموعها لتشيح بوجهها مخاصمة اياه لفترة لا تقل عن الخمس دقائق كعادة كل يوم، الصغيرة أصبحت تعتاد على نوبات ابيها ببرود شديد رافعة حظر الكلام ليعود الأب مصالحا إياها ليقول نضال بنفاذ صبر
-مفيش فايدة فيكي صح
رفعت شمس عيناها مظهرة تلك البراءة الخادعة لتسمع زفرة والدها الحادة قبل أن يميل مقبلا وجنتها مدغدغا اياها قائلا
- يا اخرة صبري.

انفجرت شمس ضاحكة من دغدغات والدها لتطالبه وقتها انها جائعة، ليهز رأسه موافقا وهو يبحث عن أى طعام سهل التحضير لسد جوع الصغيرة، لكن الصغيرة لم تكتف لذلك الحد بل التصقت به كالغراء متطلبة ان تشاهد معه فيلم كرتونيا حتى غفت صغيرته، تنهد نضال بحدة لولالها هي لكان هدم المعبد بالذي به
ربما تراجعه تلك المرة كان أفضل، حتى لايزيد من توتر علاقته بعائلته وألا يتهور ويقتلها
لكن الأمر لن ينتهي لذلك الحد.

نضال الغانم لا يدخل معركة ويخسرها، ابدا!

في قصر المالكي،
الكآبة تغلف المكان ويزيدها اختناقا وهي اكتفت حقا بعد حبسها الغير معلوم بين أربعة جدران، باحثة تلك المرة عن شئ جديد تستطيع النميمة عليه
أو السخرية خصوصا بعد الانفجار العظيم لتلك اللعينة في المنزل
بقدر كرهها للجميع إلا أن كرهها قاتل ناحية تلك المرأة والرجل العجوز الذي بدأ يدرك خطأه في آخر أيام حياته، مهما فعل فلن يستطيع تعويض أعوام عمرها السابقة
ثم يعوضها بماذا؟
حماية؟!

هي قادرة على حماية نفسها دون حاجه أحد
مااال؟
هذه أسهل شئ تستطيع الحصول عليه، ليس بحاجة لملايينه وهي من استطاعت على أن تصبح ذات مركز مرموق خلال بضعة سنوات
عاطفة؟!
لا هي اكتفت من العاطفة، تلك العاطفة الغبية التي أوهنتها وجعلت الجاحظ يحبسها وهي من قلة حيلتها لم تجادله
تصرخ في وجهه، نعم
تتوعده، نعم
لكن ماذا تفعل بالنهاية!

لا شئ، هو الوحيد الذي لا تستطيع كرهه أو إيذاءه، فكلما همت بإيذاءه ينقبض قلبها ويشحب وجهها وكأنها هي من تقتل روحها وليس هو
المخادع
اللعين
الأحمق
الهيركليز خاصتها، بضخامة جسده وفظاظته تحبه
وهو، هو لا يكلف عناء حتى الاطمئنان عليها، كأن وجودها بين جدران منزله أصبحت آمنة!

انهت من وضع زينة وجهها بوضع أحمر شفاه قاتم تعلم كم يثير جنون لؤى وغيرته، لتتسع ابتسامة الظفر وهي تضع احمر الشفاه الخاص بها في الحقيبة لتحدق نحو خزانتها التي امتلأت قبل أيام بثيابها الخاصة والعديد مما اشتراه، غير ناسيا علبة التجميل خاصتها التي تأخذها أينما سافرت
الحنون، المراعي، كم هو لطيف!
ابتسمت بسخرية وهي تعدل خصلات شعرها تنقر بغنج شديد على الارضية المصقولة متجهة خارجًا
تتسلح بكافة الدروع والاسلحة.

رافعة أقوى أسلحة دفاع من أى محاولات غدر منهم
تلك المرة ستطأ أرضهم وهي مجبرة على المشاركة، فبدل من أن يحظوا بسلام نفسي ستعكر صفوهم بكلامها حتى يضطر لخروجها من منزلهم القابض للروح
ما كادت أن تتخطى عتبة باب الغرفة حتى تفاجأت بيد غليظة تتدفعها داخلا وصوت أجش حانق
-انتي رايحة فين
تعثرت في خطواتها لترفع عينيها بشرز قائلة بحدة
-اعتقد انا مش بسألك لما بتخرج في مكان وتسبني في وش أربع حيطان.

لكن هو لم يكن يهتم لصراخها بل عينيه هبطت تدريجيا الى ثيابها الخليعة المكونة من فستان ضيق بارزا تفاصيل جسدها السخية، أسود لعين كقلب شياطنته
يصل اسفل ركبتيها مع حذاء كعب وزينة وجهه فاتن جعله يحتقن غضبا وغيرة ليسأل بغلظة وهو يتقدم منها ممسكا ذراعها بخشونة آلمتها
-رايحة فين يا اسياااا
تأوهت بألم وهي تحاول نفض يده قائلة بغضب
-سيب ايدي
أنت وهو يقسو على يدها لترفع عينيها الزرقاوين وهي تصيح بصوت حاد
-سيبني.

ومع اصراره وعدم اهتمامه بالأمواج المتلاطمة في عينيها قالت بصوت متهكم
-رايحة مشوار مهم، اصل الجو بقي كئيب حبتين بعد اللي حصل يومها
مالت قليلا تعدل ياقة قميصه قبل ان تدفن رأسها بجرأتها المعهودة وشغفها الشديد له، بل شوقها واشتياقها ما يجعلها دائما تتهور
وما قد يظنه الاخرون جرأة غير مستحبة من امرأة، او عرض رخيص لامتاع جسدها.

يعلم هو ما تخبئه اسفل قناعات الاغواء والنظرات النهمة، داخلها يقبع طفله بالنهاية متلهفة للكثير من العاطفة التي حرمت منها
تصلب جسده ما ان شعر أنها طبعت قبلة على عرقه النابض ليهدر قلبه بعنف و يختلج عرقه النابض وهو ينظر اليها والعاطفة تسكن حدقتيها ليخف أنامله على يدها التي حررتها بسهولة وهي تطبع قبلة مرة أخرى على خده قائلة بتعجل
- عديني عايزة افطر مع عيلتك.

خطوة واثنان لتفر هاربة منه خارجة الغرفة، اتسعت عينا لؤي بجزع قبل ان يركض خلفها وهو يراها تهرول ناحية السلالم، لحقها وهو يجذبها بعنف ناحيته ليرتطم ظهرها بصدره الصلب وهي تجده يميل هامسا بأذنها بصوت اجش ارسل القشعريرة لكامل اطراف جسدها
- قسما بالله يا اسيا لو فكرتي بس..

أدارت بوجهها وهي تحدق إلى عينيه النهمتين، و تعطشه هو الآخر لها، لطالما تعلم أن الرجال يخرون هائمون من امرأة تغويهم، وهي لا تغوى أى رجل
هي تغوى زوجا، ورجل انصب نفسه حبيبا وعاشقا وأبا وشقيق
ربتت على ذراعه قائلا بسخرية لاذعة
- اعتقد اني معملتش حاجة يومها، واللي طلع شرير هي عمتك جميلة، يعني لما تيجي تعاتب او تهدد تهددها هي مش أنا.

عينيه رغما عنه تهبطان نحو الحمرة القانية لشفتيها جاعلا اياه يشعر بالخدر والهذيان، بالكاد يستطيع التقاط بعض الكلمات كى لا يفقد رشده وهيبته أمام الجميع والعاملين في القصر، تأججت غيرته ليغمغم بحدة
-امسحي اللي في شفايفك ده
عضت على طرف شفتها باغواء متعمد جعلها ترى تلك النظرة القاتمة في عينيه لتهمس بغنج
-ليه ده انت بنفسك قولت انه بيعجبك اللون الاحمر.

لفت ذراعيها حول عنقه وادارت بجسدها لتميل نحو اذنه هامسة بصوت خفيض
- نسيت يا بيبي ولا ايه؟!، تحب افكرك؟
ضيق عيناه ليدفعها ببعض الحدة عنه قائلا
- ورايا شغل
هزت رأسها بسخرية، هذا رده
أما لديه عمل
أو متأخر عن اجتماعه
والأنكى من هذا أنه يشعر بالتعب بالكاد يغفو ساعتين متواصلين لكى يستطيع الصمود لليوم التالى من كثرة رنين هاتفه المزعج الذي لا ينفك كل خمس دقائق ويرن.

لو كان رئيس دولة لكان تفرغ لبعض الوقت له، لكنه يحب العمل، فليعمل حتى يغرق في دوامة العمل، غمزت بمكر قائلة
- بس ساعة بعيد الشغل مش هيضرك، خصوصا انك راجل متجوز ومن حقك تاخد حقوقك الزوجية مني
عقد لؤي بضخامة جسده ذراعيه ناظرا اياها
هل تتوقع منه انها حينما ترغب في تلبية حقوقها انه سيلبي في كل مرة!
بالله هل تظنه أحمق ناسيا ما تفكر به عقلها الاحمق.

هي تريده ان يظهر بصورة رجل جشع غير مراعي، متطلب بشدة وهي الضحية
تريده ان يظهر بصورة رجل بدائي متوحش تتحكم به غرائزه وهي كالحمل الوديع لا تستطيع إيقافه، غمغم بجفاء
-مليش نفس حاليا
كاذب
عينيه تفضحانه
وقلبه الملتاع تسمعه يصرخ باستنجاء شديد لتلغى الحواجز بينهما، لولا انها تعلم انه لن يقربها أبدا إلا أن يأخذ الكثير من الوعود مكبلاً اياها
ومانعًا وحش الثأر من الانتفاض
لذلك ترفض وتبتعد.

وهو يتركها تأني عنه، راخيا الحبل دون افلاته
اندفعت بتهور وهي تلتصق بجسدها تستشعر نبضات قلبه الثائرة وتأن بصوت خفيض مثيرة وحوشه
علّ ذلك الوحش ينتفض ويكسر الحواجز التي بينهما لتهمس بغنج
-متكدبش عليا يا لؤي، ده انت هتتجنن وتحبسني بين ضلوعك
رفعت عينيها تنظر الى الظلم البهيم في عينيه لتقول
- ايه رأيك بليل يا بيبي، اجهز نفسي ليك
اتسعت عيناه سرعان ما تجهم وجهه وهو يستشعر لمساتها الحسية ليغمغم بحدة
- اسياااااا.

اجابته بهمس خافت وهي تتلاعب باناملها على مواطن ضعفه الخاصة، تثأر منه كما يثأر منها
- نعم
احتقن وجه لؤى وهو يزيح يديها عنه قائلا بغلظة
- بطلي اللي بتعمليه ده
انقلبت معالم وجهها لتجيبه بحدة
- على فكرا من حقي كزوجة برضو اخد نفس الحقوق دي، مش وقت ما تحتاجنى هتلاقيني قعدالك على السرير واقولك سمعا وطاعة، انت كمان تكون مجهز نفسك ليا وقت ما احتاجك وتلبي طلباتي.

كادت ضحكة ساخرة تنفلت منه وهو يرى امتقاع وجهها من الحمرة والخجل كونه يرفضها رغم اساليبها بداية من اثارة غيرته وأسلوب النبرات المغناجة واللمسات الفاضحة والثياب الخليعة في نظره
- اسياااا
صاح بتجهم ليسمعها تجيبه بحدة
- نعم يا بيبي
ربت على وجنتها قائلا بجدية
- احفظي لسانك قدام اهلك، اياكي تتكلمي بالطريقة دي قدامهم فاهمة
لكزته على مرفقه ما دامت اساليب الاغواء فاشلة مع ذلك الهركليز فاشلة لتصيح بحدة.

- على فكرا انت جوزي ومن حقي المسك زي ما انا عايزة واقولك طلباتي
جذبها من مقدمة فستانها وقربها منه لتتسع عيناها بذهول والاحمرار طغى وجنتيها من الحرج ليهمس بصوت غاضب
- جوزك لما نكون لينا باب مقفول محدش شايفنا، مش قدام الكل
زفرت بيأس وزرقة عينيها بهما بؤس جعله يقل من تجهم وجهه قائلة بحدة.

- انت غبت كتير عني، يرضيك تخليني انام وانا عندي كبت عاطفي، على فكرا انت حر لو انت مجتش بليل متلومش غير نفسك لو روحت لغيرك
صرخت متألمة حينما صفعها، الحقير صفعها على ذراعها بقوة غاشمة ولولا انها في منتصف القصر حيث الصاعد والهابط من السلالم سيرونهم لقتلها، امسك ذقنها بخشونة جعلها تئن ألما وهي ترى الجحيم في عينيه ليصرخ هادرا في وجهها قائلا.

- فكريني المرة الجاية اجيب ابرة وخيط عشان اخيطلك شفايفك وارتاح من كلامك اللي عايز اقص فيه لسانك
عبست بحدة وهي تغمغم بسخط
- ايه دي انت هتغير عليا ولا ايه، لثواني افتكرت متجوزة فريزر
افلتت يدها بصعوبة شديدة من قبضة يده ونزعت ذقنها من أصابعه الغليظة لتذهب الى اجتماع الاسرة الصباحى، ترغي وتزبد وهي تلعنه
وتلعن الجميع
وتلعن نفسها هي شخصيا
وضعفها
وعاطفيتها.

تقدمت نحو الطاولة المخصصة لطعام الإفطار لتتسع ابتسامتها الساخرة وهي تحيي الجد والشاب الأشقر ثم الحية الجالسة بجوار الأفعى الأكبر
- صباح الخير
دهش الجميع من وجودها، بل من سلاساتها وهي تأخذ مقعدا تتناول الطعام بهدوء شديد جعل الجد يطوى جريدته وهو يغمغم بدفء
- صباح النور.

اقشعر جسد آسيا نفورا وغضبا ولم تملك سوى السيطرة على اعصابها قائلة بابتسامة فاترة حينما وجدته يتقدم نحو طاولة الطعام متخذا مقعده بجوار جده
- لؤي اصر كذا مرة اني اشاركم هنا، بس اعذروني هكون وقحة بعض الاحيان وده مش بارادتي لاني للأسف ملحقتش الاقي عيلة تراقب على كلامي وتقولي ده عيب وده صح
رسم الجد ابتسامة فاترة على شفتيه ليغمغم بصوت أجش قائلا بنبرة شبه مهددة.

-بالهنا والشفا يا بنتى، بس انا مش هقبل اي كلام يكون فيه إهانة لعيلتي وعيلتك
لم تمر ما قاله مرور الكرام بل رفعت عينيها تحدق بمكر شديد نحو المرأة العجوز متجهمة الوجه، عابسة الملامح، لتغمغم ببرود
- معنديش عيلة كلهم ماتو بس واضح حتى اللي عندهم عيلة من وقت ما فتحوا عيونهم لسه انانين بطبعهم ومش عايزين يفرحوا عيالهم.

تجمهت ملامح لؤي وهو يشعر بوجود شيء مريب خاصة نبرة الغضب حينما ذكرت وجد وما قامت به عمته في تلك الليلة، منذ متى يعرفا بعضهما حتى تتحدث باندفاع عنها، لكن الجد غرد قلبه بسعادة وكان يعلم أن صغيرته وجد ستستطيع ان تبرد نارها، حسنا لم يكن يتوقع استجابة فورية بل معاناة، ليكتم وسيم ضحكة تكاد تنفلت من شفتيه وهو يغمغم
- كانت نقصاكي هي كمان
استقامت جميلة بحدة من مجلسها قائلة
-عن اذنكم شبعت.

لم يحاول أحد أن يستعطفها وهي غاضبة ولا حتى الجد الذي لم يكترث للأمر واستأنف قراءة جريدته إلا أن اسيا بددت الصمت قائلة بصوت واضح بدا كالهمس
- كدا الواحد ياكل وهو مرتاح
تأوهت بألم حينما شعرت بقدم لؤي تكاد تهرس قدمها ارضا لترفع ساقها الآخر وتدق بكعب حذائها على قدمه بقوة ادى الى افلات قدمه مع تشنج جسده ادى الى انفلات ضحكة وسيم مع نظرات ماكرة جعل لؤي يتنحنح حرجا وهو يميل بالقرب من آسيا هامسا بخشونة.

-اتلمي
رسمت ابتسامة مغيظة على شفتيها قائلة
- حاول لو هتقدر
غلفهم الصمت بعد نحنحة الجد الذي وأد أى حوار جانبي على سفرته، لتنظر اسيا بملل شديد وهي تحاول التفكير اين رحلت الحية تلك حتى تستطيع أن تفرغ بعض من احباطها وغيظها، رفعت رأسها حينما استمعت الى همس خافت أجش
-صباح الخير يا جدو
اقتربت وجد بخطوات كئيبة وملامح تعيسة وسواد يظلل عينيها الداكنتين لتهرع إلى جدها الذي قال بصوت دافئ
- صباح النور تعالي.

انهارت الصغيرة في عناق جدها، تحاول أن تصمد امامه ولا تنهار باكية رغم فضح عينيها و ارتجاف جسدها لتبتعد عن عناقه هامسة باعتذار
- اسفه اني اتاخرت
حفيدة مثالية بشكل مقزز كما توقعت اسيا
هزت رأسها ساخرة ولم تجد بدا سوى من التفكير بصوت عال قائلة
- مش محتاجة تعتذري على فكرا، من حقك انك تاخدي موقف
رفعت وجد رأسها لتعتري الدهشة ملامحها قائلة
- آسيا.

رمشت وجد أهدابها عدة مرات لترتسم ابتسامة شاحبة على شفتيها هامسة بوهن
- انتى قاعدة هنا ولا متهيألي
هزت اسيا رأسها مغمغة بسخرية وهي تكاد تقتل لؤي من موضعه
-قررت اخرج اشم شوية هوا
بللت وجد طرف شفتها السفلى، لتهمس بحرج وهي توجه حديثها ناحية لؤي
- بعد اذنك يا لؤي ممكن اخد آسيا معايا لمشوار.

أسقط لؤي الشوكة من يده لتقع على الطاولة مصدرة صوت بدد من سكون الغرفة، الجميع صامت وكأن على رؤوسهم الطير حتى اسيا لم تخفي دهشتها في بادئ الأمر إلا أنها حافظت على برودة أعصابها وابتسامتها المغيظة للؤي الذي حاول ان يستشف أى شئ لكنه لم يستطيع واكتفي بنظرات زاجرة، وعيدية، حارقة ليتنحنح بصوت أجش مرددا ببعض الريبة
- مشوار؟!

عاد ينظر نحو اسيا وبدا يحاول جمع الاحجية، لهفة اسيا بالخروج والذي ظنه بالبداية تمردا وكسرا لطاعته ثم خروج وجد وطلبها للاستئذان منه ببساطة لمشوار بين امرأتين لم يتوقع أن يتوافقا أبدا! توجد قطعة ناقصة، ليس غر احمق حتى يصدق وداعة آسيا والصحبة التي تظهرانها زادت من امتعاضه وهو يرى آسيا تغمغم بجفاء
- متسألنيش
عالج الجد الموقف وهو يعطيها موافقته.

-اكيد طبعا، اسيا مش حابسينها في البيت، تقدر تخرج وتيجي براحتها
رفع لؤي رأسه باستنكار قائلا
-جدي
هز غالب رأسه وهو يحدق نحو آسيا قائلا بصرامته المعهودة
-بقالها فترة قعدة في البيت ومحاولتش تخرجها، من حقها تخرج بس كله بمواعيده، مفيش خروج بعد ١٠ بليل ولما تطلعي من الصبح اخرك الساعة ٨ تيجي البيت، معاملتك هتبقي زي وجد
استقامت اسيا من مجلسها ولم تخفي امتعاضها سوى أنها همست ساخرة
-ناقص تشربني اللبن قبل ما انام.

لكن الجد المترصد لكل حركة ورد فعل منها أجابها بابتسامة هادئة
- وماله
العجوز المتصابي، لن يكون حسابها معه الآن، التفت نحو وجد التي حثتها بعينيها على اتباعها لتنصاع لها
ولأول مرة وضعت بعضا من الثقة للصغيرة، تاركة اياها تقود ولو دقائق حياتها، لم تحاول حتى سؤالها حتى صعدت سيارتها وانطلقت وجد نحو المجهول بالنسبة لها، التفتت وجد ناحيتها قائلة.

-مصدقتش نفسي انك قررتي تقعدي معانا، بس بما ان انا مش هقدر اقعد معاهم الفترة دى قررت اخدك لمكان تقدرى تجمعي فيه طاقتك زي ما ههحاول انا كمان
وصمتت بعدها لتحدق آسيا نحو الطريق بشرود شديد، لتتنهد وجد بقلة حيلة وطريقها يشق بسلاسة الى المؤسسة التي غابت عنها لأكثر من أسبوع مشتاقة بتلهف الى الأطفال، ثم صاحب الفضل الذي جلبها للمكان!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة