رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل الثاني عشر
ريتال مكنتش محتاجة تسمع يا زينة ريتال عارفة كل حاجة، صدرت هذه الجملة من والد ريتال الذي وقف مستندًا على باب الحجرة، عقدت والدتها حاجبيها وهي تبتعد عن ابنتها قليلًا حتى تستطيع النظر إليها بوضوح أكثر وهي تسألها مستنكرة:
الكلام ده بجد يا ريتال؟
هربت الكلمات من فم ريتال وشعرت بثقل في لسانها حتى باتت غير قادرة على الإجابة ولكن لحسن الحظ أن صالح جاء في اللحظة المناسب حيث قام بدفع عمه بخفة حتى يستطيع أن يدلف إلى الحجرة بينما يقول الآتي:
أنا اللي طلبت منها متقولش حاجة يا طنط.
أنتَ يا صالح؟ أنتَ كمان كنت عارف وخبيت عني! أنا مش قادرة افهم بجد حاسه إن دماغي وقفت، يعني الكل عارف ما عدا أنا؟ مع إني أنا الوحيدة اللي من حقها تعرف أصلًا!
طنط الكلام مش مناسب هنا ومتنسيش إن ريتال لسه تعبانة، نكمل كلام في البيت بعد إذنك. نظرت
نحوه ريتال بإمتنان شديد فلم تكن تملك ما يكفي من الطاقة لتبرير موقفها أو الدفاع عن نفسها.
في غضون دقائق من تلك الجملة كانت ريتال تجلس داخل سيارة والدها تراقب الطريق في صمت، لم تكن المستشفى بعيدة عن المنزل لسوء الحظ لذا لم يكن في استطاعتها إراحة رأسها لبعض الوقت فبمجرد أن دلفت إلى الداخل استقبلتها عمتها بثرثرتها المعتادة بالإضافة إلى بعض الجمل الغاضبة من جدتها والتي لم تكن سوى تعبيرًا عن الخوف عليها.
أنا خلاص بقيت كويسة، عايزة بس اطلع أنام. تمتمت ريتال بضعف لتومئ والدتها وتصطحبها إلى الأعلى وقد كان برفقتهم صالح الذي يحمل حقيبة زينة والمفتاح خاصتها.
هطلعهم يا ماما وهنزل بسرعة.
لا يا عبدالرحمن خليك أنتَ، صالح معاهم هيطمن عليهم وهينزل على طول أدخل جوا أنا عايزاك في كلمتين. أصدرت بثينة الأمر بنبرة جافة لم يعتدها عبدالرحمن من والدته، عقد حاجبيه بقليل من الضيق الممتزج بالتوتر قبل أن يومئ إليها ب حسنًا ويتبعها نحو الداخل.
الكلام اللي سمعته ده صحيح؟
كلام أيه يا أمي؟ مش فاهم،
متستعبطش عليا يا عبدالرحمن! أنتَ فعلًا متجوز على زينة ومخلف من مراتك التانية؟ سألته والدته بقليل من العنف ولكن في الوقت ذاته حافظت على نبرة صوتها الهادئة.
لم يجد عبدالرحمن الكلمات المناسبة ونظرات والدته الثاقبة جعلته يفقد القدرة على التحدث لذا أخذ ينظر بعيناه نحو شقيقته وشقيقه كي ينقذوه كما أعتاد أن يفعل في صغره حينما يُخطئ، عبدالرحمن يُخطئ لكنه الأخ الأصغر لذى يجد أخوته يدافعون عنه ويحمونه من العقاب لكنه لم يكن يعلم أن محاولته للإفلات من التوبيخ والعقاب لن تفلح هذه المرة
وفيها أيه لما يتجوز يعني يا ماما؟ ماهو حقه ولا أنتَ رأيك أيه يا أحمد؟
أيوا طبعًا حقه وبصراحة بقى مراته وبنته دول غاويين نكد والراجل قاعد لواحده في الغربة يعمل أيه يعني؟ تمتمت أحمد بنفاذ صبر فهو أصبح لا يطيق التحدث عن زوجة أخيه أو رؤيتها خاصة بعد دفاعها عن صالح عدة مرات في الأونة الأخيرة.
اخرسوا أنتوا الإتنين محدش يفتح بوقه من غير إذني ولو مش عاجبكوا قوموا وسيبوني أنا وابني لوحدنا. صاحت بثينة موبخة ابنها وابنتها ليسود الصمت في المكان لثوانٍ قبل أن تقطعه بثينة وهي تتحدث بنبرة حادة لا تخلو من خيبة الأمل:
أنا عايزة أعرف منك كل حاجة يا عبدالرحمن، كل حاجة حصلت بالتفصيل في الخمس سنين اللي فاتوا من أول مرة سافرت فيها لحد النهاردة.
في تلك الأثناء كان صالح يساعد زوجة عمه في فتح الباب ووضع أغراضهم والإطمئنان على أحوال ريتال الآن بعد أن تأكد أن كل شيء على ما يرام اتجه نحو الخارج ولكن قبل أن يتجه إلى الأسفل طلب من زينة أن تأتي إلى الخارج لكي يتحدث إليها قليلًا.
طنط صدقيني ريتال ملهاش أي ذنب، هي من وقت ما عرفت وهي حالتها النفسية متدمرة، هي أصلًا عرفت بالصدفة وكانت هتقولك بس أنا اللي قولتلها بلاش.
كانت تستمع إليه بإستياء واضح فهي لا ترى أنه من حق أي شخص إخفاء معلومات هامة كتلك عنها خاصة وأنها طرفًا أساسي في الأمر، أطلقت تنهيدة كبيرة قبل أن تسأله بضيق:
ليه يا صالح؟
علشان مشاكل الكبار دي هي ملهاش أي ذنب فيها ومش من المفترض إن ريتال اللي تقولك حاجة زي دي هو اللي المفروض يواجه ويقولك.
طبعًا ما أنتَ لازم تلاقي حجة تدافع عنها بيها ما هي أختك. أردفت زينة وهي تعقد ذراعيها بعلامة إكس دلالة على عدم الرضا والإعتراض، بمجرد أن أنهت جملتها عقب صالح على الفور مدافعًا عن ريتال قائلًا الآتي: لا يا طنط ريتال مش بس أختي ريتال أكتر من كده بكتير ويكون في علمك هي اللي ضغطت على عمو عبدالرحمن وأجبرته يرجع ويقولك يعني من غيرها عمرك ما كنتِ هتعرفي الحقيقة، عن إذنك.
أردف بنبرة جادة وفي الوقت ذاته مليئة بالمشاعر جعلت المستمعة تشعر بالذنب جهة ابنتها الوحيدة، ازداد حنقها نحو زوجها فهو لم يكتفِ بجرح مشاعرها فقط بل يحاول أن يحمل ريتال الذنب ليشغل زينة عنه لبعض الوقت، وبمعنى آخر نظام قلب الترابيزة.
أغلقت زينة الباب وألتفتتت لتتجه نحو الداخل وهي تأخذ تنهيدة كبيرة لكنها فوجئت بريتال تقف أمامها مباشرة، توقف الزمن لبرهة أثناء نظر ريتال إلى أعين والدتها...
لم تكن نظرة عادية بل نظرة تحوي بداخلها آلاف الكلمات، تبادلت فيها ريتال الآلم، الإنكسار، والخذلان مع والدتها، استطاعت تلك النظرات أن توحد بين مشاعرهن دون الحاجة إلى التفوه بحرفٍ واحد وفي النهاية هرولت زينة نحو ابنتها لتضمها في عناق قوي بينما أطلقن العنان لدموعهن وشهقاتهن لتُرج أركان المنزل.
خيم الصمت على المكان لبعض الوقت بعد إنقطاع صوت نحيبهم مما سمح لصوت شجار جدتها ووالدها بالوصول إليهم بالأعلى، حاولت ريتال تمالك أعصابها قدر الإمكان وهي تستمع إلى حديث والدها المستفز.
لا أنا مش هقدر اسكت أكتر من كده.
ريتال تعالي هنا! صاحت زينة وهي تحاول إيقاف ابنتها لكن ريتال تجاهلت نداء والدتها واتجهت نحو الأسفل في حين استغرقت زينة بعض الوقت في البحث عن وشاح لتُغطي به رأسها وتلحق بها.
أنت مستحيل تكون ابني! أنا ابني مش ظالم يا عبدالرحمن. كانت تتحدث بثينة.
بس هو معملش حاجة غلط يا ماما.
أخرسي أنتِ يا غادة، يا عبدالرحمن يا ابني أنتَ عارف إني ولا بكدب ولا بذوق الكلام وعارف إني حقانية، أنا اه مكنتش موافقة على زينة لما اتجوزتها وكتير كنت باجي عليها علشانك والست الشهادة لله مخرجتش عن طوعي طول ما أنتَ مسافر وصانت بيتك وأهلك وشرفك وكانت شايلاني فوق دماغها وعمرها ما طلبت قرش زيادة تبقى دي جزاتها؟ تتجوز عليها من سنين ومخبي عليها وعلينا.
أهو اللي حصل يا أمي، أنا دلوقتي بقى عندي ابن حفيدك وأخو ريتال ومحدش ليه عندي حاجة! وبصراحة بقى لو زينة مش عاجبها تخبط دماغها في الحيط أنا حاولت أتكلم معاها بس هي مصممة على الطلاق!
كانت تستمع ريتال إلى حديث والدها من الخارج وهي تحاول جاهدة أن تمنع نفسها من التدخل لكن كلماته الأخيرة جعلتها تفقد السيطرة على ذاتها حيث دلفت إلى الداخل وهي تصيح بحنق شديد:
بقولك يا راجل أنتَ أنا مليش أخوات! طالما مش من أمي يبقى مليش أخوات ولو الأبهات كمان بالشكل ده يبقى هعتبر إن مليش أب لأن ميشرفنيش أصلًا إنك تبقى أبويا!
بصقت ريتال كلماتها بقسوة وهي تطالع والدها بإزدراء، صك والدها فكه بغضب شديد وهو يستقيم من جلسته كحيوانٍ مفترس ثائر على وشك الإنقضاض على فريسته ولكن في لمح البصر كانت جدتها تقف حائل بينه وبين ريتال، تُمسك بذراع والدها تمنعه من ضرب ريتال.
أوعى إيدك تتمد عليها يا عبدالرحمن! أقطعهالك في لحظتها من غير ما أتردد!
صاحت جدتها بنبرة غاضبة ليُردف عبدالرحمن بنبرة لا تقلق غضبًا عن خاصة والدتها وهو ينظر إلى ريتال بحنق بينما يُردف:
أبعدي يا أمي سيبيني أربيها بمعرفتي!
تربي مين أتجننت ولا أيه؟ مش من حقك، مش من حقك تتكلم في تربيتها ولا تيجي جنبها! كنت فين أنتَ أصلًا يا عبدالرحمن بيه علشان تعترض على تربيتها وطريقتها؟
بصي بقى يا زينة يا حبيبتي ياريت تنسي كلام الأفلام اللي أنتِ حفظاه ده، أحنا نقعد نتكلم بهدوء كده ونشوف أحنا هنعمل أيه.
نعمل؟ مفيش حاجة اسمها نعمل مفيش أحنا أصلًا بص يا عبدالرحمن أنا هتطلق وريتال هاخدها معايا نعيش مع بعض.
بصي بقى يا زينة طلاق مش هطلق، بس لو عايزة تمشي من هنا إتفضلي الباب يفوت جمل بس ريتال بقى هتعيش هنا معايا! أثارت نبرة عبدالرحمن استفزاز ابنته وزوجته ووالده، لم تستطع ريتال أن تتحمل أكثر من ذلك لتتحدث بنبرة حادة مستنكرة:
أيه الهبل ده؟ أنا مستحيل أعيش معاك وعمري ما هسيب ماما!
حلو أوي الكلام ده، طب بصي بقى يا حبيبتي أنتِ تنسي خالص المدارس الخاصة النضيفة والمعاملة الحلوة ومن بكرة هنقلك مدرسة حكومة، الموبايل الحلو الحديث ده اللي أنا جايبه من فلوسي وشقايا هيتاخد منك،.
كانت تستمع إلى تهديدات والدها بأعين متسعة وهي تشعر بغضبها يشتعل داخلها أكثر فأكثر هو لم يكتفِ بالأذى النفسي نتيجة لمعرفتها بأمر زواجه طوال هذه السنين بل يقوم بتهديدها معتبرًا إياها بطاقة ضغط على زوجته.
وكمان ياريت تعملي حسابك إن مفيش بقى لبس جديد ولا نادي ولا مصروف، وأبقي وريني بقى جدك وأمك هيصرفوا عليكي ازاي!
أنا مش عايزة منك أي حاجة ولو هموت كده مش هعيش هنا معاك ولا مع الست التانية دي والطفل اللي أنتَ بتحكي عنه ده مش أخويا ولا أنا ليا أب أصلًا، ومن النهاردة أنا اعتبرت نفسي يتيمة!
أنا بقى هقولك على حاجة أحلى، أنتِ هتعيشي معايا هعيشك هنا غصب عنك وعن عين أي حد ومش كده وبس لا ده أنا هجيب مراتي وابني هنا وهتعيشي معاهم يا ريتال ورجلك فوق رقابتك!
كان الشق الأول من تهديداته موجهًا إلى ريتال والتي وقفت تستمع إليه في صدمة وإحتقار بينما كانت تحتضنها والدتها، لم تنبس ريتال بننت شفة فماذا عساها أن تقول على أي حال؟ كانت تظن أن والدها قد فرغ من تهديداته لكن على العكس تمامًا لقد كان يأخذ هدنة قبل أن يتابع قائلًا:.
أما أنتِ بقى يا ست زينة شوفي هترفعي قضية ولا هتعملي أيه ولا ثواني هتجيبي فلوس المحامي منين أصلا؟ أنت مش بتشتغلي ولا حتى خلصتي كلية ولا يمكن تكوني هتاخدي فلوس من أبوكي وأختك، لا استني ده انا نسيت انهم شبه قطعوا علاقتهم بيكي بعد ما صممتي تتجوزيني زمان.
شعرت زينة بغصة في حلقها وآلمًا شديد في قلبها، ذلك الوغد الذي أحبته يومًا وأتخذته زوجًا بعد أن وقفت ضد عائلتها كاملة حينما كانت في السنة الأخيرة من الثانوية، لقد حاربت الكل كل تتم هذه الزيجة وقد ضحت بالجامعة بعد أن عرفت بخبر حملها والآن بعد كل تلك التضحيات يقوم عبدالرحمن بإذلالها بدلًا من تقدير تضحياتها من أجله.
كانت ريتال ترمقه بغضب شديد وكادت أن تنبس ببعض الكلمات القاسية ردًا على وقاحته تلك لكن جدتها قد سبقتها في الحديث وهي تطلب منها أن تغادرهم وحدهم لأن هذا الحدث حديث ناس كبار ولا يصح أن تدخل ريتال فيه، ودت الأخيرة أن تُبدِ إعتراضها لكن والدتها أشارت لها بعينها أن ترحل لذا استسلمت ريتال في النهاية وانتظرت في الخارج.
عيب يا ابني الكلام اللي أنتَ بتقوله ده ميصحش كده أبدًا.
سيبيه يا ماما هو عنده حق، أنا اللي غلطت لما ضحيت بكل حاجة علشانه وأنا برضوا اللي غلطانه إني استحملت قرفه السنين اللي فات وغيابه عني، أنا اللي رخصت من نفسي علشان كنت بحبه.
بصي يا زينة أنا هفضل كويس معاكي للآخر بصي يا بنت الحلال أنا مستعد أنسى كل الكلام اللي دار بينا وكل الإهانات اللي حصلت ونعيش أنا وأنتِ مع بعض في هدوء وبنتنا في حضننا أما بالنسبة لمراتي التانية بقى متشليش همها خالص أنا هتفق معاها إني أقضي معاها شهرين في السنة.
يعني تقضي معايا عشر شهور وتقضي معاها هي شهرين بس؟ ده العدل بالنسبالك يعني؟ ربنا يهديك يا عبدالرحمن بجد، بص يا ابن الناس أنا خلاص مش عايزاك ولا عايزة حاجة من ريحتك أصلًا أنا هاخد بنتي وهمشي من هنا.
من الواضح كده يا زينة إنك مصممة على خراب البيت ومصممة تهدي اللي بنيته طول السنين اللي فاتت دي.
أنا اللي بهد برضوا؟ أومال اللي أنتَ بتعمله ده يبقى اسمه أيه إن شاء الله؟
متخلنيش بقى أتغابى عليكي يا زينة!
خلاص بقى يا عبدالرحمن خلصنا! أنتَ قولت كل اللي عندك سيبها تفكر وتاخد قرار وأنتِ يا زينة يا بنتي تطلعي شقتك فوق وتاخدي بنتك في حضنك وتقفلي بابك عليكوا، عبدالرحمن هيبات معايا هنا النهاردة.
أنهت بثينة الجدل بين الإثنين، تردد زينة لبرهة قبل أن توميء ب حسنًا بقلة حيلة فهي لا تملك مكانًا لتلجأ إليه اليوم في ظل هذه الظروف وبعد أن كانت قد وضعت عدة خطة لقضاء عطلتها برفقة زوجها الحبيب الغائب أصبح عليها أن تضع خطط طويلة الأمد من أجل حياتها هي وابنتها في السنوات القادمة، لقد تهدم عُشها واحترقت أحلامها لكن الآن ليس وقت الإنهيار والبكاء على اللبن المسكوب الآن وقت التفكير واتخاذ القرارات الأكثر ضررًا حتى تستطع النجاة هي وابنتها وبعد ذلك سيكون لديها متسع من الوقت للبكاء والإنهيار كما يحلو لها.
في تلك الأثناء كانت ريتال تقف في الخارج وتحديدًا في حديقة المنزل، تستمع إلى الشجار بالداخل بينما تحاول جاهدة أن تكتم دموعها وأن تحتوي غضبها...
في تلك اللحظات المريرة وبعد سماع كلمات والدها القاسية الجارحة أدركت ريتال أن والدها قد علم أن طريقة إدعاء الندم والحزن لم تفلح في إقناع والدتها في التراجع عن الرغبة في الإنفصال والرحيل لذا قد استعاض عنها بطريقة العنف والضغط النفسي وها هي مخالب والدها قد بدأت في الظهور لتخدش قلب والدتها وقلبها هي كذلك.
أيه ده معقول أنتِ يا ريتال واقفة بتتصنتي على الخناقة؟ مش أخلاقك دي أبدًا، وبعدين ده كلام ناس كبار مينفعش تسمعيه. تفوهت نانسي بتلك الجملة والتي لم تنتبه ريتال لوجودها قبل أن تتحدث بنبرتها الساخرة المعتادة متبوعة بضحكتها المستفزة والتي كانت آخر شيء تود ريتال سماعه في مثل هذا الوقت.
هو أنتِ بتضحكي على أيه؟ في أيه في الوضع اللي أحنا فيه يستدعي الضحك والإستظراف؟ سألتها ريتال مستنكرة وهي تعقد ذراعيها بإستياء واضح لتنمو ابتسامة سمجة على وجه نانسي قبل أن تقول بنبرة استفزازية:
أحنا مين ووضع أيه اللي أحنا فيه؟ قصدك أنتِ، أنتِ بس اللي في الوضع ده أنا عن نفسي مستمتعة جدًا باللي بيحصل ومعندش أي مشكلة.
أيه؟ أنتِ سامعة نفسك بتقولي أيه؟
اه سامعة نفسي أصل معلش يعني يا ريتال أنتِ مش أحسن مني في حاجة، أنا بابا رماني من وقت ما طلق ماما وسابني ومش بيصرف عليا ولا حتى بيحاول أنه يشوفني، كانت تتحدث بنبرة تشبه خاصة البطل السيكوباتي في أحد أفلام الرعب، لم تنتبه المتحدثة للدموع التي تتجمع في عيناها بينما تتابع نانسي حديثها أسفل نظرات ريتال المتعجبة قائلة:.
لكن أنتِ بقى يا ست ريتال كان بيبعتلك فلوس وهدايا، كفاية إنه كان بيتصل بيكي يطمن عليكي، وتسمعي صوته وضحكته وهزاره، بس خلاص ده كان زمان؛ دلوقتي أحنا بقينا متساويين أو يمكن أنا بقيت أحسن منك كمان!
أنتِ مستحيل تكوني طبيعية! أنتِ انسانة مريضة يا نانسي! صرخت ريتال في وجه ابنة عمتها قبل أن تقوم بدفعها نحو الخلف بخفة، لم تتأثر نانسي كثيرًا بحركة ريتال المفاجأة بل على العكس أخذت تقهقه قبل أن تُعقب على جملة ريتال قائلة:.
طب ما أنتِ كمان انسانة مريضة يا حبيبتي، أنتِ واحدة ضعيفة الشخصية، كئيبة، على طول متوترة وقلقانة، بتعيطي كتير ومبتعرفيش تاخدي حقك ومؤخرًا بقى كل أما حد يكلمك تعملي فيها بتطلعي في الروح أقولك حاجة لو تموتي خالص هترتاحي وتريحي الكل منك!
كانت نانسي محقة في كل ما تفوهت به من وجهة نظر ريتال وبالرغم من أنها كانت تعرف ذلك جيدًا إلا أن سماع ذلك من نانسي كان مؤلمًا ومهينًا للغاية بالنسبة إليها، لقد شعرت بكبريائها يُسحق أسفل قدم المتحدثة وكالعادة لم تملك أي ذرة طاقة للدفاع عن ذاتها ولقد كانت على علم بذلك لذا قامت بإستغلال الأمر وقامت بسكب النيران على جروح ريتال.
نانسي! أيه الكلام اللي أنتِ بتقوليه ده؟ ما تخلي عندك دم بقى ولو لمرة وتراعي مشاعر الناس اللي حواليكي! صاح صالح الذي جاء من خلف نانسي وفي البداية لم تنتبه ريتال لوجوده كونها قد فقدت اتصالها بالعالم الخارجي وغاصت داخل دوامة من الحزن والآسى.
عقدت نانسي حاجبيها وهي تطالع صالح بقليل من الصدمة قبل أن تصيح فيه في المقابل قائلة:
طبعًا ما أنتَ المحامي بتاعها وجو العشاق ده لكن أنا بنت البطة السوداء بقى الكل بيجي عليا!
ما تبطلي جو الدراما كوينز ده وتفوقي لنفسك يا بنتي! أنتِ اللي بتضايقي الناس وتشتكي إن مفيش حد بيدافع عنك؟ هندافع في أيه وأنتِ الغلطانة؟
تحدث صالح مستنكرًا وهو يضحك من شدة غيظة على ما قالته نانسي، لم تنبس ريتال ببنت شفة بل وقفت تراقب الجدال الذي يدور بينهم في هدوء.
ريتال تعالي يلا هنطلع شقتنا فوق. صاحت والدة ريتال من بعيد لتومئ الأخيرة ب حسنًا وهي تغادر نانسي وصالح وحدهم دون أن تودعهم.
ماما هو أحنا مش هنمشي؟
تعالي بس يا ريتال نطلع فوق ونتكلم براحتنا.
أردف زينة بإرهاق واضح وهي تصطحب ابنتها نحو الأعلى، بمجرد أن دلفت ريتال نحو الداخل أطلقت العنان لدموعها وشهقاتها وفي ذلك الوقت لم تعلم هل تبكي بسبب ما حدث بين والدها ووالدتها أم أن البكاء بسبب كلمات نانسي القاسية أم بسبب كل تلك الأشياء مجتمعة معًا.
لم تمنعها والدتها من البكاء ولم تحاول جعلها تتوقف كذلك بل أقتربت منها لتضمها في حنان بينما تداعب خصلات شعرها المجعدة وهي تهمس:
كله هيعدي، طول ما أنا وأنتِ مع بعض يا قلب ماما كل حاجة هتعدي وهنبقى كويسين، كانت تحاول زينة أن تقنع نفسها بتلك الكلمات قبل أن تقنع ابنتها، لا مجال للسقوط، لا مجال للضعف والإنكسار، الآن وقت التفكير وإيجاد الحلول...
في صباح اليوم التالي استيقظت ريتال على ألم في رأسها، فتحت عيناها ببطء وهي تنظر إلى جانبها لتجد والدتها والتي أصرت على النوم بجانب ريتال بالأمس، نمت ابتسامة صغيرة على ثغرها وهي تقوم بإبعاد خصلات شعر والدتها الناعمة عن وجهها قبل أن تطبع قبلها رقيقة على رأسها ثم تغادر الحجرة.
بدلت ريتال ثيابها سريعًا ومن ثم أخذت المفتاح بهدوء واتجهت نحو الأسفل، كانت تنوي التحدث إلى والدها أو الشجار معه بمعنى أدق ولكن أثناء سيرها كادت أن تصطدم بجسد صالح لولا أن انتبهت في اللحظة الأخيرة، كالعادة ظهر هو من اللامكان وقبل أن توبخه ريتال سبقها هو:.
ما تفتحي يا أخت ريتال ولا أنتِ قاصدة بقى؟ سألها صالح بنبرة مراوغة ممازحًا إياها لكنها لم تكن في حالة نفسيه تسمح بالمزاح لذا حاولت الإبتعاد عنه سريعًا وبالفعل سمح لها بالعبور ولكن أوقفها صوته وهو يخبرها الآتي:
لو بتدوري على عمو فهو مش تحت ولا تيته ولا عمتو، بصي مفيش حد هنا غيري أنا وعطر.
ليه هما راحوا فين إن شاء الله؟
مش عارف بصراحة، بصي هي عطر قالتلي إنه بابا قال أنهم هيروحوا الشقة القديمة بتاعت جدو الله يرحمه غالبًا هيناقشوا المشكلة اللي حصلت هناك وكده،.
قصدك هيحاولوا يشوفوا طريقة يضغطوا بيها على ماما علشان متاخدنيش وتمشي.
تيته في صفك أنتِ وطنط زينة يا ريتال هي أكيد هتلاقي طريقة تقنع بيها عمو أحمد،.
تقنعه بإيه يا صالح؟ يطلق مراته التانية؟ حتى لو عملت كده ماما مينفعش تعيش معاه يوم زيادة بعد الكلام المهين اللي هو قاله وبعد الجرح اللي كبير اللي أتسبب فيه.
أنا عارف،.
لا أنتَ مش عارف يا صالح! محدش عارف حاجة ومحدش حاسس بيا،.
مش يمكن علشان أنتِ مش بتسمحي أصلًا لحد أنه يحاول يفهم أو يساعدك أو يحس بيكي، أدي الناس اللي بتحبك فرصة ومساحة كافية يا ريتال وصدقيني مش هتندمي.
تحدث صالح بنبرة جادة ولكن دافئة في الوقت ذاته، أضطربت معالمها قليلًا وهي لا تدري ماذا عساها أن تقول، هل قال للتو أنه أحد محبيها دون التفوه بهذا بطريقة مباشرة؟ هل هناك بصيص أمل أن تجد الحب داخل هذا البيت الكئيب أم أنه لم يقصد ذلك حرفيًا؟
بتفكري في أيه يا ريتال؟ نفسي أعرف دماغك دي جواها أيه علشان أقدر أساعدك،.
أنا هطلع لماما علشان لما تصحى متتخضش لما متلاقينيش فوق. حمحمت ريتال ثم أردفت جملتها تلك في محاولة منها لإنهاء الحديث بينها وبينه، نمت ابتسامة حزينة على ثغره قبل أن يقول:
كالعادة بتغيري الموضوع تمام يا ريتال براحتك.
نظرت إلى عيناه لثوانٍ قبل أن تغادره وتتجه نحو الأعلى وهي تحاول أن تنظم نبضات قلبها وتنفسها فتحدثها إلى صالح يجعلها تضطرب نفسيًا وجسديًا لقد كان له هذا التأثير القوي عليها...
مر اليوم بصعوبة بالغة وبطء شديد، لم يعود والدها إلى المنزل هذا اليوم ولم تهتم هي بوجوده أو غيابه فهو لم يكن له وجود في حياتها على أي حال، بالكاد أستطاعت أن تتناول ريتال وجبة واحدة من الطعام طوال اليوم حيث أن حالتها النفسية السيئة قد جعلت شهيتها تنعدم تقريبًا ولم تكن والدتها في الوضع الذي يسمح لها بالطهي كذلك.
في صباح اليوم التالي أي يوم الأحد اتجهت ريتال إلى المدرسة بعد إصرار شديد من والدتها، وقد كانت تدعو بداخلها أن يمر اليوم بسلام وألا تلتقي بچودي أو صديقاتها أو أي شخص قد يجعل حالتها النفسية أسوء لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه فبمجرد أن خطت قدمها داخل الصف وجدت چودي في وجهها مباشرة.
ريتال صباح الخير، أنتِ كويسة؟ سألت چودي بقلق مزيف وهي تحاول أن تُخفي ضحكتها الساخرة لتقلب ريتال عيناها ثم حاولت أن تمر من جانبها دون أن تُجيبها لكن چودي مدت ذراعها إلى الجانب لكي تمنع ريتال من المرور وهي تسألها بإستفزاز:
صحيح يا ريتال كنت عايزة اسألك هو أخوكي أسمه أيه؟
أخويا؟ أنا معنديش أخوات. كانت ريتال تتحدث بقليل من الدهشة، لماذا قد تسأل چودي عن شقيق ريتال في حين أنها لا تملك واحدٍ من الأساس؟
متأكدة؟ أصلي سمعت غير كده. في تلك اللحظة بدأت ريتال تستوعب ما يحدث، لقد أخبرها أحدهم عن شقيقها من أبيها والذي لم تكن لتتذكر ريتال وجوده من الأساس.
اللي قالك كده كداب. أردفت ريتال بنبرة أقرب إلى الهمس وهي تحاول أن تزيح ذراع چودي بعيدًا لكي تعبر وبالفعل نجحت في ذلك ولكن قبل أن تخطو خطوتها الثانية نحو الداخل أوقفها صوت چودي وهي تصيح بصوتٍ عالٍ لكي يسمع الجميع مُردفة الآتي:
وإن باباكي كان راميكوا وطلع في الآخر بيخون مامتك ده برضوا كدب؟
شعرت ريتال وكأن أحدهم قام بسكب جردل مياه ساقعة على رأسها في ليلة شديد البرودة، لم تستطع أن تتفوه بحرف كالعادة ففي مثل هذه المواقف تشعر ريتال بأن عقلها قد توقف عن العمل وأن قلبها على وشك أن يغادر ضلوعها، ألتفتت نحو چودي وهي تطالعها بثغرٍ مفتوح بينما أخذت دموعها في الإنهمار بصمت، تعالى صوت الضحكات والهمهه حتى ملأ المكان وقد سمعت ريتال بعض التعليقات مثل:.
ما هي لو مامتها شبهها كده يبقى باباها ليه حق يعرف عليها ست تانية! أردفت أحدى صديقات چودي بصوتٍ مسموع وهي تقهقه.
يا عيني زمانها زعلانة خالص بس معلش بقى.
تخيلي تبقي وحشة وحياتك كمان وحشك يااه، حياة ما أتمنهاش لألد أعدائي. علقت فتاة آخرى وهي تضرب كفها في كف صديقتها بينما تقهقه.
طب حد يعرف باباها عرف الست التانية دي منين؟
لم تتحمل ريتال سماع جملة آخرى وغادرت الصف على الفور ولحسن الحظ أن المعلم قد تأخر في الوصول ذلك اليوم لذا لم تكن مجبرة على الجلوس معهم بعد ما سمعته، كانت تود ريتال لو تستنشق بعض الهواء لعله يساعدها على التخلص من الكلمات المهينة التي أنهمرت عليها...
بعد أن خطت ريتال خطوتين شعرت بأنها أصبحت عاجز على متابعة الحركة أكثر، أقتربت من السور بصعوبة وهي تحاول أن تستند عليه لكن حينما نظرت دون قصد نحو الأسفل شعرت بالدوار وكأنها على وشك أن تسقط، نبضات قلبها تسارعت ورغبة عارمة في التقيؤ أجتاحتها وقبل أن تُدرك ما يحدث شعرت بقواها تخور وجسدها على وشك السقوط على الأرضية الباردة...
لحسن الحظ كانت عالية تسير إلى جانب حنين بخطوات سريعة متجهين نحو الصف نتيجة لتأخرهم
كانت عالية على بعد بضع خطوات من ريتال حينما أدركت أنها على وشك أن تفقد وعيها لتهرول هي وحنين نحوها بهلع شديد وفي الوقت ذاته كان تليد يسير من الجهة المقابلة وقد رأى هو كذلك ما يحدث ليركض نحوها ويُمسك برأسها بين يديه قبل أن تصطدم بالأرضية الصلبة الباردة.
أيه اللي حصل؟ ريتال أنتِ سمعاني؟ أخذ يسأل تليد وهو ينظر إلى وجه الفتاة الفاقدة للوعي قبل أن تضرب عالية يده بواسطة حقيبتها لكي يبعد يده عن رأس ريتال فتحملها عالية بدلًا عنه بينما تسأله الآتي بإستنكار وسخرية:
أنتَ غبي يا ابني؟ ما أنت شايف إنها أغم عليها هترد عليك ازاي يعني؟
بت أنتِ اسكتي أحسنلك!
بس بطلوا خناق هو ده وقته؟ عالية روحي نادي على حد من المشرفين بسرعة وتعالي. أومئت عالية وركضت نحو الجهة الآخرى من الطابق بحثًا عن المساعدة ولحسن الحظ قد ألتقت بالمعلمة نادين والتي جاءت للمساعدة في حملها والذي لم يكن بالأمر الصعوب نظرًا لكون جسد ريتال هزيل.
عالية بصي قولي للميس إنكوا تاخدوا ريتال على مكتب المديرة هي هتتصل بمامتها وهي هتيجي بسرعة، كمان ياريت تفكوا الطرحة علشان تعرف تاخد نفسها وأقفلوا الباب كويس علشان محدش يشوفها وأنا هستنى هنا علشان أعرف أيه اللي حصل ومين اللي ضايقها!
أردف تليد وهو يسير إلى جانبهم بضع خطوات قبل أن يقرر العودة إلى الصف ليبحث عن المتسبب في حالتها تلك، حينما أنهى جملته تلك قلبت عالية عيناها بتملل قبل أن تُعقب قائلة:
خلاص بقى أنتَ هتعمل فيها أبو العريف سيبنا في حالنا أحنا هنعرف نتصرف.
هو أنتِ مبتعرفيش تردي على الناس عدل أبدًا؟
والله أنتوا الإتنين مفيش دم خالص سايبين البنت فطسانة وواقفين تتخانقوا!
صاحت حنين بغضب غير معتاد ليصمت كلاهما، تعود عالية إلى جانب المتحدثة لمساعدتها في حمل صديقتهم الفاقدة للوعي في حين أن تليد سار في الإتجاه المعاكس.
حينما أقترب تليد من الصف وجد أن الباب مغلق، لم يحضر معلم الحصة الأولى وقد تُرك الطلاب وحدهم في الصف بشرط عدم التسبب في ضوضاء، توقف تليد أمام الباب المُغلق قبل أن يركله بقدمه بكامل قوته ليتسبب في حالة هلع لزملائه بالداخل.
تيتو أنتَ جيت؟ صدرت هذه الجملة من چودي والتي أقتربت من تليد وهي تنوي وضع يدها على كتفه لكنه أبعد يدها سريعًا وهو يقول بغيظ:
أوعي كده بس يا بتاعة أنتِ، حد بقى يفهمني أيه اللي حصل؟
أيه اللي حصل في أيه مش فاهمة؟
عملتي أيه تاني لريتال يا چودي؟
معملتش حاجة، محدش فينا جيه جنبها أصلًا أنتَ عارف هي عيلة بتحب الأتنشن كنا بنهزر عادي فجاءة قاعدت تعيط ومثلت إن أغم عليها. كانت تتحدث ببرود وهي تنظر إلى هاتفها تحاول إلتقاط Selfie، كانت تتحرك في كل الإتجاهات بحثًا عن أفضل إضاءة، ازداد غيظ وغضب تليد ليجذب الهاتف من يدها بحركة سريعة ويُلقيه على أحد المقاعد بقوة.
بطلي لف ودوران وأخلصي قولي قولتلها أيه؟
هو أنتَ بجد بتتصرف معايا كده علشان البتاعة اللي اسمها ريتال دي؟ مش ريتال دي اللي مصاحبة ابن عمها في البيت وبتحوم حواليك في المدرسة والنادي؟ مش ده الكلام اللي أنتَ كمان صدقته لما سمعته من نانسي الأسبوع اللي فات؟
صاحت چودي في وجه تليد بتلك الكلمات لتعيده إلى رشده، هي محقة لقد صدق كلمات نانسي عن كون هناك علاقة حب بين ريتال وابن عمها والذي لم يعلم تليد اسمه لكنه رأها برفقته من قبل، لم يُكذب نانسي حينما أخبرته كم أن ريتال فتاة سيئة تدعي الفضيلة، لقد صدق ذلك الهراء حتى أنه تجنب ريتال تمامًا طيلة الأيام الماضية والآن قد أدرك أنه ليس أفضل من چودي وصديقاتها اللواتي يضايقن ريتال.
أنا برضوا عايز أعرف أنتِ قولتي أيه؟ أخلصي!
أتريقت عليها علشان باباها كان سايبهم ومسافر على أساس أنه بيشتغل وطلع في الآخر بيضحك عليهم وكان متجوز على مامتها ومخلف من وراهم، فأنا سألتها أخوها أخباره أيه وكده، كان يستمع إليها بصدمة كبيرة وهو يسأل نفسه كيف استطاعت ريتال أن تواجه كل تلك الصدمات دفعة واحدة؟ وفوق كل ذلك تتعرض للسخرية والتنمر...
نانسي جت المدرسة النهاردة؟
هتلاقيها في المسرح أو أوضة الموسيقى تحت، تليد استنى رايح فين؟ أنتَ بجد مكبر الموضوع أوي، مين ريتال دي اللي مجنن نفسك عليها؟
طيب بصي يا چودي أو بصوا كلكوا بقى، أنا بعد اللي حصل النهاردة ده عايز بقى دكر فيكوا يفتح بوقه بكلمة واحدة مع ريتال وشوفوا أنا هعمل معاه أيه! هدغدغ المدرسة دي فوق دماغه! صاح تليد مهددًا إياهم قبل أن يغادر الصف بحنق شديد متجهًا نحو المسرح بحثًا عن نانسي لكي يُلقنها درسًا بسبب فعلتها تلك.
كانت نانسي بالفعل في المسرح لحضور البرو?ات الخاصة بالمسرحية المدرسية الجديدة، كانت تقف أعلى المسرح ولكن حينما لمحت تليد توجهت نحو مقاعد المشاهدين على الفور وقد نمت ابتسامة كبيرة على وجهها ولكن سرعان ما أختفت حينما رأت تجهم وجهه لتسأله بقليل من القلق:
كنت فكراك جاي تتفرج عليا وأنا بمثل بس شكلك جاي تتخانق أو في حاجة مزعلاك.
تعالي بس على جنب كده علشان محدش يسمع.
بس كده؟ من عيوني يا سيدي. تمتمت نانسي وهي تضحك بينما تسير إلى جانب تليد إلى المقعد الأخير كي تبتعد عن زملائها.
كنت عايز تقولي أيه بقى؟ سألته بحماس شديد وقد ظهرت ابتسامة صغيرة على ثغرها سرعان ما تلاشت حينما سمعت ما قاله وكان كالتالي:
عايز أقولك إن أنتِ إنسانة حقيرة يا نانسي، أنتِ مش بني أدم أصلًا، ازاي يجيلك قلب تتكلمي عن قريبتك كده؟ دي من لحمك ودمك ازاي قدرتي تحكي مشاكلها العائلية قدام للناس كلها كده؟ أنتِ لا يمكن تكوني طبيعية والله!
هو ده اللي أنتَ جاي تقوله يا تليد؟ هو في أيه بجد؟ مفيش في الدنيا دي غير ريتال يعني ولا أيه؟ أنتَ بتتخانق معايا علشانها وچودي مبتكلمنش غير لما تجيب سيرتها في الكلام وصالح يهزقني علشان خاطرها في أيه بقى؟ كفاية أنا زهقت!
صاحت نانسي في وجهه غير مبالية بأن أحدهم قد يسمع الحوار الذي يدور بينهم، كانت نبرتهم غاضبة ولكنها تنم عن حزن شديد حتى أن الدموع قد بدأت في التجمع في عيناها لكن تليد لم يبدو عليه التأثر.
سيبك بقى من الدموع والحركات القرعة دي لأنها مش هتاكل معايا! بصي يا نانسي أنا بحذرك لأول وآخر مرة، ملكيش دعوة بريتال علشان لو سمعتك بتتكلمي عنها نص كلمة بس مش هيحصلك كويس وقبل ما تقعدي تتكلمي عالناس وأخطائهم وتطلعي عليهم سمعة أبقي أفتكري الحاجات اللي عملتيها واللي لسه بتعمليها كويس!
كانت كلمات تليد قاسية ونبرته حادة، لقد كان يعرف الطريقة الصحيحة للتعامل مع نانسي وأمثالها، لقد قام بتحذيرها بطريقة غير مباشرة بأن أسرارها قد يتم فضحها كما تفعل هي المثل مع ريتال وغيرها، لقد كان يعلم تليد الكثير عن نانسي لكنه بالطبع لم يكن ليُخبر أحدًا أي شيء فهو ليس مثلها لكنه أكتفى بتحذيرها كي تتوقف عن العبث مع ريتال وأمثالها من الضعفاء والعاجزين عن الدفاع عن أنفسهم.
لم يعرف تليد سر غضبه الشديد من أجل ريتال ولم يدرك فداحة ما فعله إلا حينما هدأ قليلًا لقد أدرك أنه ربما قام بتضخيم الأمور بعض الشيء لكنه لا يشعر بذرة ندم على ما فعله، غادر المسرح وتوجه نحو ساحة المدرسة قبل أن يصطدم بشاب طويل القامة، كان يعرف تليد ذلك الشاب جيدًا لكن الآخر لم يعرفه.
معلش أنا أسف، بقولك يا صاحبي متعرفش فين أوضة الدكتورة ولا الممرضة اللي هنا؟ سأل الشاب بقلق واضح ليُجيبه تليد دون إستيعاب:
عارف اه، بس أصلًا ريتال في مكتب المديرة مش في أوضة الممرضة.