قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الأول

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الأول

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل الأول

سألوني عن الحياة
فقلت أسفًا على الدنيا التي شوهتها بوحشية
فما ذنب المرأة لتقع في حب رجل جاحد
وما ذنب الرجل ليقع في عشق من طرف واحد
وما ذنب الفتاة أن تشعر باليتم
وما ذنب الصغير أن يشعر بالنبذ
سألوني عن المكر والخداع
فقلت أن الرجل تلميذ نجيب والمرأة هي الأستاذة
والشيطان يقف في المنتصف يصفق لمن يرد طعنة الغدر بألم طاعن لا يبرأ.
وحينما سألوني العشق
تنهدت بحرارة لتقف الكلمات عند شفتي.

وظللت لفترة أفكر هل أقولها أنا أم أتنحى جانبًا وادعهم يحكون عما يجيش في صدورهم، الشوق حفزني لكي أضع كلمة واحدة تلخص الحكاية
الترصد
ليضعوا بينهم وبين العشق ألف باب.
العشق لم يتخذه دربا، والحب لم يكن من اهتماماته
لم يتنهد متحسرا حينما يرى زوجين من الكناري أمامه يتبادلان كلمات عشق مبتذلة، مبتذلة، لدرجة تصيبه بالهذيان.

هو ابدا، ابدا لم يجرب شعور الحب، الخفقة الهاربة حينما يشعر بوجود نصفه الآخر بجواره، اممم ماذا ايضا؟!
النيران الهائجة التي تندلع من جوفه إذا رآها تتدلل لغيره، الزلزال المدمر للنفس اذا أبصرها تتقدم نحوه بفتنة انفلت على اثرها عقال قلبه، وكل الكوارث النفسية التي تبعثر القلب وتجعل العقل على وشك الانجراف للجنون لم يشعر به اطلاقا، بل ابدا.

زفر وسيم بحدة وهو يرى صور جارته جيهان المنتشرة بكثرة على صفحتها الشخصية بثياب يفضل ان يقول انها مجرد قماش لستر الجسد بخداع، الغزالة الصغيرة أحبت أن تتحدى ذئاب الوادي، مرر بانامله على خصلات شعره يكاد ينتزعها نزعا وهو يري انها لا تجيب على اتصالاته، هل تقوم الان بدور سيدة الأعمال عليه؟!، كل ذلك بسبب غباءوه وعدم دراسة موضوعها بجدية ونواحي مختلفة.

هو من أدخلها ذلك المجال الفاشل، الاضواء والشهرة والعالم البراق الخادع كل ذلك لن تتحمله تلك الصغيرة، كيف وافق؟ بالله هل خدرته وجعلته يجلبها لصديق له ليحول اليرقة الى فراشة مبهرة الشكل، آسرة العيون، خاطفة الانفاس.

أغمض جفنيه وهو يعصر الهاتف من بين يده بعنف شديد، كيف استحوذت على تفكيره لتلك الدرجة؟! لقد رباها بل وكان يعتبرها طفلته أقرب لأخته، هي دونا عن الفتيات في حيه وشقيقتها، روحها المثابرة ولمعة عينيها التي تلقى سهام الحياة جعله يساق خلفها مبهورا وآخذا من شذى عبيرها لحياتها، الفتاة يجب أن يلجمها ويحد من تصرفاتها الطائشة، يجب عليه فعلها.

انتبه على صوت المخرج الذي ينادى اسمه مرارا عبر المكبر الصوتى يخرجه من شرود ليس وقته، اسبل اهدابه وهو يمرر أنامله على خصلاته الداكنة وعيناه الزرقاء مظلمة، مخيفة، مما جعل المخرج يعبس وهو يشير بيده من خلف الغرفة الزجاجية يتسائل عما عكر مزاج مذيعه اللامع..

نفى وسيم برأسه وهو يشير بإصبعه انه بخير، اجلى حلقه وهو ينتبه أن هناك أقل من دقيقة ليصبح على الهواء مباشرة ليتحدث بصوته الأسر الذي خلب جميع الفتيات المراهقة وأصبحن ينتظرن برنامجه الإذاعي على الراديو كل ليلة خميس...

مع إطلاق الضوء الأحمر والمخرج الذي كان يعد بأصابعه العد التنازلى، ابتسم وسيم بجاذبية وهو يرمى كل شيء خلف ظهره ويعطى ساعة من الأهتمام لمتابعاته، يعلم أن الابتسامة لن يراها سوى المخرج ومهندس الصوت لكن شعور، بل شيء من اليقين ان الفتيات تشعرن بابتسامته ليبتسمن بعده كنوع من العدوى يطلقها هو فقط ويلتقطنها الفتيات.

- مساء الخير، غيبت كتير عنكم للأسف، اعذرونى الموسم الجديد كان لازم نبدأه بموضوع ناس كتير شوهته
أطلق ضحكة خافتة وهو يتابع بنبرة رخيمة
- الحب النقى، الحب بكل أنواعه، بعيد جدا عن الحب المشوه، بعيد عن علاقة تحت مسمي اسم الحب وفي النهاية بتكون مجرد مصلحة من الطرف عكس التانى.

ليأتى أحد ويعطيه جائزة أفضل ممثل على وجه الأرض، يكاد ينفجر ضاحكا بسخرية، هل هذا ما يريده المخرج؟، يضحك بعقول فتيات صغيرات وينسج لهن عالم منزهة عن كل الأخطاء، عالم يوجد به الحب، والحب، والكثير من الحب، ليتحدث هو الأفضل عن الرغبات الجسدية، الشهوة، الغريزة الشهوانية التي بسببها تقتل كل شيء..
عباراته الناعمة تطرب أذن مستمعاته اللاتى يكدن يقفزن شوقا وتحمسا له، صنعوه في عالمه رجل قديس منزه عن كل الاخطاء.

المبتعد عن كل متاع الحياة الدنيا
وهو في منزلة بعيدة كل البعد عن هذا
هو بالنهاية رجل، يضعف أحيانا، يستسلم احيانا اخرى لدعوات مغرية غير قابلة للرفض..
توقف لثانية فقط يلتقط أنفاسه ليبدأ فتح برنامجه وهو يقول بنبرة خلابة يعلم تأثيرها جيدا للحالمات اللاتى تسمعنه.

- كتير بيسألنى على صفحة البرنامج ليه منتكلمش الموسم ده عن الحب بأنواعه، وقررت مع معدين البرنامج ان احنا نرتب حلقات الموسم دا وكل حلقة هنستقبل اتصالاتكم، حتى لو موصلناش لحل جذرى لكن زي ما بيقولوا الكلام بيحل نص المشكلة، هنسمع اغنيه لعشاق القيصر ونرجع تانى ونستقبل أول مكالمة.

خلع سماعات الاذن وهو يبتعد عن الميكرفون حينما اشار المخرج بفاصل صغير، ارخى رأسه على ظهر مقعده ينعم ببعض الراحة ولا يعلم لما هناك شعور يساوره أن الليلة لن تنتهي على خير!

رمشت جيهان أهدابها عدة مرات، الماجن سيتحدث عن الحب؟! هل جن هو أم ماذا؟! أى مخرج مخبول جعله يضعه في مكان مقدس ليدنسه ذلك الحقير
رفعت عيناها تنظر نحو شقيقتها شادية التي تستمع إلى برنامجه بكل هدوء شديد وهي تقلب بيدها في إحدى مجلات الموضة، ألقت هاتفها جانبا وهي ترهف السمع إلى صوته الجذاب.

- متسألش حد حبيتها او حبيتيه ازاي؟، لان ده بيحصل من غير ما يحس، ساعات تعود وساعات بتكون أول مرة، مش هنختلف على المدة، هنحكى عن التأثير، التأثير لما تشوف الشريك التانى اللى قلبك اختاره بيقلب كيانك
استقامت من مجلسها على الفور والغضب يندفع في أوردتها، الغضب يكاد يعمي بصيرتها، وعقلها على وشك أن يفقد رشده، شرست ملامح وجهها وهي تصيح بسخرية
- عاش وشوفت زير الستات بيتكلم عن الحب.

توقفت شادية عن تقليب المجلة لترد بلا مبالاة
- جيجي اهدي، مش مستاهلة تقلبيها دراما
والكلمة كانت بمثابة اضافة الحطب في النيران المتأججة بداخلها
انفجرت صارخة في وجهها
- دراما، بزمتك انتى مصدقة النحنحة اللى بيقولها دي، قلبه ده من حجر، لا وكل شهر مع واحدة شكل اشى شقرا وسمرا وحمرا وبيتنقل من امريكي لاروبي لاسيوي، وآخر الليل يتكلم عن الحب.

رفعت شادية حاجبها الايسر بتعجب لتقول بنوع من الاهتمام وهي تراها تمسك بهاتفها تتصل بشخص ما
- بتعملى ايه يا جيهان؟
غمغمت بشراسة وعيناها تلمعان بمكر
- هكلمه يا شادية
ذلك الماجن أعلن الحرب
وهي كانت تنتظر ثغرة واحدة فقط لهدم قلعته المحصنة
لم تكن تعلم أنه قدم لها ثغرته على طبق من فضة.

شبح صورتها العارية لا يغادر مخيلته وهو يتحدث مع متابعاته، حمم لاهبة تجري في أوردته، تلك يجب أن يصفعها على وجهها علها تفيق من عالم البراق الخادع، نبرته اصبحت منفعلة رغما عنه جعل المخرج الذي يراقب كل خلجة من تعبيرات وجهه المكفهرة أو نبرات صوته الاجشة التي خرجت عن مسارها الهادئ.

- مشاعر زي دي بتدى طاقة للإنسان عشان يسعد الشخص اللي حواليه، سواء الطرف التاني قبل التضحية أو لأ، لكن خلونى اقولكم القلب بيحب مرة واحدة بس، نقدر نقول على اللى فات انجذاب، حب مراهقة، مجرد عاطفة لمرحلة مؤقتة وراحت
اغمض وسيم جفنيه وصمت ولم يقدر على التحدث، ما الذي يتفوه به؟ أى هراء هذا الذي يقوله وللعجب يشعر نفسه وكأنه عاشق مخلص لمحبوبته منذ الأذل؟!
هل من حبيبه؟، لنقل حبيبات كثر.

وهل هو عاشق؟، بل ماجن، زير نساء
عقله أوشك على أن يفقد سيطرته ويخرج عن مدار هدوءه ورزانته ليستمع الى المخرج وهو يخبره بوجود مكالمة هاتفية، فتح مقلتيه لينظر بتيه شديد
الوقت يمر، لكن عقارب الساعة عنده توقفت وهو يحاول أن يفكر ما الذي حل به؟، ما الذي يفكر فيه تحديدا وهو على الهواء مباشرة، تمتم بنبرة باردة على غير المعتاد
-عندنا اتصال ونقول الو.

ابتسمت جيهان وهي تنظر الى حاسوبها تتأكد ان صوتها متغير والرقم لن يقدر على الوصول إليه حينما قررت فضحه أمام متابعاته الحالمات الصغيرات
- مساء الخير يا وسيم
وسقط قلبها بين قدميها وهي تنتظر رده، تنظر الى شاشة الحاسوب والى باب غرفتها المغلق، لا تريد أحد أن يقطعها عما انتوته، صمته أقلقها، بل جعلها تشعر انها متحفزة، كلصة مبتدئة تخشى أن يقبض عليها الشرطى، جاءه رده الهاديء وهو يقول
- مساء النور نتعرف بيكي؟

لوت شفتيها بملل وهي تعبث بخصلات شعرها الوردية، قالت بجفاء
- تقدر تقول انسه م
تلك المرة رد عليها ونبرة الاهتمام جالية على صوته
- اتفضلي احكي يا انسه
تنهدت وهي تتجول في غرفتها لتقول بجفاء
- عارف فيه نوع كدا من الناس اسمها الحرباية، تعرفهم؟

ناكس رأسه للاسفل وهو يتلقى خامس مكالمة، لا يصدق ما يفعله بنفسه، ولا تلك الكلمات المنمقة المليئة بالشغف والحب التي بدأ يتفوه بها؟، توقع ذلك الاتصال ممل كسابقه، لكن شم رائحة الخطر،
جرس الانذارات في عقله يخبره انهى المكالمة قبل أن تبدأ
لكن غروره الذكوري دفعه ليستمعها وللنهاية، ارتفع حاجبه لاعلى حينما سمعها تتابع ببرود.

- ناس كتير ماسكة مناصب مهمة وبوشين، يعني الصبح يبقي داعية وبليل تلاقيه بيسكر، نوع الراجل تبص عليه تقول عليه يعرف ربنا وبيصلي وتلاقيه من تحت الترابيزة يقبل الرشاوى وكله بالحب
رفع عيناه لينظر نحو المخرج الذي خلع سماعته ويشير له بقطع المكالمة، هل شعر المخرج اخيرا بالخطر؟!
بكل برودة اعصاب تعلمها، وضبط النفس الذي تعلمه لسنين أجاب
- يا انسه احنا...

قاطعته بوقاحة شديدة، وبدأ مفرقعات العيد تلون السماء الصافية
- وانت من النوع اللي اسمه الحرباية، بيتلون مع كل حالة وكل مكان، طب مش عيب على واحد زيك يخلوه يقدم برنامج بيحكي عن الحب وانت ولا مؤاخذه سمعتك مش اللى هي.

بدأ مهرجان الإحتفال، احتقن أذنيه وهو يحاول أن يجد رد على تلك الوقحة، يأمر بعينيه بعدم قطع اتصالها، ليس بجبان كى لا يستطيع ان يجد مخرج من تلك المصيبة، اعصابه تلفت بالفعل وقست ملامح وجهه لكن نبرته الهادئة تسربت الى المتصلة
- اتخذلتى يا انسه م من الحب؟
انفجرت جيهان تضحك بهستيرية، لا تصدق ان يسألها بكل برود هل شعرت بالخذلان
نعم شعرت بالخذلان والخداع
قلبها خذلها لأنها حينما أحبت، أحبت ماجن.

لا يراها ابدا كأنثى
ما زال يراها طفلة صغيرة بجديلتين، ألا يوجد خلاص من هذا الحب؟
عقد وسيم حاجبيه وهو ينتظر انتهاء تلك المجنونة من الضحك، هل هي مختلة؟ هل يجب أن يتصل بالمشفى ليضعوها في مصحة نفسية؟
كاد ان يقطع الاتصال الى أن نبرتها كبلته
صوتها به عذاب، لا يعلم لما يشعر بوجود شيء مريب بتلك المتصلة
كأنه يعلمها!

- اتدمرت من واحد اعتبرته كل حياتي، تعرف فيه واحد اوهمنى انه بيحبنى وكان بتاع بنات، عشان كدا بقول للي بنات متصدقش كلامك لانك واحد مش حاسس بكل كلمة بتقولها مجرد منافق
تنهد وسيم زافرا بحنق، الا يكفي ما يعانيه لتأتيه تلك سليطة اللسان، أجاب بنبرة باردة.

- مين قالك انى مش عارف الحب؟، دايما بنشوف الحب والكمالية اللي بتحصل في الافلام لكن الواقع مختلف، نقدر نقول عليه اول صدمة للانسان لما يكون بنى اعتقاده على الخيال
رفع عيناه يقرأ ما يدور بخلد المخرج الذي سكنت ملامحه حينما استمع الى نبرة المتصلة الشرسة
- ومنقولش ليه ان الراجل بيستغل الست ومعتقداتها الكمالية زي ما بتقول ويصر على انه يجرحها.

هل يعجبه المخرج المأزق الذي وضع به؟، يحاول تصفية ذهنه كى لا يفقد تهوره في أى لحظة، تلك المتصلة جاءت تلفح في جمرات ظن أنه اخمدها، تدخل يرد بهجوم
- كلامك بيقول ان الراجل دايما غلط وكأن الست مش بتشارك بالجريمة نفسها
لوت جيهان شفتيها بنزق وهي تجيب ببرود
- معظم حالات الانتحار للمراهقات بسبب حب شاب اوهمها بيه واللي زيك بردو اللي بيوصف الحب بالكمالية، تقدر تقول ان ده كمان غلط.

المتصلة تجره إلى أمواج هادرة وبحالته تلك سيغرق وستبدأ الفضيحة تنتشر في كافة وسائل الإعلام، زرقاويه تهدر بجنون كحالة البحر في أوجه الغضب ليجز على أسنانه وهو يرد
- لكل قاعدة شواذ مش كدا ولا ايه؟، زى ما مخلين الراجل عدم الأمان ليكم، احنا نحس ازاي بالاستقرار الأسري
لثانى مرة تضحك
تسخر وتستهزئ منه
وهو حتى غير قادر على الرد سوى بلباقة وإنهاء المحادثة.

- بجد ضحكتنى في عز وانا مليش نفس، انت واستقرار أسري في جملة لا مش مصدقة
زفر متنهدا وهو يقول
- بعدنا عن الموضوع الاساسي
لم تتأخر بالرد عليه
- لانك مش هتقدر تخليني اتقبلك للاسف، عايز تقدم برامج ارجع لفقرات المشاهير لان الكلام العميق للاسف مقدرش اتقبله منك
بلغ الصبر منتهاه، أشار للمخرج ان يقطع المكالمة ليجيب بحدة.

- ببساطة لطاما رافضاني تقفلي الراديو ومتسمعيش مني تاني لاني مش هجبرك، شكرا على مكالمتك ونقدر نرجع تاني لحلقتنا
اتسعت عينا جيهان وهي تنظر الى الهاتف، هل اغلق المكالمة في وجهها وما زالت تحمل في جعبتها الكثير؟!
- الحيوااان قفل في وشي.

الساعة لا تمر
كأن عقارب الساعة تتحداه أن يصدر اعتراضا على طول المدة التي يخضعها لاختبار التحكم في غضبه
اعصابه اتلفت تماما بمكالمة تلك ال، ، سبها وهو ينتظر رقم هاتفها على أحر من الجمر، يقسم أنها لو كانت امامه لما رحمها، سيدك عنقها
تلك الحركة الدنيئة لا يحبها، لطالما كره شيئ واحد في النساء وهو عدم الصراحة، عدم المواجهة المباشرة
يخترن أن يلقين اشارات وعلامات بدلا من التحدث مباشرة.

بالله ماذا سيحدث ان تحدثن مباشرة؟
هل سيسقط نيزك على الأرض؟!، هل سيصبن بالعمى والخرس؟!
لا يريد ان يفكر برد فعل جمهوره على الحلقة، عاد وضع السماعة على هاتفه بعد الفاصل ليقول بهدوء
- ونستقبل آخر اتصال ونقول مساء الخير
جاء صوت انثوى مرتبك
مرتبك لدرجة يشعر أنها ارتدت رداء الشجاعة لتتجرأ على طرح سؤالها.

- مش هطول معاك كتير، لكن محتاجة تفكير راجل في علاقتى، هل لما الست بتدى كل حياتها للراجل يخلى الراجل يستقل بيها، يستقل بحبها، يكون واثق في حبها ليه انها مش هتقدر تبعد عنه
دلك جبينه بارهاق، الحلقة استنزفت منه ما تبقى له من طاقة، أجاب بصراحة شديدة دون تزييف
- اه، صدمتك للاسف، كراجل اقولك لما اطمن انى معايا ست هتفضل جنبي بيجي فترة ويقول مجربش ليه حاجه جديدة أو ممكن هي دى طريقته واسلوبه مش كدا؟

شعرت بالاختناق وهي تهمس بقلة حيلة
- للاسف.

يقسم ما ان ينتهى من موسم البرنامج سيتوقف عن التطرق لذلك الأمر المربك، المثير للإعجاب للسيدات والمثير للريبة للرجال، النساء كيف تردن تلك العلاقة المسماة بالحب، بل كيف لا يخشون منها؟! الامر يكون مرتبط معهن منذ ان ولدن من رحم امهن وما يساعد على زيادة حالميتهن، تلك الافلام الكرتون للاميرات، وعندما يصلن لمرحلة المراهقة المسلسلات التركية والاجنبية عن الحب يزدهن شغفا بل تهورا للبحث عن المسمى بالحب الذي أصبح لا يمت للواقع بصلة، من كثرة الاشياء السيئة طغى على الجيد.

أنهى مكالمته مع المتصلة وهو يغمغم بهدوء
- عشان نغير من طبعنا صعب ويكاد يكون شبه مستحيل لكن لو هو عايز يتغير هيتغير، اشكرك على المكالمة، حلقة برنامجنا النهاردة انتهت نسمع اغنية نجمة الموسم الجديدة ونتقابل في ميعادنا الجاي، تصبحوا على خير
ازال السماعة من رأسه فورا ليهب من مقعده خارجا من الغرفة ليقول بنفاذ صبر
- عرفتها؟
هز المخرج رأسه بنفي تام وبكل برودة أعصاب قال بعملية
- لا الرقم برايفيت.

تلون الشرر في مقلتيه ليخبط بيده على سطح المكتب وهو يصيح بحدة
- يعني ايه برايفت يا سامر
نظر مهندس الصوت اليهما، تفحص ملامح وسيم الذي نادرا ما يخرج عن طور هدوءه والمخرج الذي ينظر اليه بكل برود وعلى وجهه ابتسامة باردة، مستفزة
وكأنه يشاهد صراع بين الماء والنار
لا يعلم أيهما سيؤثر على الآخر
هل الماء ستقدر على اخماد الحريق
أو النار التي ستأكل ما يقابل طريقها ولن يعوقها احد
غمغم المخرج بكل عملية شديدة.

- قولتلك نقفل المكالمة لكن انت اصريت، صعب جدا نعرف صاحبة الرقم ده
كز وسيم على اسنانه غضبا يكاد يطحن ضروسه، غادر وهو يغلي من الغضب يخشى ان يصب جام غضبه على أحد بريء، اللعنة فقط يعلم تلك السخيفة وسينزع خصلات شعرها من رأسها، رنين هاتفه جعله ينتبه انه يلكم الحائط بجواره بقبضه يده، نكس رأسه ارضا وهو ينسل الهاتف من جيب بنطاله مستعد للرد على أول شامت، ومن حسن حظه كانت ابنة عمه.

أغمض جفنيه وهو يضع اصبع السبابة والابهام على جسر أنفه ليقول
- مش وقتك دلوقتي يا وجد
انفجرت وجد ضاحكة وهي حتى الان لا تصدق ما حدث لابن عمها الوسيم، يتعرض لتلك الفضيحة ولأول مرة وهو يخرج منها بأقل الخسائر الممكنة، تمتمت وجد بنبرة ناعمة
- تحب اقولك انك مكنتش في المود ولا تحب اقولك مبروك عليك الفضيحة.

مشاعر عنيفة تكالبت عليه من كل حدب وصوب، جز على اسنانه مزمجرا، هو على وضع الاستعداد للفتك بأى شيء جواره حتى لو كان صندوق قمامة التي ألقاها أرضا لتفرغ محتوياتها على الارضية النظيفة، همس بحنق
- انتى عارفة لو كنتي قدامي كنت عملت فيكي ايه كنت كسرتلك رجلك
غرقت وجد في موجة من الضحك الهستيرى زاده عنفا وسخطا ووعيدا لتلك المتصلة الحمقاء ليسمعها تهمس بنعومة
- عنيف يا سيمو
جحظ مقلتيه لتتكدر زرقاويه، صاح بحدة.

- اقفلى هو يوم اسود لما وافقت على اني أذيع المسخرة دي
لم ينتظر السماع لردها، اسرع باغلاق الهاتف وهم أن يكسر هاتفه إلا أنه تذكر في آخر ثانية انه اشتراه جديد من اسبوع فقط، لم يهنئ به بعد، أغمض جفنيه وهو يسحب نفسا عميقا ليزفره على مهل
كمحاولة يائسة للعودة الى طبيعته الباردة
ارتخت ملامح وجهه المتشنجة لك هناك زئير اسد، لم يأخذ حقه بعد!

الوحدة مؤلمة
خانقة
تثير الرعب والملل
لتبدأ الشياطين الداخلية توسوس للنفس المذعورة بما يطمئنه، ليفتح باب الخراب
لا تصدق فرح انها حتى الان اتصلت ببرنامج إذاعي لتعرض عليه مشكلتها بل مصيبتها، بلوتها، هي ليست من هواة الاستماع للبرامج الإذاعية لكن ماذا تفعل حينما تكون الأميرة محبوسة قسرًا داخل أبواب قصرها، يوجد كافة وسائل الراحة للجسد لكن ماذا عن النفس؟!

ابتسمت فرح ساخرة، منذ متى زواجها كان طبيعيا أو يجب أن يسير بكل راحة ويسر، وما هو اثمها؟!
اثمها انها حاولت ان تصلح من ماضي زوجها، حاولت ان تغيره للافضل، أن تجعله يحيا حياة سعيدة معها، لا بل يحيا مع شمس صغيرته، تراجعت وهي تجلس على الاريكة وقد بلغ منها الصبر منتهاه، المحارب يحتاج استراحة حتى يقدر على شحن طاقته للدفاع باستماتة عن أرضه
الحرب لا تنتهي
والأرض مجرد سراب
والغنيمة هي شمس الغانم.

دمعت عيناها دون أن تشعر، وهي تجلد ذاتها، تلتحف برداء بالصبر لكن الرداء بدأ يشكوها
أريحي عقلك بنيتي
لو كان هو صخرا جلمود لأحس ولرق قلبه
لكنه جاحدًا
بل أنانى، ارتفعت صوت بكاءها لتنتبه الصغيرة شمس إليها وهي تتوقف عن اللعب، بعينيها الذهبيتين الشبيهة بعينيه نظرت اليها وعلى شفتيها ابتسامة ناعمة تهديها اليها، والله لولاها هي التي تخفف عنها لربما ركضت فارة من ذلك المنزل.

انزلقت بجسدها لتجلس ارضا وهي ترفع كفيها تدعو صغيرته أن تأتى إليها، الصغيرة تعلمت السير، خطواتها متمهلة حذرة كانت تجعل فرح فخورة بما حققته، فخورة بتلك الصغيرة التي تتمنى لو انها انجبتها من رحمها هي...
وحينما وصلت الصغيرة الى فرح، شدتها فرح الى عناق موجع لقلبها، تشم رائحتها الزكية ليسكن آلامها، غمغمت بألم
-هل بابا فعلا صدق انى مقدرش اعيش من غيره ف بيعاملني كدا.

ابتعدت وهي تستمع الى كلمات من الصغيرة، لا تلتقط سوى كلمتين من أثر حزنها، بابا و دادا كلمة دادا هي فرح، لا تعلم سر تمسك تلك الكلمة لتنادي به اسمها لكن لا يهم، يكفى انها الوحيدة التي تشد من أزرها في ذلك المنفى حتى يعفو السلطان عنها
حاورتها حينما عقدت الصغيرة جبينها وكأنها الاخرى استشفت حزن فرح الذي اصبح يخنق انفاسها
- طب ليه يأذيني وانا بحبه عمرى ما عملت حاجه الا عشان مصلحتنا يا شمس.

صمت مهيب من طرف شمس الصغيرة لتغلق جفنيها بقهر وتترك دموعها تواسيها، شيء حي يتألم مثل قلبها
انتفضت حينما استمعت الى صوت جلادها
- هتتفضلي تكلمى مع نفسك كتير
رفعت عيناها البنية وهي ترمش بأهدابها عدة مرات، تزيل ستار الضبابية التي صنعتها دموعها، في همس معذب همس قلبها
- نضال
اجلست فرح شمس في منطقة المخصصة للعب لتقف تواجهه ندا بند.

عاقدًا ساعديه على صدره وهو ينظر بعينيه ما تفعله بصغيرته وكيف باقل لمسة تضحك شمسه، شمسه المتوهجة في كبد سماءه، لكن فرح!
هي شوكة في خاصرته، هذا أدق معنى وصل إليه ويصف به علاقتهم المهترءة
كاد أن يغادر ويتركهما إلا أنها صاحت بقوة لا يعلم من أين استخرجتها
- هنفضل لحد امتى كده، لا كلام ولا حوار حتى
كشف عن صف اسنانه العلوية وهو لا يصدق أي جراءة تصل بها تلك الفرح، هل تحاسبه على رد فعله وهي السبب بما يحدث لها.

قال ببساطة شديدة
- كل واحد بيتحاسب على غلطته، وغلطتك مقدرش اغفرها
واستدار راحلا ليصل لباب شقته يغادر حتى يريح دماغه المجهدة الا انها اوقفته بجسدها وهي تقف حائلا بينها وبين باب الشقة وعينيها في عينيه تتحداه ان يشيح بعينيه عنها
- انا عملت ايه لكل ده فهمني، قولى عملت ايه لكل ده، كل اللي عملته عشان نبقى سعدا مع بعض
رفع اصبع السبابة محذرا وقناع ملامحه الوسيمة نزعها بقسوة ليظهر أسوأ ما به.

عينيه مظلمتين، سوداوين، يشبهان الظلمة التي لا يأتى منها الخير مطلقا، وجهه المتوحش واسنانه عبارة عن انياب تلمع وهي جاهزة للفتك اربا، العرق النابض في عنقه هو ما يدل فقط على الحياة
- فرح اوعك تنسي، اوعك في يوم تنسي اني جبتك من الشغلانة القذرة دى وضميتك تحت جناحى
الصدمه الجمتها وهي تنظر إليه بذهول، أى وظيفة قذرة هو يتحدث عنها، بل هو الذي جعلها قذرة منذ أن تعرفت عليه
لقد دنسها
دنس براءتها، طهرها، حبها.

التمع الجنون والغضب في عينيها لتصيح في وجهه
- هو انا عشان بسعى لأكل عيشي شغلانة قذرة؟!، عشان اجيب اكل لعيلتي واتعرض للتحرش غصب عني ابقي بشتغل شغلانة قذرة؟!
رمقها من منابت شعرها الى أخمص قدميها ليهتف بقرف
- انتى عارفة انتى ايه، مجرد ست بتمتعنى في سريرى مش اكتر، متبنيش امال كون انى اتجوزتك بحق وحقيقي.

طعنة سددت في القلب مباشرة، سكينة غادرة منه وضعها بكل غل على قلبها، الدموع بدأت تغزو عينيها إلا أنها لم تدعها تتساقط أمامه، حاربتهم بكل ضراوة وصدى كلماته يرن في اذنيها كطنين مزعج، همست بمرارة تشربت ما بها
- حقير
- مش زي حقارتك
ابتسامة جانبية زينت ثغره ليهمس ببرود وهو يزيح جسدها عن الباب ليغادر من الشقة وتركها هي في منتصف الاعصار الذي أخلفه
نظرت الى نفسها من السطح العاكس.

تسألها ما الجرم الذي فعلته دون أن تشعر
ما جرمها هي حتى تحظى برجل مثله
عادت تلتجئ السلام والسكينة من الصغيرة وهي تسحبها الى احضانها وأطلقت السراح لدموعها لعزاء نفسها
تمتمت تشكوها بكل نبرة يأس
-شوفتى يهدم الحب بيده ازاى.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة