رواية نجمة في سمائي للكاتبة شاهندة الفصل السابع
قالت(ميار)ببرود:
-أنا مش شايفة إنى غلط لما خرجت(يحيي)برة جدران القصر اللى حابسينه فيه، وكأنه مسجون وبيقضى مدة عقوبته جواه.
ضرب (عزام)سطح مكتبه بقبضته فى قوة وهو يقول:
-لأ غلطى.
إنتفضت (ميار) ولكنها تمالكت نفسها بقوة وهي تواجهه بعيون متحدية، لينهض (عزام) ويتجه إليها، يقف قبالتها قائلا بصوت هادئ لا يظهر أبدا غضبه الشديد البادي على وجهه والذى ظهر فى هدرته منذ لحظات:
-اللى متعرفيهوش يادكتورة، إن يحيي حياته معرضة للخطر، وإن خروجه من غير حراسة فيه خطر كبير على حياته، أنا مش ضد خروجه، يحيي إبن أخويا، يعنى لحمى ودمى، وأكيد لما بمنع خروجه بدون علمى، ده سببه إنى خايف عليه، مش سجان حابسه فى زنزانة زي مابتلمحي.
قالت بنبرات ساخرة:
-والله ده اللى أنا شايفاه، يحيي فعلا محبوس جوة زنزانة، والسبب غريب طبعا، يعنى إيه حياته فى خطر؟مين اللى ممكن يبقى عايز يقتله، وهو كان إذى مين أصلا عشان تتولد جوة اللى آذاه الرغبة فى الإنتقام؟يحيي مش ممكن يإذى أي حد.
جز (عزام) على أسنانه غيظا، يتساءل عن سر إبن أخيه حتى تعشقه كل النساء اللاتى يمررن فى حياته، حتى وهو عاجز مازال يجذب إليه النساء.. خاصة تلك الطبيبة، تصله ذبذبات الإعجاب تجاه (يحيي)فى طيات صوتها، تشعل تلك الذبذبات لهيبه، ولكن مايريح قلبه هو إدراكه بإخلاص إبن أخيه لذكرى حبيبته الراحلة، لذا نفض حنقه جانبا وقال ببرود:
-مش لازم يحيي يإذى حد عشان ينتقم منه، مجرد امتلاك يحيي للفلوس دى كلها بتخليه هدف لأطماع البشر من حواليه، وده فى حد ذاته ممكن يإذيه بأي شكل من الأشكال.
كادت أن تصرخ قائلة...
(أعلم..ومن غيري قد يدرك طمعك الرابض بسواد قلبك)، ولكنها حبست صرختها بداخل صدرها قائلة بهدوء:
-معاك حق، عموما..فى المرة الجاية هبقى أقولك، عن إذنك.
أمسك يدها يمنعها من الخروج، يجذبها لتصبح بين حصار ذراعيه قائلا بلهجة ممطوطة تحمل غضبا:
-وهو لسة فيه مرة تانية؟
تملصت من بين يديه قائلة بألم:
-من فضلك ياعزام بيه، سيبني.
أمسك ذقنها بيده، يضغط عليها ويجبرها على النظر إليه، قائلا بمشاعر عاتية:
-مش قبل ماتوعديني بإنك متخرجيش يحيي تانى، ومش قبل كمان ماتفوقى بقى وتستسلميلي، انتى مش أول واحدة تقف أدامي بالشكل ده وتتحداني، بس أنا مش حابب يكون مصيرك زي اللى قبلك، هتبقى خسارة كبيرة أوى.
دفعته فجأة، فإختل توازنه وكاد أن يقع أرضا، ولكنه تمالك نفسه وإستقام حانقا ليجدها تطالعه بإحتقار قائلة:
-أنا مش زي أي حد وإحمد ربنا إن يحيي لسة متعالجش بالكامل وإنى خايفة صدمته فيك تنكسه وإلا كنت حكيتله على كل حاجة.
ضحك (عزام)ساخرا وهو يقول:
-مش هيصدقك ياحلوة، ده أنا عمه اللى بيحبه وبيحترمه ومستحيل يصدق أي حاجة وحشة عنه، ومش بعيد لو حكتيله يطردك من القصر كله.
طالعته بإشمئزاز حانق قبل أن تتركه وتغادر الحجرة، ليبتسم (عزام)قائلا:
-جميلة وعنيدة وقوية، إستسلامها هيكون نصر كبير لية، وطعمه أكيد هيكون أحلى من طعم أي إنتصار حققته فى حياتي.
تأمل هذا الشخص محيطه بريبة، وحين تأكد من أن أحدا لا يتبعه، حتى دلف إلى تلك الحجرة، ليقابله الشخص الآخر بلهفة قائلا:
-ها..إتأكدتوا من الكلام اللى قولتهولى؟
أومأ الشخص الأول برأسه قائلا بغضب:
-أيوة، سامى ابن أخويا جاب قراره، الموضوع طلع اخطر من ماكنا فاكرين..ربنا يجازي بقى ولاد الحرام.
ليقول الشخص الآخر بعيون تلمع بالغضب الممتزج بالتوعد:
-بإذن الله هيجازيهم قريب أوى، وده وعد منى.
عقد (عزام)حاجبيه بشدة وهو يطالع (منير )المحامى الذى يقف أمامه الآن، تبدو عليه ملامح الإضطراب، بينما يقول (عزام)بصوت كالفحيح:
-يعنى يحيي كلمك امبارح، وطلب منك تصفى كل أعمالنا هنا، وتشوفله كمان بيت فى المنصورة، وسأل على قبر ياسمين؟!
أومأ (منير )برأسه قائلا:
-آه والله ياباشا، زي ماقلتلك كدة بالظبط، كلمت حضرتك بعدها كتير عشان أبلغك بس تليفونك كان خارج التغطية وخفت أكلمك على الأرضى يحيي بيه يعرف أو يشك فى حاجة، إستنيت لما إنشغل مع الدكتورة وجيتلك جري.
تراجع (عزام)فى كرسيه، يستند برأسه إليه ناظرا لسقف الحجرة قائلا:
-بقى مش كفاية بتاخد قراراتك من غير ماتستشيرنى يايحيي، لأ وبتنفذ كمان، الظاهر إن مبقاش لية أهمية فى حياتك، ياترى مين ورا تغييرك ده؟!
قال (منير)بحقد على الفور:
-أكيد الدكتورة، اللى من يوم مادخلت حياته وهو بقى حاجة تانية خالص، رجع يحيي بتاع زمان.
عقد (عزام)حاجبيه بشدة وهو يعتدل قائلا:
-لأ بقى، لو على الدكتورة يبقى بناقصها خالص، نخلص منها زي غيرها، ولو إنها خسارة أوى فى الموت.
لترتسم إبتسامة شيطانية على ثغر (عزام)مالبثت أن تحولت إلى ضحكة شاركه فيها (منير).
كان (يحيي)يسير على عكاز واحد، بعد أن إستغنى عن عكازه الآخر، يمشي ببطئ ولكنه ويالسعادتها يمشي، وحده.. صفقت (ميار)بسعادة وهي تقول:
-وأخيرا عملتها، برافووو عليك يايحيي.
إكتفى (يحيي)بهزة صغيرة من رأسه، وهو يعاود الجلوس على كرسيه ليرتاح قليلا بعد هذا المجهود الذى أضناه بعض الشيي، أصاب برود(يحيي)(ميار) بالإحباط، فمنذ ذلك اليوم الذى أخذته فيه للعب الكرة وشرب السوبيا، منذ هذا اليوم الذى أخبرها فيه بأنه يسعى للشفاء من أجل حبيبته وليس من أجلها وهو يتجنب الحديث معها، فقط يرمقها بنظرات تثير إضطرابها، وكأنه يضعها تحت المجهر الخاص به ويدرسها جيدا، إجاباته مقتضبة على أسئلتها، لم يعد أبدا كسابق عهده معها، وهذا يقلقها بالطبع ولكن قرب شفاءه جعلها لا تلتفت لأسبابه، فقد بات ما حلمت به دوما أن يتحول إلى حقيقة، حقيقة تأمل أن تعيد كل شيئ إلى مكانه الصحيح.
لذا، تنهدت (ميار)قائلة:
-كدة ال٣ شهور خلصوا يايحيي ووفيت بوعدي ليك، العكاز مش هتقدر تستغنى عنه دلوقت، بس مع التمرين هتقدر.
قال ببرود:
-أنا متشكر أوى.
هزت رأسها بدورها، تبتسم إبتسامة باهتة، وهي تقول:
-لا شكر على واجب..أشوف وشك بخير.
رفع أحد حاجبيه قائلا:
-إيه..هتمشى أوام كدة..مش هنشرب مع بعض الشاي.
نظرت إليه متسائلة فإبتسم ساخرا مرددا بطريقة مسرحية:
-وما بينَ وعديْنِ، وامرأتينِ وبينَ قطارٍ يجيء وآخرَ يمضي هنالكَ خمسُ دقائقَ أدعوك ِ فيها لفنجان شايٍ قُبيلَ السَفَرْ هنالكَ خمسُ دقائقْ بها أطمئنُّ عليكِ قليلاً وأشكو إليكِ همومي قليلاً وأشتُمُ فيها الزّمانَ قليلاً..هنالكَ خمسُ دقائقْ بها تقلبينَ حياتي قليلاً فماذا تسمّينَ هذا التشتُّتَ ؟هذا التمزُّقَ ؟هذا العذابَ الطويلا.
لتتسع إبتسامته الساخرة وهو يقول:
-إزاي بس فى خمس دقايق هيطمن عليها ويودعها ويشكيلها همه، بذمتك الراجل ده مش أهبل؟
قالت له بغيظ:
-لأ كله إلا نزار، ده حبيبي...
قطعت كلماتها وهي تشهق واضعة يديها على فمها، بينما عقد (يحيي)حاجبيه بشدة وعيونه تتحول إلى صقيع بارد، قبل أن يقول بصوت جليدي:
-دلوقت تقدرى تمشى، الوداع يادكتورة، وشكرا مرة تانية على خدماتك.
رفعت يدها عن شفتيها، تطالع عيونه الباردة بحزن أدمى قلبها، قبل أن تتمالك نفسها قائلة:
-مش قبل ماتفاجئ عمك زي ماإتفقنا بإنك خفيت، خد شاور بسرعة وجهز نفسك وحصلني، أنا واثقة إنك هتفاجئ عمك النهاردة بمفاجأة عمره، ده غير إنى كمان محضرة مفاجأة لعمك عشان أشكره فيها على كل حاجة قدمهالى وسهلت علية مهمتى، وأكيد حابة تكون موجود.
هز رأسه قائلا بسخرية:
-الظاهر إن النهاردة يوم المفاجآت، عموما عمى يستاهل مفاجآته وأنا أكيد حابب أسعده، دقايق وأحصلك يا...يادكتورة.
طالعته (ميار)تدرك من نظرته لها ونبراته الباردة أن قصتها إنتهت هنا فى هذا المكان تحديدا، ولكن يبقى لديها أمل فى تغيير النهاية، أمل قوي تخشى أن يؤول إلى... سراب..