رواية أبناء هارون للكاتبة شروق حسن الفصل السادس
الخوف عدوٌ لدودٌ للإنسان، وكأنه وحشٌ مُفترس ينتظر لحظة ضعفك لإلتهام جسدك الهزيل، أو كرياحٍ قوية مُحمَّلة بالغُبار لها القدرة على إصابتك بالعمى، أو ربما ك تسونامي له القدرة على إغراقك ودفنك حيًا، توخي الحذر وابتعد، فإن إلتهمكَ وسيطر على كيانك؛ فأنت بالتأكيد هالك.
شعرت تسنيم بأصابعها تتجمد من الخوف، سقطت منها الورقة أرضًا وكادت هي الأخرى أن تسقط خلفها، لكن لحقتها يد صغيرة منعتها من ارتطامها أرضًا، لم تُكلِّف نفسها لرفع رأسها ومعرفة مَن ساعدها، كل الذي دار بعقلها هي تلك الذكريات التي حاولت بأقصى جُهدها أن تمحيها من ذاكرتها، جُملة واحدة قلبت كُل الموازين، جُملة أعادتها حبيسة في قفص ناري بعد أن نالت حُريتها سابقًا.
ازدادت وتيرة تنفسها وعَلت صوت دقاتها، لقد توَّصل إليها وعَلِم مخبئها، بالطبع سيُعيدها لعذابها مُجددًا، حيث المصحة والصعقات الكهربائية القاتلة، ستُعاني من جديد، ستظل تبكي ليل نهار حتى تحصل على جُرعتها المُنومة أو تفقد وعيها، وهُنا سمحت لذاتها بالإنهيار.
كانت ذِكرى تُتابع تشنجات وجهها وانفعالات جسدها بقلق بالغ، زادت حركتها عُنفًا وازدات مُقاومتها وكأنها تُحارب شيئًا ما، لكن الذي لا تعرفه هو أنها تُحارب الأشخاص في عقلها، أحاطت بها ذِكرى من كتفها في محاولة منها لتهدأتها، ثم أدخلتها وأجلستها على الأريكة الصغيرة، مسدت على خصلاتها بحنوٍ وباليد الأخرى جذبت كوب المياه من على الطاولة الخشبية، وبرغم عدم معرفتها لها أو لهويتها، تحدثت بصوتٍ هاديء ودود:.
بَس بَس إهدي، مفيش حاجة حصلت أنتِ بخير.
لم تكن تعلم لِمَ تواسيها أو على ماذا، لكن الشيء الوحيد الذي تعلمه هو أن الماثلة أمامها جريحة وتُعاني، يبدو أن الحياة قد عذبتها بسوطٍ من المرارة القاتلة، لذلك لم تتحمل.
عادت تسنيم لرُشدها وأخيرًا، ثم رفعت أنظارها تُطالع ذِكرى بأنفاسٍ لاهثة، شحب وجهها وازرقت معه شفتاها، ولم تتحمل روحها أكثر فأجهشت في البكاء!
شعرت ذِكرى بالعجز حِيال تلك الغريبة، دُهشت عندما مالت تسنيم على كتفها وأكملت بكاؤها، وبتلقائية رفعت الأخرى ذراعيها تُربت على ظهرها بربتاتٍ خفيفة وهي تكاد أن تبكي معها، صعدت يد ذِكرى هبوطًا وظهورهًا وهي تُلقي على مسامعها كلماتٍ مُطمئنة، وبعد أن مرت نصف ساعة تقريبًا توقفت تسنيم عن البكاء، وابتعدت عنها وهي تُجفف وجهها من الدموع.
مالِك؟
سؤالٌ صعد من فاهِ ذِكرى التي تابعت ردة فعلها بانتباه، رفعت تسنيم نظراتها إليها ثم تمتمت بصوتٍ مبحوحٍ باكٍ: هيقتلني.
قطبت ذِكرى جبينها بتعجب، حديثها أثار فضولها وهي لن تصمت عند هذا الحد، بل أكملت تساؤلاتها قائلة: هو مين؟
زفرت تسنيم نَفسها على مهل، وتثبتت نظراتها على نقطة فارغة في الهواء وهي تُتمتم بشرود: ابن عمي.
في بداية الأمر دُهشت ذِكرى من حديثها، لكن دهشتها ذهبت أدراج الرياح عندما تذكرت ما فعلته عائلتها الحقيرة فيهم وفي أموالهم، ابتسمت بسخرية لاذعة على ما آل إليه تفكيرها، الجميع مُؤذي باختلاف طريقة الأذى، الجميع سيء وغرائزهم الحيوانية هي ما تقودهم.
مدت ذِكرى كفها لتُمسك بكفِ الأخرى لتُلفت انتباهها، وللمرة الثالثة تتسائل بحذر: ليه؟
عادت الدموع لتتجمع داخل مقلتيّ تسنيم مُجددًا، وببطئٍ تمتمت بالسبب الذي جعل ذِكرى تشهق بصدمة وعدم تصديق: عشان قتلت أمه.
أحيانًا يرمنا تيار الهواء في وِجهة لا نُريدها، فنضطر نحن المحاولة للسير مع ذلك التيار دون أي رغبةٍ مِنا، وإن حاولت التأقلم، يأخذك لوِجهة أخرى غير التي اعتدت عليها مُسبقًا.
كان يعقوب يُباشر عمله مع العُمال في المجزر تارةً، وتارةً أخرى لرؤية العُمال في محل ذِكرى ، كان العمل على قدم وساق ذلك اليوم، فلقد وعدها العامل بالإنتهاء مُبكرًا لكن بأجرٍ زائد قليلًا، وذلك لأنه سيجلب ثلاثة عُمال آخرون لإنهاء العمل بسرعة.
استحسن يعقوب العمل ونتائجه، لذلك قرر التوجه نحو منزله ليرتاح قليلًا حتى ينتهوا منه، سار في إتجاه منزله وعيناه العسليتان تدوران في أنحاء الحارة يتفحصها جيدًا، لكنه توقف مكانه فجأة عندما شعر بإحداهن تُعطِّل طريقه، زفر الهواء بملل عندما علم هويتها، والتي لم تكن سوى زهراء ابنة عمه!
الأخرى كانت عمياء، هائمة به فلم ترى نظرات النبذ والسخط منه، بل تحدثت بابتسامة واسعة وعينين مُلتمعتين سعادةً برؤيته: إزيك يا يعقوب عامل إيه؟
لم يُرد يعقوب جرحها أكثر من ذلك أو إهانتها، هي في النهاية بمثابة شقيقته الصُغرى، ومُعاملته الجافة والوقحة تلك لا يرضاها لها، لذلك أجابها ببعضٍ من الوِد: الحمد لله يا بنت عمي في فضل ونعمة.
تمتمت زهراء بالحمد وصمتت بخجل لا تعلم كيف تُبدده، فقررت التحدث بما يجيش بصدرها ويُؤرق غفوتها: أنت ليه مُعاملتك معايا كدا يا يعقوب؟ بحسك بتتكلم بالعافية ومش مبسوط معايا، هو أنا ضايقتك في حاجة؟
تلك المواجهة ليست بوقتها هو يعلم، لكن يجب عليه إخبارها بالحقيقة حتى لا يُوهمها بالأكاذيب الطاعنة: لأ مضايقتنيش في حاجة، كل الحكاية إني عارف أنتِ عايزة توصلي لإيه يا زهراء، بس مينفعش.
وبضيقٍ شديد سألته باندفاع: ليه مينفعش؟
أجابها بصراحة دون مُراوغة: عشان أنتِ زيك زي بدور بالظبط، يعني أختي.
أختك؟
رددتها أثناء مُطالعتها له بعدم تصديق، شعر بالضيق حِيال مظهرها ذلك لكن لا مجال للهرب، امتلئت حدقتيها بالدموع رغمًا عنها، وبصوتٍ مبحوحٍ مُرتعش ردت عليه قائلة: بس أنا. أنا مش عايزة أبقى زي أختك يا يعقوب!
زفر يعقوب الهواء بانفعالٍ شديد، هدوئه بدأ يتبدد وسيحل محله الغضب، مُجرد التفكير في ردة فِعل أخيه بدران إن علم الحديث الذي دار بينهما يُصيبه بالضيق، تلك الغبية لا تُفكر سوى به، وأخيه لا يُفكر سوى بها، وهو بذاته لا يُحبها، بل إنها مثل شقيقته لا أكثر ولا أقل، ابتعد يعقوب خطوتين للخلف وهو يقول برزانة:
نصيحة مني يا بنت عمي، بلاش تشوفي بقلبك، شوفي بعينك واعرفي مين اللي بيحبك بجد.
كان حديثه مُبهم لم تفهمه جيدًا، وبيأسٍ تغلب على نفسها تسائلت ببكاء: يا يعقوب أنت ليه مش عايز تفهمني!
لمح يعقوب بطرف عينه أخيه القادم ناحيتهم، فتحدث بغموض وهو يبتعد عنها: مهما حاولتي مش أنا اللي هفهمك، اللي هيفهمك معاكِ وحواليكِ بس أنتِ اللي غبية.
تابعت ابتعاده بأعين دامعة وفؤادٍ مكلوم، بينما بدران قابل يعقوب وتسائل بقلق وهو ينظر لحبيبته الغبية الباكية: مالها زهراء بتعيط ليه؟
غمزه يعقوب بعبث وهو يقول بخفوت قبل أن يبتعد عنه ويرحل: مجروحة يا دكتور؛ عالجها.
تشنج وجه بدران بعدم فهم، فأكمل سيره نحو زهراء حتى توقف أمامها، وبتساؤلٍ قَلِق تحدث: مالك يا زهراء؟
أجابته زهراء بصوتٍ مبحوحٍ باكٍ: أخوك دا حيوان.
رد عليها بدران باستغراب: دي أنا عارفها، أنتِ بتعيطي ليه بقى!
توقفت زهراء عن البكاء مُطالعة إياه بسخط، ثم تمتمت ببعضٍ من الحنق: وأنت غبي، تعرفها دي ولا جديدة عليك؟
رد عليها بدران بجدية عملية وهو يُعدِّل من ياقة قميصه: أيوا أبويا قالي كدا إمبارح.
أجابته ساخرة: والله عمي دا بيفهم.
صُدمت عندما رد عليها بسخرية تُماثلها تمامًا: طب تعرفي إنك حلوفة وجاموسة ومبتفهميش؟
فرغت فاهها بعدم تصديق من وقاحته، فاستكمل حديثه قائلًا: عايزك النهاردة بالليل بعد العِشا لوحدنا على السطوح.
لم تستوعب بروده بعد، فردت عليه بعنادٍ ونبرة مُتحدية: مش هاجي.
غمزها قائلًا بعبث: هتيجي، سلام يا. يا زغلولة.
قال حديثه ثم استدار مُعطيًا له ظهره ورحل، رحل رغم تأكده من اتساع ابتسامتها على لقبه المُحبب لها، زغلولة!
الخير هو وجه مُضاد للشر، وكلٌ منا يحمل الخير والشر داخله، أحيانًا يتغلب الخير، وأحيانًا أخرى ينتصر وجه الشر، لكن الشر يكون بدرجاتٍ مُتفاوتة، وكُلما زاد المُستوى؛ يزداد الخطر.
واقفٌ هو بكلِ توتر يُحيطه رجال حسن من كل مكان حوله، هو الآن واقف في مملكته، وذلك بعد أن هاتفه أحد رجاله وأخبره بنجاحهم للوصول إلى تسنيم الهاربة، ابتلع إسلام ريقه بريبة، وبتساؤل قَلِق تحدث وهو يدور بأنظاره في المكان:
هي. هي فين تسنيم بنت عمك يا حسن بيه؟
أجابه حسن ببراءة وهو يهز كتفيه بجهل: هي مِش هِربت؟ أنت بتنسى بسرعة ولا إيه يا إسلام؟
زادت ريبة إسلام ومعه ازداد خوفه وقلقه، شعر بعدم الراحة لحديثه المُبهم، خاصةً نظراته الغامضة التي يرميها إليه من الحين والآخر، رمش بأهدابه عدة مرات ثم حمحم بحنجرته بقلق وقال: هو. هو مش حضرتك لقيتها ولا إيه؟
أخرج حسن صوتًا ساخرًا من فاهه أثناء قوله المُتهكم: والله المفروض أنا اللي أسألك السؤال دا!
اتسعت حدقتي إسلام بهلع، وها قد صدق حِدسه وإحساسه الذي يُنافيه منذ أن وصل، راقب بعينيه توقف حسن من مقعده الوثير مُرتديًا بذلته السوداء القاتمة، ويظهر على جانب حِزامه سلاحه الأسود اللامع، شعر إسلام بالبرودة تجري في أوصاله، خاصةً مع وقوف حسن أمامه وهمسه بشر:
فكرني كدا أنا قولت هعمل فيك إيه لو ملقتش تسنيم خلال يومين؟
أحسَّ إسلام بجسده يتصنم مكانه، وكذلك خانه لسانه الذي شُلَّ عن الحديث، وضعه صعب للغاية، وأمام مَن؟ مَن لا يرحم، وتلقائيًا عاد إسلام خطوتين للخلف وكأنه يحمي ذاته منه، لتظهر ابتسامة ساخرة على ثُغر حسن الذي أردف بمسكنة:
حافظ الفاتحة يا إسلام؟
تجمعت العِبرات داخل عينيّ إسلام بخوف، وبأنفاسٍ ثقيلة لاهثة تمتم بهمس: لأ. لأ أبوس رجلك يا حسن بيه، إديني فرصة تانية وأنا أوعدك إني هوصلها المرادي.
رسم حسن على وجهه معالم الحزن والشفقة، ليتنهد بيأس قائلًا: أنا لو عليا مكنتش هعملها يا سُلم والله، بس أنت عارف إن الشغل شُغل، وأنا اللي يجي ناحية شُغلي؛ أنسفه.
وكانت تلك هي العبارة الأخيرة التي يسمعها إسلام قبل أن يُخرِج حسن سلاحه ويُصوبه نحو رأسه بملامح واجمة وغاضبة، وبعد ثوانٍ لا تُعد كانت صوت الطلقات يدوي مُحدِثًا ضجيجًا عاليًا في الأرجاء، وجُثة إسلام تسقط أمام حسن الذي طالعه بقرف واشمئزاز!
رفع حسن أنظاره إلى جِهة أحد رجاله، وبعدها أمره بوجهٍ مُتجعد: شيل جُثته من قدامي ونضَّف مكان الدم دا، انتوا مش عارفين إني بقرف ولا إيه؟
دقائق مرت على ذِكرى وهي تُحاول استيعاب الكلمات التي رُميَت على أُذنيها كالصاعقة، رمشت بأهدابها عدة مراتٍ علَّها تخرج من صدمتها، وبعد دقائق كثيرة مرت، تسائلت بذهول: أنتِ قولتي إيه؟
إلتوى ثُغر تسنيم بابتسامة ساخرة مُلتوية، قبل أن تُجيبها: مش أنا اللي بقول، هو اللي بيقول.
حديث تسنيم كان مُبهم وغير واضح إطلاقًا، لذلك استدارت لها ذِكرى بكامل جسدها ثم سألتها بإصرار: أنا مش فاهمة حاجة! أنتِ مين؟ ومين دا اللي عايز يقتلك؟ وأمه مين دي اللي أنتِ قتلتيها؟ وليه أصلًا؟ أنتِ وراكِ إيه؟
كل تلك التساؤلات دارت بعقل ذِكرى ونطقه لسانها، في تلك الأثناء كانت تسنيم قد استعادت إدراكها وخرجت من حالة الصدمة التي تلبستها، هبت من مكانها وأرجعت خصلاتها الشاردة للخلف، ثم أجابتها بهدوء:
مش مهم، مش لازم تعرفي أجوبة كل الأسئلة دي، أوقات الجهل بيكون نعمة لازم تحمدي ربنا عليها.
وقفت ذِكرى خلفها، ثم اقتربت منها خطوتين وتسائلت بحيرة: طيب أنتِ مين؟ أنتِ قريبة الحج هارون؟
التفتت لها تسنيم وسددت لها ابتسامة طفيفة قبل أن تُجيبها بالنفي: لأ أنا مش قريبة الحج هارون، أنا اسمي تسنيم. تسنيم السيد عاشور.
طالعتها ذِكرى بشرودٍ وفضولها جهة تلك الفتاة الغريبة يزداد أكثر فأكثر، وبالرغم من ذلك لم تُريد أن تُصبِح دخيلة أكثر من ذلك، لذلك قررت الذهاب والتخفيف من وجودها بعد أن تشدقت بابتسامة مُتكلفة: اتشرفت بيكِ يا تسنيم، وأنا اسمي ذِكرى .
حيتها تسنيم بود قبل أن ترحل الأخرى وتذهب من أمامها، بينما تسنيم أغلقت الباب خلفها وهي تتنفس بعنف، يجب عليها أن ترحل من هنا قبل أن يصل إليها ويقتلها، يجب أن تهرب من تحت مخالبه القاتلة وإلا ستلقى مصرعها!
خرجت ذِكرى من المنزل القاطنة به تسنيم وعقلها مُشوش، حديثها وقت ضعفها وانهيارها أصابها بالحيرة، لا تُنكر بأنها قد خافت قليلًا، لكن هيئة تسنيم لا تدل على ذلك أبدًا، تكاد تُقسِم بأن الأخرى تُسِّب ذاتها بقسوة لتفوها بتلك الحماقات دون إرادة منها، لقد نبست بها حين اشتد بها اليأس وضاق صدرها.
وحين سيرها للخارج، اصطدمت بجسدٍ عريضٍ أدى إلى سقوطها أرضًا، وذلك عندما تعرقلت في بعض الأحجار الصغيرة، تأوهت بقوة تزامنًا مع حديث يعقوب المذهول: مش تحاسبي يا ست ذِكرى ؟
تشنج وجه ذِكرى بسخط، ثم رفعت له أنظاره الحادة وهي تقول بحنق: أنا برضه اللي أحاسب؟ وبعدين يا جدع ما تساعدني ولا تقومني خَلي عندك زوق!
استند يعقوب بظهره على البوابة الحديدية من خلفه وهو يُربِّع ساعديه أمام صدره، ثم اعترض قائلًا بقوة: لأ طبعًا، أبويا قالي ملمسش واحدة سِت، وأنا متربي وبسمع كلام أبويا.
طالعته ذِكرى بغيظ قبل أن تستند على كفيها وتقف على أقدامها مُجددًا، نفضت ثيابها بضجر ثم رفعت أنظارها له وهي تقول بوجهٍ مُتجعد: لأ فعلًا متربي متحلفش بس.
ارتسمت ابتسامة صغيرة على ثُغر يعقوب الذي أرجع خصلاته الهوجاء الناعمة إلى الخلف، وبعسليتيه طالع خاصتها وهو يقول: المهم عايز أقولك إن الرجالة قربوا يخلصوا شُغل في المحل، قُدامهم ساعتين بالكتير وهيشطبوه.
اتسعت ابتسامة ذِكرى التي صرخت بحماس ودون وعي: بجد؟ إحلف كدا؟
نظر يعقوب حوله بفزع من صراخها خشية من رؤية أحدٍ لهم، فصاح به بصوتٍ مكتومٍ غاضب: صوتك يا ولية عيب كدا!
تجعد وجه ذِكرى بقرف وهي تُكرر كلمته: ولية؟ بيئة.
أشاح بيده بلامبالاة وهو يتخطاها: بيئة بيئة، أنا طالع أريَّح شوية.
لحقته ذِكرى بسرعة وهي تقول: طب استنى خُدني معاك.
توقف يعقوب مكانه على الدرج فجأة شاهقًا بصدمة: أخدك معايا فين دلوقتي يا قليلة الأدب!
اتسعت حدقتي ذِكرى بصدمة مما آل إليه تفكيره القذر، فيما أكمل يعقوب حديثه قائلًا بمسكنة: لو بالليل أوكي.
أنت. أنت. أنت قليل الأدب. أنا قصدي أنا طالعة ل بدور.
تهدل كتفي يعقوب بيأس قائلًا: يقطعني! وأنا اللي فهمتك غلط؟ يلا منك لله.
راقبت صعوده بعدم تصديق، هذا الرجل تفكيره قذر حقًا على فتاة بريئة مثلها، جعلته يُكمِل صعوده وحده حتى دلف إلى شقته، وترك لها الباب مفتوحًا، وبعدها لحقت به لمقابلة بدور.
طمني يا دكتور، بابا حالته عاملة إيه؟
نبست روان بتلك الكلمات بقلق بالغ وهي تقف بجانب والدتها أمام الطبيب المُشرف على حالة والدها، ليُجيبها الطبيب بعملية جادة للغاية: هو دلوقتي بقى كويس، ياريت نتجنب أي ضغوطات لإنها غلط عليه وعلى صِحته، عن إذنكم.
أنهى حديثه ثم رحل من أمامهم بعد أن طمأنهم على صحته، استدارت رجاء والدة روان لها، ثم تحدثت بأعين ضيقة: أنتِ عملتي إيه خليتيه يوصل للحالة دي؟
طالعتها روان بعدم فهم وهي تُجيبها: هعمله إيه يعني يا ماما، دا إحنا حتى كُنا بنتكلم في الشُغل لقيته وِقع مني وطَب ساكت منطقش.
نكزتها رجاء في ذراعها بغيظ أثناء تعنيفها لها: يا بت ما تنقي ألفاظك دي بقى! هو إحنا مربينك في الشارع؟
نفخت روان بغيظ وهي تُقلِّب عيناها بملل، ثم سارت للأمام وهي تقول بلامبالاة: أنا داخلة أتطمن على بابا حبيبي.
قالتها تزامنًا مع فتحها لباب الغرفة، ومن بعدها استمعت المشفى بأكملها إلى صوت إسماعيل الهادر: إطلعي برا.
جاءت رجاء مُهرولة على صوت الصُراخ المُفزع، فوجدت روان تستدير لها وهي تقول بتفكير جاد: أي ثينك إن بابا محتاج دكتور نفسي!
اطمئنت جنة أن والدتها مُنهمكة في طهي الطعام، ووالدها و إلياس مازالا في الخارج، بينما كُلٍ من ذِكرى ورضوى ليسوا في المنزل، لتتسلل إلى الخارج بعيدًا عن المنزل، نظرت حولها بريبة ترى إن كانت شقيقتها بالقرب من المنزل أم لأ، ولحُسن حظها لم تجدها، لذلك اتجهت مُسرعة إلى نهاية الشارع الرئيسي بخطواتٍ واسعة لكن عرجاء بسبب ألم قدمها.
ظلت تسير عدة دقائق قليلة إلا حتى أن وصلت قليلًا، وقفت أمام المحل الذي أتت إليه خصيصًا بملامح مُتوترة، إنه محل الحج هارون الثاني، تقدمت ببطئٍ حتى وصلت للداخل، وبعدها نادت بصوتٍ خفيض: لو سمحت!
في تلك اللحظة. كان عُمران واقفًا يُتابع طلبات الزبائن، وحين استمع إلى إحداهن تُنادي؛ استدار إليها بانتباه، وعلى الفور تعرَّف عليها، إنها ابنة صديق والده القديم، رسم ابتسامة مُتكلفة على فمه ثم تسائل بعملية: أيوا يا أنسة! اتفضلي.
شعرت جنة بالحرج والخجل لِما تُريده، فصعدت درجة أخرى حتى تسنح له بالإستماع إلى صوتها الخفيض حين تحدثت قائلة بتلعثم: هو. هو أنا يعني كنت عايزة أسأل لو فيه كِرشة ومُمبار هنا.
في حياتهم السابقة لم تكن تأكل مثل تلك الأشياء، لكن كانت تود تجربتها وبشدة، والآن هي خَجِلة من طلبها وَسط هذا الجمع الهائل من الناس، أجابها عمران بأسف وهو ينظر إليها: هو كان فيه، بس للأسف دلوقتي خِلص.
احتل اليأس معالمها فتنهدت بضيق وهي تسأله بحسرة: طب حتى مفيش مُمباراية واحدة؟
ضحك عمران بخفة وهو ينفي برأسه قائلًا: لأ للأسف مفيش.
طيب خلاص شكرًا.
قالتها ثم عادت للخلف بملامح وجهٍ حزينة، سارت عدة خطوات فأوقفها عمران مُناديًا باسمها، استدارت له فوجدته يتقدم منها ثم قال بابتسامة هادئة: ممكن لو عايزة أعمل حسابك المرة الجاية وأجيبهملك بنفسي لحد البيت.
شكرًا يا أستاذ عمران بس مش عايزة أتقِّل عليك.
رد عليها عمران بود: ولا تعب ولا حاجة، إحنا جيران والجيران لبعضيها، ها أعمل حسابك ولا غيرتي رأيك؟
طالعته بامتنان وهي تُجيبه: إعمل حسابي طبعًا، وشكرًا جدًا حقيقي.
رد عليها قائلًا: العفو يا آنسة، اتفضلي.
ذهبت من أمامه بعد أن وعدها بجلب طلبها المرة المُقبلة، لاحظ هو خطواتها المُتعرجة التي تسير بها لكنه لم يُبالي، وبعدها عاد لمُباشرة عمله مرة أخرى.
حاولت بدور التخلي عن توترها وخوفها وذهبت مع ذِكرى إلى منزلهم لقضاء وقت لطيف مع الفتيات، وذلك بعد أن استأذنت من أبيها الذي تحدث بتحذير خوفًا عليها: روحي يا حبيبتي، بس ياريت لو لقيتي أخوها هناك تيجي على طول.
دخلت بدور مع ذِكرى إلى منزلها، قابلت في طريقها صفاء التي ما إن رأتها حتى تحدثت بترحيب: بدور؟ إزيك يا حبيبتي عاملة إيه؟
عانقتها بدور بوِد وهي تقول: الحمد لله يا خالتي كويسة، أنتِ أخبارك إيه؟
أجابتها صفاء بابتسامة واسعة وهي تبتعد عنها: بخير الحمد لله، اتفضلي ادخلي مع البنات لحد ما أجيبلكم حاجة تاكلوها.
شكرتها بدور بامتنان قائلة: تسلم إيدك يارب.
قالتها ثم دخلت لغرفة الفتيات، رحبت بها رضوى بحرارة وهي تهب من مكانها صائحة: يادي النور يادي النور! إيه المفاجأة العسل دي؟
عانقتها بدور وهي تضحك عاليًا قائلة: لأ ولا مفاجأة ولا حاجة، انتوا هتلاقوني عندكم هنا كل يوم خلاص.
تنورينا يا ستي ولا يهمك.
قالت ذِكرى بضحح، ثم استدارت نحو رضوى وتحدثت بقرف: إيه اللي أنتِ حاطاه على وشك دا؟
ردت عليها رضوى بوجهٍ مشدود: دا ماسك تحفة، تعالي جربيه.
أشاحت ذِكرى بيدها بلامبالاة قائلة: بقالك سنتين بتعملي الماسكات دي وخِلقتك لسه زي ما هي متغيرتش.
تشنج وجه رضوى بسخط عقب حديث شقيقتها الغير مُراعي بالمرة، لتُجيبها حانقة: اسكتي أنتِ وملكيش دعوة، إيش عرفك أنتِ بالإسكين كير ومنتجانته.
لوت ذِكرى شفتاها وهي ترد عليها: أبوكِ لو عِرف إن أنتِ جايبة المُنتجات دي ب2000 جنيه هيرقصك بالحزام.
لم تُعيرها الأخرى أي إهتمام، بل اتجهت نحو مرآتها تنظر إليها وهي تُجيبها بدلال: كله في سبيل إني أدلَع بشرتي.
اقتربت منها بدور بفضول، ثم تسائلت وعيناها تدوران على منتجات البشرة كاملة: هي الحاجات دي بتُستعمل لإيه؟
ردت عليها رضوى بقولها: دي حاجات لنضارة الوِش وإزالة الرؤوس السودا والبيضا وتفتيح البشرة، وفيه منها حاجات للجسم.
مطت بدور شفتيها وهي تقول بجهل: أنا معرفش أي حاجة من دول.
أمسكت رضوى بكفها، ثم حملت حقيبة المُنتجات في اليد الأخرى واتجهت للجلوس على الفراش، أجلست بدور أمامها ثم قالت بحماس: استني أنا هشرحلك.
في تلك الأثناء أتت جنة التي رحبت ب بدور بسعادة، ثم جلست بجانب الفتيات على الفِراش تستمع إلى شرح رضوى المُبسط عن منتجات البشرة والجسد وكيفية الإهتمام بهما، كانت بدور تُراقب إعلان تلك المُنتجات على التلفاز والهاتف لكنها لم تكن تهتم، لكن يبدو أن الأمر مُمتع حقًا، وازدادت حماستها لتجربة تلك الأشياء بعد شرح رضوى لها.
انتهت رضوى بإخبارها بكل شيء ممكن أمامها، فنظرت بدور إليها بحيرة وهي تتسائل: طيب إيه أحسن حاجة ممكن أستخدمها لوشي؟
وتلك المرة تحدثت جنة تشرح لها بلُطف: الحاجات دي بتختلف من كل بشرة للتانية، يعني أنا مثلًا بستخدم غسول استار ل وحِلو معايا جدًا، على العكس تمامًا مش ماشي مع رضوى فبيطلعلها حبوب، و رضوى بتستخدم أرچنتو ودا حِلو أوي للبشرة المُختلطة والدُهنية.
أيدت رضوى حديث شقيقتها وأكملت عليه بقولها: والمُرطبات كذلك مش بتفع مع كل أنواع البشرة، بس اللي كلنا جربناه ونِفع معانا ومعملش لينا أي مشاكل هو هيبتا بانثينول، سِعره رخيص بس نينچا.
بكام يعني؟
تسائلت بها بدور، فأجابتها رضوى: ب 35 جنيه بس حلو أوي، وأهم حاجة في دا كله هو الصن بلوك عشان الشمس، عندك إنفنتي حِلو أوي وجميل مش بيحرق البشرة، وكمان فيه ديرماتيك جامد من الآخر.
كانت بدور تستمع إليهن بإنبهار، وكم أفادوها في تلك الأشياء كثيرًا، استدارت إلى ذِكرى الصامتة ثم سألتها بتعجب: وأنتِ يا ذِكرى مش بتستعملي حاجة؟
ردت عليها ذِكرى بلامبالاة: بسرق من حاجتهم وبستعملها عادي.
طالعتها رضوى بحنق مُتمتمة: ما الحِلوة بتستخسر تشتري فتستعمل من حاجتنا أحسن.
أجابتها ذِكرى باستفزاز: دا إذا كان عاجبك.
شجاراتهم ذكرتها بشجارات أخواتها، نفس طريقة الحديث والإستفزاز حقًا دون وجود أي إختلاف، الإختلاف الوحيد فقط هو استعمال إخوانها ف في مزاحاتهم.
عادت بدور للنظر نحو رضوى ثم سألتها بإنتباه: يعني لو حبيت أشتري الحاجات دي هتقطعلها كام؟
فكرت رضوى قليلًا وهي تنظر للمنتجات، ثم تحدثت قائلة: الغسول ب 120، المُرطب ب 35، الصن بلوك ب 150، وفيه نوع أرخص ب 85 بس جميل أوي، يعني ممكن يقطعوا 300 جنيه أو 305 في الحدود دي.
اتسعت ابتسامة بدور بحماس ثم قالت: هاخد من أبويا الفلوس وهجيبهم، وبعدها هاجي وأسألك عن منتجات الجسم بقى.
ضحكت رضوى بخفة وهي تقول: يا ستي تعالي وأنا هشرحلك كل حاجة.
طالعتها بدور بامتنان، فاستمعوا جميعًا إلى صوت جنة المُتسائل: أومال فين إلياس؟
ردت عليها ذكرى التي كانت تتناول ثمرة من الفاكهة: راح يدوَّر على شُغل.
انتبهت بدور لحديثها فتسائلت بتعجب: هو كان بيشتغل إيه في الأول؟
أجابتها ذِكرى قائلة: برمجة كمبيوتر.
فأكملت جنة الحديث وهي تقول بفخر: أخويا هكر قد الدنيا.
أشاحت رضوى بيدها أثناء قولها المُتهكم: ياختي اتوكسي أنتِ وأخوكِ، دا كان بياخد السنة بسنتين.
ضربتها جنة على كتفها وهي تقول مُدافعة عن أخيها: بت ملكيش دعوة بيه، دي هي سنة واحدة بس اللي عادها بسبب الدكتور اللي كان مستقصده، وأديه بقى مهندس قد الدنيا حبيب أخته.
لم تهتم بدور بكل ما قالوه، الكلمة الوحيدة التي علقت بذهنها هي هكر!
فزعت الفتيات عندما هبت بدور من مكانها وتحدثت بعدم تصديق: أنتِ بتقولي أخوكِ مُبرمج وهكر؟
نظر الفتيات لبعضهن البعض بتعجب قبل أن يُومئن بالإيجاب، فتحدثت بدور على عجالة وكأنها وجدت طوق نجاتها أخيرًا: طيب أنا عايزة أقابله دلوقتي حالًا.
وأنا قُدامك أهو قولي اللي أنتِ عايزاه.
في فصلٍ مليء بالطُلاب، يقف بادر أمامهم وهو يُحاول أن يتحلى بالصبرِ دون أن يفقد أعصابه، تقدم من أحدهم بملامح وجهٍ واجمة، ثم تحدث بهدوء مُغلف بالشر: ممكن أعرف إيه اللي أنت قولته لزميلتك دا؟
نظر الطالب إلى إحدى الطالبات الموجودة معه بنفس الفصل، والتي كان يظهر على محياها البكاء العنيف من انتفاخ عينيها، حوَّل الأخير أنظاره نحو بادر الذي ينتظر إجابته ثم تشدق بوقاحة: قولت الحقيقة يا أستاذ، ومش أنا لوحدي اللي بقول كدا، ما هي اللي ماشية على حل شعرها تكلم طوب الأرض و...
قطع حديثه بفزع عندما تخلى بادر عن صمته وهدوئه المُخيفين، ثم صرخ به بنبرة جعلت الآخر يرتعش خوفًا: إخرس يا حيوان! أنت إزاي تجيلك الجُرأة إنك تتكلم على زميلة ليك بالطريقة الحقيرة دي؟ أنت عيل متربتش وناقص تربية، وحالًا هعمل فيك محضر بالتعدي لفظيًا على زميلتك واستدعاء ولي أمر، عشان الوالد والوالدة ييجوا يشوفوا تربيتهم اللي تِفرح.
فتح الطالب عيناه بفزع وهو يهز رأسه بالنفي، بينما الفتاة بدأت في البكاء بشكلٍ أقوى لفت إنتباه أصدقائها إليه، حاول الطالب التحدث والتبرير علَّه يُحسِّن من موقفه، لكن قاطعه صوت بادر الصارخ به باهتياج: إطلع برا ومشوفش وِشك في الفصل دا تاني، اسبقني على مكتب المُدير لحد ما أحصَّلك.
لقد تعقد الأمر بأكمله وانتهي الأمر، اتجه الطالب بخطواتٍ مُتمهلة نحو الخارج تحت أنظار جميع مَن بالفصل، منهم الشامتين ومنهم الغاضبين لأجله، تابع بادر رحيله ثم استدار نحو الطُلاب يتحدث بنبرة صارمة مُوجهًا حديثه للشباب:.
خليني أقولكم إني مُتسامح في أي حاجة إلا العَرض والشرف، كل واحد فيكم عنده أخت بنت في البيت ميرضاش يحصل فيها اللي حصل مع زميلتكم بسبب عيل قليل الأدب مترباش، ردة فِعلكم تجاه الموقف بأكمله كانت سلبية، من واجبكم إنكم لما تشوفوا إنسان عديم الأخلاق بيتكلم بالطريقة المُهينة دي على بنت إنكم توقفوه عند حده مش تتابعوا بصمت، انتوا مش أصنام ولا عبيد عشان تتقبلوا الوضع، تخيل تكون قاعد في البيت تسمع إن أختك بتكلم ولاد كتير وهي بريئة، إيه هيكون موقفك وقتها؟ هل هتسكت؟ هتقول مليش دعوة؟ ولا هتحاول بأقصى طريقة مُمكنة إنك تثبت برائتها وتدافع عن شرفها؟
كان الأولاد يشعرن بالخجل حِيال قسوته في نُصحهم، لكن الحديث الذي استمع إليه جعل الدماء تتدفق إلى رأسه بغِل بعد أن أعمى الغضب عيناه، تابع بادر ردات فعلهم ثم استطرد حديثه بقوله القاسي: لو قِبتلوا على نفسكم إنكم تكونوا سلبيين فأنتوا كدا شوية عيال مش رجالة، اعتبروا الحِصة النهاردة عن الأخلاق، الوقت انتهى.
أنهى حديثه ثم استدار جهة الفتاة آمرًا إياها بصرامة: تعالي ورايا يا رؤية.
جففت رؤية وجهها بالمناديل الورقية ثم اتبعته للخارج، في حين أن أنظار أحدهم تُتابعها بضيقٍ لما آلت إليه الأمور، وهُنا توعد للحقير الآخر بالويلات، سيجعله يندم على كل ما تفوه به من حديث، استفاق من شروده على صوت صديقه الذي تحدث بحذر:
بتفكر في إيه يا لقمان؟
كوَّر لقمان كفه بغضب وهو يُجيبه بتوعد: واللهِ ما هسيبه ابن ال دا، هخليه يفكر ألف مرة قبل ما يتكلم عليها نص كلمة بعد كدا.
مرت دقائق كان بادر مُصممًا على تلقين هذا الصغير درسًا لم ولن ينساه، سيُساعد الفتاة على أخذ حقها رغمًا أمام الجميع، أنهى الإجراءات وقام بعمل مُذكرة كتب بها أفعال الطالب المشينة، كما أرسل جوابًا إلى والديه ليكونا يستدعيهما للقدوم، وكل ذلك كان تحت رجاء الطفل بعدم فعل هذا، لكنه لم يُشفِق عليه كما لم يُشفق هو على زميلته وخاض بعرضها.
أنهى بادر كل الإجراءات ثم اتجه نحو مكتبه حيث تجلس رؤية، دخل فوجد المُعلمة سارة تقف بجانبها تُلهيها عما حدث حتى هدأت تمامًا، جلس بادر على المقعد أمام مكتبه، ثم تحدث بصوتٍ جادٍ للغاية:.
أنا مش عايزك تزعلي أكتر من كدا يا رؤية، حقك أوعدك إني هجيبهولك وهخلي الولد دا يعتذرلك قدام الكل، أنا آه ممكن أكون طيب وهادي، لكن مش بتهاون أبدًا في الحاجات اللي زي دي، وعايز أنصحك نصيحة إعتبريها من أخ كبير لأخته مش من مُعلم لتلميذته، لو فعلًا أنتِ بتكلمي ولد من الولاد فلازم إنك تقطعي معاه نهائي، لإن أولًا دا حرام شرعًا وربنا ميرضاش بكدا أبدًا، تاني حاجة عشان ثقة أهلك ومظهرهم قدام الناس، أنتِ جميلة وتستاهلي تكوني جميلة، فمتخلش حد يقول عليكِ كلام مش كويس بسبب نزوة المراهقين، طبعًا ليكِ حرية الرأي إنك تسمعي كلامي أو لأ، بس أنا عملت اللي عليا من ناحيتك.
كانت رؤية تستمع إليه بإنصات شديد، حديثه صحيح مئة بالمئة ولا يوجد عليه خِلاف، في الحقيقة هي تُهاتف لقمان وتُحبه، وهو يعشقها كذلك، وانسمجا معًا بالحديث والمُهاتفات دون أن يُدركا لحجم الخطأ الذي وقعا فيه، أنهى بادر حديثه فتحدثت رؤية قائلة بإمتنان:
حاضر يا مستر بادر، أوعدك إني هسمع كلامك في كل كلمة حضرتك قولتهالي، أنا متشكرة جدًا إنك وقفت جنبي وجيبت ليا حقي، ربنا يبارك في حضرتك يا رب.
سدد لها بادر ابتسامة هادئة وهو يرد عليها: العفو، اتفضلي أنتِ على فصلك دلوقتي.
رحلت رؤية من أمام بادر، وتركته وحده إلا من سارة التي تقف أمامه كالبلهاء، رفع بادر حاجبيه لها غيظًا ولم ينسى مُعاملتها الأخيرة معه، فوجدها تتحدث بابتسامة متوترة وهي تجلس أمامه:
طبعًا أنت عارف المهنة وأشغالها صح؟ فأنا كنت عايزة أعتذر منك عن اللي حصل مني المرة اللي فاتت، بس الواد إبراهيم هو اللي عصبني.
ماشي.
نبس بها باختصار، فرفعت هي حاجبيها وتحول وجهها من البراءة إلى التشنج وهي تقول ساخطة: هو إيه اللي ماشي؟ دا بدل ما تقولي ولا يهمك يا أستاذة سارة، وأنا مش زعلان منك ومقدَّر إنك جيتي هنا لحد عندي عشان تعتذريلي، ومجيك لحد هنا شرف كبير على راسي وأنا مسامحك!
أخرج بادر صوتًا ساخرًا من بين شفتيه قائلًا بتهكم: ما أنتِ خلاص قولتي كل حاجة!
وقفت من مكانها وربَّعت ساعديها أمام صدرها وهي تقول بضيق: لو سمحت يا أستاذ بادر قولي كدا عشان محسش بالذنب.
ما أنتِ كدا بتغصبيني إني أقولهالك!
نطقها بحذق، فتحدثت هي بلامبالاة وضجر: مش مهم، المهم إنك تقولي كدا عشان أعرف بالليل وأنا ضميري مرتاح.
سحب بادر نفسًا عميقًا ثم زفره على مهل، وبعدها تحدث باستفزاز وهو يتحاشى النظر إليها: لو سمحت يا أستاذة سارة أنا وأنتِ في المكتب لوحدنا ودا ميصحش، اتفضلي على حِصتك وأنا لما أكون صافي من ناحيتك هاجي وأعتذرلك.
اعتدلت سارة في مكانها بغضب كمن لدغتها أفعى، ثم تحدثت بعصبية لكن بصوتٍ خافت: يعني دا آخر كلام عندك يا أستاذ بادر؟
وقف بادر في مكانه ناظرًا لساعة معصمه، ثم تحدث باصفرار وهو يتجه نحو الخارج: خليكِ يا أستاذة براحتك ومتتقمصيش، أنا اللي ماشي.
قال جُملته ثم اتجه نحو الخارج بعد أن انتهى دوامه لليوم، تاركًا إياها تنظر لأثره بضيق، تُرى كيف ستنام اليوم بضميرٍ يُعنفها بسبب ما فعلته معه آخر مرة؟ فهي لم تنام ليلة أمس إلا عشر ساعات تقريبًا فقط بسبب التفكير في هذا الأمر.
جلست بدور أمام إلياس وحدهما في توتر بالغ، وذلك بعد أن طلبت من الفتيات أن تكون بمفردها معه، فهمن على الفور، بينما أخذها إلياس وجلسا بغرفة المعيشة في مكانٍ مفتوح حتى لا يكونا بمفردهما، راقب إلياس انفعالاتها جيدًا وعلم أن هناك شيئًا خطيرًا تُخفيه، لذلك قرر رفع عنها الحرج وتحدث بهدوء قائلًا:
اتفضلي يا آنسة بدور اتكلمي أنا سامعك.
ابتلعت بدور ريقها بتوتر وريبة، ثم تحدثت بخفوت قائلة: يعني. أنا كنت عايزة مساعدة من حضرتك لو معندكش مانع.
حاول سبر أغوارها لكنه فشل، وحين يأس أردف قائلًا: أكيد هساعدك، إحكيلي بس.
أغمضت بدور عيناها في محاولة منها للسيطرة على توترها، ثم فتحتهما مُجددًا قبل أن تردف بتحذير: بس إوعدني الأول إن بابا وإخواتي ميعرفوش حاجة عن الموضوع دا!
وبهدوءٍ قاتل قال: أوعدك.
ومن تلك النقطة بدأت بدور بسرد ما حدث معها منذ البداية على يد زوجها عديم المروءة، بداية من ضربه لها وإهانته بسبب كشفها لخيانته، حتى عودتها إلى منزل أبيها وتصميمها على الطلاق، وبعدها قصت له تهديده لها عن طريق تلك الفيديوهات التي كان يُسجلها لهما أثناء علاقتهما معًا، ومع كل كلمة تصعد من فاهها كانت دهشته تكبر شيئًا فشيئًا، وحين انتهت وجدته ينطق بكلمتين فقط وهما:
أنتِ متجوزة؟
وبسوقية وعدم إدراك أجابته بدور بوجهٍ مُتشنج ساخط: وحياة أمك؟
كانت تظن بأنه سيصمت، لكنه فاجئها عندما هب من مكانه مُتخصرًا وهو يُشيح بيده أمام وجهها: أمي دي كانت هتبقى حماتك، أنتِ إزاي تخبي عليا إنك متجوزة؟ إزاي قدرتي تكوني بالجحود دا؟
اتسعت مقلتيّ بدور بعدم تصديق، فصاحت به بصراخٍ غاضب: أنت إيه اللي أنت بتقوله دا؟ أنت مجنون ولا فيه حاجة في دماغك؟
أتى جميع مَن بالمنزل على صوت صراخهما، بالأساس هم تركوهما يتحدثون بكلِ هدوءٍ ورُقي، ما الذي حدث الآن؟
كان العيون تُرسل أحاديث غاضبة، فتدخلت ذِكرى مُتسائلة بقلق: فيه إيه يا جماعة حصل إيه؟
استدارت لها بدور بعنفٍ قبل أن تردف بعصبية: عندك أخوكِ أهو اسأليه، أنا ماشية.
اتجهت بدور نحو الخارج بخطواتٍ غاضبة، فيما لحقتها رضوى وهي تُنادي عليها: راحة فين يا بدور بالحالة دي؟ استني بس.
لم تُجيبها بدور واستكملت سيرها خارج منزل ذلك الغبي، بينما ذِكرى استدارت جهة إلياس وتسائلت قائلة: في إيه يا إلياس حصل إيه؟
طالعها إلياس وهو يقول بغضب أثناء إشارته لأثر بدور الراحل: الهانِم طِلعت متجوزة.
تشنج وجه كلًا من ذِكرى وجنة، فتسائلت جنة بصراحة مُتعجبة: طب وأنت مالك؟
قطب إلياس حاجبيه بغضب لعدة ثوانٍ، قبل أن يُفكر في حديثها جديًا، وبعدها أجابها بضيق وهو يرتمي على الأريكة: كنت مُعجب بيها، بس هي غدرت بيا وخدعتني.
لم تفهم ذِكرى حديثه كاملًا، فجلست بجانبه ثم تسائلت باستغراب: خدعتك إزاي يعني؟ قولتلها وهي اتقبلت الموضوع ومقالتلكش إنها متجوزة؟
ليرد عليها إلياس نافيًا: لأ أنا مُعجب بيها بيني وبين نفسي.
وتلك المرة أتته الإجابة على الفور من ذِكرى ، لكن ليس بالحديث، وإنما بواسطة الوسادة الكبيرة التي قفذتها على وجهه بعنف، تبعه صوت ذِكرى الصارخ به: تصدق بالله أنت معندكش دم ومبتفهمش! يا شيخ أنا مش عارفة دماغها كانت فين لما فكرت تطلب منك أنت مساعدة!
قالت جُملتها بغضب ساخط، قبل أن تتجه نحو الخارج هي الأخرى، نظر إلياس لشقيقاته بعدم فهم، فشعر بربتاتٍ خفيفة على كتفه وكأنها مُواسية، وبالطبع لم تكن سوى من جنة رقيقة القلب، ابتسم لها بصفاء، قبل أن تختفي فجأة عندما قالت هي: بصراحة أنت حمار يا إلياس.
قالتها برقة ورحلت تاركة إياه ينظر في أثرها بدهشة هو الآخر، هو المجروح من الأساس.
إن كنت تثق بقوتك الواهية، فاعلم أن هُناك أقوى منك، تذكر يا عزيزي أنا هذا العالم كالغابة، لا بقاء سوى للأقوى.
صعد حمزة ومصعب إلى سيارتهما الخاصة ثم اتجهوا إلى إحدى الأماكن المُتفق عليها، خلع مصعب نظارته الشمسية ثم نظر إلى وجه حمزة وقال: بالصلاةُ عالنبي المُهمة دي مش هنخرج منها غير بشوية حشيش يملوا العين، هديك الربع وأنا هاخد الباقي.
نظر له حمزة باستنكار لوهلة قبل أن يعود بنظره جهة الطريق مُجددًا، ثم تحدث بسخط: الحاجات دي بتتقسم بينا فيفتي فيفتي، أي غدر منك هبلغ عنك وهوديك في ستين داهية؟
انكمش وجه مصعب وهو يتسائل بشهقة مُنصدمة: وههون عليك معقول!
ابتسم له حمزة باصفرار قبل أن يُجيبه: أه تهون.
استند بظهرن على المقعد قائلًا بوجهٍ مُلتوي: كنت عارف على فكرة.
بعد نصف ساعة، وصلا إلى الوِجهة المقصودة، حيث ذلك المطعم الكبير، واجهته مُطرزة بالزجاج العتيق اللامع، وجوانبه من خشب الزان الغامق، كما أن درجاته من الرُخام الأبيض المُزدان بخطوط مُلتوية، وحوائطه من الداخل من اللون الكريمي الهاديء، كما أن طاولاته من اللون الأسود العتيق، والمزهريات تملأ المكان، الهواء بارد بفعل المُكيفات، ونسمات الجو تضرب الوجوه بلذة تُقشعر لها القلوب.
نظر حمزة للمكان بانبهار وهو يُردد: أوف يا جدع على النضافة! شايف القيمة والرحرحة ياض يا مصعب؟
وجَّه حديثه الأخير لأخيه مصعب لكنه لم يجد إجابة، نظر جانبه باستغراب فلم يجده من الأساس، استدار حوله يبحث عنه مُتعجبًا اختفائه المُفاجيء، فتوقف مُتصنمًا عندما وجده يقف على إحدى الأحجار الفرعونية، ويرفع شفتيه للأعلى ليشرب من نافورة المياه، دون أن يُراعي أنظار المارة الذين يُطالعونه باستنكار!
لطم حمزة على وجهه ثم هرول إلى أخيه الأبله وجذبه من ياقة قميصه بعيدًا عن النافورة، وبعدها عنَّفه بقوله: أنت بتعمل إيه يالا يخربيت الفُلح؟ عايز اللي يشوفك يقول عليك بيئة؟
عدَّل مصعب من ثيابه وهو يُبرر له فعلته: يا بني دا المايه اللي في النافورة معدنية!
إيه دا واللهِ بجد؟
تمتم بها حمزة بدهشة، ليُؤكد له مصعب وهو يسحبه خلفه ليُريه، ذهب حمزة خلفه وصعد عدة درجات ليتذوق المياه النابعة من النافورة، لكن أوقفه صوت رجل الأمن الذي عنفهم بقوله: بتعمل إيه يا أستاذ أنت وهو؟ بعد إذنكم يا بشوات انزلوا عشان متخذش إجراء قانوني تجاهكم.
توقف حمزة ومصعب عن أفعالهم الهوجاء، فابتسم حمزة بتوتر بعد أن هبط وهو يقول: دا. دا إحنا كُنا بنغسل إيدينا بس مش أكتر.
قالها ثم اتجه هو وأخيه مُسرعًا لداخل المطعم مرة أخرى، وهُنا استعادوا جديتهم مرة أخرى، فوضعا نظارتهما السوداء على عينيهما والتي كانت مُلائمة لثيابهما السوداء وبشرتهما الخمرية.
اتجها معًا نحو إحدى الطاولات للجلوس عليها، وبعد جلوسهما تحدث حمزة باستدراك: لحظة كدا! إجراء قانوني إيه اللي كلن هياخده؟ هو إحنا مش حكومة؟
ومع إدراكه أدرك مصعب ذلك أيضًا، ليقول بعناد وهو يخلع نظارته عن عيناه الرمادية ويضعها أمامه على الطاولة:
تصدق صح! خلاص متزعلش نفسك ياض هنشرب وإحنا خارجين.
مرت دقائق أخرى وجاء الرجال المقصودون، وهُم حسن طارق عاشور ورجاله والمندوبون، جلسوا على الطاولة التي بجوارهم كما أرشدهم النادل الذي اتفقا معه، تحدثوا عن أشياء عادية للغاية حتى بدأ الأمر يتطور أكثر، وضع أحد الرجال حقيبة جلدية سوداء اللون أمامهم على الطاولة، ثم تحدث قائلًا بعملية جادة:
دا المبلغ المُتبقي على آخر شحنة تمت ما بينا.
نظر حسن للأموال بنظرة رتيبة، فاعتدل في مكانه وأغلق الحقيبة ثم وضعها جانبه، ارتشف قليلًا من المياه ثم تحدث بنبرة غامضة: والشُحنة الجاية!
شبَّك المندوب كفيه معًا مُسندًا إياهم على الطاولة، وهو يُجيبه بجدية: الشُحنة الجاية ميعادها لسه متحددش، وصلت لينا معلومات إن الشرطة عِرفت فهنأخرها كام يوم لحد ما الدنيا تهدى شوية و.
أوقفه حسن بيده فأردف: مش قصدي على ميعادها، أنا عايز مكسبها.
ابتسم المندوب بخفة مُجيبًا إياه بثقة: عشرة مليون دولار.
وضع مصعب يده على فاهه يمنع شهقته التي كادت أن تصعد، ثم همس لذاته بصدمة: يا كفرة يا ولاد الكفرة؟ يخربيت أبوكوا!
نكزه حمزة بغيظ مُوبخًا إياه بسخط: إخرس يا حيوان واسمع وأنت ساكت.
وبالفعل صمتا واستمعوا إلى بقية الحديث، والذي كان مضمونه أن الشُحنة القادمة ستحتوي على الأسلحة لتصديرها داخل مصر بطريقة غير قانونية على تُجار الأسلحة والمُجرمين.
انتهت الجلسة ومعها توصل كُلًا من مصعب وحمزة إلى كافة المعلومات التي يُريدونها، وذلك بواسطة جهاز المُسجل الموضوع أسفل طاولتهم، راقبوا خروجهم بأعين كالرصاص مُتوعدة، ليهتف مصعب بغل وهو يجز على أسنانه: يا ولاد ال! الشُحنة دي لو دخلت مصر أرواح ناس كتير هتروح.
طالعه حمزة بغموض مُتمتمًا: متقلقش مش هيحصل، المهم أنا ورايا مشوار دلوقتي.
آجي معاك؟
تسائل بها مصعب ليُهز حمزة كتفه بلامبالاة قائلًا: تعالى.
لأ مش جاي.
نطق بها بغرور وهو يرتشف من كوب المياه الذي أمامه، فطالعه حمزة باستنكار قبل أن يأخذ أشيائه ويرحل، تاركًا إياه يعبث في المكان قليلًا.
انتهي العُمال من محل ذِكرى تمامًا وسط سعادتها وفرحتها العارمة، وغدًا هو يوم الإفتتاح المُنتظر بالنسبة لها.
بينما جنة فضَّلت النوم مُبكرًا حتى لا يشتد عليها ألم قدمها.
و رضوى اتجهت نحو الخارج بتسلل لشراء بعض المُسليات، والآن هي تلعن حظها العَثر بسبب غبائها، لقد تعدت الساعة الثانية عشر مساءً والشوارع يعمهت الصمت المُخيف، لا شيء سوى صوت الحشرات الصاعد في الأرجاء، نظرت حولها بقلق علَّها تلمح أحد لكنها لم تجد وكأنهم اختفوا جميعًا، لذلك أسرعت من خطواتها شيئًا فشيئًا حتى أصبحت تجري بالمعنى الحرفي.
شُلَّت حركتها عندما أبصرت جسد يقطع عليها الطريق، لم يظهر وجهه بسبب الإضاءات الخافتة، ابتلعت ريقها برعب وحاولت الإبتعاد بصمت دون إحداث أي ضجيج، لكن ما أفزعها هي حركة الرجل الغير مُتزنة، يبدو أنه سكير!
لم تجد مهربًا سوى أن تُهرول، وبالفعل بدأت في تنفيذ خطتها، شهقت بهلع عندما شعرت بيدٍ غليظة تُمسِك بها من معصمها تمنعها من الركوض، ومُحاولة هجوم ذلك المجهول على جسدها قِصرًا، فتحت فاهها للصراخ لكنه سبقها مُكممًا فاهها، وهُنا علمت بأنها في خطر لن تنجو منه إلا بإعجوبة.
لم تيأس ولو للحظة، بل دافعت بكل ما تملك عن شرفها، رفعت قدمها ثم دفعته بعيدًا عنها، ولأنه كان سكيرًا غير مُتزن وقع بسهولة، هبطت دموعها بقوة، لكن صدمتها كانت أقوى عندما اكتشفت هوية المُعتدي، وبذهولٍ رددت اسمه قائلة بعدم تصديق: حمزة!
ولم تكد أن تعي ما يحدث، حتى هجم عليها مُجددًا يُحاول الإعتداء عليها، وتلك المرة تملَّك منها كُليًا!