رواية همسات بقلم العشاق الجزء الثالث من الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الفصل الثالث
كلمات رحيم كانت تستحوذ على تفكيره بشكلٍ ملفت، فبدى شارداً للغاية، قاد سيارته بسرعات غير متساوية، وكأنه يصارع عقله الذي إستكان لحديثه وكأنه شفرة سريعة يود حلها، وصل أمام المخزن السري الخاص به، فأستقبله رجاله بتحياتٍ سارة، فُتح الباب من أمامه فأكمل خطاه للداخل ليجده مقيد أرضاً بسلسال حديدي غليظ، بحالةٍ مذرية، ووجهاً شاحب، إنحنى جان ليكون مقابله والأخر يحاول الإنتصاب بوقفته؛ ولكنه لم يستطيع فرأسه الثقيل يعيق حركته، مرر إياد يديه على أنفه بشكلٍ مقزز ليبدأ بالحديث المتقطع وبنبرة جعلها تحمل التواسلات:.
خرجني من هنا.
قالها وعينيه تراقبه بصورة مخيفة، بدى وكأنه مغيب عن واقعه، فأمتثل رجاله لأوامره وقيدوه حتى لا يعود لتعاطي تلك المواد المخدرة، جذب جان المقعد ليضعه مقابله ثم جلس عليه ليكون مقابله وجهاً لوجه، تمرد جسد إياد بشراسة ليحاول الهجوم عليه بأي طريقة، على عكس جان فكان هادئاً للغاية، يتابعه بنظراتٍ ساكنة، غامضة، غريبة، تحرك ذراعيه ليخرج شريط أبيض من الدواء ليلقيه بوجهه ثم حرك رأسه تجاه احد من رجاله فقدم له المياه، إرتشف إياد حبتين منهما بلهفة ظناً من أنه نوعاً من إدمانه اللعين ولكنه لم يكن سوى مسكن قوي، منح عقله إشارة وهمية بأنه تناول جرعة من المخدرات فمنح ذاته إحساسٍ بالإسترخاء، أشار بأصبعه لرجاله بالإنصرف فأنصاعوا إليه ليبدأ بالحديث بعدما راقب حالته بنظرة تفحصية:.
مبسوط من حياتك؟..
تطلع له إياد بنظرةٍ عدائية، فقال بهجومٍ ساخر:
وأنت يهمك في أيه!، مش كنت عايز يقتلني مستاني أيه!..
نهض عن مقعده ليتجه إليه، فأنحنى ليكون مقابله، فقال بصوتٍ رخيم:
كان دا قراري لكن دلوقتي إتغير...
مرر يديه على أرنفة أنفه بتعبٍ:
وقرار جنابك أيه؟.
لاحت على وجهه بسمة صغيرة، ليتحدث بجدية:
قررت أديك فرصة جديدة، حياة مختلفة عن حياتك، هساعدك تكون إنسان نضيف..
تطلع له لثوانيٍ إختتمها بضحكة ساخرة على ما قاله، فعقب بسخرية:
لا بجد، وهتعملها إزاي دي!.
ثم تصلبت عروقه ليصرخ به بعصبية:
أنا عايز أخرج من المكان ال### دا..
لم ترمش له جفن فأستمع إليه بهدوءٍ، حتى إنتهى من كلامه الخارج ليستكمل حديثه بثباتٍ:
لو خرجت من المكان دا الحكومة هتوصلك وهتعقبك على محاولة قتلك ل يامن يعني أنت كدا كدا محكوم عليك بالسجن، بس مع إختلاف المعاني...
هنا أنا بمديلك أيدي إنك تتغير وتبقى إنسان تاني غير اللي أنت نفسك تعرفه، هساعدك تقف على رجليك وتبطل الهباب دا وتعيش على إنك إنسان ساعتها بس لما تخرج من الباب دا مش هتلاقي حكومة بتطاردك ولا أي حد هيحاول ينبش في اللي فات دا وعدي ليك..
تطلع له إياد بتعجب من تغيره بالحديث، نعم فمن من قوات الشر لا يرد خيراً لذاته؟!، ممن يسلك الدرب المظلم ويكره طاقة النور التي تعاهده بأن تنير دربه؟!، أراد ذلك وبشدة ولكن عزيمته كان ضعيفة، محطمة، فتح جان يديه له قائلاً ببسمة هادئة:
عارف إنه قرار مش سهل بس صدقني بعد كدا مش هتندم إنك إختارته...
وزع نظراته بينه وبين يديه الممدودة، فأنكمشت ملامحه بذهول ليسأله بشك:.
وأيه اللي يخليني أثق فيك أو أصدقك وأنت عدو ريان وميهمكش مصلحتنا!.
صحح له مفهومه الخاطئ:
أنا اللي عدوه مش هو، أنا اللي بحاول أصلح اللي بينا مش أهد...
وإستكمل كلماته بألم يصاحب صوته المتحشرج:.
بمدلك إيدي دا لنفسي مش ليك، بحاول أقتل جوايا إحساس الذنب من نحية خالد، يمكن بمساعدتي ليك أحس إني عوضت ولو جزء بسيط من اللي فات، خالد إنتحر وأنت ماشي في طريق الموت برجليك، أنا شايفه جواك عشان كدا عايز اساعدك وأخدك لطريق بعيد عن طريقك..
أثرت به كلماته بشكلٍ غير مصدق، فوجد ذاته يقدم له يديه بأستسلام لرغبته في تغير الشيطان الكامن بداخله الثائر حينما تنتهي مدة المخدر المعتوه، تشكلت البسمة على ثغر جان فشدد من ضغطه على يديه ليسرى الأمل بالأعين وكلاً منهم يترقب الخطوة القادمة...
تعشق الإسترخاء بالخارج، وسط الخضرة التي تحاوطها من جميع الإتجاهات، جلست يارا على المقعد الذي يتوسط حدائق قصر رحيم زيدان تدون ملاحظاتها على دفترها الخاص ذو اللون الفيروزي المميز، تخطف نظرة للطبيعة المبهرة من حولها ثم تعود لتدوين ملحوظة تتناغم مع الاجواء التي تختبرها، على بعد مسافات قليلة منها كان هناك من يراقبها بعدما خرج ليمارس رياضة الركض بالخارج، فوقف ليستند على أحد الاشجار ليرتشف من المياه الموضوعة بالزجاجة الصغيرة التي يحملها بين يديه فتسلطت نظراته عليها، تابعها بنظرة فضولية، إتابعتها دون تصريح لها، إنكمشت ملامح يارا برعب لا مثيل له حينما إستمعت لصوتٍ نباح كلاب يصدح بقوةٍ، فنقلت عينيها تجاه الصوت لتتفاجئ بالحراس يخرجون بهم للحدائق، وكأنهم بنزهة خسائرها قلب تلك الفتاة التي تخشى الحيوانات بشتى أنواعها، صعدت على المقعد الذي كانت تعتلته، لتصرخ بهم بجنونٍ:.
شيلهم من هنا أنا بخاف من الكلاب أرجوك...
جذب الحارس الحبل المحاط برقبته ليسحبه للخلف قليلاً، ولكن حركة جسدها العنيفة وإشارة يدها الحادة بالدفتر إستنزفت غضبه فثار بالنبح مما أرعبها فصرخت بخوفٍ، أتى حازم الحارس الرئيسي ليسحب السلسلة للخلف مشيراً للحرس بالتراجع وبالفعل تغلبوا عليهم ليعودوا بهم للحديقة الخلفية، جلست محلها لتلتقط أنفاسها بصعوبة فتسرب لمسماعها صوت ضحكات رجولية تأتي من خلفها، نقلت نظراتها تجاه الصوت، فوجدت مروان يقف من أمامها، وضحكاته مرتفعة للغاية وكأنه كان يراقبها..
إقترب منها وهو يجفف عرقه النابض على عروق رقبته أثر ركضه الشاق، فقال وهو يمنحها نظرة متفحصة:
أول مرة أشوف دكتورة مرعوبة في جلدها كدا من كائن لطيف..
رددت بسخرية:
دا كائن لطيف!، ثم أني بني آدمة قبل ما أكون دكتورة ومن حقي أخاف ولا أيه؟..
إبتسم مروان بخبث:.
ولو أني أشك في موضوع دكتورة دا بس نصيحة من شاب وسيم لما تتخضي بعد كدا من أي حيوان فضائي أجري على مكان أمن متشعلقيش بالكرسي كأنك بتقدميله قربان بشري!.
وغمز لها بعينيه بمكرٍ ثم تركها وولج للداخل بعد أن ودعها ببسمته الجانبية التي جعلتها تختبر إرتباك وتوتر يزوراها للمرة الأولى، فتابعته بعينيها حتى إختفى من أمامها كالظل المحبب!.
بفيلا عباس صفوان...
خرجت من حمام غرفتها تحمل (إختبار الحمل) بأرهاقٍ شديد بعد أن إستفرغت ما بجوفها، إنتظرت الدقائق المحددة لمعرفة النتيجة الحاسمة لها، بالطبع كان يتراقص قلبها فرحاً في الشكوك التي منحت لها بصيص من الأمل، وأولهما غياب عادتها الشهرية لثلاثة أيام على غير عادتها، ترقبته بحماسٍ غريب وكأنها تحمل الكارت الرابح بين يديها للأستحوذ على سليم زيدان للأبد، فكان أقصى أحلامها البقاء على عصمته يوماً أو أقل وها قد منحها القدر فرصة تعد من ذهب إليها، رغم أنه من المتوقع لفتاة مثلها تنتظر خبر حملها بدموعٍ وخوف كونها فتاة لم تتزوج بعد ولكن تلك الفتاة عقليتها مختلفة عن غيرها، وكأن الشر يصاحبها أينما كانت، إتسعت بسمتها شيئاً فشيء حينما تحقق مرادها ليحطم أمال سليم بالأبتعاد السريع عن تلك الفتاة، لاح على خاطرها أمل مخادع بأن ترأه سعيداً بخبر حملها ومنتظر لرؤية ما تحمله بأحشائها، فأخر مقابلة بينهما كانت محاطة بطبقة من التوتر بينهما، إقتحم يامن غرفتها بطريقة غير مرحب بها، فأخفت ما بيدها خلفها سريعاً قبل أن يراه، وقف أمامها بعينين تجويان غرفتها بنظراتٍ أخافتها، فقالت بحدتها المعتادة بينهما:.
في حد يدخل على حد كدا!.
رسم بسمة فاترة على شفتيه، ليربع يديه أمام صدره بوجومٍ تمكن من ملامح وجهه:
أنا دخلت يبقى أكيد في...
ثم قطع خطوتين تجاهها ليباغتها بسؤالٍ زرع القلق بقلبها:
قوليلي يا هنا، أنتِ كنتِ فين إمبارح؟..
سكن الإرتباك ملامح وجهها بصورة واضحة، فاستدارت سريعاً حتى لا يكشف أمرها:
هكون فين يعني!.
فتح أزرر قميصه لشعوره بالأختناق وخاصة حينما وجدها تلهو بلعبة جديدة سيدها اللف والدوران، فقال:
شوفتك وأنتِ خارجة من قصر رحيم إمبارح!.
إبتلعت ريقها الجاف بصعوبة، فردت عليه بتوتر:
كنت راحة ل فاطمة..
رفع حاجبيه بإستنكار:
والله!، أمال فاطمة قالت إنك مرحتلهاش ليه؟!..
إزدردت حلقها بإرتباكٍ وتلون وجهها يالأحمر القاتم من فرط ما ستواجهه مع أخيها، بحثت عما سيقال بدقائق متتالية إلى أن إهتدت لقول:.
أنا مدخلتش إفتكرت مشوار مهم وقولت أعدي عليها وقت تاني...
ضيق عينيه بسخط:
والمفروض إني أصدق الكلام دا!.
رفعت كتفيها بعدم مبالاة:
والله تصدق ولا متصدقش دا شيء يخصك...
وكادت بالمغادرة من أمامه فأستوقفها بغضب:
لما أكلمك تقفي هنا وتكلميني...
جذبت ذراعيها منه بالقوة:
وإذا كان الكلام دا مش عاجبني هقف ليه؟.
منحها نظرة ناقمة عليها فردد بأستقزاز منها:.
هتفضلي طول عمرك بالأسلوب دا بس هيجي اليوم ورقبتك هتنكسر فيه يا هنا خاليكي فاكرة كلامي كويس..
وتركها وغادر بعدما صفق الباب من خلفه بصوتٍ أفزعها وكلمات جلدتها بسوطٍ مخيف...
هجم حرس رحيم زيدان على المكان المتخبئ به عماد، فذهل من معرفتهم لطريقه بعد كل الإحتياطات الممكنة التي إتخذها، فترك رجاله يشتبكون معهم ثم صعد لسطح المخزن القديم الذي إتخذه مخبئ إليه، ليكشف القماش الأسود عن طائرته الخاصة الذي وضعها ليومٍ هكذا، فهو يعلم قوة العدو الذي يواجهه ويأخذ حذره من الصغيرة قبل الكبيرة، حلق بالسماء بطائرته الخاصة بعد أن رمق نظراته القاتلة على السيارات التابعه لحرسه بنظرة طويلة تهلل بوعيد بالإنتقام من كليهما، رسمت على وجهه بسمة مخيفة حينما تذكر الخطة التي وضعها ليتخلص من مراد أولاً فلا يهم فشل الأولى فهناك دائماً خطط بديلة ولكن تلك المرة هل سيتمكن رحيم من إنقاذه؟!.
بغرفة يارا..
خطت طريق طويل معها واليوم تعد أهم جلسات العلاج بل ربما تكون أخيرهم إن حققت النتائج الكافية، لذا صممت أن يحضرها رحيم متخفياً خلف الباب المجاور لغرفتها ليستمع لما يدار بينهما، أشارت لها بالأسترخاء ثم قالت ببسمة هادئة غمضي عيونك وتخيلي إنك بمكان خطر وليكن تخيلك أن في ناس كتير حواليكي وعايزين يأذيكي، مين أكتر شخص هتتمني يكون الخلاص ليك. .
رمشت شجن بجفنيها عدة مرات فأستكملت الاخرى حديثها ببسمة هادئة:
دلوقتي عايزاكِ تقربي من الشخص اللي فكرتي فيه وتقوليلي شوفتي أيه أو مين هو؟!.
سكنت ملامحها لتتحاول للضيق والصدمة، ففتحت عينيها لتسلطها على من يقف على مسافة قريبة منها يتأمل ما يحدث بأهتمام، جابته بنظرة طويلة جعلت قلبه يخفق بجنون وكأنها تجد السكينة بنظراتها تجاهه، وكأنه الأمان والسكن بعد معاناة بكشف تلك الحقيقة...
تطلعت لها يارا بنظرات خبيثة لتجبرها على الحديث:
شوفتي مين؟.
لزمت الصمت لقليل من الوقت ثم قالت وعينيها تتأمل من يقف أمامها:
فريد..
إبتسمت يارا بمكر لتسترسل حديثها وهي تمنحه نظرة عرف مكنونها فأقترب منها:
بتقولي مين؟.
أجابتها بضيق من سؤالها المتكرر:
قولتلك فريد.
كررت سؤالها مجدداً بدقة أكثر:
فريد ولا رحيم.
صرخت بنفاذ صبر:
الأتنين واحد...
أشارت لها يارا بأنتصار:.
بالظبط ودا اللي عايزاكي تتفهميه...
ثم نهضت عن مقعدها لتجذب النوت الخاص بها قائلة بغرور:
كدا إتخطيتي مرحلة مهمة أوي...
وغادرت الغرفة تاركة الأخرى شاردة بما تفوهت به، إقترب منها ببطء حتى صار مقابلها، رفعت شجن عينيها إليه بنظرة غامضة حتى هي تجهل مكنونها، جذبها لتقف أمامه والأخرى تتطلع له بسكونٍ عجيب:
كنت متأكد إنك هتتجاوزي كل دا...
وقربها إليه حتى إستند بجبينه على جبينها، ليهمس بصوته الرخيم:.
كنت عارف إنها مسألة وقت مش أكتر عشان تحسي بيا وبوجودي جانبك...
فتح عينيه الزيتونية بتفحص لتعابير وجهها، هل مازالت تحمل المقت لقربه منها، تفاجئ بها ساكنة بين ذراعيه وكأنها تقبلت حقيقته، لم يستطيع مهاجمة أشواقه إليها فأقترب ليقتبس من رحيقها، تسارعت أنفاسها وتواثبت دقات قلبها بجنون وكأن هناك عاصفة من جليد تحيط بها، نيران فأرتباك فبرودة فتوتر، صدمة دقة قلب، أحاسيس مضرمة أصابتها فحتى جسدها لا ينصاع لحثها المدرك بالأبتعاد عنه، همست بصعوبة وهى تدفعه برفق بعيداً عنها قائلة بتذمر:.
فريد!..
قرع قلبه بجنون فأبتسم بسعادة لا تكفيه فقط، حملها بين ذراعيه ليدور بها مردداً بسعادة كبيرة:
روحه وحياته اللي إبتدت من جديد..
تعلقت برقبته ببسمة هادئة جعلته يقف محله ويتابع ما تفعله بصدمة وعدم إستيعاب لما يحدث معه!، فقالت بدلال:
عايزة فرح بالمكان اللي إتربينا فيه...
سكنت نظراته تجاهها بعدم إستيعاب بكونها تلك الفتاة التي رفضته من قبل، بصيص الأمل بعودتها إليه جعلت لسانه يتجمد عن الحديث!.
صعد جان لغرفته بعد عودته من المخزن، فولح للداخل ليبدل ثيابه ولكن خانته قدميه وعينيه عما رأه وكأن الأعوام إنضافت فوق عمره لتجعله كهل عجوز لا يقوى على الحركة مما رأه!.
علاقة جديدة، حياة أخرى، قصة منحها القدر فرصة أخرى فعادت لتخطو من جديد دون عائق يوقفها ولكن بجوارها ستنتهي قصص وتبدأ اخرى فعلى البعض الحذر والأخر الثبات بقراره المصيري ولكن ترى ما المخبئ لكلاً منهما؟!.