رواية همس السكون للكاتبة فاطمة علي محمد الفصل التاسع والعشرون
الخامسة مساءًا.
الصالون الرئيسي بالقصر.
جلس جميع أفراد العائلة بطرف واحد وهو طرف أميرة "السيوفي" المدللة. يجلس "ثائر" وإلي يمينه "حاتم" وإلى يساره "خالد"، يحتلون تلك الأريكة الرئيسية بكبرياء عائلتهم المتأصل بدمائهم. تجلس "فريدة" وإلى يمينها "نجلاء" وإلى يسارها "حنان" بإحدى الأرائك الأخرى. يحتل "عبد العزيز " أحد المقاعد، والمقعد المجاور له يحتله "عمر" بكبرياء وشموخ مصطنع.
أما الفتيات الأربع فإحتلت غرفة "هيا" التي تشتعل عشقًا وهيامًا، لتركض نحو مرآتها بين لحظة وأخرى لتطمئن على هيئتها بفستانها القرمزي الطويل وأكتافه العارية، وخصلاتها المتمردة، تحت أنظار الفتيات وهمساتهن السعيدة، لتهتف "هيا" بتوتر :
مش قادرة، حاسة إني قلبي هيقف من الفرحة... أخيرًا حلم عمري اللي إستنيته سنين هيتحقق، أخيرًا أنا و"حمزة" هنكون مع بعض، أخيرًا هيخطبني وشوية ونتجوز.
رفعت "ضحي" أحد حاجبيها بإستنكار مردفةً بصرامة :
إتقلي يابت شوية، مالك ملهوفة على الواد كده ليه؟!!
أينعم هو قمر كده وبرنس وراسي في نفسه زي بقيت العيلة!!!
وأينعم عجبتني حركة الصبح بتاعة (نعم يا روح خالتك)!!!
وأينعم هو حب الأيام والسنين، يعني العشق كله !!!
بس برضو كل ده مش مبرر إنك تكوني خفيفة و هبلة بالشكل ده!!!
إتسعت إبتسامة الفتيات المتهكمة ، لتقطب "هيا" جبينها بإستياء، مردفةً بسخط :
أيوة ياختي.... ماهو حبيب القلب من أول ماشافك كان هيتجنن ودماغه هتلسع، أسبوعين وإتجوزتوا، وست "همس" اللي قاعدة تضحك دي كمان، أبيه "ثائر" أول ما شافها حلف لتكون مراته وأم عياله، لكن المسكينة "هيا" سي "حمزة" مطلع عينها من يوم ماوعيت على الدنيا مرة يحبها، ومرة يبعد عنها... فهتحسوا بيها إزاي يعني؟!!!
إقتربت منها "هايدي" بإبتسامتها المرحة، لتحتضن كتفيها بذراعها، مردفةً بتأييد :
أيوه يا "يوكا" دول عيال رخمة، سيبك منهم وخليكي معايا أنا اللي حاسة بيكي يا قمر إنتي..... بس برضه لازم تتقلي شوية بلاش الدلقة دي.
تعالت ضحكات الفتيات الأربع بسعادة، لتدوي أصدائها بأرجاء الغرفة.
عودة للصالون.
جلس "حمزة" مقابلًا للجميع بكبريائه وجديته المعهودة، إستقام بجلسته، ليتكأ بساعديه أعلى متكأي المقعد، مردفًا بنبرة رزينة وصوت رخيم :
يسعدني ويشرفني أطلب إيد صاحبة الصون والعفاف الأنسة "هيا السيوفي" لذاتي وبذاتي، عشان تكمل معايا أيامي الجاية.
مط "ثائر" فمه بلا مبالاة، ليحرك رأسه عدة مرات مردفًا ببعض السخرية :
إممممممم.... وحضرتك جايلنا بطولك كده، مفيش حد كبير؟!
فين أهلك يا أستاذ "حمزة"؟ ، ماجوش معاك ليه؟ ، مقاطعينك ولا حاجة؟!
رمقه "حمزة" بنظرات نارية سرعان ماخمدت وتحولت إلى إبتسامة هادئة متصنعة، ليردف بجدية :
والله حضرتك أنا اللي هتجوز مش أهلي ، وبرضه أعتقد إني كبير بما فيه الكفاية لأني أشيل مسئولية نفسي وأتحمل مسئولية قراري، فأكيد مش محتاج حد يكون معايا عشان يشيل عني.
أومأ "خالد" برأسه عدة مرات، ليردف بجدية :
تمام يا عم المسئول... هتعيش بنتنا فين؟.. ده في حالة لو وافقنا على طلبك ده من الأساس، فلازم تقولنا كل ظروفك ومخططاتك.
ضيق "حمزة" عيناه بغضب، ليتحول إلى إبتسامة ماكرة، فيردف بخبث :
والله حضرتك أنا عندي شقة ٣٠٠ متر في التجمع الخامس، ومفروشة كمان بكل حاجة ممكن يحتاجها أي بيت عصري، فأعتقد أنها هتكون سكن مناسب جدًا لإتنين في أول حياتهم الزوجية.
أردفت "فريدة" مستنكرة :
شقة في التجمع!!!
حضرتك بتهزر؟!!!... بنتنا مش هتبعد عننا مللي واحد..... يعني لو وافقنا على الجوازة دي لازم تعيش معانا في القصر.
رمقها "حمزة" بنظراته الثابتة، ليردف بصرامة :
حضرتك أنا مش عويل عشان مقدرش أجيب لمراتي شقة تعيش فيها، وكمان ماقبلش على كرامتي إني أعيش في بيت أهل مراتي.
هب "حاتم" من مجلسه، ليردف بحنق :
وإحنا ماعندناش بنات للجواز يا أستاذ "حمزة"، لأن شرطنا الوحيد إن بنتنا تعيش معانا في القصر، وحضرتك قولت إن كرامتك ماتقبلش تعيش في بيت أهل مراتك، يعني طلبك مرفوض.
تنهد" حمزة" براحة، ليسترخي قليلًا بمقعده، مردفًا بتأييد :
تمام... لو شقة التجمع مش عجباكم... أنا ممكن أجهز الجناح بتاعي في قصر "السيوفي" ونتجوز فيه، وأعتقد كده هنرضي جميع الأطراف، يلا بقا نقرا الفاتحة، ولا مش حافظها يا حاتم " بيه.
رفع كفيه أمام وجهه ذاكرًا إسم الله الرحمن الرحيم، ليغمض عينيه ويبدأ بتلاوة الفاتحة وسط نظرات الصدمة والإستنكار من الجميع.
ما إن إنتهى من تلاوتها حتى تعالت زغاريد "حنان" المدوية، وإتسعت حدقتا الجميع صدمة،ليهب "عبد العزيز" من مقعده ويتجه نحو "حمزة" فيصافحه بسعادة، وينهال عليه بسيل من التهاني والمباركات.
إلتقط "عمر" هاتفه ليُجري إتصاله بشقيقته، مردفًا بسعادة :
باركي لـ "هيا" قرينا الفاتحة.... يلا إنزلوا بسرعة "نونا" شغالة زغاريط.
لحظات وإنضمت الفتيات إليهم وتعالت زغاريد "ضحي" و "هايدي" لتتسابق مع زغاريد "حنان" ولا زالت صدمة الجميع تنهش ملامحهم ، فلم يقرأوا الفاتحة بعد، ولم يعلنوا قبولهم من الأساس، فذلك المحتال خدعهم وإنتصر عليهم بحيلة وخداع.... أكانت عائلة" عبد العزيز " تآزره في الخفاء؟!!.
أم طيبة هذه العيلة هي محركهم الأساسي للسعادة من أجل الجميع؟
ركضت "هيا" نحو "ثائر" ذلك المتسمر مكانه بدهشة تغلف تلك الفرحة العارمة لأجل أخوته، نعم... فهو يعلم عشقهما المتيم، حتى وإن تأخر "حمزة" في الشعور والبوح به.
فكم من عشق متواري تحت مظلة العشرة والتعود؟
لتتعلق بعنقه بسعادة، مردفةً :
حبيبي يا أبيه "ثائر"... أنا بحبك قوي.
ربتّ "ثائر" على ظهرها، رامقًا شقيقه بإبتسامة إعجاب لذكائه، فيردف بسعادة :
ألف مبروك يا حبيبتي.... ربنا يسعدك ويهنيكي يارب.
علامات الضيق والإستياء تستوطن ملامح" خالد" ليردف مستنكرًا :
مبروك!
ماشي يا "حمزة" حسابنا بعدين، بتضحك علينا وتحطنا قدام الأمر الواقع.... ماشي.
إتسعت إبتسامة "حاتم" الفرحة ليتجه نحو "حمزة" فيربت على كتفه مردفًا بسعادة حقيقية :
مبروك يا "حمزة"، ربنا يتمم لكم على خير يارب.... حطها في عنيك، إنت واخد قلبي وقلب عيلة "السيوفي" كلها، إوعي تزعلها أو تضايقها في يوم،
لتتحول نبرته إلى أكثر صرامة :
لأن يومها إنت اللي هتزعل وهتزعل قوي كمان.
إتسعت إبتسامة "حمزة"، ليردف بتأكيد :
"هيا" في قلبي ودمي يا "حاتم" وإنت متأكد من كده كويس قوي..... ربنا يخليها ليا وأقدر أسعدها لآخر نفس فيّا.
إنهالت المباركات على "حمزة" و "هيا" من الجميع، لتعم السعادة والفرحة قلوب تلك العائلة بعد غياب طويل.
إقترب "حمزة" منها وسعادة العالم أجمع تكاتفت لتضيئ معالم وجهه، فيهمس بشفتاه فقط :
بحبك.
تسارعت دقاتها لتعزف أنشودة عشق متيم،لتشتعل وجنتاها إحمرارًا، ويزداد بريق عيناها توهجًا، فتهمس بصوت يكاد مسموع :
مبروك يا حبيبي.
لتجد من يقتحم لحظتهم هذه، ويحاوط كتفاها بذراعه الحانية، مردفًا بغيرة حقيقية :
بتعملي إيه هنا يا "يوكا"... "ضحي" كانت بتسأل عليكي.
ضيقت "هيا" عيناها مستنكرة، لتردف :
"ضحي"!
حمحم "خالد" مردفًا بجدية :
أيوة... والبنات كمان، هتلاقيهم في الجنينة منتظرينك.
أومأت "هيا" برأسها قبل أن تردف :
تمام... هطلع أجيب شال لأن الجو بره برد، وهنزل أروح لهم على طول.
غادرت" هيا" ليبقى "خالد" و "حمزة" بالغرفة بعدما إنصراف الجميع، "عبد العزيز " مع "ثائر" في حديث عن أحواله مع إبنته، ومناقشة بعض الأمور العامة.
"حاتم" مع "عمر" يتنافسان في لعب الطاولة.
"حنان" و"نجلاء" و "فريدة" بغرفة المعيشة يشاهدن التلفاز ويتسامرن كثيرًا. أما الفتيات الثلاث فيلتفن حول إحدى الطاولات المستديرة بحديقة المزرعة، يتجاذبن أطراف الحديث، ويستعدن بعض المواقف المضحكة.
تنهد "حمزة" ببعض الحنق، ليردف بهدوء :
أنا عارف إن البنات مش عايزنها ولا حاجة، فماتخلنيش أحطك في دماغي يا "خالد" وأخليك ما تعرفش تتلم على "ضحي" خمس دقايق على بعض، فخلينا حلوين أحسن، بدل ما أقرفك في عيشتك... أوك يا "لودي".
ليغادر الغرفة بإبتسامته الساخرة، تاركًا خلفه ذلك الذي يستشيط غضبًا فيقسم "خالد" :
والله لو زعلتها في يوم يا "حمزة" لأخلي إخواتك تدور عليك ولا تلاقيك.... فاهم يا إبن "السيوفي".
غرفة المعيشة.
جلست "فريدة" و "نجلاء" و"حنان" يشاهدن فيلم" الحفيد" وتلك الإبتسامة المتمنية تكسو ملامحن، لتميل "حنان" بجذعها نحو حقيبة يدها، لتلتقطها بإبتسامة، فتفتح ها ملتقطة بكرتين من الصوف الملون، وإبرتين للتريكو، فترمقها "نجلاء" بدهشة، مردفةً بتساؤل :
إيه ده يا "نونا"؟!
إتسعت إبتسامة" حنان" المرحة، لتردف بتأكيد :
خيط و إبر تريكو.
أومأت "نجلاء" برأسها قبل أن تردف بتأكيد :
أيوه... أنا عارفة إن ده خيط وإبر تريكو، بس بتعملي إيه؟
رفعت "حنان" أنظارها نحو شاشة التلفاز، لتومأ برأسها بإبتسامة زادت إتساعًا :
عشان الحفيد يا" نوجا".... بإذن الله ربنا يكرم "ضحي" و "همس" بالحفيد اللي بستناه وبدعي ربنا يكرمهم بيه.
إتسعت إبتسامة "فريدة"، لترفع عيناها نحو خالقها مردفةً برجاء :
يااارب... ياااارب.
لتدنو بأنظارها نحو ذلك الصوف والإبر المعدنية، لتهتف بسعادة وفرحة :
جدعة يا "نوجا"... أنا كمان عايزة أعمل لأحفادي حاجات من دي.
إلتفت نحوها "نجلاء" بأنظارها المندهشة، لتردف بسعادة :
إنتي بتعرفي تعملي تريكو يا ماما؟!!
لتحرك "فريدة" رأسها نافية، قبل أن تردف :
لأ.... بس "نونا" تعلمني عشان أعمل لأحفادي حاجة من صنع إيديا.... هكون يومها أسعد مخلوق على وش الأرض.
ربتت "نوجا" على يد "فريدة"، مردفة بإبتسامة :
ربنا يسعد أيامك يا ماما...وأنا كمان هتعلم التريكو عشان أحفادي.... الله... حلوة الكلمة دي قوي.
إلتفتن نحو "حنان" التي بدأت بالفعل في تعليمهن أصول التريكو، وسط محاولات فاشلة من "نجلاء" و محاولات ناجحة من "فريدة" وضحكات مدوية من ثلاثتهن.
حديقة المزرعة.
تحديدًا طاولة الفتيات.
إرتشفت" همس" مشروبها البارد بتلذذ، لتُتم إبتلاعه مردفةً بسعادة :
أكتر عصير في العالم بيسعدني، ياخدك كده لعالم تاني.
لتتعالي ضحكات" هايدي" لتردف بتذكر :
فاكرة آخر مرة كنا فيها في الكافية، فاكرة الجارسون كان بيبصلك إزاي؟!
تعالت ضحكات "ضحي" هي الأخرى، لتردف بمزاح :
ده كان هاين عليه يقتلك، أو ياخدك المطبخ جنب عصارة البرتقان.
إرتشفت "همس" بعضه بتلذذ أكثر، لتردف بإستنكار مقلدة صوت ذلك الجارسون :
يا أستاذة حضرتك دي عاشر كوباية برتقان، وكله فريش، وفيه ناس تانية عايزة تشرب برتقان.
لتعود إلى نبرتها الأصلية مردفةً بإستياء :
وأنا مالي لو ماكانش عندهم عصير كفاية!!
وبعدين ما أنا هدفع تمنه زي زي أي حد.
دي إيه الناس الغريبة دي؟!!!
صدح هاتف "هايدي" بنغمة مميزة لوالدتها، لتلتقط الهاتف وتجاوبها ولازالت ضحكاتها تدوي بالأنحاء، لتتلاقط أنفاسها بصعوبة، وتبدأ في التحدث بهدوء :
أيوه يا حبيبتي.
والدة "هايدي":......
"هايدي":
الحمد لله تمام، والبنات بتسلم عليكي.
والدة "هايدي":.......
"هايدي":
بكرة بإذن الله يا حبيبتي.
والدة "هايدي":......
نهضت "هايدي" من مقعدها، لتبتعد قليلًا عن الفتيات، وتردف بإستنكار :
عريس!!
عريس إيه ده يا ماما؟!!!.. أظن إني قولتلك إني رافضة الكلام في الموضوع ده دلوقتي، لحد ما أتخرج وأشتغل.
لتتبادل "همس" و" ضحي" النظرات الغامضة فيما بينهما، لتتحول سويًا بتلك النظرات إلى" هايدي" و من ثم إلى "حاتم" المنشغل بلعب الطاولة مع "عمر"، لتعودا بنظراتهن نحو بعضهما البعض، لتردف "همس" بشرود :
عريس.
أردف "ضحي" بذات الشرود :
"حاتم".
لتجد من يضع يده أعلى كتفها ويميل نحوها بجذعه، ليهمس إلى جوارها بعشق :
بتفكري فيا... صح؟.
إرتفعت "ضحي" بعنقها لتلتفت نحوه مردفة بمشاكسة :
لأ طبعًا.... هفكر فيك ليه يعني؟!!
واحشني مثلًا، ما إنت قصادي أهو ياقمر إنت وكل ماإتلفت ألاقيك في وشي.
وضع "خالد" كفه أعلى مضخته، ليهتف بسعادة :
قلبي بقا.... أهو إنتي اللي مليون قمر وبنجومهم كمان، يانجمة قلبي، وقمر ليلى.
رمقهما "همس" بتمعن، لتضيق عيناها بتركيز مردفة بجدية :
معلش.. ممكن أقاطع الحاج "جاك" و الست "روز" هانم دول شوية.... تعالي أقعد كده يا "خالد" عايزاك في موضوع مهم.
إستدار "خالد" حول مقعد "ضحي"، ليجلس مقابلًا لهما، وعلامات الجدية والإمعان تلتهم ملامح وجهه، ليردف بثبات :
خير.... موضوع إيه؟!
إلتفتت "همس" بأنظارها نحو تلك التي تتحدث إلى والدتها وعلامات الغضب والإنفعال تنهش ملامحها، لتردف بمكر :
إيه رأيك في "ديدا"؟!!
رفع "خالد" أحد حاجبيه بدهشة من هذا السؤال المباغت، ليردف بإستنكار :
مالها؟!!
إلتفتت بأنظارها نحوه لترتسم معالم الجدية بوجهها، وتردف بحزم :
عايزين نجوزها لـ "حاتم"... عايزين مساعدتك.
فرك "خالد" ذقنه بأنامله، ليشرد قليلًا في حال شقيقه صباحًا، وغيرته على جارته أو نخوته، فـ "حاتم" خرج من تجربة قاسية لم يتجاوزها بعد، فأي زواج وأي إرتباط هذا؟!
لكن... أيعقل أن تكون "هايدي" هي بوابة عبوره لتلك المرحلة؟!!
أم ذلك الإرتباط يكون به ظلم لـتلك الفتاة الطيبة؟
إذن وجب التعامل بحذر مع تلك الحالة، وجب التفكير والتخطيط بدقة، فالأمر يستحق المخاطرة، فـ "هايدي" ستكون زوجة صالحة، ستعد شقيقه وتأخذ بيده ليعبرا سويا إلى شاطئ العشق المتيم، ليردف "خالد" بشرود :
تمام.
إقتربت منه "ضحي" بجذعها، لتهمس بصوت خافت :
تمام إيه؟!
حرك "خالد" رأسه بقوة، ليعتدل بمقعده، مردفًا بإبتسامة حماس:
لازم نلعبها صح.... يعني نشاور لهم على بعض وهما حرين يا يقربوا يا يبعدوا..... عشان مانظلمش "ديدا".. "حاتم" لسه خارج من تجربة قاسية، مالحقش يتعافى منها، بس لازم اللعب يكون بذكاء، يعني نشوف كل واحد فيهم شايف التاني إزاي؟.... وبعدين مرة في التانية من كتر ما بيتكلموا عن بعض، هيفكروا في بعض.
إنضمت إليهم "هايدي" وملامحها تستشيط غضبًا، لتجذب مقعدها وتجلس إليه صامتة، ليرمق الثلاث بعضهما البعض بنظرات غامضة، فينهض "خالد" من مقعده متجهًا نحو ثنائى الطاولة، فقد حان وقت تنفيذ مخططهم.
حلّ محله ذلك الثائر بنظراته الصارخة بالإشتياق لمن ملكت زمام قلبه وإحتلته، فيسترخي بمقعده رافعًا ساق فوق الأخرى، ليردف برزانة :
مساء الخير يا بنات... إيه الأخبار؟
إنفرجت إبتسامة "همس" المتيمة، لتردف بسعادة :
مساء النور.... أومال بابا فين؟!!
أردف "ثائر" بثبات :
كان محتاج يريح شوية، فدخل أوضته.
أومأت "همس" برأسها قبل أن تردف :
تمام...
لتشرد قليلًا فقد كانت تنتوي البدأ بلفت أنظار "ديدا" نحو "حاتم" فجاء "ثائر" وأربك مخططها، لتفكر أن تأخذه بعيدًا عن الفتيات لتبدأ "ضحي" في خطتهم، فتنهض من مقعدها، مردفةً برقة :
ممكن نروح نقعد على المرجيحة دي شوية.
إبتسم "ثائر" إبتسامته الماكرة، لينهض من مقعده، مشيرًا بيده نحو الأرجوحة، مردفًا بلطف :
إتفضلي أميرتي.
تسارعت دقاتها إرتباكًا، وإشتعلت وجنتاها خجلًا، فأردفت متلعثمة :
أوك.
غرفة "عبد العزيز ".
دلف إليها بترنح ومعالم الألم والإرهاق تنهش ملامح وجهه كوحش مفترس، ليجد من تدلف خلفه بقلق إعتري ملامحها، ونخر ثنايا قلبها، لتقترب منه محتضنه كتفاه بذراعيها، مردفة بلهفة :
مالك يا حبيبي؟.... شكلك تعبان قوي.
إستند "عبد العزيز " بيده إلى طرف الفراش، ليجلس إليه بألم، مردفًا بتقطع :
الألم...... زايد... النهارده يا" أم همس".
دنت بجذعها منه، لتهتف بلهفة أكثر :
هجيبلك علاجك، هو فين؟!! أنا إديهولك تحطه في جيبك عشان لو تعبت في الطريق.
حرك رأسه نافيًا، قبل أن يردف بكلمات جاهد وتحامل كثيرًا ليتفوه بها :
أنا مارضيتش أجيبه عشان محدش من الولاد يشوفه معايا.... إنت ناسية إن "عمر" كان راكب معانا في العربية.
تنهدت "حنان" بأسي، لتردف باكية :
أنا قولتلك ميت مرة لازم نعرف الولاد، يعني لو ما وقفوش جنبك في تعبك، هيقفوا جنبك إمتى يا "عبد العزيز "؟
أنا هروح لـ "ثائر" أخليه ينزل يشتري العلاج من البلد، أو يقولي على أقرب صيدلية وأنا أروح أجيبه بنفسي.
لتجد من يتشبث بيدها بقوته الواهية، ليردف بأنفاس لاهثة :
إستني يا "نونا" ما تقلقيش الولاد، أنا إن شاء الله هكون كويس بس أرتاح شوية، والصبح كده كده هنرجع القاهرة وهاخد دوايا...
رمقه "حنان" بدمعات منهمرة تكسو وجنتاها بسخاء، نعم... فهو خير الزوج والأخ والصديق، هو رفيق رحلتها، هو سندها بالحياة وأمانها، هو كيانها وأنفاسها المطمئنة، هو ونيسها ومسامرها،لتربت على كتفه بحنان :
لازم نروح للدكتور عشان نعمل العملية، مش هنتأخر أكتر من كده، لو بتحبني يا "زيزو" وافق عشان خاطري.
طرح جذعه للخلف ليستلقي بالفراش، مردفًا بخفوت :
إن شاء الله ياحبيبتي... بس سبيني أرتاح شوية... محتاج أرتاح.
ربتت على صدره بحنان الأم والزوجة والحبيبة والصديقة، لتجذب طرف الغطاء، وتدثره جيدًا. تنحني بجذعها نحوه لتدمغ قبله حانية أعلى جبينه، مردفةً بتوسل إلى الله :
ربنا يخليك لينا يا حبيبي، ويطمنا عليك ويتم شفاك على خير يااااااارب.
حديقة المزرعة
جذب "خالد" مقعد ليجلس إلى جوارهما ويتابع تلك المباراة المحتدمة بينهما بتمعن وتركيز، ليردف بتساؤل :
ها.. مين اللي فايز؟!!
إتسعت إبتسامة "عمر" ليردف بزهو :
أنا طبعًا.... مظبطه من الصبح ولا عارف يرد ولا يصد.
لتتعالي ضحكات "خالد" الساخرة، فيردف بتهكم :
الله عليك يا" حاتم"... كسفت عيلة السيوفي كلها.
رمقه "حاتم" بإستياء، مردفًا بسخط :
ماتيجي تورينا شطارتك بدل ما إنت عمال تتكلم وخلاص.
حرك" خالد" رأسه بنفي قبل أن يردف بمكر :
لا ياعم.... الواد عمر ده شكله حريف طاولة وأنا مش قده.
إلتقط "عمر" طرفي ياقته، ليجذبهما بتباهي مردفًا بكبرياء :
"عمر عبدالعزيز " بطل لعبة الطاولة بلا منازع، إنزل عندنا الحي وإسأل عليه.
إبتسم "خالد" إبتسامة جانبية ماكرة مردفًا بخبث :
أنا لسه هنزل حيكوا، ماهو قدامنا واحد منكوا أهو نسأله... بجد الواد ده صيته مسمع في الحي؟.
حرك "حاتم" الزهر بين يده، ليدفعه برفق، مردفًا بتأكيد :
فعلًا... معروف إنه حريف طاولة، وياريتني ما إتحديته... بس على مين؟
مش هسيبه غير ما نتعادل على الأقل.
أومأ "خالد" برأسه مؤكدًا، ليردف :
فعلًا الحي اللي كنت ساكن فيه ده ناس محترمة وطيبين ويتحبوا، كفاية "همس" و" ضحي".
إلتقط "حاتم" الزهر، ليردف بتأكيد :
عندك حق، ناسه طيبين ويتحبوا، وأهله عارفين الأصول والأخلاق، وإنت و"ثائر" ربنا بيحبكوا عشان إتجوزتوا بنتين زي "همس" و "ضحي".
أردف "خالد" بمكر :
و "هايدي"؟
ليجاوبه "حاتم" بتأكيد ولازال منتبه للعب الطاولة :
" ديدا" ما تختلفش عنهم في حاجة، الصراحة جوهرة زيهم بالظبط.
أردف "خالد" بخبث :
ربنا يكرمها بالزوج اللي يقدر الجوهرة دي ويصونها.
أومأ "حاتم" برأسه مؤكدًا :
فعلًا عندك حق... ربنا يكرمها بزوج يصونها، لأنها تستاهل كل خير، بقالها شهور جارتنا الباب في الباب ماسمعناش منها غير كل خير.. طيبة ومحترمة وهادية، وكمان دمها خفيف وتدخل القلب من غير إستئذان.
