نوفيلا سيدرا للكاتبة منال سالم الفصل الثامن
تملكت الدهشة السيدة كوثر بعد معرفتها بمسألة غياب ابنها عن القصر، وحاولت أن تتصل به، أو حتى تتواصل معه، ولكنها فشلت، ولم تعرف له أي طريق، فقد اختفى فجأة، وأصيبت هي بالضيق والانزعاج، وبدأت تصب جام غضبها على جميع من في قصرها، وخاصة المربية سوسن والتي كانت تتجنب الالتقاء بها..
غاب سليم لأسابيع عن القصر، ولم يعد إليه، فقد قرر أن يغادر المدينة ويعود إلى الضيعة التي كان يمقتها في الماضي..
لم يعرف أي أحد بالضيعة عن مجيئه، فقد جعل منزله كالمحبس ولكن بدون حراسة، فقد آبى أن يخرج للنور، أو أن يرى أي أحد..
لقد قضى ليالٍ طويلة وهو جالس بغرفة مكتب والده يُحاسب نفسه بشدة على ما ارتكب، عاجزاً عن النوم، غير قادراً على تناول الطعام، لقد تحول إلى شخص أخر، شخص مهزوم مكسور من داخله، فقد أصبح كل شيء متجسداً أمامه، وبدأ هو في تجميع أطراف الخيوط معاً، وربط أحداث الماضي بآلام الحاضر، وأيقن أنه كان مخطئاً في حق والده، ومجحفاً فيما فعله مع سيدرا، وغافلاً عما فعلته والدته..
ولأول مرة في حياته بكى سليم كما لم يبكْ من قبل، وخاصة حينما وقف أمام باب غرفة الغسيل، فهنا كانت غرفة التعذيب لسيدرا، هنا الغرفة التي اغتال فيها برائتها تحت اسم الزواج، واغتصبها بدون أن تطرف عينيه، أو يرتدع للحظة عما يفعل..
ثم انهار على ركبتيه وهو يجهش بالبكاء، ودفن رأسه بين راحتي يده، نادماً آسفاً على ما اقترفته يداه..
اختفت أثار الكدمات والرضوض من معظم جسد سيدرا، وصارت حالتها الصحية أفضل من ذي قبل، وعلى الرغم من أنها كانت قليلة الكلام إلا أنها كانت تستجيب لحديث المربية سوسن الدافيء معها، فهي تذكرها بوالدتها ريحانة، وجدتها العزيزة مريام، وجدها الغالي حمدان، وأختها الصغرى سيلين، وبضيعتها الجميلة، لقد كانت تجد الحنين إلى الماضي في حديثها الصافي، فتتنهد في تلهف واشتياق..
فكرت المربية سوسن في أن تجعل سيدرا تغادر الغرفة، خاصة وأنها قد بقيت لأسابيع فيها لا ترى حتى أشعة الشمس،
ولكن أثرت هي أن تظل قابعة بها، محتمية بجدرانها، وألا تتركها أبداً ريثما تنتهي المدة المتبقية من عقد الشؤم المسمى بالزواج.
اختنق سليم من وجوده بالضيعة، وحسم أمره بإصلاح كل شيء، حتى يحصل على السلام الذي ينشده، وعلى النوم الذي جفاه، لذا ترك منزله، وركب سيارته – ذات الدفع الرباعي – وقادها بسرعة جنونية نحو المدينة..
وما إن وصل إلى هناك حتى قرر أن يزور والده الذي انقطع عن السؤال عنه لأيام، فتوجه إليه في المشفى الراقد بها بعد أن تدهورت صحته، وجلس إلى جواره على الفراش، ثم أمسك بكف يده، وربت عليه في حنان، ثم رفعه إلى فمه ليقبله، و...
-سليم بنبرة مختنقة: أبي، أنا أفتقد وجودك بشدة، الآن أعلم لماذا تركت أمي، لقد ظلمتك والدي..
ابتلع سليم تلك المرارة الواقفة في حلقه، ثم تابع حديثه الحزين ب...
-سليم بنبرة منكسرة: لقد ظننت أنك على علاقة بفلاحة بغيضة، ولكن أمي، أنا أستحي أن أقول عنها أمي، تلك المرأة خانتك، وتخون زوجها الحالي ولا تهتم، كيف أناديها أمي، وهي لا تستحق هذا اللقب، كيف أبي؟
حرك السيد خالد كف يده بتمهل شديد، والتفت برأسه ناحية ابنه، ورمقه بنظرات أبوية دافئة و..
-خالد بنبرة ضعيفة: ابني، لا تحمل نفسك الذنب، هي الجانية، ولست أنت..
انتبه سليم إلى صوت أبيه، فكفكف دموعه التي كانت متجمعة في مقلتيه، و...
-سليم بنبرة متحمسة: أبي، هل أنت بخير؟ كنت، كنت أظن أنك لا تسمعني
-خالد بخفوت: انا بخير ما دمت أنت بخير
وعلى قدر مسئوليته كوالد، اجتهد السيد خالد في التهوين عن ابنه، وإقناعه بألا يسىء إلا والدته مهما فعلت، وذكره بما فعله هو حينما علم بخيانتها، وكيف تصرف بعقلانية في أمرها، فقط من أجله..
لم يقتنع سليم بكلام والده، فقد كان متساهلاً ومتسامحاً معها، وظن أن هذا ضعف منه، على عكسه تماماً، فقد كان يرغب في دك عنقها، وتعذيبها كما عذبته هي منذ أن علم بحقيقتها..
لقد كان يظنها الأم المثالية، ولكنها كانت الزوجة الخائنة الزانية..
امتص السيد خالد غضب ابنه، وأوصاه ألا يرتكب أي حماقات تجعله يندم لاحقاً عليها، فأطرق سليم رأسه في ذل، و..
-سليم بنبرة حزينة: أبي، لقد ارتكبت جريمة.
-خالد بنبرة متوجسة: ماذا تعني؟
سرد سليم لأبيه خالد عن كل ما مر به وما فعله منذ أسابيع مضت، إلى أن انتهى به الأمر لارتكاب جريمته النكراء مع زوجته سيدرا، فتفاجيء الأخير بما صار، زواج ابنه، ومسألة المقايضة البغيضة التي عقدها من أجل الانتقام من فتاة ما، فوبخه بشدة على ما اقترف، وأخبره أن الجد حمدان قد سدد الدين بإخلاصه له ورعايته لممتلكاته في غيابه لسنون دون أن يأخذ منه أي مقابل...
أخفى سليم عن والده مسألة اغتصابه لزوجته حتى لا يسقط من عيني والده،
لقد شعر بالندم الشديد على ما فعل، فهو قد تصرف برعونة رهيبة دون أن يراعي غيره..
-خالد بنبرة جادة وخافتة: عليك أن تصحح أخطائك، سليم!
تنهد سليم في أسف، فهو يعلم أن ما هو مقبل عليه ليس بالأمر الهين، وخاصة ما يتعلق بسيدرا، ولكنه وعد والده بالالتزام فيما اتفق معه عليه..
اضطر سليم أن يعود إلى القصر ليوفي بعهده الذي قطعه لوالده، في البداية صف سيارته بجوار بوابة القصر، ثم ترجل منها، وبدأ يسير بخطوات متريثة عبر الحديقة الملحقة بالقصر لكي يصل إلى بابه، جاب ببصره المكان، ولكنه تسمر في مكانه حينما رأى طيف سيدرا عبر النافذة الجانبية البعيدة، فخفق قلبه بشدة، وارتعدت فرائصه..
ظن في البداية أنه يتوهم ما يراه، ولكنه تأكد أنه لا يحلم حينما رأها تنفض شعرها المبتل في الهواء وبجوار النافذة، فحدق أكثر بها، ولم يرمش بعينيه..
لم يخطر بباله أنها مازالت متواجدة بالقصر، فقد اعتقد أنها رحلت منذ فترة، ولكن على ما يبدو أن المربية سوسن قد خدعته وكذبت عليه بشأن وجودها..
ثم اختفت سيدرا عن ناظريه، فانقبض قلبه أكثر، واقترب كالمجنون من النافذة التي كانت روحها تطل منها، فوجدها موصدة، والستائر منسدلة من خلفها لتحجب عنه الرؤية بوضوح، ولكنه سمع صوتها يأتي من الداخل ليخترق أذنيه، فتنفس الصعداء، وشعرت بالارتياح..
-سليم لنفسه بنبرة متلهفة: إذن ليس هذا حلماً، إنها حقيقة، فسيدرا موجودة هنا، وإلى جواري، يا الله، كنت أظن أني فقدتها للأبد، ولكنها مازالت هنا..!
عقد سليم العزم على أن يُقابل سيدرا ويصحح أخطائه معها، ولكن بعدما ينتهي من مسألة والدته..
دلف سليم إلى داخل الفيلا، فركضت الخادمة إلى السيدة كوثر لتبلغها بعودته، والتي أسرعت في اتجاهه، واستقبلته بحرارة شديدة، ثم اصطحبته بعد ذلك إلى غرفتها، وجلست إلى جواره على مقعدها الوثير، وبدأت في السؤال عن أحواله، فكان يجيبها بإقتضاب وإيجاز..
لاحظت السيدة كوثر تغير ابنها، فاعتقدت أنه واقع في الغرام مع ابنة رفيقتها، وأن حالته الغير معتادة تلك بسبب العشق والهيام..
تطرق سليم لحديثه الجاد مع والدته، و سألها عن زوجها، فتبدلت ملامح وجهها للضيق و...
-كوثر بإيجاز: مازال لديه بعض العمل الذي لم ينجز بعد
مط سليم شفتيه في عدم اقتناع، ثم..
-سليم بعدم اكتراث: لا يهم، فشأنه لا يعنيني
-كوثر بنبرة معترضة: ولكنه زوجي، وفي مقام والدك وآآآ..
-سليم مقاطعاً بغضب: ليس والدي، فمن فضلك أمي، لا ترددي على مسامعي تلك الترهات، فقد مللت منها
زفرت كوثر في انزعاج لأنها تدرك أن مجادلتها معه لن تأتي بأي نتائج مرجوة، لذا استدارت بظهرها للخلف، ثم سارت في اتجاه خزانة ملابسها، و...
-كوثر بنبرة شبه فرحة: لقد أحضرتك لك هدية سوف تعجبك كثيراً
-سليم وهو يعقد حاجبيه في استغراب، وبنبرة حائرة: هدية ماذا؟
-كوثر مبتسمة في لؤم: إنها هدية ستعجب رفيقتك، لقد أخبرتي اسمها من قبل
ثم صمتت للحظة لتفكر في أمر ما، وبعدها أردفت ب..
-كوثر بنبرة خبيثة، ونظرات متفحصة: أظن أنها ريفان
لوى سليم ثغره في استخفاف، وأشاح بوجهه للناحية الأخرى ولم يعقب، بينما اقتربت هي منه إلى أن وقفت بجواره، ثم تابعت هي ب..
-كوثر بنبرة خافتة أشبه للفحيح: اعلم أنك تقضي معظم وقتك معها، وأنها تعجبك، لذا فكرت في أن أقرب بينكما، فأنا أطمع في أن أراك بجوار من تحب
ابتسم سليم في سخرية، ثم أدار وجهه في اتجاه والدته، ورمقها بنظرات حادة ومتفرسة و...
-سليم بجدية: أمي، كفاكِ عبثاً معي، فأنا أعلم أنها ابنة صديقتك، وتريديني أن أتزوجها فقط لأنكِ وعدتي أمها بهذا، لكني أحب أن أفسد خططك، فأنا لن أتزوجها، سواء هي أو غيرها...!
-كوثر بنظرات متسعة من الصدمة، وبنبرة مشدوهة: ماذا تقول؟
-سليم بنبرة أكثر جدية: أقول لكِ أني لن أتزوج ابنة صديقتك، فأنا قد تزوجت..
اتسعت مقلتي عينيها في ذهول تام، وفغرت شفتيها في اندهاش، وارتسمت علامات الدهشة الممزوجة بالصدمة على كل قسمات وجهها، ثم مدت كلتا يديها لتمسك بسليم من ذراعيه، و...
-كوثر بنبرة مصدومة للغاية: هاه، تزوجت! أنت تمزح، صح؟ أجبني سليم؟
رمقها هو بنظرات ثابتة، ولم تطرف عيناه، فأيقنت السيدة كوثر أن ما يقوله ليس بمزاحٍ على الإطلاق، و...
-كوثر بنبرة شبه غاضبة، ونظرات مشدوهة: كيف حدث هذا، ومتى؟
أزاح سليم يدي والدته عن ذراعيه، ثم سار مبتعداً عنها، وجهه مليء بالضيق و...
-سليم بنبرة ممتعضة: إنه لا يخصك كوثر هانم، فهذه حياتي أفعل بها ما شئت مثلما تفعلين أنتِ بدون أن يحاسبك أي أحد.
-كوثر بضيق واضح: لماذا تفعل بي هذا سليم؟ أنا أمك ولستُ عدوتك! أنا أهتم حقاً لأمرك
-سليم بنبرة حانقة تحمل نوعاً من التهكم: أعلم أنكِ أمي الغالية، ولكنك تركتيني من أجل غيري مرة، وتعاودين تكرار هذا الآن، فأردت أن أريحك كلياً من همي..!
-كوثر بنبرة ضائقة: أنت مخطيء.
ترك سليم والدته دون أن يكترث بحديثها الذي لم تنهيه بعد، ولم يعبىء بصراخها المتواصل له لكي يتوقف وينظر لها، ثم صفع الباب خلفه، ونزل على الدرج مسرعاً ليركض خارج القصر، ويتجه إلى سيارته التي ركبها وانطلق بها مبتعداً عن هذا المكان الذي يخنقه..
قاربت عقارب الساعة الثانية بعد منتصف الليل، وسيدرا مازلت نائمة تغط في نوم عميق، بينما غفت على مقعدها المربية سوسن ويدها ممسكة بقطعة القماش المطرزة، ثم بدأت سيدرا تتململ في الفراش وهي تتأوه من الآلم، فانتبهت لها المربية سوسن، واستيقظت من غفلتها، واعتدلت في جلستها، ثم مالت عليها بجسدها التعب، ووضع راحة يدها على جبينها لتتفقد حرارتها، ثم تنهدت في ارتياح حينما وجدت حرارتها طبيعية، وأنها إلى حد ما بخير، واطمأنت حينما رأت جسدها قد سكن، وأرتخت عضلات وجهها المنقبضة، فأدركت أن تأوهاتها تلك نتيجة كابوس ما تراه في أحلامها...
ظلت سيدرا مغمضة لعينيها، ولكن كانت روحها تتألم رغم شفاء غالبية الكدمات التي كانت منتشرة في كل أنحاء جسدها، لقد ترك سليم جروحاً غائرة في روحها قبل جسدها، وتركها حُطام امرأة..
همست المربية سوسن في أذن سيدرا بكلمات حانية لتهديء من روعها، وتهون عليها قليلاً حينما وجدتها ترتعش في الفراش، فقد كانت سيدرا تحلم بكابوس بغيض، فظلت تهذيء في نومها، فأفاقتها المربية بهدوء، ومسدت على شعرها مجدداً بعذوبة، ثم همست في أذنها بخفوت، فهي تدرك أن للكلام الطيب الأثر الإيجابي على النفس المغلوبة على أمرها..
-سوسن بنبرة دافئة، ونظرات صافية: سيكون كل شيء على ما يرام بُنيتي، أنا هنا إلى جوارك.
-سيدرا بصوت ضعيف وباكي: كيف سيكون وقد ذبحني ببرود مغتصب لا قلب له، وأنا التي ظنت أنه أحبني يوماً، وهو لم يرغب سوى بقتلي حية..!
-سوسن بنبرة آسفة وهي تقاوم عبراتها: حبيبتي، لقد شاء القدر أن تمري بتلك التجربة، وقريباً سينتهي كل شيء، وسيخرج هو من حياتك للأبد، وستعودين كما كنتِ
-سيدرا ودموعها قد أغرقت وسادتها، وبنبرة مختنقة: لن أعود كما كنت، فأنا قد مت..!
ثم سمعت كلتاهما صوت طرقات على باب الغرفة الموصد، ففتحت سيدرا عينيها في فزع، بينما نهضت المربية سوسن عن مقعدها، وسارت بخطوات متثاقلة نحو باب الغرفة لترى من الطارق..
وما إن فتحت الباب حتى وجدت سليم واقفاً أمامها، وعلى غير عادته، لقد احتسى الخمر فبدى مترنحاً غائباً عن وعيه، و...
-سليم بصوت ثقيل وهو يحاول الدخول للغرفة: أريد أن أراها.
دفعته المربية سوسن بيدها المجعدة للخلف، ثم انطلقت هي الأخرى خارج الغرفة ووقفت أمام الباب لتسده بجسدها، ثم لوت ذراعها الأخر خلف ظهرها لتمسك بمقبض الباب وتوصده، و...
-سوسن بخفوت، ونظرات متوجسة: سيدي، من فضلك، ما تفعله الآن لا يليق بك
-سليم بنبرة متحشرجة: لا شأن لكِ بما يليق بي، أنا أريد أن أراها، وهذا حقي
-سوسن بنبرة ممتعضة، ونظرات حانقة: ألا يكفيك ما فعلته بها، هل تريد أن تكمل ما بدأت؟
-سليم بنبرة متشنجة، وثقيلة: أنا، أنا لم أقصد أن أؤذيها، ولكنها تدفعني للجنون
-سوسن بجدية تحمل التهكم: كنت أظن أنك عاقل بدرجة كافية حتى لا تسمح لنفسك بأن تتطاول على امرأة مهما كانت..!
أطرق سليم رأسه في خزي، فهي كانت على حق، وحاول أن يثبت جسده المهتز، ولكنه كان يترنح نتيجة تأثير الخمر عليه، ثم جثى فجأة على كلا ركبتيه أمام مربيته و...
-سليم بصوت مختنق: أنا لا أعلم ما الذي أصابني، ولكني أسف، اسف على ما فعلت بها، ضميري يؤلمني كثيراً..
ثم رفع كلتا يديه أمام عينيه، ونظر إلى كلتاهما بنظرات نادمة و...
-سليم بنبرة أكثر اختناقاً: حقاً أنا نادم على ما فعلت، هلا طلبتي منها أن تغفر لي؟
أشاحت المربية سوسن بوجهها بعيداً عنه بعد أن رمقته بنظرات احتقارية و...
-سوسن بنبرة استنكار: لا أستطيع أن أطلب منها هذا، فأنت من أجرم بحقها، وهي لن تعطيك الغفران أبداً، فأرجوك إنصرف..
ثم تركته المربية سوسن على حالته تلك، وانصرفت من أمامه دون أن تستجيب لتوسلاته ولا لرجائه، ودلفت إلى داخل الغرفة، ومن ثم أغلقت الباب في وجهه، واستدارت بجسدها لتجد سيدرا منكمشة على نفسها، ومثنية لكلتا ساقيها أمام صدرها وهي تعقد ذراعيها أمامهما وفي حالة خوف شديدة و...
-سيدرا بنبرة مرتعدة، ونظرات خائفة: أرجوكِ لا تجعليه يقترب مني، فأنا، فأنا أخافه بشدة..
ثم استمعت كلتاهما إلى صوته يخترق الباب الموصد ب...
-سليم بنبرة ثقيلة وهادرة: أحبك سيدرا، احبك، ولن أتركك أبداً...!
ارتجفت سيدرا أكثر بعد سماعها لعبارته الخيرة واعترافه بحبه لها، وقبضت على ساقيها أكثر، في حين اقتربت منها المربية سوسن، وجلست إلى جوارها على الفراش، ثم مدت كلتا ذراعيها حولها لتحاوطها بحنو شديدة ومحاولة بث الطمأنينة إليها و..
-سوسن بنبرة صافية: اهدئي بنيتي، فأنا سأحميكي منه..!
-سيدرا بنبرة مذعورة، ونظرات متوسلة: لا أريد أن أراه، أنا أبغضه كثيراً، لا أريد أن أخرج من هنا إلا حينما أعود لأهلي، لا أريد أي شيء سوى الرحيل عن هنا، أرجوكِ خالتي، قفي بجانبي!
ثم أسندت رأسها على صدر المربية سوسن، وبدأت تبكي مرة أخرى مسترجعة ذكرياتها المريرة معه، فربتت سوسن على ظهرها، ومسدت على شعرها، وقبلتها من وجنتها، ثم نظرت أمامها بثبات و...
-سوسن متابعة بهدوء: أعدك ابنتي ألا أترككِ أبداً إلا حينما أعيدك لأهلك، فأنتِ ابنتي التي لم ألدها، فرفقاً بقلبك حبيبتي، فأنا لا أتحمل دموعك تلك، وأعدك أنه لن يلمسك مجدداً حتى لو اقتضى الأمر الوقوف بوجهه...