تعافيت بك يوم الجمعة (حلقات خاصة) للكاتبة شمس محمد الفصل الخامس والثلاثون والأخير
كل شيءٍ تفعله بحب يصل مباشرةً للقلب.
وما فعلناه نحن للقلب كان بدافع الحُب لذاك القلب.
مرت الأعوام معهم وكذلك مرت بهم، كانت قصصهم عديدة احتوتنا أسفل جناحيها وقضينا العمر معهم في سعادةٍ وترفٍ وكأننا نحتضن أنفسنا وسطهم، مجرد قصة سطرت بأحرفٍ من الأبجدية ثم توغلت فينا لتعبر عن عالمٍ عايشناه وعاش هو فينا، فهيا بنا نعود إليهم لبرهةٍ من الوقت لعل الشوق فعل بنا الأفاعيل.
بداخل بيت ياسين ومن وسط أفراد أسرته تجهزت نغم كي تذهب لموعدها المحدد بعد قليلٍ وانهت زينتها البسيطة وهندمت الحجاب فوق رأسها وقبل أن تتحرك وجدت والدها يقف على عتبة باب غرفتها وهو يسألها بوجهٍ مُبتسمً: خلاص هتنزلي؟ آجي أوصلك طيب.؟
حركت نغم رأسها بنفيٍ ثم اقتربت منه تخبره بهدوءٍ: لأ متقلقش أنا مش صغيرة أنا بقيت في أولى ثانوي خلاص، والدرس مش بعيد يونس هيسبقني على هناك علشان دا المستر اللي هو كان بياخد معاه وأنا ريحاله متأخر علشان سيبت المستر اللي كنت باخد معاه، متقلقش يا عسل بنتك شطورة أوي.
ابتسم لها هو رغمًا عنه ثم اقترب يُلثم جبينها ورحل، بينما هي أكملت ضبط الحجاب فوق رأسها ثم حملت الحقيبة ونزلت من البيت بعدما ودعت الجميع ووصلها تحذير أمها لها بشأن نفسها والرعاية الكاملة لها، وما إن خرجت من البناية كان يونس يقف أمامها أسفل بنايتها ثم اقترب منها وقال بنبرةً هادئة يحاول بها إخفاء فرحته برؤيتها: هسبقك على هناك أكلم المستر وأفهمه إنك فضلتي تجربي كذا حد لحد ما عرفتي توصليله، هو كان بيحبني أوي وأكيد هيخليكِ تحضري، متقلقيش أنا معاكِ لحد ما ربنا ييسرهالك.
اومأت له بخجلٍ يتنافى مع فرحة قلبها بسبب حديثه واهتمامه بها خاصةً في تلك المرحلة التي تعاني فيها من مشاعر مضطربة بسبب المراهقة التي داهمت حياتها في هذا العمر واصابتها بشتاتٍ، وقبل ان تنطق وجدت سيارة تعرفها جيدًا تتوقف أمام البناية، حينها ضيقت جفونها تطالع الموقف بتعجبٍ وقد التفت يونس هو الآخر فلمح التوأم يترجلان من السيارة وقد أقترب مازن منهما وقال ضاحكًا بفخرٍ لا يُناسب الكلمات: سرقنا العربية من ورا بابا وجينا نوصلك الدرس.
توسعت عيناها أكثر وكذلك فعل يونس فيما اقترب زياد يقف بجوارها ثم ابتسم للآخر بتشفٍ وقال: بعينك إنك تفكر إني نايم على وداني، مش عيب يا يونس تشتغلني وتقولي وراك مشوار مهم؟
حرك يونس عينيه بينهما ثم قال بنفاذ صبرٍ يستفسر بجملةٍ واحدة: أنتوا جيتوا ليه؟
نظر الاثنان لبعضهما ثم قالا في آنٍ واحدٍ مع بعضهما: جايين علشان نوصلك المشوار المهم.
وكما قيل على لسان الحكماء في سابق العصور، أن الإنسان لا تنتهي طباعه عنده وحده، وإنما تمتد في حياة كل فردٍ مر عليه وتترك أثرها ويبدو أن الوالد ترك الأثر فيهما بشكلٍ بالغٍ حتى أصبح كل من حولهم يُعاني منهما، وقد خضع له يونس وركب بجواره بينما نَغم جلست بجوار مازن في الخلف وهي تجاهد لكتم بسمتها حتى مال أخوها عليها وهمس بشقاوةٍ: ربنا يستر وميولعوش في بعض بسببك، الواد يونس تقريبًا بيشيط قدام، تفتكري هتعدي على خير؟
حركت رأسها للأمام تطلع على نظرات كليهما وما إن وجدت تلك النظرات الحادة عادت بظهرها تستقر في مقعد الأريكة ثم هتفت بنبرةٍ آملة في ذلك: النية خير بس ربنا يديم ستره.
بينما في شقة ياسين فكان جالسًا برفقة ابنه يعاونه في استذكار دروسه والآخر يجلس بجواره يحاول الوصول لحل تلك المسائل الجبرية المستعصية كما يقول، ووالده ييسر عليه كل صعبٍ في الأمر، بينما خديجة فوقفت في مطبخها تُنظفه وتقوم بجلي الصحون، أما چاسمين فكانت تجلس تمسك الهاتف بيدها وتضع كلا ساقيها فوق بعضهما، وما إن لمحها ياسين تعجب منها لكنه ترك موضعه وولج يقف بجوار زوجته وهو يسألها بتعجبٍ: هي المادلية دي مش بتذاكر خالص؟ يزن خلص كل اللي وراه حتى الدروس، دي بقى وضعها إيه؟
ما أنا قولتلك إنها ضاربة الدنيا طناش، طول اليوم بنبح في صوتي معاها وهي اللي عليها حاضر يا ماما، هذاكر يا ماما، هو الامتحان بكرة يعني يا ماما؟ متوترينيش يا ماما، دا لو نطقتها صح يعني في الآخر.
أومأ هو موافقًا ثم عاد وجلس بجوار ابنه الذي كان يُنهي دراسته فقط لأجل ذاك الحلم الذي علق قلبه به منذ الصغر دون أن يعلم حتى سببًا لذلك لكنه يحلم ويرغب أن يُحقق، بينما ياسين فرفع صوته قليلًا كي يصلها الحديث:.
بكرة الخميس وإن شاء الله بكرة بليل هتروحوا تقعدوا عند خالو وليد بس بشرط اللي هيروح يكون مخلص كل المذاكرة اللي عليه وكل الواجبات المتراكمة اللي بننقشها على باب الاسانسير دي، ومش بس كدا، دا كمان يسمع الكلام وميعملش شقاوة، ها قولنا إيه؟
انتبهت هي له فأغلقت الهاتف ثم تحركت تقف أمامه وهي تقول بترقبٍ للقادم من رده عليهاة:.
طب أنا للأسف كنت مأجلة كل المذاكرة لحد بكرة علشان بحب ازنق نفسي يوم الخميس، هعمل إيه دلوقتي بقى؟
حرك كتفيه بلامبالاةٍ كأنما يخبرها أن الأمر يرجع لها هي فقط وليس له في شأن الأمر تدخلًا، أما هي فنظرت لدفاتر توأمها الذي انتهى من إنهاء دراسته فيها وقالت بنبرةٍ هادئة:
خلاص مفيش مشاكل، الواجب مش هياخد نص ساعة وهخلصه وهسمع درسين كدا على النت والدنيا تتلم كلها.
ابتسم لها باستفزازٍ ثم فجر قنبلته في وجهها وهو يقول:
لأ ماهو أنتِ هتعملي الواجب لوحدك، مش هتنقليه من يزن هتذاكري لوحدك وتحلي لوحدك، علشان مش طبيعي يعني تكوني بتمتحني تقوليلهم هروح أبص في كراسة حل يزن صح ولا أنا غلط؟
هنا حقًا تلقت صدمتها فوق رأسها فارتمت فوق المقعد تسأله بأملٍ في التفاوض قبل أن يؤكد نواياه لما سيفعل:.
طب مينفعش نأكل المذاكرة ليوم السبت مثلًا؟ ونفرح خميس وجمعة مع بعض؟ أهو تفتح نفسي على المذاكرة.
حرك رأسه نفيًا ثم نطق يُدلي بنواياه الذي نواها:
لأ للأسف مش هينفع، هو المبدأ كدا، اللي هيخلص اللي وراه هو اللي هيخرج ويفرح معانا، واللي مش هيعمل حاجة هيفضل هنا ويقعد معايا كعقاب ليه علشان يهمل حاجته ومذاكرته، يعني مثلًا ماما و أخواتك هيروحوا البيت عند جدو وأنتِ هتنوريني هنا.
ابتسمت تمازحه وتشاكسه بقولها:.
طب وهي القعدة معاك عقاب برضه؟ طب موافقة عاقبني.
وزع نظراته بينها وبين أمها التي أتت تجاوره ثم قال بشرٍ غام في نظراته وهو يرمقها:
لأ ماهو اللي هيقعد معايا مفيش غنا ولا أكل ولا تلفزيون حتى، هيقعد يخلص اللي وراه كله وأنا هخلص حاجات تبع الشغل، حتى مفيش فاطيما كمان لا هتكلميها ولا هتروحي تشوفيها، قولنا إيه بقى؟
ترك لها حرية الخيار وقد ضغط على نقطة الضعف لديها ألا وهي علاقتها برفيقتها المفضلة وحينها ركضت نحو الحقيبة تخطفها ثم عادت وجلست بجواره وهي تقول بلهفةٍ:
هتساعدني أخلص اللي ورايا صح؟
كانت تستجديه بنظراتها وحينها طالعها بحنوٍ ثم ابتسم رغمًا عنه ومسح فوق خصلاتها وهو يوميء موافقًا فوجدها تجلس بجواره وهي تلتصق فيه ثم أخرجت صفًا من الكتب والدفاتر تضعهم أمامه وحينها توسعت عيناه فيما نطق توأمها بسخريةٍ:.
دا أنتِ جاحدة، كل دا وراكِ ومش عاوزة تخلصيه، كنتِ ناوية تعمليه إمتى إن شاء الله، تصدقي لو من بابا أخليكِ هنا شهر بحاله؟
أحبطها التوأم بحديثه فنظرت لشقيقها ثم والدها الذي ضحك لها ثم مد كفه يفتح معها تلك المواد العصيبة ثم قال يمازحها بقوله:
أنا معاكِ أهو وهتخلصي كل دا، بس بطلي دلع بقى.
صفعها فوق رأسها بخفةٍ فضحكت هي ثم لثمت وجنته بينما هو بدأ معها الطريق بأيسره عليها ثم بدأ في أخذ الخطوات الصحيحة كي يساعدها في إنهاء ما تراكم عليها وقد جلست بجوارهم خديجة وقالت بحماسٍ كي تشجع الصغيرة:
لو خلصت اللي وراها كله هخليها تبات هناك وتروح المدرسة من هناك يوم الحد وبابا يوصلها، بس تخلص اللي وراها كله، غير كدا لأ.
شهقت هي بفرحٍ ثم انكبت على الكتاب تُنهي دراستها وقد ضحك والدها حينما تواصلت المُقل ببعضها، فقال لها يثني عليها:
لأ بقينا خبرة اللهم صلَّ على النبي، إيه الحلاوة دي؟
ضربته في كتفه بكتفها وهي تقول بهمسٍ أقرب للمزاح:
قولتلك ثِق فيا هتلاقي الدار أمان يا مهلبية.
عقد حاجبيه بمزاحٍ ثم قال يشاكسها بقوله:
بس ياعم مبقاش فيه مهلبية غيرك خلاص.
ضحكت له ثم عادت بتركيزها مع ابنتها التي كما المعتاد تتشتت أمام الكتب الدراسية وكأنها تحاول فك شفرات مستعصية عليها والحل لا يتواجد بسهولةٍ، وقد كانت تحاول أن تندمج فيما تفعل حتى تدخل توأمها وبدأ معها من جديد كي ييسر عليها كل أمر تستصعبه هي.
ما كان العمر مروره سهلًا
لكن يكفينا أننا كنا سويًا كي نُمرره.
في مكانٍ آخرٍ كان الحُب فيه أسمى السمات التي بُنى عليها بأركانه كان يجلس هذا الهاديء الذي لم يهدأ بيته وإنما تتشقق جدرانه من الصوت العالي الذي أخذ يسكن معهم في هذا البيت، كان يراقب أسرته أثناء عمله فوق الحاسوب حتى صدح صوت زوجته هدير تصرخ في ابنتها بقولها:
يا بت ذاكري بقى، هو كل يوم هسمع الناس صوتي؟
أغلق عينيه ثم أغلق الحاسوب وتحرك نحو زوجته يهتف بضجرٍ:
أقسم بالله ما بطيق الصوت العالي، بتعب نفسيًا لو الدنيا مش هدوء حواليا، خلاص دماغي ورمت منكم، مش نافع نعيش شوية في هدوء هنا؟ لازم كل يوم فضايح كدا؟ مالها الأستاذة؟
حركت رأسها له بعصبيةٍ وهدرت بانفعالٍ في وجهه:.
الهانم مش عاوزة تذاكر، بتقولي فيه قلم عاوزة أنزل أجيبه بعدها أذاكر قولتلها خديه من عند بابا قالتلي لأ مش هينفع، قولتلها خدي من أخوكِ لأ مش عنده منه، شوفلك حل بقى.
طالعها حسن بعينين ضيقتين ثم التفت لابنته يسألها بتهكمٍ بعدما ضم كفيه فوق بعضهما حتى تحدثت وقفته عن حاله:
ناقصك إيه يا أستاذة فاطيما علشان تذاكري؟
ركضت نحوه وهي تمسك في يدها ثمرة تفاحةٍ ثم قالت بلهفةٍ تجاوبه وتخبره بمرادها:.
قلم أقسم بالله تحفة نازل جديد وبيفضل كتير مش بيخلص بسرعة، حاسة نفسيتي هتتحسن بجد لو جيبته ويفتح نفسي للمذاكرة أكتر والله.
حماسها جعله يتنهد بثقلٍ ثم سألها بنفاذٍ لطاقة التحدث:
ماشي، هاتيه وذاكري، بس هو قلم ولا رصاص؟
قلم ليبلاينر تحفة ودرجته حكاية بج.
قبل أن تنهي ردها عليه وجدته يسحبها من سترتها ثم سلط عينيه عليها يرمقها بنظرات حادة جعلتها تتقهقر من جديد ثم ثبتت عينيها عليه وهو يقول بنبرةٍ جامدة:.
أقسم بالله إن ما ذاكرتي دلوقتي لأكون فاتح أنا دماغك ومخليكِ تتكدري تكديرة العربية المتربة في جراج مالهوش أول من آخر.
أومأت موافقةً وسحبت نفسها بعيدًا عنه تلوذ بفرارٍ جعله يبتسم رغمًا عنه وقد بحث بعينيه عن علي فوجده يركض متوجهًا نحو غرفته فترك له الفرصة كي يدخل وقبل أن يتبعه وجد زوجته تخاطبه بهدوءٍ:.
بالراحة عليهم بس، هما اتخنقوا من المذاكرة ودا حقهم، بعدين متنساش إن أنتَ اللي مدلع سكان البيت دا كله، فمتجيش تلوم على الدلع دا وأنتَ السبب فيه يا أستاذ حسن صح ولا كلامي غلط؟
رفع حاجبه لها بسخريةٍ إبان قوله حينما أولاها ظهره:
خلاص يا حلوة الملامح، زمن الدلع دا تنسوه راحت عليه.
أنهى حديثه ثم سار خطوتين والتفت لها برأسها يقول بضحكةٍ واسعة:
طبعًا الكلام دا مش ليكِ أنتِ تدلعي براحتك.
وببسمة ثقةٍ استقرت فوق الأريكة وهي ترفع رأسها بخيلاءٍ جعلته يضرب كلا كفيه حينما توجه لغرفة أولاده، تلك الغرفة التي صممها هو على غرار الأفلام الكرتونية لزوجته ثم جددها وأحدث فيها بعض الأمور كي يستذكر أولاده فيها دروسهم، وقد ولج وجلس فيها معهما ثم قال بسخريةٍ:
والله العظيم لو أبويا كان عاملي أوضة زي دي كان زماني طالع الأول طول عمري، بس نقول إيه بقى، عالم ظالمة.
رفع علي رأسه لوالده وقال بضحكةٍ مكتومة:.
طب ما أنا فعلًا طلعت الأول السنة اللي فاتت واتعملي حفلة تخرج من المدرسة علشان خلصت إعدادية.
ضاقت نظرات حسن وسأل ببلاهةٍ كأنه حقًا لا يعلم الأمر:
بجد والله؟ أومال ليه محدش قالي.
ضحك ابنه فيما ضحك هو الآخر ثم جاور ابنته التي ظلت تستغفر ربها وهي تجلس عند مكتبها فاقترب منها يمسك خصلاتها بخفةٍ ثم تهكم بقوله عليها:.
بطلي تستغفري أنتِ مش قاعدة بتذاكري على ترابيزة قمار، ألحقي خلصي قبل معاد نومك بقى، هو كل يوم الفيلم الهندي بتاعك دا؟
أومأت له عدة مرات ثم قالت بسخريةٍ:
أصل بصراحة كدا بقى أنا مبعرفش أذاكر غير والمواد كلها متراكمة فوق بعضها، طول ما لسه في الأول مش هقدر أذاكر معلش، استنى بقى أتزنق شوية وخد لفة كدا وتعالى، دا أنتَ زبوننا يا أبو علي.
ضحك رغمًا عنه ثم لثم وجنتها بحنوٍ وما إن طالعته بعينيها اللتيْن لازال السحر ساكنًا فيهما فيهوى هو النظر فيهما، وقد قال بانشداهٍ في جمال صغيرته:
طب ذاكري أول بأول علشان تفرحيني زي أخوكِ كدا، أنتِ تالتة إعدادي السنة دي والأحسن إنك متراكميش على نفسك حاجة علشان تقدري في الآخر تراجعي أكتر ما تذاكري، صح ولا كلامي غلط؟
أومأت بأسفٍ وهي تتفق معاه وقد ضمها له وداعب خصلاتها وكأنه يضم هدير في صغرها، يحنو عليها بأفعاله وحديثه ويرى النتيجة لتوهِ في نفس اللحظة وهي تعود لدراستها وتستذكر دروسها وهو يجلس بجوارها وعيناه تتابع ابنه وقد سأله حينما تذكر هذا الأمر:
صحيح عملت إيه في الفيزيا؟
انقبض قلب ابنه ما إن تذكر هذا الأمر ثم ترك القلم وقال بضجرٍ:.
يوه يا بابا، بتفكرني ليه بس؟ عمومًا نغم هتروح تجرب مستر تبع يونس ولو عجبها شرحه هتقولي وأروح أجربه أنا كمان، وهتجيبلي ملزمته كمان، وياريت متجيبش السيرة دي تاني أنا مش ناقص نكد.
أومأ له حسن بسخريةٍ ثم أتى بعمله وجلس معهما يتابع عمل التصاميم من بيته وقد أندمجوا فيما يفعلون حتى أتت هدير تُقاطع سير فعلهم وجلست أمامهم وهي تقول بنفاذ صبرٍ:.
لأ حد فيكم يقعد معايا كدا أنا هزهق، بقولكم خلاص خليكوا فاشلين زي ما أنتوا بس متسبونيش لوحدي كدا، هعيطلكم هنا.
ضحك حسن عليها ثم عاد يضرب كلا كفيه معًا بينما هي جلست في المنتصف وهي تقول بزهوٍ في نفسها:.
عارفين يا عيال أنا كنت أفشل منكم كدا، بس مخي كان نضيف، كنت سوسة بصراحة، أفضل طول اليوم ساكتة واذاكر ساعة واحدة بتكون بمقام يوم كامل، ساعة وهي الساعة بجد، علشان كدا في ثانوية عامة جدكم قالي أنا مش هقولك ذاكري، أنا هسيبك تمشي براحتك وبمزاجك، بس لو جيتي في الآخر وقولتي ملحقتش ألم حاجة، هقعدك من التعليم، وأنا عندًا فيه ذاكرت ودخلت ألسن كمان، وأخرتي بقيت مرات الراجل دا.
طالعها حسن بملامح متشنجة، فقالت هي بلهفةٍ:
بس علشان كلمة الحق تتقال يعني لولاه معايا كان زماني ضايعة، يمكن ضيعت قبله كتير علشان لما الاقيه أعرف إن الطريق الصح هيبدأ من عنده، ويمكن كل حاجة كانت بايظة جوايا هو صلحها لما جه، مش عارفة بصراحة مين فينا المحظوظ هو ولا أنا، بس أكيد إن قلبي لقى أمانه معاه.
ابتسم بعينيه قبل شفتيه وواصل عينيه بعينيها وفي تلك اللحظة مر العمر بأكمله أمامه وكأنه شريطٌ يمر ويعرض كل اللحظات عليه وحياته معها تمر بأكملها حتى وصل لتلك اللحظة التي تطالعه فيها بنظرات صادقة جعلته يعود لها ويدرك تواجدها أمامه وفي تلك اللحظة وجدها تقترب منه ثم همست له بنبرةٍ خافتة:
بكرة عيد جوازنا، بس جوازنا اللي بجد.
تذكر تلك الليلة التي كانت الأفضل في كل ليالي العمر حينما أخبرها بحبه لها وأعلنت هي له صراحةً حبها له وتكملتها للطريق معه وحينها غمزت له بشقاوةٍ فضحك هو رغمًا عنه ثم ضمها له ومسح فوق ذراعها ونظرات أولاده تتبعهما بحبٍ وفخرٍ بتلك العائلة.
كانت الحياة بغير من نحب لا تُحب.
وبتواجد من أحببنا أصبحت تليق بكل ما نحب.
هو هاديء وهي صاخبة.
هو حكيم وهي متهورة، هو يعمل بالعقل،
وهي عطوفة تعمل بالقلب بعد أن تخسر حربها
مع العقل، هو الزوج الهاديء الحنون، وهي الفتاة
الصغيرة التي لم تتقبل أنها كبرت فجأةً كي تصبح أمًا حكيمة.
كان عمار يتسطح فوق الأريكة وذراعه خلف رأسه، وابنه الصغير ينام فوق بطنه ويده الصغيرة تلتقط قطع الفواكه من الصحن الموضوع أمامه ويأكل بصمتٍ وهو يتابع التلفاز مع والده الذي مسح فوق خصلاته ثم سأله بمزاحٍ:
مرتاح يا منعنع؟
رفع الصغير رأسه ضاحكًا ثم أرسل لوالده قبلة في الهواء وعاد يطالع التلفاز بصمتٍ كما عادته دومًا بينما عمار فمد كفه يمسح فوق ظهر ابنه ودثره أسفل ثيابه وعاد يحتضنه وكذلك فعل الصغير، بينما خلود فأنهت مكالمتها الهاتفية ثم جلست بقربهما ووزعت نظراتها بينهما تستبين الشبه البالغ في كل شيءٍ حتى حركة الأهداب هي نفسها.
ظلت تراقبهما والبسمة تزين وجهها حتى قال عمار يشاكسها بقوله:.
لو خلصتي مراقبة فينا تعالي الناحية التانية أحسن.
ضحكت له وهي تسأله بنبرةٍ حماسية:
عاوزني أكون جنبك؟
رفع رأسه أكثر لها يجاوبها بما يقتل ذاك الحماس:
يا ستي كتفك الشاشة مش باينة منه، وسعي.
رفعت الوسادة تضربه بها فأتت الضربة في وجه صغيرها الذي عاد للخلف بفزع فشهقت هي ووضعت كفها فوق فمها بعدما فعلت بينما عُمير مسح رأسه ثم قال بهدوء:
ربنا يسامحك.
لوت فمها واستشعرت فداحة فعلها، فاقتربت منها تتفحصه ثم لثمت جبينه وهي تعتذر منه عدة مرات حتى ضحك هو ما إن لمح قلقها عليه فمسح فوق ذراعها بحنوٍ وهو يقول:
متزعليش كدا، موجعتنيش أصلًا، طالما معيطش يبقى متقلقيش.
تنهدت هي بقوةٍ ثم ضمته لحضنها تمسح فوق رأسه بينما عمار فسحب الوسادة من جواره ثم ضربها بها فوق رأسها حتى تأوهت هي وفركت موضع الألم فقال هو بتشفٍ بها:
كدا جيبت حق ابني وبقينا خالصين يا خوخة.
ضحك ابنه عليه ثم ضم أمه وقال بحبٍ لها:
بس هي معملتش حاجة خلاص، بعدين دي خلود طيبة أوي ومش بتحبني أزعل، ينفع متخليهاش تزعل علشان أنا بحبها؟
لمعت عيناها فورًا أمام ابنها بينما عمار ضحك له ثم قال يمازحه وهو يترك الأريكة:
تصدق ياض أنتَ حلال فيك التسع شهور حمل؟
ألقى حديثه ثم نام فوق الأريكة بعد أن قام بفردها وجعلها بوضع الفراش ثم أشار لهما فزحف له ابنه؛ فناداها هو بقوله:
قربي يا خوخة، تعالي في حضننا.
اقتربت منهما فوضعها عمار بينه وبين ابنه ثم ضم الاثنين بذراعٍ واحدٍ لعناقه وحينها رفع الغطاء ثم دثرهما ثم مال على ابنه يُلثمه ويمسح فوق ظهره بينما هي فابتسمت له فوجدته يلثم وجنتها هي الأخرى ثم قال بنبرةٍ هادئة:
بكرة ممكن اتأخر شوية بس لما آجي هاخدكم اخرجكم علشان أنا وعدت عمير هنخرجه ونخليه يتفسح شوية، ولا نفسحك أنتِ نفسك؟
ضحكت بملء شدقها ثم عادت تحتضن ابنها وتُشدد ضمتها له بينما فعل عمار المثل وضمهما له يحميهما في كنفه بين ذراعيه من كل شرٍ كأنهما كنزه في تلك الحياة، ضمة قوية كانت هي جل ما صدر منه لهما، فالتفت له ابنه يقول بنبرةٍ مستفسرة:
بابا النهاردة في المدرسة الميس قالت إن المفروض نكون ناس محترمة علشان أهلنا يفرحوا، هو أنتَ وماما فرحانين بيا؟
تدخلت في تلك اللحظة أمه تلثم جبينه ثم قالت بفخرٍ:.
