رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثاني بقلم رضوى جاويش ( موال التوهة والوجع ) الفصل الرابع
هتف الحاج مهران في فرحة غامرة مكبرا و عاصم يضع طفليه بين ذراعيه في فخر :- الله اكبر .. الله اكبر .. ربنا يحفظهم و يحميهم يا رب و يجعلهم الذرية الصالحة باذنه ..
هتف الحاج مهران بسعادة :- سمتهم ايه يا عاصم .. !!؟..
ابتسم عاصم هاتفاً بفخر :- مهران و سندس
انتشى الجد في سعادة هاتفاً :- رب يبارك فيك يا عاصم .. سميته على اسمى يا ولدى ..
هتف عاصم و هو ينحنى يقبل رأس ابيه :- هو في أغلى من اسمك يا حاچ مهران .. طب ده يا ريته يطلع نصك يا حاچ..
انحنى الجد مبتسما لأحفاده مقبلاً لرؤسهم الصغيرة هاتفاً :- هايطلع احسن منى كمان .. و البنية هاتطلع ست البنات كلهم لامها .. بلغها سلامى يا عاصم .. لو أجدر مكنتش اتأخر اروح اطمن عليها .. دى الغالية ام الغاليين ..
هتف عاصم مشاكساً :- وااه .. شكلى طلعت من الحسبة يا حاچ .. !!؟..
نظر الحاج مهران لولده عاصم في محبة خالصة و هو يهتف :-واااه ياااعاصم .. غلاوتك عندى متتجدرش ..
و أعاد النظر الى احفاده بين ذراعيه من جديد و همس في راحة :- دلوجت اموت و انا مش ناجصنى حاچة في الدنيا ..
انتفض عاصم هاتفاً :- طولة العمر ليك يا حاچ .. ربنا يخليك لينا و تشوف عيال عيالهم..
هتف الحاج مهران ضاحكاً :-عيال عيالهم ..!! طب جول اشوف عيالك انت الباجيين ..
صمت عاصم و لم يعقب حزنا على كلام ابيه فاستشعر الحاج مهران ما بولده فهتف مازحاً وهو يرى احفاده و قد بدأوا في الاستعداد للاستيقاظ جوعى :- خد يا عاصم عيالك .. شكلهم چاعوا.. ربنا يبارك لك في ذرعتك يا ولدى .. وتعيش انت لما تشوف عيال عيالهم .
انحنى عاصم من جديد يقبل هامة ابيه و يتناول اطفاله الذين بدأوا في البكاء بالفعل من بين ذراعىّ والده ..
صرخت نعمة في بدور وهى توقظها من نومها :- قومى يا منيلة .. قومى هتفضحينا ..
هتفت بدور وهى تعطى لها ظهرها لتعاود النوم مستمتعة بحلم رائع كانت تعيشه لتوها :- أقوم ليه ..!؟.. سبينى يا نعمة ربنا يخليكى ..
هتفت نعمة من جديد :- بقولك هنتفضح .. النسوان كلها طالعة تبارك لكم انت و سى زكريا ..هيشفوكى هنا يا خايبة .. نعمل ايه دلوقتى ..!!؟..
انتفضت بدور من فراشها وقد ايقنت ان ما اعتقدته حلم لم يكن الا واقع ما حدث بالأمس
وما يؤكده الان هو زغاريد النساء التي يصل اليها صداها من سلم بيتهم الداخلى ..
هبت من الفراش تدور حول نفسها هي ونعمة غير قادرتين على التصرف و أخيرا هتفت هي في عجالة :- دخليهم من باب الصالون مش من باب الشقة يا نعمة .. و انا هتسحب و اطلع على فوق و عطليهم شوية و قدميلهم حاجة ماشى ..
أومأت نعمة برأسها موافقة في سرعة وهى تدخل للصالون لتفتح للنساء بابه ليدخلوا منه وما ان استقروا داخله حتى تسحبت بدور في خفة و اندفعت خارج باب الشقة و منه تصعد السلالم في هرولة حتى ما ان وصلت للسطح منقطعة الانفاس انفعالا حتى اندفعت تطرق الباب على زكريا الذى لم يستجب لطرقاتها فهتفت في غيظ :- يا دى النيلة .. شكل نومك تقيل .. اعمل ايه انا دلوقتى ..!؟..
دارت حول الغرفة باتجاه نافذتها الجانبية لعلها تجدها مفتوحة او حتى تستطيع فتحها ..
صعدت على الأريكة الموضوعة تحت النافذة
و بدأت في معالجة النافذة حتى فُتحت بالفعل .. تنفست الصعداء وهى تضع قدمها على الجانب الداخلى منها و بدأت تدخل بجسدها و ما ان لامست قدمها سطح ما حتى تنفست في راحة و أدخلت باقى جسدها لتلقى به لداخل الغرفة لتسقط مباشرة فوق زكريا الذى كان غارق في النوم غير مدرك لما يحدث حوله و فجأة انتفض عندما سقط جسدها عليه ..
شهقت هي في ذعر و حملق هو فيها بتعجب و أخيرا ابتسم.. ثم انفجر مقهقها وهو يقول :- و الله و جاتلك على الطبطاب يا زكريا ..
هتفت هي في ذعر مضاعف وهى تراه يحيطها بذراعيه :- لا .. انت مش فاهم ..اصل ..
هتف مقهقها :- ايوه عارف .. اصل الحاچ وهيب جالك روحى انچرى اطلعى لچوزك ..
هزت رأسها رافضة في عنف هاتفة :- انت مش فاهم ..
هتف مشاكسا :- في واحدة تجول لچوزها كِده .. بس و ماله ..!؟.. فهمينى ..
هتفت وهى تجز على أسنانها غيظا محاولة تحرير نفسها من أسر ذراعيه :- .. اصل النسوان ..
و هنا ادرك ما كانت تقصده عندما صدحت زغاريد النساء وهن متوجهات للأعلى حيث حجرتهما .. فأبتسم مشاكساً :- و ماله .. يشرفوا ..
استطاعت اخيراً تحرير نفسها من قيد ذراعيه و اندفعت مبتعدة وهى تلهث من فرط انفعالها..
وهتفت في غيظ :- يشرفوا و انت على حالك ده..!؟.. و اشارت لهيئته في استحياء .. وهو يقف أمامها عار الصدر لا يرتدى الا بنطال قطنى ابيض ..
تناول جلبابه المطروح جانبا و ارتداه في سرعة و هو يفتح الباب و على وجهه ابتسامة كانت موجهة لها من الأساس و ما ان طالعه فوج النساء يعبر اعتاب السطح حتى اخفض نظراته في مقابلتهن وهو يرد على مباركتهن مندفعا للأسفل ليجلس مع الحاج وهيب حتى رحيلهن ..
دق الهاتف تلك الرنات المتتابعة التي تعرفها بخيتة جيدا و تدرك انها لا تاتى الا من ولدها القريب البعيد الذى طالما يحتل تفكيرها و يحصل على الكثير من دعواتها..
وصلت لاهثة حتى الهاتف لترفعه على عجالة هاتفة في لهفة :- ألو .. ايوه .. كيفك يا زكريا..!؟..
هتف زكريا على الجانب الاخر :- الحمدلله ياما بخير.. بخير جووى واشتغلت عند راچل طيب و في خبر كمان .. يا رب يفرحك ..
هتفت بخيتة بلهفة :- خير يا ولدى .. كل مجايبك زين و تفرح يا حبة عينىّ ..
هتف زكريا قبل ان يفقد شجاعته :- انا اتجوزت ياما ..
هتفت بخيتة في صدمة :- اتچوزت ..!؟.. ميتا..!؟ و مين العروسة يا زكريا ..!؟.. زينة يا ولدى ..!؟..
ضحك زكريا :- صبركِ عليا يا حاچة هجولك كل حاچة .. ايوه اتچوزت من كام يوم .. و العروسة بت صاحب البيت اللى سكنت فيه .. و ايوه زينة ياما و بت حلال..
تنهدت بخيتة متحسرة :- ياما كان نفسى اشوفك عريس جار عروستك يا زكريا ..
تنهد زكريا بدوره :- النصيب ياما .. النصيب.
هتفت بخيتة تبدل من نبرة صوتها المتحسرة حتى لا تحزنه:- المهم يا ولدى انها تبجى بت حلال تسعدك وتجيب لك الخلف الصالح باذن الله ..
ازدرد زكريا ريقه و لم يعقب .. لكنه هتف في محاولة لإنهاء الحديث عند تلك النقطة :- باذن الله .. دعواتكِ يا حاچة..
هتفت بخيتة :- دعيالك يا زكريا .. ربنا يرزجك محبة خلجه و مايوجعك في ضيجة ابدا يا رب و يمتعنى بشوفتك عن جريب ..
هتف زكريا مؤمنا :- اللهم امين يا حاچة ..
اعادت الحاجة بخيتة سماعة الهاتف مكانها و تنهدت و هي تستدير لتجد كسبانة أمامها تسألها في فضول :- خير يا خالتى ..!!؟.. التلفون ده من سى زكريا .. صُح ..!؟..
أومأت بخيتة وهى تجلس على الأريكة المجاورة للهاتف متنهدة لتستجلب المزيد من فضول كسبانة الممزوج بالقلق وهى تهتف :- طب مش خير .. !!؟.. ريحينى يا خالتى ..
أكدت بخيتة و هي تربت على كف كسبانة الملقى على كتفها :- خير يا بتى .. زكريا أتچوز ..
على الرغم من الصدمة التي تلقت بها كسبانة الخبر الا انها تماسكت ببراعة تحسد عليها وهى تهتف بثبات :- ربنا يهنيه .. سى زكريا يستاهل كل خير ..
همست بخيتة :- كان نفسى افرح بشوفته عريس و انچى له عروسته على حياة عينى..
بس اچول ايه ..!!؟.. الحمد لله .. اللى مصبرنى انه اهاا لجى واحدة بت حلال تخلى بالها منيه و تراعيه و انا مش چاره ..
ربتت كسبانة على كتف الحاجة بخيتة تواسيها و في نفسها تتساءل بحسرة .." و انا مين يصبرنى ..!؟.. مين يصبرنى .!؟.."..
و جاءها الجواب في حمزة، رضيعها الذى جاءها يحبو في سعادة حتى تعلق بجلبابها و ابتسامته تملأ وجهه، لتلتقطه و تضمه لصدرها و كأنها تدفن بضمته ذاك الألم الذى كان يرتع بصدرها ..
دست نعمة نفسها بجوار بدور داخل فراش الأخيرة و هي تهتف بها في غيظ :- انتِ مش هتبطلى عبط بقى و تروحى لجوزك ..!!؟..
نظرت بدور اليها نظرة جانبية و لم ترد لتستطرد نعمة بغيظ أكبر :- ما كفياكم لعبة القط و الفأر اللى انتوا شغالين فيها دى ..
انت تطلعى تحطى الاكل و تنزلى تجرى .. و هو يجى يسأل عليكى من على الباب و يمشى ..ايه ده ..!!.. انتِ عايزة ايه تانى ..!؟
واحد وقف قدام الحارة كلها و قال انك مراته و جه طلبك رسمي من ابوكِ و كتب كتابك .. عايزة ايه بقى .. !!؟..
هتفت بدور حانقة :- عايزة اصدق يا نعمة ..عايزة اتاكد انه مطلبنيش جدعنة أو عشان كلمة قالها مقدرش يرجع فيها ..
هتفت نعمة :- و الله انتوا هتجنونى .. بعد ده كله وعايزة تتأكدى .. ده انا لو منكِ امسك فيه بايدى و سنانى هو في رجالة جدعة كِده اليومين دوول ..!!؟..
صمتت بدور و لم تعقب بينما تنهدت نعمة في حسرة هاتفة بلهجة صادقة النصيحة :- بدور.. انا من ساعة ما دخلت البيت ده و انا بعتبرك زى اختى الصغيرة .. يمكن عشان لقيت فيكِ صورة منى .. يمكن عشان اتبهدلنا و شوفنا نفس الهم .. و ادينى اهو ربنا جبر بخاطرى و اتجوزت ابوكِ .. لاكبر منى صحيح بس على الأقل مريحنى و مراضينى ..لكن انت بقى ..!؟.. يا بدور الفرحة عاملة زى الضيف المجنون .. متسيبهاش تهرب منك قبل ما تخدى حقك منها .. فرصتك في الفرحة جت لحد عندك امسكى فيها و تبتى ..
همست بدور :- عندك حق .. بس انا مش عايزة افرض نفسى عليه يا نعمة .. مش عايزة احس انى حمل هو مكنش مستعد له وفجأة لقاه على كتافه ..
همهمت نعمة متفهمة ثم هتفت في ثقة :- يبقى مفيش غير حل واحد يريحكِ ..
هتفت بدور في لهفة :- ألحقينى بيه ..
قالت نعمة في هدوء :- تطلعى له و تتكلمى معاه و تشوفى اخره ايه .. و يا اما تنهوا الحوار ده و تبقى عرفتى اخرها .. يا اما تبدوه صح و على حق ربنا ..
هتفت بدور مشدوهة :- اطلع أتكلم معاه ..!!؟؟
أكدت نعمة :- اه .. و تحطى النقط على الحروف .. لكن اللى بيحصل ده مش صح .. مش يمكن هو برضة بيفكر زيك و فاكر انك اتغصبتى عليه بسبب قولته انك مراته و انك مش عيزاه ..!؟..
تذكرت بدور حوارها مع زكريا يوم زفافهما على السطح بعد رحيل النساء .. لقد أكدت بالفعل في كلامها معه انها لا تريده و لا ترغب به كزوج ..
همست داخليا لنفسها .. قد يكون كلام نعمة يحمل الكثير من الحقيقة ..
