قصص و روايات - قصص رومانسية :

تعافيت بك يوم الجمعة (حلقات خاصة) للكاتبة شمس محمد الفصل الرابع والثلاثون

تعافيت بك يوم الجمعة (حلقات خاصة) للكاتبة شمس محمد الفصل الرابع والثلاثون

تعافيت بك يوم الجمعة (حلقات خاصة) للكاتبة شمس محمد الفصل الرابع والثلاثون

سعادة تغمر الجميع وفرح ظهر فوق الأوجه والجميع يشعرون بالحماس، الابن الكبير هنا في بيت الرشيد اجتاز المرحلة الثانوية بامتيازٍ من وجهة نظره هو تقديرًا لتعبه والجميع هنا يشعرون بالسعادةِ به، نتيجة غير متوقعة أتى بها فارس لهم وهدم كافة التوقعات كأنه خاض سباقًا ونجح فيه، ورغم حزنه صباحًا إلا أن دعم من حوله زاد من ثقته في نفسه، وزاد زهوه في ذاته وهو يجلس بجوار صبية العائلة الفارحين به، وقد أتى له وليد وجلس بجواره وهو يسأله بصوتٍ خافتٍ حتى لا يصل للبقيةِ:.

جيبت المجموع دا منين يا صايع؟ شكل مخك نضيف زي ما بيقولوا عنك، يا سوسة، لأ وكمان زعلان؟ دا أنتَ بجح، دا أنا قولت مش هتعدي صافي.
ضحك فارس ورفع رأسه بزهوٍ تفاقم عن السابق وقال بخيلاءٍ في نفسه وطموحه قائلًا:.

قولتلك مش لازم أكون قدام الناس بذاكر، الحاجات دي بتاخد عين وتتحسد، كنت بذاكر بالطريقة اللي قولتلي عليها، أربعة أربعة اتنين، أربع ساعات قبل الفجر، أربع ساعات بعد العصر وساعتين متقطعين طول اليوم، مش خطتك دي؟
ضحك له وليد ثم غمز وجلس بجواره وقد تحدث حسن مستفسرًا بحيرةٍ من صمتهم:
أنتوا سكتوا ليه؟ غريبة عليكم يا عيلة الرشيد، أنتوا تسكتوا؟ دي علامة من علامات الساعة ولا إيه؟

تحدث وئام مُفسرًا سبب صمت العائلة بقوله الهاديء:
ساكتين علشان الجيران قدامنا واحد مجموعه صغير، والتاني للأسف شال مادتين، كان عاوزين يهيصوا شوية قولتلهم مش هنا لما نروح عند جدهم يعملوا اللي هما عاوزينه هناك وعلشان الولدين دول صحابه.
أومأ لهم حسن بتفهمٍ ثم سأل الشاب بقوله:
خلاص أنتَ مقرر برضه تكون دكتور نفساني صح؟ قعدتك مع وليد كرفت عليك؟ قولتلك دا محدش يقعد معاه مسمعتش كلامي، ألبسوا كلكم بقى.

ضحك الجميع عليه وخاصةً وليد الذي نظر في وجه ابن شقيقه ثم لثم وجنته، هو هنا الأقرب لهم في جميع المراحل العمرية، رافقهم وصادقهم في كل المراحل العمرية بمختلف مشاعرها وقادهم لطريقٍ كان هو خير الرفيق به، خرج من شروده على صوت مازن ينطق بلهفةٍ:.

يا بختك يا ابن المحظوظة خلصت خلاص، أنتَ و يونس فلتوا منها وخلصتوا هو دخل الكلية بقاله سنين وأنتَ هتحصله، وكمان مكانش فيه حد معاكم ولا قدكم، إحنا هناخد مقارنات لما نقول يا بس ساعتها.
تدخل توأمه زياد يهتف بحدةٍ كعادته:
محدش ساعتها يتكلم معايا علشان أنا مبحبش المقارنات، إحنا مش واحد وأنا مش زيك ولا غيرنا زينا، كل واحد يخليه ففي خيبته ووكسته أحسن.

حديثه كان قاطعًا على الجميع حتى حل عليهم الصمت وقد لوت عبلة فمها خوفًا من ابنها فهي كلما تقدم العمر معه تلمح به العديد من الأشياء الغريبة التي لم تتوقعها في غُلامٍ صغيرٍ مثله، وفي تلك اللحظة أتى ياسين بأسرته عدا يزن الذي قرر أن يحضر مع الشباب.

كان لوقع قدومهم الصدى الحسن وكأن البهجة أتت معهم، ولجوا بوجهٍ بشوشٍ ومرحٍ وقد ركضت خديجة نحو فارس تحتضنه وتبارك له وكذلك البقية يباركون ويتبادلون المباركات مع بعضهم، وقد جلس ياسين بجوار الشباب ثم قدم هديته ل فارس وهو يقول بودٍ: ربنا يوفقك يا حبيبي، دي حاجة بسيطة مش قد المقام، بس أهيه تشجيعًا ليك، يزن فتن عليك وقالي إنك عاوز طقم الكورة دا، يا رب يعجبك.

ضحك له فارس وشكره ثم ضمه ما إن وجد الهدية المرغوبة أتت له وحينها ضم ياسين وشكره وقد تحدث مازن يسأله باستفسارٍ: هو أنا لما أنجح برضه هتجيبلي طقم زي دا؟
تدخلت عبلة بلهفةٍ تقترح عليه: لو جيبت مجموع حلو وكبير كدا أنا هجيبلك أدوات الرسم بتاعتك كلها اللي نفسك فيها والواد زياد هجيبله موبايل، وعمكم ياسين نخليه متعد لبس الكورة للي ربنا يكرمه ويجتاز مرحلة الثانوية الفقر دي.

تحدث ياسين بنبرةٍ ضاحكة أنهاها بالحكمةِ: أنا بتدبس يعني؟ بس أنا عيني ليهم وربنا يوفقهم كلهم واللي ينجح فيهم أنا هفرحه كمان وهشيل فرحته فوق كتافي، بعدين مش شرط المجموع، أهم حاجة كل واحد يعمل اللي عليه وربنا يوفقهم، دي أرزاق من ربنا كاتبها للعباد، ولا إيه يا وليد؟

وجه سؤاله للمذكور لكي يجاوبه فكانت جملة وليد الواثقة التي أتت بمحلها هي: جيبت كتير، جيبت قليل، الشاطر فيكم اللي يشتم مديره من غير ما يتخصمله.
ضحك الجالسون على ما تفوه به بطريقته المعتادة التي لم تتغير مع مرور الزمن، وقد سأله ياسين بتهكمٍ ساخرٍ: ودي هيعملها إزاي بقى إن شاء الله؟
مال عليه وليد يخبره بنبرةٍ خافتة لم تصل للآخرين: بيشتم في سره، لازم تعرف كل حاجة يعني؟

كتم ياسين ضحكته عليه فتدخل طارق يهتف بنبرةٍ أعربت عن ضجره من الآخر: بيشتم في سره علشان المدير ابن عمه وخال عياله، بس لو ساب نفسه عليه هيقطع لسانه ويخرسه خالص، لولا إنه خايف على أخته بس كمان زمانه خرب الدنيا.
تدخلت في تلك اللحظة خديجة تتحدث بسخريةٍ:
لأ متقولوش! أنتوا لسه علاقتكم ببعض زفت كدا؟ سبحان الله علاقة توكسيك طول عمركم ومحدش فاهم ليكم أي حاجة، ربنا يهدي.
أو ياخد.

هتفها الاثنان مع بعضهما في نفس اللحظة، وقد توسعت عيناها حتى قالت چاسمين التي بالرغم من ازدياد عمرها لكنها كما هي لم تتغير:
هو إحنا قاعدين هنا في عزا؟ مش المفروض إننا جايين نبارك للناجح؟ مش بنهيص ليه بقى؟
تدخل وئام يهتف بقلة حيلة مُكررًا نفس الجواب:
علشان ولاد الجيران للأسف زعلانين، قولت خلاص كفاية فرحتنا بيه الحمدلله وهو برضه كان زعلان الصبح بس بعدها فرح لما عرف إنه هيدخل الكلية اللي نفسه فيها.

حرك ياسين رأسه نحو فارس وقال بودٍ يدعمه:
بطل هبل بقى، مجموعك حلو أوي ما شاء الله، معدي ال 90 وهتدخل الكلية اللي كنت عاوزها، خلاص متزعلش نفسك، بعدين مش بالمجموع والله، ولا أصلًا الثانوية دي ليها لازمة، الواعي اللي يحافظ على أخلاقه وسط العالم اللي برة دا.
في تلك اللحظة تدخلت هُدى تقول بأسفٍ وحزنٍ لأجل الجيران:.

والله الجيران جنبنا عاملين مناحة ومبهدلين عيالهم، والعيال متنكد عليهم، كلمت واحدة فيهم تقولي أنتِ ابنك ناجح وجايب مجموع، مش حاسة بيا، والعيال كلها زعلانة وقاهرين نفسهم، منه لله اللي فهمهم إن ليها لازمة تخليهم يوقفوا حياتهم بعدها.
حينذاك تدخل حسن يرد بقلة حيلة:.

علشان الكلية وعلشان دي المصير وعلشان الهبل الكتير اللي بيتقال، مع إنهم نسيوا حاجة أهم، وهي إن مصر مفيهاش حد بيشتغل بشهادته، الشاطر هنا اللي يركب رانج روفر يا عيال.
ضحكوا على جملته الأخيرة بينما ياسين قال يؤيده بحكمةٍ ورجاحة عقلٍ:.

هي مش مصير ولا مقياس لحاجة أصلًا، مينفعش البلد كلها تكون مهندسين ودكاترة وصيادلة بس، لازم نكون مختلفين كلنا عن بعض ومحدش فينا زي التاني، علشان طبيعي كلنا مختلفين، وفي نفس الوقت المجموع الكبير زيه زي المجموع الصغير، الدنيا دي عاوزة الفهلوي، اللي يقدر يشتغل على نفسه ويطورها، ممكن حد ميجيبش مجموع كبير ويدخل كلية عادية جدا وهناك يتعرف على ناس ويلاقي شغل أفضل بكتير، وممكن بنت تروح جامعة أو معهد وربنا يكرمها بصحاب صالحين وأخوات ويشدوا بايدها، ويمكن تقابل شريك عمرها هناك ويكون ليها مستقبل أحسن، الخلاصة هي آه محطة مهمة، بس مش الأهم.

سكت هُنيهة ثم أضاف من جديد:.

عندكم أهو عمكم عامر 73 وأكبر منصب فينا، ومدير بيروح أماكن عمرنا ما روحناها، ورحلات ومرتبات وعلاقات محدش فينا ليه علاقة بيها، واسطة لينا، أنا أهو مهندس بس علشان آخد أجازة بكلم عامر يتوسطلي، ليه بقى؟ علشان دا نصيبه ورزقه في الدنيا، ومحدش فينا كان يتوقع حاجة زي دي، ونفس الحكاية لو حد شال أو هيعيد، ميزعلش نفسه، دي فرصة تانية ليه، لأن إحنا ببساطة مش عارفين أي حاجة هنا، إحنا كلنا تحت رحمة ربنا، ووقت ما يريد يكرمنا، ووقت ما يريد يبتلينا ويعلمنا، فالمهم نحمد ربنا ونقول الحمدلله وإحنا مش فاهمين، علشان لما نفهم هنفرح أوي، وطول ما أنتَ في الدنيا هنا أعرف إنك لسه مخسرتش، الخسارة بجد لما عمرك يضيع وتلاقي نفسك في النار وخسران نعيم الآخرة علشان فرحتك بجحيم الدنيا.

كان حديثه حكيمًا ومواسيًا ولطيفًا وقد رد عليه وليد بمزاحٍ حينما رسم التأثر على وجهه:
كنت فين أنتَ يوم نتيجتي؟ دا أنا لسه متعافتش منها وعندي تروما من يوم امتحان الفيزيا لسه.
ارتسمت الضحكات على أوجه الجميع وقد قال ياسين بسخريةٍ:.

علشان أهبل، كنت المفروض تفرح بنفسك وإنك خلصت مرحلة مهمة، بعدين هو أنتَ شغال حاليًا بشهادتك؟ لأ بدماغك علشان فاهم في التسويق والدعايا وعارف إزاي تخطف العيون ناحية اللي بتقدمه، وبالتالي أنتَ شاطر في اللي بتعمله أهو، يمكن لو كنت روحت الكلية اللي نفسك فيها كان زمانك زعلان ومش مبسوط، أو يمكن تضيع على نفسك وقت كتير ماكنتش هتتعلم فيه الحاجات اللي اتعلمتها دي، ودا يعلمنا إن هي سنة زي أي سنة، خدت نتيجتها شاطر، بس قوم شوف برضه هتنجح نفسك إزاي في باقي تحديات الدنيا.

جابت چاسمين المكان بعينيها ثم مالت على نغم تسألها بنبرةٍ خافتة:
يعني برضه نذاكر ولا لأ؟
ضحكت نغم ثم قالت بنبرةٍ هادئة هي الأخرى:
ذاكري وخلي أملك في ربنا كبير.
في تلك اللحظة ظهر ضوءٌ أحمر من الأسفل معه صيحات شبابية عالية وصوت أبواق السيارة يصدح عاليًا وقد ركض فارس نحو الدرابزون فوجد الشباب الصغار في الأسفل يغنون له بصوتٍ عالٍ:
ما لقيت فرحان في الدنيا زي الفرحان بنجاحه، أنزل يا فارس ألف مبروك ياض.

كانت أصواتهم عالية، وقد تحدث عمر بضجرٍ ونفاذ صبرٍ:
أنزل وهات الباقيين من عندك علشان نلحق نتصور بالشماريخ قبل ما تخلص يلَّا.
ركض فارس للأسفل وخلفة البقية وقبل أن يختفي أثرهم أوقفهم وئام بقوله محذرًا:
بالأدب علشان ولاد الجيران راعوا مشاعر الناس وخلوا بالكم أنتوا مش لوحدكم في الشارع، تمام؟

وافقوا على حديثه ثم نزلوا وخرجوا من البيت. بمجرد نزولهم صاحوا الشباب عاليًا ثم رفعوا صوت بوق السيارة وهم يصفقون مع بعضهم ضاربين بكل التحذيرات عرض الحائط حتى أن الأباء في الأعلى شعروا بالضجر منهم، لكن طارق قال بقلة حيلة:
شباب ومراهقين وبيفرحوا، هتزعلوهم؟ خلوهم بس ياخدوا الصورتين ويهدوا قبل ما يولعوا فينا إحنا بالشماريخ دي.

فى الأسفل وقفوا مع رفيقهم يهنئونه ويدعمونه حتى نسوا كل شيءٍ حولهم وتمسكوا بلحظة الفرح تلك.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة