رواية هدوء بعد العاصفة للكاتبتان فاطمة حمدي و شيماء علي
الفصل الخامس عشر بعنوان: صدمة
-دي مابقتش عيشة، أنا مش عارف أرضيكي إزاي!، في كل الحالات أنا بخونك!
هتف -شريف- والغضب يعصف به عصفًا، بينما هي تبكي وترد عليه بمرارة:
-أنا مش حاسة بيك، مش حاسة بقلبك!،نفسي يا أخي تحس بيا، هو مش كلام وبس، فين الفعل دا أنت حتى عمرك ما افتكرت تجبلي وردة تقدرني بيها..
هو بنبرة ساخرة:
-وردة!، أنتِ ليه محسساني إنك مراهقة لسة في ثانوي...
أطلقت ضحكة متهكمة مع قولها:
-لا أنت اللي محسسني بكدا.. أنت اللي مراهق و...
قاطعها صائحًا:
-بلاش تكملي عشان أنا صبري عليكي خلص.. وإذا مكنتش عيشتي عجباكي يا بنت الناس أنا مستعد أطلقك..
تطلقني!
-أيوة عشان أنا زهقت وقرفت..
أردفت وهي تبكي بلا توقف:
-قرفت مني يا شريف..
فرد متعمدًا جرحها:
-أيوة منك ومن غيرتك اللي ملهاش معنى، أقولك حاجة، أنا سايبلك البيت وغاير في داهية..
بالفعل ختم جملته وبرح المكان فورًا، وتركها في دوامة قاسية تدمي قلبها.. قلبها الذي يُخبرها دوماً أن قلبه ليس معها.. ولم يكن معها يوماً..
-أنا نازلة يا ليلى، مش هتأخر عشان عندي معاد مع الدكتورة خدي بالك من نفسك وعلى ما يجي مستر شريف هكون جيت إن شاء الله..
قالتها -نادية- التي توجهت صوب الباب لتخرج ووقفت لثوان تنتظر أي رد من ليلى.. لكنها لم ترد عليها وكأنها لم تتحدث!
فخرجت زافرة وأقفلت الباب خلفها، بينما نهضت ليلى إلى مرآتها ركضا كي تتجهز ريثما يأتي -شريف-، مر من الوقت نصف ساعة تقريبًا، وطرق الباب فانطلقت تفتح وكان هو.. كان يبدو هادئاً كعادته رغم اعصار قلبه.. ابتسمت بحب وهي تفسح له المجال وكأنه حبيب بالفعل ليس معلما لها.. مشى بصمت بعد أن منحها ابتسامة كذلك وراح يجلس على المقعد واضعا متعلقاته على الطاولة بينما هي جلست جواره قائلة بنبرة مرحة:
-حضرتك جاي بدري النهاردة..
أومأ لها ونظر إلى الكتب وعزم على فتحها، لكنه توقف حين سألته بلهفة:
-حضرتك مالك؟، زعلان ولا إيه؟
ابتسم لها وقال مغازلا:
-ينفع ازعل وأنا معاكِ يا ليلى؟، كفاية ضحكتك..
ثم أنهى جملته ووضع إبهامه يداعب وجنتها الناعمة، فارتعش جسدها بالكامل للمسته المفاجئة، فابتعدت عنه قليلًا وأردفت بتلعثم:
-ه.. هجيب لحضرتك حاجة تشربها..
ونهضت تحاول تهدئة خافقها الذي كاد يخرج من مكانه من شدة ضرباته العنيفة، لكنها لم تكد تسير خطوتين حتى شعرت بدوار يجتاحها فاختل توازنها وكادت تسقط لولا ذراعيه.. حيث نهض بسرعة الفهد وتلقاها بين ذراعيه هاتفا في قلق:
-ليلى مالك في إيه..
همهمت بإرهاق شديد:
-م مش عارفة..
حملها في خفة وهو يقول بصوت هادئ للغاية:
-سلامتك يا ليلى..
شعر برأسها يوضع على صدره تلقائياً، وأنفاسها اقتربت من وجهه بخطورة.. ازدرد لعابه يحاول السيطرة على نفسه.. لكنه لم يستطع... لم يستطع..
وجد نفسه يقبلها من جبينها مروراً إلى وجنتها.. ويبدو أن مشاعره الجياشة التي حُبست بداخله منذ كثير.. الآن قد فلتت من عقالها..
شعرت هي بقبلاته ففتحت عيناها وفمها مستغربة!
رفست برجليها رغم اعيائها وحاولت الوقوف قدما..
بالفعل أنزلها لكنه اعتقل خصرها مرددًا بنبرة عنيفة.:
-مش قادر أمثل دور الأب أكتر من كدا، أنا بحبك يا ليلى، بحبك ونفسي أكون معاكِ دايمًا..
حاول تقبيلها مرة أخرى لكنها دفعته بانتفاضة، وصرخت بهستيرية:
-مستر شريف... مالك!
اقترب منها مجددًا.. مصرا.. بينما يهتف:
-بقولك بحبك مستغربة ليه مش انتي كنتِ بتتمني كدا! أنا أهو بعترف لك.. بحبك يا ليلى .
حركت رأسها سلباً بعنف، وهي تردد:
-مش بالطريقة مش بالطريقة دي، أبعد عني أرجوك...
لم يصغ لها.. لم يتركها.. وكأنه فقد عقله تماما في هذه اللحظة.. صوت شيء ما انشق فجأة؟
نظرت إلى نفسها بذهول لتجده قد مزق كنزتها! فصرخت بأعلى صوت وقاومته بكل ما تمتلك من قوة..
-الحقوني... الحقوني يا ناس...
أسرعت نحو الباب بأعجوبة.. واستطاعت فتحه لكنه عاد يغلقه مرددًا بلا وعي:
-متخافيش.. أنا بحبك.. بحبك...
لم يرحمها ولم يشفق عليها.. كادت تفقد وعيها من شدة ضعفها وشدة قوته.. لكنه أخذت تدعي الله.. مرارًا وتكرارًا بأن ينجدها...
طرقات قوية على الباب، جعلتها تقاوم أكثر.. مؤكداً أنها والدتها.. شعرت بالاطمئنان قليلًا وركضت نحو الباب بصعوبة مرة أخرى.. استطاعت فتحه.. وهو لم يستطع قفله مجددًا حيث وجد ما لم يتوقع مجيئه..
لقد كان فارس الذي فتح عيناه على اتساعهما، بينما هي أسرعت إليه تمسك ذراعه هاتفة بضعف:
-الحقني.. الحقني بالله عليك..
ذهل حينما رأى ملابسها الممزقة!، وبدون تفكير كان شريف تحت قدمه.. كيل له الضربات وسبه بعنف..
بينما لم يستسلم شريف ونهض ضاربا اياه فتراجع فارس للخلف فصرخت ليلى ضاربة على وجنتيها، أمسكه فارس من تلابيبه ودفع رأسه بالحائط فاصطدم رأسه بقوة فهبط فاقدًا وعيه.. أما هي فقد ركضت نحوه متشبثة به به بقوة ومازلت تبكي بهستيرية.. تفاجئ من تصرفها فربت على ظهرها قائلًا بهدوء رغم غضبه وأنفاسه اللاهثة:
-متخافيش!
ولم يسمع منها حرفا اخر فقد سقطت فاقدة وعيها هي الاخرى، فحملها بقلق ولم يتردد في أن يبرح المكان محاولا اسعافها، هبط درجات السلم ومن ثم إلى سيارته وأدخلها برفق ثم انطلق بالسيارة إلى أقرب مستشفى..
وبعد مرور ساعة..
كان يقف بصُحبة الطبيب الذي قال له باطمئنان:
-مافيش حاجة ماتقلقش، حضرتك أخوها؟
أجاب فارس:
-أنا إبن عمها..
-هي دلوقتي كويسة خالص بعد المحاليل وعمل اللازم الظاهر إنها مش منتظمة في علاجها..
فارس بتساؤل:
-علاجها؟، علاج ايه؟!
-علاج القلب.. حضرتك ماتعرفش إنها مريضة قلب!
فارس بذهول وقد فتح فاه مستغرباً:
-قلب!
انصرف الطبيب وتركه في صدمة كبيرة وهو يبتلع ريقه بغير استيعاب..
تحرك بخطواتٍ بطيئة إلى الغرفة المتواجدة بها وتأملها عن بعد بتفرس.. منذ أن رأها أول مرة وهو لم يشعر بذرة لطف نحوها.. كانت ثقيلة تماما عليه..
ولكن الآن...
هناك شيء ما يتحرك في اليسار.. في تلك اللحظة تحديدًا.. لحظة انكسار تام تحاوطها.. وضعف لم يرَه من قبل.. أخذ يتأملها ويتأملها.. وجدها تبكي بصمت ولم تنتبه لوجوده بعد..
تبدو صغيرة ورقيقة.. هزيلة..
كأنه يراها من جديد.. هذه ليست الفتاة التي رأها من قبل.. هذه ليست المتمردة صاحبة الأسلوب الفظ!
لاحت منها التفاتة نحوه فابتلعت ريقها بخجل وحاولت مسح عبراتها لكنها لم تستطع جراء اعيائها..
فاقترب منها متنهدًا وهو يسألها بجدية:
-أخبارك إيه دلوقتي؟
هزت رأسها قائلة:
-الحمدلله..
أومأ برأسه وصمت ولم يتحدث.. فأردفت هي بنبرة متحشرجة ودموعها آخذة في ازدياد:
-أنا آسفة..
نظر لها قائلًا بهدوء:
-آسفة على ايه؟
تحدثت مرة أخرى:
-عشان أنقذتني وبهدلتك معايا..
ابتسم ساخراً والتفت موليها ظهره قائلًا:
-اللي عملته من شوية هعمله مع اي بنت تتعرض لكدا.. انما آسفة دي المفروض تتقال لكل الناس اللي كنتي عايشة معاهم وبتكويهم بكلامك كل يوم وهما استحملوا وسكتوا..
اغمضت عيناها وصدر منها شهقة قوية بسبب بكائها المتزايد.. فالتفت لها فارس وقال:
-أنا مش من حقي أعاتبك على حاجة.. بس أتمنى يكون اللي حصلك درس يفوقك..
ثم اقترب منها ودنا من وجهها قائلًا بنبرة ذات مغزى:
-وتبطلي أذية في خلق الله!
نظرت له باستفهام، فضاقت عيناه وردد رافعاً حاجبه:
-صاحبتك نانسي اعترفت بكل حاجة..
ابتلعت ريقها الذي جف بشدة وحملقت به دون كلام، فقال مبتسما:
-ايه!، مستغربة ولا خايفة؟
لا رد منها سوى أنها حاولت تهرب بعينيها عن أسر عينيه، بينما يتابع فارس:
-أنا مش عارف ليه كرهتي بابا بالشكل دا، عملك إيه؟.
حركت راسها سلباً دون كلام ووضعت يديها على وجهها، اما هو كان ينظر لها بإشفاق.. فقال متنهدًا بعمق:
-أنتِ مبسوطة باللي عملتيه؟، يعني فكرتي في شكلك هيبقى إيه لما صاحبتك تقول لمدرستك كلها إنك أنتِ اللي قولتي لها تعمل كدا في عمك؟
بالطبع لم تجد إجابة ترد بها عليه.. الصمت كان ردها.. وقبل أن يتكلم
تفاجئ بدخول والده بعد ذلك و 'نادية' التي اندفعت نحو ابنتها هاتفة:
-ليلى حبيبتي، حصل ايه..
بينما قال حسين بقلق:
-في ايه يا فارس؟
قص عليه فارس ما حدث هناك في المنزل، فرد حسين بصدمة جلية:
-شريف!، أنت متأكد من اللي بتقوله دا! مش معقول..
-ماتستغربش واتوقع اي حاجة من أي حد!
نظر لها حسين بأسى وقد قال متأثراً:
-لا حول ولا قوة إلا بالله، دا كان صاحب ابوها لا دا كان زي اخوه!
بينما قالت نادية بانفعال:
-أنا هوديه في ستين داهية الحيوان دا.. هي سايبه!
فأخبرها فارس بثبات:
-أنا عملت محضر بعد ما جبتها هنا ع طول وهتابع الموضوع دا ماتقلقيش..
بينما قال حسين:
-ربنا يسترك يا فارس يابني، بس أنت كنت رايح البيت تعمل إيه؟
أجاب بعد أن نظر إلى ليلى مطولا:
-كنت جاي أقولك إن أنا قابلت البنت اللي اسمها نانسي دي وعرفت مين وراها..
حسين بفضول وتلهف:
-مين يا فارس؟
ازدردت ليلى لعابها وتصارعت دقات قلبها وهي تغمض عيناها بشدة، فقال فارس بنبرة صارمة:
-مافيش حد وراها، هي اللي اخترعت كدا عشان متكشفش نفسها وانها بتصرف فلوس الدرس والكلام دا.. عموما ماتشغلش بالك أنا خلصت الموضوع دا وخلتها اعترفت لمديرة المدرسة وطبعا المديرة بلغت والدتها.. اطمن..
ابتسم حسين في اعجاب وعانق ابنه قائلًا:
-ربنا يخليك ليّا يا بطل.
بينما كانت ليلى في حالة صدمة من أمره لكن نظرات الاعجاب بموقفه كانت واضحة بعينيها..