قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أبجدية الخيانة للكاتبة سهير محمد الفصل الخامس عشر

رواية أبجدية الخيانة للكاتبة سهير محمد الفصل الخامس عشر

رواية أبجدية الخيانة للكاتبة سهير محمد الفصل الخامس عشر

- فريدة بسخرية. اغار. لو كنت بغار ماكنتش سيبتك تقابل صحابك. وانت فاهم قصدى كويس.
- الغريبة البنات يتمنوا اديهم نظرة، وانتى مافيش تاثير.
- فريدة بثقة. لاني مش ضعيفة زيهم. ثم تابعت بامر. ماتغيرش الموضوع ونفذ الكلام.
- ما التنفيذ لى مقابل.
لوت شفتيها بضيق
- قائلة باستفهام. اى المقابل؟
رمقها نظرة اشتياق
- قائلا بوقاحة. حضن.
اتسعت عيونها العسلية من الصدمة. وهبت واقفة من على مقعدها.

- قائلة بعصبية. بتقول ايه. انت اكيد اتجننت. ازاى تطلب منى كدة. مستحيل اعمل كدة.
قام من على مقعده المقابل لها. وحدثها وجها لوجه.
- قائلا ببرود. مستحيل ليه. ثم تابع بتحدى لها. ماحضرتك عاملة نفسك بمية راجل. ومابتاثريش باى حاجة.
- فريدة باختصار. انت حيوان. اصل انت انسان مابتخفش ربنا. قالتها باستحقار، ودلفت من االغرفة سريعا.

وتركته. مخنوق قليلا. حزين يعنى. مكسور ممكن. عاجز عن الرد عليها اكيد. جلس على مقعده بانكسار والدموع تكاد تترقق من عينيه. فهو عاصي لكنه يخشي ويخاف مثل جميع البشر. من من لا يخاف الملك. من من لا تهتز ضلوعه عندما سماع اذانه. فهو يعصي ويرتكب الفحشاء لكنه ليس بالظالم او الحيوان كما تتدعى عليه. اوقات كثيرة الظروف تجبرنا على اشياء لم نكن نتوقع ان نقوم بها. فلا نعاتب بعضنا ولا نتاخذ حكم الالوهية. بل نتركها للقدر يفعل بينا ما يشاء. ونلتمس العذر لاخرين. فنحن لا نعرف قدرنا. ماذا سيكون. فندع الخلق للخالق ونتعامل مع بعضنا بنوايا حسنة. بكت عينيه بحرقة. لقد كسرته الكلمة وجعلته عاجز عن الرد...

اتاه اتصال افاقه من وجعه، امسك الهاتف، راى المتصل اباه، مسح دموعه. مثل طفل صغير يبكى بحرقة على فراق امه. بصوت مكتوم. لا يريد ان يراه احد يبكي. فالرجل لا يبكي ولا ينكسر ولا ينقهر. وهذا تفكير مجتمع عقيم، ضبضب الامه، وحاول ان يظبط صوته.
- قائلا ببرود عكس ما بداخله. ايوا يا بابا.
محمد بقلق من صوته.
- قائلا باستفهام. اى يافارس مالك؟
- قائلا بكذب. مافيش يا بابا. عامل ايه انت وماما؟

- محمد برضى. الحمد لله كويسين. ثم تابع بعتاب. مالقتكش بتسال. قولت اسال عليك. عامل اى انت وفريدة؟
- كويسين الحمد لله.
- طيب كويس. احنا عازمينكوا بكرة عندنا. تعالوا قضوا اليوم معانا كله.
- فارس بتاسف. ماهينفعش بكرة يا بابا. اصلي عازم ناس صحابى بكرة عندنا. خليها وقت تاني.
- محمد بتفهم. طيب يا حبيبي.
كان يفرك وجه من الغضب والضيق.

- قائلا برجاء. بابا ممكن تكلمني وقت تاني. سلام دلوقتي. قالها سريعا، واغلق الهاتف دون سماع رد والده. فهو كان مخنوق ولا يريد ان يشعر به اباه، القي بالهاتف على السفرة، واردف بصوت عالي نسبيا.
- قائلا بعصبية. صابرين.
اتت سريعا
- قائلة بتقلق. نعم يا باشا مهندس.
وهو يقوم من مقعده. وياخذ الهاتف من على الطاولة
- قائلا بضيق. انا خلصت الاكل شلى. قالها وهو يدلف خارج الغرفة.

- حاضر يا باشا مهندس. قالتها وهي تلملم الاكل من على السفرة...
( في المساء )
بعد ان انهى اتصاله معها، دلف الى غرفته ليستريح قليلا، فغلبه سلطان النوم، ونام دون ان يشعر، مرت الساعات، جرس الباب يرن، افاقه من نومه
- قائلا بعناس. مين الحيوان اللى بيرن ده؟

اصابه الاستغراب. فهو وحيد ولا يوجد احد يسال عليه، لا عما ولا خال ولا جيران، غير صديقه وحبيبته، فمن الطارق له بذلك الوقت غيرهما، رن الجرس مرة اخرى، لم يجد بدا. غير ان يفتح الباب ويعرف. من الطارق، قام من فراشه بنعاس وتافف وضيق. يلعن من بالخارج، دلف خارج الغرفة، فتح الباب، انصدم واتسعت عينيه من الذهول والدهشة، راى شخص لم يكن يتوقع ان يراه، لقد بعد سنين، وغير مكانه، انه شخص انانى وظالم وجارح، تركه لاجل حب قديم. ونزوة صغيرة انتهت وقت الضيق. ضيعت اجمل المعانى واللحظات السعيدة، تركته صغير وحيد حزين، بسببها اصبح مكروها من الجميع. ولعنة تصاب احد. اذا تحدث معه. واذا راؤه في الشارع. يغيروا طريقهم. حتى لا يتقابلوا وجها لوجه، كانه هو من ترك وتخلى. عاقبه الجميع بالرحيل عنه وقت الضيق، تركوا الجانى وامسكوا في الضحية، لا احد يسال عليه ولا يهتم لامره بتاتا. فهو اكثر من اليتيم، اذا مرض او تعب، فهو المسئول عن نفسه، اذا بكى فيده تمسح دموعه، اذا انقهر فيده تطبطب عليه، اذا اشتاق فذراعه تحتضنه، تركته لسؤال الزمان وقهرة المكان، تركته لنظرات الناس واسئلتهم الفضولية، تركته للقيل والقال، تركته وحيدا ما بين اربعة جدران...

لقد كبر. وازداد طولا ووسامة. طوله يتشاب مع اباه وبشرته الخمرية. عيونه زادت نضج بعيدا عن البراءة. لكن الحزن والفراق كساهم. تريد ان تلمسه وتحضنه. وتروى ظما الليالى. لقد باتت كل ليلة تبكى على فراق الغالى. الوسادة اصبحت صديقتها وملجائها وونيسها، عندما تركت ذل واهانة. اعتقدت انها اختارت الطريق السليم. لكن هيهات وهيهات. لقد اختارت الطريق الواعر، ظلم وقهر واهانة. وزيادة الطين خيانة، من زوجها الذي فضلته على ابنها ووحيدها. باعت الدنيا باسرها مقابل ان تكون معه. لحظة عشق مجنونة ضيعت كل المعانى المدفونة. لقد افاقت من حب ملعون.

( فجميعنا خطئون. وضرب لنا مثل على ذلك. سيدنا عيس عليه السلام. قائلا ( من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر ). فالبشر الخطا متداول بينهما. وهي اخطات خطا فاحش. في حق الملك اولا ثم ابنها ونفسها. ولكنها تابت وعادت تصلح ما افسدته...
اردفت باشتياق شديد ونبرة حزن عميق
- قائلة بلهفة. احمد واحشتنى.

لم يرد عليها كأنها لم تتكلم من الاساس. انتباها القلق والاستغراب من نظراته. نغصة حزن شديدة اصابتها. هل يكون نساها ولم يتذكرها. فهى امه التي حملته وهنا على وهن وفصاله في عامين. واهتمت به وامدته كل الحب والرعاية. وتركته مقابل لحظة حب مجنونة. اذا كان هرة كانت ستهتم بها اكثر من ذلك. اليوم تقولى انكى امى. اين كنتى من عشر سنوات مضت. تتطالب بالمستقبل وانتى مسحتى الماضي بجميع تفاصيله. عارا على كل ام اذا كانت بمثل تلك الطريقة. طالبتوا منا الاهتمام والرعاية والحب والحنان، الخ.

وانتم لم تلقنوها لنا في مدارسكم. مثلما تقولون ( الامة مدرسة اذا اعددتها اعددت شعب طيب الاعراق ) وانتى يا امى لم تكونى معى. تركتنى بين جدران محاطة باربعة حيطان
باستغراب من ردة فعله
- قائلة باستفهام. مالك يا احمد بتبصلي كدة ليه. هو انت مش فاكرنى؟
- لا فاكرك طبعا. ازاى تقولى كدة. حتى فاكر لم سبتينى وروحتى لحبيبك. بالحق هو عامل ايه؟

لم تستطع تمالك كلماته القاسية والجارحة لها. وانفجرت في البكاء بشدة، واحتضنته على الفور عنوة عنه، وتركت العنان لاوجاعها تخرج ولالمها تعبر عن فراق دام اكثر من عشر سنوات، تحتضنه لتروي ظما الغربة، والبعد عن الاحباب وخذلان الاخرين، لم يبادلها الحضن صنم واقف في مكانه.
- انا اسفة يا بني انى سبيتك وضعيتك من ايدي. قالتها والدموع نيران تحرق قلبها من الداخل...
خرج من حضنها.

- قائلا بكره. عايزة اى دلوقتي يارجاء هانم...
( رجاء جابر السيد. ام احمد. بالغة من العمر الخمسين. لا يظهر عليها السن فهى تبدو اصغر من ذلك. لكن الحزن كسي ملامح وجهها الجميل. تزوجت في سن السابعة عشر من اباه. ثم تطلقوا )
اصابتها الصدمة من رده والحسرة على استنكاره لها
- قائلة باستغراب. هانم. مافيش ماما.
عقب بحسرة.

- قائلا بكره. ماما. ليه كنتي عايشة معاى علشان اقولك يا امي. ولا فاكرة الفلوس اللي كنتي بتدهيلي هتخليني اقولك يا ماما. ثم تابع بالم. لا الفلوس اللي ادتيهلي هخلتني فاشل.
جذبها من معصمها وادخلها الشقة عنوة واغلق الباب، صرخ في وجهها
- قائلا. تعالي شوفي فلوسك عملت اى.
ثم تابع وهو يعد على صوابع يده
- قائلا بحسرة. بقيت بشرب وصايع وكل يوم بغضب ربنا. ودي كله بسبب فلوسك...

وضعت يدها على فمها من الصدمة ولا تستوعب ما يقوله ابنها. فكلماته خنجر يمزق فؤداها. ودموعها سيول قهرا عليه.
- بعدت عنه اوى محتاج اسجد كل لحظة وادعي انه يسامحني. بموت من غير مااركع واروى عطشي من صلاته. ذنوب. كل يوم ذنوب. وكل يوم بقرر ماغضبوش واعصاي. بس اعمل اى فلوسك بتزيد. وكانها بقت بالنسبة لي زي المخدرات اللي باخدها.
يتحدث معها وكانه هو السائل والمجيب.

- نسيت اقولك انى مدمن يا رجاء هانم. كنتي فين مافكرتيش في ولو ثانية. اكون عامل ازاى. حياتى ادمرت و كليتي اطردتها منها. اصل مسكوني مع واحدة في الحمام. بعد ماكنت طالب كلية هندسة. دلوقتي بقيت فرعون...
وضعت يديها على اذنها من الصدمة ؛ لا تريد ان تسمع ما يقوله. فيكفيها تانيب الضمير. الذي يعيق نومها طوال السنوات الماضية. بتحطي ايدك على ودنك مش عايزة تعرفي فلوسك عملت في اى
اردفت بدموع وصرخة وجع.

- قائلة بحسرة. كفاية يا احمد انا بموت. كفاية حساب ربنا لي. وارتمت على الارض تبكي بحسرة على حال ابنها. ثم تابعت بالم شديد. سامحني يا ابني. حتى افتكرلي لو حاجة حلوة. انا اقدر اغير معاك حاجات كتير. اه ماهقدرش ارجع السنين. لكن خلينا في دلوقتي
- انتى بتحلمي يا رجاء هانم.

- قائلة بترجي. ابوس ايدك تسامحني. قالتها وهي تقبل يده. راكعة تحت قدمه، لم يستوعب امه جاثية تحت قدمه. طالبة سماحه وعفوه، سحب يدها وامسكها من ذراعها. واحتضنها بقوة وبكي في حضنها الذي اشتاق له. الله عوضه بملاكه الصغير يكفي انها عادت له. فدائما كانت الحضن والدفء. من نحن حتى نحاسب...
هي تربت على ظهره بحنان وحب، والدموع شاهدة على صدقها.

- قائلة بوعد. خلاص ياحبيبي انا موجودة. وان شاء الله هصلح كل حاجة. ولو هعيش اللي باقي من عمرى تحت رجليك مش مهم. المهم ترجع زي زمان واحسن كمان
في تلك اللحظة
كانت تقف في الحديقة الخلفية، تستنشق الهواء الجميل، وتخرجه بضيق، تشعر بالم غريب في داخلها، ونغزة حزن طفيفة مع كلامها له، لماذا تشعر بالخنقة. وهو المبتدا في الفعل وليس المخبر عنه...
افاقت من شرودها على صوت الخادمة الصغيرة.

- قائلة. فريدة هانم موبيل حضرتك بيرن. قالتها صابرين وهي تعطيها الهاتف
- اه تمام. قالتها وهي تاخذ الهاتف. وتامرها باشارة من يدها بالانصراف.
هزات راسها ايجابا وانصرفت من امامها
رسمت ابتسامة على ثغرها
- قائلة بسعادة. ايوا يا سحس واحشتني يا راجل. ثم تابعت بعتاب. هو انت نسيت انك عند بنت.
- حسين بعتاب. انا انساكي. انا انسي عمتك فاطمة وماقدرش انساكي.
- فريدة باشتياق. قولي هي فين واحشانى.
- هي قاعدة جنبي.

- هات اكلمها الكلبة واحشتنى. قالتها فاطمة وهي تخطف الهاتف من على اذن اخيها. ديداة حببتى واحشتيني.
- انتى اكتر يا طماطم.
- جوزك فين خلينا نكلمه.
ارتبكت من سؤال عمتها. خشية ان يكون غير متواجد في البيت. وتبدا سين وجيم. نزلت الهاتف من على اذنها. دلفت خارج الحديقة الخلفية سريعا، ونادت على فتحية -...
اتت في عجالة من امرها
- قائلة. في حاجة يا بنتى؟
- الباشا مهندس فين؟
- طلع على اوضته.
- طب روحى انتى.

فاطمة بقلق على عدم ردها عليها
- قائلة باستفهام. فريدة روحتى فين؟
وهى تصعد درجات السلم في اتجاه غرفته
- قائلة بهدوء. معاكى يا طماطم
- فارس فين؟
وصلت عند غرفته، وطرقت بابها بهدوء
- قائلة. ثوانى يا طماطم.
فاذن لها
- قائلا باحترام. ادخل.
دلفت الى الداخل اتسعت عينيها بذهول. عندما راته يمارس رياضة الضغط. وكالعادة عار الصدر. رائها امامه لم يعيرها اية اهتمام. ومارس رياضته كأنها لم تكن. هذا ضايقها. تجاهلته.

- قائلة ببرود عكس ما بداخلها. طماطم عايزة تكلمك...
قام من على الارض، واخذ الهاتف منها تلامست ايديهما صدفة. سرت قشعريرة خفيفة بين ضلوعها
- قائلا بابتسامة. ازيك يا طماطم.
- اخبارك يا حبيبى
- الحمد لله كويس
- خلى بالك من فريدة
- دى شئ اكيد. هو عمى فين؟
- بايجاب. اهو.
ثم تابعت وهي تعطيه الهاتف
- قائلة. خد يا حسين. كلم فارس.
- ايوا يا حبيبي. اخبارك ايه؟
- انا كويس. حضرتك عامل ايه؟
- انا كويس مادام فريدة كويسة.

ضحك فارس
- قائلا باطمئنان. ماتخفوش عليها هي كويسة
- خلى بالك منها يا فارس
- تمام يا عمى
- ابقوا اغلطوا وزرونا
- هنغلط وهنيجى ان شاء الله
- تمام يا بنى في رعاية الله. لا اله الا الله
- محمد رسول الله. قالها واغلق الهاتف معه. واعطاها الهاتف بهدوء دون ان يتحدث معها...
ثم دلف الى البالكونة ؛ ليستنشق هواء رطب. يخفف من ضيق تنفسه. ماذا اصابه انه يتجاهلها متعمدا...
دلفت ورائه ووقفت بجواره
- قائلة بقلق. مالك؟

رمقها نظرة ضيق
- قائلا. يهمك.
- اكيد.
اتسعت عينيه من صدمة ردها
- قائلا باستفهام. بمناسبة ايه؟
- انك انسان. وواجبى اتجاهك اقلق عليك. ولا ايه
ضحك بسخرية
- قائلا بوجع. دلوقتى انسان. اومال فين الحيوان والوقح و...
قطعته
- قائلة باختصار. ما تلفش وتدور قولى مالك
- مافيش انا كويس.
- بطل كدب وقول الحقيقة. وشك باين انك متضايق.
اخر تنهيدة حزن من صدره
- قائلا. ما تشغليش بالك
اردفت بانكار
- قائلة بعصبية طفيفة. ازاى تقول كدة.

- عادى علاقتنا مجرد صفقة ولا نسيتى
- ما نستش بس انت متضايق وواجبى اخفف عنك
ضحك بمرارة
- قائلا بسخرية. صحبة واجب اوى. قالها ورمقها نظرة ضيق
- دى انت متضايق منى اوى؟
اردف بايجاب
- قائلا بصدق. اوى فوق ما خيالك يجيب
هزات راسها بتفهم، ثم عقدت ذراعها امام صدرها، وطرحت سؤالها
- قائلة باستفهام. ضيقتك في ايه؟
- ماليش مزاج اتكلم
- قائلة بتحدى. وانا ماهمشيش الا لم تتكلم
- حد قالك انك عنيدة.

- كتير. استرسلت في حوارها بعفوية، والابتسامة تعلو ثغره ؛ لاكتشافها. بابا وعمتو كل الناس اللى تعرفنى. بيقولوا انى عنيدة اوى.
- فارس باعجاب. على فكرة شكلك حلو وانتى بتتكلمى عن اهلك.
- فريدة بطفولة. بجد
- هكدب عليكى ليه. وبعدين انا خبرة في النساء
- دى اكيد. انت عديت جميع خبرات الرجالة
- علشان تعرفى انتى متجوز مين.
اردفت باستغراب
- قائلة باستفهام. ليه بتعمل كدة؟
- قصدك ايه. مش فاهم!
ادفت بخجل.

- قائلة بتوتر. قصدى علاقاتك مع الستات.
- فضى!
- ليه الفاضين بيغطبوا ربنا؟
كسي وجه الحزن مرة اخرى. عندما ذكرته بمعصية الخالق
- قائلا بضيق. على فكرة قوليتلي كلام وجعنى جدا.
هزات راسها بسعادة. فهى جعلته يتحدث. ويخرج ما يضيقه منها. تركته يتحدث بطلاقة. والضيق والحسرة يكسو ملامح كلماته.

انا استحمل اى كلام. لكن انى مابخفش ربنا. مين منا مابيخفش ربنا. قالها لها وهو ينظر في وجهها. احنا ضعاف اوى قدام ذنوبنا. دايما كنت راسم لنفسي صورة غير اللى انا فيها دلوقتى. بس ساعات الظروف بتجبرك على حاجات. ماتتوقعيش انك في يوم من الايام تعمليها
فريدة بهدوء. حتى لا تزيد حزنه.

- قائلة بتوضيح. الغلط عمره ما كان لى مبرر. بس مادام انت معترف بالغلط. ده كويس في حد ذاته. ثم تابعت بنصح له. حاول بقي تغير ماتكونش في نفس النقطة
- هحاول
ادرفت باحراج
- قائلة بتردد. متزعلش اذا كنت ضايقتك.
وسط صدمته واندهاشه. فهذا يعد اعتذار مبطن بدلا من اسفة. لكن هي من قبل اخبرته. ان الاسف والشكر لا يوجدان في قاموسها
- فارس بسعادة. عادى ولا يهمك. هو احنا عندنا كام فريدة.

- اسيبك بقي تنام. علشان الشغل. قالتها وهي تدلف داخل الغرفة، متجهة الى الباب
التفت اليها
- قائلا. ليه ماتخليكى
اردفت بحزم
- قائلة بصرامة. باشا مهندس تصبح على خير.
- وانتى من اهله
- فريدة بتذكر. اه ماتنساش بكرة هنروح شركة الكيلانى. هزا راسه ايجابا. ثم تابعت وهي تفتح باب الغرفة. جود نيت. قالتها وهي تدلف خارج الغرفة. و تغلق الباب ورائها بهدوء.

لقد سعد كثيرا بالكلام معها. لقد امتصت كتلة الغضب التي كانت بداخله. لم تعاتبه على ذنبه. تحدثت معه بهدوء وسلاسة. ولم تظهر امامه بانها افضل منه. واعتبرته ابنها الذي اخطا وحدثته باجمل الكلمات وارقها. لم تعاتبه على صفحات الماضي بل جعلته يحب الحاضر. ارتمى على فراشه. يفكر فيها. لقد سحر بحديثها المنمق وكلماتها الرزينة. وبسمتها الطفولية. وانوثتها العفيفة. احتضن الوسادة يتذكر جميع تفاصيل وجهها الرقيق. فهى ليست فائقة الجمال لكنها بملامح بسيطة تسحرك. فالسحر هنا ليس بالجمال. بل بالحديث والمفردات...

بعد ان خرجت من غرفته. استغربت نفسها كثيرا فهى لاول مرة تريد ان تطيب خاطر احد وخاصة اذا كان ذلك الانسان. نظرت الى المراة وجدت وجنتيها كستهم حمرة الخجل. لقد تناست تماما عندها وقوتها وكبريائها وتحدثت انسان الى انسان. لم تعاتب نفسها على الحديث معه. بل سعدت انها بدات تكتشفه رويدا رويدا.

بعد ليلة مثيرة من التفاصيل والحكايات الكثيرة والدموع المدفونة من سنين. دلف كلا واحد منهما الى غرفته، لينام بسلام وامان، انه اخيرا اصبح يوجد احد في حياته. لا حزن بعد اليوم. لا بكاء بعد اليوم. لا قهر الايام وذل البشر. لقد اتت امه. لتشاركه مجرى حياته. هو لم يسامحها بعد. لكن يكفى وجودها معه، ترتب الاغراض في الغرفة. التي تزوجت فيها منذ اكثر من ثلاثين سنة. وتخرج تنهيدة سعادة بانها راته اخيرا امامها. وتنهيدة حزن على ما اصابه من بعدها. عندما تطلقت. اقسمت بالحى الذي لا يموت بان تحاول اصلاح الامور. حتى ان اخذ المتبقي من عمرها. فلا عاتب ولا حزن. يكفى ان الملك راضى والابن محتضن بين الايادى، بعد ان انتهت من ترتيب اغراضها. دلفت الى فراشها بهدوء وامان لاول مرة بعد عشر سنوات. تنام بسلام وهدوء غير قلقة او مرعوبة...

هل الصباح علينا بيوم جديد وتفاصيل كثيرة، استيقظت في الصباح الباكر، تعد وجبة الافطار الى وحيدها وفلذة كبدها. بسعادة وشوق وحنين، بعد ان انتهت، ترددت كثيرا في الذهاب الى غرفته. خوفا منه او من رده العنيف. فهى لا تعرف عنه شىؤ سوى انه ابنها بالاسم. لقد تركته سنين وضاعت بينهما تفاصيل كثيرة. تمر الدقائق وهي مازالت خارج الغرفة. مترددة في الدخول اليه، تقريبا مر ساعة. وهي بالخارج تحضر نفسها وتجمع كلماتها. بعد عناء طويل من التفكير والقرار المتردد قررت. ان تطرق الباب. فطرقته بهدوء، ودلفت الى الداخل...

لقد اشتاقت الى الغرفة بجميع تفاصيلها. في كل ركن فيها يبعث بداخلها احداث جميلة مر عليها الزمن. فالغرفة كما هي لم يتغير بها شىء. سوى صاحبها الذي كبر ونضج. يغطى في نوم عميق. وخصلات شعره الطويلة تنساب على عينيه...
نادت عليه
- قائلة بهدوء. احمد. احمد. احمد...
افاق من نومه، فتح عينيه، راى امه امامه. تشبه طفلة صغيرة توقظ اباها. تطلب سماحة بعد ان ارتكبت كارثة
أحمد بضيق.
- قائلا بنعاس. عايزة ايه؟

- انا حضرت الفطار. تعالى خلينا نفطر مع بعض
- ما تتعبيش نفسك انا مابفطرش دلوقتى. روح انتى
- احمد تع...
قطعها عن الحديث جرس الباب، ترن ترن ترن. خطت قدميها للخارج
- احمد بضيق. راحة فين.
التفت له
- قائلة بهدوء. راحة افتح الباب
رفع الغطاء عنه
- قائلا بعصبية. ليه مافيش راجل في البيت. قالها ودلف الى الخارج وسط سعادتها بتصرف ابنها الرجولى. لقد كبر ليس شكلا انما فعلا، دلف الى الخارج يتافف من الضيق.

- قائلا في داخله بسخرية. يكون ابوى جاية كمان ندمان. ما هي عالة تشل. قالها وهو يفتح الباب بعصبية...
لقد اشرقت الشمس واتى الربيع واثمرت الازهار وترعرع الزرع وتساقط الندى يعطيه انوثة وجمال. ابتسم مجرد رؤيتها
- قائلة بابتسامة عذبة. صباح الخير يا باشا مهندس
- صباح الخير يا ندى. اخبارك؟
- كويسة. انا كنت جاية اقولك. بابا رفض الخروج النهاردة
- اه. طب ماقولتيش ليه في التليفون؟

انتابها الفضول من الذي يحكى معه بهذا الصوت الهادى. قررت تذهب اليه لتعرف من الذي يتحدث معه بذلك العمق
- قائلة بتساؤل. بتكلم مين يا احمد؟
اتسعت عينيها من الذهول وانقبض قلبها خوفا ان يكون يخونها. ازاح احمد لها. رات فتاة رقيقة الملامح والتفاصيل. مرتدية عباءة بيتية وعليها حجاب بسيط
- قائلا بجفاء. ندى جارتنا بنت الاستاذ خالد. مش فاكرها.

لقد تذكرت تلك الطفلة الجميلة التي تربت على يد فارس. من عشقه لها. هو الذي اختار اسمها. لقد انبهرت بجمالها ورقتها. لقد كبرت واصبحت عروسا تجهز لزواج من اجمل الرجال.
- ندى باستفهام. مامتك يا احمد.
- احمد بضيق. ايوا.
لقد سعدت عند رؤيتها. تقريبا من فرط سعادتها. حلقت في السماء. واخيرا اصبح لحبيبها ونيسا يانسه في وحدته، مدت يدها بالسلام
- قائلة باحترام. ازيك يا طنط. عاملة ايه؟
بادلتها السلام واحتضنتها.

- قائلة بسعادة. كبرت يا ندى. وبقيتى عروسة.
- ميرسي يا طنط. عن اذنك بقي. قالتها سريعا. دون ان تسمع ردها او تهتم لامرها. وهذا ضايقها وزاد حزنها، دلفت الى الداخل بضيق. ومليون سؤال يضرب ام راسها ومن اهمهم. هل هي ايضا نبذتها مثل الجميع. لكن هو كان على النقيض تماما. فهو يعلم سبب هروبها سريعا، دلف الى الداخل. واغلق الباب ورائه بهدوء. دارت حزنها وضيقها.

- قائلة بابتسامة مزيفة. يلا علشان الفطار مايبردش. قالتها وهي تمسك يده بحب وحنان. لم يسحب يده ولم يضايقها. صار معها الى السفرة بهدوء.
( شركة الكيلانى.

تدلف الشركة كالعادة بكل كبرياء وغرور. فهي فريدة الرقم الصعب في السوق المصري والاروبي، لقد مر وقت طويل عن دخوله. شركة اباه. ولكن لم يتغير منها الا القليل. بل التغير كان في صالحهم لافضل. لقد اصبحت عملاقة ولا تختلف شىء عن شركات السيوفى. كانت انظار الموظفين مسلطة عليه وهو لم يهتم...

دلفوا المصعد، هبطوا بالدور الثاني عشر. حيث يقطن به باقي موظفين الشركة، دلفت فريدة إلى قاعة الاجتماعات الكبري بالشركة. لعقد اهم مشروع لشركة
( اف- ار- اف ) الجديدة. نسبة الى فارس وفريدة. اجتمع المستشارون القانونين للشركتين وعدد من المهندسين ورئيس العلاقات العامة.

كان على راس الاجتماع فريدة السيوفى رئيس مجلس الادارة، وفي مقابلتها على الطاولة الكبيرة ( فارس الكيلانى. المدير العام لشركة والمسئول عن المشروعات الهندسية ).

وزعت دينا سكرتيرة فريدة اوراق المشروع بكل هدوء ووقار. لقد تبدلت الادوار دينا مع فريدة وسوسن مع فارس. وبعد ان انتهت من التوزيع. جلست على الجانب الايسر من الطاولة بالقرب من فريدة. لتكتب كل ما يدور في الاجتماع. وسوسن ايضا بالقرب من فارس. ولكن ليس لتسجيل بل لاغاظة فريدة السيوفى، بعد ساعة من الاجتماع.
ارجعت ظهرها للخلف.

- قائلة بثقة. انا مش موافقة على القرار دي. ثم وجهت حديثها لفارس. ولا انت اى رايك ياباشا مهندس؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة