رواية ميراث العشق والدموع الجزء الأول للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثالث عشر
كان يزرع زنزانته جيئة وذهابا وقد مسه الجنون بالفعل.. انه لا يطيق الحبس.. لا يحتمل القضبان.. لم يعتد
هذا القيد لروحه..قبل جسده..
واخذ يتساءل كالممسوس.. ما سبب كل ما يحدث له..!؟..
هل دخولها لحياته.. بهذا الشكل القصرى.. جلب عليه كل تلك الويلات.. ليعود ذلك الصوت الداخلى يهتف من جديد..
لما تُلصق بها كل مصائبك وأخطاءك..!؟.. كفاك.. هى ابدا لم تكن مذنبة.. ان الذنب ذنبك.. اعترف بذلك أيها الاحمق الاحمق..!؟.. لو نطق بها.. اى من كان.. بخلاف ذاك الصوت الداخلى الصادر من أعماقه.. لكان الان قتيلا..
يترحم عليه الأحياء.. ولكن.. ماذا يفعل بذاك الهاتف الذى يؤرقه.. ويدافع عنها.. ويجلده..
لقد اصابه الجنون بحق.. انه مشطور لنصفين.. جزء يدافع عنها بضراوة.. وجزء يوصمها بكل آثام الارض..
متى سينتهى هذا الصراع.. لا يعلم..!؟.. كل ما يعلمه انه ممزق ما بين بين.. لا هو يدينها فيرتاح ويقذف بها خارج حياته.. ولا يبرأ ساحتها.. فيحمل كل الأوزار كاملة بلا نقصان ويطلب منها الصفح والغفران..
لم يخطئ ذاك الصوت.. انه بالفعل أحمق.. وهل هناك حمقاً أشد ضراوة.. من محبته لتلك البريئة المذنبة..!!؟..
وفجأة.. تمثلت أمامه على الجدار المقابل.. بكل رقتها وصلابتها.. ضعفها وعنفوانها.. إغراءها وطهرها..
دموعها وضحكاتها.. خجلها وجرأتها..
وتذكر.. فى حسرة.. كيف تركها !!؟.. وقفزت لمخيلته صرختها النابعة من اعماق روحها.. وهى بين ذراعيه..
فطأطأ رأسه.. وهو يضعه بين كفيه فى إنهاك..
لو كانت غفرت لى كل ما سبق.. فهى بالتأكيد لن تغفر له
مطلقاً.. ما اقدم عليه.. فى تلك اللحظة المشؤومة..
مسح وجهه بكلتا يديه.. محاولا صرف تلك الخواطر عن مخيلته.. وسؤال واحد يلح على فكره.. ينهكه حد اللانهاية..
هل من الممكن.. ان يحبها... وأن يكرهها..
بنفس القوة.. وبنفس القسوة.. ولنفس الأسباب.. !؟..
هل هذا ممكن.!؟...
هتف نبيل التهامى.. لعمه بعد ان أغلق هاتفه..
-عمى انا لازم اسافر البلد حالا.. واندفع متجها للباب.. ليهتف فيه عمه الدكتور ناجى بدوره.. :- زمانهم جايين فى الطريق يا نبيل.. انت لِسَّه مقابلتش منيرة.. وند..
قاطعه نبيل.. وهو يفتح باب الشقة فى عجالة :- بقلك لازم اسافر يا عمى.. ودلوقتى حالا.. حسام اخويا ضربوه بالنار..
صرخ ناجى :- ايه..!!؟.. انت بتقول ايه..؟؟.
-للاسف يا عمى.. والمتهم.. صمت لحظات.. عاصم جوز بنتك.. الدكتورة زهرة..
صرخ ناجى من جديد :- كمااان.. ثم اضطرب وهو يتلفت متوترا.. استنى.. انا لازم أجى معاك.. أسترها يا رب..واندفعا للمصعد.. الذى وصل فى تلك اللحظة..
وكلاهما يتأكلهما القلق.. من القادم..
-زهرة.. حبيبتى.. انتِ بخير..!؟ هتف الدكتور ناجى.. قلقا..عندما اجابت زهرة على اتصاله.. لابد وان اخبار ما حدث قد وصلته بالتأكيد..
ردت زهرة بصوت حاولت ان يبدو طبيعيا.. لا ينضح بكل ما عانته فى الايام الماضية :- اهلًا بابا.. وحشتنى.. انا كويسة الحمد لله..
تنهد الدكتور ناجى :- الحمد لله.. انا كان عندى الدكتور نبيل بن عمك قدرى.. وعرفنا اللى حصل.. وجينا..وقاطعته زهرة بلهفة :- يعن انت هنا.. فى النجع..!!؟.
-أه طبعا.. كنت هعرف ان ده كله حصل ومجيش اشوف عمك واطمن على حسام.. واطمن عليكى.. عاملة ايه فى كل اللى بيحصل..!؟..
-تطمن على حسام.. هو..!!؟.. كانت تسأل فى تعجب.. فقد فهموا من ضابط الشرطة.. الذى قدم لالقاء القبض على عاصم.. ان حسام إصابته الرصاصة فى مقتل.. وتوفى على الفور.. ان دموعها لم تجف من لحظتها.. وما حدث لسهام.. زاد الامر صعوبة..
اجاب ابوها ولم يلحظ تعجبها :- أه.. ده لِسَّه خارج من أوضة العمليات دلوقتى.. حالته صعبة.. بس خير..يقوم بالسلامة باْذن الله..
لم تصدق زهرة اذنيها.. وانفجرت باكية.. غير قادرة على مداراة فرحتها بنجاة بن عمها.. الحمد لله.. هتفت فى سعادة ليقابلها ابوها على الخط الاخر مرددا:- الحمد لله.. ربنا يتم شفاه على خير.. المهم.. ايه وضع جوزك فى القضية..
صمتت ولم تجب للحظات واخيرا اجابت بتوتر :- وضعه صعب.. لان سلاحه هو اللى اضرب منه النار فعلا على حسام.. بس هو معملهاش با بابا.. انا متأكدة..
تنهد الاب :- جوزك ومن حقك تدافعى عنه يا بنتى..
تنهدت فى عمق محاولة التحدث بحيادية :- لا يا بابا.. انا عارفة انه محاولش يقتل حسام.. انا متأكدة.. وحسام نفسه عارف كده.. هو الوحيد دلوقتى اللى فى ايده نجاة عاصم..
صمت ابوها متحيراً.. لم يعلق..فاستطردت.. فى تفاصيل كتير محدش يعرفها يا بابا.. ولو انا متأكدة ان كلامى ها يفرق وهايخرج عاصم منها مكنتش كتمت شهادة حق.. لكن كلامى.. وشهادتى ممكن يورطوه اكتر.. عشان كده متكلمتش.. والحمد لله ان حسام بخير..وباذن الله.. يقول اللى يرضى ضميره..
-باْذن الله يا بنتى.. خلى الدم بين العيلتين يوقف بقى..
ثم تنحنح مستطردا.. ده انا كنت عايز اقابلك عشان اقولكِ على موضوع مهم.. لكن واضح ان التوقيت طبعا غير مناسب..
سألت زهرة :- موضوع ايه..!!؟..
اضطرب ابوها:- موضوع مهم خاص بيكِ.. كنت عمال آجله من زمان.. بس واضح انه هايتأجل المرة دى كمان..
سألت زهرة بلهفة :- مينفعش تقوله على التليفون.. ما انا سمعاك أهو يا بابا..!!؟..
-مينفعش على التليفون.. للاسف.. لازم نتقابل.. لان فى امور كتير.. هتحبى تسألى فيها ومش هتلاقى الاجابات الا عندى..
بصى.. سبيها بظروفها.. لو الوضع اتحسن وقدرت اقابلك
هعرفك.. خلاص..
-خلاص.. اجابت بعدم اقتناع والفضول يقتلها..
-سلام يا حبيبتى.. وخلى بالك من نفسك..
-سلام يا بابا.. وابقى سلملى على ماما وندى.. اللى نسيونى..
إصابته الكلمة الاخيرة فى مقتل.. لكنه اجاب متجاهلا لها..
وكأنه لم يسمعها :- حاضر يا زهرة.. سلام عليكم..
-وعليكم السلام..
اغلقت الهاتف.. وألف الف تساؤل يقفز الى ذهنها.. ما هذا الموضوع الذى يريد ابيها اخبارها عنه.!؟.. ولما شعرت انه
يتلكأ فى ذلك.. ويتحين الفرص لتأجيل اخبارها..!؟..
والكثير الكثير من الأسئلة.. التى لم تجد لها اجابة واحدة شافية ترضى فضولها.. نهضت مسرعة.. وقد ألقت كل ذلك الفضول.. وكل تلك الأسئلة خلف ظهرها.. لتندفع حيث سهام.. لتعلمها بالخبر السعيد..
اندفعت زهرة لحجرة سهام فى سعادة.. وهى تتقافزكالاطفال
هاتفة :- الحمد لله.. الحمد لله..
نظرت اليها سهام فى تعجب.. ولم تهتم ان تسأل عن السبب
واشاحت بوجهها بعيدا.. فأسرعت زهرة.. تواجهها وهى تهتف فى لهجة جزلة :- حسام لِسَّه عايش..
انتفضت سهام.. واعلنت كل خلاياها الانتباه.. وهى تهتف فى عدم تصديق..:- صوح.. ولا بتكدبى علىّ.. !!؟..
هتفت زهرة ضاحكة :- وهى دى حاجة فيها كدب.. أه.. عايش.. والله العظيم عايش.. وخرج من أوضة العمليات.. بعد ما خرجوله الرصاصة.. وهو تحت الملاحظة دلوقتى..
دمعت عيناها.. وتهدج صوتها وهى تمسك بكف زهرة :- بجد.. بجد يا زهرة عايش.. حسام عايش..
أومأت زهرة برأسها ايجابا.. وقد غلبها التأثر فدمعت عيناها لتندفع سهام لاحضانها.. وتنفجر باكية بشكل هستيرى جعل زهرة تحيطها بزراعيها.. مشفقة على حالها.. وهى
تفكر.. كم هو مضنٍ.. حال المحبين..!!..
فها هى منذ لحظات.. فى مكالمتها مع ابيها تدافع عنه.. متأكدة من براءته.. على الرغم من ما فعله معها.. وتلك القسوة التى عاملها بها.. كان فعلا كالوحش.. كان قبلها يعاملها بحق كالأميرة ويقوم بكل ما يرضيها ويسعدها، حتى انها تعجبت لذلك، كان رائعا فى الايام الاخيرة.. اثناء مرض قدمها.. احيانا كانت نظراته لها تثير شكوكها و ظنونها.. لكن نفس تلك النظرات تتبدل فى لحظات لتحمل الكثير من الحنان والدفء.. كان بالفعل يثير جنونها..
تذكرت فجأة تلك النظرة الاسفة التى القاها قبل ان يندفع من الباب عندما جاءت الشرطة لاصطحابه.. وكأنها نظرة مودعة.. كان تحمل الكثير من الأسف والالم.. والرغبة فى طلب الصفح.. قرأت تلك النظرة ككتاب مفتوح.. وتعجبت.. كيف أمكنها ذلك..!؟.. كيف استطاعت ان تترجم تلك النظرة بهذه الاحترافية.. وهى التى لطالما احتارت فى تفسير نظراته التى كان يغمرها بها.. وخاصة فى الفترة الاخيرة.. !!؟... انها مشطورة لنصفين.. وكأنها تعانى ازدواجاً فى الشخصية.. شطر منها يمقته ويتمنى ان يذهب بغير رجعة جراء ما قام به تجاهها منذ اللحظة الاولى التى رأته فيها ودخل حياتها.. ليخط اول سطور لإذلالها وعذابها فى كتاب قدرها..
والشطر الاخر منها.. يتمنى له النجاة والخلاص.. لا يهم ماذا فعل..!؟.. الأهم ان يكون بخير..وان يعود من جديد إلى حياتها.. الى مشاكستها ودفعها لتحديه.. ليعود لأمه التى تموت من اجله دون ان تُظهر.. ولأبيه الطيب الذى يحتاجه سندا فى أخر أيامه.. وأخته الوحيدة.. والتى مهما قالت او فعلت.. فهى لازالت تحبه وتحترمه..
انها تكاد تفقد صوابها.. وهى لا تدرى.. الى اى شطر من نفسها يمكن ان تنحاز.. !!؟.. وتسألت.. هل يمكن لها ان تكره.. وتحب... ذاك القاسى الحانى.. بنفس القسوة.. والقوة.. ولنفس الأسباب!؟؟... لم يكن هناك اجابة.. وايضاً لم تكن تعلم انها ليست الوحيدة التى سألت نفس السؤال.. ولم تكن الوحيدة ايضا التى لم تجد الإجابة..
-يعنى برضة مش عايز تعترف..!؟.. صرخ وكيل النيابة فى وجه عاصم المجهد.. ليلتان مرا عليه.. بلا راحة او غمضة جفن.. أغمض عينيه الان فقط.. رغبة فى التقليل من شدة الصداع التى اكتنفت رأسه المكتظ بالخواطر والأفكار وهو يجيب فى نفاذ صبر :- اعترف بايه بس يا باشا.. اعترف بحاجة معملتهاش.. انا مجتلتش حد.. وعمرى ما رفعت سلاحى الا فى الحج..
ابتسم وكيل النيابة ساخرا:- اه.. الحق.. الحق ده من وجهة نظرك طبعا..!!؟..
كظم عاصم غيظه وهو يضم كفه فى قوة رغبة فى تسديدها لوجه ذاك الاحمق.. ولكنه كظم غيظه ولم يرد..
ليعاود وكيل النيابة الضغط من جديد.. لسلب اعتراف منه هاتفاً فى حنق :- الجريمة لبساك.. لبساك.. والشهود والادلة كلها ضدك.. اعترف بقى متتعبش قلبنا.. لانك فى الاخر برضة.. هتشيل القضية..
تنهد عاصم فى إرهاق.. ولم يجبه.. لتتابع طرقات على الباب.. ويدخل أحد العساكر ليعطيه إشارة ما.. يقرأها معلنا فحواها..:- المستشفى بلغتنا.. ان المجنى عليه فاق.. قالها وكيل النيابة وهو ينظر لعاصم... انا رايح على هناك..يمكن أقدر أخد منه كلمتين.. ونقفل القضية دى.. و أرجع يا اما بدليل ادانتك.. يا بدليل براءتك... قالها وهو ينظر لعاصم بشك.. وأمر العسكرى.. ليعود بعاصم من جديد.. لمحبسه..
-حمدالله على السلامة.. يا حسام.. همس وكيل النيابة بالقرب من رأس حسام.. الذى فتح عينيه فى وهن.. ليبتسم
فى بطء.. بملامح شاحبة..وشفاه جافة.. :- الله يسلمك يا باشا..
-أنا مش هتعبك.. انا عايز منك تأكيد.. بأه او لأ..على كام سؤال... هز حسام رأسه موافقا.. ليستكمل وكيل النيابة.. انت شفت اللى ضربك بالنار..!!؟..
فهز حسام رأسه رافضاً.. يعنى مش هو عاصم الهوارى.!!؟
ليفتح حسام عينيه باقصى قوة يملكها تعجبا.. وهو يقول :- عاصم الهوارى.. لاه.. مين جال كده.. !!؟..
-سلاحه.. اللى انت أضربت بيه..
حاول حسام باقصى قدرة لديه التحدث رافضا ما قيل :- لاه يا باشا... جلت لك لاه.. عاصم الهوارى معملهاش..
-بس الشهود بتقول انه اخر واحد كان معاك.. وانه كان طالع يجرى من ناحية الاسطبلات.. اللى انت أضربت فيها..
-أه.. صوح.. لم ينكر حسام.. وهو يبتلع ريقه الجاف بصعوبة..ليكمل فى إرهاق.. هو كان معدى من جنب إسطبلات التهامية.. مر وسلم لما لجينى.. وبعدها خد كرتته ومشا... وحُصل اللى حُصل بعديها..
-ورصاصته اللى لقوها على ارض الإسطبل.. جت هناك ازاى.. !!؟.. سأل وكيل النيابة.. فى خبث..
صمت حسام قليلا.. ثم اجاب فى هدوء:- واحنا واجفين يا باشا.. اتخيلنا بتعبان.. فضرب عاصم نار عليه.. خوفنا يأذى البهايم.. ادى كل الحكاية..
تنهد وكيل النيابة فى نفاذ صبر :- يعنى خلاصة القول.. عاصم الهوارى.. مش هو اللى ضربك بالنار..!!؟..
اومأ حسام فى تأكيد.. لاه مش هو يا باشا.. مش هو..
انتفض وكيل النيابة.. ومساعده الذى كان يكتب كل كلمة نطق بها حسام.. ليغادرا غرفته..
ليعود الحاج قدرى.. والدكتور ناجى.. ونبيل للحجرة..
ليطمأنوا على حسام بعد هذا الاستجواب المرهق.. ولم يكن يعلم اى منهم.. ان اعترافات حسام تلك.. انقذت عاصم..
من مصيبة محققة.. لم تكن لتنزاح عن كاهله.. لولا تلك الكلمات..
هتفت سهام فى زهرة تُلِّح فى اصرار :- عشان خاطرى يا زهرة.. اسمع صوته بس.. اصدج.. يجول ألو بس..
عشان خاطرى.. ربنا يخليكى..
-طب بابا هيقول ايه بس..همست زهرة مؤنبة... لما اتصل فى ساعة ذى دى.. عشان اطمن على حسام.. والله ليقول مجنونة..ابتسمت زهرة..
لتعاود سهام ألحاحها:- وماله.. ما يجول.. هى الكلمة ها تلزج.. ده ابوكى برضك.. انفجرت زهرة ضاحكة.. لتستكمل سهام..هيجول جلجانة على واد عمها.. وعايزة تطمن عليه..
-طيب خلاص.. وافقت زهرة.. اقنعتينى.. انا هتصل وامرى لله..وأمسكت بهاتفها ترن على ابيها الذى كانت تعلم انه لازال بالمشفى مع عمها ونبيل.. رد بعد عدة رنات.بصوت قلق :- خير يا زهرة.. فى حاجة..!؟..
-لا بابا.. متقلقش كده.. انا كنت بطمن على حسام..اخباره ايه دلوقت..!؟..
-الحمد لله.. احسن كتير.. فاق وبيكلمنا.. وكله تمام..
هزتها سهام تتعجلها.. فقالت فى سرعة :- ممكن اكلمه يا بابا.. ؟!!؟.. يعنى يقدر يرد عليا.. !!؟..
استغرب ابوها طلبها.. لكنه قال فى تردد.. أعتقد ممكن..
هشوفه كده.. وابعد الهاتف عن أذنه.. يسأل حسام.. هل بامكانه التحدث لزهرة.. فاجاب حسام بلهفة.. اه.. طبعا..
وهو يمد يده.. يلتقط الهاتف الذى سلمه له عمه.. وهو لايزل على تعجبه..
-ألو.. همس حسام.. فلا يتلقى رداً على الطرف الاخر غير شهقات بكاء.. كان يعلم انها لها.. لسهام.. التى التقطت الهاتف من زهرة.. وابتعدت عدة خطوات.. لتجلس على طرف فراشها.. غير قادرة على الوقوف.. وهى اخيرا تستمع الى صوته.. الذى ظنت انها لن تسمعه من جديد.. لن تسمعه للأبد..
-سهام.. همس حسام مرة اخرى..متأثرا من صوت بكاءها الحار..
واخيرا.. اجابت بصوت متحشرج يكتنفه الدمع :- نعم..!!..
-بحبكِ.. يا مجنونة..
لتزداد شهقاتها وهى تقول :- سامحنى.. انا السبب.. اخويا..
قاطعها حسام متنهدا :- اخوكى مش هو اللى ضربنى بالنار يا سهام.. مش عاصم صدجينى..
انتفضت فى فرحة وهى تُمسح دمعها عن خديها :- صوح..
بجد يا حسام.. مش عاصم..!؟؟...
ابتسم حسام فى ضعف محاولا كتم ضحكاته متألما :- حتى وانتِ زعلانة وبتبكى.. جادرة تضحكينى.. اه عاصم بيحبك.. وموفجش على جوازنا.. بس مش لدرجة يجتلنى عشان خاطرك يعنى..
استعادت شغبها لتهتف :- جصدك ايه..!؟.. مستاهلش يجتل عشان خاطرى..!؟..
كتم حسام ضحكاته من جديد ليقول مشاكسا:- تستاهلى طبعا..بس سيبيلى انا موضوع الجتل ده.. شاورى بس.. وانا اجيب لك خبر اللى ميعجبكيش..
قالت فى دلال مشاكسة :- لاه.. مفيش داعى.. انا مش هتجوز سوابج..
-دى اخرتها.. سوابج.. ابتسم حسام.. ادى أخرت اللى يتبع الحريم..
انفجرت ضاحكة.. لتقول :- طب كفاياك كده.. عشان متتعبش.. وباذن الله هكلمك تانى..
-طيب.. وعلى العموم.. عاصم خارج.. وممكن تلاجوه عندكم فى اى وجت..
هتفت فى فرح :- صوح.. عاصم هايخرج.. لتنتفض زهرة لسماع سيرة عاصم.. وتنتبه لمجرى الحديث..
-اه باْذن الله.. قال حسام.. عجبال ما اخرج انا كمان.. واعرف اشوفك... صمت قليلا ليهمس ثانية... سهام.. انتبهت دون ان تجيب..مش هتكونى لحد غيرى.. ولو كانت دى اخر حاچة اعملها فى حياتى..
وفجأة.. انطلقت الزغاريد من قلب السراىّ.. لتنتبه كل منهما.. فتنتفض زهرة فى وجل.. وتبتسم سهام.. للفأل الحسن.. وهى تغلق الهاتف.. فى نشوة..
عبرت ندى بوابة الكلية بعربتها.. وكانت تتجه لتوها لمكان تصف فيه سيارتها.. وتذكرت نصيحته لها.. فبحثت عن مكان مزدحم قليلا.. لتصف سيارتها به..وتندفع لحضور محاضراتها.. وكانت محاضرته إحداهن.. انها تنتظر المحاضرة بلهفة.. لانه سيناقش نظريتها التى اثارتها المحاضرة الماضية.. جلست تنتظر فى قاعة المحاضرات لكن الوقت مر.. ولم يأتى احد.. هو معروف بدقة مواعيده
ماذا حدث يا ترى..!!؟.. دخل احد الطلاب.. ليهتف لهم..
-الدكتور نبيل قدرى معتذر عن محاضرات الاسبوع ده يا شباب..
الاسبوع بكامله..!!؟؟... ترى ماذا حدث.. ليتغيب عن محاضراته وهو المعروف عنه دقة مواعيده.. وعدم تخلفه عن احداها.. لابد وان السبب أمر جلل..!؟؟..
لكن.. ما هو يا ترى..!!؟..
وقف عاصم فى صحن السراىّ.. يتطلع لامه الحاجة فضيلة..التى اندفعت اليه فى شوق.. تلقى بنفسها بين ذراعيه باكية
كانت هذه من المرات النادرة.. التى يرى فيها تلك السيدة الفولاذية.. تبدى بعض من ضعف الأنوثة.. ضمها بين ذراعيه بحنان وهو يهتف متصنعاً المرح :- واااه يا حاجة..
ايه امال.. خبر ايه.. انا مكنتش فى الغربة.. دوول هم يومين غيبت فيهم..!؟؟.. واحنى رأسه يقبل هامتها التى كانت مغروسة باحضانه.. لترفع هى نظراتها اليه وهى تقول بصوت متحشرج..:- والله يا ولدى.. كنهم سنتين.. مش يومين.. بركة انك خرجت بالسلامة..
وفجأة كعادتها.. نفضت عنها حزنها كأنه لم يكن لتأمره فى محبة..:- يا الله.. روح اتسبح.. وهجيبلك لجمة تاكلها.. وتنام كد تلت تيام كده.. عشان شكلك تعبان.. وجعان نوم..
انفجر عاصم ضاحكا وهو يكرر:- تلت تيام نوم.!!؟.. وماله.. أوامرك يا حاچة.. وسحبته من كفه.. تدفعه لصعود الدرج.. وهى تهمس له فى إشارة لأعلى.. ليتطلع للأعلى..
فيرى زهرة تقف.. على استحياء.. فى اعلى الدرج.. كانت تريد الاختباء فى غرفة سهام.. لكن لمتى.. وهى لا تريد ان يدرك احد ما يدور بينها وبين عاصم..وهتف بداخلها صوتا لذاك الشطرمنها والذى يناصره... مهللاً بفرحة لمرآه عندما أزعنت لإصراره فى الخروج لاستقباله رغما عنها.. لم تجرؤ ان ترفع نظراتها لتتطلع اليه.. لكن هو رفع بصره لإشارة امه التى أكدت هامسة :- البنية كان مخلوع جلبها.. شوية عليك.. وشوية على واد عمها.. وشوية على سهام وحالها..
اطلع لأوضتك يا ولدى.. وخد مرتك فى حضنك.. ومشفكش جبل تلت تيام تحت.. جبل كده.. ميحصلش..
لم يقهقه عاصم لدعابة امه هذه المرة.. بل طرقت كلماتها قلبه وعقله كالمطارق.. يأخدها بين احضانه!!؟..يا ليته يستطيع.. ولثلاث ليال فقط..!؟..بل يتمناها بين ذراعيه
عمره كله..
صعد الدرج بآلية حيث تقف.. ولم يتفوه بكلمة حين وصل اليها.. وهى بدورها لم تنطق بحرف.. كانت ترتعش من قمة رأسها حتى اخمص قدميها حين طل عليها من علياءه.. تخطاها ليسير فى ذاك الممر الذى يؤدى لحجرتهما.. وهى خلفه.. تسير بتؤدة.. دقات قلبها.. وكأنها طبول حرب.. تظن ان الجميع يسمعها.. كما تسمعها الان تصم آذانها فترتبك خطواتها خلفه..
دلف للغرفة وترك بابها مفتوحاً.. لتتردد قليلا.. ثم تدخل مغلقة الباب خلفها... أين يمكن لها ان تبتعد حتى يتجاهل وجودها وينساها..!!؟... فربما يفكر فى استكمال ما لم ينتهى منه.. قبل عدة ايام..!!؟..
اتخذت احد الأركان ملجأ لها.. ليدخل هو الى الحمام لثوانى..ثم يخرج وقد نسى شئ ما.. اقترب من ذاك الجانب.. لتنكمش فى مكانها فى ذعر.. هاله ما ارتسم على محياها من ملامح مرتعبة.. مد يده للمشجب خلفها يلتقط جلبابه..
ليهمس صادقا :- اطمنى... مش هتتكرر تانى... اخر حاجة عايزها هى.. وتردد قليلا ليكمل.. انك تكونى فى حضنى وانت مش راضية.. ولو هموت..مش ها تُحصل تانى...
دمعت عيناها.. وبدأت تشعر بالارتخاء والراحة بعد ان وصلها الصدق فى كلماته.. ولا تعرف ما الذى دفعها لترفع عينيها الدامعتين اليه.. ليسب فى سره ويلعن.. وهو يجذب أنظاره بالضالين.. بعيدا عن عينيها التى تآسره..ليندفع للحمام جاذبا جلبابه خلفه فى عنف.. وهو يقسم انه لو انتظر لثانية واحدة فقط..
امام تلك النظرات.. فانه لا يعتقد ابدا انه.. سيكون قادر على الوفاء بعهده.. الذى تعهد به منذ لحظات فقط..انتهى من حمامه.. ليخرج فلا يجدها بالغرفة..فيتنفس الصعداء.. ليرتدي عمامته وعباءته ويتناول عصاه الابنوسية ويندفع هابطاً الدرج.. لتفاجأ به امه فتهتف فى تعجب..:- على فين العزم.. انت لحجت ترتاح..!!؟..
-معلش يا حاجة.. مشوار ضرورى مينفعش يتأجل.. أخلصه وارجع ارتاح بجد..
-مشوار ايه ده..!؟؟.. سألت الحاجة بفضول..
ابتسم عاصم :- مشوار يا حاجة.. مشوار..
ليندفع خارجا.. هربا من أسئلتها.. وفضولها..
طرقات على باب غرفة حسام.. جعلت الجميع يتنبه للقادم..
ويفغر كل منهم فاه مدهوشاً.. كان الاول الذى استفاق من ذهوله و اجاب الطارق الذى يقف الان على اعتاب بابه.. هو حسام.. الذى هتف فى ترحيب وهو يعتدل بصعوبة :- اهلًا.. اهلًا..اتفضل يا عاصم.. ادخل..
وقف كل من نبيل والدكتور ناجى والحاج قدرى لثوان.. مشدوهين.. لرؤية اخر شخص يمكن ان يتوقعوا زيارته لحسام.. لينتبه نبيل متوجها لعاصم يتناول منه كل تلك الهدايا والأغراض التى يحملها.. ويضعها على المنضدة الموجودة فى أطراف الغرفة.. ويرحب به الحاج قدرى هاتفاً :- اهلًا يا بنى.. اتفضل.. مشيرا لهداياه.. مكنش فى داعى تكلف نفسك..
ليرد عاصم فى هدوء وهو يجلس على احد المقاعد القريبة من حسام :- دى حاجة بسيطة يا حاچ.. حمدالله بالسلامة
يا حسام.. قالها ملتفتا لحسام.. الذى ابتسم فى ود :- الله يسلمك.. وحمدالله بسلامتك انت كمان..
ليبتسم كل من بالغرفة.. ليقول عاصم :- انا جاى أتشكرك..
لولا شهادتك.. كان زمانى..
قاطعه حسام.. هاتفاً بتعجب :- بتشكرنى على شهادة الحج.!!
ده مش جميل انا عملته فيك ده حجك وانا رديتهولك..
ابتسم عاصم فى امتنان.. ونهض يربت على كف حسام الممددة أمامه على الفراش.. ليستدير مغادرا لكن يوقفه حسام مناديا :- عاصم.. عايزك..!!؟. ليستدير اليه عاصم..
مواجها ومستفسرا.. ليوجه حسام كلامه لعمه وأخيه وأبيه.. :- ممكن بس تسيبونى شوية مع عاصم.. !!؟..
-امرك يا ولدى.. وماله.. خدوا راحتكم..هتف الحاج قدرى ليندفع ثلاثتهم لخارج الغرفة.. وما ان أُغلق الباب خلفهم.. حتى وجه حسام نظراته لعاصم الذى توقع ان يحدثه فى رغبته بالزواج من سهام.. لكنه كان مخطئ حين همس حسام فى هدوء :- عاصم.. انا مبحبش ادخل ما بين راجل ومرته..صمت حسام وهو يرى تعابير وجه عاصم المبهمة ليكمل فى اصرار.. مدافعاً عن ابنة عمه التى قاست الكثير زهرة بت عمى.. مرتك وانت حر معاها.. بس لما ابجى عارف انها مظلومة وان انت اللى ظالمها.. يبجى مفيهاش سكات..
تململ عاصم فى جلسته لا يعرف لما يشعر بأحاسيس ومشاعر غريبة تعتريه ما ان يذكرها احدهم أمامه.. او ينطق باسمها حتى تتقاذفه الشياطين.. شياطين الغيرة والرغبة.. والغضب.. والشك... والحيرة..
اكمل حسام.. ولم يُخفى عليه ما اعترى عاصم من مشاعر فرضت نفسها فرضاً على محياه..:- بت عمى مظلومة.. هى معندهاش نمرتى.. يبجى كيف بعتت لى رسالة.. وانا مش معاى نمرتها.. لكن بعت لها.. على النمرة اللى وصلتنى منها الرسالة..
مد يده بهاتفه لعاصم..:- شوف الرسالة.. بتجلى فيها ايه!!؟..
انا زهرة بت عمك.. هو لو نمرتها معاى.. هاتجول ليه كده..ما طبيعى هبجى عارف انها هى.. شوف مين يا عاصم..
اللى عايز يوجعنا فى بعض.. وبعت رسالة ليا وليها.. وجالك احنا فين.. وضربنى وانا معاكم.. وكان عايز يضرب كذا عصفور بحجر واحد..
تنهد حسام متعبا :- انا خلصت زمتى من ربنا.. وانت حر..
تنهد عاصم بدوره لينهض بهدوء مكررا:- حمد الله بسلامتك يا حسام.. انتبه على نفسك..
ولم يرد بحرف على ما ذكره حسام منذ قليل.. ليخرج من الغرفة.. ليلقى التحية على الجميع.. ويختص الدكتور ناجى
الذى قال له بنبرة صادقة :- مش هتشرفنا بالزيارة يا دكتور ناجى.. ولا أيه..!!؟..
تعجب الدكتور ناجى من عرضه.. لكنه اجاب بابتسامة هادئة كعادته.:- باْذن الله.. ليكم زيارة مخصوص لانى لازم اسافر.. سايب منيرة وندى لوحدهم بقالى كام يوم... سلملى على زهرة..
ابتسم عاصم :- يوصل يا دكتور.. سلام عليكم..
وخرج من المشفى.. يشعر بسلام داخلى وهدوء نفسى..
يفتقدهما منذ زمن بعيد.. واخيرا.. تكرما بزيارته..
دخل عاصم الى السراىّ.. ليجد الحاچة فضيلة فى مقعدها المفضل.. استقبلته بحبور.. ليجلس بجوارها وهو يشعر بسعادة عجيبة تكتنفه.. شعور غريب بالراحة والطمأنينة
يشمل روحه.. بحث عنها بعينيه لكنه لم يجدها بالجوار..
وفطنت امه لنظراته فقالت فى خبث محبب:- زهرة عند سهام.. مفرجتهاش لحظة من ساعة ما غميت لما خدتك الحكومة..ربنا لا يعيدها.. من يوميها وأختك لا بتاكل ولا بتشرب يا حبة عينى.. ومش بتبطل بكا..
نادى عاصم على كسبانة.. لترد امه قائلة :- معرفش غارت فين البعيدة.. بجالها يومين مبتجيش السرايا.. والحمل تجل على ام سعيد..
صمت عاصم لبرهة مفكراً.. ثم ابتسم ساخرا :- طبعا مش هتشوفيها تانى يا حاجة.. ولا هتورينا وشها..لان هى اللى سرجت سلاحى الجديم من دولابى.. واديته للى كان عايز يجتل حسام.. وتلبسنى الجضية..
صرخت الحاجة:- وااااه.. وليه تعمل كده..!!؟.. ده جزات المعروف اللى عملته فيها.. صحيح.. اتجى شر من احسنت اليه..
-متلوميش حالكِ على خير عملتيه يا حاچة.. شوفى انتِ اللى وزها تعمل كده.. وعدها بايه.. او هددها بايه.. ربنا يستر على عبيده.. قالها عاصم فى هدوء.. وهو يعاود النداء.. ولكن على ام سعيد هذه المرة.. لتأتى مهرولة.. ملبية للنداء
-طلعى صنية عليها خيرات ربنا لأوضة سهام.. همى يا ام سعيد..
-عنايا.. هتفت السيدة الطيبة فى حماسة..وما هى الا دقائق معدودة.. ورأها تصعد بصينية الطعام.. ليستأذن من أمه ويصعد خلفها..
طرق الباب.. وما هى الا ثوانى.. حتى أذن من بالداخل.. للطارق بالدخول.. لتهتف سهام فى حنق :- مش عايزة أكل يا ام سعيد.. رجعى الصينية دى..
ليدخل عاصم متنحنحاً وهو يتطلع الى حيث تجلس زهرة باريحية بجوارها.. وتنتفض فى نفس اللحظة التى سمعت فيها صوته وهو يهتف مازحا:- حتى ولو جلت لكِ.. انى هوكلك بيدى..
انتفضت سهام عندما اقترب منها.. وانحنى يقبل رأسها فى حنان ثم يجلس على طرف فراشها.. أمرا ام سعيد بوضع
الصينية على الطاولة الملاصقة للفراش.. لتنفذ ما طلب وتتركها وترحل.. اما زهرة.. فكانت تقف مشدوهة..
لا تصدق ان هذا الرجل الذى يقطر حنانا مع أخته.. هو عاصم مهران الهوارى.. بشحمه ولحمه..
كانت سهام تطأطأ رأسها وقد بدأت دموعها فى الجريان..
ليهتف هو منزعجا:- واااه.. ليه الدموع دى دلوجت.. دى حمد بالسلامة.. اللى مسمعتهاش منيكى.. قال كلماته الاخيرة وهو يمد يده ليمسح دموع اخته من على خديها.. لكن عيونه تلقى بنفس التساؤل على تلك المشدوهة هناك..والتى تضرب أخماسا فى اسداسا.. وعيونها زائغة..ودقات قلبها تفقدها توازنها وتعلو حتى تكاد تختنق فلا تستطيع ألتقاط انفاسها بالشكل المعتاد.. وكأن احد ما قد سحب كل هواء الغرفة..
مد عاصم يده للطعام.. يتناول منه لقمة يغمسها فى العسل ليضعها فى فم أخته.. التى تناولتها من يده وهى لازالت تشهق باكية وردت اخيرا بعد ان ابتلعت لقيمتها:- انا اسفة يا خوى.. سامحنى..
-انتِ معملتيش حاجة أسامحك عليها.. انت اللى تسامحينى عشان جسيت عليكى... وامتدت نظراته للمرة الثانية.. بنفس الرسالة.. لزهرة.. التى تسللت فى خفة.. لتجلس على الكرسى الوحيد القريب من موضع وقوفها.. والذى لسوء حظها..كان مقابل.. الى حد كبير.. لموضع جلوسه..
التقطت رسالته.. فحارت فى تفسيرها..هل هو حقا يعتذر!!؟..
الغول.. يعتذر ؟؟!.. لا.. انها تهزى.. ليست بارعة ابدا فى فك الشفرات وحل الألغاز.. وخاصة الكلامية منها..
ولا تميل لتفسيرات قد تكون مجرد امنيات ما بداخلها حلمت يوما ما بتحقيقها.. هى لا تعرف كيف تفسر...
وليس لديها رغبة فى ذلك... فخيبة الامل التى ستصاحب تفسيرها الخاطئ.. ألمها لن تتحمله لانه سيكون موجاً لحظتها.. ليس لكرامتها او كبرياءها فحسب.. وانما الى قلبها الذى تشعر انه لم يعد يطاوعها منذ امد بعيد.. وانه ينحى بمشاعره منحنى قمة فى الخطورة رغم تحذيرات العقل
المتكررة.. ولكن.. من يبالى.!!؟..
هتفت سهام فى نزق:- لاه.. انت اللى تسامحنى.. لانى صدجت انك ممكن تكون جتلت حسام.. بسببى.. ازاى أفكر فيك كده..!!؟؟.. وانا اللى مفروض أدافع عنك وابجى متوكدة اكتر من اى حد.. انك متعملهاش..
وانفجرت باكية من جديد.. ليبتسم عاصم على براءتها وهو يقول :- بس انت عندك حج.. انا ممكن اجتل اى حد.. عشان خاطرك يا سهام.. اى حد يفكر يأذيكى.. اجتله ولا يهمنى.. انا مستحملش النسمة عليكى.. وانت عارفة..
ابتسمت سهام من بين دموعها :- ربنا يخليك ليا.. رد الابتسامة فى المقابل.. وهو يلتقط لقيمة اخرى من صينية الطعام.. ليضعها فى فمها..وهو يمازحها:- يا الله.. عنجلعوكى اها... جبل ما ياجى عريس الغفلة.. ويخدك منينا
ويجلعك هو..
لتنفجر سهام ضاحكة... وتعود لطبيعتها المرحة من جديد..
لينهض عاصم وقد شعر بانه أنجز مهمته وأعاد اخته
لمرحها المعتاد... اما هى... تلك الحبيبة المتباعدة هناك.. تلك التى لا يعلم.. كيف يراضيها..!؟؟؟.. كيف يشق طريقه الى قلبها... !!؟..
كيف يجعلها تصدق.. انه بالفعل يتمناها..!!؟..
كيف يهدم ذاك الماضى المشؤوم.. والذى يقف كجدار من فولاذ بينهما.. ليستطيع الوصول لذاك القلب الذهبى..
العامر بالحب والحنان اللذان انتظرهما طويلا..
وبحاجة إليهما.. حاجته للماء والهواء..
اه لو يعرف كيف!!؟...