رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث (رباب النوح والبوح) بقلم رضوى جاويش الفصل الثالث والثلاثون
استيقظ غير واع بما يدور حوله و تنبه فجأة لتلك التى تلقى برأسها على كتفه.. دق قلبه فى سرعة صاروخية و هو يتذكر ما حدث البارحة..
انها هى حلم الطفولة و عذابات الصبا و الشباب تستكين اخيرا بين ذراعيه.. انه لا يحلم.. و بالتأكيد لا يهزى.. فها هو متيقظ بكامل الوعى يدرك تماما ان ما حدث بينهما فى الليلة السابقة لهو حقيقى كما يدرك انه يتنفس الان فى اضطراب محاولا الا يوقظ تلك الجميلة الناعسة بين ذراعيه..
سيطر على انتفاضة باغتته بقوة جبارة عندما جاءه صوت امه تنادى بأسمها من الأسفل.. نهض فى تثاقل و حذّر و اندفع خارجا من باب الشقة بنظر اليها من عليائه هاتفا:- خير ياما..!؟.
هتفت نعمة بتخابث:- هى البت شوشو منزلتش ليه لحد دلوقتى!؟.. و تطلعت اليه تحاول وأد ابتسامة على شفتيها لمظهره المشعث مستطردة فى جزل:- و انت كمان منزلتش ورشتك!؟..
اضطرب محاولا الرد و اخيرا هتف:- معلش اصل شوشو عندها شوية مغص.. و ف الحمام..
همت نعمة بالاندفاع للأعلى فى لهفة هاتفة:- ليه كف الله الشر.!؟... اما اطلع اعمل لها شوية نعناع...
انتفض ناصر مؤكدا:- لااا مفيش داعى.. هى شكلها دخلت نامت تانى.. ترتاح و تنزل لك على طول..
توقفت نعمة فى موضعها و هزت برأسها فى تفهم هاتفة:- طيب.. ابقى طمنى لما تصحى..
و نزلت عدة درجات و دخلت شقتها تغلق بابها و تنفجر فى ضحك هستيرى على حال ولدها البكر
هامسة:- جدعة يا بت يا شوشو.. و اشارت لصدرها فى فخر.. تربيتى..
و عاودت قهقهاتها من جديد.. بينما ذاك الجلف الواقف باضطراب يتنفس الصعداء ان امه لم تصعد لتطمئن على غزاله النائم على فراشه قد عاد لشقته يغلق الباب خلفه و قد شهق عندما ادرك انه خرج لأمه عار الصدر تماما و قد نسى من شدة اضطرابه ان يضع سترة منامته قبل ان يخرج اليها..
ألقى كل ذلك وراء ظهره واندفع فى شوق للغرفة من جديد ليجد ذاك الغزال يتمطع على فراشه فشعر بحرارة شوق تلهب شرايينه لقربها فتقدم ينظر اليها فى عشق حتى تنبهت و رفرفت بأهدابها فى تثاقل أورثه رغبة محمومة فى الاندفاع اليها يعتصرها بين احضانه.
همست فى خجل:- صباح الخير..
لم يرد بل ظل يحدق فى محياها كأنما لا يصدق انها هى بشحمها و لحمها الماثلة امامه و تستكين فى دلال على ذاك الفراش الميمون الذى جمعهما مها لأول مرة..
و فجأة اندفع كمجنون ليلقى بجسده على الفراش جانبها فى تهور جعلها تصرخ فى صدمة و اخيرا انفجرت ضاحكة على افعاله التى ما عادت تطابق المنطق منذ البارحة..
لقد عاد طفلا من جديد كما تذكره منذ جاءت الى هذا الدار يتيمة ليحتضنها الجميع و أولهم هو و يشملها بكل عناية و يخصها بكل دلال و هى الحمقاء التى ما ادركت ذلك الا متأخرا جداا..
ضم خصرها اليه فشهقت تخرج من شرودها و تندفع خواطرها لتختبئ خجلى من افعاله..
همس فى عذوبة:- وحشتينى من امبارح للنهاردة..
تخضب وجهها بالحمرة و لم ترد و هى تعبث فى اضطراب بضفيرتها الكستنائية ليتنبه مادا كفه يلتقطها بين أصابعه هامسا:- مبقاش ليها لازمة..
لم تفهم ما كان يقصد الا عندما انتزع ذاك الشريط الذى يضم جدائل الضفيرة و بدأ فى فكها لتنساب خصلات شعرها فى تناغم جعله يشهق فى انبهار..
همست بدورها تشاكسه:- كان فى واحد قال لى لو شفتك فكاها هقتلك..
انفجر ضاحكا:- و لسه عند قوله.. لو شافك فكاها هيقتلك..
فغرت فاها و تطلعت اليه فى تعجب ليستطرد هامسا:- فكاها لغيرى.. هقتلك.. اما لو فكتيها ليا..
همست تتعجله فى وله:- هاااا..
همس بالقرب من اذنيها:- برضو هقتلك.. بس قتل عن قتل يفرق يا وجع قلب ناصر..
انكمشت بصدره هامسة بعتاب:- انا وجع قلب يا ناصر!؟..
ضمها لصدره فى تملك هامسا:- انتِ !؟.. انتِ وجع قلب ناصر و فرحته يا شوشو.. انت حياة ناصر كلها و مفتكرش انى فاكر اى حاجة من حياتى قبل ما تدخليها.. و لا فاكر أسمى كان ازاى الا لما سمعتك بتنطقيه..ناسر.. و لا عارف كان شكل حياتى هيبقى ازاى دلوقتى و انت مش فيها..
تنهد فى شوق لترفع اليه عيون دامعة لينحن مقبلا عيونها فى وله لتهمس فى سعادة:- ناااصر!؟..
سأل فى هدوء مناف لما يعتمل بداخله من ثورة:-هااا..
همست و هى ترفع رأسها من بين احضانه تقبل ذقنه الغير حليقة اسفل رأسها:- بحبك..
احنى هامته متطلعا اليها و قد تظاهرت المشاعر و اعترضت الحواس و شجبت الانفاس لكتمانه ما يعتمل بداخله دافعه اياه ليخرج للنور و يأبى التخفى من جديد خلف مظهر صلب و قشرة وهمية من ثبات و يعلن عن عشق فاضح و هيام كاسح و هو يضمها لصدره يكاد يخبئها بين طيات روحه و هو يبثها ذاك الوجع اللذيذ الذى ناء بحمله قلبه و ذاك الفرح الذى أضاء جوانبه بعد بوح جاء اخيرا...
وقف حمزة فى هدوء امام سرير بن عمه يبتسم فى سعادة لذاك الذى استعاد وعيه اخيرا و قرر الأطباء نقله لغرفة اخرى هامسا له:- حمد الله بالسلامة يا حازم باشا.. كفارة..
ابتسم حازم فى وهن:- الله يسلمك يا حمزة.. ثم ازدرد ريقه فى صعوبة هامسا:- و الف مبروك.. معلش بقى مقدرتش احضر كتب كتابك..
ابتسم حمزة رابتا على كف حازم الممدودة بمحازاة جسده هاتفا:- مفاتكش حاچة على فكرة.. و اچل مبروك دى لبعدين.. مبروك علينا جومتك بالسلامة..
عبس حازم فى تعجب:- يعنى ايه مفهمتش حاجة !؟.. هو فى ايه !؟..
هتف حمزة فى ثبات:- يعنى الكتاب اتأچل يا واد عمى لما چانا خبر عن الموضوع بتاعك..
لم يكن من المفترض ان يخبره حمزة انه صرف النظر تماما عن الزواج بتسبيح حتى يذهب و يفعل ذلك بشكل رسمى و بمعرفة اهلها اولا..
همس حازم:- انا اسف يا حمزة.. دربكت لكم الدنيا..
قهقه حمزة فى تفهم:- دربكت ايه بس.. و الله دى اتعدلت يا واد عمى..
تطلع حازم الى حمزة فى تعجب لا يدرك معنى تلك الاحاجى التى يتفوه بها و لم يكن فى وضع ذهنى يسمح له بالاستفسار فأثر الصمت.. وابتسم لحمزة المنشرح لنجاته فى سعادة..
لا تصدق حالها فها هي تلك اللحظة التي كانت تحلم بها تتحقق.. ذاك الحلم الذى راودها منذ زواجها به يصير واقع الان.. انه لا تطق صبرا لتخبره و ترى رده فعله المجنونة على ذاك الخبر الرائع الذى انتظرته طويلا و الذى بالتأكيد سيكون الاروع على الإطلاق في محيط العائلة بأسرها فها هو الحفيد الأول لكل من الهوارية و التهامية قادم في الطريق..
هتفت بإسمه في إلحاح:- باثل.. باثل.. انا هبقى ام يا باثل.. انا حامل.. انا حامل..
اخذت تردد كلماتها في ألية ليهتف باسل بجوار اذنها في حزن يحاول مداراته:- اهدى يا سندس.. اهدى..
كانت لاتزل في غيبوبتها تهزى في هوس بحملها.. دمعت عيناه لمرأها بهذا الشكل و زهرة و عاصم على الجانب الاخر من الغرفة يتأكلهما القلق على ابنتهما الوحيدة.. غاب عن محياها لون الحياة و خاصة زهرة التي كانت تشهق باكية في حزن:- ايه اللى حصل يا باسل !؟.. في ايه!؟..
احنا جينا على ملا وشنا اول ما كلمتنا..بنتى مالها يا بنى!؟..
هتف باسل في صوت تحمل نبراته حزن الدنيا و سخطها في آن واحد:- و الله ما عارف يا مرت خالى.. كل اللى اعرفه انها كانت رايحة الچامعة النهاردة و خدت العربية بنفسها و جالت مش عايزة سواج هروح لحالى.. انى لو اعرف كنت منعتها من خوفى عليها لكن انى معرفتش غير لما سألت السواج و جال انها هي اللى طلبت تسوج لحالها للچامعة و بعدها حصل معاها حادثة و اتاريها كانت رايحة تجيب نتيجة تحليل الحمل اللى عملته مش رايحة الچامعة و هي راچعة حصل اللى حصل و اتصلوا بيا يجولوا لى أن مرتك عِملت حادثة و انها..
