رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث (رباب النوح والبوح) بقلم رضوى جاويش الفصل الثلاثون
انتفضت نهلة و هى تستمع لتلك الاخبار عن حازم امامها على شاشة التلفاز و صرخت هاتفة و هى تنظر الى امها:- الكلام ده صحيح يا ماما!؟.. معقول حازم رهينة عند ارهابيين كانوا مستخبيين ف الجبل ف الصعيد !؟..
تنهدت سهير فى أسى:- الظاهر كده يا بنتى.. ربنا يكون ف عون باباه ومامته.. زمانهم مش عارفين يعملوا ايه !؟.. و اذا كانوا هيشوفوا ابنهم تانى و لا لأ..
جلست نهلة فى انهيار منتحبة تخفى وجهها بين كفيها لتربت امها على كتفها مهدئة:- انتِ لسه يا نهلة دماغك بتودى و تجيب ف موضوعكم!؟.. مش انتِ قولتيلى إنكم ف اخر مرة كان هنا الإجازة اللى فاتت.. اتفقتوا على كل حاجة.. و هو عرف قرارك النهائى..
اومأت نهلة و هى تمسح دموعها المنسابة عن خديها:- ايوه يا ماما.. اتفقنا خلاص.. انا مش هتنازل عن البعثة.. و هو قالى انه بيحترم قرارى و اتمنالى التوفيق.. حتى طلب منى انى مبلغش حد من أهله بالخبر ده و اسيبه هو يبلغهم بنفسه..حتى كان غريب قووى يا ماما.. فيه حاجة متغيرة.. مش حازم اللى اعرفه.. زى ما يكون شايل هم كبير على كتافه و مش قادر عليه..
تصورى.. اول مرة يضحك.. بس ضحك مليان وجع بيحاول يداريه و قالى بالحرف الواحد.."على الرغم انى مش هنفذ وصية عمى مختار بس كفاية ان ده اختيارك.. انت جدعة قووى انك قدرتى تختارى.. و انا هفضل حازم اخوك اللى ممكن تلجأى له ف اى وقت.. ربنا يوفقك يا نهلة".. و سلم عليا و مشى.. بس عيونه كانت فيها نظرة غريبة اول مرة أشوفها.. نظرة واحد بيحب يا ماما.. انا متأكدة ان مش انا سبب النظرة دى.. بس على قد ما استغربت.. على قد ما صعب قووى عليا..
همهمت سهير مبتهلة:- ربنا يرده بالسلامة.. دول أهله زمانهم هايتجننوا عليه.. ربنا يعينهم..
همست نهلة متضرعة بالمثل:- يا رب..
ساد الهرج و المرج بعد ما أُعلن عن اسر حازم و اندفع الجميع لإجراء الإتصالات بكل الأطراف للوقوف على صحة الإدعاء و خاصة عاصم و زكريا الذى انهار تماما بعد تأكده من الخبر و ان حازم كان ضمن تشكيل أمنى خرج للقبض على بعض الخارجين عن القانون و المتحامين بالجبل و اذ تفاجأ رجال الأمن بكمين منصوب لهم من قبل بعض الإرهابيين الذين كانوا يتخدوا من الجبل مأوى و من الخارجين عن القانون القاطنين به حراس لهم و ما ان اشتبكت معهم قوات الأمن حتى وقع حازم فى اسرهم و لا يعلم احد اى تطورات فى الموقف..
تناسى الجميع إغماء العروس التى حملها اخوها لأقرب حجرة و ترك النساء معها لإفاقتها و عاد مسرعا لمجلس الرجال لعل احدهم يصل لأى خبر جديد يخص حازم.. لكن لا جديد حتى الأن..
رنين الهواتف لم ينقطع مطلقا وكان من بينها هاتف حمزة الذى رن بشكل متواصل دون ان يدرك هوية المتصل.. خرج حيث يستطيع سماع ذاك الصوت الذى لا يصله الا متقطعا و اخيرا استطاع تبين صاحبة الصوت.. انها زينة زوجة عمه زكريا..لابد و انها علمت بما حدث لحازم من وسائل الإعلام لكنها كانت تصرخ باسم هدير..انتفض ما ان أتاه الاسم جليا و بدأ يستوضح منها الامر هاتفا:- مالها هدير يا مرت عمى..!؟
جاءه الرد على الطرف الاخر من صوتها المتحشرج بكاءً:- مش عارفة.. اغمى عليها و مش بترد عليا.. انا فى طريقى للمستشفى و اتصلت بزكريا كتير تليفونه يا مش بيرد يا اما مشغول.. ألحقنى يا حمزة و بلغ عمك.. انا هنا لوحدى..
هتف حمزة بحنق:- لوحدك كيف !؟ و فين خطيب هدير!؟.. و لا هو ما يعرفش يبجا راچل مرة ف حياته !؟.
هتفت زينة باكية:- يا حمزة احنا اصلا مش ف إسكندرية.. احنا ف القاهرة من كام يوم.. و هدير فسخت خطوبتها من عشرين يوم.. بس انت تلاقيك متعرفش عشان نزلت البلد تجهز لكتب كتابك..
ثم تداركت هاتفة فى ذعر:- هو مش المفروض النهاردة يا حمزة و لا ايه!؟
هتف كاذبا فيكفيها ما هى فيه حتى يخبرها ما حدث لحازم و أجّل عقد القران لأجل غير مسمى:- لاااه يا مرت عمى.. اتأچل كام يوم.. متجلجيش هبلغ عمى و هنكون عندكم مسافة السكة..
أغلق الهاتف و تلفت حوله يتأكد ان مكالمته لم يسمعها احد و اندفع يتوجه لداره ليحمل حقيبته حيث هدير مريضة و بحاجته و لكنه تنبه بعد ان اندفع عدة خطوات للخارج ان عروسه هى الاخرى مريضة وانه حتى لم يطمئن عليها بعد اغمائها..
عاد ادراجه فى سرعة و قد قرر السؤال على حالها و الاطمئنان انها بخير ليعود ادراجه ليسافر و لن يخبر عمه بالطبع فيكفيه مصيبة واحدة.. مصيبة حازم و الذى يجهل الجميع حتى تلك اللحظة مصيره..
استأذن فى الاطمئنان على عروسه و أشاروا لتلك الغرفة الجانبية التى تقبع بها مع بعض النساء توجه اليها و ما ان اصبح قبالتها وهم بالطرق على الباب حتى وجد بابها بالفعل مواربا.. كانت هى من تتكلم فى هدوء متسائلة فى نبرة متوترة:- هو ايه اللى حصل يا تسنيم !؟..
ردت تسنيم بنبرة حانية:- ابدا يا حبيبتى كنتِ نازلة تمضى على العجد و كنا وراك ِ واجفين نستنوا الإمضاء و چه خبر اللى حصل لحازم و وجعتى من طولك..شالك باسل و چابك على هنا و اهم الرچالة بره لسه معرفوش يتوصلوا لحاچة..
هتفت تسبيح بصوت متحشرج:- يعنى انا بس وجعت..
اكدت تسنيم:- اه صرختى و اغمى عليك.. ليه !؟..
همست تتأكد:- يعنى مصرختش بأسمه يا تسنيم.. جولى لاه و ريحينى..
هتفت تسنيم بصدق :- هكدب عليكى و اجولك لااه !؟... الصراحة حصل بس استحمديه.. محدش خد باله وسط الدربكة و الهوچة الكبيرة اللى حصلت من الرچالة اول ما چه الخبر المشؤوم ده..
تنبه حمزة يحاول تذكر لحظة سقوطها.. بالفعل صرخت بقوة لكن هو نفسه لم يع ما حدث ساعتها و حمد الله ان الجميع بالتأكيد ألتهى فى أمر حازم و لم يدرك صرختها تلك..
استطردت تسنيم تسألها فى لهجة من يعلم الإجابة مسبقا لكنه فقط يريد ان يسمعها جلية من صاحب الشأن:- بتحبيه يا تسبيح!؟..
شهقت تسبيح فى لوعة و لم تجب لكن كان ذاك النحيب المقهور الصادر منها اصدق اجابة يمكن الحصول عليها.. تسمر حمزة فى مكانه و قد كان فى سبيله للمغادرة الا ان جوابها على سؤال اختها جاءه معبرا وممزوجا بشهقات بكائها:- انا مش عارفة ده حصل امتى و ازاى!؟.. و لا عارفة ازاى معرفتش أتمالك اعصابى لما سمعت باللى حصله..!؟. و لا عارفة ازاى هواچه حمزة و يا ترى خد باله من اساسه و لا لااه.. و لو خد دلوجتى هجوله ايه.!؟ و لا عارفة حازم اصلا حصل له ايه و دى اكتر حاچة هتچننى.. هو بخير يا تسنيم مش كِده..!؟ جوليلى انه بخير..
و بدأت فى النشيج من جديد.. مما كاد ان يدفع حمزة للتراجع عن الدخول لها بعد تصريحها الصادم ذاك لكن قدوم باسل فى تلك اللحظة مستنتجا سبب قدومه ليدفع باب الحجرة مطلا برأسه هاتفا:- حمزة هنا و چاى يطمن عليكِ يا تسبيح..
مسحت وجهها الباكى بسرعة و تصنعت ابتسامة باهتة مضطربة و هو يدخل عليها منكس الرأس غاضا البصر هاتفا فى صوت حاول ان يبدو طبيعيا:- انتِ بخير دلوجت يا تسبيح!؟..
اكدت هاتفة فى سرعة:- اااه.. اه الحمد لله.. احسن.. يسلم سؤالك يا حمزة..
هز رأسه راضيا ثم هتف و هو يستأذن راحلا:- طب الحمد لله.. عجبال ما ربنا يطمنا على حازم بإذن الله..
هتفت تسنيم عندما ألتزمت تسبيح الصمت تحاول وأد شهقة البكاء التى كانت تتصاعد من جوف روحها ما ان ذكر اسمه:- باذن الله يا رب..
لاحظ هو كل ذلك لكنه احتفظ بهدوء أعصابه ملقيا السلام ليرحل على عجالة لاحقا بتلك التى لا يعلم ما دهاها و لا مما تشكو..
اتخذ قراره و انتهى الامر و ها هو يستقل سيارته متوجها للسراىّ ومنها الى دارها حتى يثنيها عن قرارها الذى اتخذته بالابتعاد عنه رسميا و التوقف عن العمل معه فى مقر الشركة.. لن يقبل اى عذر و لن يتوانى عن إرجاعها و لو بالقوة فقد دخل الشركة صباحا و ما استطاع البقاء فيها لأكثر من ساعة دون الشعور بوجودها يغمر ارجاء مكتبه.. و دون ان يملأ ذاك الفراغ القاتل بحياته بعنادها و مشاكسته لها ورودها الجافة و نظراتها النارية التى تحفزه و تستفز فيه روح التمرد و الرغبة فى اغاظتها بأى شكل من الأشكال حتى تعاود من جديد هجومها و استئسادها.
دخل النجع اخيرا و ها قد شارف على الوصول لحدود سراىّ الهوارية و فجأة ضغط مكابح السيارة فى قوة و اندفع مترجلا منها يرى تلك الكتلة السوداء التى مرت أمامه بسرعة جعلته يتوقف بهذا الشكل المفاجئ مذعورا..
نظر امام العربة ليجدها هى تلك المرأة المجذوبة و التى يبدو انه موعود بلقائها دوما متى يقرر و يأتى إلى هنا لأى سبب.. لا يعرف ما هذه الصدف العجيبة التى تلقيها بطريقه!؟.. لكنه يراها فى كل مرة و لا يذكر انه أتى الى السراىّ و لم يرها..
انحنى يتفحصها فى خوف و لا يدرى ما عليه فعله.. لا يدرك هل ماتت !؟ ام انها لاتزل على قيد الحياة !؟.. اخرج جواله فى سرعة و اول ما صادفه هو رقمها.. كان يحاول الاتصال بها مرارا و تكرارا طوال الطريق الى هنا لكن لا فائدة و لا إجابة منها.. عاود الاتصال من جديد متمنيا من الله ان ترد هذه المرة.. لكنها لم تفعل.. أرسل رسالة من عدة احرف.. "ألحقيني"...
رأت هى اسمه ينير شاشة جوالها و لم ترد كعادتها منذ تركت العمل.. فقد قررت صرفه بعيدا عن حياتها التى اصبح عبئا عليهم خاصة فى الفترة الاخيرة.. فقد كان منذ بداية تعارفهما ضغطا كبيرا على مشاعرها التى كانت تحاول ان تئدها فى مهدها و لم تستطع لكن بعد ما اكتشفته عنه فقد اضحى الوضع لا يُحتمل.. فمن اين لها بقوة تستطيع بها تحمل كل هذا !؟.
انه اختبار فوق احتمالها و الأدهى و الامر من ذلك كله هو إحساسها بالخزى و العار من نفسها فكيف تبتلع لسانها و لا تخبر عاصم الهوارى بما تعرفه عن ذلك الحاقد.!؟. فهى تشعر ان مشاعرها تجاهه تكبلها و مشاعر ولائها لأولياء نعمتها تحاصرها. انها فى ورطة كبيرة و لا تدرك ما السبيل للخروج منها..
انتفضت من خواطرها تلك على صورة اشعار برسالة فتحتها لتنتفض و قد قرأت استغاثته.. ترى ماذا دهاه ليرسل لها تلك الرسالة !؟..
ضغطت زر الاتصال على رقمه ليجيب فى ثوان هاتفا فى لهفة:- ألحقيني يا ثريا... شكلى قتلت الست المجنونة دى اللى بتظهر لى كل ما اجى البلد هنا..
هتفت فى ذعر:- قتلتها!؟..
همهمات صدرت من المرأة المجذوبة الواقعة امام العربة ليهتف هو فى فرحة:- الحمد لله شكلها ممتتش.. بس اعمل معاها ايه دى !؟..
هتفت فى سرعة و هى تضع حجابها على رأسها مندفعة للخارج:- استنى انا جاية لك.. بس انت فين!؟..
هتف مؤكدا و هو يتلفت حوله:- انا قبل السراىّ بحاجة بسيطة.. عند عشة كده معمولة م الخوص..
اكدت ثريا و هى تسرع الخطى فى سبيلها اليه:- اه.. يبجى خبطتها جدام عشتها.. انا خلاص تجريبا وصلت.. اجفل.. سلام..
و فعلا ما هى الا ثوان و ظهرت ثريا متجهة اليه ليهتف فى لهفة:- أخيرا.. تعالى شوفى اعمل معاها ايه !؟.. انا مش فاهم لها حاجة..
اقتربت ثريا تنحنى فى شفقة باتجاه المرأة المغبرة التى اعتدلت قليلا فى جلستها لكنها لم تقو على النهوض بعد و هتفت:- انتِ كويسة يا خالة سيدة!؟..و مدت كفها تساعدها على النهوض ليحذو سيد حذوها و يجذبها بلطف لتنهض و تستند على كفيهما فى اتجاه عشتها الخوص على الجانب الاخر من الطريق..
هتف سيد مبررا ما حدث:- و الله ما كان قصدى.. هى ظهرت قدامى فجأة.. الظاهر كانت خارجة من عشتها دى و مخدتش بالها و هى بتعدى الطريق..
هتفت ثريا دون ان تعيره انتباها و قد وصلا بسيدة لعتبة عِشتها:- حصل خير.. الحمد لله..
كان باب العشة لا يمررهما معا بصحبتها لذا ترك كفها و اسلم قيادتها لثريا حتى دخلت و اراحتها على فراشها المهترئ و دثرتها بغطائها البال بعد ان سقتها جرعة ماء طلبتها سيدة فى وهن و رقدت بعدها فى هدوء..
خرجت ثريا متأسفة على حال المرأة المسكينة هامسة فى شفقة:- مسكينة و الله يا خالتى سيدة.. الست دى اتعذبت كَتير و محدش دارى بالنار اللى جواها.. الله يجازى و لا يرحم بجى اللى كان السبب..
هتف سيد فى فضول:- انتِ تعرفى حاجة عنها!؟.. مش لما سألتك مرة قولتى انك متعرفيش عنها حاجة و انك من يوم ما وعيتى ع الدنيا و هى تقريبا كده!؟..
تلجلجت ثريا قليلا و اضطربت
هاتفة:- اه.. يعنى.. ما هو انا سألت و عرفت شوية حاچات كِده مظنش يهموك ف حاچة..
هتف مؤكدا:- بس انا عايز اعرف بجد حكايتها.. عندى فضول اعرف.. قولى اللى تعرفيه.. الست دى حقيقى صعبانة عليا و حاسس ان وراها حكاية كبيرة.. قولى يمكن اقدر أساعدها..
ضحكت بسخرية هاتفة:- سيد بيه رجل البر و الاحسان..
هتف فى ضيق:- اللى انتِ شوفتيه منى ده حاجة و انا ف الاصل حاجة تانية..
هتفت ثريا بحنق:- الانسان شخصيته مبتتچزأش يا سيد بيه.. و لو حصل يبقى مريض فصام..
هتف سيد فى غيظ:- هو انتِ سيبتى الهندسة و بقيتى دكتورة نفسية امتى!؟.. يا ريت تقوليلى اللى تعرفيه عنها.. و انت اصلا عرفتى عنها اللى عرفتيه ده من مين !؟..
هتفت ثريا و هى تجلس على جذع جاف لإحدى النخلات يتمدد بالقرب من العشة:- عرفته من اهل النچع.. اهو الناس بتجول و تعيد..
ظل صامتا و لم يعقب فى انتظار ما فى جعبتها فأستطردت:- للأسف.. راچل هنا ف النچع معندوش ضمير ضحك عليها و عشمها بالچواز و هى كانت حلوة جووى ف شبابها.. كانت بت الحاوى اللى كان بيشتغل ف المولد الجريب م النچع.. خلاها هى و ابوها يسيبوا البلد عشان يرضى يتچوزها و سافروا مصر..
اتچوزها هناك و أظن خلف منيها و بعدها بكام سنة كِده رچعت بحال غير الحال.. فضلت جافلة عليها دارها و فچأة جريبها طردوها م الدار و خدوها و مبجلهاش حد فبجيت زى ما انت واعى كِده كل همها تلم الجرش ع الجرش من اللى بيچود بيه الناس عليها عشان ترچع مصر تانى.. ليه محدش يعرف !؟..
أنهت كلامها متنهدة فى حسرة على حال المرأة المسكينة و صمتت و لم ترفع نظراتها لترى ذاك الذى كان يستمع للقصة و ملامح وجهه تنم عن صراع داخلى رهيب لا يعلم بمداه الا الله..
ساد الصمت بينهما فترة لابأس بها و اخيرا هتف فى صوت أجش جعلها ترتجف فجأة من تأثيره على مسامعها التى ما عاهدته:- مين الراجل اللى اتجوزها ده !؟.. اسمه ايه يعنى !؟..
نهضت ثريا و قد شعرت انها باحت بأكثر من المفترض و هتفت و هى تهم بالمغادرة:- يهمك ف ايه يا باشمهندس!؟.. اهى كلها حكاوى و العلم بيها عند ربنا.. سلام عليكم..
انتفض يعترض طريقها و قد شعر انها تدارى شيئا ما عنه:- استنى.. مش هاتمشى الا لما تقوليلى الراجل ده يطلع مين!؟..
هتفت ثريا فى حزم:- دِه تهديد و لا ايه يا باشمهندس !؟..
هتف محاولا السيطرة على أعصابه و ضبطها:- لا طبعا مش تهديد.. انتِ ليه فهمتيه كده !.. انا بس عايز اعرف مين الراجل ده مش اكتر..
هتفت ثريا بحنق:- معرفش.. دِه كل اللى جدرت اعرفه عنها من حكاوى الناس..
.. ترك ثريا تغيب عن ناظريه و عاد ادراجه لعشة سيدة فتح بابها فى هوادة و دخل يتطلع لمحتواياتها فى ضيق حقيقى و اخذ يعبث بها لعله يجد ما يشفى غليله او يريح ذاك الخاطر الذى يلح على رأسه يكاد يصيبه بالجنون..
لكنه لم يجد ما يشفى فوران افكاره.. فخرج مندفعا من العشة فى حنق بالغ..
كانت تعقد ما بين حاجبيها فى ضيق طوال الطريق من المدرج و حتى العربة و ما ان وصلا اليها حتى هتف متعجبا:- فى ايه يا ايمان مالك !؟..
لم تكن ممن يدورون كثيرا للدخول فى الموضوع بل انها صرحت فورا هاتفة فى ضيق رغم هدوء صوتها و ثباته و تساءلت:- هو انت ليه مجلتليش ع العريس اللى اتجدم لى و چه يخطبنى منيك !؟..
اضطرب قليلا لكنه استطاع السيطرة على اضطرابه بسرعة هاتفا فى لامبالاة:- و اقولك ليه !؟.. انا شفته مش مناسب من الاساس فرفضته بالنيابة عنك.. ايه المشكلة ف كده!؟..
شبكت ذراعيها امام صدرها فى تحدى هاتفة:- المشكلة يا واد خالى ان المفروض اعرف و ان انا اللى احدد اجبل و لا ارفض.. مش هو ده الصح و دى الأصول !؟.. و لا انا غلطانة!؟..
هتف جازا على اسنانه:- لا مش غلطانة.. بس لما أكون متأكد ان الشخص ده يناسبك و هو الانسان اللى ممكن استأمنه عليكى و هيصونك بجد يبقى ساعتها هقولك و انت تقررى قبل كده...لا..
هتفت بغيظ تجز على أسنانها:- و ده ف شرع مين ان شاء الله !؟.. و مين عينك وصى علىّ و على قراراتى !؟.
هتف بأسم واحد ألجمها للحظات:- مؤمن..
انتفضت و ساد الصمت لبرهة استعادت فيها روحها المقاتلة و هتفت فى ثبات رغم دمعات عينيها التى تكابر للسقوط:- مؤمن لو كان عايش كان ادانى حرية الاختيار مكنش عاملنى كعيلة صغيرة متعرفش الصح م الغلط و محتاچة اللى يوچها..
هتف ماجد فى غيظ:- مكنتش اعرف انك مسروعة قووى كده ع الجواز.. خلاص يا ستى.. اول عريس هيتقدم لك تانى هبعته ع البيت فورا.. و مبروك مقدما..
همست بخيبة:- هو ده اللى فهمته من كل اللى جلتهولك!؟..
اكد بغيظ و هو يومئ برأسه:- اه.. هو ده اللى فهمته.. و هنفذ عن قريب بإذن الله.. و..
لم تنتظر ليكمل حديثه بل فتحت باب السيارة و دلفت لداخلها و أغلقته خلفها فى عنف فحذى حذوها و دخل لمكانه المعتاد بجوار السائق يغلى غيرة على تلك الحمقاء التى لن تفهم ابدا انه ما تحمل ان يأتيه احدهم خاطبا إياها معتبرا انه ولى امرها.. لقد تحمل فوق طاقته و هو يحاول كبح جماح رغبته فى ان يكيل لذاك الاحمق عدة لكمات يغير بها ملامح وجهه السمج و هو يتحدث عنها و عن كمالها و أخلاقها طالبا ميعاد لمقابلة ذويها..
الحمقاااااء.. صرخ فى قرارة نفسه غيظا و قهرا و هو يتطلع لإنعكاس صورتها فى المرأة الجانبية للسيارة
و هى لاتزل تحمل تلك العقدة بجبينها حزنا على العريس الضائع.. اللعنة عليه..
اما هى تلك القابعة بالاريكة الخلفية و التى عاتبته على امر رفضه عريسها المزعوم ربما تستشعر من قبله بعض الغيرة او حتى الاهتمام.. ربما يخبرها انه رفضه رغبة لها فى الأفضل كتلميح عن شخصه.. ودت لو رأت بعض من مشاعر لها تكلل محياه الذى تعشق.. بعض من مشاعر لها هى.. كتلك التى رأتها مجسدة على محياه عندما كان ينطق اسم نرمين حبيبته السابقة.. ألا تستحق هى بعض منها!؟..
الاحمق.. المغفل.. الغافل.. عديم الاحساس.. صرخت بكل هذا و كانت تود لو صرختهم بصوت عال يخفف من وطأة تلك المشاعر المكبوتة داخلها تكاد تقتلها قهرا و غيظا من ذاك الثلجى الذى يجلس امامها و لا يع شيئا عن أحاسيسها تجاهه..
و لن يع ابدا.. لا امل لى معه مطلقا.. هكذا هتفت لنفسها و انحدرت دمعة خانتها لتوأدها فورا و هى تحيد بناظريها عن رأسه الشامخ ذاك الذى تود لو اقتلعته الان من فوق كتفيه بمنجل القهر المغروز بقلبها العاشق له حد الثمالة..
تنبهت لوصوله فنهضت فى هدوء و مرت من امامه و هى تتلحف بردائها الطويل و حجابها هاتفة فى نبرة موجوعة:- هحضر لك العشا..
نظر حامد اليها فى اضطراب و تطلع الى محياها الغائم فى قلق هامسا: انتِ تعبانة!؟..
هتفت بلهجة تقريرية:- شوية صداع.. هروح احضر العشا..
هتف متسائلا:- انتِ اتعشيتى طيب!؟..
هزت رأسها نفيا و همت بالاندفاع للمطبخ و هى لا تصدق مدى صفاقته.. هل كان يتوقع ان تتناول عشائها معه على طاولة واحدة.. واهم.. استوقفها هاتفا:- لااه متعمليش حاچة.. مفيش داعى.. انى مش چعان متتعبيش حالك..
استدارت تعود لحجرتها التى اتخذتها ملجأ لنفسها بعيدا عنه..و اغلقت بابها فى هدوء ينافى تلك النيران التى تستعر بين جنباتها حزنا و قهرا و ما ان أغلقته حتى انفجرت باكية على حالها..
اما هو فوقف للحظات فى منتصف الردهة يتطلع لبابها الموصود امامه و اخيرا تنهد فى حزن و أسف و توجه
للمطبخ متطلعا الى محتوياته فى تيه للحظات و اخيرا بدأ فى العمل من هنا و هناك حتى انتهى..
حمل صينية العشاء بهدوء و ما ان وصل لعتبة بابها حتى وضع الصينية ارضا و طرق الباب فى هدوء و ما ان شعر بحركتها قادمة لتفتح حتى اندفع مبتعدا بإتجاه غرفته..
فتحت الباب فى عنف متوقعة انه سيكون منتظرا قبالته ما ان تفتح لكن خاب ظنها و تطلعت للفراغ للحظات حتى تنبهت لصينية الطعام الموضوعة امام عتبتها..
انحنت متطلعة للأطباق التى تحمل أصناف متعددة و كوب من الشاي الساخن و اخيرا حبة من دواء مسكّن لألم الرأس.. خفق قلبها فى قوة..
كانت بادرة تشع حنانا و رقة.. دمعت عيناها و رق قلبها لكن كرامتها المهدرة استصرختها زاجرة لتنهض حاملة الصينية فى غضب مصطنع لتضعها على الطاولة بالردهة فى عنف حتى يتناهى لمسامعه الصوت و يعلم الى اى مصير ألت صينية عشائه الميمونة..
اندفعت تختفى من جديد داخل غرفتها اما هو فما ان ادرك دخولها لحجرتها من جديد حتى خرج يتطلع للصينية فى هدوء و الى بابها الموصود فى حسرة و تنهد متوجها لغرفته يلقى بجسده المنهك على فراشه و قد شعر ان ما تفعله لا احد يستطيع ان يلومها حياله.. لقد جرح كرامتها كأنثى و كسر قلبها كأمرأة و استحل حقا ليس له حينما تخيلها امرأة اخرى و هى بين ذراعيه..
لا شئ سيداوى وجع جرحها.. هو يعلم ذلك..
لكن ماذا يمكن له ان يفعل حتى تغفر له فعلته !؟..
دخل شقته فى اندفاع كالعادة باحثا عنها ليجدها تقف ساهمة امام الموقد
لا تع ما تفعل بالضبط..
همس بالقرب من اذنيها:- الچميل سرحان ف ايه !؟..
ابتسمت فى مجاملة ما ان طالعها محياه هامسة:- سرحانة ف اللى بيحصل..تسبيح و حمزة و فرحتهم اللى مكملتش.. دى تسبيح من ساعة اللى حصل و هى حابسة نفسها فى اوضتها و مداقتش الزاد و عمى زكريا اللى هيتجنن على ابنه اللى مصيره مش عارفين هيكون ايه لحد دلوقتى.. ربنا يعينهم كلهم..
همس مؤكدا على صحة كلامها:- ايوه و الله صدجتى.. الدنيا اتجلبت فچأة.. ربنا يسترها و حازم يرچع بالسلامة لخالى زكريا يروح فيها..
قال كلماته و صمت كلاهما تطلع اليها من جديد.. و على الرغم من ان كل تلك الاحداث تدعو للحزن بحق الا ان ذاك الحزن الكامن بعمق عينيها كان سببه امرا اخر.. امر هو يدركه و يعلم انه الامر الوحيد الذى يمكن ان يجعلها بهذا الشكل الموجوع لكنها تدارى.. و لكن هل يمكن ان تخبئ دواخلها عنه هو.. باسل.. حبيب عمرها و توأم روحها.. كان يحفظها ككف يده و يعلم ان حزنها الكامن ذاك دليلا على انها تأكدت ان الله لم يأذن بالحمل هذا الشهر كما كانت تتمنى و ترغب من الشهر الاول لزواجهما.. كانت دوما تنتظر و لا يكون لها نصيب..شهرا بعد شهر و لا جديد..
اقترب منها و هى لاتزل تشغل نفسها بتقليب قدر على النار و ضم ظهرها لصدره هامسا بالقرب من اذنيها فى نبرة حانية:- كله مكتوب يابت خالى..
كله بمعاده.. كان دلوجت و لا بعد سنة و لا حتى مچاش خالص.. انى مش عايز الا انتِ.. انتِ و بس..
دمعت عيناها و قد ادركت انه رغم مهارتها فى مدارة حزنها الا انه باسل حبيبها.. باسل الذى يستطيع ان يدرك كل خلجة من خلجات روحها.. انه باسل و كفى..
اخرجها من شرودها عندما مد كفه ممسكا بالملعقة التى كانت تقلب بها ذاك القدر على النار ليضعها جانبا و يديرها لتواجهه متطلعا لعمق عينيها هامسا:- انى بحبك يا سندس.. بحبك.. و متفتكريش انى مش عايز اخلف منكِ.. بالعكس دِه انى الود ودى اخلف منك جورطة عيال.. بس كله بأوانه يا غالية.. و ربك كريم..
و ضمها اليه يعتصرها بين ذراعيه هامسا من جديد فى مشاكسة:- بس يا رب بعد ما ربنا يرزجنا بيهم انتِ اللى مدخليش العيال الإصلاحية عشان جطعوا لك ورج الجضايا بتاعتك..
قهقهت ليتناول هو الملعقة من جديد محاولا جذب انتباهها بعيدا عن ذاك الموضوع الذى يثير شجونها و اخذ يتذوق ما يغلى ع القدر و تعجب متسائلا:- هو ايه ده يا اثتاذة !؟..
اكدت:- ده صنف حلو جديد.. كنت بجربه..
رفع احد حاجبيه فى صدمة متسائلا فى مشاكسة:- دِه صنف حلو.. اومال الوحش يبجى ازاى !؟..
قهقهت ليستطرد مقررا:- انا بجول تفضلى مع ورج الجضايا و بلاها مطبخ يا اثتاذة..
قهقهت من جديد و هو يغلق الموقد على القدر العجيب بما يحويه و يجذبها من كفها خلفه لخارج المطبخ.
وقفت فى نافذة شقتها ترسل الحبل للأسفل حيث يقف شكمان يضع المشتروات التى طلبتها فى تلك السلة البلاستيكية الموصولة بالحبل..
كانت لقصر قامتها تخرج معظم جسدها من النافذة حتى تستطيع جذب السلة المحملة بالأغراض و انسدل شعرها الكستنائى من على احد كتفيها خارج النافذة.. و لسوء الحظ كان هو يتطلع الى المنزل فى تلك اللحظة من موضعه ليرى هل اتم شكمان مهمته فرأى شعرها متدل بهذا الشكل مما اثار براكين غيرته فأندفع فى اتجاه شقته متوعدا إياها..
وصل للشقة فى ثوان مدفوعا بقوة نارية من غضب و ثورة.. دفع الباب هاتفا باسمها:- شيماااااء..
طلت من داخل المطبخ متعجبة و هتفت:- نعم يا ناصر فى ايه !؟..
وقف متسمرا بموضعه يضع كفيه على جانبى خصره هاتفا بصوت مكتوم يخرج من بين اسنانه التى يجز عليها فى نفاذ صبر:- تعالى هنا..
اضطربت فهى تعلم كيف يكون عندما تنطلق شياطينه.. اذردت ريقها فى صعوبة و شعرت ان فعلتها زادت عن الحد المسموح به و ان تعليمات امها نعمة ستوردها مورد التهلكة لا محالة.
تحركت فى محاولة لتبدو على ثباتها و ما ان وصلت لموضع وقفته المتحفزة تلك حتى جذبها اليه مرتطمة بصدره فى غضب عاصف هاتفا بالقرب من وجهها:- انا مش قلت مليون مرة شعرك ده تلميه ومشفهوش مفرود !؟. قلت و لا مقلتش!؟..
رفعت نظراتها اليه و على الرغم من ثورته العاصفة تلك الا أنها همست فى دلال:- قلت يا ناصر..قلت.. حاااضر.. سماح المرة دى..
تطلع الى عيونها المتألقة المطالبة بالعفو و المغفرة فهدأ غضبه فجأة كمن صب الماء المثلج على حمم بركان..
شعر بتأثره بها و هى بهذا القرب فدفع بها فى رفق مبعدا إياها هامسا بصوت متحشرج:- خلاص.. حصل خير..
روحى اعملى..
اكملت جملتها فى مشاكسة:- شاااي.. من عنايا..
و اندفعت باتجاه المطبخ ليتطاير شعرها خلفها فى اغراء جعله يشهق بصوت مسموع أورثها سعادة لا توصف..
ازدرد ريقه فى اضطراب و أيقن انه ما عاد قادرًا على تحمل ما يحدث له من تلك الصغيرة هناك..
وضعت كوب الشاي بين كفيه و هو شارد فى خواطره ليستفيق على شلال من جدائل شعرها تداعب وجنته فى وداعة.. تاه للحظات فى وله و اخيرا استفاق ليضع الكوب جانبا فى حنق حتى انسكب جزء منه على الطاولة و هتف فيها امرا ما ان رأها تهم بالعودة للمطبخ:- تعالى هنا..
عادت ادراجها ليأمرها من جديد:- ادينى ضهرك..
تعجبت من الطلب ووقفت لا تع ما يجب عليها فعله.. فهتف فى حنق امرا من جديد:- سمعتينى !؟.. تعالى اقعدى هنا.. و اشار لموضع قرب قدميه و استطرد امرا:- و ادينى ضهرك..
نفذت ما امرها به و جلست مولية ظهرها له.. لحظة وانتفضت بموضعها شاهقة ما ان شعرت بكفيه يلملما شعرها المتحرر من على كتفيها و يبدأ فى صنع ضفيرة من جدائله الثائرة..دمعت عيناها عندما تذكرت انه كان يفعل ذلك عندما كانت تتأخر عن المدرسة..
لحظات من صمت صاخب مرت بينهما حتى انتهى تاركا الضفيرة الكستنائية تقع رابتة على ظهرها فى حنو..
انتفض واقفا فأندفعت بدورها للأمام و استدارت تتطلع اليه من موضعها عند قدميه ليندفع هو مبتعدا هاتفا بصوت تحذيرى و نبرة حازمة:- عارفة لو لقيتك فاكة شعرك تانى هعمل فيكِ ايه!؟.. هقتلك.. سامعة يا شيماء !؟.. هقتلك..
صرخ بكلمته الاخيرة و هو بالفعل على اعتاب باب الشقة و لتؤكد انها سمعت هزت رأسها ايجابا.. و ما ان خرج صافقا الباب خلفه فى غضب حتى جذبت الضفيرة تتطلع اليها فى سعادة مقبلة إياها و اخيرا قهقهت فى نشوة انتصار تحاول وأد تلك القهقهات حتى لا تتناهى لمسامعه قبل ان يكون قد رحل بالفعل فيعود ليصب عليها جام غضبه من جديد فيكفيه اليوم هذه الجرعة من..
"دواء نعمة القاسى لترويض الزوج العاصى."