قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا غسق الأوس (ليلة دافئة) للكاتبة منال سالم مكتملة الفصل الثالث

نوفيلا غسق الأوس للكاتبة منال سالم مكتملة

نوفيلا غسق الأوس ( ليلة دافئة ) للكاتبة منال سالم الفصل الثالث
( الجزء السادس من ذئاب لا تعرف الحب )

رفع رأسه عن الماء قبل أن يخفضه مجددًا، وهو يسبح جيئة وذهابًا، على طول المسبح الذي يقبع بداخل الفيلا. كان مصممًا بشكل يتيح للمتواجد به رؤية ما يحدث بالخارج، من خلال الزجاج المعاكس، ودون أن يسمح بحدوث العكس. استند "أوس" على حافة المسبح، منتظرًا بترقبٍ وشوق، حضور زوجته لتشاركه السباحة؛ لكنها استغرقت وقتًا زائدًا عن المعتاد، كاد أن ييأس من مجيئها، لولا أن سمع تلك الخطوات القادمة من على بعد، التفت برأسه نحو الجانب الآخر، ليجدها ترتدي روب الاستحمام القطني، تحكم غلقه على جسدها، فلا يرى سوى القليل من ساقيها، ابتسم في استهجانٍ، وعاتبها بهدوءٍ:
-فينك كل ده؟ أنا قولت هاقضيها لوحدي هنا.

أجابت وهي تقضم شفتها السفلى في ربكة عظيمة:
-عقبال ما كنت بأجهز.
نظر لها بغرابةٍ، فالسباحة لا تحتاج لثياب كثيرة، ومع ذلك لم يمنع نفسه من التعليق، عندما رأها تجلس على المقاعد الجلدية المريحة، والموضوعة أمام المسبح:
-وإيه ده اللي إنت لبساه؟

تلون وجهها بحمرة ساخنة، لا تعرف من أين جاءت لتظهر المزيد من خجلها، وقالت ببحة خفيفة:
-أصلي سقعانة و.. كده يعني.
كانت تخجل من الظهور بثياب السباحة شبه العارية أمام نظراته المتقدة، ما زالت متحفظة، وتنتابها تلك المشاعر المرتبكة، حين يتعلق الأمر برؤيتها مجردة مما يمنحها الحشمة. سَبِح "أوس" في اتجاهها، وقال مشجعًا إياها، لتتخلى عن روبها الأبيض السميك:
-ده الجو حلو جدًا، اقلعيه.

ترددت في الاستجابة له؛ لكنه أنذرها بلهجة لم تبدُ مازحة:
-ولو عايزة مساعدة، فأنا جاهز.
احتجت بخجلٍ أكبر:
-لأ خلاص، أنا هاعرف.

أولته ظهرها، محاولة التحكم في الارتباك الخجل الذي يغزوها الآن، تنفست بعمقٍ، واستلت الحزام الذي يحكم جانبي الروب عنها، أطبقت على جفنيها بقوةٍ، وتخلصت بصعوبة مما يحجب جسدها البض عن عينيه. لفظت "تقى" الهواء المحبوس من صدرها، وببطءٍ استدارت لتنظر إلى وجهه الذي امتلأ بتعابير جائعة، ترغب في ممارسة الحب فورًا معها، هي تعرف تلك النظرات جيدًا، خاصة مع تحديقه البطيء على كل تفصيلة أنثوية تمتلكها؛ وكأنها تحت الفحص، بالرغم من ثوب السباحة الأزرق الذي ارتدته؛ كان عبارة عن قطعة واحدة، مطابقًا للون عينيها، ذي حمالات رفيعة، وفتحة صدرٍ تظهر أكثر مما تخفي، تماثلها أخرى أكثر عمقًا تحتل ظهرها، مما ضاعف من فتنتها المهلكة.

تلوت ساقها على الأخرى في ربكة، وتقدمت بخطوات حذرة نحو المسبح، لتجده يرفع ذراعيه للأعلى لاستقبالها، تجمدت في مكانها، وسألها بعبثٍ:
-إنتي مكسوفة مني؟
لم تجبه، فزاده حماسًا في التودد إليها لجذبها إليه، بلع ريقه بصعوبة، ليبدو متماسكًا أمام كل هذا الإغراء المُدمر، وشجعها من جديد:
-تعالي، ده مش غويط، شوفي أنا واقف فيه عادي.

