قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أبناء هارون للكاتبة شروق حسن الفصل التاسع

رواية أبناء هارون للكاتبة شروق حسن الفصل التاسع

رواية أبناء هارون للكاتبة شروق حسن الفصل التاسع

حين يُرافقك الحُزن حيث تذهب، ويُخذلك الأقرب إليك، يتسلل شعور السوء إلى فؤادك، وتظن بأنك قبيح، والحقيقة بأنك مُهشَّم، مخذول.

نطق إلياس بكلماته وانتظر الإجابة المُرضية من عمران، لكن لم يُواجه سوى الصمت منه، صمتٌ يمنع استرسال الكثير من الأحاديث التي قد تجرحه أو تُشعره بنقصه، قطب إلياس جبينه بتعجب من ردة فعله ثم تسائل مُستغربًا: فيه إيه يا عمران؟ مالك بتبصلي كدا ليه؟
وضع عمران يده في جيب بنطاله الأسود، وأشاح بوجهه للأمام مُبعدًا أنظاره عنه، ثم تحدث بوجوم: هعمل نفسي مسمعتش حاجة.

نطق بها بطريقة أدهشت إلياس المُجاور له، والذي تسائل باندهاش: ودا ليه؟
حاول عمران السيطرة على ذاته وعدم رمي أي كلمة قد تُحزنه، وبالرغم من ذلك تحدث بهدوء مُقاربًا للحدة: ابعد أختي عن أي حوارات بتدور في دماغك يا إلياس، متخليش غضبك من والدك يخليك تاخد بدور سبب عشان تغيظه بيه، وأنا راجل وفاهم أنت بتفكر إزاي كويس.

طالعه إلياس بصمت لعدة ثوانٍ قليلة، وكأنه يُدير حديثه بعقله ليرى مدى صِحته، هل طلبها للزواج الآن لإغاظة والده حقًا؟ والإجابة كانت نعم، لكن بنسبة ضئيلة للغاية، لكن النسبة الأكبر كانت لكونه يُريدها بجانبه، بعد أن لمست شيئًا داخله لا يعرف ماهيته حتى الآن.
خرج من شروده على صوت عمران الهاديء والذي تمتم بنبرة مُبهمة: عن إذنك، مُضطر أمشي دلوقتي.

قالها عندما أبصر شقيقته تخرج من المنزل، فأخذها وسار بها عدة خطوات للخارج مُتجهًا نحو منزله، هرع خلفه إلياس حتى لحق به، فتوقف أمامهما وتحدث إليه بندم: متزعلش مني أنا مش قاصد اللي قولته والله، واعتبرني مقولتش أي حاجة لحد ما آجي أوضحلك سوء التفاهم دا.
تنهد عمران بخفة قبل أن يقول بابتسامة طفيفة: محصلش حاجة، روح بقى لإخواتك زمانهم محتاجينك.

ابتسم له إلياس بامتنان ثم اتجه إلى منزله بالفعل لرؤية شقيقاته، بينما عمران أخذ بدور التي كانت الوضع باستغراب ثم أكملا الطريق إلى منزلهما، لم تُسيطر على فضولها فتسائلت بتعجب: هو إيه اللي حصل؟
أحاط بها عمران من كتفها ثم تشدق مازحًا أثناء سيرهم: مفيش حاجة يا غلطة.
أنا مراته.

جُملة مكونة من كلمتين تفوهت بها تلك الحمقاء الغبية ظنًا منها بأنها تُصلِح الوضع، نظر إليها الجميع بتشنج وصمت مُفاجيء لعدة لحظات، وأول مَن خرج من صمته هو بدير الذي استدار نحو مصعب يسأله بسخط: اتجوزت ومعزمتناش؟
حقًا؟ هل هذا هو ما خطر على باله؟ طالعها مصعب بغضب توترت على أثره، فصدح صوت هارون الثابت مُتسائلًا: إيه الكلام اللي هي بتقوله دا يا مصعب؟
ابتلع مصعب ريقه بتوتر وهو يُجيبه: دي. دي.

قاطعته روان التي اقتربت منه أكثر لتقف جواره، ثم أجابته بثقة وهي تُعدِّل من نظارتها الطبية: ما قولتلك يا أستاذ أنا مراته، ولو سمحت اتفضل أنت والبشوات وسيبوه يرتاح عشان الدكتور قال الزيارة ممنوعة ليه وهو في الحالة دي، ممكن بعض الشر يموت مننا.

اقشعر جسدها فزعًا عندما وجدته يهب من مكانه وكاد أن يذهب إليها ليُحطم رأسها السميك في الحائط وهو يصرخ بها بغضب: واللهِ ما حد هيموتني غيرك يا شيخة، هو أنتِ طلعتيلي من أي مصيبة أنا نفسي أعرف؟
رفعت روان يدها حيث نظارها مُعدِّلة إياها، ثم أجابته بتلعثم: أنا. أنا بعمل دا كله لمصلحتك يا مصعب باشا!

رد عليها بنذق وهو يعود لمكانه بعدما جذبه والده للخلف: يا ستي بعد إذنك ملكيش دعوة بمصلحتي، أنا عايز أولع في أم مستقبلي متدخليش لو سمحت!
صعدت الدماء إلى وجهها بعصبية مُتحولًا إلى اللون الأحمر، رفعت إصبع سبابتها أمام وجهه ثم حذرته بشر صارخة به في المقابل: أنت تكلمني بطريقة أحسن من كدا! أنا مش شغالة عندك يا أستاذ أنت.

كاد مصعب أن يرد عليها، لكنه توقف عندما تحدث أبيه برزانة: معلش هو قليل الأدب، ممكن تقوليلنا مين حضرتك؟
نظرت إليه روان بحذر، فتسائلت وهي تُضيق عيناها بريبة: انتوا بوليس صح؟
استمعت إلى زفرة مصعب الساخطة، تبعه حديثه الضاجر والذي وجهه لأبيه: يا بابا سيبك منها دي عبيطة!

احتدمت عيني روان بالغضب، وفي لحظة مُباغتة كانت قد رمت حقيبتها على وجهه بعنف وهي تصرخ به: أنت قليل الأدب، وأنا هقدم ضدك شكوى وهاخد حقي بالقانون.
وأنا هشهد معاكِ.
نطق بها بدير بابتسامة واسعة، فأكمل حديثه بأعين ضيقة ماكرة: يا مرات أخويا.
فتحت روان فاهها بذهول تُطالعه بعدم تصديق، فيما علت ضحكات كُلًا من بدران وحمزة الذين نظروا ل مصعب المُغتاظ بشماتة!

استمعوا جميعًا إلى صوت زفرة هارون المُغتاظة، وبعدها صدح صوته حادًا وهو ينظر لأبنائه الوقحين بغضب: إخرس يالا أنت وهو يا إما تطلعوا برا!
أنهى حديثه ومعه انتهى عبث أبنائه، فاستدار هارون جهة روان وتحدث بهدوء: متعذريناش يا بنتي، تقدري أنتِ تتفضلي دلوقتي.
حمحمت روان بحرج قبل أن تُتمتم بخفوت: تمام يا عمو. عن إذنك.

قالتها ثم اتجهت نحو الخارج، وذلك بعد أن رمت نظرة حاقدة جهة مصعب الذي طالعها بتشنج في المقابل، أبعد هذا كله تظنه المُخطيء؟
قابلت في طريقها يعقوب الذي أتى لتوه من الخارج، فتجاهلته رافعة رأسها بكبرياء تعجب له، وكأنها ابنة مدير المشفى أو صاحبة شأن مُهم! لكن ذهب كل هذا هباءًا عندما تعرقلت قدماها وسقطت أمامه كالجاموس على وجهها.

وضع يعقوب يده على فمه ليُخفي ابتسامته التي ارتسمت على وجهه رغمًا عنه، بينما هي تمتمت بضحكة مُتلعثمة: إيه رأيك في الحركة دي؟ أنا اللي عاملاها.
أعطاها ظهره واتجه نحو غرفة أخيه وهو يكاد أن ينفجر من الضحك، بينما هي وقفت مُجددًا ونفضت ثيابها، ثم اتجهت بكل كبرياء نحو الغرفة المُحتجز بها والدها للإطمئنان عليه.
دخل يعقوب إلى الغرفة وتمتم ضاحكًا: الدكتور بيقولك تقدر تخرج النهاردة عادي.

قطب بدران حاجبيه بتعجب وهو يتسائل: والدكتور كان بيزغزغك وهو بيقولك ولا إيه؟
نفى يعقوب برأسه قائلًا وهو يضحك بعلوٍ: لأ. بس البنت اللي كانت مع مصعب دي مصيبة بجد.
لوى مصعب شفتيه بضيق أثناء همسه الحانق: هي من ناحية مِصيبة؛ فهي مُصيبة فعلًا.
اتجهت الأنظار نحو هارون الذي قاطع حديثهم العابث هذا بقوله المُنتبه: المهم أمك عِرفت أي حاجة؟ مش عايزين نقلقها لحد ما نوصل بالسلامة.

غمزه يعقوب بمشاكسة قائلًا: متخافش على حنّون يا حَج، أمي معرفتش أي حاجة متقلقش.
ضربه هارون بالعصى التي يُمسكها في جانبه وهو يقول بحنق: خلاص يا خفيف مش لازم تستظرف، يلا قدامي أنت وهو عشان نمشي من هنا.

يعشق الإنسان ذاته عندما يرى نفسه بعينِ مَن يُحب، والمُحِبُ لا يرى الحبيب إلا ملاكًا بلا ذنوب، حتى ولو تناثرت من حوله الحقائق وكَثُرت عليه الأقاويل، فالحب ما هو إلا مرآة تعكس سيئاتك وتُحولها لمزايات، حتى وإن كانت المزايا قاتلة!

هبَّ لُقمان من على فِراشه شاعرًا بالإختناق، أصبح فؤاده ضائقًا بعد أن أرسلت له رؤية صباح اليوم رسالة تُخبره فيها بعدم رغبتها في الحديث معه مُجددًا، لا يعلم أي ذنبٍ قد افتعله من دون قصد، لكن الشيء الوحيد الذي يعلمه بأنه يُصبِح كالغريق في ابتعادها.

اتجه نحو نافذة غرفته ويده مازالت مُمسكة بالهاتف الذي يصدخ برنينٍ عالٍ، لن يمل من الاتصال بها ومُهاتفتها حتى تُجيب وتروي ظمأ قلبه، ذلك المسكين اللاهث يتعطش للاستماع إلى صوتها ليُحييه، بات مُتيمًا بها دون إرادة منه، آه لو تعلم ما يحدث له الآن! لعادت مُعتذرة على قسوتها تلك.

ظل يُجرب ويُحاول مئات المرات حتى قررت العفو عنه تلك المرة وأجابت، وما إن أتاه صوتها حتى تحدث بضيق وصل إليها بوضوح: إيه يا رؤية؟ كل دا عشان تردي.
جائه صوت رؤية الهاديء واللامُبالي: معلش يا لُقمان مكنتش فاضية، خير؟

استعجب طريقتها الجديدة في الحديث معه، وهي التي كانت تتلهف لمُحادثته كما كان هو تمامًا، أيُعقل بأن حُبها تجاهه قد خفت أو قل! وعِند تلك الفكرة تعالت دقاته تُعلِن تمردها، ولسانه نطق دون إرادة منه:
ليه المُعاملة دي يا رؤية؟ مش فاهم ليه اتغيرتي كدا؟

وصلت إليه تنهيدتها الحارة عبر الهاتف، فعاد ليتسائل مُجددًا لكن بصوتٍ ليِّن: أنا زعلتك في حاجة طيب وأنا مش واخد بالي؟ لسه متضايقة من الحوار اللي حصل في المدرسة ودا اللي مغيرك من ناحيتي ولا فيه حاجة تانية؟
أجابته نافية لكن بصوتٍ مُهتم تلك المرة: لأ مش زعلانة منك يا لقمان، أنت مهما كانت مكُنتش موجود في الفصل وقتها، لكن أنا مش عايزة أتكلم معاك تاني.
طيب فهميني ليه؟

نطق بها بجنون وعقله كاد أن يُشَل مما يستمع إليه الآن، فبررت له مُوضِحة: عشان حرام، وأنا أستاهل إنك تسعى عشاني، مستاهلش إني أعمل كل حاجة في المستخبي ومن ورا أهلي، وأنت كمان. متستاهلش أعصي ربنا عشانك، لو عايزتي يبقى تيجي تتقدملي، عن إذنك.

نطقت بكلماتها دُفعةً واحدة دون أن تُعطي له فرصة واحدة للإجابة ثم أغلقت دون سماع رده، بينما هو كان يقف مُنصدمًا وعلى حالته، هُم بالأساس انتهوا من الثانوية العامة منذ عدة أشهر، ومن يومين فقط ظهرت نتيجتهم والتي لم تكن مُنصفة لهم بالمرة!
لكن كل هذا لا يهمه، فمسألة الأموال التي ستُمنعه من التقدم لها لا تشغل عقله أو تفكيره ولو بنسبة واحد في المئة، ولِمَ لا؟ وهو لُقمان طارق عاشور.

ابتلع غصته المريرة التي تشكلت داخل حلقه، حديثها طعن فؤاده بسكينٍ تالم رغم صحته، لكنه يُريدها جانبه، هو وحيدًا في ذلك المنزل الشاهق، فبعد وفاة والدته أصبح مُنزويًا، فقط هُما ياسمين وتسنيم مَن كانتا تهتمان به، والآن سافرا أيضًا كما أخبره حسن.

خرج من غرفته وهبط على الدرج، لكن شعر باليأس فجلس عليه دون الإكمال، وكأنه فقد شغفه في السير أيضًا! دفن وجهه بين راحتي يده وتلقائيًا وجد دموعه تتكون لتتحجر داخل مقلتاه، كل شيء يضغط على أنفاسه الآن، ليت والدته كانت معه.
استمع إلى صوت خطواتٍ تعلو تدريجيًا وكأنها تقترب منه، رفع رأسه فوجد شقيقه يقترب منه بمعالم مُتعجبة من جلسته تلك، وحين وقف أمامه تسائل باستغراب: إيه اللي مقعدك كدا؟

حدجه لقمان بسخرية مُجيبًا إياه بتهكم: بتشمس.
يا خِفة!
نطقها حسن باستنكار قابله لقمان بالصمت، فعاد مُجددًا ليتسائل بجدية: بتكلم بجد، مالك؟
زفر لقمان بضيق وأخبره كاذبًا: بتصل ب ياسمين وتسنيم وبقالهم كام يوم مش بيردوا عليا.

تحول وجه حسن إلى الوجوم في ثوانٍ مما أدخل الشك داخل قلب أخيه، والمعروف عن لقمان بأنه عنيد وعقله لا يُصدق أي شيء بسهولة، لذلك وقف من مضجعه في مقابلة ل حسن وتسائل بحذر: هُما مسافرين بجد يا حسن ولا أنت بتضحك عليا؟
وضع حسن كفه داخل جيب بنطاله وأجابه باستفزاز: ميخُصكش.
رفع له أخيه حاجبيه يُطالعه باستنكار، فعاد حسن ليسأله: مُتأكد إن دا بس اللي مزعلك؟
ليُجيبه لقمان بنفس الإستفزاز: ميخُصكش.

قالها ثم تركه وهبط بقية درجات المصعد، غافلًا عن أخيه الذي ابتسم بجانب فمه ثم استكمل صعوده للأعلى.

بينما لقمان اتجه نحو الحديقة وهو يُفكر في حياته التي تخبطت في الفترة الأخيرة، والدته التي توفت منذ عدة أشهر، ابنتا عمه اللتان سافرتا بطريقة مُفاجئة، و رؤية التي ترفض الحديث معه، لكن حكايته هو و رؤية لن تنتهي عِند هذا الحد، بل قصتهما ما زالت أمامها الكثير، الكثير لكي يجتمعا معًا، قصة تخص لقمان ورؤية فقط.

جلست زهراء داخل غرفتها على فراشها تُراجع الحديث الذي قاله لها بدران منذ يومين على سطح المنزل، مازالت تُفكر وعقلها لا يكف عن طرح الأسئلة، والجُملة الوحيدة التي علقت برأسها من حديثه هي:
شوفي اللي بشبهك واللي بيقاسمك تفاصيلك، ومكان ما هتكوني هتلاقي روحك.

وقفت من مكانها بعد عدة مُحاولات من النوم وتسللت الدموع لمقلتاها، هي ليست سيئة كما يظن البعض، لكن حُبها ل يعقوب يُعمي بصيرتها في الوقت الخاطيء، قررت أن تُريح عقلها قليلًا وتخرج من غرفتها للجلوس مع شقيقتها قليلًا، علها تقوم بإصلاح علاقتها معها لتعود أفضل مما كانت عليه.

خرجت وجدتها جالسة على الأريكة وأنظارها مُعلقة بشرود تجاه السماء، حيث توجد تلك الشُرفة مُباشرةً، تقدمت منها زهراء ببطئٍ حتى جلست جوارها، وبهمسٍ خافت نبست بحرج: أنا أسفة.

كانت رحمة قد شعرت بها عِند جلوسها، لكنها لم تُعيرها أي إنتباه لها ولا لحديثها، لم تُسامحها حتى الآن على حديثها، حديثها كان مُهينًا ومُعايرًا لألمها، لذلك وُشِمَ جُرحه بقسوة سُطِّرت به، عضت زهراء على شفتيها عندما طال صمتها، هي بالأساس لم تعتاد على مُصالحة أحد، لذلك نكزتها في ذراعها وهي تتحدث ببعض الحنق:.

ما قولتلك أسفة متعيشيش الدور بقى! وبعدين ما أنا خليتك تاكلي نايبي إمبارح ومتكلمتش، يعني المفروض تكوني نسيتي!
طالعتها رحمة بطرف عينيها باستنكار ثم تحدثت بتشنج: وحياة أمك يا بت؟ نايب إيه دا اللي كَلته منك؟ دا أنتِ واكلة سبع مرات إمبارح.
دلكت زهراء عنقها بحرج، ثم اقتربت منها أكثر وتحدثت بندم: ما أنا عارفة، بس بقولك كدا عشان تتكلمي معايا، متزعليش مني بقى والله مكنتش أقصد أزعلك.

تسللت الدموع إلى عيني رحمة التي تحدثت بصوتٍ مكتومٍ باكٍ: أنتِ بقيتي وحشة أوي يا زهراء.
سكن جسد زهراء عن التحرك وتوقفت أنفاسها عن الصعود والدخول بطريقة طبيعية، فيما أكملت رحمة حديثها قائلة: حُبك ل يعقوب خلاكي بقيتي إنسانة تانية قاسية وأنانية، بتزَّعلي اللي حواليكِ منك في سبيل ترضي اللي بتحبيه.
خرج صوت زهراء مبحوحًا ترد على ما قالته: بس. بس أنا مش كدا!
مكنتيش كدا. بس بقيتي كدا.

طالعتها زهراء بتيهة وهي تنفي برأسها، بينما رحمة أكملت حديثها بقلبٍ مكلومٍ مُنكسر: مروان جاي بكرة، وعلى قد ما أنا مبسوطة إنه هييجي. على قد ما أنا حزينة عليا وعلى نفسي.
شعرت بشقيقتها تقترب منها أكثر حتى باتت مُلتصقة بها، وببكاءٍ عنيفٍ تحدث باعتذار: أنا أسفة والله مقصدش إني أزعلك، أنا بحبك وأنتِ عارفة كدا كويس، أنا. أنا مش عارفة إيه اللي حصلي! كنت وحشة فعلًا وأنانية بس فوقت والله العظيم.

ندمها كان واضحًا، وبكاؤها كان عنيفًا مُتألمًا، لم تتحمل رحمة رؤية شقيقتها الكُبرى بذلك الوضع، فاقتربت منها مُحيطة إياها تُعانقها بقوة، كُلٌ منهما تُعانق الأخرى وكأنهما وجدا الملاذ أخيرًا! كلتاهما تحملان نفس الجرح لكن بطريقة مُختلفة، كلتاهما تُعاني! وعِندما وصلت رحمة إلى تلك الفكرة؛ ضحكت من بين دموعها وهي تهمس بسخرية:
اتلم المتعوس على خايب الرجا.
يا نرجس! تعالي أقعدي مع عريسك!

تفوه والد نرجس بتلك الكلمات بصوتٍ عالٍ حتى تسمعه، فيما هي تجلس بالداخل ودموعها تهطل بقوة تتمرد على ذلك الحديث، علت شهقاتها رغمًا عنها ولم تستجبب له، تنظر لذاتها في المرآة بكُرهٍ لوجودها والتصاق الحظ العَثِر بها أينما ذهب.

توقفت عن البكاء عن وجدت والدها يدخل عليها الغرفة بملامح واجمة، رفعت أبصارها إليه تُطالعه بخوفٍ حينما تحدث بتهديد: يمين بالله العظيم لو ما مسحتي وشك وخرجتي لعريسك دلوقتي؛ لهكسر عضمك.
وقفت نرجس من مكانها ثم تقدمت منه وهي تقول برجاءٍ باكٍ وشهقاتٍ عنيفة: أبوس إيدك يا بابا ما بلاش، أنا مش عايزة أتجوز دلوقتي.

قطب جبينه بغضب فاقترب منها مُمسكًا ذراعها بقسوة وهو يُتمتم من بين أسنانه: جواز إيه اللي أنتِ مش عايزاه دلوقتي؟ دا أنا صبرت عليكِ وعلى دلعك لحد ما بقى عندك أربعة وعشرين سنة، وبعدين عريسك متريش ودافع فيكِ كتير، وأنا مش هفوت الفرصة دي ولا هخليها تضيع.

علمت نرجس بأن لا مفر، أبيها سيُزوجها قِصرًا وسيرميها بسبب زوجته اللعينة، آلمها ذراعها من ضغطه عليه لكن هذا لا يُنافي ألم فؤادها المكلوم، وبيأسٍ أومأت له وهي تهمس بانكسار: اللي تشوفه يا بابا.
خمس دقايق وتخرجي، مش هدخل أجيبك تاني.

ابتعد عنها مجدي مُحدجًا إياها بنظراتٍ نارية، ثم استدار لها قبل أن يلين قلبه برؤية دموعها، يجب عليه أن يقسو عليها حتى يستطيع تزويجها بأسرع وقت وإبعادها عن يدِ زوجته السليطة، ستُعاني إن مات وتركها معها، لذلك ما يفعله هو الحل الأسلم للجميع.

مرت الدقائق وخرجت نرجس بوجهٍ مُكفهر عابس، يظهر عليها الشحوب بقوة، لم ترمي أي نظرة ولو عابرة إلى عريس الغفلة كما أسمته، بل تجاهلته جالسة بعيدًا عنه ووجهها يكاد أن يلتصق في الأرض حتى لا ترفعه.
غضب والدها من فعلتها تلك وهو يرى تعجب الزائر، لا يكفي بأنها فضَّلت ارتداء ثيابًا سوداء! والأدهى بأنها لم تُحييه ولو بنظرة! ضحكت فتحية بتوتر وتمتمت مُوجهة حديثها للآخر: عروسة ومكسوفة بقى معلش!

أغمضت نرجس عيناها بقوة ومن داخلها تود أن تنتفض من مكانها وتهجم على وجه تلك اللعينة لتمزيقه، لكن ما جعلها تفتحهما بصدمة هو ذلك الصوت الذي أتى على مُباغتة وتسائل بغضب: أنتِ معيطة؟
رفعت نرجس رأسها كالملسوعة تُطالع ذلك الصوت الذي سمعته مرارًا وتكرارًا بعدم تصديق، لتُصدم به جالس أمام وجهها! رائف سعيد المحمدي هو عريسها المجهول!

لم تكد تستوعب ما يحدث، فوجدته ينتفض من مكانه بحدة واتجه نحو باب الغرفة التي يجلسان بها، ثم أغلق بابها بوجه كُلٍ من أبيها وزوجته!
صُدمت من فعلته تلك فاقترب منها فجأة وسألها بشر: مرات أبوكِ هي اللي خلتك تعيطي مش كدا؟
عيناها مُتسعتان تُطالعانه بعدم تصديق، هل أتى لها حقًا لخطبتها؟ ارتعش بدنها عندما اقترب أكثر وعاد صوته يتسائل بنبرة أكثر خطورة: ولا أبوكِ؟

وجوابها صعد على هيئة شهقة حادة باكية صعدت رغمًا عنها وهي تُتمتم بإنكسارٍ يُغلفه الخوف: أنا مش عايزة أتجوز.
هدأت نبضاته قليلًا عندما علم سبب رفضها، انحنى بجذعه قليلًا ليلتقط كوب المياه الباردة من على الطاولة المُستديرة الموجودة في منتصف الغرفة، ثم عاد وأعطاها لها وهو يهتف بحنوٍ: خُدي اشربي بس الأول وبعد كدا قولي اللي أنتِ عايزاه.

التقطت كوب المياه منه وارتشفت بضعة قطرات، أخذه منها ووضعه مكانه ثم عاد ليجلس على المقعد الذي يُجاور خاصتها، اسند ذراعه على ذراع المقعد ووضع كفه أسفل ذقنه وعيناه مُثبتة عليها أثناء قوله الهاديء:
ها إحكيلي بقى!
طالعته بصمتٍ لعدة ثوانٍ بعد أن هدأت، وعادت لتُكرر جُملتها السابقة وهي تنظر للأسفل: أنا مش عايزة أتجوز.
ليه؟
نطق بها بهدوء، فردت عليه بتبرير: مش جاهزة أكون زوجة وأم في أي حال من الأحوال.

هتعنسي يعني!
نطق بها بصراحة، فرفعت أنظارها له تُطالعه باندهاش، فيما أكمل هو حديثه مُلوحًا أمام وجهها: يعني هتكبري وتعجزي وتكوني لوحدك وبايرة كمان؟
بررت له مُدافعة وهي تهز كتفها بحيرة: الموضوع مش كدا، بس. بس أنا مش عايزة أعيش تجربة فاشلة.
تمتمت بجُملتها الأخيرة بخفوت يتخلله اليأس، فاعتدل هو مُنتبهًا لها أكثر، ثم تسائل بحنان: طيب قوليلي إيه اللي مخوفك، مش يمكن ألاقي حل لخوفك وأقدر أطمنك؟

أحاطته بنظراته المُستنجدة كغريقٍ وصل إلى ذروة القاع ومازال يُجازف! فخرجت الكلمات من بين شفتيها وكأنها ترجوه أن يؤكد تساؤلها: بجد هتطمني؟
وجدت الابتسامة تشق وجهه بتلقائية، وعيناه الدافئة تُحيط بخاصتها أثناء قوله الهاديء: عندي استعداد أسحب الخوف اللي جواكِ مُقابل نظرة سلام منك.
ابتسمت بخفوتٍ وشعور الحنين بدأ يتسلل إليها، ورغم ذلك تمتم قائلة: أنا خايفة.
ليه؟

طالعته بحيرةٍ لا تعلم أتُخبره بهواجسها أم لأ، تخشى ألا يكون مُراعيًا لها أو لحالتها، تخاف من تجربة فاشلة من الممكن أن تعود عليها بالسلب، أخرجها من شرنقة أفكارها السوداء بصوته الهاديء الحنون عندما قال:
إحكيلي اللي مخوفك وأوعدك إني هسمعك للآخر.

سحبت نفسًا عميقًا ثم زفرته على مهل، وبعدها بدأت بقص كل ما يُقلقها: خايفة من كل حاجة، خايفة إني أخوض تجربة فاشلة يكون مسيرها الطلاق، خايفة أجازف وبعدها أندم، مش عايزة أكون زوجة يتقال عليها أنانية أو أم وِحشة، خايفة. خايفة أموت بدري وأنت تتجوز وولادي يعانوا من بعدي.

كانت تقصد كل كلمة خرجت من فاهها، خاصةً حديثها الأخير والذي خرج من أعمق نقطة داخل فؤادها، تخشى أن يمروا أطفالها بما مرت به إن ماتت، تخشى قسوة زوجة أب ستُذيقهم من العذاب أطنانًا، الزواج عندها أمر مُعقد لا تُريد تجربته، فوبيا مُميتة ومُهلكة.

وجدته يبتسم لها ابتسامة صغيرة لم تصل لعينه، وبعدها تحدث قائلًا: لو الكل فكر بالطريقة اللي أنتِ بتفكري بيها دي؛ محدش هيتجوز، أنا مش هقولك إني هكون الزوج المثالي اللي مبيغلطش ومبيطلعش منه العيبة، لكن هقولك إني بقدر الإمكان هحاول أتقي ربنا فيكِ وأعاملك بما يُرضي الله، طبيعي جدًا يكون فيه بينا خناقات، وطبيعي نتخاصم بالأيام، لكن وقت خصامنا هتكوني تحت عيني ومش بعيدة عن حضني، أنا جيتلك لما لقيت فيه حاجة جذباني ليكِ، جيتلك لما حسيت إن رائف مش هيقدر يكمِّل الرحلة من غير نرجس.

حديثه لمس شيئًا بقلبها وأشعرها بالأمان، وبدون شعورٍ منها وجدت دموعها تتكون داخل مقلتاها، ابتسم بحنوٍ ثم أجابها عن النصف الأخير من حديثها: إنما كلامك الأخير دا ملهوش أي أهمية، الأقدار بإيد ربنا ومش هنقدر نغيرها، لكن عايز أطمنك وأقولك إنك لو مش موجودة مش هيكون فيه غيرك.
وبعد أن أنهى حديثه وبدون أي تردد، وجدها تقول بثقة: أنا موافقة.

وافقت على الزواج منه الآن بكامل إرادتها، كانت تريد أن تطمئن وهو طمئنها، ظنته سيسعد أو على الأقل سيُظهر فرحته له، لكنها وجدته يبتسم بثقة قائلًا وهو يغمز لها بمشاكسة: ما أنا عارف.
شعرت بالحياء منه، وحاولت إخفاؤه بتساؤلها المتعجب: وبعدين هو فيه حد بيجي يتقدم الساعة 11 بالليل؟
شهق رائف بصدمة والذي تحدث بعدم تصديق: يا ستار يارب؟ دا مين قليل الزوق دا؟

حدجته باستغراب، فيما هب من مكانه وهو يرمي إليها بنظراتٍ عابثة قبل أن يتجه نحو الخارج، فتح باب الغرفة فوجد في وجهه كُلًا من أبيها وزوجة أبيها، طالعهما بغضبٍ انعكس برودًا على وجهه، كانت معالم مجدي حادة وغاضبة بسبب فعلته الوقحة، بينما فتحية طالعت رائف بحقدٍ لم يُبالي له.
اقترب رائف منهما ثم تحدث بابتسامة واثقة: يوم الجمعة هاجي أخطبها رسمي وهجيب صحابي معايا، عن إذنكم.

قال الأخيرة باحترام وكأنه لم يكن وقحًا معهم منذ قليل، نظرت فتحية لزوجها بعد ذهابه ثم سألته بعصبية: هتخليه يخطبها برضه بعد اللي عمله؟
كانت النيران تنبش داخلها والغيرة تأكل فؤادها، فتحدث مجدي وهو يتجه نحو الغرفة التي تجلس بها ابنته: آه يا فتحية وريحي نفسك.
طالعت فتحية أثره بوجوم حاد، ثم تمتمت بتوعد غاضب: ميبقاش اسمي فتحية لو مخربتش الجوازة دي فوق دماغكم.

نبست بكلماتها ثم اتجهت بخطواتٍ غاضبة نحو غرفتها، بينما مجدي جلس بجانب نرجس الشاردة وعلى وجهها ترتسم الراحة بوضوح، وبعدها تسائل بحذر: ها يا نرجس؟ إيه رأيك في العريس؟
تحول وجه نرجس للوجوم بعد أن أبصرته يجلس بجانبها، فأجابته باختصارٍ قبل أن تتركه وترحل: موافقة.
خرجت تنهيدة حارة من فمِ مجدي الذي تمتم بيأسٍ وحزنٍ سيطر عليه: غصب عني يا بنتي، والله العظيم غصب عني.

عاد هارون مع أبنائه ومعهم حمزة، توقفوا أمام منزلهم بعدما هبطوا من السيارة، طالع هارون أبنائه قبل أن يقول بتحذير: أمكم لحد دلوقتي متعرفش اللي حصل ل حمزة، حاولوا تجيبوا لها الموضوع واحدة واحدة عشان ميجراش ليها حاجة.

أومأ له جميع أبنائه بطاعة أحس من خلفها بالريبة، شملهم بنظراته ثم خطَّي عدة خطوات نحو الداخل وهُم خلفه، لكنهم توقفوا عندما استمعوا إلى صوت رائف الذي ارتفع بمزاح: الله دا انتوا كلكم متجمعين؟
استدار له هارون وسأله بشك: بتعمل إيه هنا في الوقت دا؟
أجابه رائف بابتسامة مُتسعة: كنت بشتري سجاير.

ضيَّق هارون عيناه له يُحاول أن يستشف معنى حديثه، فاقترب منه خطوتين وضرب على صدره بخفة عدة مرات وهو يقول بكلماتٍ ذات مغزى: طب خَلي بالك عشان كُترها بيقصف العُمر.
قالها ثم اتجه نحو الداخل للاطمئنان على ضيفته تسنيم أولًا، بينما الشباب وقفوا بالخارج جميعًا، ضرب يعقوب كتفه بكتف رائف وقال بمشاغبة: وعلاقتك وِصلت لحد فين مع سجايرك يالا؟
رد عليه رائف بعبث: اتقدمتلها.

طالعه الجميع باندهاش، ليُردد بدران بعدم تصديق: هتتجوزها؟
سخر رائف قائلًا: لأ هشربها.
دفع بدير أخواته جانبًا بعنف حتى تسنح له الفرصة بالوقوف أمام رائف، وبعد أن فعل، تحدث بابتسامة مُتسعة: وأنا كمان عايز سجاير زيك.
أبعده رائف من أمامه وهو يقول بسخرية: ابعد يا حبيبي أنت لسه صغير.
عاد بدير ليقف أمامه بملامح واجمة قائلًا باصرار: لأ مليش دعوة أنا عايز زيك.

شعر بمن يضربه بقوة على ظهره، فاستدار بغضب مُطالعًا الفاعل والذي لم يكن سوى أخيه يعقوب الذي تحدث قائلًا بحنق: لما اتجوز أنا الأول، أنت الصغير يعني قدامك لسه ستة على ما ييجي دورك.
تشنج وجه بدير الذي تحدث باندفاع وانفعال: لأ طبعًا أنا مستحيل أستنى كل دا، فيه واحدة متقدمالي ومستني الوقت المُناسب اللي أفاتح أبوك فيه؟

لطم حمزة على وجهه وهو يُردد قائلًا: تاني؟ واحدة متقدمالك تاني؟ يابني هما شايفين إيه فيك مميز طيب عشان يبصوا لوشك دا؟
انكمش وجه بدير والذي تحدث ساخطًا: اظهر وبان على حقيقتك ووريهم الغِل اللي جواك.

رفع حمزة إحدى شفتيه دلالة على الاستنكار، بينما يعقوب أضاف على حديث أخيه وهو يُمسكه من تلابيبه ويهمس أمام وجهه بفحيح: اسمع يالا، لو جيبت السيرة دي قدام أبوك أنا هخليك شبه عروسة المولد، مش هتجلطلنا الراجل اللي حيلتنا.
نظر بدير لجميع أخواته الذين يُطالعونه بهجوم وكأنه قتل لهم قتيلًا أو ما شابه، ثم ربَّع ساعديه أمام صدره بحنق وهو يُتمتم مع ذاته بصوتٍ غير مسموع: والله لهقوله وهتجوز قبلكم ها.

ومن وَسط كل هذا، كان مصعب يقف مُنزويًا في أحد الأركان وجفناه مُغمضان بنعاسٍ شديد، ليقف مفزوعًا فور أن استمع إلى شهقة رائف العالية والذي تحدث بعدم تصديق: أنت متصاب؟
طالعه مصعب بتيهة وعدم استيعاب، فيما اقترب منه رائف حتى توقف أمامه، ومد يده ليضغط بها على جرحه وهو يتسائل بجدية: بتوجعك؟
علت صرخات مصعب بألم ثم سبه بسوقية، ضربه رائف على مؤخرة عنقه ثم عنَّفه قائلًا: احترم نفسك يا قليل الأدب!

طالعه مصعب باشمئزاز ودفعه سائرًا نحو الداخل وهو يُتمتم بحنق: وسع يا عم، أنا مشوفتش حد متخلف أكتر منك أنت وإخواتي؟
لحقه به حمزة الذي غمز ل رائف قبل أن يذهب: ابقى سلملي على سجايرك يا عم.
ضحك رائف بقوة، ثم نظر جهة يعقوب الذي جذبه لأحد الأركان وتحدث بجدية: أبوها قالك حاجة؟
نفى رائف برأسها وهو يُجيبه براحة: لأ.
طيب عايز فلوس ولا حاجة؟ لو عايز ومش معاك دلوقتي أنت عارف إني أخوك ومش هبخل عليك بحاجة.

طالعه رائف بامتنان قبل أن يقول بحب أخوي صادق: تسلم واللهِ يا يعقوب، الدنيا ماشية تمام الحمد لله ومش عايز حاجة.
حدجه يعقوب بشك ثم تحدث بنبرة صارمة: أنا مش بجاملك أو بعزم عليك، أنا بتكلم جد وأنت عارف.
اقترب منه رائف يُعانقه وهو يُجيبه بشكر: عارف والله، بس أنا مش عايز غير وجودكم جنبي، دا بالدنيا.
ربت يعقوب على ظهره بحب قائلًا: هنفضل جنبك دايمًا، أنت أخونا مش صاحبنا.

وبالداخل. كان هارون جالسًا على الأريكة بعد أن اطمئن على أحوال تسنيم وصحتها، ابتسم بخفة عندما تمتمت بنبرة مرحة قائلة: لأ واللهِ أنا كدا هتغر، الحج هارون جاي بنفسه يتطمن عليا؟
أجابها هارون ضاحكًا: يا بنتي مش للدرجادي، وبعدين أنا قولتلك طول ما أنتِ هنا فهتكوني زي بنتي بدور بالظبط.
بدور الغلطة.
نطق بها بدران بمزاح الذي دخل لتوه، فوقفت تسنيم من مكانها وتحدثت بحرج: اتفضل يا دكتور بدران.

أشار لها بدران بالجلوس قائلًا: لأ لأ ملوش داعي، اقعدي أنتِ، أنا جاي بس أشوف لو كنتِ محتاجة أي حاجة أجيبهالك.
أرجعت خصلاتها خلف ظهرها وهي تُطالعه بخجل، ثم تمتمت بخفوت: لأ تسلم إيدك، الحج هارون مش مقصر.

أومأ لها بدران مُبتسمًا، و هارون لم يغفل عن نظرات الإعجاب المُتجهة من تسنيم نحو ابنه، لذلك قرر الذهاب حتى لا تُطيل النظرات أكثر، وقف من مكانه ثم تحدث إليها بود: طيب هنستأذن إحنا بقى عشان تاخدي راحتك، عن إذنك يا بنتي.
اتفضل يا حج.
غادر رائف، بينما صعد هارون ومعه أبنائه إلى الأعلى، وما كاد هارون أن يُحذرهم مرة أخرى، حتى سبقه بدير إلى الأعلى والذي صاح صارخًا: إلحقي يامَّا مصعب اتضرب بالنار.

أتت حنان مُهرولة أثر صراخه، وما إن وقعت عيناها على ابنها؛ حتى لطمت على صدرها بصدمة وهي تصرخ بفزع: يا مصيبتي؟
نظر هارون إلى ابنه بغضبٍ جامح، فيما اقتربت حنان من ابنها وهي تهتف ببكاء: مصعب؟ إيه اللي جرالك يا حبيبي؟
اقترب منها هارون وحاول تهدأتها بقوله: إهدي يا حنان هو كويس أهو ومفيهوش أي حاجة.
استدارت له حنان ورمت له نظرة مُعاتبة قبل أن تقول بدموع: كدا يا حَج تخبي عليا ومتقوليش؟

ومن وسط هذا النزاع، أتت رسالة نصية على هاتف يعقوب، والذي ما إن رآها حتى تحدث بكذب: نسيت أجيب العلاج.
قالها ثم أخذ الورقة المدون بها الدواء واتجه للخارج حتى يجلبه، هبط السلالم مُسرعًا، وما إن خرج من منزله حتى وجد إحداهن تظهر أمامه فجأة وترتمي داخل أحضانه!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة