رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل الرابع عشر
وأسبلتُ عيناي لتفاصيلك، لأغرق في التفاصيل وأحبك.
ذهب كُلًا من ريان و غزل خلف المدعو حفيظ الذي كان ينظر لهم بطريقة مُريبة أثارت حفيظتهم، مالت غزل على ريان ثم تحدثت مستفهمة: ماله دا! بيبصلنا كدا ليه!
هز ريان رأسه بجهل مُتحدثًا ببلاهة: شكله مُعجب بينا.
حدجته بسخط، ثم وبخت نفسها لسؤاله هو تحديدًا، تمتمت داخلها بغيظ: وأنا هستنى إيه منك يعني!
وصلا أخيرًا حيثُ يقبع موسى وأعوانه، ليجدا وجهه مُتهجم للغاية وكأنه مُستعد ليدخل عراك الآن، وقفا أمامه ليتسائل ريان بحيرة: خير يا موسى طلبتنا ليه!
توقف أمامه، ثم قرَّب وجهه منه مُتشدقًا بفحيح: كنتوا في بيت سليم المنشاوي بتعملوا إيه!
قطب ريان جبينه بتهجم، ثم ابتعد قليلًا عنه مُردفًا بعصبية: انت بتراقبنا!
صرخ موسى بوجهه: انطق وجاوب على أد السؤال، كنت في بيت سليم المنشاوي بتعمل إيه!
غضب ريان من تلك الطريقة الوقحة التي يُحدثه بها، ليُمسك به من تلابيبه مُردفًا بحدة: صوتك ميعلاش عليا تاني انت سامع!
أنزل موسى يد الآخر، ثم حاول ضبط أعصابه قبل أن يتهور حتى يكتشف الحقيقة الكاملة، فعندما أخبره أحد رجاله برؤية كلاهما يدلفان لمنزل عدوه اللدود ثارت ثائرته وظن بأنهم جاسوسان جاءا ليتطلعا على أخباره، لذلك أردف بهدوء مزيف: أديني نزلت إيدي، سامعك.
حاول ريان ضبط أنفاسه الغاضبة، لا يُحبذ أبدًا أن يتعامل أحد معه بتلك الطريقة الوقحة التي تعامل بها موسى معه منذُ قليل، لو لم يكن يحمل له معروف لكان أبرحه غضبًا من شدة الغضب الذي في قلبه الآن، قطب جبينه بحدة ثم جلس لذلك المكان الذي أشار له موسى، ثم بدأ في إخباره بالحقيقة الكاملة دون أن ينقص شيئًا، منذ بداية طورتهم في تلك القضية والتي كان سببها هذا اللعين سليم المنشاوي ، حتى دخولهم قصره وإتفاقهم مع عمهم في الإيقاع به للزج في السجن وتبرئة أنفسهم.
كان يستمع له بإنتباه، يبدو أنهم وقعوا ضحية لحقير قذر مثلما كان هو، ملامح ريان المتهجمة والجادة في الحديث، جعلت موسى يُصدقه رغمًا عنه، شعر بالحرج منه ومن طريقته المُهينة التي تحدث بها منذ قليل، لذلك حمحم بحرج ثم ربت على قدمه: متأخذنيش على الطريقة اللي اتكلمت معاك بيها.
لم يُجيبه ريان بل ظل مُتهجم الوجه وكذلك كانت غزل هي الآخرى، استطرد موسى حديثه بأسف: سليم المنشاوي هو أكتر واحد بكرهه في حياتي، خَد مني حياتي، وحريتي، وبعدني عن أهلي، وخلاني في نظر الناس والقانون مُجرم، ولما عرفت إنكم رحتوا بيته مجاش في بالي غير حاجة واحدة بس، إنكم تبعه ودا كمين معمول ليا عشان يوقعني.
وكطبيعة ريان النقية عفى عنه، لكن يجب أن يُظهر له كيف كان أسلوبه في التعامل مُجحفًا معه، لذلك ظل على وضعه المُتهجم، علم موسى بأنه قد أحزنه، لذلك قرر مشاكسته ليضربه على فخذه بيده: ما خلاص بقا ميبقاش قلبك أسود!
بس بغير.
هكذا نطق ريان بعد أن أبعد يد موسى عن فخذه لشعوره بالغيرة الشديدة، علت ضحكة غزل في الأرجاء من تصرفه هذا، وكذلك شاركها موسى وباقي الرجال، ما هذا أيغير من قدمه حقًا!؛.
بينما ريان شعر بالضيق لصدوح ضحكات غزل بذلك الشكل المُفرط، لكن، لِما الضيق! هذا لأنها مسؤولة منه في تلك الأوقات، هكذا أقنع نفسه.
حمحم ثم توقف مكانه راسمًا على وجهه إبتسامة طفيفة، موجهًا حديثه ل موسى والرجال: خلاص حصل خير، عن إذنكم بقا نرتاح عشان يومنا طويل بكرا.
وقف أمامه موسى متحدثًا بألفة عكس التي كان يتحدث بها منذ قليل: ربنا معاك، ولو عوزت أي حاجة أنا في الخدمة.
هز ريان رأسه له، ثم أمسك بيد غزل ليسحبها خلفه دون أن يتخدث بكلمة واحدة، بينما هي تعجبت من تصرفه هذا لتسأله بضجر: في إيه ماسكني كدا ليه!
لم يُجيبها بل ظل يسير بها حتى وصلا إلى الكهف، أفلتت يدها منه لتصرخ بنفاذ صبر: وسع كدا، ممكن أفهم في إيه، وإيه المعاملة دي!
أجابها بغضب فاقها في الحدة: ممكن أفهم في إيه انتِ! عمالة تضحكي بصوت عالي وسط الرجالة وانتِ ولا هامك!
فتحت عينيها بعدم تصديق من حديثه الطاعن لها، فصرخت به بحدة: انت اتجننت! انت سامع نفسك بتقول إيه! انت بني آدم مش محترم.
استمع لها بغضب عارم وكاد أن يتحدث إلا أنها قاطعته وهي تُوجه سبابتها في وجهه: كلام بيني وبينك من هنا ورايح مش عايزة انت سامع! لسانك مش هيخاطب لساني لحد ما نخلص القضية الزفت دي وكل واحد بروح لحاله.
شعر بالغضب منها والضيق من ذاته، لا يعلم ما ذلك الضيق الذي انتابه عند رؤيتها تضحك وسط كَم هؤلاء الرجال، لكن ما كان يجب عليه محادثتها بتلك الطريقة، زفر بقوة ثم رآها تذهب بعيدًا عنه وتجلس في نهاية الكهف، مما أشعره بحقارته معها في الحديث حقًا.
توتر عندما توصل لمعنى واحد لإحساسه، وهو الشعور بالغيرة، هو يعلم تلك الأحاسيس جيدًا، لكن لماذا هي!
قرر مُصالحتها والإعتزار عما ب دَر منه، لذلك توجه ناحيتها مُقدمًا قدم ومُؤخرًا الأخرى، حمحم بتوتر لتُدير هي وجهها للناحية الأخرى لا تريد رؤيته.
جلس أمامها ثم بادر بإعتذار وصوت خفيض متوتر: أنا أسف.
نظرت له بطرف عينها لتجده يُطالعها بإعنذار وندم حقيقي، يبدو كالأطفال حقًا، لكنها صممت على موقفها فأدارت وجهها للناحية الأخرى دون أن تُجيبه، ليُبرر هو موقفه: ما هو انتِ برضه مكنش ينفع تضحكِ بصوت عالي كدا! انتِ مسؤولة مني دلوقتي وأنا مقبلش إن راجل يبص عليكِ وانتِ بتضحكِ كدا.
قرع قلبها بشدة، وتوترت أنفاسها، حديثه العفوي أيقظ بها الكثير من المشاعر المدفونة، ودون أن يشعر تفوه بعفوية: انتِ دلوقتي قدرك بمكتوب بقدري، واللي يبصلك بصة مش كويسة أنا ممكن أخلص عليه.
أمِن الممكن أن توجد كل تلك اللطافة في إنسان واحد، ورجل! هكذا حدثت نفسها، أخطأ وغضبت منه لكن بالنهاية جاء ليعتذر، بل ويُبرر خطأه أيضًا، صفة عظيمة ليست موجودة في معظم الرجال، وحظها أوقعها مع ذلك الرجل الحنون.
عندما طال صمتها، صمم في مُصالحتها لينظر لها بحزن: خلاص بقا متزعليش، حقك عليا.
ولاإراديًا وجدت نفسها تبتسم بعفوية، وكيف لا وهي أمامها هذا الكَم الهائل من اللطافة والحنان بآنٍ واحد! خرج صوتها ضعيفًا وهي تُجيبه: خلاص مش زعلانة، بس أوعدني مش هتزعقلي تاني.
تهللت أساريره وشعور السعادة غزا قلبه، ليردف مُسرعًا وهو يهز رأسه بنفي: حرّمت واللهِ.
ثم مد يده في نية لإكمال المصالحة: صافي يا لبن!
صافحته وهي تبتسم بسعادة من ذلك الشعور الغريب الذي تشعر به ثم أردفت: حليب يا قشطة.
للنقاء هالة خاصة من السحر، ذلك الشعور اللذيذ الذي تستشعره لمجرد رؤيتك لطفل صغير، استشعرته هي عند وجود ذلك الرجل الثلاثيني، وهنا تأكدت بأن النقاء يكمُن في القلب، في الشعور، في المُعاملة.
(أنا بحب ريان أوي! ).
التوتر والقلق هما سيد الموقف الآن، يقف محمود على أعتاب منزل والدي ميران وهو يشعر بالتخبط الخوف الشديد، الخوف من رفضه، من رؤيته غير مناسب لأبنتهم الغالية، رغم أن تعليمه عالي وحاصل على شهادة كلية الهندسة؛ إلا أنه بالنهاية يعمل كيميكانيكي في حارتهم، استجمع شجاعته الهاربة ثم طرق على جرس الباب مُنتظرًا بعض الوقت.
في الداخل، كان فوزية جالسة بجانب إبراهيم وعلامات الحيرة ترتسم على وجهها، ثم تسائلت بحذر: وانت رأيك إيه يا إبراهيم!
تنهد بصوت عالي حائر وهو يهز كتفيه: والله ما انا عارف يا فوزية، اللي ربنا كاتبه هو اللي فيه النصيب.
قاطع حديثهم القصير صوت قرع الباب ليقف إبراهيم مستعدًا لفتحه، وذهبت من خلفه زوجته، استقبل إبراهيم محمود بود ثم أدخله للمنزل ليجلسوا ثلاثتهم على الأريكة.
جلسوا يتحدثون حول أشياء عملية لبضعة دقائق قليلة، ثم حمحم محمود بحرج قبل أن يبدأ حديثه بصوت خافت: طبعًا أنا عارف أن أمي كلمت حضرتك في الموضوع اللي أنا جايلك فيه!
أومأ له إبراهيم بهدوء وكذلك فوزية، مما شجعه على الحديث أكثر: وأنا جاي النهاردة عشان أطلبه منك تاني، عمي إبراهيم أنا طالب إيد بنت حضرتك ميران، عايزها تكون زوجة ليا وأم لأولادي، وأنا أكيد هتقي ربنا فيها.
وظروفك!
سؤال طبيعي يخرج من فمه الوالد في مثل تلك الجلسات، ليُحمحم مُجيبًا إياه بثقة: طبعًا حضرتك عارف إني خريج هندسة ميكانيكا، وعندي ورشة خاصة بيا، وبفضل الله عرفت أكوِّن نفسي وأعمل بيت عيلة جديد لأمي بعد ما بيتنا القديم اتحرق، وراتبي مش قليل ولا كتير عشان مكدبش عليك، لكن أنا قادر إني أبني بيت وأصرف على زوجتي من مالي الخاص. وشقتي جاهزة مش فاضل غير التشطيب.
أحبَّ إبراهيم ثقته بنفسه كثيرًا، وكفاحه وطموحه منذ الصغر، هو يعلم أنه شاب طموح ومجتهد، لذلك أعطاه فرصة للمجئ، تحدث وهو يبتسم براحة: أنا عن نفسي معنديش مشكلة، انتِ إيه رأيك يا فوزية!
ابتسمت فوزية بإتساع قائلة بلهفة: موافقة طبعًا، دا محمود زي ابني.
علي بركة الله، كدا مش فاضل غير رأي العروس...
وما كاد أن يُنهي جُملته حتى وجد ميران تخرج من الغرفة وهي تطلق الزغاريط العالية التي صدحت في الأرجاء بشكل مدوٍ، لتقف بجانب محمود ثم سألته مُتلهفة: الفرح امتى!
حمحم إبراهيم بشدة ليُجذب إنتباهها، ثم وجَّه حديثه ل محمود مردفًا بإستنكار: طيب سيبها يومين يابني تفكر أصلها مكسوفة.
قهقه محمود عاليًا بسعادة لا يُصدق ما حدث من تلك المُغفلة للتو، بينما شاركته فوزية الضحك وهي تنظر لإبنتها بيأس من أفعالها الحمقاء تلك.
نظرت ميران بضجر لأبيها ثم دبَّت الأرض بقدمها لتقول: يا بابا يومين إيه أنا أصلًا موافقة!
ارتدى أبيها قناع الحِدة الزائفة على وجهه رغم سعادته لفرحة إبنته، ليقول بصرامة لها: ادخلي يا بت أوضتك ومتخرجيش غير لما أقولك.
نفخت بغيظ ثم اتجهت ناحية غرفتها، لكن قبل أن تدلف للداخل إستدارت لتغمز بمشاكسة ل محمود الذي فتح عيناه بصدمة واضحة، وحقًا ودَّ لو يضحك عاليًا عليها.
نظر إبراهيم ل محمود بيأس ثم تحدث: معلش يابني لسه عيَّلة ومخها صغير.
همس محمود داخله والشوق يقتله لأخذها بين أحضانه: أحلي وأجمل عيْلة في حياتي.
ثم استمع لحديث إبراهيم الجاد والذي تحوَّل كُليًا: بس مفيش أي حاجة هتحصل غير لما أختها غزل ترجع لينا بالسلامة.
هز رأسه بتفهم ثم أردف بعقلانية: أكيد يا عمي، أنا مُتفهم حضرتك طبعًا ومعنديش أي مانع.
تشكلت إبتسامة مُرتاحة على وجه إبراهيم ثم تحدثا قليلًا، وبعدها أستأذن محمود للذهاب لمُباشرة أعماله المُتعطلة، ودعَّه إبراهيم حتى الباب، ثم همس برجاء: ربنا يرجعك وسطنا تاني يا غزل يا بنتي.
القلب يهوى الحنان من العدمِ، والنبضُ يزدادُ إرتفاعًا بالقربِ، ويا روح اقتربي لتستمعِ، فذلك الحنون يختطفُ الفؤادِ والقلبِ.
بعد ذهاب أهلها؛ صعدت هي مع بدر وعلى محياها أبتسامة سعيدة، وأخرى ممتنة، دلفا للغرفة ليستديرُ لها بدر سائلًا إياها: انبسطي!
لم تُجبه بحديثها، بل احتضنته بدفئ، وذلك العناق كان بمثابة الرد على سؤاله، والإجابة كانت رائعة، بل أكثر من رائعة، إنها جميلة بجمالِ عينيها.
أحاطها بقلبٍ نابض، شدد على عناقها بقوة حتى كاد أن يُدخلها في أضلعه، سمع همسها وهي تهمس بإسمه: بدر!
عيوني!
بحبك.
أخرجها من أحضانه وهو ينظر لها بعدم تصديق، ماذا قالت للتو! هل قالت أحبك أم أنه توهم ذلك! أراد أن يتأكد بأنه في حالة جيدة ليسألها ببلاهة: جولتي إيه!
أخفضت رأسها بخجل شديد، لا تعلم لِمَا أخبرته الآن، لكن هذا ما تشعر به حقًا، هزها مرة أخرى يسألها بإلحاح: جولي يا نوال جولتي إيه!
رددتها مرة أخرى، لكن تلك المرة وهي تنظر داخل عيناه بنظرات لامعة شغوفة: بحبك يا بدر.
أنهت جملتها لينتهي صبره معها هو الآخر، أخذها في أول جولة من جولاته العاشقة، مُخبرًا إياها بعشقه لها وسط سطوته عليها، ليُذيبها معه داخل أمواج الحب، الحب الناتج من الحنان، الإهتمام، الإحترام، وأخيرًا الود، لتُصبح هي زوجته قلبًا وقالبًا، شرعًا وقانونًا، وهنا تُسطر بداية عشقهم، بعيدًا عن العالم، ليُشيدوا عالمًا خاص بهم، عالم بدر العاشق ل نوال.
عندي ليكِ خبر ب اتنين جنيه.
هكذا تحدث معتصم بحماس في الهاتف ل سجود التي جعدت وجهها بأستنكار: خليهولك احنا مش بنشحت.
قهقه بخفة ليؤكد لها حديثه: بجد والله عندي ليكِ خبر مهم واستاهل عليه جايزة.
فكرت سجود قليلًا قبل أن تقول: اسمع الخبر وافكر في الجايزة.
بدأ معتصم في سرد ما يود قوله، مُتحدثًا بهمس وهو ينظر حوله كأنه سيقول سر حربي خطير: أبوكِ وأعمامك جُم عندنا على أساس إنهم يتفاوضوا ويلاقوا حل لقضية ريان و غزل، بس اللي عرفته إنهم اتخانقوا خناقة كبيرة أوي وفِضلوا يهلفطوا بشوية كلام كدا غريب لما أفهموا هقولك.
مطت شفتيها بتعجب قاطبة جبينها بإستغراب: كلام إيه دا يا صاصا! جرب تقولهولي وأنا هحاول أفهم.
إيه رأيك نتقابل وأحكيلك!
هكذا أردف بعدما سيطرت عليه رغبة عارمة في مقابلتها ورؤيتها أمامه بعد يومين، أشتاق لها حد الجنون، لكن كأصدقاء،!
فكرت قليلًا فكان هو على أعصابه ينتظر ردها، لترتاح ملامحه عندما اردفت ب: أوك، نصاية وهقابلك في المكان بتاعنا.
انتشرت السعادة على محياة ثم تمتم: اشطا هستناكِ يا قمر انت، سلام.
ضحكت بخفة على حديثه ثم أغلقت معه ثم جلست لتُفكر في خدعة لتُخبر بها والدها حتى تستطيع الخروج.
أما هو فلا يعلم لِما أراد رؤيتها، الفكرة أكبر من كونها مجرد صديقة بل أكبر من ذلك، لدى سجود مَعَّزة خاصة منذُ الصغر، ازدادت عند الكِبر، خاصةً أنها الوحيدة التي تُعاونه على المرور من أزماته، تقف بجانبه وشدتها كشدة ألف صديق، لذلك قدرها في قلبه كبير، يخشى أن يكون شئ آخر فتنتهي صداقتهم عند معرفتها، لكن هل سيستطيع الإبتعاد حقًا إذا طلبت منه هذا! وكانت الإجابة الحاسمة هي «لا».
تجهز وارتدي ثيابه السوداء، ثم رشَّ ببزخ من عطره الذي يعشقه والذي كان من إختيارها هي، هبط للدرج مسرعًا ليصطدم بجسد ظهر أمامه فجأة، استمع لتأوه انثوي لينظر لمصدر الصوت ليجدها خطيبته ني ين، جعد جبينه بضيق وظهر التأفف على محياه، لم تهتم لتعابيره البادية والواضحة بشدة؛ بل اقتربت منه أكتر وكأنها تُعدل من ياقة قميصه، متحدثة بوقاحة وهي تقترب منه أكثر: وحشتني يا عصومي، بقالك كام يوم مش بتكلمني ليه! موحشتكش!
همس داخله وهو يجز على أسنانه: وحشك قطر يا بعيدة، أنا قرفت من رزالتك.
رسم بسمة صفراء على محياه، ثم أنزل ذراعها عن ياقته متحدثًا بإستفزاز: عن اذنك يا ني ين عندي مشوار مهم.
همَّت أن تتحدث لكنه سبقها وهرول نحو الخارج، حامدًا ربه بأنه استطاع الفرار منها، بينما هي نظرت لأثره بغضب وهي تحز على أسنانها بغيظ: ماشي يا معتصم، إما أشوف أخرة المعاملة دي إيه! ويا ويلك لو كان اللي في دماغي صح.
خرجت من تفكيرها ثم أكملت صعودها نحو الأعلى لوجهتها المحددة وهي زهر، صديقتها البلهاء التي تزوجت من فارس، ذلك الشاب الذي أُعجبت به في البداية، لكن جاء هو ليُحب صديقتها التي كانت أفضل منها في كل شئ، وهي ستسعى لتخريب حياتها.
وصل معتصم للمكان الذي من المُفترض أن يتقابلا فيه هو و سجود، لم تأتي بعد لذلك استند بظهره على تلك الصخرة التي تُظهر جزء من المدينة بمظهر جذاب وساحر، تنهد بهدوء وهو ينظر للشمس التي على وشك الغروب، تخيل لو كانت هنا؛ لكانت اختلطت عيناها مع خطوط الشمس الصفراء مُعطيًا لها مظهرًا رائعًا.
وكأن ما يتخيله أتى ليتحقق أمامه، فها هي أتت بإبتسامة جميلة تُزين ثغرها، وامتزجت اشعة الشمس مع عيناها الخضراء لتكون زيتونية اللون، اللون الذي يعشقه لكن في عيناها فقط.
استقبلها وهو يَمد بيده لها ليمنعها من الإنزلاق في أيًا من الأحجار، امسكت بيده ثم سحبها لتكون أمامه مباشرة، وهنا تعامدت أشعة الشمس على حجراها الكريمان، ليخفق قلبه بغتةً من سحرها، وللمرة الثالثة يُعلق على جمال عيناها: عنيكِ!
ابتسمت بيأس ثم أردفت تزامنًا مع حديثه الذي حفظته: بتسحر.
استفاق على صوت ضحكاتها ليجدها تقول بضحك: خلاص حفظت الكلمة والله.
حكَّ عنقه بحرج ثم ابتسم إبتسامة بلهاء ليُداري حرجه، ليجدها تلتفت له بحماس: ها كمَّل بقا السر العظيم اللي كنت عايز تحكيهولي.
أحاد ببصره عن عينها بصعوبة ثم بدأ يسرد ما فهمه من على فم ابن عمه شهاب: بصي هو اللي انا في فهمته، إن فيه حد في عيلتكم قتل أم فارس ابن عمي.
شهقت بعدم تصديق وهي تضع يدها على فمها بذهول، الآن فهمت سبب العداوة الشديدة بين العائلتين، لكن لم تكن تتوقع أن السبب بهذا السوء، تحدثت بذهول: يالهوي يعني احنا عيلتنا قتالين قُتلة.
ظنت بأنه سينفي ليُهدئ من روعها، لكنها أكد لها وهو يهز رأسه بالإيجاب: أيون، دا حقيقي.
ضربته على ذراعه بضجر ناظرة له بإشمئزاز: سيبني أعيش الدور وخليني مصدومة.
لوى شفتيه بسخرية وهو يرفع حاجبيه بإستنكار: قال البت بتحس يعني ومرهفة المشاعر!
كشرت عن أنيابها في تهديد صريح له: عندك إعتراض!
اصطنع الخوف وهو يعود بظهره للخلف: انتِ أكتر حد برئ شوفته في حياتي.
ابتسمت؛ لتعود إلى حالتها الطبيعية ثم وقفت ناظرة للمنظر الطبيعي الذي أمامها بإبتسامة جذابة: فاكر يا معتصم زمان واحنا صغيرين لما كنا بنيجي هنا لنفس المكان لوحدنا! رغم إن هلنا منعونا عن دا.
ابتسم بخفة عند تذكره لتلك الأيام، ثم نظر لها بتمعن: ممنون للأيام دي واللهِ عشان عرفتني عليكِ.
بادلته إبتسامة جميلة أهلكته، بات قُربها منه يُشكل له خطرًا كبيرًا، اعتدلت في وقفتها؛ لكن ولسوء حظها تعرقلت في بعض الأحجار حتى كادت أن تسقط، التقطها معتصم سريعًا، وحال بينها وبين الأرض الصلبة، كان ذراعه تُحيط بخصرها، واليد الأخرى موضوعة على وجهها، حتى باتا مُقتربان بشدة.
خفق قلب معتصم بشدة حتى كاد يخرج من محجره، قُربها خطير، وهي مُهلكة، شعر بإنجذاب تجاهها، أراد أن يقترب أكثر ليشعر بها بين يديه، هي الآن ليست صديقة بالنسبة له، بل أكثر.
وعلى بُعد آخر، تشكلت تلك الإبتسامة الخبيثة والحاقدة على فم الآخر وهو يقوم بإلتقاط بعض الصور لهؤلاء العاشقان بالنسبة له، نظر للصور بين يديه ليقول بغل وحقد: إما نشوف طه أبو زيد هيكون مبسوط وهو شايف بنته في حضن معتصم بكر النويهي ولا لأ،!