قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا غسق الأوس (ليلة دافئة) للكاتبة منال سالم مكتملة الفصل الثاني

نوفيلا غسق الأوس للكاتبة منال سالم مكتملة

نوفيلا غسق الأوس ( ليلة دافئة ) للكاتبة منال سالم الفصل الثاني
( الجزء السادس من ذئاب لا تعرف الحب )

انحرف عن الطريق السريع، بعد قيادة متواصلة، لما يقرب من الساعتين، لينتقل إلى ذاك الآخر الموازي للشاطئ، وهنا تبدلت الملامح المتعبة لأخرى منتبهة، مهتمة بمتابعة المشهد الخلاب. انعكست زرقة الأمواج المتتابعة في حدقتي "تقى"، وزادت من البريق المغري فيهما، بدا الإعجاب واضحًا على تقاسيمها، حين التفتت نحو زوجها تسأله:
-إيه المكان ده؟

أجابها بابتسامةٍ صغيرة:
-عجبك؟
على الفور ردت في حبورٍ شديد:
-ماشاء الله جميل جدًا، بس احنا بنعمل إيه هنا؟
بغموضٍ جاوبها وهو يومئ بإشارة من طرف عينه:
-هتعرفي دلوقتي.

دقائق أخرى، انقضت على كليهما، على نفس الطريق المُمهد حديثًا بالأسفلت، إلى أن أبطأ "أوس" سرعة سيارته ليعرج ناحية إحدى بوابات هذا المنتجع السياحي اللافت للأنظار، والخاطف للأنفاس بتصميمه الخرافي. نظرة خاطفة ألقتها "تقى" على رجال الأمن الذين استقبلوا زوجها باحترامٍ شديد، يليق بشخصه المهيب، حين أخفض الزجاج الملاصق له، لتتضح هويته لهم.

أرشده أحدهم نحو طريق آخر جانبي ليسير عليه، وما هي إلا لحظات حتى توقف كلاهما أمام إحدى الفيلات المنعزلات نسبيًا عن باقي المباني، مع فارق أنها تقع ضمن نطاق المنتجع. أوقف السيارة عند المدخل، ثم أخفض زجاج سيارته مجددًا، ليمد يده نحو إحدى اللوحات المعدنية، أدخل رقمًا سريًا فيه، على إثره فتحت البوابة العملاقة المصنوعة من الحديد والزجاج الداكن.

أعاد قيادة سيارته عابرًا الحدائق الخضراء التي تحاوط بالفيلا، إلى أن استقرت في النهاية عند بوابتها، حينها فقط حلت "تقى" حزام الأمان، وترجلت منها، لتتطلع بعينين مبهورتين للون الأبيض الممتزج بالأزرق، حيث تم طلاء الفيلا بهما، استدارت في حماسٍ نحو زوجها لتجده تقريبًا يقف إلى جواره، بعد أن تخلى عن مكانه، سألته في اهتمام:
-دي بتاعة مين يا "أوس"؟

ظهرت ابتسامة من ذاك النوع الذي لا يقاوم على زاوية فمه، قبل أن يجيبها:
-بتاعتنا..
ثم التف ذراعه نحو خصرها ليضمها إلى صدره، وهو يتابع موضحًا:
-لما نحب نصيف أو نغير جو هنيجي هنا.
رفرفت بعينيها بنفس الانبهار البادي عليها، وسألته بتلهفٍ:
-بجد؟ يعني ده الشاليه بتاعنا؟

هز رأسه بإيماءة خفيفة قبل أن يصحح لها، بنوعٍ من المزاح:
-ممكن نسميها فيلا "الجندي".
أضافت بتنهيدة متشوقة:
-بس هي موقعها ممتاز، دي بتشوف البحر كمان.
شعرت بيده الحنون تداعب تقسيمات جسدها، ضاغطة على ثناياه قليلاً، لتبث فيها وخزات من الحرارة والرغبة، أسبل "أوس" عينيه نحوها، ومنحها نظرة متقدة وهو يرد:
-أنا قاصد تكون كده، وكمان اتأكدت بنفسي من الخصوصية بتاعتنا، عشان محدش يضايقنا.

التفتت ناحيته بكامل جسدها، وتعلقت بذراعيها حول عنقه، ثم بادلته نظرات مليئة بالشغف، لتقترب بعدها برأسها منه، محاولة أن تشب على قدميها لتصل إلى رأسه، أغدقت عليه بقبلة بطيئة حسية، نقلت فيها مشاعرها المتأججة، لتتراجع بعدها هامسة بأنفاسٍ مرتبكة:
-أنا مش عارفة أقولك إيه...

اكتفى بالتحديق في زرقة عينيها المغريتين، بينما أكملت ثنائها على روعة ما تشاهده الآن:
-أنا مبهورة من اللي أنا شيفاه برا.
تجولت يده صعودًا وهبوطًا على ظهرها لتدلكه، لم يحد بنظراته عنها، وهو يتابع بنبرة مشوقة:
-ولسه لما تشوفيها من جوا كمان.

تحمست للغاية لرؤية ما أعده لها من مفاجآت سارة، قادها برفقٍ نحو الداخل، دون أن يتحرر خصرها من ذراعه، فقط قام بتبديل ذراعه حين حركها للجانب، ليتمكن من فتح باب الفيلا. علامات الاندهاش السعيدة غطت ملامحها النضرة وقد رأت ممرًا من بتلات الزهور الحمراء يفترش الأرضية اللامعة –ذات اللون الكريمي- حين وطأت عليها، خفق قلبها في سعادة، استدارت ناظرة إليه، وتساؤلات حائرة تنطلق من نظراتها قبل لسانها:
-إيه ده؟

أدارها ناحيته من جديد لينظر بعمقٍ في عينيها، ثم استطرد يهنئها بحبٍ نابع من أعماق فؤاده:
-كل سنة وإنتي طيبة يا حبيبتي.
تطلعت له في حيرةٍ، فأوضح لها وهو يخرج علبة من القطيفة من جيبه:
-عيد جواز سعيد.
ضحكت في حرجٍ، وعضت على شفتها السفلى، قبل أن تعقب عليه:
-إنت لسه فاكر؟

أغرته بعفويتها، وقاوم على أعصاب متلفة تلبية رغباته بأخذها إلى أحضانه، ريثما يطلعها على ما رتبه من أجلها. فتح العلبة ليخرج سوارًا من الألماس، محفورًا عليه أحرف اسمها، ركز عيناه المتوهجتين بالشوق والرغبة على تفاصيل وجهها، امتدت يده لتلتقط كفها، رفعه إلى فمه ليقبله أولاً، ثم لف السوار حول رسغها، ليتأمل بريقه الوهاج في عينيها المبهورتين.

حرر بيده حجاب رأسها، ليسقطه أرضًا، ثم أحنى رأسه عليها، والتقم شفتيها بخاصته، ليعطيها قبلة حسية، عميقة، قوية، متحكمة، قطع فيها أنفاسها، مع تأثيره الطاغي عليها، وتصاعدت الدماء المخضبة بالأدرينالين إلى مناطق الإدراك في عقلها، لتجعل جسدها يئن بحاجته لما يروي ظمأه. تراجع مسافة ضئيلة للغاية، بالكاد مكنتها من التقاط أنفاسها، وأصابعه تداعب جلد عنقها، ليهمس لها بحرارة لفحت بشرتها الملتهبة:
-"أوس الجندي" مابينساش حاجة.

كلماته المعتدة بنفسه، كانت كنوعٍ آخرٍ من الإغراء المثير، الرغبة في الاستئثار به لوحده، عجزت عن التعبير بالحد الأدني من الكلمات أمام عاطفته الجياشة التي لا تفتر أبدًا، خاصة مع تكرار قبلاته الخبيرة، والتي تعرف كيف تشعل الرغبات في الجسد الكامن، حاولت ضبط أنفاسها المضطربة لتستعيد السيطرة على كيانها المهتز، وشكرته بصوتها اللاهث:
-ربنا يخليك ليا يا حبيبي.

تحركت شفتاه لتلمس جانب عنقها، ثم قضم أذنها وهو يهمس لها:
-ولسه في مفاجأة تانية..
انتصبت في وقفتها، ونظرت له متسائلة:
-تاني؟
عينة صغيرة، لزجاجة عطر، يحوي مادة فريدة من نوعها، تم إصدارها بمواصفات معينة، لأجلها خصيصًا، وضعها في راحتها، وقال لها باقتضابٍ آمر:
-جربيها.

تطلعت لتلك الزجاجة التي تشبه زهرة الزنبق، في تصميمها، حجمها صغير، احتواه كفها، رفعت أنظارها الحيرى إليه، وتساءلت:
-وإيه دي كمان؟
يبدو أن الفضول كان مسيطرًا عليها لتتغاضى عن تجربة العطر، مثل بقية النساء، قبل البدء في إلقاء الأسئلة المحققة معه، تناولها منها، وانتزع الغطاء، ليبدأ في نثر الرائحة النفاذة، والمثيرة في نفس الآن على جانبي عنقها، أغمضت عينيها مستمتعة بتلك الرائحة التي زكمت أنفها، وغزت حواسها، رددت عفويًا باستحسانٍ كبير:
-دي حلوة أوي.

أتاها صوته الهامس العذب في أذنها وهو يقول لها:
-دي معمولة عشانك مخصوص، مافيش منها اتنين.
حركت رأسها بتؤدةٍ لتنظر عن كثب لعينيه المحاصرتين له، وهمست في أنفاس متقطعة:
-عشاني؟
هز رأسه مؤكدًا بصوته الخفيض:
-أيوه، دي هدية نجاحك.

ارتسمت علامات الصدمة والجدية على تعبيراتها حين أخبرته بصيغة متسائلة:
-إيه ده؟ هي النتيجة ظهرت؟
أخفى ابتسامة متسلية وهو يرد نافيًا:
-لأ.
ظلت تعابيرها محتفظة بجديتها وهي تحاصره بأسئلتها المستريبة:
-أومال إنت عرفت إزاي؟
غمز لها قائلاً بنوعٍ من الغرور:
-مافيش حاجة تقف قصادي لو عوزت أعرفها.

ضاقت حدقتاها وهي تحملق فيه بتوجسٍ قلق، فوضع بين شفتيه ابتسامة مطمئنة، ليقول لها بعدها عن ثقة:
-متخافيش، عرفت النتيجة من الكنترول، وكتير ما بيصدقوا يعملوا خدمة ليا.. ما أنا مش أي حد، وماينفعش أستنى زي الباقي.
لكزته في صدره، كنوعٍ من الدلال عليه، ثم هتفت بعبوسٍ زائف تشكل على وجهها:
-إنت مغرور أوي!

شهقة خافتة تحرر من بين شفتيها حين اختفت الأرض من أسفل قدميها، لتجد نفسها بين ذراعي زوجها، اقترب برأسها منها، وقال لها بغطرسةٍ لا يُجيدها غيره، وتلك النظرة العابثة تمسح مفاتن معشوقته:
-أنا "أوس" باشا، مش أي حد.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة