رواية قلوب مقيدة بالعشق للكاتبة زينب محمد الفصل الثامن عشر
أخرج مفاتيح شقته وارتسمت على ثغره ابتسامة هادئة، لقد اشتاق لها، لعن فارس ومصائبه التي دوما تبعده عن من ارهقت قلبه وعقله ..دلف الشقة بخطوات بطيئة يبحث بعيناه عنها وجدها تقف تتراقص مع ايلين قطب ما بين حاجبيه وهو يتأملها بهدوء، لمحته بطرف عيناها، فانتفضت برعب قائلة: مالك انت جيت..
هز رأسه غامزاً لها بوقاحة: من اول بنت الجيران..
أشارت له بتوتر على ايلين: دي ايلين اللي عاوزاها.
ارتفعت قهقته: ايلين بردوا...
ابتسمت ايلين لتقول: ازيك يا مالك تعال ارقص معانا.
كتمت شهقتها عندما لمحت تلك النظرة الوقحة بعيونه، فقال هو: لا انا بتفرج بس.
جلس على الأريكة باريحية قائلاً: استمري..
وجه حديثه لندى فتوردت وجنيتها، فأكمل حديثه: اقصد استمروا.
خجلت منه فتقدمت نحو ايلين واعطتها هاتفها قائلة: خدي يا ايلين اتفرجي على كرتون ده.
اخذته منها واندمجت، بينما اتجهت ندى نحو مالك تجلس بجانبه قائلة: مامتها راحت مشوار مع جوزها ف انا عرضت عليها اخدها ده يضايقك في حاجة ؟
التصق بها يهمس باذنها: عاوزه الحقيقة انا هافرقع منك، ايه رايك انزلها لفارس تلعب معاه.
انهى حديثه وهو يحاوطها بيده ويقربها نحوه، تجاهلت مشاكسته لتقول: فارس كان ماله ؟
تقلصت ملامحه بغضب حينما تذكر ما فعله الاحمق صديقه ليقول: ابداً كان بيلعب البخت مع واحد، خناقة يعني وانتهت على خير.
هتفت بتعجب: معقولة ميبنش عليه كده خالص، باين عليه هادي ورقيق.
ضغط بيده أكثر على جسدها ليقول بغيرة: بغض النظر عن كلامك الاخير اللي اتمنى انه ميتكررش، بس هو عيل بلطجي اصلاً من جواه، عنده بوادر اجرام.
فلتت منها ضحكة عالية، فابتسم بسعادة ليقول بخفوت: طب والله عيب البت دي تبقى موجودة، اخنقها دلوقتي! .
هتفت بخفوت: مامتها قالتلي مش هتتأخر.
قهقه على حديثها قائلاً: انتي بتسكتي ابن اختك يا ندى.
وقفت امامه بذلك الفستان الذي خطف انفاسه منذ ان وقعت عينيه عليها، يتأمل ملامحها ببطء، وتفاصيل جسدها الانثوي الذي اظهره الفستان ببراعة، شعر بالدماء كادت ان تفتك برأسه عندما وجدها تلتف حول نفسها قائلة بنبة اثنوية:. حلو عليا ؟
جذبها من مرفقها وأدخلها السيارة، ثم استدار يجلس بالجهة الاخرى قائلاً بغضب: انتي واقفة تستعرضي نفسك في الشارع.
هتفت بثبات رغم الخوف الذي يتسلل لقلبها من نبرته: انا بوريك الفستان حلو ولا لأ، علشان اشرفك قدام خطيبتك .
ضغط على أسنانه بغيظ ليقول: لو كنتي فاكرة انك ممكن تبوظي الليلة دي تبقى بتحلمي، هي عارفة كويس انتي تبقي مين ومحلك من الاعراب ايه في حياتي.
اندلعت نيران الغيرة بداخلها ولكن هتفت بوجه خالي من المشاعر لتقول بلهجة تهكمية: والله، كويس جداً وفرت عليا حاجات كتير أوي كنت ناوية أعملها..
رفع أحد حاجبيه ليقول باستفهام: اه وايه اللي انتي ناوية تعمليه؟.
اقتربت منه بجرأة لم يعهدها منها من قبل قائلة بتحدِ: هاخليك ترجعلي يا عمار، مش هاسيبك أبداً تروح ل غيري.
صدرت ضحكاته الساخرة التي ملئت ارجاء السيارة ليقول بعدها: ضحكتيني والله، واثقة انتي يا خديجة، بس أقولك وريني احسن ما عندك هاتبسط بيكي والله لما تاخدي على دماغك مني في الاخر..
كظمت غيظها منه بأعجوبة، أرسلت له ابتسامة واثقة، رفعت رأسها بتعالي ثم حولت بصرها للجهة الاخرى مشيرة له بيدها قائلة: يالا علشان منتأخرش على الموكوسة .
اتسعت عيناه من طريقتها الجديدة التي اتبعتها معه، وتلك النبرة التي يملؤها التحدِ ولاول مرة يشعر به ليس فقط في حديثها بل في نظرات عيناها، أصبحت قوية ولكن كالعادة اكتشف ذلك الشعاع الضعيف بهم، ذلك الشعاع الذي دائما وأبداً يميزها وحدها دون عن نساء العالم ..انطلق في جهته وبين الفينة والاخرى كان يراقبها بالمرآة، فيجدها ثابتة واثقة تشرد بالطريق وكأنها تخطط لشئ ما، حسناً فلنستقبل خديجة جديدة، ونرى مدى قدراتها على الصبر.
بشقة فارس...
وضع الوسادة مرة أخرى على وجهه بعصبية ليقول: مش هارد عليكي يا يارا، هاتحرقي دمي، مش هارد عليكي.
استمر رنين الهاتف ولم ينقطع، فزفر هو بحنق وقرر الايجاب قائلاً بحدة: في ايه عاوزه ايه؟!.
اندفعت يارا بوجهه بسيل من التوبيخ: انت واحد همجي، بلطجي ايه اللي انت عملته في خطيبي ده.
انتفض من على فراشه ليقول بغضب: خطيب مين يام خطيب، انتي هاتتلمي ولا اقتلهولك واخلصك منه.
صرخت قائلة بعصبية: تقتل !، انت مجنون، ايه اللي بتقوله ده.
جلس مرة اخرى يشدد على خصلات شعره المبعثرة قائلاً: مجنون بيكِ وبحبك، اتزفت على عيني وحبيتك اعمل ايه.
ضغطت على كل حرف يخرج من فمها قائلة: طلعني من دماغك يا فارس، لاني بعد ما مالك يخلص شغله، انا هاتجوز سراج، سلام.
أغلقت الهاتف بوجهه فانتفض مجدداً يدور بانحاء الغرفة بعصبية موبخاً نفسه: غبي، قولتلك متردش، متردش، اديك رديت زي الاهبل وهي عصبتك.
وقف فجأة وتذكر مالك، فقرر الاتصال به قائلاً: اما اشوف حضرته هايفضل لازق لست ندى لغاية امتى ...
بشقة مالك...
راقب ندى وهي تجلس على الأريكة تقرأ الراوية باهتمام بالغ، وعيناها تنبعث منها القلوب الحمراء، التوى فمه بسخرية محدثاً نفسه بتعجب: هي دي فكرتها عن الجواز..
اقترب منها واختصر المسافة بينهم فالتصق بها، شعرت به فتجاهلته حتى لا تنفجر بالضحك عليه وعلى تذمره الظاهر بقوة على ملامح وجهه، لم تعِ بأي شئ فقط هو يشغل تفكيرها ويستحوذ عليه بقوة، شعرت أنفاسه الساخنة تلفح جانب وجهها ليقول: ايه ده البطل يقبل البطلة في الشركة عيب اوي كده، ملهمش بيت زيينا يعملوا فيه زيينا بردوا.
حاولت ان تبتعد عنه بعدما خجلت منه قائلة بتحذير: مالك، ايلين عيب تقول لمامتها ايه!.
هتف بغيظ وهو يحاول ان يقترب أكثر منها: يارب تقولها علشان متسبهاش تاني .
