رواية لمن يهوى القلب الجزء الثاني (بعنوان: مذاق الحب والألم) بقلم فاطمة حمدي الفصل الرابع عشر
انتظر أدهم كثيرًا في رواق المستشفى بأعصابٍ تحترق وهو يسير جيئة وذهابًا وهو يردد بفؤاد قلق:
-يارب عديها على خير واشفيها يارب ..
مرّت ساعة كاملة على خروج الطبيب من الغرفة وهو يقول بلهجة مهنية:
-خير يا فندم الحمدلله المدام كويسة جدًا عملنا لها غسيل معدة وهي بخير ..بس لازم ترتاح راحة تامة ..
تنهد أدهم بارتياح وردد:
-ألف حمد وشكر لله ..
ثم ولج بعد ذلك إلى الغرفة التي تضم زوجته النائمة بارهاقٍ تام وقد شحب لون وجهها تماما، ليقول برفق:
-حمدلله على السلامة يا ملوكة ..
كانت مرهقة للغاية لم تقو حتى على الرد، ليتابع مبتسما؛
-كنت هموت وراكي لو جرالك حاجة ..
بينما يستكمل:
-طبعًا تمارا اللي عملت العملة دي والله ما أنا سايبها وآخر يوم لها في القصر النهاردة المتخلفة دي ..!
ازدردت ملك ريقها بصعوبة وتكلمت بخفوت:
-إنسانة بشعة ..بشعة ...
-هجبلك حقك منها يا حبيبتي بس ارتاحي ومتفكريش كتير الحمدلله عدت على خير ..
أصدر هاتفه رنين ..فنظر لها وقال على عجل:
-دي ماما ..أكيد عاوزة تطمن عليكي ..
أنهى كلامه وأجاب على الفور:
-أيوة يا ماما ..
فأسرعت چيهان تهتف ببكاء:
-الحقني يا أدهم ميرال في المستشفى ..
فنهض أدهم قائلا بهلع:
-إيه ميراال!
-أنا رايحة في الطريق حصلني على هناك أرجوك مستشفى ******
أغلقت الخط بينما قالت ملك بقلق:
-في إيه يا أدهم؟!
-ميرال في المستشفى ..مش عارف أعمل إيه أسيبك إزاي دلوقتي!
-لا حول ولا قوة إلا بالله ..إيه اللي بيحصل بس ! روح يا أدهم أنا اتحسنت وبتحسن روح لميرال ومتقلقش عليا ..
فما كان منه إلا أن قال باستسلام:
-هوصي الممرضات عليكي وهطمن عليكي بالتلفيون يا حبيبتي سلام ..
بعد مرور ساعة من الزمن ..
قد انتقلت "ميـرال" من غرفة العمليات إلى غرفة أخرى ...وفي لهفة كبيرة هرول إليها "علي" وهو لا يعلم كيف سيواسيها في محنتها تلك ..
لكنه صُدم حين نظر إلى وجهها الباكي.. وملامحها الشاحبة الأليمة ..
فكانت الدموع كأنهارٍ تجري على خديها بحزن شديد ..
نزف قلبه وجعًا وهو يقترب منها ويجلس جوارها ..ثم ينحني عليها مقبلًا رأسها بصمت ويربت على وجنتها برفق ..
ثم يمسح دموعها ولم يتحرر من صمته بعد ..فقط ينظر لها باعتذار ..نظراته كانت تعتذر لها فلم تستطع شفتاه النطق ..
وبادرت هي تقول بألم واختناق من بين دموعها:
-ليه يحصلي كدا يا علي ..ليه كدا ليه ..
فهدئها قائلا برفق:
-إرادة ربنا يا حبيبتي.. لازم نقول الحمدلله..
تعالت شهقاتها وهي تخبره بمرارة:
-ربنا رزقني وكنت هبقى أم بس چنا السبب ..چنا اللي بتكرهني بدون سبب ..عمري ما هسامحها يا علي عمري ..
ازداد بكاؤها المرير ليزداد ضمه لها وهو يحاول رفعها إلى حضنه ولو يستطع إدخالها إلى قلبه لأدخلها !
قال لها بصوت مختنق:
-طب إهدي بس يا حبيبتي.. إهدي ..اللي حصل حصل وإن شاء الله ربنا هيعوضنا تاني أكيد ..
تمسكت به ..وعانقته بحزن ..بينما تهمس له بغضب:
-وممكن ميحصلش حمل تاني ..وممكن أعيش طول عمري بتألم كدا ..وهعيش طول عمري يا علي حمل عليك ..وحمل تقيل أوي ..
كاد يتكلم لكنها قاطعته وهي تتشبث به أكثر:
-متتكلمش يا علي متقولش حاجة ..دي حقيقة يمكن تكون دلوقتي متقبل وضعي بس بعد كدا هتزهق وهيبقى معاك حق هو فيه حد يستحمل كل دا ؟أنا فعلا مكانش لازم أتجوز يا علي ..
أبعدها عنه قليلا حتى يتمكن من رؤيتها... فيما يقول بغضب دفين:
-أنا راضي ..والله راضي ليه مصرة تحسسي نفسك الإحساس دا؟ كفاية كلام في الموضوع دا وكمان مش وقته دلوقتي يا ميرال ..تخفي وتقومي على رجليكي وبعدها إبقي إعملي اللي أنتِ عاوزاه ...
فُتح الباب بعد ثوان وولجت منه السيدة چيهان التي راحت تهتف في تلهف:
-ميرال حبيبتي.. ميرال.
اندفعت إليها وجلست جوارها بعدما نهض علي عن مجلسه جوارها، وراحت تربت على رأسها بقلق ..لتقول ميرال بانهاك:
-متقلقيش يا ماما ..أنا كويسة يا حبيبتي..
-كويسة إزاي؟ .. أنتِ مش شايفة اللي فيكي يا ميرال ؟!
ثم التفتت إلى علي وقد نهضت بعنف:
-إزاي بنتي يحصل فيها كدا ؟, أتفاجئ إنها حامل وسقطت على ايديكم في البيت أنت والست والدتك ؟ أنت إيه فاكر إني رميتها ليك؟
كاد علي أن يتكلم بغضب ..لكن ميرال التي تكلمت وهي تمسك بطنها من الألم:
-ماما !, إيه اللي بتقوليه دا ؟علي معملش معايا غير كل خير يا ماما من فضلك بلاش كدا ..
تنهد علي بصبر ..بينما واصلت چيهان:
-والدته قالتلي برا إنك اتزحلقتي في الزيت.. ممكن أفهم الزيت دا جه منين؟!
نظر علي إلى والدته التي دخلت الآن بارتباك ..ولم يرد عليها وصمت بحيرة ..بينما قالت سميرة بارتباك هي الأخرى:
-الزيت وقع غصب عني على الأرض يا مدام چيهان ولما ميرال دخلت المطبخ مكنتش لحقت أمسحه وحصل اللي حصل ..
نظرت الأم إلى ابنتها باشفاق ..بينما يلج أدهم في هذه اللحظة وهو يلهث بعنف ..
تقدم من شقيقته وهو يسألها من بين أنفاسه اللاهثة:
-ميرال حبيبتي.. أنتِ كويسة؟
أومأت ميرال برأسها وأخبرته:
-كويسة يا أدهم ..
بينما تقص عليه والدته كل شيء بعصبية تامة وتختم كلامها بـ:
-ميرال هتيجي معانا لازم ترتاح بعيد شوية ..
وتكلم أدهم صارمًا بشدة:
-هي دي الأمانة اللي أخدتها يا علي ؟, هو دا وعدك بإنك تحافظ عليها ؟!
تحرر علي من صمته وقال بصرامة مماثلة:
-الكلام دا موجه ليا أنا؟ بأي حق حضرتك بتوجهه ليا ؟! ميرال من يوم بقت على ذمتي وهي في عنيا وقلبي وأظن أي حاجة بتصيب الإنسان دي بتبقى قضاء وقدر ..أنت بتتهمني بإيه دلوقتي؟!
-بتهمك إن حد حاول يسقطها يا أستاذ علي ! وحكاية الزيت اللي وقع من الست الوالدة دي حكاية هبلة .. !
أردفت ميرال في هذا الحين قائلة:
-أدهم !
بينما يلتفت لها بغضب وتقول هي بحدة:
-ماتتكلمش مع علي بالأسلوب دا وعلي مش غلطان في أي حاجة بيقولها ..علي أكتر واحد حافظ عليا ولو سمحت يا أدهم مش هسمحلك تكلمه بالطريقة دي، أنت طول الوقت مشغول بمشاكلك مش بتسأل عني وعن حالي إلا قليل جدا وماما مؤخراً كمان مبقتش تهتم بيا زي الأول ..الناس كلها مشغولة إلا علي مشغول بيا وعمره ما زعلني في حاجة ..بعد كل دا بتلومه على إيه ؟
تستكمل أدهم بضيق:
-مش معنى إني انشغلت عنك شوية يبقى تكلميني كدا يا ميرال !, أنا أخوكي ومن حقي أطمن عليكي وأعرف أنتي عايشة إزاي ولو قصرت معاكي ميمنعش إني سندك وضهرك ..وأخوكي اللي بيخاف عليكي وهحميكي لآخر نفس فيا ..
ليتكلم علي في عصبية شديدة:
-تحميها من مين ؟! دي مراتي ..أنا اللي أحميها من العالم كله ..لو سمحت متقولش كلام أنت مش عارفه ...
تدخلت السيدة چيهان في الحوار قائلة:
-خلاص يا أدهم ..خلاص يا علي ..أنهوا الحديث دا دلوقتي.. ميرال قالتلك الخلاصة يا أدهم أي كلام بعد اللي قالته مالوش لازمة ..بس بعد إذنك يا علي أنا هاخدها عندي كام يوم تسترد صحتها على الأقل عندي وأعوض تقصيري اللي فات معاها ..هسيبك تتفاهم مع ميرال وهنستنى كلنا برا ..يلا يا أدهم ...يلا يا حاجة سميرة ...
بالفعل خرج الثلاثة وبقي علي بصحبة ميرال وحدهما، اقترب منها مجددا ورفع نصفها العلوي بذراعه وإلى حضنه مباشرة، استنشق رائحتها بعمق وأغمض عيناه، يخشى أن تبتعد عنه، هم لا يعلمون ما مدى هوسه بها ..لا يفقهون شيئا !
وجودها معه جنة وبعدها نار ..ومرضها لم يكن عائقا لحبه قط ..
ليتها تعلم ذلك ليت الجميع يعلم !
كانت ميرال تبادله العناق رغم أنها تتألم من وضعيتها وقبضته عليها ..إلا أنها استسلمت له ..بينما تهمس:
-علي ...
-هتروحي معايا في بيتنا ومش هسيبك أبدا تروحي معاهم إنتي سامعة؟
هكذا بادر بقوله المُتملك ..لتتأوه بين يديه قائلة بتعب:
-علي أنت عارف أنت إيه عندي ..بس ..
-بس إيه يا ميرال؟
لتقول وقد اغرورقت عينيها بالعبرات:
-أنا هروح معاهم يا علي ...
في مكانٍ عام ..
تقابلت تمارا مرة أخرى مع شـادي ..بينما تمد يدها له بورقة مطوية وتخبره بجدية:
-شيك بـ ٢ مليون جنيه ..وبكدا أكون نفذت طلبك ومش عاوزة أشوف وشك تاني ..
شادي متهكما:
-بس دا قليل على اللي عملته !
-قليل دا إيه؟ ..بلاش طمع يابيبي وبلاش تبص لفوق أكتر من كدا عشان متقعش على جذور رقبتك .. !
ضاقت عيني شادي بوعيد ..وقال:
-ماشي يا قلب البيبي ..مقبول منك ..
انصرفت تمارا قبيل أن ترمقه بسخرية وتقول:
-من غير سلام ..
ضحك شادي وهو ينظر إلى الوصل الذي بيده وقال بشراسة:
-مغفلة يا تمارا ..فاكرة إن السم مفعولة قوي وعدوتك هتموت ...ههه كل الحكاية شوية مغص وبغسيل معدة هتبقى فُل الفُل ! وأنتي بقى وشرفك ..دورك جاي !
طرقات قوية على باب منزل السيدة فوزية ..فتحت في سرعة فإذا بإبنتها رغدة في حالة يرثى لها ..
ندبات متفرقة في وجهها وذراعها يبدو أنها كُسرت جراء ما فعلوه هؤلاء بها ..
وبكاؤها المرير الذي ازداد وهي ترتمي بين أحضانها وتردد بحسرة:
-الحقيني يا ماما ..