نوفيلا انتقام عاشق للكاتبة شاهندة الفصل الثالث
لم تعرف ياسمين كيف تصف شعورها وهي تحدق بتلك العينين الرماديتين التي تطالعانها ببرود، هل هو الخوف، كلا انه الذعر المطلق، ظلت تحدق به حتى قال هو ببرودة الصقيع:
هنفضل واقفين كدة كتير؟
ترددت ثم تنحت جانبا رغما عنها، وأشارت له بالدخول وهي تتمنى أن يكون كل ذلك، كابوسا ستصحو منه قريبا، تخطاها دالفا الى المنزل يلقى عليه نظرة عابرة ثم يلتفت اليها يتأملها من جديد ببرود، تمر عيناه على كل ملامح وجهها وجسدها يتساءل داخله في حيرة عن سر شحوبها وهزالها، أتراها مريضة؟نفض أفكاره المهتمة بأحوالها لتقسو ملامحه، وهو ينظر اليها، بينما عضت ياسمين على شفتيها ليبتسم عادل بداخله وهو يدرك توترها وقلقها وربما خوفها الذين لطالما عبرت عنهم بتلك الحركة ليأخذ هو وقتها شفتيها بين شفتيه يطمأنها بالقبلات الرقيقة الناعمة، ويزيل عنها كل مشاعرها المضطربة الوجلة، تلك القبلات التي تجعلها متأكدة من عشقه لها ورغبته الدائمة بها، تركزت عيناه في تلك اللحظة على شفتيها لتغيم عينيه وهو يتذكر تلك القبلات، ليفيق من أفكاره التي زايدت من نبضات قلبه على صوتها المرتبك المرتجف وكأنها تذكرت بدورها تلك القبلات وهي تقول:.
انت عرفت مكانى ازاى؟
ضاقت عيناه وتبدلت ملامحه لينظر مباشرة الى عينيها قائلا في برود:
كنت هعرف مكانك ياياسمين ولو كنتى مستخبية تحت الأرض، الموضوع أخد وقت مش اكتر، انتى كنتى فاكرة انى مش هقدر ألاقيكى، يااه، أد كدة معرفتنيش؟
نظرت الى عمق عينيه قائلة بمرارة:
محدش فينا لحق يعرف التانى ياعادل، كان كل اللى بينا اعجاب او رغبة...
صمتت وهي ترى ملامحه تتحول الى الغضب وهو يقطع المسافة التي تفصل بينهما في خطوتين ويمسكها من ذراعها بقسوة قائلا:
ده كان كل اللى بينا، انتى مصدقة كلامك ده؟ولا بتحاولى تخلينى أصدقه؟
أطرقت برأسها تخفى الم قلبها الذي ظهر على ملامحها من ذلك الشوق اليه والذي اجتاحها لقربه منها لتلك الدرجة، تود لو تغاضت عن الم خيانته وألقت نفسها الآن بين ذراعيه، ولكن هيهات الألم أكبر من النسيان، لذا قالت بحزن:.
أيوة مصدقة وميهمنيش تكون انت مصدق أو مش مصدق.
سمعت صوته يقول باختلاجة تدركها تماما:
بصيلى ياياسمين.
لم تستطع أن ترفع وجهها في تلك اللحظة وتقابل عينيها عينيه بالتأكيد ستضعف، ثم تذكرت طفلهما والخطر الذي سيحيط بها ان أدرك عادل وجوده لينتابها الفزع وهي تحمد ربها انه نائما والا لانكشف امرهما على للفور لذا تنهدت وهي تمسك يده تبعدها عن ذراعها قائلة وهي تنظر الى عينيه:.
امشى ياعادل، ارجع لحياتك وسيبنى أعيش حياتى، من فضلك امشى.
زفر في قوة وهو يقول بغضب:
لأ مش همشى، مش همشى قبل ما اعرف سيبتينى ليه؟أد كدة اللى بينا كان رخيص عندك؟
كادت ان تجيبه لولا ان تناهى الى مسامعهما صوت بكاء طفل لترتسم ملامح الصدمة على وجه عادل يقابلها ملامح رعب شديدة على ملامح ياسمين، ثم تحولت ملامح الصدمة على وجه عادل الى الغضب فهدر قائلا بقوة:.
عشان كدة سيبتينى وهربتى، عشان واحد تانى ياياسمين وخلفتى منه كمان.
أمسك كتفيها يهزهما في غضب قائلا:
انطقى، قوليلى مين الكلب اللى هربتى معاه وسيبتينى.
أحست بالدوار فقالت بضعف:
سيبنى ياعادل.
اقترب من وجهها قائلا بنبرات صارمة:
لأ مش هسيبك لغاية ما تقوليلى الطفل ده يبقى ابن مين.
رفعت صوتها ووجدت عزيمتها وهي تنفض يديه عنها مع ارتفاع صوت بكاء عمر قائلة:
ابنى بيعيط، مش سامع؟لازم اروحله.
ثم أسرعت الى حجرة عمر يتبعها عادل وما ان دلفت للداخل حتى اسرعت الى مهده تأخذه منه بحنان وتربت على ظهره قائلة:
متعيطش ياحبييى، أنا هنا جنبك.
شعرت ياسمين بعادل يقف الى جوارها فالتفتت اليه لتراه يتطلع الى الطفل بصدمة، كانت تعلم أنه من اللحظة التي سيرى فيها عادل عمر سيدرك انه طفله فهو نسخة مصغرة من عادل يحمل نفس لون العينين والشعر والبشرة، أغمضت عينيها في الم، تدرك أن كل شئ قد تم كشفه وأن ايام راحتها انتهت، فتحت عينيها بقوة على صوت عادل الغاضب وهو يقول:
انتى ازاى متقوليليش حاجة زى دى؟ازاى متقوليش ان لية ابن من لحمى ودمى؟
القت نظرة على طفلها وأشارت له بالصمت وهي تشير بعينيها الى طفلها الذي عاد للنوم مجددا لتضعه في المهد بحذر، ثم اشارت لعادل ذو الملامح القاتمة من الغضب أن يتبعها، نظر عادل الى الطفل النائم كالملاك نظرة أخيرة قبل أن يتبعها وهو يشعر أنه على وشك قتلها لاخفائها عنه طفله كل تلك الفترة.
ما ان اصبحا بالخارج حتى جذبها من ذراعها قائلا في قسوة:.
ازاى تدارى علية ان لية ابن، دى الحاجة اللى كنت بحلم بيها ليل ونهار، اللى كنت مش عايز من الدنيا غيرها، أد كدة قلبك قاسى، الظاهر انى معرفتكيش بجد.
أحست ياسمين بالذنب وهي ترى المرارة التي تنطق بها كلماته لتنفض هذا الشعور على الفور وهي تنفض يده عنها قائلة بغضب:
اوعى تحسسنى بالذنب، اللى حصل انت كنت السبب فيه، انت اللى دمرتنى ودمرت حياتى
قال بصوت غاضب:.
أنا اللى دمرت حياتك؟، ليه انا اللى سيبتك بعد شهرين من الجواز وخليت الجرايد كلها تتكلم عن العروسة اللى هربت من جوزها وياترى هربت ليه، انا اللى داريت عنك ان ليكى طفل من دمك؟، ايه الجبروت اللى انتى فيه ده؟تعرفى انا نفسى في ايه دلوقتى، أحط ايدى حوالين رقابتك ومسبكيش غير وروحك طالعة منك، بس للأسف قلبى مش بقسوتك ياياسمين، ولا يمكن هكون زيك.
انتابها الغضب لتندفع بيدها تضربه في صدره قائلة في مرارة:.
فعلا انت مش زيي ولا يمكن تكون زيي، لإنى عمرى ما خنت عهودنا الزوجية زي ما انت خنتها.
أمسك يدها بقوة وضاقت عيناه وهو يقول:
قصدك ايه؟
تراجعت للخلف خطوة وهي تبعد يدها عن يده، ادركت في وجل انها كانت ستفصح عما سمعته، وسيبرر لها، لينتهى بها الأمر معه مرة أخرى، لتتعذب من جديد، لتقول في حزن:
انا مش هتكلم عن الماضى، ياريت ياعادل تسيبنى في حالى وتمشى، انا بجد تعبانة وعايزة أرتاح.
نظر عادل الى ملامحها الشاحبة، وتذكر كلماتها منذ قليل ليدرك ان هناك امرا تخفيه عنه ياسمين ولا تريد الافصاح عنه، تساءل في حيرة أتراه ظلمها؟، هل هي مريضة بمرض ميئوس منه لذلك ابتعدت عنه وتتعلل بتلك الكلمات الواهية عن خيانة العهود ام ان هناك لغزا تحمله في قلبها وترفض أن تكشف الستار عنه، ام انها هجرته وتتوارى خلف الأعذار، حقا لم يعد يعرف شيئا، لقد جاء الى هنا بيقين انها لا تستحق منه سوى أن يعرف سبب هجرانها ثم ينتقم منها وفي النهاية يطلقها ويبتعد عنها للأبد اما الآن فألغاز تلك المرأة تجبره على أن يصل للحقيقة اولا، فان كانت مظلومة فستعيد الى قلبه نبضاته أما ان كانت غير مظلومة فسينتقم منها شر انتقام،.
لذا قال في هدوء:
بصى ياياسمين، لو فاكرة انى ممكن امشى واسيب ابنى لحظة واحدة معاكى تبقى غلطانة، انا هاخد ابنى لبيتى، ابنى اللى حرمتينى اشوفه في شهوره الاولى وكنتى ناوية تحرمينى منه علطول، وعشان انا فعلا مش شبهك، هعرض عليكى تكونى معاه لكن لو مش عايزة فانتى حرة، اكيد مش هنحتاجك.
نظرت اليه برعب قائلة:
انت متقدرش تاخده منى، متقدرش.
ابتسم بسخرية قائلا:.
لأ أقدر، قلتلك انتى لسة متعرفنيش، لو حابة تيجى ويبقالك دور في حياة ابنك فانا معنديش مانع، ومتفكريش ان هيبقالك دور في حياتى انا كمان، لأ، انتى انتهيتى من حياتى يا ياسمين للأبد، قرارك وبسرعة لانى مستعجل ومفيش ادامك وقت.
نظرت شهد لوجهها في المرآه وهي لا تكاد ترى ملامحها فقد غامت عيناها بالدموع وهي تتذكر مواجهتها مع والدها الذي أكد لها كلام فارس وكاد ينهار أمامها من الألم والخجل وهو يواجهها بهذا الاعتراف، تركته شهد متألمة ضائعة واتجهت لغرفتها وظلت جالسة أمام مرآتها منذ ساعات وهي لا ترى اى شئ سوى مستقبل مظلم لها تحددت معالمه، خسرت حقها في الزواج برجل يحبها وتبادله مشاعره وخسرت حقها في السعادة ولم يعد امامها اى خيار. سوى الزواج برجل تكرهه لاجبارها على الزواج منه، ولكن هل هي حقا تكرهه؟مشاعرها تجاهه متناقضة فهى كانت تشعر بالانجذاب نحوه قبل ان يهددها ويبتزها ليجبرها على الزواج منه، أصبح اعجابها به يحمل غضبا من ابتزازه لها ومن تصريحه عن عدم اعجابه بها رغم جمالها بذلك الشعر البنى الناعم المسترسل حول وجه جميل بعينين زرقاوتين في لون صفاء السماء الزرقاء وبشرة بيضاء ناعمة، وقوام رشيق فلماذا يبدى نحوها كل ذلك النفور وفي نفس الوقت مصمم على الزواج منها، هزت رأسها في يأس فما من داعى لتلك الأسئلة وهي مضطرة لمنحه ماأراد، بحثت عن رقمه الى تركه لها في الكارت الخاص به والذي كادت ان تمزقه غضبا ولكنها لم تفعل، ثم اتصلت بالرقم فجاءها صوته الساخر يقول:.
ألو؟
فنظرت الى وجهها المتغضن بالدموع ومسحت دموعها في قوة وهي تقول بمرارة:
انت فزت، تقدر تحدد ميعاد الفرح.
قالت شهد باستنكار:
وهترجعيله؟
هزت ياسمين كتفيها وهي تعدل من وضع هاتفها مابين أذنها وكتفها تضع ملابس طفلها بعناية في الحقيبة قائلة:
مضطرة ياشهد، هياخد ابنى منى، ده مسابوش ولا لحظة من ساعة ما جه، قاعد معاه في اوضته، ومصمم ياخده معاه، ويا اروح معاهم ياانسى ابنى، وانا مقدرش ابعد عنه ياشهد.
قالت شهد بحزن:
ومتقدريش تبقى قريبة من عادل برده، كدة هتبقى قريبة من النار ياياسمين وانا خايفة تحرقك.
قالت ياسمين بحزن:
خلاص ياشهد مبقاش فيه فايدة، انا وانتى انكتب علينا نضحى عشان اللى بنحبهم، حتى لو ده معناه اننا نتحرق بالنار.
ثم تنهدت قائلة:
كان نفسى احضر فرحك بس زى ما انتى عارفة هسافر النهاردة.
تنهدت شهد بدورها قائلة:
ولا يهمك، انا كدة كدة هعمل حاجة ع الضيق، حتى هديل ونجاح مش هييجوا، اهم حاجة تاخدى بالك من نفسك وطمنينى عليكى
قالت ياسمين:.
حاضر ياشهد، انتى كمان خدى بالك من نفسك وطمنينى عليكى، سلام دلوقت.
واغلقت الهاتف في نفس اللحظة التي اغلقت فيها حقيبتها لتعتدل وهي تزفر بقوة تأخذ نفسا عميقا قبل ان تتجه الى حجرة عمر لتخبر عادل انها جاهزة للرحيل، على الرغم ما انها ليست جاهزة على الاطلاق.