لو مفرحتش بيك أنتَ هفرح بمين يعني؟ هو أنا فيه حاجة مفرحاني غير إني بقيت مامتك؟ حتى لو مش محترم وكنت شقي فأنا هفضل أحبك، علشان أنا حتة مني ومفيش أم بتكره حتة منها، دا أنتَ نور الدنيا كلها ليا أنا وبابا.
ضحك الصغير بسعادةٍ ثم ضمها هو تلك المرة يخبرها بحبه لها وقد ضحك عمار ثم خطفه لعناقه وقال بمزاحٍ:
ما تسيبيهولي بقى شوية بحب حضنه، بعدين دا عدوية قال أدي الواد لأبوه.
تركت الصغير بين ذراعي والده ثم استقرت هي على الطرف تطالعهما وتلك الجملة التي ألقتها على أمها في صغرها ذات يومٍ تتردد على سمعها حينما قالت بجمودٍ وقسوةٍ:
أنا أكيد مش عاوزة بيتي يكون زي البيت دا، عاوزة بيتي يكون أمان وفيه حنية، عاوزة عيالي يكونوا في حضني متطمنين، مفيش حاجة تخليهم يخافوا مني وهما في حضني غير إني فعلًا هكون مستاهلش الدور دا، وآه أنا هنا فضلت أخاف منكم كتير.
تنهدت بثقلٍ ما إن تذكرت حديثها ثم دست نفسها بين ذراعي زوجها وابنها وكأنها تحتمي فيهما من قسوة الذكرى.
في مكانٍ آخرٍ تحديدًا بشقة عامر كان يتحدث في الهاتف مع زميلٍ له بالعمل وقد كان صوته عاليًا بسبب صوت التلفاز المرتفع بجوار ابنه الذي كان يستذكر دروسه وقد عاد عامر يحدجه بنظرات نارية ثم أخفض صوت الموسيقى ووقف يستمع لمن يحدثه وقد كرر الحديث بقوله:.
يعني أنتَ عاوز تكون جنبها زي أبوها وتحسسها إنه مماتش ولا راح؟ قولتلك خليك جنبها ومعاها وخليك مصمم على جوازك منها، هي لما تلاقيك بتحاول علشانها هتحاول مع نفسها علشانك، متقلقش شوف كدا وكلمني.
استمرت المكالمة لعدة دقائق ثم أغلقها فسأله ابنه باهتمامٍ:
هو أنتَ كنت بتكلم مين؟ قولي يمكن أفيدك.
في تلك اللحظة كانت سارة تقوم بضبط الفستان الذي صنعته لابنتها وقد طالعتهما بعينيها فقال عامر بعدما جاورها:.
دا واحد جاي الشغل جديد، زميلنا وبيحب بنت معانا بس هي من ساعة ما أبوها مات، قولتله يقرب منها ويحاول يتقدم رسمي ويثبت نفسه ليها علشان صدمة وفاة أبوها مخلياها متأثرة، هو عاوز ياخد دور أبوها بس مش عارف يعمل كدا إزاي.
وفي تلك اللحظة أتاه الجواب من ابنه بكل بساطةٍ:
طب ماهي بسيطة هو مكبر الموضوع ليه؟
انتبه له عامر وسأله بعينيه عن المقصد فأضاف ابنه:
يتجوز أمها.
في تلك اللحظة انفجرت سارة ضاحكةً وهي تضرب رأسها بكتف زوجها الذي جاهد لكتم ضحكته ثم كور كفيه وقال بضحكةٍ يائسة:
ياض أنا خلاص حطيت صوابعي في الشق منك، يتجوز أمها يا حيوان؟ هو دا اللي ربنا قدرك عليه؟ أخرس يالا خالص.
حرك الآخر كتفيه وهو يسأله باستخفافٍ:
الله مش أنتَ بتقول عاوز يكون مكان أبوها من غير ما تحس هي بكدا؟ وبتقول أبوها مات وهي متأثرة، خلاص أمها أولى.
خطف عامر لعبة قطنية من خلفه ثم رماها على ابنه كتعبيرٍ عن غيظه منه بينما الآخر فكاد أن يقف فوق طاولة السفرة حتى أوقفته أمه بقولها:
ما أنتَ متعود هقول إيه يعني، أنزل ياض وبطل هبل.
عادت لما تفعل في فستان ابنتها التي كانت تقف أمامها بينما عامر فمال عليها يسألها بنبرةٍ ضاحكة:
تخيلي لو كنت من كام سنة حاولت معاكِ وروحت في الآخر اتجوزت أمك؟ تصدقي الواد دا فكرني بالحل دا؟ دماغه حلوة.
حدجته بنظرةٍ حادة ثم حركت رأسها بيأسٍ فوجدته يقول بمزاح:
بس سيبك أنتِ مفيش منك اتنين لا قبلك ولا بعدك.
طالعته بحبٍ ثم شكرته وهي تصب كامل تركيزها مع الفستان وقد أمسكه هو وعاونها فيما تفعل لأجل أميرته الصغيرة التي تشبه زهرة رقيقة بدأت تتفتح في الحقول.
في شقة ياسر كان يجلس مع مفضلته وهي تخبره عن تفاصيل يومها كما تفعل دومًا وهو ينصت لها بكامل تركيزه ووعيه وفي كل مرةٍ ينبهر بالحديث على عكس أمها التي جلست تطالعها بضجرٍ وهي تزبد بنفس الحديث وتكرره وحينها قالت له بتهكمٍ:
تصدق يا ياسر طول ما أنتَ ماشي ورا البت دي عمرك ما هتكسب، هتفضل كدا ورا وهي مأخراك.
طالعها بحاجبٍ مرفوع فأومأت هي تؤكد حديثها ثم أضافت:.
خليك كدا أفضل حب فيها ودلع براحتك وحبها أكتر من الكل.
ضحك رغمًا عنه وهو يضرب كلا كفيه ببعضهما ثم قال ردًا عليها:
طب والله العظيم بحبكم كلكم زي بعض حتى اسألي زينة وهي تقولك، مش أنتِ عارفة يا زينة إن أنا بحبكم كلكم زي بعض وعمري ما فرقت بينكم؟
غمزت له وهي تعضعض شفتها ثم أومأت موافقةً لأمها التي رفعت طرف أنفها وقبل أن تتحرك أتى زين ابنها وجاورها ثم فضمته هي لعناقها تمسح فوق ظهره وهي تغيظ ابنتها التي ضحكت لها وهي تقول:
أنتِ معاكِ النسخة منه، إنما أنا معايا الأصل.
حينها كادت أمها أن تقفز عليها تسرق منها روحها لكن الأخرى ارتمت على والدها تحتضنه وهي تضحك بصوتٍ عالٍ جعل أمها تتضرع لربها أن يطيل عمرها قبل أن تتسبب تلك الفاتنة في موتها بعمرٍ صغيرٍ وتصبح نهايتها على يدها، بينما ياسر فتوسلها بعينيه ثم هدأها بنظراته حتى ابتسمت هي له ثم سحبت نفسًا عميقًا تسكت به نفسها.
الزمان قد يمر ولا يُغيرنا.
الحياة قد تمضي معنا وتقف في المنتصف لدى غيرنا
وهو لا يتغير ولا حتى لطباعه بدل وغير.
استيقظ من غفوته التي أخذها بعد عودته من العمل وقد خرج من غرفته يفرك خصلاته فوجد الشقة أهدأ من المعتاد وزوجته تجلس بمفردها، فجاورها وليد وبحث بعينيه عنهما ثم سألها بتعجبٍ من غيابهما:
هما راحوا فين؟ مش قالوا مفيش دروس النهاردة؟
أومأت له ثم قالت بتفسيرٍ لسبب غيابهما:.
قالوا إنهم رايحين يوصلوا نغم الدرس ويسألوا هناك على مدرس يكون حلو ليهم ياخدوا معاه، فسيبتهم يروحوا يمكن يلاقوا اللي هما عاوزينه، أعملك كوباية قهوة تفوق شوية؟ أنا سيبتك تنام براحتك علشان متصدعش.
ابتسم لها ثم قال بامتنانٍ لاقتراحها عليه:
ياريت تعملي كوباية قهوة فعلا علشان مصدعش، بس إيه الحنية دي؟ أكيد فيه طلب كدا ولا كدا يا عبلة عاوزة إيه؟
كان أعلم الناس بها وأفصحهم لقراءة عينيها، وقد ضحكت هي ثم قالت بترددٍ في مطلبها وهي تشير بإصبعيها:
بص هو طلب صغير، عاوزاك تيجي معايا ننزل نجيب حاجات من تحت ومكسلة أنزل لوحدي، والمصروف كدا هيطير، هتيجي معايا ولا تكسل زي كل مرة وتسيبني لوحدي؟
ضيق جفونه نحوها بريبةٍ وشكٍ ثم تنهد وأومأ موافقًا وأضاف:.
هاجي معاكِ، أكيد مش هسيبك لوحدك دلوقتي، بس أعملي القهوة لحد ما أغير هدومي دي والبس حاجة تانية تليق بيا جنبك يا سوبيا، يلا شوفي شغلك بقى.
تحركت وهي تضحك عليه بينما هو بدل ثيابه في غرفته ثم بحث عن متعلقاته فوجد حافظة نقوده ولم يجد مفاتيحه بجوار هاتفه وقد بحث في كل مكانٍ فلم يجده، وحينها خرج لزوجته يسألها بنبرةٍ جامدة:
هي المفاتيح فين يا عبلة؟ مشوفتيهاش؟
التفتت له توميء نفيًا برأسها وحينها توسعت عيناه حينما أدرك مقصد الفعل وقبل أن يتحدث مجددًا تحدثت هي تسأله بلهفةٍ:
معقول هما اللي خدوها يا وليد ونزلوا؟
فهم أن المقصد يخص أولاده فقال بتأكيدٍ:
أكيد هما محدش غيرهم يعني، عيالك ناويين يموتوني ناقص عمر قبل عمري، قولت مليون مرة العربية متتساقش وهما لوحدهم، لازم أكون معاهم، بس مين يسمع ويفهم؟
في تلك اللحظة ولجا سويًا الشقة وقد التفت هو لهما وبدون حديث اقترب يقف أمامهما حتى قطعا حديثهما ما إن لمحاه في مواجهتهما وقد مد كفه بصمتٍ وبعد مرور ثوانٍ نطق أخيرًا بجمودٍ:
هاتوا المفاتيح واتفضلوا علشان تناموا.
اقترب زياد منه يضع المفاتيح في كفه ثم تحدث أخيرًا بعدما صارع نفسه كي يعتذر من أبيه فاتى حديثه مهزوزًا:
أنا آسف بس كنت محتاجها ضروري.
رمقه بنظرات حادة ثم أولاه ظهره وهتف بنفس الصلدة:.
مش محتاج لأسفك ليا، علشان لو دي خابت مرة هتوجعني أنا العمر كله عليكم، عارف ليهد؟ علشان أنا متأكد أنك وأنتَ راجع سوقت بغباء وبهبل على الطريق ومش هتقدر تكدبني، بس أنا مش هعاتبك ولا هلومك، علشان كلنا كبار بما فيه الكفاية وكل واحد فاهم وعارف هو بيعمل إيه كويس، اتفضلوا علشان المدرسة اللي وراكم بكرة، واللي حصل دا ميتكررش تاني.
شعر كلاهما بالخزي مما فعلا فتحركا نحو الغرفة برأسٍ منكسٍ للأسفل بينما عبلة فتنهدت بقوةٍ حينما مر الموقف وانتهى أخيرًا قبل أن ينفعل زوجها أكثر وقبل أن يفقد كلاهما سيطرته، وقد اقتربت من زوجها تقف بجواره تمسح فوق كتفه وهي تقول:.
علشان خاطري متزعلش نفسك، دول عيالك ودماغهم ناشفة زيك وأنتَ عارف، علشان خاطري عدي الموضوع وحله بالعقل، أنا واثقة فيك إنك مش هتكبر الموضوع، علشان خاطري متزعلنيش ولا تزعلهم، قولت إيه؟
حرك رأسه نحوها ثم تنهد من جديد بعمقٍ وأومأ بقلة حيلة فابتسمت هي من بين عبراتها وقبل أن تتركه وتتحرك أوقفها حينما أمسك كفها ثم أكد عليها بقوله:.
ياريت بلاش تكلمي حد فيهم، سيبك من اللي حصل خالص وأنا هحله بطريقتي معاهم، عارف دماغهم وحافظها، متزعليش أنتِ وتقلقي نفسك ويلا علشان ننزل مع بعض نجيب الحاجة اللي عاوزاها.
أومأت له موافقةً ثم التفتت للخلف فوجدت التوأم يقفا ويستمعا لحديثهما وما إن لمحا التفاتتها نحوهما ركضا نحو الغرفة من جديد، بينما هي ضربت كلا كفيها ببعضهما بيأسٍ ثم ولجت كي تبدل ثيابها وتنزل مع زوجها.
في صبيحة اليوم الموالي منذ باكورة الصباح استيقظ وليد أبكر من موعد نومه ثم تجهز وحضر نفسه وأنهى ما يفعل تزامنًا مع إنهاء ابنيه وقد خرجوا سويًا لصالة الشقة، حينها تمت التحية بفتورٍ واقتضابٍ وردودٍ جامدة خالية من الروح، حتى ألهب المواجهة قول وليد الجامد بلا روح:
يلا معايا علشان هوصلكم أنا.
حينها تبادلت النظرات مع بعضها وقد نزلا معه الاثنان بعدما أومأت لهما عبلة وتوسلتهما بعينيها ألا يفعلا شيئًا يثير استفزازه منذ باكورة الصباح وقد أكدا لها سويًا ذلك، وما أن نزلوا وخرجوا من البيت وقبل أن يفتح أحدهما باب السيارة أمرهما وليد بقوله:
لأ يا سكر منك ليه، أنا هقعد ورا وحد منكم اللي هيسوق، مين فيكم اللي هيعملها؟ أنا بقول أبو قلب جامد اللي عملها إمبارح هو اللي يعملها النهاردة.
حينها تقدم زياد وسحب المفتاح من يد والده ثم طالعه بثقةٍ وفتح السيارة وجاوره توأمه، بينما وليد جلس في الخلف يتابعهما بعينيه ويراقب قيادة ابنه الذي اثبت مهاراته وبجدارةٍ رغم صغر سنه، أيقن حينها هو أن ما فعله في أبيه وأمه يُرد له بعد مرور الأيام، وأد بسمته وضحكته ثم رسم الجمود فوق ملامحه.
أنهى ابنه القيادة أمام المدرسة أخيرًا ثم التفت يطالع والده بنفسها نظرة الثقة التي يمتلكها والده، وحينها ترجلا من السيارة ونزل خلفهما وليد الذي وقف في مواجهتهما وقال بصرامةٍ:.
أنا خليتك تسوق علشان الحاجة اللي تعملها من ورايا أشوفها بعينيا أحسن، صدقني أنتَ وهو، أنا عمري دا كله في كفة، وأنتوا وأمكم عندي في كفة واحدة، مش عاوز الكفة دي تقل في يوم، أنتوا اتنين آه بس واحد، وأنا مش حمل أني في يوم أضيع واحد فيكم مني وأفضل أدور عليه في التاني، أنتوا عارفين إن دا إحساس أنا مش قده صح؟
في تلك اللحظة نظر التوأم لبعضهما ثم ارتميا عليه في عناقه يعتذران منه بينما هو ضحك أخيرًا ثم ضمهما له وربت فوق ظهرهما وقال بنبرةٍ ضاحكة:
تعبتوني يا ولاد الكلب، تعبت منكم ومش قادر أتكلم ما أنا مسبق بكل دا مع اللي خلفوني.
في تلك اللحظة ابتعدا عنه بنفس الضحكة ثم قالا بمزاحٍ له:
أنتَ عملتها قبلنا، وإحنا عملناها أجمد منك ومننا.