نجحت في الابتعاد عنه قائلة: مينفعش عيب..
زفر بحنق ووجه حديثه للصغيرة قائلاً: مش عاوزه تنامي يا ايلين.
رفعت وجهها بصعوبة من على الهاتف قائلة ببراءة: لا.
زم شفتيه بضيق مقلداً لها: لأ.
رن هاتفه فوجده فارس ابتسم بتهكم: اه يا ايلين يا فارس، حد من الاتنين.
أجاب بحنق: نعم يا فارس بيه.
فارس بضيق: اختك نرفزتني، انزل بقى نلعب دور بلاستيشن.
نهض مالك ليقول: طيب.
اغلق الهاتف وانحنى نحو من أرهقت قلبه قائلاً: انا نازل لفارس، وزعي البت دي بسرعة قبل ما اقتلها..
طبع قبلة أعلى جبينها وغادر الشقة، اما هي فانزلقت اكثر بالأريكة تضع الكتاب على وجهها وتبتسم كالبلهاء... ودقات قلبها تثور اكثر واكثر
هبطت من السيارة رفعت بصرها تتأمل الحي، حى راقي وبناية أدوراها محدودة، لفت نظرها تلك الإضاءة التي تهبط على واجهة البناية، بلعت ريقها بصعوبة وهي تخطي خلفه اولى خطواته في معركة تجهل بها خصمها، دلفت وراءه فوجدت نفسها في حديقة المنزل وتصدح اصوات الموسيقى عالياً، لوهلة شعرت بانتفاضة قلبها بخوف، ولكن شجعت نفسها بالتحلي بالثبات والهدوء ... اقترب منهم سيدة ورجل في عقدهما الخامس، ابتسمت السيدة قائلة:
نورت يا عمار، نورت يا عريس بنتي .
لمح بطرف عيناه خديجة تقف بثبات، فأرسل ابتسامة ودودة قائلاً: بنورك، فين علياء.
التفت بوجهها سريعاً ترمقه بصدمة، فرأت تلك الابتسامة الساخرة ترتسم على ثغره، كورت يديها بقوة وكأنها تحارب نفسها من الانفجار بوجهه، ماذا علياء زميلتها تلك التي اتهمتها بالسرقة من قبل، الان يخطبها، تأكدت من حديث ندى وبدأ بودار الامر تتضح لها، عمار ينتقم منها فقط،ابتسمت بداخلها فاقتربت منه بعدما ابتعد والدي علياء، همست: هي علياء متعرفش اننا متجوزين ؟ معقول محدش في الجريدة قالها ؟
فاجئها برده عندما قال ببرود: لا تعرف، وعادي، ما قولتلك انا قايلها محلك من الاعراب ايه في حياتي.
ابتسمت بخبث وهى تحاول ان تخفي بودار الغيظ بداخلها: اممم بس من الواضح ان باباها ومامتها ميعرفوش..
وقبل ان يتحدث كانت علياء تضع يديها بيده قائلة بغنج: حبيبي نورت يالا نبدأ الحفلة .
تجاهلت الترحيب بخديجة عن قصد، فتقدم معها عمار يتوسط الحفل ويتلقى ترحيب اقاربها واصدقائها وتلك الغبية تلتصق بصدره مرة و تتعلق بعنقه مرة، تزيد من غنجها ف يتقبله عمار منها بصدر رحب، ضغطت على اسنانها بغيظ وهي تقف وحيدة في الحفل، راقبت بعيناها نظرات وقحة لها من بعض الرجال، فكرت بافكار غريبة عنها، أفكار لم تحتل ذهنها من قبل، شردت بذهنها وهي ترقص بتمايل ورشاقة في منتصف الحفل فيصفق لها الرجال وتخطف انظارهم، اتسعت عيناها عندما تخيلت يده تصفع وجهها بقوة، وبخت نفسها باشمئزاز من تلك الافكار، نفضتها بعيداً عن ذهنها، وعادت تراقبهم وهم يرقصون رقصة رومانسية، تنهدت بحزن، لم يلتفت اليها ولو ل مرة واحدة، اقتربت منها امرأة تضع امامها مشروب بارد قائلة: اتفضلي .
همست خديجة بحزن: شكراً
فقالت المرأة بفضول يحتل ملامحها: انتي تبقي مين؟!، تقربي ايه للعريس ؟
رفعت خديجة وجهها تراقب رقصهم وحركات علياء المستفزة وكأنها تقصد ارسال رسائل مبطنة لها، قطبت جبينها عندما لاحت في ذهنها فكرة اعترفت انها شيطانية ولكن لم ترحمها علياء من قبل ف لما هي ترحمها وتبتعد وتتنازل عن من أحبته سنين طويلة، هي من احق به، تذكرت حديث ندى انها لابد ان يكون لديها الشجاعة لتحصل على عمار ثانياً، التفت للمرأة وهي تقول بنبرة ماكرة: انا مراته.
كانت الاخرى تتجرع الماء، فعندما استمعت لحديث خديجة انتبتها حالة من السعال الشديد، اتسعت عيناها بصدمة قائلة: نعم، مرات مين؟!.
اشارت على عمار قائلة بحزن مصطنع: ده يبقى جوزي .
بلعت السيدة ريقها بصعوبة وهتفت بتوجس: وانتي عارفة بقى انه بيخطب.
هزت رأسها بحزن قائلة: آه، عارفة .
رفعت السيدة احدى حاجبيها قائلة باستهجان: عارفة !، وانتي عادي كده.
هزت خديجة كتفيها بحزن وهي تنظر لعلياء: أعمل ايه ضربني وهددني علشان أحضر معاه، قولتله حرام عليك قلبي هايتكسر يقولي أبداً لازم تيجي، اقوله طب بلاش علياء دي زميلتي بالجريدة اختار اي انسانة تانية ضربني تخيلي يا طنط، وقلي زي ما ضحكت عليكي هضحك عليها وعلى غيرها ...
تصنعت الحزن والانكسار اكثر وعادت تُكمل حديثها:
تخيلي يا طنط ده كان عاوز يجيب بنتنا معانا بس انا رفضت البنت تتعقد.
سعلت بحدة أكثر لتقول بصدمة: بنتكو.. لا هو مخلف منك ؟
هزت رأسها بحزن ووجهت بصرها نحو عمار تبتسم له: اه عندنا ايلين انما ايه بنوتة زي القمر بصي شوفي حلوة ازاي.
اشارات للهاتف ووجهته على صورة لهم معا عمار وايلين وخديجة كانت التقطتها سابقا ايلين.
ضيقت السيدة عيناها وهي ترى صورة لعمار يحمل ايلين ويضحكان وخديجة تنظر اليهما شاردة فقالت بتعجب: اه ما شاء الله .. طب هو بيعمل كدا ليه ؟ وليكي نفس تضحكي في وشه ؟ ازاي قادرة تضحكيله ؟
اقتربت منها خديجة وتحدثت بخفوت: أصله نبه عليا لو مبينتش اني فرحانة ومبسوطة بيه وعشان العروسة متزعلش هيضربني لما نروح و مش هايصرف على بنتنا ...
شهقت السيدة بصدمة أكبر قائلة: لا اوعي تقولي ان علياء عارفة .
هزت خديجة رأسها بتأكيد: اه عارفة طبعا ومواقفة، ربنا يهديها بقى هاقول ايه، مفيش في ايدي حاجة .
شهقت السيدة بصدمة أكبر لما سمعته، ابتعدت عنها واتجهت لمرأة اخرى وتفوهت بحديث ما ايقنت خديجة انه يخصها عندما لاحظت نظرات السيدات والفتيات لها بتعجب بعد عشر دقائق فقط، عشر دقائق وكانت والدة علياء تتحدث بعصبية معها وملامح عمار تحتد أكثر ف أكثر، حول بصره نحو خديجة فوجدها ترمقه بسعادة وأرسلت له قبلة في الهواء، لمحت يده تتكور بغضب ف همست لنفسها قائلة حان وقت الهروب...
انحنت بجذعها العلوي وخلعت حذائها ذو الكعب العالي حتى لا يعيقها اثناء الركض، لم تعلم حتى الان كيف وصلت لباب البناية الخارجي التفت بسرعة بوجهها يميناً ويساراً تبحث عن سيارة أجرة، وقلبها يدق بقوة ويزداد عندما استمعت لصياح عمار بأسمها من الواضح اقترابه منها، لمحت سيارة أجرة تقترب من بعيد فركضت نحوها توقفه بذعر، فامتثل لها ووقف فاستقلت السيارة تهتف بذعر: يالا بسرعة من هنا بسرعة..
هتف السائق بتوتر: طيب حاضر..
انطلق السائق بسرعة في طريقه فالتفت هي برأسها للخلف وجدت عمار يخرج من البناية يبحث عنها، هبطت بجذعها للاسفل تختبئ منه..
بشقة فارس...
وضع ذراع التحكم جانباً ليقول بمكر: هو في ايه، مالك المرة دي خسرت جولتين وعادي..دي اول مره تحصل..
تظاهر مالك بالتعب فقال: شكلي عاوز انام، تصبح على خير.
اجلسه فارس بقوة مرة أخرى ليقول بمكر: هاكرر تاني انا ليه شامم ريحة مش عاجبني، هو في ايه يا مالك ؟ مش ده كان كلامك قبل ما تتجوز ندى.
توتر مالك ليقول: وانا كان كلامي ايه بقى ؟!.
اعاد فارس حديثه مقلداً اياه: هاعملها برسمية، مش هبات معاها بنفس الشقة، ولا هاعملها حلو..
صمت لبرهة وعاد يُكمل حديثه بنبرة جادة أكثر: لكن اللي بيحصل عكس كده، خلى في بالك الموضوع ده استحالة يكمل.
ابتلع مالك تلك الغصة بحلقه قائلاً بحزن: ليه يا فارس، ليه ميكملش..
لمس فارس نبرة الحزن بحديث صديقه فتحدث بعقلانية: علشان هو هايفشل من جميع الجهات، من ناحية وعدك مع عمها، من ناحية امك واهلك اللي متعرفش، ومن ناحية...
قاطعه مالك قائلاً: هاحارب علشانها، هاقف في وشهم..
عقد فارس ذراعيه امامه ليقول: وهاتقدر تقف في وش ماجي، امك يا مالك، هاتتصدم صدمة عمرها فيك.
نهض مالك يقول بعصبية: امي هاتقدرني وهاتحس بابنها، هافضل وراها لغاية ما ترضى عني..
نهض فارس أيضاً ووقف امامه ونظر بعيناه مباشرةً: وندى يا مالك، ندى اللي عايشة في كذبة كبيرة أوي، صعب انها تتقبلها، صعب يا صاحبي الجوازة دي تكمل، محكوم عليها بالفشل من كل النواحي، متغرقش نفسك يا صاحبي.
جلس مالك مكانه بصدمة عندما استفاق على حديث فارس، وعاد ضميره من جديد يعذبه بقوة بعدما اخمده بعشقه لها، ولكن عذاب ضميره هذه المرة كان أشد وأوجع، وضع رأسه بين يديه واغلق عيناه بتفكير، رفع رأسه مرة اخرى يهمس لفارس بحزن: مفيش حل يا فارس؟!..
هز فارس رأسه بنفي، فخرج عن مالك آه تعبر عنه وما يشعر به من الالام تغزو قلبه عندما تجسدت أمامه ملامح الفراق.
وضعت ايلين بفراشها بعدما أبدلت ثيابها، ورقدت بجانبها تحتضنها لتستمد منها القوة والدفئ، وبدأت تتخيل عمار وهو يكسر باب الشقة عليها، دب الرعب بقلبها، لم تعلم من اين لها تلك السرعة عندما جاءت واخذت ايلين، وابدلت ثيبابها واغلاقها باب الشقة باحكام، وفي اثناء شرودها ارتفع رنين جوالها بوصول رسالة نصية، اعتدلت في الفراش وجلست تقرأها بخفوت: فاكرة اني هاسيبك، ماشي يا خديجة، ه حاسبك على الليلة الي باظت دي.
لم تهتم لتوعده لها بقدر ما اهتمت بتلك النقطة الإيجابية في حد ذاتها، نجحت في فشل تلك الخطبة المشؤومة، قفزت على الفراش بسعادة، فتململت الصغيرة بنومها، جلست خديجة مرة اخرى تبتسم كالبلهاء وبداخلها سعادة كبيرة، لاول مرة نجحت بشئ ما، الامر ليس صعباً، ان تحافظ على حبيبها بكل قوتها ليس صعباً، يحتاج فقط لهدوء وذكاء.
دلف لشقته بعد منتصف الليل بخطوات بطيئة وعاد الجمود لملامحه مرة أخرى وذلك بعدما قرر بالانصياع لعقله و اخماد مشاعره نحوها، وجدها تغط في نوم عميق، وجدها فرصة كبيرة ان يستغل الليلة في التأمل بها والتقاط صور عديدة لها، يستغل الليل في البوح بمشاعره لعلها أخر مرة يتحدث بها مع نفسه عن حبه وعشقه لها، رقد بجانبها واحتضنها بقوة مستمتعاً بذلك الحنان الذي ينبعث دوماً منها حتى أثناء نومها، طبع قبلات عديدة على شعرها واغرق وجهه به مستمتعاً بكثافته وعبيره الرائع، جذب جواله والتقط لهما العديد من الصور معاً، لعلها تظل هذه الذكرى لديه ويُمنى نفسه بها في بُعدها عنه..
قضى الليل بأكمله مستقيظاً ولم تغفو عيناه للحظة واحدة، رأى نور الصباح احتل جزء كبير من الغرفة، نهض بصعوبة عنها وبدء في جمع متعلقاته واشيائه بحقيبته فاستقيظت هي على صوت جلبة خفيف، فتحت عيناها بصعوبة وراقبته بنعاس، انتفضت من فراشها عندما ادركت انه يجمع ثيابه، اقتربت منه تهمس بقلق: مالك رايح فين، بتلم هدومك ليه؟!.
استدار نحوها قائلاً: اتصلوا بيا وطلبوني، لازم اروح الإدارة فوراً.
تجمعت الدموع بعيناها: يعني انت هاتسيبني ؟ طيب هتتأخر عليا قد ايه ؟
اقترب منها واحتضنها رغم وعوده لنفسه بأن يعاملها ببرود وجفاء، لثم وجنيتها بحنو قائلاً بحزن وكأنه يودعها للمرة الاخيرة: انتِ أكتر واحدة عارفة شغلنا، انا معرفش هارجع امتى ..
عانقته بقوة وهي تبكي: خلي بالك من نفسك، وحاول متتأخرش عليا..
دفن وجهه بعنقها يسرق من الزمن ما يستطيع، لا يعرف ستكرر هذه اللحظة ام لا، حسناً ف ليستمتع بها بقدر الامكان، هو وحده من يعرف انه الوداع الاخير..
أغلق باب شقته ولم يستطيع اغلاق قلبه، استمع لبكائها، فحزن أكثر، وضع جبينه على الباب وبداخله صراع قوى بين قلبه يحثه على الدخول واحتضانها ضارباً بمخاوفه عرض الحائط، وعقله يحثه على الاستمرار في قراره بالابتعاد عنها ... امتثل لعقله واتجه صوب شقة فارس ودق الجرس حتى فتح فارس وأثار النعاس على وجهه، فتحدث بصوت أجش: في ايه، رايح فين على الصبح.
هتف مالك باقتضاب: ماشي هابدأ في تنفيذ كلامي، خلى بالك منها لو حصل حاجة قولي، انا نبهت عليها لو عازت حاجة تقولك، مش هاوصيك عليها، انا ماشي...
التفت لكي يغادر فمسك فارس يده ليقول: طيب انت مروح بيتك ولا رايح فين؟!.
هز مالك رأسه بنفي قائلاً: لا هاقعد في اوتيل، لغاية ما عمها يتصل، خلي بالك منها يا صاحبي..