إنفرجت إبتسامة إنتصار بشفاه "خالد"، فالخطوة الأولى تمت بنجاح.
الأرجوحة.
جلست "همس" ليجلس إلى جوارها "ثائر" ويرفع ذراعه أعلى ظهر مقعد الأرجوحة، لتصبح "همس" تقريبًا بين أحضانه، فإتسعت إبتسامته العاشقة، وهمس بمشاكسة :
أهو يا "همسي" جينا المرجيحة، كنتي عايزة تقولي إيه بقا؟
إبتلعت ريقها بتلعثم، لتعتدل بجلستها مبتعدة عنه قليلًا، لتجد يده تحاوط كتفاها برفق لتجذبها نحو صدره العريض، هامسًا بتحذير :
إوعي أقرب منك يوم وتبعدي عني يا "همس"... إوعي تخليني أحس الإحساس ده تاني، لأن يومها مش هكون موجود في الدنـ....
لتضع أناملها المرتجفة فوق شفتاه فتقطع حديثه الذي أدمي قلبها، مردفة بصرامة عاتبة :
إوعي يوم تقول الكلمة دي يا "ثائر" لأن يوم ما إنت تبعد عني أنا اللي مش هكون موجودة في الدنيا.... إنت دنيتي يا"ثائر"...
إنت أماني، إنت أنا يا "ثائر" يعني ملكي وكلي، يعني دفا ليالي الشتا، ونسمة الصيف التي تنعش حياتي..... بحبك يا "ثائر"، ومن أول مرة حسيتك إتأكدت إنك هتكون حياتي الجاية، إوعي يوم تبعد عني أو تخذلني... إوعدني إن حضن "ثائر السيوفي " هو وطن "همس عبد العزيز" وعمر ما يكون مسموح لأي أنثى في العالم إنها تقرب منه ولا تحسه... إوعدني يا "ثائر".
رفع يده نحو أناملها التي لازالت تلتمس شفتاه، ليتلمسها بعشق ويدمغ قبلته العاشقة بباطن كفها، ليرفع عيناه نحوها فيجذبها نحو وطنها الذي إحتلته بجدارة، ليهمس قاطعًا وعد بالحياة :
ده وطنك، وإنتي الملكة الوحيدة بيه، أوعدك إن عمرك ماتبعدي عني يوم، أوعدك أني عمر مافيه واحدة خلقها ربنا تقرب منه أو تحسه.... أنتي همسي ووطني وعالمي.... بحبك يا "همس" وعمري لا حبيت ولا هحب غيرك... لو يوم وجعتك سامحيني، لو جه يوم أذيتك غصب عني واجهيني...
دفنت وجهها بين ثنايا قلبه، لتحاوط خصره بذراعيها المتملكة، لتهمس بعشق :
لو شوفتك بعنيا يا "ثائر" هكذبهم، أنا بثق فيك أكتر من روحي.
قبّل رأسها بحنان، مربتًا على ظهرها برفق، ليصدح رنين هاتفه بنغمة مميزة، فيقطب جبينه مردفًا بسخط :
هادم اللذات ومفرق الجماعات.
فتح الهاتف، مجيبًا بإستنكار :
دايما بتتصل في وقت غير مناسب ، نعم.
المتصل :......
زفر "ثائر" بهدوء، ليردف بثبات :
تمام.... أشوفك قريب، مع السلامة.
تململت "همس" بأحضانه، لتحاول أن تبتعد عنه قليلًا، فيشدد من إحتضانها مردفًا بود :
قولنا إيه؟.
أردفت "همس" بجدية :
حسيت إن التليفون ده فيه حاجة ضايقتك.
تنهد "ثائر" بحنق مردفًا :
كان "علي"... بيبلغني إنهم لقيوا "منة" منتحرة في السجن، على ما إكتشفوا الموضوع كانت إتوفت فعلًا.
تنهدت "همس" بأسي لتهمس :
إنا لله وإنا إليه راجعون.... خسرت دنيتها وخسرت أخرتها.
لتبتعد عنه قليلًا وتصبح في مقابلته، لتردف بتساؤل :
هتبلغ" حاتم "، ولا هتعمل إيه؟
فرك "ثائر" وجهه بكفه، ليردف بتأكيد :
لازم يعرف....
ليرفع أنظاره نحوه فيجد السعادة تستوطن معالم وجهه، ليُكمل بثبات :
بس مش دلوقتي.... نسيبه يحس السعادة دي وسطنا شوية، لما نرجع القاهرة هقوله.
طاولة الفتيات.
إلتقطت" ضحي" هاتفها، لتبدأ بتصفح صور كتب كتابها بسعادة تملأ مُقلتاها، لتميل بجذعها نحو "هايدي" وتضع الهاتف مقابلًا لها، مردفةً بمكر :
شوفتي صور كتب الكتاب يا "ديدا"؟
أمالت نحوها "هايدي" بجذعها هي الأخرى، لتهتف بسعادة :
كنت فاكرة أسألك عليهم، بس كل مرة بنسى.... وريني.
لتتابع الفتيات تصفح الصور ومشاهدة اللقطات السعيدة، لتتوقف "ضحي" عند صورة "حاتم" وتتأملها بمكر، مردفة :
تحسي إن "حاتم" مش شبه العيلة دي.. صح؟
حركت " هايدي" رأسها بنفي قبل أن تردف :
بالعكس... فيه شبه كبير بينه وبين "حمزة"، وتحسي إنه ذكي زي "ثائر".
أومأت "ضحي" برأسها قبل أن تردف :
فعلًا... تحسي إنه في ذكاء "ثائر"، وطيبة وحنية "هيا".... الحمد لله إنه مفهوش جنان "خالد"..... تعرفي "منة" دي فعلًا عمرها ما كانت لايقة عليه.
أيدت "هايدي" حديثها لتردف مؤكدةً :
فعلًا والله... كانت مغرورة كده وشايفة نفسها مش عارفة على إيه؟
كانت تشوفني على السلم تبصلي بتكبر وعجرفة، لكن "حاتم" حتة سكر،طيب ومحترم وجدع، مرة قابلني في الشارع وأنا شايلة أكياس من السوبر ماركت، حلف لياخدها كلها مني، ومارضيش يخليني أشيل كيس واحد حتى، وجدعنته مع أهل الحي والخير اللي بيعمله، ربنا يكرمه بواحدة بنت حلال تصونه وتحافظ عليه، هو يستاهل كل خير.
إبتسمت "ضحي" إبتسامة إنتصار خفيفة، فالخطوة الأولى من مخططهم تمت بنجاح.
هب "خالد" من مقعده، ليغلق الطاولة أمامهم، هاتفًا بصياح :
تعالوا يا شباب... الكل يجمع هنا، إحنا مش جايين نقعد زي الطوبة كده، جايين نلعب ونضحك ونفرح.
جذب مفرش الطاولة، ليفترشه أرضًا ويلتقط زجاجة مياه غازية فارغة، ويجلس أرضًا مربعًا قدماه، وإلى جواره "ضحي"، وإلى جوارها "عمر" و "حاتم" و"ثائر" و"همس" و"هايدي".
أردف "ثائر" مستنكرًا :
دي أخرتها رئيس مجلس إدارة "السيوفي جروب " يقعد كده على الأرض.
أجابته "ضحي" بمشاكسة :
منها وإليها نعود يا رئيس.
لتتعالي ضحكات "همس" المؤيدة، فتردف بتأكيد :
صح يا "دودي" عندك حق والله، مفيش زي قعدة الأرض دي وتربعي رجليكي كده... يا سلام.
تعالت ضحكات "هايدي" الساخرة على جلسه ذلك الحاتم، الذي يجلس قرفصاء فتردف مستنكرة :
مكدر نفسك كده ليه يا باشمهندس؟!!
أقعد عادي زينا كده... قعدة مريحة والله... شايف رؤساء مجلس إدارة" السيوفي جروب" قاعدين عادي إزاي؟
عيب عليك ده حتى إنت من حينا بلاش تكسفنا قدام الخواجات.
إفترش "حاتم" الأرض جالسًا بإسترخاء، ليردف بجدية مصطنعة :
لا طبعًا... أكسف فين؟
طول عمر الحي عندنا رافع راسه قدام الأجانب.
نظرات ثلاثية الأبعاد متبادلة بين "ضحي" و" همس" و" خالد " ليلحظها هذا الثائر فيفهم ما يخطط له هذا الثلاثي المرح، فيميل نحو معشوقته هامسًا بمكر :
عجبتني الخطة، معاكوا فيها.
إلتفت نحوه بأنظارها لتذوب بسحر عالمه الآسر، لتهمس بهيام :
بجد؟
همس لجوار أذنها بوله :
بجد.
لتنضم إليهم "هيا" و"حمزة" وإبتسامات السعادة، تضئ ملامحهما فينطفئ ضوء القمر المتوهج مُعلنًا هزيمته وإنسحابه أمام إشتعال نور العشق وضيائه، لتردف "هيا" بسعادة :
الله... بتلعبوا اللعبة دي؟
عايزة ألعب.
جذبها "خالد" من يدها ليُجلسها إلى جواره، مردفًا بإبتسامة :
إقعدي يا" يوكا" جنبي، وإنت يا "حمزة" أقعد جنب "حاتم".
رمقه "حمزة" بإمتعاض، ليومأ له برأسه مردفًا :
ماشي يا خفيف.
يحتل كل منهم موضعه، ليضع" خالد" الزجاجة أرضًا ويبدأ بتحريكها بأنامله، فتبدأ في الدوران السريع، حتى تقل سرعتها تدريجيًا، حتى تتوقف تمامًا، ليهتف "خالد" بسعادة :
"ثائر" هيسأل" عمر".
رمقه" ثائر" بإبتسامة حانية، فحقًا هو يحب هذا الفتى المشاكس، ليردف بجدية :
حلمك... إيه اللي نفسك تحققه يا" عمر"؟
دلك "عمر" خصلات شعره بتفكير، ليردف بتمنى :
نفس أخلص ثانوية عامة وأدخل كلية الشرطة، وأبقى ظابط له كيانه وإسمه، وكمان نفسي أتجوز البت "بسنت"، ولا ممكن لما أبقى ظابط أتكبر عليها وأنساها أصلا، ماهي مش هتبقى قد المقام بقا.
تعالت ضحكات الجميع، لتردف "هايدي" بغضب مصطنع :
كده يا" موري" تخوني وتسيبني عشان خاطر "بسنت" بتاعتك دي؟!!
أنا هنساك وأوافق على العريس اللي ماما جايباهولي.
حرك "عمر" رأسه بنفي قبل أن يردف :
وأنا أقدر يا قلب "موري"... أنا نسيت "بسنت" أصلًا ومسحتها من قلبي، مفيش غيرك في القلب يا "ديدا"... أخلص كلية الشرطة وأتقدملك على طول، بس إرفضي العريس ده إحياة عيالك أشيخة.
إبتسمت "هايدي" بخجل مصطنع، لتردف برقة :
بتكسف... الله.
لتتعالي ضحكات الجميع، فيحرك "خالد" الزجاجة ثانية، حتى توقفت نحو "هيا" لتسأل "همس"، فتبدأ في التفكير بعمق، مردفةً :
إيه الحاجة اللي ممكن تكسر الثقة بين إتنين بيحبوا بعض، أو بالتحديد بينك وبين أبيه "ثائر"؟
لهت "همس" بطرف فستانها، لتردف بجدية :
الكذب.... أكتر حاجة في الحياة ممكن تقتل الثقة، والحب، والأمان، ممكن تقتل كل حاجة حلوة فينا، والكذب اللي أقصده مش كذب الكلام... لأ كذب العيون، لأن الكلام ممكن يكذب ويتجمل، لكن العيون مراية القلب، يعني عمرها ما تكذب أبدًا.
أمال نحوها "ثائر" هامسًا بعشق :
وأنا عمر عيوني ما هتكذب عليكي، حتى لو لساني كذب في يوم.
حرك "خالد" الزجاجة مرة أخرى، لتتوقف نحو "ضحي" لتسأل "حاتم"، فتردف مباشرة، فقد أعدت هذا السؤال مسبقًا :
"حاتم".... ممكن تحب تاني؟
حرك "حاتم" رأسه نافيًا :
لأ....
ليحرك هو الزجاجة هذه المرة، فتستقر نحو "عمر" ليسأل "هيا" فيبدأ "عمر" بتفكير عميق حتى أردف بإبتسامة :
ليه دايمًا كنت بحسك مهمومة ومش سعيدة؟ ، ليه دايمًا بشوف لمعة حزن في عنيكي؟
إتسعت إبتسامة "هيا" لتردف بسعادة :
كنت حاسة إن روحي سايباني وبتبعد عني، لكن دلوقتي روحي رجعتلي.... يعني معتش هموم، ولا حزن، فيه سعادة وفرح وبس.
لتتجه بأنظارها نحو ذلك العاشق المتيم، فتبتسم بعشق، وتدير تلك الزجاجة هذه المرة، إلى أن إستقرت نحو "خالد" ليسأل "هايدي" فيردف بخبث:
"ديدا".... إيه موضوع العريس اللي قولتي عليه ده؟
زفرت "هايدي" زفرة قوية لتردف بضيق :
العادي بتاع ماما، كل همها إني أتجوز وأكون في ضل راجل، فكل يوم والتاني بتجيبلي عريس، وأنا برفض، ماهي حياتي مش وجوده فيها هو اللي هيكملها، مش لازم يكون هو الضل اللي في حياتي، ممكن يكون شغلي ونجاحي هما الضل ده، وبعدين أنا عمري ما أتجوز بالطريقة دي أبدًا، أنا محتاجة راجل يفهم عقلي قبل قلبي، ويقدره ويحترم ذكائي وطموحي، والحب هيجي بعد كده، أو ممكن يجي اللي يغير فكرتي دي ويكون قلبي رقم واحد.
إنهمرت أمطار قوية، لينهض الجميع واقفين فيتجه الشباب إلى الداخل فيجد كل منهم أميرته تتشبث بيده لتجذبه تحت الأمطار الغزيرة وسط صيحاتهن وهتافاتهن المرحة، لتهمس "همس" بهيام :
خليك.
"ضحي" بصياح وصرخات قوية :
إستني هنا.... الجو تحفة يا "خالد ".
"هيا" بسعادة :
أول يوم لينا مع بعض هنقضيه تحت المطر يا "حمزة" طول عمري بحلم أغني وأرقص معاك تحت المطر.
إلتقط "حمزة" هاتفه من جيب بنطاله، ليتصفحه قليلًا ومن ثم تصدح أغنية " بحبك كل يوم أكتر من اليوم اللي كان قبله، بحبك وإنت مستكتر عنيك وعنيا يتقابلوا.. وأمانة حبك في قلبي أمانة ، هيعيش حبيبي هوانا...".
ليضعه أعلى تلك الطاولة، ويلتفت نحوها ملتقطًا يدها، فيدمغ قبلة عشقه المتيم، ليبدأ بالرقص سويًا، وكذلك كل ثنائى من أساطير العاشقين، ليجذب" عمر" يد" "هايدي" وينضما إليهم، ليتراقصوا جميعًا بمرح وسعادة، لدقائق طويلة تحت زخات هذا المطر الذي أحيا قلوب وأينعها، وأطفأ نيران البعد والإشتياق، وأحيي ذكرى مؤلمة بقلب البعض، لتعتصر قبضه قوية قلب" "حاتم" فلا زال يتذكرها رغم إجرامها وحقدها بل كرهها له ولأفراد عائلته، ليجد يد" ثائر" تنتشله من دوامة أفكاره وذكرياته الأليمة، لتجذبه إلى عالمهم المتوج بأميرات إحتلت قلوبهم وإستوطنتها بإحترافية.
تقافز الشباب وتعالت ضحكاتهم المدوية بأرجاء المزرعة ليلتف أربعتهم حول بعضهم البعض فيشددوا من إحتضانهم وترابطهم وسط نظرات معشوقاتهم المتيمة، فهل تطول تلك السعادة طويلًا؟
أم هناك أعين حاقدة تدبر لهم المكائد.