تأملت استقامته في المسبح، كان الماء يصل إلى ما بعد صدره؛ لكنه حتمًا سيجعلها تقاتل للوقوف على أصابع قدميها قبل أن يخترق فمها أو أنفها، وتجبر على ابتلاعه، وربما يؤدي ذلك لاختناقها. ظهر التردد عليها، واعترفت بقليلٍ من الرهبة، معبرة عن مخاوفها:
-أنا مابعرفش أعوم، وجايز أغرق لو نزلت فيه.

استند "أوس" على كفيه ليدفع جسده خارج المسبح، انساب الماء من عليه ليبلل الأرضية، وتقدم نحوها مؤكدًا لها بنبرته الواثقة:
-وأنا مش عايزك تخافي، أنا موجود عشانك.
أمسك برسغها ليجذبها إليه؛ لكنها قاومته قليلاً، غلف نبرتها التوسل وهي تناديه:
-"أوس".
لم يحتج لكثير من الجهد لسحبها نحوه، قوة لطيفة مكنته من احتوائها في أحضانه، استقرت كلتا يديه على خصرها، ونظر إليها بنظرات ساهمة هامسًا لها:
-بأحبك.

غابت عيناها في نظراته الحنون، وسألته:
-مش هتيجي يوم تزهق مني وتبطل تحبني؟
كركر ضاحكًا في سخرية؛ وكأن مجرد صياغة ذلك السؤال تحديدًا يعد أمرًا مرفوضًا، توقف عن الابتسام ليتعهد لها بما لا يقبل الشك مطلقًا:
-أزهق! استحالة، ولو ده حصل يبقى أكيد مت.
هتفت دون تفكير، واضعة سبابتها على فمه:
-بعد الشر عليك.

سرت في أوصـاله رغبة أخرى تفتك به، تحتاج إليها لإطفاء المشاعر المستعرة بكيانه، قبل إصبعها، وسألها، وهو يجوب بأصابعه على مفاتيح أنوثتها الطاغية:
-مش هتقوليلي بأحبك؟
ذوت بين يديه المداعبتين لمنحنياتها، وهمست له بآنة خافتة:
-أنا بأعشقك، مش بس بأحبك.

كانت مكافأة ما اعترفت به قبلة أخرى استأثرت على مشاعرها غير المنطوقة، ثم أخفض رأسه في منحنى عنقها ليضع بضعة قبلات صغيرة عليه، اشرأبت بعنقها قليلاً لتتيح له المجــال ليتذوق شهدها المغري، واستمتعت بجوارحها بتلك الشرارات اللذيذة التي تتفشى في جسدها، توقف عما يفعل ليقول لها مداعبًا:
-ده مش هيمنعنا ننزل سوا المياه
انتفضت رافضة التجربة، وأصرت على عنادها:
-لأ بلاش.
-"أوس" ما يتقالوش لأ.

قالها زوجها وهو يجرها بقوة خلفه، ليلقي بها في غمضة عين في المياه، دون أن يفلتها ذراعه. كل ما شعرت به بعد ذلك، هو برودة رطبة غزت جسدها، مع انتعاش لطيف جعلها تدرك ما كانت تفوته على نفسها، ضحكت من عبثه الجاد معها، وحاولت مجاراته في السباحة، فخبطت صفحة المياه بذراعيها بشكلٍ أحمق، أدى لنثر المياه بغزارة فوق رأسه، مازحها بضحكٍ متسلي:
-كده إنتي بتعومي؟

هزت رأسها عن اقتناعٍ تام:
-أيوه، ولو سمحت ماتتريقش.
ضحك في بساطةٍ، وهو يرد:
-خدي راحتك.

تراجع للخلف ليترك لها مساحة كبيرة لتعبث المياه، دون أن يقاطعها بأي تعليقات ناصحة، أرادها أن تكون على طبيعتها، تخوض التجربة بتلهفٍ، متخلية عن مخاوف وهمية، لا مكان لها إلا في فضاء خيالها. راقبها باشتهاءٍ وهي تسعى بشكلٍ دؤوب، لإثبات مهارة لا تجيدها، لم تيأس، واستمرت في اجتهادها، وبعد برهة من المحاولات الفاشلة، تخلت "تقى" عن حماسها، وقررت إبقاء جسدها في المياه؛ لكن بحنكته الخبيرة، حوَّل "أوس" اللهو بينهما، إلى حب جــارف، من النوع الحميمي الخالص.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة