رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل الثالث والثلاثون
مر الشهر الأول من المهلة التي اتفق عليها فؤاد وزينة لإنهاء إستعدادت ما قبل الزواج، كانت زينة تحاول إقناعه بزيادة هذه المدة لشهر آخر فلقد كان مايزال هناك العديد من الأشياء لإنهاءها قبل الزفاف، كانت زينة منشغلة مع مريم في شراء العديد من الأشياء ولقد كانت ريتال تحاول مرافقتهم طوال الوقت لكن بالطبع لم تستطع حيث أنها كانت منشغلة بكل من الدروس والمذاكرة.
ريتال لو سمحتِ ركزي في المذاكرة شوية وسيبك من موضوع فرحي والفستاين والكلام ده كله، أنتِ درجاتك في امتحانات الشهر ده مش حلوة ومش عجباني خالص. قالت زينة موبخة ريتال لتتنهد الأخيرة تنهيدة طويلة قبل أن تقول الآتي بإستياء: يا ماما ملوش علاقة بفرحك أنا بس حاسة إن طاقتي بتخلص وبجد تعبت، طول اليوم من درس لدرس يا إما مذاكرة وامتحانات شاملة.
عالعموم اجازة نص السنة قربت وهترتاحي شوية من المذاكرة ووجع الدماغ، شوفي بقى لو عايزانا نسافر القاهرة نتفسح أو ناخد جولة في اسكندرية أو لو عايزة نروح يومين الساحل مع مريم بس الجو هيبقى برد أوي.
مش عارفة أي حاجة مفيش في دماغي حاجة معينة يعني. تمتمت بتملل شديد فلقد فقدت ريتال الشغف ليس في المذاكرة فحسب بل في كل شيء تقريبًا والشيء الوحيد الذي كان يُبقي شعلة حماس ضئيلة داخلها كان حفل زواج والدتها والذي لم يتم تحديد موعده بعد.
كانت فريدة ابنة خالتها قد وصلت للتو من الجامعة وذهبت لتبديل ثيابها وعندما جاءت لتجلس معهم كان زينة تقول الآتي: فؤاد كان عايزني أنا وهو نسافر كام يوم دهب بعد الفرح بس أنا قولتله لا.
ليه يا ماما بس؟ ليه بتعشقي ضيق التنفس؟ سألت ريتال بغيظ وإعتراض واضح لتؤكد فريدة على حديثها مُردفة: أيوا يا خالتو ريتال عندها حق، ما تروحوا تغيروا جو يومين كده هوني مون يعني.
وأسيب ريتال لوحدها ازاي يعني؟ سألت زينة بإستنكار واضح لينظر كلًا من ريتال وفريدة إلى بعضهم البعض نظرة ذات مغزى قبل أن تقول فريدة: ما هي هتبقى هنا معايا أنا وجدو وبعدين أصل، يعني ريتال،.
في أيه؟ ما تتكلمي على طول.
ريتال مش عايزة تسيب جدو هنا لوحده وتعيش معاكي أنتِ وأونكل فؤاد يعني.
أيه الكلام ده يا ريتال؟ مش عايزة تعيشي معايا ازاي يعني؟ أعيش من غيرك أنا ازاي؟
أهدي بس يا ماما، الفكرة كلها إن أنا صعبان عليا أسيب جدو لوحده وهو مش عايز يسيب البيت هنا أنتِ عارفة. وضحت ريتال موقفها من ذلك الأمر لكن حديثها لم يكن مقنعًا كفاية بالنسبة إلى زينة حيث أمتلئت عين الأخيرة بالدموع قبل أن تقول:.
أنا هحاول أقنعه يجي معانا بس أنتِ مينفعش تعيشي بعيد عني، أنا حاربت عبدالرحمن والدنيا كلها علشان تبقي معايا تقومي تسيبيني كده؟
طب خلاص حقك عليا متزعليش، أنا عمري ما هسيبك أبدًا يا مامتي، إلا في حالة واحدة يعني.
ودوني على بيت تليدي نعيش مع بعض فيه. عقبت فريدة ساخرة وقد قامت بتبديل كلمات أحدى الأغنيات الرومانسية التي تتحدث عن الزواج وقد وضعت اسم تليد في منتصف المقطع لترمقها ريتال بحدة وهي تضربها في كتفها بخفة.
ده بعدك أنتِ وهي، ريتال مش هتتجوز قبل ما تاخد البكالوريوس أو الليسانس إن شاء الله.
يااه يا ماما يعني لو دخلت طب هستنى 7 سنين بحالهم؟
اه 7 سنين للكبالوريوس وقولي سنتين للماجستير يعني بنتكلم على سكة 9، 10 سنين يعني وأنتِ في آخر العشرينات كده.
قالت زينة وهي تتحدث ساخرة متعمدة إثارة غيظ ريتال لرؤية ردة فعلها، رفعت الأخيرة حاجبيها بإعتراض قبل أن تسأل مستنكرة: وده مين بقى اللي هيستنى كل ده؟
والله لو حد بيحبك بجد هيستنى بقى وحتى لو مستناش عادي يعني، ويلا قوموا بقى وسيبوني علشان بحاول أوصل لفؤاد مش عارفة.
طلبت منهم زينة مغادرة الحجرة ليُطالع كلًا من ريتال وفريدة بعضهم البعض قبل أن تقول فريدة الآتي من بين ضحكاتها:
خالتو هي دي أوضة ريتال عامةً يعني.
اه أطلع أنا برا يعني، ماشي.
مر يومين كاملين لم تستطع فيهما زينة أن تصل إلى فؤاد، كان القلق ينهشًا نهشًا فمنذ يوم عقد القران وهو يتحدث إليها بصورة يومية تقريبًا كان ذلك حتى وجدت رسالة منه في مساء اليوم الثالث وقد بعث لها بالموقع الجغرافي لأحد المطاعم لكي يذهب كلاهما لتناول العشاء معًا.
أيه يا فؤاد بقالي يومين مش عارفة أوصلك قلقت عليك جامد بجد وحتى فريدة مجتش الحضانة ومريم متعرفش حاجة. قالت زينة فور رؤيته لها ليقوم بإحتضانها أولًا قبل أن يسحب الكرسي من أجلها لكي تجلس ثم يجلس أمامها قبل أن يوضح لها ما حدث قائلًا:
أنا أسف حقك عليا، كنت مشغول جدًا في الشغل والتليفون مكنش في إيدي خالص وكل شوية من مستشفى لمستشفى وفريدة تعبت شوية فسيبتها مع خالتها. وضح لها بإختصار لتومئ زينة بتفهم.
لم تكن زينة قد أعتادت بعد على طبيعة عمله وكونه طبيب أي يمكن أن يبقى في المستشفى ليوم كامل ولربما كان مرتبط بموعد عملية جراحية ما ولربما كان أحد المرضى في حاجته في وقت متأخر من الليل، زفرت زينة براحة قبل أن تقول الآتي:
طب الحمدلله إنك بخير، كنت قولتلي طيب على موضوع فريدة وكنت روحت قعدت معاها.
مع خالتها معاها عادي متقلقيش.
فؤاد كنت عايزة اسألك على حاجة بالمناسبة دي يعني، هي خالة فريدة اللي أنا مش عارفة اسمها دي عايشة معاكوا؟
أولًا اسمها ريم، ثانيًا تعيش معايا ازاي بس يا زوزو أنا غريب عنها وهي تجوزلي يعني فطبعًا هي مش قاعدة معايا بس هي بتيجي تبات مع فريدة والدادة بتاعتها لما بكون مسافر أو مشغول ولو رجعت وهي موجودة لازم تكون مريم معانا.
تجوزلك اه. عقبت زينة بغيظ شديد وبصوت أقرب إلى الهمس ليبتسم فؤاد ابتسامة واسعة حينما يُدرك أن ردة فعلها تنم عن غيرة واضحة، طالعها بأعين لامعة قبل أن يقول الآتي بمراوغة:
مش قصدي يعني، خلاص بقى فكي كده مكنتش أعرف إنك غيورة للدرجة.
ومغيرش ليه؟ مش جوزي حبيبي ولا أنا كسباك في كيس شيبسي؟
جوزي أيه؟
بقولك أيه تيجي ناكل سمك؟ سألت زينة محاولة تغير الموضوع بخجل وتوتر واضح لأنها لقبته ب حبيبي، ضحك فؤاد قبل أن يُشير إلى النادل كي يأتي لأخذ طلبهم.
في مغرب اليوم التالي ذهب صالح لمقابلة خطيبته سارة والتي كانت تجلس في النادي حيث كانت تتم مقابلاتهم في العادة، بمجرد أن رأها صالح سحب كرسي ليجلس أمامها قائلًا الآتي بحنق واضح:
سارة أحنا محتاجين نتكلم ضروري.
ثواني يا صالح معايا مكالمة هخلص مع محمد وهركز معاك. أردفت بلا مبالاة وهي تتابع حديثها في الهاتف، أمتعض وجه صالح وأتسعت عيناه في غيظ شديد قبل أن يسحب الهاتف من يدها بحركة خاطفة وهو يصيح قائلًا الآتي بإستنكار شديد:
محمد مين؟ بقولك عايز أتكلم معاكي!
في أيه يا صالح؟ ازاي تتكلم معايا بالأسلوب ده؟ وازاي أصلًا تاخد الموبايل من إيدي كده؟ سألته بإستنكار شديد ليزفر صالح بضيق قبل أن يقول:
أنا أسف ياستي، ممكن نتنيل نتكلم بقى!
أتفضل يا حبيبي قول اللي أنتَ عايزه.
سارة أنتِ مش ملاحظة إن أسلوبك معايا الفترة الأخيرة متغير؟ مش ملاحظة إن علاقتنا متوترة طول الوقت وإن مفيش أي كلام بينا غير لما يقلب بخناقة وزعيق؟ صارحها صالح وهو يُخرج لفافة تبغ من العلبة التي كانت في أحد جيوبه ليُشعلها على الفور ويسحب منها نفس عميق.
أكيد طبعًا واخدة بالي بس أنتَ السبب في كل ده يا صالح، كل كلمة تقلبها خناقة وتقلب وشك عليا وتزعق فيا.
علشان أنتِ مش بتحترميني مش عملالي اعتبار، قولتلك مية مرة تحطي حدود مع زمايلك الولاد وقرايبك ومفيش سمعان كلام، قولتلك مليون مرة لبسك قصير ومفتوح وبرضوا بتلبسي اللي على كيفك وكل لما نتناقش في حاجة تقعدي تزعقي ولما أجي أعتبك تقعدي تعيطي!
أفسح صالح عن كل ما كان يجول في خاطره في الآونة الأخيرة، ساد الصمت لبرهة حيث أمتلئت أعين سارة بالدموع كالمعتاد ليتنهد صالح تنهيدة طويلة وهو لا يدرِ ماذا عليه أن يفعل أو أن يقول.
يا صالح صدقني أنا بحبك ومستعدة أعمل أي حاجة علشان أرضيك بس أنتَ مش مديني فرصة أتغير وأتعود على النظام اللي أنتَ عايزه.
تتعودي على أيه يا سارة؟ إنك متهزريش مع صحابك الولاد؟ إن صوتك ميعلاش عليا؟ إن مش كل ما تحصل أي مشكلة بينا ألاقي مامتك بتكلمني تهزقني وتسمعني كلمتين؟ إن لبسك اللي بقى قصير فجأة يرجع يطول زي الأول تاني؟ كان يتحدث بنبرة صوت هادئة وإن كان حديثه نفسه حاد، لقد طفح به الكيل ولم يعد في مقدوره تحمل ما يصدر منها من أفعال دون التحدث في الأمر بوضوح.
صالح هو أنتَ عايز تسيبني؟ سألت سارة بصيغة مباشرة لينظر صالح إلى داخل عيناها، داخل أعين الفتاة التي أحبها يومًا ورأى فيها الحبيبة والزوجة والصديقة كذلك لكن الآن، الآن هو يرى فتاة غريبة عنه وكأنه لم يعرفها يومًا، حتى أنه أصبح غريبًا عن نفسه لا يدرِ من يكون وماذا يريد...
أطال صالح في صمته وهو لا يدرِ بماذا يجيب عن سؤاله فلقد كانت صيغة السؤال مؤلمة وكل الإجابات التي خطرت على عقله أكثر إيلامًا، تنهد تنهيدة طويلة قبل أن يقول:
مش عارف،.
تمام يا صالح، لما تعرف أبقى كلمني يا صالح. أردفت من وسط دموعها قبل أن تغادر المقعدة تاركة إياه في حيرة وضياع شديد.
بعد مرو أسبوع آخر كانت زينة تزور عش الزوجية خاصتها هي وفؤاد برفقة والدها ومريم لترى ما تم إنجازه من الأشياء، فلقد قام فؤاد بشراء أثاث جديد لغرفة النوم خاصته هو وزينة وكذلك قام بتجديد بعض الأشياء في المنزل لكي يتوافق مع ذوق زينة،
بعد الإنتهاء من متابعة كل شيء جلس فؤاد برفقة زينة في الشرفة يشاهدون مياه البحر اللامعة بفعل أشعة الشمس.
زينة أنا ملاحظ إنك مش على راحتك خالص في وجود ريم، أنا بس مش عايز أهمشها لأن هي أكتر واحدة تعبت مع فريدة من يوم ما مراتي الله يرحمها أتوفت والبنت متعلقة بيها.
لا لا بالعكس هي حقيقي لطيفة جدًا وذوق بس أنا متضايقة لها أنا لو مكانها مش هتقبل حاجة زي دي أبدًا، الوضع صعب.
اللي هو أيه بالضبط؟
إنها تشوف واحدة تانية جاية تاخد مكان أختها اللي أتوفت وتاخدك وتاخد فريدة.
بس أنتِ يا زينة مش جاية تاخدي مكانها، هي كان ليها مكان وأنتِ بقى ليكي مكان تاني خالص، فريدة مش حِكر على حد فينا علشان ياخده من التاني فريدة بتحب خالتها جدًا وبتحبك أنتِ كمان علشان بتعوضيها عن غياب مامتها، بس فريدة عارفة إن أنتِ مش مامتها الحقيقية لأنها عارفة إن ماما راحت عند ربنا.
يا قلبي، أنتَ ازاي قولتلها الموضوع ده؟ يعني شرحتلها ازاي وأمتى؟
الموضوع مكنش سهل طبعًا بس أنا استعانت بحد متخصص في الطب النفسي للأطفال، سألته على السن المناسب إني أعرفها حاجة زي كده والطريقة المناسبة بس.
وضح فؤاد لتومئ زينة بتفهم وقد دمعت عيناها تأثرًا من الموقف بأكمله، لقد شعرت بغصة في حلقها لمجرد التفكير في كون تلك الصغيرة لم ترى والدتها ولو لمرة، لم تعانقها ولم تشم رائحتها، لم تحصل ولو على القليل من حنانها لكن في النهاية قررت زينة أن تقوم بتحويل طاقة الحزن تلك إلى طاقة أمل، أمل في تعويض تلك الفتاة عن كل ما فقدته وحُرمت منه. يومًا، فهي ستكون بمثابة الأم والصديقة لها.
بعد مرو أسبوع كان موعد الجلسة خاصة نانسي، لم تكن الأخيرة متحمسة كثيرة فلقد كان الأمر مؤلم للغاية كما أنها كانت منشغلة بالدروس والمذاكرة في محاولة منها للحاق برفاقها وزملائها لكن العلاج والجلسات لم تفعل أي شيء سوى تعطيلها هكذا كانت ترى الأمر.
أيه أخبار الجلسة؟ سأل أدهم فور رؤيته لنانسي بعد انتهاء الجلسة، كانت الأخيرة مكفهرة الوجه واضح الإستياء عليها خاصة حينما أجابت عن سؤال بكلمة واحدة بحنق:
زفت!
أيه اللي حصل بس؟
أتوجعت أوي وبقولها تستنى شوية وهي مش راضية. تحدثت نانسي بغضب أمتزج بنحيب كالأطفال، كادت عائشة أن تدافع عن نفسها لكن أدهم أشار إليها بألا تفعل.
لو عايزة نشوف دكتورة غيرها مفيش مشكلة الدكاترة كتير في المركز.
وأنتَ مش بتدخل جلسات خالص؟ مشرف عليهم يعني؟ سألت نانسي بفضول شديد وهي تعيد ترتيب خصلات شعرها الناعمة ليتابعها أدهم بعيناه دون رغبة منها.
لا بدخل جلسات طبعًا بس أنا فعلًا شغلي معظمه إشراف بس لما حالة بتطلبني بروح.
رجالة بس طبعًا مش كده؟ أنتوا فاصلين ومخلين البنات مع البنات والولاد مع الولاد؟
ولاد؟ لا هو مش شرط يعني لو في ضغط ممكن يدخلك دكتور راجل بس في الأوقات الطبيعية بيكون الراجل مع الراجل والست مع الست ده مريح أكتر ومفهوش أي إحراج للطرفين.
لا وجهة نظر تحترم برضوا.
ها أخلي عائشة متدخلكيش المرة الجاية وأشوف حد تاني؟ سأل أدهم مع ابتسامة مراوغة صغيرة وقد توقع إجابتها مسبقًا ولقد كان محقًا فلقد قالت نانسي الآتي بعد أن عقدت ذراعيها.
لا خلاص مش مشكلة.
تمام إن شاء الله معادنا الأسبوع الجاي، هتاخدي شيكولاتة المرة دي ولا هتتخانقي معايا زي المرات اللي فاتت؟
سألها وهو يُخرج من جيب المعطف الأبيض خاصته لوح شيكولاتة، أخذ نانسي تنتقل بعينيها بينه وبين اللوح قبل أن تسحبه من يده بقليل من العنف بعد أن قلبت عيناها بتملل، وضعت الشيكولاتة داخل حقيبتها قبل أن تودعه قائلة:
أشوفك على خير المرة الجاية يا أد، يا دكتور، وياريت المرة الجاية تجبلي White chocolate شيكولاتة بيضاء علشان بحبها أكتر.
تعمدت نانسي استفزازه ولقد انتظرت لترى ردة فعله والتي توقعت أن تكون إستياء، غيظ أو شيء من هذا القبيل لكن على العكس تمامًا فلقد ابتسم كاشفًا عن أسنانه وهو يُردف تعقيبًا على حديثها:
بس كده؟ من عنيا يا آنسة نانسي. حاولت منع نفسها من الإبتسام لكن لم تستطع، لوحت له مودعة إياه وهي تغادر المكان وللمرة الأولى تُغادر الجلسة وهي سعيدة لهذه الدرجة.
أخبار الجلسة أيه النهاردة؟
تمام يا بابا الحمدلله، هتغديني فين النهاردة؟ سألت نانسي بمرح على الرغم من الآلم الذي كانت تشعر به، ابتسم والدها وهو يُربت على كتفها قبل أن يقول الآتي:
المكان اللي أنتِ عايزاه بس مش هينفع نتأخر علشان غادة متتخانقش معايا.
نفسي أوي يا بابا تحلوا مشاكلكوا وتتجمعوا في مكان واحد معايا من غير خناق وزعيق، هو اللي بطلبه ده كتير عليا يعني؟
لا يا حبيبتي مش كتير عليكِ ولا حاجة، أوعدك إن أنا هحاول. لا يدرِ إن كان يكذب عليها فقط كي لا تحزن أم كان يتحدث بصدق، لقد كان التواصل مع غادة غاية في الصعوبة خاصة وأنها لا تمنحه أي فرصة للتحدث دون أن توبخه وتُلقي اللوم عليه لكل ما حدث طيلة السنوات الماضية.
وعلى الرغم من أنه قد أعترف بذنبه عدة مرات وأخذ على نفس العديد من الوعود بإصلاح الأمر إلا أن غادة لم تسمح له بفعل ذلك حتى، لقد كانت بالكاد تسمح له بمقابلة نانسي.
في صباح اليوم التالي استيقظ عبدالرحمن من نومه على صوت التلفاز، أمتعض وجهه وهو يغادر الفراش ليصرخ بإسم زوجته قائلًا:
سالي، أنتِ ياللي اسمك سالي!
أيه بتزعق ليه عالصبح كده؟
مش هتقومي تعمليلنا لقمة نطفح ولا أيه؟
الأكل عندك في التلاجة، جعان طلع وسخن.
تمتمت ببرود وهي تنظر إلى شاشة التلفاز دون أن تلتفت إليه من الأساس، زاد غضبه ليقوم بالوقوف أمام شاشة التلفاز ويسأل الآتي بإستياء:
وأنتِ لازمتك أيه إن شاء الله؟
لازمتي إني بجيب فلوس يا حبيبي وبجيب فلوس ضعف اللي أنتَ بتجيبه فأتكلم معايا حلو.
هي بقت كده يا سالي؟ الله يرحم أيام زينة كنت قبل ما أقول جعان ولا نفسي في حاجة كانت تبقى عندي مش زيك. قال الآتي متعمدًا إثارة غيظها لكن في الواقع هي لم تتأثر بتاتًا بل أخذت تتناول من الحلوى التي وضعت أمامها وهي تُعقب على حديثه قائلة الآتي بلامبالاة:
طب يا حبيبي أرجعلها بقى، اه صحيح ده أنا نسيت إن فرحها الشهر الجاي.
فرح مين اللي الشهر الجاي؟
لا هو أنتَ معرفتش؟ مش الفرح بتاع حبيبة القلب الشهر الجاي؟ لا وأيه دي عازمة صالح ونانسي وأختك غادة ده حتى الست الوالدة بعتتلها دعوة فرح. قالت سالي وهي تبتسم بشماتة، اضطربت معالم وجه عبدالرحمن قبل أن يقول الآتي:
أنتِ كدابة، كدابة، زينة عمرها ما،.
ما تبطل هبل بقى وتفوق لنفسك! زينة خلاص يا عبدالرحمن نسيتك ولاقت راجل أحسن منك مليون مرة، راجل بحق وحقيقي مش زيك!
صرخت في وجهه وقد صارحته بالحقيقة التي كان يحاول الهرب منها، استشاط عبدالرحمن غضبًا وهو يستقيم من مقعده وبحركة خاطفة يجذبها من ذراعها قبل أن يقوم بصفعها عدة صفعات متتالية حتى دمت شفتيها وكالعادة كان يوسف ضحية ذلك الشجار، أخذ يبكي في الزاوية قبل أن يركض نحو الطابق السفلي حيث جدته.
بابا، ماما، بابا، بيضر، بها فوق، حاول يوسف شرح ما يحدث لكن خرج حديثه مبعثرًا من فرط الخوف، لقد كان يوسف في السابق يتحدث بوضوح ويكون جمل سليمة تناسب مرحلته العمرية لكن مؤخرًا أصبح يتلعثم في معظم الأوقات.
طب يا قلبي أهدى يا حبيبي مفيش حاجة خلاص هما هيسكتوا دلوقتي، خلاص يا حبيبي،.
أنا، عايز، ريتال.
يا حبيبي عايز ريتال؟ هنكلمها دلوقتي. قالت جدته قبل أن تنادي صالح من الخارج لكي تطلب منه الإتصال بريتال صوت وصورة لكي يراها شقيقها ويطمئن قلب الصغير.
هاتف صالح ريتال والتي صُعقت حينما رأت اسم حساب ظاهر على شاشة هاتفها، أنتقلت بنظرها على الفور إلى فريدة والتي كانت ردة فعلها مشابهة لخاصة ريتال قبل أن تُخبرها بالإجابة على المكالمة لعل هناك شيء هام، في العادة لم يكن صالح يتحدث إليها من خلال مكالمة فيديو.
استقامت ريتال من مقعدها وذهبت لإرتداء حجاب رأسها وغادرت الحجرة لتجلس إلى جانب جدها في الخارج قبل أن تُجيب على المكالمة.
ازيك يا ريتال عاملة أيه؟
بخير يا صالح الحمدلله، في حاجة ولا أيه؟
تيته ويوسف عايزين يتكلموا معاكي شوية.
اه أكيد ماشي، قالت ريتال بقليل من الحيرة فهي لم يخطر على بالها قط أن يوسف قد يرغب في التحدث إليها بل كانت تظن أنه لا يذكرها من الأساس، بمجرد أن رأت ريتال وجه شقيقها الباكي شعرت بإنقباضه في قلبها.
ازيك يا يوسف عامل أيه؟ وحشتني أوي.
ر، ريتال، هتيجي، أمتى؟ وحشت، يني أ، أوي، دمعت عين ريتال على الفور حينما سمعت الطريقة التي يتحدث بها فالمرة الأخيرة التي رأته فيها كان يتحدث بوضوح ودون أي تلعثم.
أنتَ كمان يا حبيبي، متقلقش أنا هيجيلك قريب إن شاء الله.
كذبت ريتال وإن كان في نيتها فعل ذلك من أجله لكنها كانت تعلم أنه ليس في مقدورها فعل ذلك فهي قررت منذ زمن بعيد ألا تخطو قدمها ذلك البيت مرة آخرى، تحدثت إلى شقيقها لبعض الوقت وحينما انتهى الحديث بينهم حاول صالح إيجاد مواضيع للتحدث إلى ريتال لكن الأخيرة أنهت المحادثة سريعًا متحجة بإنشغالها بالمذاكرة.
مرت الأيام التالية سريعًا حيث تبقى سبعة أيام فقط على حفل زفاف زينة، ذهب ياسين لتفقد تليد والذي كان يشعر بالتوعك.
تليد أنتَ كويس؟ سأل ياسين فور رؤيته لصديقه والذي كان ذابل العينين شاحب الوجه، حاول تليد أن يُجيب على ياسين لكن غلبه السعال فأخذ يسعل بشدة قبل أن يقول:
أنا كويس مفيش حاجة.
مفيش حاجة أيه؟ وريني كده، يالهوي ده أنتَ سخن مولع يا ابني، مروحتش لدكتور ليه؟
مقدرتش أروح لوحدي، تسنيم وخالتو بايتين في شقة خالتو من إمبارح وأنا مش قادر أسوق ولا أعمل أي حاجة.
طب ومكلمتنيش ليه؟
مش قادر أنا يادوب بعتلك المسدچ ونمت حاسس بصداع فظيع مش قادر أفتح عيني.
قال تليد بوهن وهو يسعل بقوة مرة آخرى قبل أن يُلقي بجسده على السرير بإهمال، جلس ياسين على طرف الفراش وهو يُمسك بهاتفه بينما يقول:
أنا هكلم الدكتور يجيلك هنا يطمن عليك وهشوف لو في حقنة ولا حاجة تنزل الحرارة دي لأن غالبًا الكمدات مش هتبقى كفاية.
لا حقن لا!
معلش أنا عارف إنك مبتحبهاش بس أنتَ بالوضع ده هتفطس مني.
أنا بجد متضايق أوي، فرح طنط زينة كمان أقل من أسبوع وأنا بالشكل ده مش هقدر، أروح. تحدث تليد بإستياء شديد وهو يسلع ليتنهد ياسين قبل أن يقوم بوضع مقياس الحرارة أسفل لسان تليد بالإكراه بينما يقول:
متقلقش ومتفكرش في حاجة إن شاء الله عقبال الأسبوع الجاي تكون خفيت.
طيب ممكن تبعت مسدچ لريتال، تقولها إن أنا تعبان وأحتمال مقدرش أجي الفرح.
أنتَ بتتلكك علشان تكلمها يعني؟
لا والله هي كانت بعتالي ال Location الموقع الجغرافي بتاع المكان والميعاد وأكدت عليا أجي أنا وماما وأنتَ وتسنيم أختي كمان. وضح تليد ليومئ ياسين بحسنًا قبل أن يُمسك هاتفه وينفذ ما طلبه منه صديقه.
بالفعل في خلال ساعة جاء الطبيب لفحص تليد ومن ثم قام بحقنه بدواء خافض للحرارة وآخر من أجل آلم المعدة، ظلت حرارته مرتفعة لبعض الوقت قبل أن تبدأ في الإنخفاض التدريجي وفي تلك الأثناء كان تليد يتحدث بجمل عشوائية لا معنى لها أقرب إلى التخاريف والتي كان جميعها يحمل اسم ريتال...
في صباح يوم الزفاف، كانت زينة داخل حجرتها في منزل والدها وكانت قد انتهت من تبديل ثيابها ووضع مساحيق التجميل، نظرت إلى إنعكاسها في المرآة لتنبهر بمظهرها في البداية قبل أن تسألهم بتوتر شديد:
شكلي حلو؟ حاسة شكلي أو?ر أوي وبعدين أيه الرموش دي كلها؟ هطير بيها ولا أيه؟
شكلك زي القمر والله ما شاء الله، دلوقتي مستر راضون يدخل ويعيط ومشهد مؤثر وحركات بقى وأنا أهلي أتوفوا وهتخلوني أنهار. عقبت مريم بحديث جاد لكنها غلفته بنبرتها الساخرة المعتادة، دلفت ريتال إلى الحجرة لترى هيئتها والدتها وبمجرد أن فعلن أنهمرت الدموع من عيناها تلقائيًا.
شكلك زي القمر يا مامتي، الحمدلله إن أنا أخيرًا شوفتك مبسوطة وسعيدة، أنتِ تستحقي كل حاجة حلوة بس أنتِ اللي كنتِ ظالمة نفسك بس الحمدلله دلوقتي عرفتي قيمتك واختارتي الشخص اللي يعرف يقدرك صح. أفصحت ريتال عن كل ما يجول في خاطرها لتعانقها زينة عناق قوي قامت مريم بفصله وهي تقول ممازحة إياهم:.
ده تمن الميكاب أرتست لسه مبردش وأنتوا هنا عماليين تعيطوا وتبوظوا شغل الست، زينة زينة فؤاد وصل وبيكلكس بالعربية! أنهت مريم حديثها بذلك الخبر الحماسي لتنتفض زينة من مقعدها وكادت أن تتعثر في ثوبها الأبيض الطويل.
كان ثوب زينة من الدانتيل، لم يكن الفستان كبير الحجم بل كان متوسط يسمح بها بالحركة، ارتدت حجاب رأسها الأبيض والذي كان طويل نسبيًا والذي تم تزيينه بتاج صغير الحجم، كانت زينة تضع القليل من مساحيق التجميل والتي كانت ذات ألوان هادئة قريب إلى لون بشرتها وكان ذلك بناءًا على رغبتها.
أما عن ريتال فكانت ترتدي ثوب بلون الكافيه كما يطلقون عليه، كان مصنوع من قماش الستان وكان تصميمه يناسب جسدها النحيف بحيث لم يُظهر مدي نحافتها، أما عن وشاح الرأس فكان باللون الأبيض، والذي أصبحت ترتديه بكثرة بعد أن كانت تكره ارتدائه حينما كانت تتعرض للتنمر بسبب لون بشرتها في السابق، وضعت ريتال مساحيق تجميل جميعها يميل إلى اللون البني ليتماشى مع لون ثوبها.
يعني يا فريدة شكلي حلو بجد؟ الألوان دي مش مسمراني زيادة؟
والله العظيم زي القمر وهتشوفي الناس هتقول أيه لما يشوفوكي ده مش بعيد توقعي عشرة في غرامك ده غير تليد وصالح يعني.
طمئنتها فريدة مع ابتسامة صغيرة قبل أن تنهي حديثها بعبارة ساخرة كالمعتاد، قلبت ريتال عيناها بتملل في البداية قبل أن تقول الآتي بأعين حالمة:
مبسوطة أوي إني هشوف تليد أخيرًا، بس يارب يجي لأنه كان لسه تعبان لحد من يومين كده.
إن شاء الله يبقى كويس علشان مش بعد كل اللي أنا عملاه ده ياسين ميجيش ده يبقى ظلم والله!
طب أتقلي شوية أتعلمي مني.
لا أنا مش عايزة أتقل أنا، أنا عايزة أتخطبله أصل أنا معنديش صحة لحلاوة البدايات والرغي ونعمل نفسنا مشغولين ونتأخر في الرد على المسدچات، أنا عايزة أنجز بصراحة.
أفصحت فريدة عما يجول في خاطرها بكل صراحة فهي لا طاقة لها لتصرفات المراهقة والعبث فإن كان ياسين يكن لها مشاعر الإعجاب كما تفعل هي فمن الأفضل أن يصارحها بالأمر ويأخذ خطوة جدية وإن كان الأمر ليس كذلك فسيتوجب عليها نسيانه تمامًا.
بعد مرور دقيقتين تقريبًا توجه الجميع نحو الأسفل كي يستقبل فؤاد زينة، والذي بمجرد أن رأها ابتسم ابتسامة واسعة وقبل أن ينبس ببنت شفة سبقته مريم وهي تقول ساخرة:
فؤاد لو ناوي تقولها قصيدة زي بتاعت المرة اللي فاتت أبقى قولها في بيتكوا علشان أحنا متأخرين على الفوتوجرافر خلينا ننجز.
طالعها فؤاد بطرف عيناه قبل أن يقترب من زينة ليُقبل جبينها ثم يعاقنها ويهمس في أذنها بشيء ما لم يسمعه سواها، ضحكت هي بخجل بعد أن فصلت العناق تنظر إليه بحب حقيقي كان ذلك قبل أن يعقب هو على حديث شقيقته قائلًا:
الحق عليا كنت مجهزلك مفاجأة، خلاص بقى يا مريم ملكيش نصيب.
أيه ده مفاجأة علشاني أنا؟ طب قول قول،.
قالت مريم بحماس شديد وقبل أن يُجيب عنها فؤاد صدح في المكان صوت باب السيارة وهو يُفتح ليظهر من خلفه شاب في بداية الثلاثينات تقريبًا والذي بمجرد أن لمحته مريم هرولت نحوه لتسحبه في عناق قوي بينما تقول:
ابراهيم، وحشتني أوي.
أنتِ كمان يا روح قلبي، أنا قولت مينفعش أسيبك في يوم زي ده.
قال وهو يفصل العناق ليُقبل وجنتها، بالطبع لم يخلو ذلك المشهد من بعض التعليقات الساخرة من فؤاد فلقد كانت مريم تسخر منه هو وزينة قبل قليل بسبب حديثهم الرومانسي المبتذل من وجهة نظرها والآن هي تفعل المثل مع زوجها والذي عاد أخيرًا من الخارج ليكون إلى جوارها يوم زفاف شقيقها الوحيد.
مرت ساعتين في جلسة التصوير والتي شاركت فيها ريتال وفريدة وجد ريتال وحتى مريم وزوجها، كانت زينة تشعر بالقليل من الخجل من فكرة إلتقاط الصور مع فؤاد أثناء أحتضانه أو ما إلى ذلك.
صدح في المكان صوت العازفيين في الزفة كان جميع المعازيم قد حضروا، أخذت ريتال تبحث بعيناها عن تليد في حين أن صالح كان يبحث بعيناه عنها، كلًا منهم كان يبحث عن من يهمه.
كان تليد يتحدث إلى ياسين لكن حينما لمح ريتال التي كانت تسير نحوه فقد القدرة على النطق وكأن جميع الكلمات غادرت عقله وأنعقد لسانه، لمعت عيناه حينما وقعت عينه على ذلك السلسال الذي ترتديه ريتال والذي كان يحوي الخاتم الفضي خاصته.
أنا، كان عندي كلام كتير محضره علشان أقوله لما أشوفك بس، مش عارف أقول أيه، مفيش أي كلام يقدر يوصف الحلاوة دي، قال تليد وهو يتأمل حُسنها ليدعس ياسين على قدمه لتنبيهه بعدم التمادي في الغزل أكثر من ذلك لكن تليد لم يهتم بل قام بدفعه بخفة ليبتعد عنه قليلًا قبل أن يقول الآتي بأعين تحوي بداخلها حب حقيقي:.
عارفة يا ريتال، أنتِ بشرتك سمراء بلون فنجان القهوة المُعتبر اللي يعدل المزاج، وعيونك سوداء بتلمع كأنها نجمة ظهرت في ليلة مغيمة، جمال رباني مشوفتش منه اتنين في حياتي، قمر والله العظيم زي القمر.
شكرًا، أنا، ماما عايزاني هناك، عن إذنكوا. استأذنت ريتال وهي تسحب فريدة من يدها لتبتعد عن تليد وياسين.
منك لله دخلت الدخلة الأو?ر بتاعتك دي خلتني معرفتش أقول لفريدة ازيك حتى.
ما أنا شوفت البنت أتهوست وبعدين ما الفرح لسه في أوله معاك 3 ساعات تقولها ازيك وأخبارك أيه وسلامات. قال تليد ليزفر ياسين بضيق وهو يراقب فريدة من بعيد والتي لحقت بريتال على الفور وهي تسألها الآتي:
ريتال أنتِ تمام؟
لا شكلي هيجيلي بانك أتاك من حلاوة كلام تليد، يخربيته! قالت ريتال وهي تبتسم ابتسامة بلهاء لتقلب فريدة عيناها قبل أن تُردف الآتي:
طب خفي نحنحة بقى علشان الموضوع وسع منك وطنط زينة لو خدت بالها هتهزقك أنتِ وهو.
حاضر، أيه ده؟ نانسي وحشتيني أوي.
أيه القمر ده يا ريتال؟ شكلك عسول أوي بجد.
وأنتِ قمر كالعادة، أخبارك أيه والجلسات بتاعتك أيه الدنيا؟ سألت ريتال بإهتمام حقيقي، لمعت أعين نانسي حينما تذكرت أدهم قبل أن تقول:
الحمدلله حلوة أوي.
هي أيه اللي حلوة أي؟ الجلسات؟
عيون الجلسات وضحكة الجلسات. أجابت نانسي بأعين لامعة لتقهقه ريتال بقوة قبل أن تقول:
طب ربنا يوفقك في الجلسات إن شاء الله.
وربنا يوفقك أنتِ وتليد، تصدقي إنه برضوا لسه مش طايقني مع إني أفتكرت لما جيه زارني هو والبنات إن خلاص كده، واضح إنه بيحبك أوي يا ريتال ومش بيستحمل عليكي الهواء علشان كده لسه واخد مني موقف. قالت نانسي مع ابتسامة صغيرة لتعقب ريتال على جملتها قائلة:
والله تليد طيب أوي هو أكيد مش قصده هو بس تعبان شوية فتحسيه مخنوق.
لا سلامته. أردفت نانسي وهي تغمز بإحدي عينيها لتضحك ريتال قبل أن تستأذن منها وتذهب لتفقد زينة ومريم.
بعد مرور القليل من الوقت كانت ريتال تقف في أحد الجوانب تراقب الزفاف والجميع من على مسافة، أخرجها من شرودها صوت صالح والذي لم تنتبه إلى وجوده إلا حينما تحدث.
ريتال أنتِ عارفة إن شكلك زي القمر النهاردة؟ قال صالح مع ابتسامة واسعة وهو ينظر إليها، كم بدت جميلة في عيناه وقد شدت انتباهه وكأنها نجمة ساطعة في سماء ليل كسته الغيوم، ابتسمت ريتال ابتسامة صغيرة ظن صالح أن تدل على السعادة أو ربما الخجل من تعليقه لكن في الواقع لم تكن سوى ابتسامة ساخرة ختمتها بالتعليق الآتي:.
اه، تليد قالي نفس الجملة دي بالضبط من خمس دقائق. أعتلت الصدمة ملامح وجهه بينما يطالعها بثغر فارغ لا يدرِ ماذا يقول قبل أن يعقد حاجبيه وقد أمتعض وجهه وهو يقول مستنكرًا:
أفندم؟
والله العظيم بكلمك بجد، لا تكون يعني فاكر نفسك الوحيد اللي شايفني حلوة، عارف أيه الأهم من رأيك ورأي أي حد؟ رأيي أنا وإن أنا شايفة نفسي حلوة. تحدثت ريتال بثقة شديدة، لقد كانت هذه المرة هي الأولى التي تشعر بها ريتال بالثقة من مظهرها وهيئتها حتى وإن كان شعورًا زائفًا مؤقتًا.
اتغيرتِ أوي يا ريتال.
طب الحمدلله، ده معناه إن العلاج النفسي جايب نتيجة، ما أنتَ عارف إن أنا بتعالج مش كده؟ عقبت ريتال على جملته بمرارة شديدة وهي تبتسم ابتسامة جانبية ساخرة، زفر صالح بضيق قبل أن يسألها الآتي بحزن وإستنكار واضح:
أحنا ازاي وصلنا للمرحلة دي؟ ازاي أنا وأنتِ بعدنا كده؟ مبقتش عارف عنك حاجة ولا حتى فاهمك، وكأنك واحدة غير اللي أتربيت معاها سنين.
معلش يا صالح الأيام بتغير، أنتَ كمان مبقتش صالح اللي أنا أعرفه وواثقة أن أنتَ مبقتش عارف نفسك حتى.
كان حديث ريتال حاد وقاسٍ إلى حدٍ كبير لكنه كان صادق في الوقت ذاته فلم يكن صالح يعرف نفسه، لقد كان تائه وضائع لا يعرف ماذا يريد ومن يكون، أخذ صالح نفس عميق قبل أن يقول بآسى:
عندك حق، أنا أسف، عن إذنك. استأذن منها قبل أن يذهب للجلوس إلى جانب عمته ونانسي بعد أن ألقى نظرة أخيرة على ريتال.
تنهدت ريتال تنهيدة طويلة قبل أن يُصيب جسدها رجفة من برودة الجو، وقفت تتأمل مياه البحر والتي لحسن الحظ كانت ساكنة إلى حدٍ كبير، قطع صمتها وتأملها صوت تليد والذي ظهر من اللامكان وهو بيأل الآتي بإستنكار شديد:
كان عايز منك أيه العيل الملزق ده؟
ولا حاجة كان بيقولي مبروك. كذبت ريتال تجنبًا لحدوث أي شجار بين تليد وصالح فلقد كانت تعلم أن كلاهما متهور وسريع الغضب، أمتعض وجه تليد وهو يضغط على أسنانه بغيظ قبل أن يقول:
هتصيعي عليا يا ريتو ولا أيه؟ شكلك متضايق وكنتِ بتتكلمي بإنفعال، قوليلي عملك أيه وأنا أروح أ، كاد أن يقول شيء على سبيل التهديد أو ربما شيء كان ينوي فعله حقًا هي لا تدرِ لكنها قررت إنقاذ الموقف قائلة الآتي:.
بس بس أنتَ هتعمل حوار وتبوظ فرح ماما؟ ده كمان تُدين تدان، يرضيك حد يتخانق يوم فرحك ويبوظه ها؟
فرحنا، لا مرضاش ولو حد عمل كده هسيبك في الكوشة وأقوم أكسر القاعة فوق دماغه.
قال تليد بجدية لتضحك ريتال بصوت مسموع للدرجة التي جعلت صالح ينظر إليهم بنظرات حارقة قبل أن يغادر مقعده بحركة سريعة وهو يتجه نحو ريتال ليسحبها من ذراعها بعيدًا عن تليد، حاولت التملص به بينما تقول:
إيدي يا صالح سيب إيدي!
أيه يا نجم أنتَ عبيط ولا أيه؟ شايفها واقفة مع دكر بط؟ سأل تليد بإستنكار واضح وهو يسحب يد ريتال من خاصة صالح ويجذبها برفق لتقف خلفه وكأنها تحتمي بظهره.
أقترب صالح منه ودفعه في صدره بقوة، في البداية لم يُبدِ تليد ردة فعل لكنه سرعان ما خلع الخواتم المتعددة التي زينت أصابعه قبل أن يلكم صالح لكمة قوية جعلت الأخير يفقد توازنه، أمسك صالح بأنفه بآلم شديد وكاد أن يلكم تليد لولا أن وقفت ريتال في المنتصف بينهم وهي تقول الآتي بغضب:
أيه اللي أنتوا بتعملوه ده؟ أنتوا أتجننتوا؟
الحيوان ده جاي يشدك من إيدي زي الدبيحة ولا عامل أحترام ليكي ولا أحترام إنك واقفة مع راجل! بصق تليد كلماته بحنق شديد وهو يعيد ترتيب خصلات شعره ليبتسم صالح ابتسامة ساخرة قبل أن يقول بإستهزاء شديد:
وهو فين الراجل ده؟
طب تعالالي وبطل تتحامى في ريتال وأنا أوريك الراجل يا سُكر. تحدث تليد بتحدي شديد ليضم صالح قبضته ويقترب من تليد رغبة في لكمه لولا أن قامت ريتال بدفع صالح من صدره بعيدًا قبل أن تقول الآتي بإستياء واضح وهي توبخ كلا الشابين:.
كفاية بقى كفاية، أنتوا جايين هنا علشان تباركوا وتفرحوني مش تبوظوا الفرح وتنكدوا عليا وبعدين أنا مش لعبة في إيدكوا كل واحد يشدني ناحيته شوية أنا إنسانة على فكرة! لحسن الحظ أن الكل كان منشغل في الرقص وأن الموسيقى كانت صاخبة للدرجة التي جعلت صوت شجارهم غير واضح.
أنتِ اللي بدأتي وغلطانة وكمان بتبجحي؟
صدر هذا التعقيب من صالح حيث أنه كان يرى أن كل ما فعله هو مجرد ردة فعل لتصرف ريتال ألا وهو تحدثها إلى تليد والمزاح معه على عكس تليد الذي أدرك خطأؤه على الفور وركض خلفها وهو يعتذر منها قائلًا بنبرة تنم عن شعوره بالذنب:
ريتال استني طيب أنا أسف والله حقك عليا، أنا مكنش قصدي خلاص متزعليش.
سيبني يا تليد لو سمحت.
لا مينفعش أسيبك وأنتِ زعلانة مني، أنا أسف بجد ومفيش مبرر للي عملته أنا وهو علشان دي قلة أدب مننا أحنا الإتنين. تحدث تليد أسف حقيقي وقد قام بتوبيخ نفسه بنفسه وهو وصالح لتبتسم ريتال رغمًا عنها وقد توقفت لتسمع ما عِنده.
خلاص يا تليد أنا مش زعلانة بس أنا حقيقي مش حابة جو البنت اللي الولاد بيتخانقوا عليها، لا دي شخصيتي ولا دي الطريقة اللي أحب إن الناس تشوفني أو أشوف نفسي بيها.
عندك حق أوعدك اللي حصل مش هيتكرر تاني وأوعدك إن أنتِ مش هتشوفيني بعد النهاردة غير لما يكون في حاجة بجد.
حاجة بجد؟
اه، حاجة رسمي يعني، أوضحلك أكتر من كده أيه طيب؟
سأل تليد وهو يضحك لتبتسم ريتال ابتسامة خجولة وقد لمعت عيناها، تحاشت النظر إليه وتركته يقف وحيدًا وذهبت للوقوف إلى جانب فريدة التي كانت تراقب ما يحدث من مسافة قريبة.
كانت الأجواء تنم عن سعادة حقيقية، الجميع سعداء منهم من يثرثر مع من يجلس إلى جانبهم، منهم من يرقص على الأنغام الهادئة، البعض يتناولون الأطعمة الخفيفة والمشروبات التي تم تقديمها، الفرح يملأ المكان وكل أحبة زينة وفؤاد يحيطون بهم لكن تلك الأجواء السعيدة كانت على بعد خطوة أو اثنتين من الإنتهاء ففي مكان ليس بعيد كان هناك من ينوي تدمير كل شيء...
في مكان ليس ببعيد وقف عبدالرحمن يراقب الحفل والجميع بحقد وغيرة ولو كانت النظرات قادرة على التأثير لأحترقت المركب بكل من على متنها، أمسك عبدالرحمن بذلك السكين الحاد وقد أطبق يده على قبضة السكين قبل أن يسير بضع خطوات نحو السُلم وقد كانت نيته سوداء تمامًا كقلبه فلقد قرر أن يجعل من ليلة الزفاف السعيدة ليلة عزاء ونواح...