هتف عاصم يتعجله صارخا:- انها ايه !؟.. انطج..
هتف باسل:- انها سجطت..
تحوقل عاصم ضاربا كفا بكف و شهقت زهرة باكية فهى اكثر شخص كان يعلم مدى رغبة سندس في إنجاب طفل و انها انتظرت هذا الحدث منذ زواجها حتى مرت أشهر و لم يحدث
و أخيرا عندما حدث يكون ذلك هو مصيره..
نكس باسل رأسه في حزن غير قادر على التطلع لتلك المسكينة التي لازالت تهزى بحلمها الضائع و هو الان يدرك ان تحقيقه مرة أخرى على الأقل في القريب العاجل شيء غير وارد فقد اخبره الطبيب ان إمكانية حدوث حمل مرة أخرى ليست بالأمر الهين نتيجة مضاعفات الحادث.. لم يخبر احد بذلك و لن يفعل و امر الطبيب بكتمان الامر تماما..
و تطلع الى ابنة خاله الغالية و اقترب من محياها الناعس الشاحب في شوق يربت على رأسها في حنو و يهمس بالقرب من اذنيها:- بحبك يا بت خالى.. بحبك جووى.. انى مش عايز عيال و لا يحزنون.. انى عايزك انتِ.. فوجى بجى طمنى جلبى عليكِ..
عاودت همسها بأسمه بتلك اللدغة التي تفقده صوابه لينسى كل ماعادها و ينسى حتى ان خاله و زوجه مازالا بحيز الغرفة ليصعد على الفراش جوارها ليتنبه كلاهما لما يفعل و يتسللا خارج الغرفة في صمت.. اما هو فقد تمدد بجوارها يحيط جسدها بذراعه و يضم رأسها لصدره متضرعا في صمت الى الله كى تنجو و تعود لتنير حياته من جديد..
اخيرا ستسير بجواره و هى خطيبته لا ابنه عمته و التى يدعى انه كأخيها الأكبر.. اخيرا تشعر بالسعادة لانها جواره و قد شعر بها و بما يعتمل بقلبها من مشاعر مطمورة بين طياته منذ سنوات.. و ها قد جاء الوقت لتعلن عن نفسها حرة بلا قيد و لا شرط.. تطلعت اليه و هو يجلس امامها على مقعده جوار السائق و تعجبت من احوال الزمان و تقلباته و كيف كانت البارحة على حال تود لو تطيح بهذا الرأس بعيدا عن كتفيه قهرًا و انتقامًا لقلبها المجروح على يديه و اللحظة تود لو تقبل ذاك الرأس الشامخ امامها و تتوق لضمه لصدرها..
شعرت بحرارة الخجل تسرى الى وجهها عندما تخيلت رأسه بين ذراعيها تضمها فى حنان و تسبغ عليه عاطفتها التى تدخرها له وحده منذ امد بعيد..
تنبهت عندها هتف بها ماجد لتترجل من السيارة و علت وجهها حمرة محببة و هى تتطلع اليه و قد تذكرت خيالاتها منذ لحظات و لم يفته ذلك بالطبع فهمس مشاكسا:- احنا لازم نكتب الكتاب بسرعة عشان اقررك.. بتفكرى ف ايه يخلى وشك يحمر كده كل اما تشوفينى!؟..
نكست رأسها خجلا و قد اصبح وجهها بالفعل يضاهى الطماطم الطازجة ليقهقه هو بدوره هامسا:- لا بقى ده كده انا طلع عندى حق و فى ان ف الموضوع.. ده انتِ لازم يتعمل لك استجواب أمن دولة..
هربت من امامه غير قادرة على البقاء بصحبته اكثر من هذا ليهتف خلفها:- يعنى ينفع كده ابقى عريسك و تسيبينى و تمشى لوحدك.. مش خايفة البنات تعاكسنى طيب !؟..
توقفت عندما اصطدم بسمعها تساؤله الاخير فعادت القهقرى تقف جواره فى صمت غير قادرة على التفوه بكلمة غير انه انفجر ضاحكا رغما عنه عند عودتها.. و هتف اخيرا:- بنات تخاف متختشيش.. بس فيهم واحدة مقدرش استغنى عنها..
عبست تسأل بلهجة تحذيرية:- هى مين دى !؟..
نظر اليها يشاكسها مغيظا إياها:- هتكون مين يعنى !؟.. امى طبعا..
و قهقه عندما طالعه ذاك التغير فى ملامح وجهها بشكل يوحى برغبتها فى ارتكاب جريمة ما..وابتسمت هى رغما عنها و ما استطاعت امام قهقهاته التى تتعالى بفرحة الا الابتسام و دقات قلبها تتعالى محدثة صخب لذيذ بقلبها..
سارا معا حتى بلغا المدرج.. تجمع بعض الفتيات و نادت إحداهن ايمان فأستأذنت و انضمت اليهن و انضم هو بالمثل لبعض الزملاء..لكن عيناه لم تحيد عنها و لو للحظة فأخيرا أيقن ان قلبه معلق بتلك الفاتنة هناك و انه عاشق لها حد الثمالة..
بعد خبر حملها ما عادت الامور كما كانت عليها فى السابق.. بل اصبح الامر اسوء.. كانت تشعر بحزن عميق لانها اصبحت مقيدة به بقيد أبدى رغما عنه و عنها.. كما استشعرت احساسه ناحيتها بالابتعاد و النفور و ربما الذنب..
كانت تتلافى مقابلته قدر استطاعتها و نتيجة لظروف حملها الصعبة كانت تقضى معظم وقتها داخل غرفتها ممددة على فراشها حتى ما كانت تعده من طعام له ما عادت تجهزه و تطوعت امه بذلك رغبة فى إعطائها الفرصة لتخلد للراحة فأصبح يتناول وجباته بالأسفل..
كانت فرصة مقابلته لها تعد نادرة فى ظل تلك الظروف.. كان فى بعض الأحيان يطرق باب غرفتها ليطمئن عليها فى عجالة و يرى اذا ما كان ينقصها شئ ما و يخرج بسرعة كأنما يؤدى واجبا ثقيلا على نفسه..
و كم احزنها هذا و أوجع قلبها و أرهق روحها العطشى لإهتمامه و مساندته..
خرجت من غرفتها للحمام فى تثاقل تستند على قطع الاثاث و هى تشعر بالدوار بسبب قلة حركتها.. دخل فى تلك اللحظة قادما من الأسفل يدندن كعادته فوجدها فى منتصف الردهة تحاول الوصول للحمام.. اندفع اليها هاتفا فى قلق:- ايه فى !؟.. انتِ تعبانة و لا حاچة !؟..
اكدت و هى تبعد عنها كفه التى امسك بها ساعدها لمساعدتها هاتفة:- لاااه.. مش تعبانة و لا حاچة.. الحمد لله..
تطلع لحركتها المترنحة و بطء انتقال خطواتها على الارض مما زاد من شعوره بوخزات الذنب من جديد تجاه تلك المسكينة التى ما جنت و ما كان لها من امرها شيئا..
انتظر على احد المقاعد ريثما تنتهى من حمامها و عندما خرجت ظل يتابعها بناظريه دون ان يتدخل لمساعدتها و التى يعلم مسبقا انها سترفضها لكنه لم يستطع الجلوس هكذا فأندفع مقتربا منها و حملها فى يسر فشهقت هى فى صدمة و لم تتفوه بحرف حتى انزلها على فراشها و اقترب يقبل جبينها فى حنو بالغ و تطلع اليها لبرهة و اخيرا اندفع لخارج الغرفة و منها لخارج الشقة غير قادر على البقاء فيها و قد شعر انه يختنق فعليا..
عاد من جديد لعشة ابيه حيث تركه منذ قليل ليجلس من جديد صامتا على غير عادته.. ليبتدره أبوه هاتفا:- خبر ايه يا حامد !؟.. انت مش جولت طالع شجتك ترتاح شوية و تطل على مرتك !؟.. ايه اللى رچعك !؟..
هتف حامد فى ضيق:- مفيش يا حاچ.. عااادى..
ابتسم يونس ابتسامة العارف و هتف فى لهجة ناصحة:- عيشة بت حلال يا حامد و هاتبجى ام عيالك.. استحملها يا ولدى.. دى يتيمة و ملهاش غيرنا..
و كأن ابوه ينكئ جرح حى فهتف حامد فى حدة:- عارف يا حاچ.. عارف.. انى منجصش..
ربت حامد على كتف ولده هامسا:- جلبك مش ميالها.. ليه جبلت بيها طيب!؟.. ليه ظلمتها معاك !؟..
هتف حامد بحسرة:- كان عادى اى واحدة مش هاتفرج بعد ما جلبى انچرح.. كنت غبى لما جلت كِده.. ظلمتها و چرحت جلبها و انى فاكر نفسى بداوى روحى.. انى بموت كل ما أشوفها جدامى و اجول انى ليه عِملت فيها كِده.. ليه !؟..
ربت يونس على كتف ولده المثقل بهم ذنبه هامسا:- تبات نار تصبح رماد و سبحانه مجلب الجلوب.. الذنب الكبير محتاچ توبة اكبر يا حامد يا ولدى.. و ابتسم مستطردا فى هدوء و هو يتطلع للأفق البعيد متذكرًا:- بالك انت يا حامد..
تنبه حامد لهمس ابيه و أنصت صامتا ليستكمل يونس حكايته هاتفا:- امك دى اللى كانت ماسكة السما بيدها لما عرفت انى ممكن اتچوز عليها مكنتش طيجانى لا ف سما و لا ف ارض..
هتف حامد متعجبا:- امى!؟.. معجولة !؟..
ابتسم يونس للذكرى هاتفا:- يوووه.. دى اول ما شافتنى مكنتش طايچة تطلع لى حتى و كانت بتعاملنى من بعيد لبعيد.. و بتزعج لحمزة ولدها لما كان ياچى چارى يجعد و لا يتحدت.. و قهقه مسترسلا.. كان صوت غنايا اللى مش بيسكت بيضايجها..
بدا يونس مستمتعا بسرد الماضى و كان حامد اكثر استمتاعا و هو يهتف متعجلا ابيه:- هااا.. و فضلت على كِده مش طيجاك !؟..
اكد يونس:- اه فضلت كَتير.. لحد ما چه يوم ووجفت ف ضهرها و حميتها و الله لو كنت هموت فداها ما كنت اترددت.. ساعتها بس لجيتها اتغيرت معاى.. و شوية بشوية لجيتنى مش جادر على بعدها و فى يوم و ليلة لجيتنى بجولها عايز اتچوزك..
هتف حامد فى لهفة:- هااا.. و بعدين!؟..
قهقه يونس:- و لا جبلين يا خفيف.. اتچوزنا و شرفت انت يا حلو الملامح..
قهقه حامد و هتف بعدها بلحظات مفكرا:- يعنى ممكن حد كارهك كِده فچأة يحبك.. و يتعلج بيك جوى !؟
هتف يونس فى نبرة هادئة:- مش بجولك.. سبحانه مجلب الجلوب.. أمورها بيده و بيدنا نعدل المايل..ربنا يثبت جلوبنا على طاعته..
همس حامد:- امين..
امره يونس هاتفا:- غنى لنا حاچة كِده بدل ما انت جاعد زى جلتك..
ابتسم حامد هاتفا:- تأمر يا حاچ..
و بدأ يشدو بصوت رخيم سرى كموجات دافئة فى تلك الليلة الربيعية..
رفع رأسه لتتعلق عيناه بنافذة حجرتها التى تطل على هذا الجانب من الخارج و لمح فجأة خيالها خلف خصاصها تتطلع الى حيث يجلس فقرر اهداء أغنيته اليها لعلها تعد اعتذارا و لو بسيط عن ما بدر منه فى حقها يثبت لها ان ما حدث لا ذنب لها فيه و انه خطأه هو..
مش عايز احبك مش عايز
مش داخل سجنك مش جايز
مش عايز اموت فيكي وفيكي
ده انا اموت في عنيكي من غمزه
انا عارف نفسي وتلكيكي
هعشق لياليكي من لمسه
ده انا انسي في شافيفك اسمي
دانا فاهم في كنوز العفة
دانا ممكن اجريلك دمي
انا حاسس دمي هيتصفي
مش عايز احبك مش عايز
مش داخل سجنك مش جايز.
كانت تستمع مشدوهة الى ذلك الذى يترنم بالأسفل بذاك الصوت الشجى الذى يجعل قلبها يرقص طربا بين جنباتها و تذكرت انها نسيت ضوء الغرفة مفتوح قبل توجها للنافذة و ذاك يعنى انه يرى ظلها من خلف الخصاص فأضطربت و ابتعدت مسرعة تغلق نور الحجرة لتغرق فى الظلام و تعود من جديد تتطلع اليه لترى رأسه الشامخ الذى كان يرفعه الى حيث نافذتها قد نكسه و توقف عن الغناء.. لحظات و رأته ينهض مستأذنا ابيه و غادر لداخل الدار من جديد.. عادت تتمدد على فراشها ترهف السمع حتى جاءتها خطواته بالخارج و قد عاد.. لحظات و سمعت صوت باب حجرته يغلق لتشعر ان باب قلبها ذاته قد أغلق بالمثل.. فتلك اللحظات التى تتنسم فيها وجوده بالمنزل تهبها حياة من نوع اخر..
و عادت لتتذكر كلمات أغنيته التى شدى بها متطلعا الى نافذة حجرتها و كإنه يناجيها بكلماتها.. هل يخشى الحب من جديد !؟.. هل يرهب جرح قلبه مرة اخرى !؟.. اسئلة كثيرة و لا اجابة واحدة تشفى غليل قلبها و تريحه من عناءه فالإجابة يمتلكها شخص واحد هو نفس ذات الشخص الذى عانى منه قلبها وجعا لا يغتفر..
فتحت عيونها في تباطئ تتطلع حولها في تيه و أخيرا رأته جوارها يحتضنها اليه كعادته.. تذكرت انها لم تخبره بالخبر السعيد الذى كانت تدخره لأجله لولا..
صمتت تحاول تذكر ما حدث لكن ألم شديد في الرأس اعتراها فتأوهت مما استرعى انتباهه ليتستيقظ دفعة واحدة منتفضا هاتفا بأسمها في لوعة:- سندس.. انتِ بخير!؟..
تنبهت الان فقط انها في مشفى عندما مد كفه و فتح احد الأنوار لتسطع الغرفة التي كانت غارقة في الظلام وقت ان فتحت عيونها و قد ظنت انها على فراشها بجواره في بيتها و انها كانت تحلم.. لكن يبدو ان ذاك الحلم السئ لم يكن حلما بل واقع و انها..
توقفت عن الاسترسال في استنتاجاتها عند هذه النقطة و تطلعت لباسل في ذعر و هي تضع كفها على بطنها في محاولة لعدم تصديق حدسها الذى يخبرها ان ما تشعر به حقيقى.. و انها فقدت جنينها قبل ان يكون لها الفرصة لتسعد به و تُسعد زوجها بدوره.. شهقت في ألم و هي ترفع كفها عن بطنها و تضعها على فمها في محاولة لوأد تلك الشهقات المكتوبة المتتابعة المحملة بحزن و وجع قاتل..
اندفع باسل اليها يجذبها اليه في حنو و يضمها بين ذراعيه محاولا مواساتها و انتزاع الحزن من قلبها هامسا:- قدر الله و ما شاء فعل.. هنعترضوا على حكمه يا بت خالى.. الله چاب.. الله خد.. الله عليه العوض.. و لا ايه!؟..
استمرت نوبة بكاءها الحار بين ذراعيه و هو لم يدخر وسعا في تهدئتها حتى بدأت تستعيد ثباتها قليلا
فرفعت نظراتها اليه هامسة:- كان نفسى افرحك بيه قووى يا باثل.. كان نفسى اا..
همس مقاطعا إياها:- هشش.. انى عارف.. و حاسس بيكِ.. و مش عايزك تزعلى من اللى ربنا أراده..
انى مش عايز الا انتِ.. انت و بس..
و اذا كان يا ستى ع العيال..
و صمت متطلعا اليها في مشاكسة ثم هتف في نبرة حاول تغليفها بالمرح قدر استطاعته:- تاجى العيال.. دِه انى ما هصدج ألاجى حچة اجعد بيها چارك على طول..
اتسعت ابتسامتها لمزاحه و هي تتطلع اليه في عشق و فجأة غامت تلك الابتسامة و هي تسأله في لهفة:- طب هو الدكتور قال ايه !؟.. يعنى اللى حصل ده مش هيأثر عليا.. و ممكن اخلف تانى عادى!؟..
حاول الرد بثبات يحسد عليه و هو يهتف مؤكدا في حماسة:- ايوه طبعا مش هيأثر.. الداكتور بنفسه جالى كِده و اجيبهولك تسأليه لو حابة..
ثم استمر في مشاكساته و هو يقترب منها في عبث هاتفا:- و لا نجيبه ليه!؟.. خلينا نعمل احنا اللى علينا و هتلاجى ولى العهد ف الطريج إليك..
انفجرت ضاحكة و هي تدفعه عنها في دلال اشتاقه كثيرا ليعاود هو الاقتراب في محبة ضاما إياها الى صدره الذى استكانت اليه في وداعة ليهمس بالقرب من اذنيها:- بحبك يا بت خالى.. وولى العهد باسل الثانى هيجى عن جريب بإذن الله..
قهقهت و هي تتعلق به في محبة ليستطرد هو محذراً في مرح:- بس عارفة لو لجيتك ماسكة ملفات اى جضية غير جضية ولى العهد اللى ف علم الغيب دِه.. اهااا.. انت عارفة.. خلونا نركز ف جضيتنا يا بشر..
انفجرت ضاحكة من جديد و هي تهتف:- لا ده انت بتحجج بقى !؟..
اكد في إصرار:- ايوه بتحچج.. عندك مانع !؟..
همست في عشق:- ابدا يا روح سندس.. هو في حجج احسن من كده..
ضمها الى صدره اكثر و اعتصرها بين ذراعيه و ما عاد يلتفت لما اخبره به الطبيب.. فالله عطاياه واسعة و لن يضن عليهما ابدا...
علمت تسبيح بصوله بالأسفل و رغبته فى مقابلتها و الاطمئنان عليها.. تحاملت على نفسها و هبطت حيث ينتظر و دخلت محيية.. لينهض ابيها الذى كان يضايفه بعد برهة مفسحا لهم المجال ليعلم ما الامر بالضبط الذى يحضر له حمزة.. جلست تسبيح فى هدوء يناقض تماما ما تستشعره داخليا من اضطراب.. تنحنح حمزة محاولا جذب انتباهها الذى كان يستشعر انه غائب تماما عن مجلسهما:- ازيك يا تسبيح !؟..
اكدت فى هدوء:- الحمد لله يا حمزة..
قرر الدخول فى الموضوع الذى جاء لأجله مباشرة دون تسويف فهتف مبتسما متطلعا لرد فعلها:- حازم بخير على فكرة..
انتفضت رغما عنها انتفاضة واضحة لاحظها هو عند ذكر اسم حازم رغم محاولتها السيطرة على انفعالاتها لكنه استطرد فى هدوء:- انا زرته ف المستشفى جبل ما اركب الطيارة على هنا و هو بجى تمام الحمد لله.. نجلوه م العناية المركزة لأوضة عادية..
دمعت عيناها رغما عنها و ما عادت قادرة على التطلع اليه.. كانت تحاول ان تحكم زمام امرها و تسيطر على انتقاضة قلبها عند ذكره فى اى حديث لكنها لا تستطيع.. تشعر بشوق رهيب لمرأه و كأنها لن تصدق مهما قالوا انه بخير فعلا الا اذا رأته بعينيها و تأكدت من هذا..
و همست بصوت متحشرج:- انت سمعتنى يا حمزة يوم الكتاب !؟..
اكد حمزة موضحا بصدق:- لاااه.. تاه صوتك و الحمد لله وسط الهوچة اللى حصلت ساعتها.. بس سمعتك بتجولى لتسنيم اللى ف جلبك و انا كنت چاى اوضتك اطمن عليكِ.. و الحمد لله انى سمعت..
ساد الصمت بينهما للحظات حتى
تكلم حمزة هامسا:- بتحبيه يا تسبيح!؟
لم يكن حمزة بحاجة لإجابة يعلمها مسبقا وتلك الانتفاضة القوية و التى جعلتها تنهض رغما عنها واقفة ساكنة فى موضعها تتطلع اليه فى ذعر حقيقى كانت اصدق اجابة يمكنه الحصول عليها..
همس حمزة من جديد مستطردا يحاول ان يبث اليها الطمأنينة:- انا چاى النهاردة عشان احلك من اى ارتباط بينا يا تسبيح..
شهقت مصدومة و لم تنبس بحرف ليستكمل هو:- انا اكتشفت انى كنت غلطان ف حجك جووى.. كنت هظلمك و اظلم نفسى معاكِ..
جلست من جديد متطلعة اليه فى ذهول لا تصدق ما ينطق به لتوه فقد كان اكثر ما يؤرقها فى الليالى الماضية هو..هل تراه قد سمع صرخاتها تلك ام لا !؟..و مدى استقباله للأمر اذا ما ما كانت الإجابة.. نعم..
كان الف سؤال و خاطر يقفز بذهنها و ما كان من بينها ما يحدث الان مطلقا.. استطرد حمزة فى ثبات:- ايوه.. كنت هظلمك لانى كنت فاكر انى هجدر أسعدك و اعوضك عن كل حاچة حصلت لك بسببى لكن طلعت غلطان و اتاكدت ان مش انا الشخص اللى ممكن يسعدك زى ما كنت اتمنى..و كنت هظلم نفسى لأنى هعيش مع واحدة هتشوفنى مچرد واحد اتچوزها تخليص حج.. لكن عمرها ما شافته حبيب..
هتفت تسبيح بصدمة لازالت متملكة منها:- حبيب.!؟.. من امتى يا حمزة بتعترف بالكلام ده !؟..
ابتسم مطأطئًا رأسه فى حرج:- انا نفسى معرفش من امتى.. المهم ان الحمد لله اللى حصل لحازم ده حصل ف وجته عشان يفوجنا.. و انت لسه زى ما كنتِ دايما بالنسبة لى.. تسبيح بت عمتى سهام اللى كانت بتاچى تتحايل عليا و تبكى عشان اعمل لها كل اللى باسل بيرفض يعملهولها..
ابتسمت تسبيح بعيون دامعة و هى تتذكر كيف كان لها اخا بديلا عن باسل فى بعض الأحيان عندما كان يرفض باسل فعل ما كانت تحبه..
نهض مغادرا ينهى الحوار هاتفا:- استأذنك انا..و يا ريت تبلغى عمى حسام و عمتى سهام و باسل انك انتِ اللى عايزة تفسخى الخطوبة عشان انا عايز أعيش ف إسكندرية و مش هاچى أعيش هنا زى ما كنّا متفجين م الاول و انك مش عايزة تبعدى عن اهلك.. يعنى..انى شايف لما تاچى منيكِ هتكون احسن.. اجول لك سلام عليكم يا بت عمتى..مش عايزة حاچة من إسكندرية..!؟.
ابتسمت بدورها هاتفة فى امتنان و بعيون دامعة:- انا مش عارفة اجول لك ايه يا حمزة !؟.. بس ده مش چديد عليك.. طول عمرك راچل يا واد خالى.. ربنا يسعدك..و سلم لى على خالى زكريا و هدير..
اضطرب عند ذكر هدير تلك التى يتهرب منها منذ خرجت من المشفى و عادت للأسكندرية بصحبة امها بعد الاطمئنان على حازم..و التى يعلم انه عائد الى جحيم هواها الذى ما عاد قادرًا على كتمانه.. لكنه تمالك نفسه هاتفا فى مودة:- حاضر.. يوصل بإذن الله..
دخل السراىّ يترنح فى وجع حتى ان كتفيه ما عادت قادرة على حمل رأسه.. يبدو انه يعانى من دور برد شَديد و اهمله.. لتزداد حدته اليوم..
صعد لحجرته بشق الأنفس و دلف اليها و لم يجدها بالداخل او هكذا ظن فأندفع نحو الفراش يلقى رأسه المكدود على وسادته متأوها فى انين..
خرجت من الحمام لتجده على هذه الحالة فأنتفضت مسرعة اليه و انحنت تضع كفها على جبينه الذى كان يستعر.. شهقت فى صدمة و همست به:- يا شيخ..
فتح عينيه فى تثاقل متطلعا اليها فى وهن هامسا:- انا تعبان جووى يا تسنيم.. تعباااان..
مدت كفها تحاول ان تساعده ليعتدل على الفراش لتستطيع ان تقوم باللازم
و اندفعت تحضر بعض الماء و برشامة دواء تسكن بعض ألمه..
جلست جواره على الفراش من الطرف الاخر تمد له كفها بالدواء هامسة بصوت يقطر حزنا على
حاله:- خد دى يا شيخ و هتبجى تمام بعون الله..
مد كفه لحبة الدواء و وضعها جانبا على الطاولة القريبة و كذا فعل بكوب المياه الذى تناوله منها و هى تتطلع اليه فى تعجب لا تعرف لما لم يتناول دوائه.. و اخيرا شهقت فى صدمة ما ان وجدته يهمس فى نبرة واهنة:- انى عارف دوايا فين يا دكتورة..
و دفع برأسه لتسقط بحجرها و تنهد فى راحة هامسا:- هنا وچعى و دوايا..
ظلت ترتجف و هى تتطلع لرأسه الملقاة بحجرها غير قادرة على الحركة او التفوه بحرف.. كان وجهه تكسوه الحمرة دلالة على ارتفاع حرارة جسده و هى غير قادرة على التصرف..
كانت تظن انه راح فى سبات عميق الا انها ادركت انه لايزل واعيا عندما مد كفه متناولا كفها ليضعها على رأسه المشتعل هامسا:- اجريلى قران يا تسنيم... بجالى كَتير مسمعتش صوتك.. و لو نمت صحينى على آذان المغرب..
دمعت عيناها لمرأه بهذا الشكل.. و بدأت فى قراءة القران و بلا وعى منها بدأت فى تحريك كفها ذهابا و ايابا على جبينه و رأسه فأبتسم فى استحسان وأغمض عينيه فى وهن لا يعلم كم مر عليه و هو على هذه الحالة الا انه فتح عينيه فى تثاقل و هو يستمع لآذان المغرب على جواله كانت لاتزل على حالها تقرأ فى همس أيات من الذكر الحكيم عندما رفع رأسه قليلا و مد كفه يتناول كوب الماء مسميا الله.. بضع رشفات تجرعها متما بها إفطاره و عاد من جديد يلقى برأسه لحجرها..
همست له فى نبرة قلقة:- خد الدوا يا شيخ.. اجيب لك تاكل حاچة.. شكلك مكلتش م الصبح..
كان قد اصبح منذ بدأ كفارته يخرج للعمل قبل الافطار الصباحى المجمع لأهل السراىّ و يعود بعد المغرب و قد تناول إفطاره فى المناحل..
هز رأسه نافيا لتهتف هى مؤنبة:- مينفعش كِده..لازم تاكل حاچة عشان الدوا.. شكلك تعبان يا شيخ..
همس بها كأنه لم يسمع اعتراضاتها:-جولى مهران بس يا تسنيم.. انى مش شيخ.. و مستحجش أكون حامل كتاب ربنا..
شهقت تسنيم فى صدمة:- ليه بتجول كِده يا شيخ مهران!؟.. ده انت طول عمرك بتراعى ربنا..و عمرك..
قاطعها هامسا فى شجن و هو يرفع رأسه عن حجرها مستندا على كفه متطلعا لعمق عينيها:- مرعتش ربنا فيكِ..
شهقت و لم تنطق حرفا ليستطرد هو و لايزل يتطلع اليها فى ندم و حسرة:-ايوه.. راعيت ربنا ف الناس كلها الا ف اجرب الناس ليا.. انتِ.. كنى مسمعتش عمرى الآية الكريمة.. ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا.. غلبنى شيطانى و انى اللى كنت فاكر انى غالبه من زمن.. طلعت غشيم و متعافى و جدر عليا و يوم ما جدر.. جدرنى عليكِ انت ِ.. الامتحان كان صعب جوى و كنت انتِ يا بت عمتى السؤال و الچواب.. و انى.. سجطت و بأمتياز..
ترنح رأسه من جديد و غامت الدنيا امام ناظريه فى إعياء..
نهضت هى فى سرعة و احضرت له دواء تحقنه اياه فى قلق على حاله..
دثرته فى عناية و هو يهمهم فى تيه اورث قلبها وجعا و عينيها دمعا..
همت بالتوجه الى مرتبته الموضوعة ارضا لتتمدد عليها تاركة له الفراش الا انها سمعت همسه بإسمها فأستدارت عائدة اليه و انحنت تستمع لأمره هامسا:- خليكِ چارى..
و اشار لموضع جلوسها السابق على الجانب الاخر من الفراش فعادت اليه من جديد و ما ان اصبحت
بقربه حتى ألقى برأسه اليها من جديد و لكن هذه المرة بأحضانها لينام ملأ جفنيه وهنا و شوقا.. و هى تضم رأسه المحمل بالذنب و المكدود بالأفكار الى صدرها لعلها تحمل عنه بعض ما يعان..