هتفت نعمة وهى تجذب بدور من الفراش :- انت لسه هتسرحى و تفكرى .. قومى ياللاه كلميه ..
أومأت بدور برأسها إيجابا و اندفعت خارج حجرتها في أتجاه باب الشقة الا ان أوقفتها نعمة ضاحكة :- يخيبك .. هاتطلعى للراجل بهدومك دى و حافية كمان ..
تنبهت بدور لملاحظة نعمة فعادت ادراجها من جديد لغرفتها و ارتدت عباءتها و توجهت بألية تجاه باب الشقة .. و استدارت و هي على أعتابه مترددة و قد قررت العودة في قرارها الا ان نعمة كانت لها بالمرصاد و دفعت بها على اعتاب الشقة بالفعل في اتجاه الدرج المؤدى لحجرة زكريا ..
همست بدور في اضطراب :- طب ابقى طلى عليا ..
أمسكت نعمة قهقهاتها :- أطل ايه ..!؟.. لااا .. انا داخلة انام .. لو اتصبحت بطلتك البهية الصبح هعرف ان الموضوع خلص على كِده.. و لو ملقتكيش .. و قهقهت كاتمة فمها بكفها مستطردة .. يبقى صبحية مباركة يا قمر و استنى صينية فطورك يا عروسة ..
و دفعت نعمة ببدور لأول درجات السلم و عادت مسرعة ادراجها تغلق باب شقة الحاج وهيب تاركة بدور مترنحة لا تستطيع ان تخطو باتجاه الأعلى حيث امل تتمنى تحقيقه و ما بين عودة لا تستطيع إتيان خطوة تجاهها ..
دخل عاصم غرفة ابيه الحاج مهران يتفقده فاذا بالحاج مهران يهتف ما ان طالعه عاصم يفتح بابه :- عاااصم .. فيك الخير يا ولدى .. تعال عايزك ..
دخل عاصم مغلقا الباب خلفه مندفعا يقبل هامة ابيه هاتفاً :- خير يا حاچ ..
ابتسم الحاج مهران قائلا :- بجولك ايه ..!؟.. انا عايز اتسبح (استحم) ..
هتف عاصم باسما :- و ماله ننادم على الحاچة فضيلة .. ما انت يا حاچ مبترضاش الا بيها ..
ابتسم الحاج مهران مؤكدا :- صُح .. بس انا عايزك انت اللى تسبحنى النوبة دى ..
هتف عاصم متحمسا :- يا سلام .. تأمر يا حاچ .. و بدأ في خلع جلبابه و عباءته و عمامته و ألقى بهم بعيدا و اندفع للحمام يحضر المغطس بدرجة حرارة مياه مناسبة ثم يعود ادراجه لأبيه هاتفاً :- بس انا مليش صالح لو الحاچة فضيلة خدت على خاطرها .. انا بجولك اهااا ..
اتسعت ابتسامة الحاج مهران هاتفاً :- لااه ملكش صالح انت .. فضيلة عتفرح للى يريحنى ..
حمل عاصم ابيه بين ذراعيه بعد ان ساعده في خلع ملابسه و ارقده في المغطس الممتلئ حتى منتصفه بالماء ..
همس الحاج مهران متنهدا :- متشال .. وشايل و متشال ..
هتف عاصم :- بتجول حاجة يابوى .. !!؟..
همس الحاج مهران :- سلامتك يا ولدى .. بتعجب على حال البنى ادم ..
جذب عاصم احد المقاعد من احد الأركان و جلس عليه ملتصقا بالمغطس ليبدأ في فرك جسد ابيه برفق ..
استطرد الحاج مهران هاتفاً :- اوعاك يا عاصم يا ولدى تتغر بجوتك و لا مالك و لا صحتك .. كله زايل في لحظة .. لحظة تفرج بين الصحة و المرض و لحظة تفرج بين الفَجْر و الغنا .. و لحظة تفرج بين الحياة و الموت ..
توقفت يد عاصم عن عملها و تنهد بقلب منقبض ولم يعقب .. ثم عاودت كفه عملها من جديد تزرع جسد ابيه ..
هتف الحاج مهران بعد فترة من الصمت مازحاً :- عارف يا عاصم .. امك دى تربية يدى ..
رفع كفيه اما ناظريه من ماء المغطس مستطرداً .. فضيلة دى ارضى اللى عمرها ما خيبت و طرحها دايما كان على هواى ..
ابتسم عاصم في محبة .. ليكمل الحاج مهران مشاكساً :- خلى بالك عليها يا عاصم ..
هتف عاصم محتجا :- واااه .. بتوصينى على امى يا حاچ .. دى فوج راس الكل ..
انفجر الحاج مهران مقهقها و سعل قليلا و أخيرا هتف و هو يدفع كتف عاصم بكفه مازحاً :- يا غشيييم .. انا بوصيك على ارضك انت .. زهرة بت خالتك .. خلى بالك منيها .. اللى يحبه ربه يا عاصم يرزجه مرة
( ست) زينة تعينه على حاله و دنيته ..
مرتك ارضك يا عاصم .. بدرت فيها المحبة هاتطرح محبة و عشج .. بدرت فيها جلة جيمة ..
و صمت الحاج مهران ليتعجله عاصم هاتفاً بمشاكسة:- عاتطرح ايه ..!؟..
انفجر الحاج مهران ضاحكاً :- هاتطرح علجم و حنضل على دماغ صاحبها ..
انفجر عاصم بدوره ضاحكاً على تعليق ابيه و أخيرا انتهى .. فعاد به محمولا لسريره من جديد و ساعده على ارتداء ملابس نظيفة و سحب عاصم الغطاء على جسده يدثره و ابيه يتمتم ببعض من ايات الذكر الحكيم..
انحنى عاصم يقبل جبين والده و يندفع حاملا ملابسه مغلقا الإضاءة و الباب خلفه تاركا ابيه يغط في نوم عميق ..
تقدمت بدور تعبر عتبة باب السطح الخشبية
بعد ان جاهدت حتى تستطيع صعود درجات السلم الفاصلة بين شقة ابيها و تلك العتبة ..
وضعت أولى خطواتها و هي تضم شالها الأسود فوق عباءتها السماوية لعلها تلتمس منه بعض من عون يساعدها على أداء ما جاءت من اجله ..
توقفت قدمها و لم تتقدم خطوة تقف مشدوهة
امام خياله الورع و همسات صلاته التي تراه يؤديها الان موليا ظهره لها ..
تقدمت في وجل لتقف قربه تراقب سجوده و ركوعه و صوته الهامس أحيانا و المرتفع في بعض المقاطع أحيانا أخرى ..
دابت في ظل التفاصيل التي كانت تحيطه بهالة ما لا تدرك ماهيتها و أخيرا انتفضت
عندما تناهى لمسامعها تحية إنهائه الصلاة ..
دفعت نفسها دفعا لتنحنى قليلا واضعة كفها على كتفه هامسة بصوت متحشرج مضطرب:- حرما يا سى زكريا ..
لم يفاجأ بوجودها و كأنه كان على علم بتواجدها من البداية .. رد هامساً :- جمعا باذن الله ..
نهض في هدوء يجمع مصلاه و يضعها بقدسية على الأريكة الوحيدة بالسطح .. لم ينظر اليها حتى .. هكذا هتفت لنفسها ..
لما يصعب عليها الامر ..!؟؟.. كادت تصرخ في وجهه متسائلة .. الا انها تماسكت و استطاعت بالكاد تحريك قدميها للوصول لتلك الأريكة و الجلوس عليها لعلها تستعيد بعض من ثباتها و جزء من رباطة جأشها التي ذهبت ادراج الريح ما ان طالعت محياه ..
كان هو يقف بالقرب من احد أسوار السطح الخالى نائيا بنفسه عن تلك الجالسة على الأريكة والتي تحتلها بمحياها .. هتف في نفسه حانقاً :- عليك ان تعيد صلاة العشاء من جديد يا زكريا ..
فما ان شعر بقدمها تطأ ارض السطح و راح خشوعه و تركيزه في خبر كان .. رائحة عطرها أسكرته و خطواتها المتثاقلة خلفه كانت كأنما تخطوها على جدران قلبه ..
لما لا تفهم انه يريدها ..!!.. لقد صرخ بها امام الحارة بأسرها .. ماذا تريد اكثر ..!!؟..
لم يعد يستطيع ان يقف مكتوف الايدى وهى هنا .. لما جاءت من الأساس .. لما لا تتركه لحاله طالما انها لا ترتضيه زوجا لها ..!!؟..
احترق الدم بعروقه و لم يعد يحتمل المزيد من ذاك القهر .. اندفع الى مجلسها و جذبها صارخاً :- جوليها دلوجت .. جوليها وانت ِطاالة في عينى.. جولى مش ريداك .. جولى انى مش الراچل اللى ..
رفعت كفها امام فمه الثائر بالكلمات و المتفجر بها كبركان يلقى حممه لتهمس و عيونها تلتمع بدمع محبوس :- انت سيد الرجالة .. بس انا عايزة اطمن يا سى زكريا .. اصل مش انا اللى يتعمل عشانها كل ده ..!؟..ليه يا سى زكريا .. ليه ..!؟..
رفع كفه بعد ان هدأت نفسه قليلا لجوابها و امسك بكفها الموضوعة بقرب فمه ليخفضها و هو لايزل ممسكاً بها هامساً بتعجب:- ايه هو اللى ليه ..!؟..
هتفت هي و قد بدأت عيونها تزرف دمعها بسخاء :- ليه عملت كل ده عشان واحدة منتش اول بختها .. و عارف انها .. و صمتت قليلا تزدرد لعابها بحسرة مستطردة .. انك مش هتشوف معاها الخلفة اللى اكيد هاتشتاق لها ..
ليه يا سى زكريا ..!؟.. لو عشان كلمة اتربطت بيها قلتها ساعة جدعنة قدام الناس او كتب الكتاب اللى انكتب .. انا بحلك من الاتنين .. منتش مجبر .. انت ..
هتف فيها صارخاً :- انا رايدك و كل اللى جلتيه ميهمنيش .. عايزة تعرفى ليه ..!؟.. مفهاش ليه يا بت الحاچ وهيب .. ربك مجلب الجلوب .. انا محدش غصبنى يوم ما جلت انك مرتى جدام الكل .. انا مش عيل صغير عشان اجول كلام و أندم عليه .. دى كلمة طلعت من جلبى جبل لسانى .. سامعة ..
انت بجى اللى بسألك ليه ..!؟..
نظرت مستفسرة بأعين فاض منها الدمع ليمد كفه ماسحا دمعها هامساً :- ليه مستجلة بحالك يا بت الراچل الطيب ..!؟.. انتِ موعياش لروحكِ..
لف كفيه حول مؤخرة رأسها ليزرع جبينها بصدره هامساً :- انا لما شفت السمرى بيتچرأ عليكى .. اقسم بالله كان هاين عليا ادفنه مُطرحه و لا يلمس طرف توبك ..
و بعد دِه كله .. تجوليلى ليه .. عشان انتِ حلالى .. عشان انا رايدك بجلبى جبل عيونى
.. عشان .. انتِ بدور ..
كانت المرة الأولى التي ينطق بها اسمها مجردا .. المرة الأولى التي تسمع اسمها منغما من بين شفتيه ...و المرة الأولى التي تعشق فيها ذاك الاسم ..
رفعت رأسها من على صدره تشهق باكية لا تكاد تصدق انه يريدها حقا ..
اخفض راسه لتقارب مسامعها هامساً :- ايوه انا مش اول بختك بس ده لا بيدى و لا بيدك يا بت الناس ..امر الله ..
مبتخلفيش .!؟.. ربك اداكِ علمه ..!!.. كله بمشيئته ..
ثم ازداد ضمَّا لها وهمسه يزداد حميمية :- و مشيئته اللى علجت روحى بيكِ من غير ما انى أكون دارى و لا واعى انكِ بجيتى غالية عندى اكتر من روحى نفسها .. شملهما الصمت لحظات و فجأة انتفضت بدور شاهقة و هي تجد نفسها محمولة بين ذراعيه فهتفت مذعورة :- في ايه يا سى زكريا ..!؟؟..
هتف مشاكساً :- مفيش يا بت الناس .. انا بضمن بس انكِ متطلعيش تچرى على تحت زى كل مرة ..
انفجرت ضاحكة و هي تتعلق برقبته هامسة:- هو حد يلاقى زيك يا سى زكريا و يطلع يجرى و لاه المفروض يتعلق برقبته و ميسبوش ابدا ..!؟...
هتف زكريا ساخراً :- في واحدة غشيمة كانت بتعمل كِده ..
قهقهت بدور :- لا .. خلاص .. الغشيمة عقلت و متبتة بأيديها و سنانها .. و شدت وثاق ذراعيها حول رقبته في تملك ..
ليهتف زكريا في نشوة وهو يتجه لغرفته :- واااه .. و الله ودعواتكِ صدجت يا حاچة بخيتة..!!..
لتعلو وتيرة قهقهاتها و هو يغلق خلفهما باب غرفته .. غرفتهما ..
دخل عاصم حجرته فنهضت زهرة من فراشها تاركة توأمها الذى راح في نوم عميق بعد إطعامهما ...
تنبهت لحال عاصم و ملابسه التي يحملها على كتفه فتعجبت متسائلة :- ايه يا عاصم .. ليه شايل لبسك كِده على كتافك .. انت جاى منين ..!؟..
رد عليها بنبرة تائهة و عقل شارد :- كنت عند أبوى .. بسبحه ..
ابتسمت في مودة وهى تربت على كتفه بعد ان جلس في إرهاق على طرف الفراش :- ربنا يديك الصحة و تخدمه و يديله طولة العمر يا رب ..
ابتسم هو ابتسامة باهتة لم تصل ابدا لعمق عينيه فاستشعرت زهرة ان هناك خطب ما فانحنت تربت من جديد على ظهره هامسة :- خير يا عاصم .. في حاجة ..!؟..
هز راسه في تردد هامساً :- مش عارف .. بس جلبى مجبوض الليلة دى ..
شعرت بحاله المضطرب فضمت راسه لصدرها و همست :- ربنا يريح قلبك .. خير يا عاصم ..بص قوم خد دش و اقرى قرأن
و بجد هاتبقى زى الفل ..
اومأ برأسه متفقا معها و نهض في تكاسل متوجها للحمام وهى تشعر بقلق بالغ على حاله
توجهت لتفتح احد الأدراج تخرج له ملابس نظيفة ليرتديها ليتناولها منها قبل ان يغلق باب الحمام في هدوء مبتسما ابتسامة باهتة و هو يهمس :- تسلميلى يا ارضى ..
لم تدرك ما كان يعنيه .. و لم تتوقف عنده طويلا فما كان يشغل بالها من الأساس هو حاله التي جاء بها من غرفة ابيه ..
دارت رأسها و لم تستطع التوصل لسبب منطقى قد تدفع عاصم لما هو عليه من تيه لكنها أكدت لنفسها ربما رغبة في طمأنة حالها
بانه سيكون افضل بعض حمام دافئ يعيد اليه هدوء أعصابه ..
خرج عاصم من الحمام ليجدها على حال لم تخفى عليه من الاضطراب فتقدم اليها في ثبات ليؤكد لها انه افضل حتى لا يزيد من حيرتها و قلقها عليه..
انحنى يقبل رأسها و يتجه ناحية باب الغرفة .. فهتفت زهرة في تعجب :- مش هاتيجى تنام يا عاصم ..!!؟.. شكلك تعبان .. و الولاد هوديهم أوضتهم..
هز رأسه نافيا و معترضاً على اقتراحها :- لااه .. خليهم چارك .. انا مش هبيت هنا الليلة دى ..
لمح الاستفسار في نظراتها فهتف مفسرا :- هبات چار ابويا ..
و خرج من الغرفة تاركا أياها و قد ازداد قلقها أضعافا مضاعفة ..
هتفت نعمة صباحا منادية على بدور من خارج شقة ابيها لتنتفض مندفعة اليها هابطة الدرج حتى تلاقيها و ما ان طالعتها بدور حتى همست نعمة متسائلة في خبث ماجن :- هااا ايه الاخبار ..!؟..
لم تعقب بدور بل خفضت رأسها في الأرض حياءاً و اكتسى وجهها بحمرة محببة .. فانفجرت نعمة ضاحكة وهى تدفع بصينية طعام مغطاة باتجاه بدور هاتفة :- طب خدى يا عروسة .. صينية فطوركم اهى .. و ألحق أفطر ابوكِ ..
تناولت بدور الصينية في سعادة و اتجهت بها لأعلى و ما ان صعدت اول درجة حتى وقفت للحظة و استدارت باتجاه نعمة هاتفة :- نعمة.!!..
تنبهت نعمة قبل ان تغلق الباب فعادت لتشرعه من جديد مستفسرة لتستطرد بدور في امتنان:- ربنا يسعدك .. لو ليا اخت مكنتش عملت اللى عملتيه معايا..
ابتسمت نعمة و لم تعقب بحرف واحد لكن تلك الدموع التي ترقرقت بمأقيها كانت اكثر من كافية للرد على ما قالته بدور ..
أغلقت نعمة الباب و اتجهت بدور للأعلى و ما ان دفعت الباب لتدخل بالصينية حتى فاجأها زكريا مازحاً و هو يأسر ظهرها لصدره ..
شهقت فزعة الا انها تمسكت بصينية الطعام في ثبات تحسد عليه و انفجر هو ضاحكاً و لم يفلتها ..
هتفت معاتبة :- كِده برضك يا سى زكريا .. كنت هوقع صينية الاكل من ايدى ..
همس زكريا مغازلا :- فداكِ ميت صينية ..
فك أسرها لتضع الطعام فوق الطبلية و يجلسا متجاورين و ما ان رفعت الغطاء حتى هتف زكريا بسعادة :- حمام محشى .. و الله زمان .
قهقهت بدور :- اومال ايه..!؟ مش عريس ..
هتف زكريا في سعادة وهى يتناول الطعام في شهية :- كتر خيرها الست نعمة و الله .. ربنا يبارك فيها ..
ابتسمت بدور في تأكيد ليستطرد :- بس بجولك ايه ..!؟.. اليومين دوول هعديها عشان انتِ لسه عروسة لكن اكل تانى ياجينا من تحت .. لااه .. مش هاكل الا من يدك و من حر مالى .. مفهوم يا بدور ..!؟..
أومأت برأسها إيجابا و هي تضع بعض من طعام في فمه ليستقبله منتشياً و يرفع كفه ليطعمها بالمثل لكنها ترفض معترضة :- كل انت يا سى زكريا ..
هتف متعجباً :- هو انتِ مش عايزة تدينى الثواب و لا ايه ..!؟..
سألت بدهشة :- ثواب ايه ..!؟..
قال و ابتسامة تطل على شفتيه وهو يضع بعض من طعام في فمها :- هو انت متعرفيش ان الراچل لما يوكل مرته بيده ياخد ثواب ..!!
هتفت بدور :- لا معرفش .. بس اذا كان كده بقى .. لا ده انا اسيب ايدى ووكلنى للصبح ..
انفجر ضاحكاً :- و انا اكل بأيه ..!؟..
قهقهت بالمثل ليستطرد مازحاً :- شوية لدنيتنا و شوية لاخترنا يا بدور ..
اندفعت ترد عليه مازحة بدورها :- مااشى .. الحق عليا .. كنت عايزة اضمن لك الجنة ..
نظر اليها في عشق هامساً :- الچنة دخلتها امبارح على يدكِ يا بدور ..
احمرت خجلاً و طأطأت رأسها و ابتسامة ناعمة تكلل ثغرها و نظرة عاشقة تطل من عينيها ..
مرت الليلة بسلام و خرج عاصم بعد تردد لمباشرة مصالحه و لكن قبل ان ينتصف النهار لاح سعيد في استراحة الاسطبل مندفعا مما جعل عاصم ينتفض في تساؤل :- خبر ايه يا سعيد .. الحاچ مهران بخير ..!!؟..
التقط سعيد أنفاسه المتلاحقة في صعوبة مؤكدا حدس عاصم بان الامر يخص أبيه :- الحچ طالبك ضرورى يا عاصم بيه و جالى ياجى لو في يده ايه ..
اندفع عاصم في عجالة صاعداً سيارته التي لا يستخدمها الا للضرورة متوجها الى سراىّ الهوارى ووصل في اقل من دقائق مندفعا الى حجرة ابيه .. منذ البارحة و هو منقبض الصدر يشعر بثقل غريب يخيم على نفسه ..
دفع باب حجرة ابيه في قلق لكنه تنهد في راحة عندما طالعه ابوه في تمام الصحة .. حتى انه بدا له كما لو لم يكن مريضا قط ..
هتف عاصم في قلق :- خير يا حاچ ..!؟؟..
أشار الحاج مهران للفراغ المجاور له في الفراش ليجلس عليه عاصم :- تعال يا ولدى..
جلس عاصم حيث اشار ابيه و القلق وصل به مبلغا عظيما ..
همس الحاج مهران و قد بدا صوته متحشرجا من اثر السعال الذى يلازمه :- اسمع يا عاصم.. لليوم ده ربيتك يا ولدى .. شيع لسهام اختك عايز اشوفها و كمان بلغ الحاچة فضيلة و زهرة انى عايزهم .. و متجلجهمش ..
اما انت يا عاصم .. ربنا يعينك يا ولدى على حملك .. دير بالك على اختك و امك دوول أمانة في رجبتك يا عاصم .. مرتك و عيالك دول ارضك و ذرعتك .. حاچى عليهم من الزمن و ربنا يكرمك فيهم يا ولدى ..
اهلك ياعاصم .. اهلك لتهلك .. دوول عزوتك و ناسك .. اتجى الله فيهم يا ولدى و في صغيرهم جبل كبيرهم .. و في أفجرهم جَبل أغناهم ..
تحشرج صوت عاصم هاتفاً :- ايه لزمته الحديت ده يا بوى دلوجت ..!؟..
هتف الحاج مهران واهنا :- دِه هو وجته .. اسمع بس .. الدورچ الأخير دِه .. و أشار لأحد ادراج خزانة الملابس القابعة في ركن الغرفة الأيمن مستطرداً و هو يجذب مفتاح معلق برقبته .. ده مفتاحه يا عاصم فيه كل الاوراج اللى تخصنى .. هتحتاچها ..
سعل الحاج مهران مما دفع عاصم للإسراع خارج الغرفة صارخاً في سعيد :- جوام .. ارمح چيب الداكتور ..
هتف الحاج مهران بصوت بدأت تخبو نبراته:- لاااه .. داكتور ايه .. هو في داكتور عايمنع جضا ربنا .. اسمع يا عاصم ..
اندفع عاصم من جديد لأطراف فراش ابيه ممسكاً بكفه يكاد يموت قهرا و عجزا امام ابيه الذى يخبو لون الحياة من وجهه تدريجيا غير قادر على التصرف حيال ذلك ..
ليستطرد الحاج مهران لاهثاً :- معيزش صراخ و عويل .. معيزش عزا و لا صوان .. كل اللى كان هايتعمل.. فلوسه خرجها على روحى صدجة يا عاصم .. ادفنى جار أبوى و اخوى غسان .. عشان اجوله انى رديت حج ولده زكريا .. اما ولده سليم فربنا يهديه و يسامحه ..
شهق الحاج مهران و بدأت أنفاسه تتلاحق مما دفع عاصم ليهتف صارخاً :- حاچ .. ياحاچ ..
و خرج ليكمل صراخه لسعيد على الرغم من علمه انه لم يعد بعد .. الداكتور فين يا وااد ..
اندفعت الحاجة فضيلة من الخارج على صوت صرخات عاصم مذعورة و بالمثل هرولت زهرة في قلق من حجرتها حيث كانت تطعم صغارها ..
تجمع الكل امام باب غرفة الحاج مهران .. و اندفعوا داخلها مذعورين لرؤية الحاج مهران بتلك الحالة و الذى همس :- وينها سهام .. شيعولها ..
اندفعت الحاجة فضيلة لام سعيد هاتفة :- سيبى اللى وراكِ و هاتى سهام في يدك و تعالى چرى ..
اندفعت ام سعيد تنفذ في عجالة و دون إبطاء و عادت الحاجة فضيلة تقف مشدوهة على باب غرفة رفيق عمرها لا تستطيع الا ان تذرف دمعا لا يبذل الا لعزيز غالى ..
أشار الحاج مهران لها فاقتربت و أمر الجميع لتركهما وحيدين و لكن قبل ان تخرج زهرة ناداها لتقترب و دموعها تغرق وجهها غير قادرة على التفوه بكلمة فهمس لها :- زهرة يا بتى .. خلى بالك على عاصم ..متسبيش يده مهما حُصل و خليكِ چاره..
ربنا مايفرجكم ابدا ..
ربت على ظاهر كفها و تركه لتندفع زهرة خارجا و شهقاتها تسبقها .. و هي تغلق الباب خلفها تاركة الحاجة فضيلة تجلس على احد المقاعد بجوار فراش الحاج مهران .. لكنها انتقلت ما ان أُغلق الباب لتجلس على طرف الفراش مقابلة له .. تجود بدمعها العزيز ..
همست الحاجة فضيلة شاهقة:- متسبنيش يا مهران .. ده انى عايشة على حسك ..
ربت الحاج مهران على كفها مطمئناً :- مش هسيبك يا فضيلة .. هكون دايما چنبك وحواليكِ ..
شهقت الحاجة فضيلة من جديد :- راضى عنى يا مهران .. !!؟..
همس بوهن متزايد :- وااه يا حبة جلبى .. راضى دى كلمة جليلة ..
و بدأ في السعال من جديد مما دفع الحاجة فضيلة لتفتح الباب تستدعى عاصم مذعورة لتندفع معه سهام من باب حجرة ابيها و قد وصلت لتوها في حالة انهيار تام و خلفها حسام زوجها ..
بكت في أحضان ابيها غير قادرة على رفع رأسها و الاستماع لما يقوله بصوته الواهن.. دفعوا بالجميع خارجا عندما وصل الطبيب أخيرا .. و الذى أقر بضرورة نقل الحاج مهران للمشفى فى التو ..
الا ان الحاج مهران رفض هاتفاً :- لاااه .. عموت على فرشتى ..
.. الا ان عاصم لم يعبء بمطلب ابيه و طلب سيارة اسعاف لنقله فقد استشعر ان الحالة اخطر من اى مرة مضت..لذا اتفق مع الطبيب على ذلك .. و ما ان عاد للغرفة التي كان بابها مواربا حتى سمع ابيه يرتل بعض من ايات الذكر الحكيم بصوت هامس مضطرب النبرات:- َوسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ
و أخيرا صمت الهمس و سكن الجسد و مال عاصم على الباب يستمد منه قوة كان احوج ما يكون اليها ..
هتف الحاج مرشدى عندما طالعه محيا زكريا قادما الى المحل بعد ان قضى الثلاث ايام الاولى فى زواجه فى اجازة منحها له ما ان علم بزفافه:- مبروك يا عريس .. الف مبروك يا صعيدى ..
ابتسم زكريا رابتاً على صدره هاتفاً فى سعادة :- يبارك فيك يا حاچ مرشدى .. ربنا يخليك لينا ..
هتف احد زملاء زكريا فى العمل مستعجبا :- لكن اتجوزت فجأة كده يا زكريا .. مش غريبة دى !؟.... ده احنا حتى مسمعناش انك خاطب او حتى حاطط عينك على واحدة ..
هتف الحاج مرشدى فى سخرية :- ما هو كِده يابنى .. الجواز ده زى القضا المستعجل لا تعرف يجى امتى و لا ازاى ..
انفجر جميع صبيان المعلم مرشدى ضاحكين على تعليقه الساخر و كان من بينهم زكريا الذى خاطبه المعلم مستطرداً فى مساخره :- بس قولى يا زكريا .. فتحت البرميل من فوق و لا من تحت ..!؟.
تعجب زكريا للسؤال :- برميل ايه لامؤاخذة يا حاچ ..!؟..
انفجر الجميع ضاحكين على جهل زكريا بمصطلحات الحاج مرشدى و فلسفته الحياتية ليستطرد الحاچ مرشدى من بين قهقهاته :- برميل الزفت يا غشيم .. ماهو الجواز عامل زى برميل الزفت على وشه شوية عسل و الباقى قطران لامؤاخذة .. فَلَو انت فتحته من فوق اهو طلت لك لحستين عسل قبل ما تدوق المر يا خفيف و لو فتحته من تحت يبقى وقع الزفت على دماغك الكريمة ..
انفجر زكريا و من معه مقهقهين حتى اجاب زكريا باسما :- لاه .. طلت لحستين عسل يا معلم ..
هتف الحاج مرشدى :- طب اشكر ربك .. و بوس ايدك وش و ضهر ..
هتف زكريا :- شكرينه و حمدينه يا حاچ .. كل مچايبه خير ..
هتف الحاج مرشدى و قد استعاد وقاره :- الحمد لله .. ربنا يهنيك يابنى .. و الف مبرووك ..
ثم هتف أمرا زكريا :- قرب ..
اقترب زكريا كما أمره الحاج مرشدى ليودع فجأة فى كفة حفنة من النقود هامساً :- ده نقوط جوازك .. عشان تفرح العروسة ..
هتف زكريا محتجا:- ده كتير يا حاچ ..
هتف الحاج مرشدى فيه ليوقف سيل اعتراضاته :- انت هتكسف ايدى و لا ايه .. خد و بلاش غلبة .. و شيلهم من سكات ربنا يبارك لك فيهم ..
هدأ زكريا ووضع المال فى جيب جلبابه وهمس فى امتنان :- ربنا يبارك لنا فى عمرك يا حاچ ..
ربت الحاج مرشدى على كتف زكريا فى محبة و اشار له :- يا اللاه .. روح شوف شغلك .. و خف على نفسك يا عريس ..
ابتسم زكريا و هو يندفع لشكائر الإسمنت من الخارج يحملها بكل همة و يضعها حيث مكانها فى داخل المحل ..
دخل عاصم السراىّ متجهما يملؤه حزن العالم
على رحيل والده الغالى ..كان يسير في تؤدة تحمله قدماه بالكاد و ما ان اقترب من الباب حتى سمع صراخ و عويل فاندفع بكل عنف لداخل السراىّ ليرى من تجرأ وخالف وصية ابيه .. وصل لقاعات الحريم فدخل هاتفاً بصوت كالرعد اهتزت له الأركان و انتفضت له النساء :- جلنا مفيش لا صراخ و لا عويل .. و اللى چاية و فاكرة صراخها و عويلها دِه الواچب .. بناجصه الواچب دِه .. اللى هاتجعد .. تجعد من غير حس يا اما تفارجنا بالمعروف ..
ساد الصمت بعد كلمات عاصم الهادرة .. و اندفع لاعلى في غضب عارم و بالفعل نهضت بعض النساء تستأذن للرحيل ..
اندفعت زهرة خلفه .. لتراه يدخل غرفتهما و يدفع الباب بعنف خلفه .. دخلت في هدوء لتجده يتناول بعض من ملابسه و يندفع ليغادر الغرفة من جديد...
ثلاثة أيام مرت منذ وفاة الحاج مهران لم تنظر فيها لوجهه او حتى تلمح عيناه و كأنما يهرب بهما بعيدا لا قبل له بمواجهة عينيها حتى انه لم يعد ينام في فراشه بل اتخذ من حجرة ابيه ملاذ له .. يلجأ اليه بعد ان ينتهى من مهام العزاء في استراحة الاسطبلات و يختفى بداخلها حتى صباح اليوم التالى ..
تنهدت في حزن على حاله و حال البيت الذى عمه الحزن و عششت عليه الكأبة منذ رحيل الحاج مهران .. دمعت عيناها لذكراه و ترحمت عليه بصوت عال ..
دق زكريا باب غرفته لتفتح بدور في لهفة لرؤيته و عادت من جديد مسرعة امام الموقد.. ليهتف زكريا :- ايه الروايح الچامدة دى ..!؟.. هتغدينا ايه يا بدر البدور..
انفجرت ضاحكة لذاك الدلال المحبب لقلبها و هتفت متعجبة لاعجابه برائحة الطعام :- ده برنجان ( باذنجان) يا سى زكريا ...
هتف ممتنا :- و ماله .. رضا .. من يدكِ هايبجى شهد ..
ابتسمت لمغازلته ووضعت الطعام على الطبلية و بدأوا في تناوله بشهية..
و أخيرا هتف متذكرًا :- اه صحيح .. خدى ..
و اخرج من جيب جلبابه بعض النقود ووضعهم أمامها على الطبلية ..
هتفت في سعادة :- ايه ده كله يا سى زكريا!!؟ ماشاء الله ..
هتف زكريا فرحا :- ده نجوط الحاچ مرشدى
لما عرف انى اتچوزت .. عطاهملى و جالى ابسط العروسة ..
انفجرت بدور ضاحكة و سعيدة تدعو للحاج مرشدى بدوام الصحة و طول العمر ثم تهمس في دلال :- عارف يا سى زكريا .. !!..
تنبه لها بكل حواسه لتستطرد :- انا فرحتى بإنك هاتفضل معايا بكرة اليوم بطوله .. اكتر من فرحتى بالفلوس و الله ..
لمعت عينا زكريا ببريق مشاكس و هو يخرج من تحت الطبلية لفافة صغيرة و يقدمها لها هاتفاً :- طب و ايه رايك .. مع زكريا و لا مع حبيبتك دى ..!!؟..
انتفضت بفرح و فضول طفلة صغيرة هاتفة :- ايه ده يا سى زكريا .. ده انا مشفتكش داخل بحاجة في ايدك ..
ابتسم لانه استطاع تمريرها وهى تعطى له ظهرها تتجه للموقد تنقذ الباذنجان قبل احتراقه
فتحتها في لهفة لتصرخ في سعادة :- بسبوسة.!!..
انفجر ضاحكاً لردة فعلها لتهتف هي في تعجب :- بس ازاى عرفت انى بحبها ..!!.. سألت نعمة ..صح ..!؟..
هز راسه نافيا و لازالت الابتسامة تكلل محياه ثم همس :- انتِ اللى جولتيلى ..
همت بالاعتراض الا انه استطرد :- في يوم كنت راچع من المحل بدرى لمحتك جدام محل الحلويات اللى على طرف الحارة ..وجفت .. خفت لسمرى او حد من رجالته يتعرض لكِ... و سمعتكِ و انت بتطلبى البسبوسة و خدتيها و مشيتى و انا وراكِ حارسك وانتِ مش دريانة لانك فتحتى طبج البسبوسة و هاتك يا اكل ..
انفجرت ضاحكة .. ليعقب هو مازحاً وهو يختطف طبق البسبوسة من أمامها و يندفع واقفا و هو يهتف :- دلوجتى نشوف بتحبى مين اكتر.. زكريا و لا البسبوسة ..!!..
اندفعت بدور تدافع عن محبوبتها تحاول ان تطالها و هو يرفعها عنها لاقصى ما تصله كفه و هو يضحك هاتفاً :- جولى .. زكريا و لاه البسبوسة ..!!؟..
لتهتف هي محاولة الوصول للطبق و إيجاد حل وسط :- زكريا بالبسبوسة ..
لينفجر زكريا ضاحكاً و هو يخفض الطبق لمستوى ناظريها لتلمع عيناها في لهفة ممنية نفسها بتذوق قطعة و مدت كفها تتناول احداها بالفعل و ما ان همت بقضمها الا و أدارت كفها التي تمسك بها و تتجه بها ناحية فم زكريا الذى ادرك انها تأثره على نفسها و تقدم له يدها ليتناول القضمة الأولى ففعل في محبة و أخيرا عادت بكفها لتضع باقى القطعة كلها في فمها لينفجر زكريا مقهقها و هو يراها تلعق أصابعها في استمتاع و همس متحسرا :- ده شكل اچازة بكرة هاتبجى للبسبوسة و خلاص راحت عليا انا بجى ..
لتهتف بلهفة و هي تضع طبق حلواها المفضلة جانبا :- متقلش كده يا سى زكريا .. طب شايف انا بحب البسبوسة قد ايه .!؟.. انا بحبك اكتر بكتييير ..
قهقه زكريا هاتفاً :- كتر خيرك .. انا عرفت كِده انك بتموتى فيا بچد ..
اندفعت بين ذراعيه ضاحكة في سعادة.
خرجت تطمئن على صغارها في حجرتهما الخاصة و تتأكد انهما على خير حال ..
قابلت الحاجة فضيلة التي كانت تصعد الدرج بعد رحيل اخر النسوة المعزيات ..
نظرت اليها زهرة في حسرة و قد ارتسم على وجهها تغضنات لم تكن موجودة على وجهها من قبل .. أضحت الحاجة فضيلة عنوان القوة و الصمود امرأة عادية يُظهرها الحزن اكبر بكثير مما هي عليه حقا .. حزنها كبيير.. زهرة تعلم ذلك جيدا .. فحبها للحاج مهران كان كبيرا أيضا .. اشفقت عليها .. فاندفعت زهرة تتلقى كفها ما ان وصلت لاخر درجات السلم لاهثة و سارت تستند عليها حتى وصلت بها لحجرتها .. مرت على حجرة الحاج مهران في طريقها فتوقفت لحظة تدنى الطرف على مقام حبيبها الذى ما عاد يسكنه ...
همست لزهرة بشجن :- لساته عاصم بيبيت في أوضة الحاچ.. !؟..
أومأت زهرة إيجابا .. و همست بدورها و قلبها يئن حزنا على حال زوجها و حبيبها:- هنسيب عاصم كده يا خالتى ..!؟.. انا خايفة عليه من الكتمة و القهرة اللى ملياه دى ..
ربتت الحاجة فضيلة على كفها مطمئنة و قد وصلت لباب حجرتها وهمست في هدوء مؤكدة :- متجلجيش .. عاصم ولدى شديد ..
أومأت زهرة برأسها إيجابا على الرغم من عدم اقتناعها و قبلت رأس خالتها و تركتها لتعود لصغارها ..
عادت لحجرتها أخيرا تحاول الحصول على قدر من النوم و الراحة بعد عناء الأيام الماضية .. لكن من أين تاتى الراحة ..!؟..
وهي تراه لا ينعم بها .. من أين يأتي النوم..!!؟.. و قلقها علي حاله يضج مضجعها..
تقلبت على فراشها لكن هيهات ان يزور النوم جفونها .. ثلاث ليال وهو بعيد .. ثلاث ليال بلا نوم .. ثلاث ليال ممزوجة بالأرق و القلق
هي لم تعد تحتمل .. ظلت بعيدة تحترم حزنه و قررت ان تتركه يتصرف كما يحلو له مراعية لظروفه النفسية الصعبة .. لكنها لن تظل بعيدة للأبد .. لن تتركه وحيدا غارق في حزنه .. فليكن ما يكون .. هكذا هتفت و هي تندفع من فراشها و تخرج من غرفتها في هدوء و حرص و تتسلل لغرفة الحاج مهران
و تفتح الباب في حذر و تدلف للداخل و تغلق الباب خلفها ..
رأته على ضوء خافت صادر من باب الحمام الجانبى على اطراف الغرفة كان دوما ما يتركه الحاج مهران رحمه الله مضاءً ..
كان يتكوم كجنين على اطراف الفراش يحتضن في تشبث وسادة كان دوما ما يرتكن عليها ابيه عند جلوسه في ساعات استيقاظه..
دمعت عيناها لمرآه بهذا الشكل .. تحركت في بطء حتى أصبحت على الجانب الاخر من الفراش و ما ان وضعت جسدها عليه حتى اصدر صريرا فتنبه عاصم لكنه لم يحرك ساكنا بل همس بحسم :- روحى يا زهرة من هنا ..انا زين ..
لم تجبه بل اقتربت اكثر حتى أصبحت تلتصق بظهره الذى يوليه أياها ووضعت كفها على ذراعه هامسة بأسمه بنبرة مستجدية رغبة في الاطمئنان عليه :- عاااصم ..!!؟..
همس من جديد بحسم اقل :- انا زين .. روحى الله يخليكِ ..
جذبت ذراعه ليواجهها فلم يعترض و استدار بكليته اليها فتشجعت و جذبت برفق الوسادة من بين ذراعيه ووضعتها جانبا ..و أخيرا ضمت رأسه لصدرها و همست :- ابكى يا عاصم .. ابكى ..
تنهد بعمق وهمس بين أحضانها :- انا شَديد يا زهرة .. انا شَديد ..
احنت رأسها لتقبل هامته التي بين ذراعيها في حنو و بدأت تهدهده في وداعة لتستشعر شهقاته التي يحاول كتمانها في أحضانها لتعتصره الى صدرها اكثر و تحيطه بذراعيها كأنما بفعلتها تطرد اشباح الحزن بعيدا .. بكت
تشاطره ألمه الذى تستشعره يلهب صدرها و يعذب روحها ..
لا تعلم كم ظلا على حالهما .. لكن كل ما تعرفه انه غفا أخيرا كالطفل بين ذراعيها ..