رواية لعبة عاشق بقلم يسرا مسعد الفصل الثامن والعشرون
الحب ماهو تعريف الحب ؟
ذاك السؤال الذي تسابق لأجله الفلاسفة والكتاب والشعراء بل وحتى العامة لتعريف ماهية الحب والحب في نظر البعض میزان بين الاجتياح والاحتياج وإذا ما أختل الميزان كان الحب ضعف والأنثى ضعيفة باحتياجه والذكر ضعیف باجتياحه ولا عزاء وقتها للكرامة غير أن الدرس الأقسى الذي تعلمته أنه لا غنى عنها حتى مع الضعف المباح بإسم الحب ومع ذلك هي باكية تعلن ضعفها وتلعنه بعبرات تهطل حتى انتصف الليل دلفت أمها لحجرتها وهي تمتم بجزع:
- بسم الله الرحمن الرحيم، مالك يابنتي يا حبيبتي ؟
والسؤال بحاجة لإجابة شافية غير أنه الإجابة حاضرة مع غياب لمعة خاتم الخطبة فأمسكت أمها بكفها وعلت الشفقة نظرة عيناها فالتفتت لها سالي:
- مش عشان كده، ده الصح، من الأول كان الغلط عليا إني وافقت تنهدت أمها وربتت على كفها:
- وبتعيطي ليه طيب ؟- عشان ما ابتعلمش قالتها هامسة وأردفت بغضب وهي تسترجع الأحداث القريبة لتلك الليلة:
- غبية وضعيفة ومهما أعمل هيفضل ماسكني من إيدي اللي بتوجعني تأملتها أمها مليا حتى قالت:
- وهتعملي إيه، هيا الدنيا كده، والطلاق عمره ماكان حل سهل وأديکي جربتي ظلت صامتة لفترة ليست بالقصيرة ثم مسحت دموعها بقوة ونفضت عنها رداء الخزي، خزي المشاعر الإجبارية، خزي الأفكار والذكريات الجارحة ونظرت لأمها وقالت بهدوء:
- جربت لكن هو لسه، ومش هرجع بالسهولة دي غير لما يجرب ويعرف ويدوق الوجع اللي اتوجعته عشان يحرم يوجعني تاني لا تعلم كيف انقضت ليلتها ولا تعلم كيف قامت من فراشها الأشعث وبدلت ملابسها وتناولت فطورها بشهية غائبة ولكنها تعلم جيدا خطوات طريقها الذي أتخذته نحو المركز الهادیء في تلك الساعة المبكرة من النهار لملمت أشيائها القليلة وودعت طاقم التمريض ووقفت لبضعة ثوان أمام مكتبه حتى أخبرتها إحداهن أنه لم يظهر بعد فدلفت للحجرة الهادئة وهي تحمل خيبة أمل عظمي فهو كان يستحق وداعا لائقا بكل ماقدمه لها من مساعدة خطت بضعة كلمات لا تغني ولا تداوي غير أنها عرفان بالجميل ستحمله معها حتى آخر العمر وتركتها مغلفة بمظروف أبيض على سطح مكتبه المرتب وبعدها أتجهت للمركز الخيري وتفاجئت عندما أبصرته يقف مع أحد العمال يملي عليه بعض الأوامر فاحمرت وجنتيها بحرج بالغ وتقدم هو منها بطلة هادئة وقال بلطفه المميز:
- أنا جيت أخلص شوية حاجات بسيطة وسيبت على المكتب جوه کشف بأسامي الدكاترة المتطوعين وفلاشة عليها كل الملاحظات وكشوفات الحساب فهزت رأسها ومنعت دموعها من السقوط أمامه قائلة بصوت متحشرج:
- وأنا روحتلك المركز من شوية مالقتكش سيبتلك جواب ممکن تقطعه حتى قبل ماتقراه لأنه عمره ماهيوفي جمايلك عليا رفع رأسه متحاشيا النظر إليها ثم قال بعد برهة:
- أنا كنت عارف وكنت مستني النهاية دي، جزء متغابي جوايا كان بینکرها، مفيش داعي تحملي نفسك الذنب كله لوحدك نظرت له ثم قالت:
- أنت اسم على مسمی فعلا فمد يده ليصافحها قبل أن ينصرف:
- أتمنى أسمع عنك كل خير لقد تخطى الأمر مجرد حادث مرور غير متعمدة بمتجر البقالة القريب وإن كانت كاذبة أوانتظار داخل سيارته أمام البناية التي تسكنها فهو الآن واقفا ببابها يستأذن للدخول بشحمه ولحمه بعد أن أمضي عدة أيام سرا يراقبها حتى اطمأن لاختفاء العقيد من حياتها دون رجعة عقدت حاجبيها وهي تتأرجح بين الرفض والقبول وكانت توشك بالفعل على غلق الباب والرفض القاطع إلا أن صيحة صغيرها المرحبة به فور أن رآه وتعرف عليه:
- عمو أسامة جعلتها تتراجع خطوتين للخلف وتسمح له بالعبور لمملكتها المقدسة ظلت صامتة تراقبه وهو يداعب الصغير وقد حمل له بعض الحلوى وأحيانا يسترق الأنظار لوجهها الخالي من أي تعبير فهو كان تحت المراقبة حتى أمرت صغیرها بهدوء بالانصراف إلى غرفته فرفع أنظاره إليها وهز رأسه وانصرف شاكرا لهدية العم الطيبة ولا تدري هي بأي سابقة استحق بها لقب العم والتفتت له وهي عاقدة الحاجبين كصقر ينتظر الانقضاض على فريسته:
- خیر، جاي ليه ؟
فابتسم لها مشاكسا:
- طب على الأقل مش هتعزميني على فنجان قهوة ؟
لم تبتسم ولم تلن معالم وجهها قيد أنملة وقالت بصلابة:
- أدخل في الموضوع على طول یا باشمهندس لو سمحت أنا لولا أيهم، ماكنتش دخلتك بيتي وأظن أنك تعرف في الأصول کویس ارتسم الضيق على ملامحه وزم شفتيه ثم قال:
- أنا عارف أني غلطت في حقك قبل كده بس محتاجك تسمعيني وأشرحلك . . . قاطعته:
- مش عاوزة أسمع حاجة، ولو ده سبب الزيارة فتقدر تتفضل دلوقت لأني ماعنديش وقت أضيعه في لعبة القط والفار دي إحمر وجهه بحنقه البالغ وقال وهو ينفث غضبه:
- ماهو مش طريقة كلام دي یادرية أنا جاي لحد عندك أعتذرلك ضحكت بتهكم:
- ليه كنت دوست على رجلي لاسمح الله؟!
ظل صامتا لوهلة حتى تنهد قائلا:
- أنت مصممة تصعبي عليا الطريق، حقك . عموما هختصر عشان ماضيعش وقتك أنا جاي النهاردة أطلب منك . . . . وصمت مترددا يحاول إيجاد صيغة أفضل لطلبه وهي تراقبه بعيون ضيقة وأوصال بدأت في التململ حتى قال هامسا:
- درية أنا محتاجلك، وأنا آسف على الوقت اللي ضيعته قبل ما أعترف لنفسي الأول أني فعلا محتاجلك وأخرج من جيبة علبة مخملية تحمل خاتما للزواج وفتحها وهو يقول راجيا:
- من النهاردة مافيش لعبة قط وفار، من النهاردة بكل الوضوح اللي في الدنيا بطلب منك، تقبلي تتجوزيني ؟
لم تعلو وجهها ملامح الدهشة كما كان يتوقع أو الفرح كما كان يأمل بل تلك التقطيبة اللعينة التي تزين حاجبيها کناظرة مدرسة ابتدائي في الخمسينات من عمرها ترمق طالبا مشاكسا أخطأ مرات عديدة حتى قالت بصوت قاطع مختصر:
- لاء وتابعت رغم ملامح خيبة الأمل المعلنة على صفحة وجهه:
- أنت محتاج تلاقي نفسك الأول، وفي الأصل أنا مش محتجالك ولا محتاجة لأي راجل في حياتي ماعنديش إستعداد ولا حتى الطاقة اللي أشيل بيها مسئولية حد غير نفسي وولادي فهتف سريعا مؤكدا:
- أنا مش عاوزك تشيلي مسئوليتي أنا مش عيل صغير، بالعكس أنا عاوز أكون جمبك ونعيش حياتنا سوا أغمضت عيناها وارتسمت مرة أخرى ابتسامتها الساخرة على جوانب ثغرها وقالت وهي تهز رأسها رافضة:
- الجواز في الأول والآخر شركة، اتنين بيشيلو بعض وأنا مكتفية بنفسي وبولادي وقامت وأردفت لتنهي تلك الزيارة الغير متوقعة:
- حياتي يا أسامة مالكش فيها مكان أخفض عيناه بخزي واضح وأغلق العلبة ووضعها مجددا في جيبه وقال:
- ولا تقصدي ما استحقش فيها مكان ابتعدت بأنظارها عنه وقالت هامسة:
بإختصار ماينفعش أيا كانت الأسباب والأفضل أن كل واحد منا يمشي في طريقه یا هنفضل خطين متوازيين عمرنا ما هنتقابل أو يمكن تتلاقی خطوطنا فقام وظل ينظر لها وداخله محمل بكل المشاعر التي تصطرخ مستجدية التلاقي ومع ذلك وضع على وجهه قناعا باردا يليق بأحد أفراد آل سليم وقال:
- أشوف وشك بخیر يادرية .
من كان يظن أن قالب الشيكولاتة التي حملها أسامة في الصباح تكون في اليوم التالي وظيفة بأجر ثابت بل ومشروع مستقبلي يعد بالنجاح اللامحدود، استيقظت صباحا على صراخ أيهم من ألم ضرسه مجددا فحملته وهي تلعن الحلويات بكافة أنواعها وطيف أسامة الذي رافقها ساعات الليل كاملة لتبلغ اللعنات مداها عندما علمت بترك سالي لعملها بالمركز منذ أيام قلائل ورفض أيهم للكشف عند طبيب آخر حتى أرشدتها إحدى الممرضات لطوق النجاة، عنوان المركز الخيري الذي تمتلكه سالي وما كانت سوی ساعة زمنية حتى تخلص أيهم من آلآمه بالمعدات البسيطة وبيد سالي الماهرة وقالت وهي تبتسم لدرية:
- أول حالة نستفتح بيها، فامعلش بقا أعذرينا لو المكان مش متظبط أوي زي المركز الافتتاح لسه كمان أسبوعين تقريبا فابتسمت لها درية:
- بالعكس أنت نجدتيني أيهم كان مش قابل بدكتور تاني غيرك، بس طالما عندك مرکز ملكك ليه كنت بتشتغلي مع دکتور کریم خلعت سالي قفازها الطبي وقالت:
- أنا الأول كنت بشتغل عنده لحد ما زي ما أنت عارفة حكاية الورث دي ففكرت أعمل بيها مشروع خيري بإسم المرحومة والصراحة دکتور کریم کان بيساعدني وماسك كل الحسابات لكن دلوقت . . . توقفت سالي عن السرد عندما لاحظت إمارات عدم الفهم جلية على وجه درية فقالت بإختصار:
- إحنا فسخنا وماعدتش ينفع يعني نكمل سوا في المشروع فهزت درية رأسها وقالت بهدوء:
- المهم تكوني مرتاحة لقرارك أخذت سالي نفسا عميقا وهزت رأسها:
- جدا، وما أنكرش فضلك عليا في القرار ده اتسعت عينا درية وهتفت:
- أنا؟!
فابتسمت لها سالي:
- یعني، أنت ربنا بعتك ليا عشان تشجعيني رغم أني ماكنتش صاحبة القرار ۱۰۰ %، بس ده الصح فهزت درية رأسها وقالت:
- ولو أني مش فاهمة حاجة من ساعة ما اتكلمتي عن الورث لكن وماله، متشكرة جدا والظاهر أننا خلاص هنكون زبون دایم طالما الأستاذ أيهم مش عاوز يرحم نفسه فضحكت سالي وقالت:
- كل الأطفال كده ولا يهمك وعموما هنا فيه قسم للعلاج بالمجان فامتشليش هم فهزت درية رأسها رافضة عرضها السخي وقالت:
- لا المجان للحالات اللي تستاهله إنما إحنا هندفع فضحكت سالي ساخرة:
- طب خلاص بس الأول تشوفيلي حد يمسك الحسابات وأنا آخد منك ساعتها الفزيتا فلمعت عينا درية وقالت مقتنصة الفرصة:
- أنا أمسكها فهتفت سالي غير مصدقة:
- بجد، وجاسر؟!
فقالت درية:
- أنا سيبت الشركة من حوالي شهر وحاليا زي ما بيقولوا عواطليه فعقدت سالي حاجبيها وقالت:
- لكن أنت لو طلبتي ترجعي جاسر عمره ما هيرفض أنا أصلا مستغربة أنه وافق تسيبي الشغل أخفضت درية عيناها وقالت هامسة:
- عارفة، بس أنا كده مرتاحة أكتر، الشغل مع جاسر متطلب جدا والولاد بيحتاجو مني رعاية أكتر والمرتب اللي هتقولي عليه أنا راضية بيه فمدت لها سالي يدها تصافحها وقالت:
- وأنا أكيد مش هلاقي حد أحسن منك يادرية والعكس بقا المرتب اللي هتقولي عليه أنا اللي راضية بيه ياستي فهتف أيهم الذي كان يتابع الحديث يإهتمام:
- هتاخد خمسميت ألف ومية جنيه فاتسعت عينا المرأتين وتعالت ضحكاتهما وبعثرت أمه خصلات شعره بحب:
- أما أنك مفتري صحيح في كل صباح تنتظر رسائله النصية حتى تستطيع المضي قدما في عملها ولكن مع غياب رنة الهاتف المميزة تبعثرت أفكارها وتشتت حتى أنها لاتفقه شيئا مما تقوله مساعدتها على الرغم من أنها أعادت صياغة حديثها لمرتين متتابعتين فقالت بنبرة اعتذار خالصة:
- سوري بجد مش مركزة في ولا كلمة من اللي بتقوليه ممكن تسيبني شوية لوحدي تركتها المساعدة الخبيرة بمفردها وهي ترمقها بإشفاق إذ بلغ بها التشتت مبلغه، حتى أنها وضعت رأسها على سطح المكتب الترتاح قليلا فعادت لتنقر فوق أزرار الهاتف لتتصل به تلك المرة بإصرار لأن تحصل على رد ولكن ما من مجيب وماهي إلا بضعة دقائق حتى طرقت مساعدتها الباب مرة أخرى فعلت وجهها نظرة غاضبة وقبل أن تسترسل بحديث غاضب قالت المساعدة:
- الطرد ده وصل حالا عقدت حاجبيها بتعجب فهي كانت حمل صندوق مستطيل عریض بلون أبيض يزينه شريط نبيتي من الستان فقامت لتوقع بالاستلام ثم فتحته بلهفة لتطالع ورقة صغيرة خط عليها بخطه الأنيق " ماقدرتش أجيبه أبيض وأنت عاوزاه أوف وايت، یارب يعجبك " فضحكت وهي ترتعش من شدة فرحتها ونفضت الأوراق التي تغلفه برقة حتى طالعت قماش فستان زفاف مطرز رائع الجمال ورفعت أنظارها لمساعدتها التي كانت تصقف بكفيها بجزل واحتضنتها بقوة وهي تقبلها قائلة:
- مبرووووك یا بوس وقطع لحظتهما المشحونة بالمشاعر المختلطة دخوله حاملا باقة زهور حمراء يشاكسها قائلا:
- طب هيا وبس جابتلك الطرد لحد عندك وبوستيها وحضنتيها أنا بقا اللي اشتريته وغلفته بنفسي وجيت بيه هنا بلحمي وشحمي ليا إيه ؟
فضحكت وترقرقت عيناها بدموع الفرحة واحمرت وجنتها وتنحنحت مساعدتها لتنصرف بخطوات مسرعة إلى الخارج فاقترب منها وهمس لها وهو يقبض على كفيها:
- اعملي حسابك الفرح كمان أسبوعين فهتفت غير مصدقة:
- فرح ! هز رأسه مؤكدا:
- ولا ألف ليلة وليلة، إحنا بنفتح سوا صفحة جديدة فضاقت عيناها:
- یعني هتروح تطلبني من بابا فهتف بها ضاحكا:
- واطلب أبوكي نفسه فضحكت وقالت تمازحه:
- بس أنا عاوزاه بالنهار فهز رأسه مذعنا وهو يمسك بكتفيها:
- ولو حتى فوق المريخ، أنت تشاوري بس وأنا عليا التنفيذ.
لم تنتبه لمرور الوقت سریعا برفقة درية بالعمل فالافتتاح منتصف الأسبوع المقبل وعرضت عليها توصيلها لمنزلها بسيارتها وبالتالي تخطت الساعة السابعة عندما توقفت بسيارتها أمام بوابة القصر رفعت هاتفها لتصل بنعمات لتطلب منها مرافقة الصغار للبوابة فاليوم هو الجمعة وكما اتفقت سابقا معه فهذا اليوم المخصص لها لبداية منتصف الأسبوع وهي بالفعل تتحاشى لقاءه ولسوء حظها هاتف نعمات كان مغلقا فترجلت من سيارتها وعبرت البوابة نحو القصر وقفت أمام الباب المعدني الضخم دون أن تطرقة وكأنما هبت عليها نسمة من نسمات ذكرياتها المؤلمة لتذكرها بلحظات قوتها وضعفها في آن واحد.
فمنذ بضعة أشهر فقط كانت تقف متزينة برداء خطبتها ومزدانة ببضعة كيلوجرامات زائدة تنظر له الألم يخترق أضلعها ويفتت مفاصلها من ثم يسحق عظام صدرها وهو يصطحب عروسه الفاتنة ويسير نحوها غير عابیء بشظايا قلبها التي تناثرت مع حبات الملح فوق رأسيهما، ومع ذلك تماسكت بقوة تحسدها عليها الكثيرات ممن قد يوقعهن حظهن العثر بنفس موقعها فلم هي الآن خائفة ترتجف، تهرب من نظرة ونبرة حميمة مسكونة خلف أغنية قديمة وبضعة صور لم تشفع لها عنده برحمة أو بشفقة زفرت الهواء المحتبس داخل صدرها إن كان هو يعمد لذكريات أعوام مضت فهي تعاني من فقدان ذاكرة للأحداث بعيدة الأمد وما تذكره فقط لن يتعدى الأشهر القلائل الماضية طرقت الباب بحزم حتى فتحت لها نعمات واستقبلتها بابتسامة بشوش فخاطبتها لائمة:
- بكلمك تليفونك مغلق فردت نعمات بحسرة:
- وقع اتكسر ماعدتش أشوف زي الأول فربنت سالي على كتفها مؤازرة:
- ربنا يديكي الصحة و الولاد جاهزين تنهدت نعمات:
- من بدري ولما أتأخرتي راحو يلعبوا في الجنينة اللي وره مع باباهم أشارت لها نعمات التقدم فرفضت قائلة:
- هستناهم في العربية ياريت تبلغيهم همت نعمات بالاعتراض ولكنها مالبثت أن هزت رأسها طائعة وانصرفت تاركة سالي تعود أدراجها نحو سيارتها خطت سلمى الباب المعدني جريا نحوما يتبعها سليم برفقة جاسر ودون تفكير أدارت سالي خاتمها الذهبي في إصبعها ليبدو وكأنها لازالت تحمل خاتم خطبتها دفنت سلمى بأحضانها ثم اتجهت نحو سليم الذي كان يحمل حقيبته رافضا أي ملمح من ملامح التقارب الجسدي معها فعلت وجهها خيبة الأمل حتى أنها رفعت أبصارها غاضبة نحو جاسر الذي كان يبدو ملاحظا للتغيرات التي طرأت على صغيره ومع ذلك ظل صامتا وداخلها شعورا بأنه يعزز مشاعر الطفل السلبية نحوها فقالت مرحبة بالصغيران:
- ياله عشان ما نتأخرش أنا عازماكو على العشا فرد جاسر متبسما بلطف- هما اتعشوا خلاص، أصلك أتأخرتي أووي تجاهلت النظر نحوه وقالت لسليم وهي تحاول أن تبرر له سبب تأخيرها:
- معلش مش هتكرر تاني إن شاء الله الافتتاح خلاص الأسبوع الجاي فردد جاسر مستفهما:
- افتتاح؟!
فرفعت له سالي وجهها وقالت بهدوء:
- مرکز خيري لعلاج أسنان الأطفال فضاقت عيناه وهو يقول:
- وياترى أنا معزوم ولا غير مرحب بيا ؟
فردت بهدوء:
- أكيد ومش أنت لوحدك كمان أسامة وزياد معزومين، المركز بإسم والدتك الله يرحمها، ولولا الفلوس اللي سابتها في الوصية ماکنش هيبقاله وجود ارتسمت الدهشة على ملامحه فأردفت لتثير حنقه:
- ومن ناحية ثانية الفضل کمان يرجع لكريم، كانت فكرته أصلا وساعدني كتير وكان دايما واقف معايا في كل حاجة وبالفعل نجحت وأصابت هدفها بدقة بالغة إذ عض على شفتيه وقال حانقا:
- أصلا . . هه . . وأنا اللي كنت فاكر أنه زمن معرفتكم قصير فقالت بإبتسامة حالمة قبل أن تصعد لسيارتها:
- العبرة مش بالوقت ولا أد إيه بقالنا نعرف بعض، العبرة بالتغيير الممتاز اللي عمله في حياتي وأحكمت وثاق حزام الأمان ثم انطلقت بسيارتها مسرعة غير عابئة به ولا بغضبه الذي بلغ عنان السماء حتى أنه ركل كل قطعة حصى مهما بلغت صغرها في طريق عودته للقصر ومع ذلك فهذا الفعل لم يمنحه أدنى قدر من الهدوء وعندما حل موعد النوم احتضنتهم سالي بفراشها وجذبت رأس سليم الذي كان هادئا للغاية إليها وقالت لهما:
- أنا عاوزة أقولكم على حاجة بس تفضل سر مابينا استرعت تلك الكلمات انتباه الصغير فبرقت عيناه ونظرت لها سلمي ضاحكة فقالت سالي:
- آه يا خوفي منك أنت یا رویتر لو على سليم فأنا عارفة إنه عمره ماهيقول حاجة فشجعتها سلمى لتخبرهم بسرها فقالت بنبرتها الطفولية وهي تجذب يدها بإصرار:
- لاء قولي قولي مش هقول مش هقول نظرت سالي لسليم وقالت:
- هيفضل سر یا سليم فهز رأسه مؤكدا لها صامتا وكذلك فعلت سلمى فأردفت سالي:
- أنا خلاص مش هتجوز عمو کریم فاتسعت عينا سليم واشرقت السعادة على وجهه:
ونظر لها غير مصدقا قائلا:
- بجد؟!
فيما نظرت لها سلمى وعيناها معلقة بها بغير فهم فقالت سالي بحنانها الفطري:
- أنتوا عندي أهم من أي حد في الدنيا وداعبت سلیم بصدمة خفيفة لجبهته برأسها قائلة:
- خلاص مش زعلان مني فاحمر وجه سلیم خجلا وقال بصوت خافت:
- أنا بس ماكنتش عاوزك تسيبيني فجذبتهما سالي لأحضانها قائلة بدفء:
- ولا يوم أقدر ثم قالت بنبرة أكثر حزما:
- بس زي ما أتفقنا ده سر مابينا ماحدش يجيب سيرة لبابا عليه فابتسم سليم وكذلك سلمى ظنا منها أن تلك لعبة يلعباها سويا مع أبيهما ظلت تستمع لصحيات آشري المبتهجة وهي تناقش معها تفاصيل حفل زفافها القادم عبر الهاتف حتى قالت بهدوء:
- مبروك يا آشري بجد فرحتلكوا أوي فاعترضت آشري قائلة:
- مبروك حاف ماتنفعش أنا محتجاك جمبي ولا سي کریم خلاص أخدك مني ترکت سالي القلم الذي كانت تعبث به عشوائيا فوق ورقة بيضاء وقالت:
- لااا ماخلاص، إحنا فسخنا الخطوبة اتسعت عينا آشري وقالت:
- وماقولتليش يعني اعتذرت لها سالي:
- بجد كنت مشغولة الفترة اللي فاتت أعمل حسابك حيث أنك أحد المساهمين الإفتتاح بعد بكرة تجيبي الأستاذ زياد وتيجوا في الآخر المركز باسم طنط سوسن الله يرحمها و قالت آشري بسرعة:
- شوور . أكيد ده هيفرح جدا، بجد لفتة طيبة منك ياسالي فابتسمت سالي:
- المهم تيجوا بكرة عشان أعرف اباركلكوا بجد، وأنا هبعت دعاوي على الشركة لأسامة و . . بس بالنسبة لدعوة زياد فهتوصلك النهاردة أنت وهوا على شكركتك في ظرف ساعة كده ضاقت عينا آشري وقالت بمكر:
- أسامة وجاسر فتنهدت سالي وقالت:
- أنا أصلي اتسحبت من لساني وقولتله على حكاية المشروع وكده ولا كده مايصحش كلهم يجوا إلا هوا فقالت آشري بأريحيه:
- عادي يا سالي بس أنا استغربت إنك مش عاوزة تقولي اسمه تنهدت سالي وقالت بشیء من الحزن:
- مش هكدب عليك لو قولتلك أني بحس بنغزة في قلبي لما تيجي سيرته فمابالك لما أنا أتكلم عنه أغمضت آشري عيناها متفهمة وقالت هامسة:
- حاسة بيك، كل خيبة أملك بتتجسد ساعتها بس في حروف الأسم ثم طرقت سطح مكتبها بقوة وقالت:
- مش هنقلبها نكد، بكرة أشوفك على خير، باي.
متأنقا ببذلة رمادية أنيقه تناسب طوله وشحوب جسده مؤخرا وحيدا دلف إلى غرفة الإستقبال الواسعة مظاهر الاحتفال بافتتاح المركز مبهجة للغاية . ولكن ذلك لم يمنحه تسرية مناسبة لما يمر به ولكنه مع ذلك رسم إبتسامة ودودة على وجهه غير متصنعة فهو بالفعل يشعر بالفخر وبالسعادة أيضا لقد تلقي دعوة لحضور حفل افتتاح مركز الأسنان الخيري والذي يحمل اسم والدته الراحلة واتسعت ابتسامته عندما رأى سلمى صغيرته تقفز فرحا بظهوره وتندفع نحوه بصخبها الطفولي حملها وقبلها بشدة افتقاده لها ورفع يده بتحية نحو أخويه واشري المتبطأة ذراع زیاد والتي كانت مفاجأة أكثر من سارة له ثم لمحها تسير بخفة بين مدعويها وسليم متشبث بها كظلها والذي استبقها لتحية أبيه بحرارة هو الآخر تأمل هيئتها لبرهة، ترتدي زيا مكونا من قطعتين بلون أزرق رقيق مطعم بفصوص براقة على أطرافه ووشاحها الفضى يزين رأسها ليمنحها هالة مضيئة تخطف الأبصار ببساطة هي هادئة، واثقة، جميلة لم يستطع خفض أبصاره بل واقترب مال وقبل رأس ابنه ورفع رأسه مرة أخرى ليقول:
- مبروك ياسالي ردت عليه بهدوء:
- الله يبارك فيك وهمت بانصراف أو بالأحرى هروب ولكنه استوقفها قائلا:
- سلمى روحي مع سليم أقفِ مع عمو أسامة، عاوز ماما في موضوع توقفت عن الحراك وعقدت ذراعيها بوضع متشابك غير منتبهة أن يدها اليمنى عرضة لأبصاره التي لم تنتبه بعد لخلو إصبعها من خاتم الخطبة وقال:
- الصراحة أنا فخور باللي عملتيه بالفلوس ابتسمت ساخرة وقالت:
- إيه كنت متوقع اشتری بيهم فيلا وأسافر اتفسح؟!
هز رأسه نافيا:
- لاء، ماقولتش كده بس مانکرش کنت متخيل أنك مش متصرفي الفلوس كلها على المشروع الخيري فقالت وهي تصحح له معلوماته:
- في الحقيقة هو مش بالكامل خيري، لأن أي عمل تطوعي لازمله ميزانية إنفاق عليه، وعشان كده کریم اقترح عليا نعمل فيه فرع علاج بالأجر وبالفعل ده اللي تم قبض على أصابعه فذكر ذاك الكريم لا إدريا يبعث في قبضته الرغبة بلكمه فقال هازئا:
- وياترى الدكتور العظيم فين مش باين في يوم أكيد مهم عندك احمرت وجنتها وقالت حانقة:
- والله عنده شغل وأكید زمانه جاي، ماتشغلش نفسك بيه أوي وانصرفت عنه وهي مصممة ألا تجعله ينال من أعصابها مرة أخرى وتلوم نفسها ألف مرة على توجيه دعوة له ليحضر حفلها البسيط فيما بقي هو يراقب تحركاتها وعيناه في الوقت ذاته متعلقة بالباب المفتوح على مصراعية ومرت ساعة ولم يظهر هذا البغيض، أيكون شجارا ظهر في الأفق بين المحبين، فلذلك هجرها في هذا اليوم الخاص أم أنه بالفعل منشغل بأمر هام وسيظهر في أي وقت وتقدمت منه درية تحييه ببساطتها المعقدة:
- إزيك يا جاسر؟!
التفت لها مندهشا ضاحكا:
- أنت بتعمل إيه هنا ؟
فأطرقت درية رأسها وقالت بهدوء متزن:
- أنا بقيت بشتغل هنا مع سالي، المدير التنفيذي للمشروع وماسكة الحسابات فعقد جاسر حاجبيه مستنكرا:
- ولما أنت رجعت للشغل تاني ما جيتيش الشركة ليه . وبعدين مش کریم ده اللي ماسك المشروع مع سالي؟!
كانت درية تريد اقتناص الفرصة لرفع الحرج عن سالي إذ علم جاسر بأمر عملهما سويا ولكن يبدو أنها أساءت التقدير فقالت بنبرة إعتذار:
- الصراحة أنا اترددت أرجع الشركة لأسباب كتيرة تخصني أكيد، وشغلي مع سالي موفرلي مساحة أقدر أهتم بيها أكتر بالولاد . . . ولادي أقصد فهز جاسر رأسه متفهما وقال:
- براحتك يادرية لكن أكيد أنت عارفة مكتبك في أي وقت مستنيك والشركة دي بيتك مش مجرد مكان عمل فابتسمت درية بحرج وقالت:
- أرجو ماتكونش اتدايقت فهز رأسه مستنكرا وقال:
- في بيتها يادرية هنا ولا في الشركة، إنما ماقولتليش مش کریم ده اللي ماسك المشروع ؟
حاولت درية التملص من استجوابه ومع عين الصقر التي كانت تحاصرها بالطبع لم تستطع فقالت:
- اللي أعرفه إنه ساب المشروع من فترة أي تفاصيل تقدر تسأل فيها سالي فابتسم بمكر وارتشف قليلا من مشروبه وهو يبحث بعيناه عنها حتى لمحها تتجه للشرفة بمفردها فقال وقدماه تتحرك صوبها کفهد يستعد للانقضاض على فريسته هامسا:
- أكيد خرج للشرفة المظلمة ليحصل على رفقتها مرة أخرى ولكنها تلك المرة توليه ظهره ترتجف بانفعال مر زمن منذ أن رآها بتلك الحالة فهمس بإسمها برجاء مصطنع:
- سالی أنت كويسة ؟
التفتت له وقد فزعت وقالت وهي تضع يدها اليمنى على صدرها قائلة بلوم غاضب:
- خضتني، عاوز إيه ياجاسر ؟
عندما تكون أمام لوحة مكتملة الجوانب لا يسعك إلا أن تلحظ ماهو منقوص، وما كان ينقص تلك اللوحة رائعة الجمال بنظره سوی لمعة الخاتم الذهبي الذي كان يعلن أنها أصبحت تنتمي الرجل سواه فاقترب منها بسرعة وأمسك بكفها فجأة قائلا:
- فين دبلتك ؟
جذبت كفها من بين أسر أصابعه المجنونة بالسيطرة كصاحبها وقالت وهي تدفع نفسها بعيدا عنه بتوتر:
- شيء مايخصكش فقال بتصميم:
- اتخانقتوا؟!
فغر فاهها، فهي لم تجهز بعد خطة دفاعية فقالت بعند:
- لاء وبعدين للمرة الأخيرة بقولك مش من حقك تدخل في حياتي الشخصية يا جاسر فقال بمكر وكله رجاء أن يكون ما يحلم به قد أصبح واقعا:
- أومال يعني مش باين كل ده؟!
فقالت بصوت مضطرب وبصبر نافذ:
- قولتلك عنده شغل فقال وهو يرسم دور الملاك البرئ:
- ایوا برضه مايسبكيش في يوم زي ده فقالت هازئة:
- عادي زي ما أنت كنت بيكون عندك شغل وبتسيب الدنيا تولع، مستغرب أووي كده ليه ؟
فانحسرت شفتيه ببسمة حزينة:
- واكتشفت إني خسرت كتير أوي بسبب اللي كنت بعمله هربت بأعينها بعيدا وقررت أن تقود قدميها للداخل هربا منه ولكنه استوقفها بقبضة يده على كفها الخالي مستكملا حديثه:
- خسرتك ياسالي وكانت أعظم خسارة في حياتي تنهدت وكادت أن تفر الدموع من عيناها فهمست بصوت أجش- ممكن تسيب إيدي نکس رأسه قائلا بمرارة تقتحم حلقه:
- أنت بس أمريني وأنا أنفذ على طول فهزت رأسها ساخرة وترات لها ذكرى طلاقهما وقالت متفكهة:
- ما أنا بالفعل متعودة منك على كدة بس هيا علي حسب نوعية الأوامر إذا كانت على هواك ولا لاء ظلا ينظران لبعضهما فترة من الزمن ودقات قلبيهما تتبادلان الحديث حتى فرت دموعها رغما عنها فأسرعت أنامله تمسح فيض عيناها وبهمس معذب قال:
- مابستحملش دموعك، كنت غبي . . بعترف فاندفعت بغيظ تجيبه:
- ولازالت، لو مفكر إني هرجعلك بالسهولة دي فابتسم برفق وقال:
- صعبيها عليا زي ما أنت عاوزة . . . . . حقك كادت أن ترق لحاله ولكنها دفعت بذكرياتها السوداء لتجسد لها كمشاهد حية تنبض فهزت رأسها بعند:
- مش هرجع یا جاسر فأمسك كفها مرة أخرى وبتملك أعظم وقال متوعدا:
- وأنا مش هیأس بس افتكري كل شيء مباح في الحرب ثم رفع كفها نحو شفتيه وقبله برقة وقال هامسا:
- والحب.