قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية قربان للكاتبة سارة ح ش الفصل الخامس

رواية قربان للكاتبة سارة ح ش الفصل الخامس

رواية قربان للكاتبة سارة ح ش الفصل الخامس

الاميرة العاشقة..
ليس منزل ادم من كان فقط يرتكز فوق قواعد من مشاعر متناقضة يمتزج فيها الحزن والاطمئنان والخوف معاً لتتشكل مشاعر غريبة، كان منزل اسرتها يشكل انعكاساً مشابهاً لحالتها لاسيما من ميسم!

دخلت نحو غرفة ريم لتجد كل شيء موجود، ولكن خالي! خزانتها، طاولة تزيينها، وكل شيء اخر في مكانه ولكن من دون مقتنياتها! رغم عدم خروج ريم كثيراً من غرفتها ألا ان هناك فراغاً كبيراً احتل صدر ميسم بعد رحيلها! كان يكفيها ان تستشعر حركتها داخل الغرفة. ان تحس بأنفاسها. ان ترى بين فترة واخرى شكل هزيم ولكن بملامح انثوية! والان اختفى كل هذا!

كانت هذه هي ليلة اخرى تمر على اسرة ياسين تحمل اميرة اخرى ساهرة. ولكن ليست ذاتها اميرته المعذبة. بل كانت اليوم الاميرة العاشقة تحمل بين طيات قلبها كل ذكرى عن محبوبها الذي غطى التراب ملامحه عنها، تجول بصرها ببطئ في الغرفة ولأول مرة استشعرت هذه الوحدة الموحشة التي تحس بها ريم وهي تجلس وحدها وسط ظلام الليل بعد ان يسدل الجميع اجفانهم متناسين وجودها وتاركيها لوحدها لايطوف حولها سوى ذكرى اخيها، شيء ربما كان مبرراً ليدفعها لذاك الجنون وتناول تلك الاعداد الكبيرة من المهدئات!.

اسدلت ميسم جسدها فوق سرير ريم وحدقت في سقف غرفتها بعمق مع دموع هادئة تنساب ببطئ من عينيها لتنسدل بحياء بجانبي وجهها لتبلل رقبتها وتستكين بين الخصلات الذهبية خلف اذنها، تلك الشعيرات الشقراء التي يعشقها هزيم لطالما تبللت بدموع فراقه الطويل! اغمضت عينيها لترتسم ابتسامة ذكرى سعيدة تحب دائماً تذكرها لاتتناسب ابداً مع الامطار التي تنزلها قارة عينيها!.
(ألم يحضر اليوم ايضاً؟

التفتت ميسم بأرتباك نحو زميلتها في العمل وصديقتها ليلى وهي تقطب حاجبيها تدعي عدم الفهم: من تعنين؟
ضيقت ليلى مابين عينيها بمكر وقالت بأبتسامة: الذي تراقبين الباب كل يوم من اجل ظهوره!
رتبت ميسم بعض الاوراق امامها على المنضدة وشغلت نفسها بترتيب الملابس لتبعد نظرها عن ابصار صديقتها التي ستكشفها وهي تقول بتلعثم: لست اراقب شيء.
قالت ليلى وكأنها لم تسمعها: مرت ثلاثة ايام ولم يظهر فيها. أليس هذا غريب؟

حملت ميسم بعض الملابس المتروكة جانباً وبدأت بترتيبها على عارضة البيع متجاهلة صديقتها التي تتبعها لكل مكان مستمرة بحديثها: ربما يفعل هذا ليجبركِ ان تفكري به؟
تفكر بمن؟
التفتت الفتاتان بفزع نحو هزيم الذي لم تدركا متى دخل؟! ومع اي جزء بالضبط من حديثهما بدأ يستمع؟
كتف يديه امام صدره وقال بوجه متجهم:
ان كنتما تقصدان غيري فهذه ستكون مشكلة.
ثم تبسم فجأة بشكل مضحك وهو يكمل:
وان كنتما تقصداني فهذه معجزة!

بالطبع ليلى اتخذت طريق الهروب لتتملص من الاجابة تاركة ميسم بمفردها مع كتلة النار العاشقة هذه لايمكنها جمع حروفها بشكل مناسب لتنطقها تسد بها عذراً او تتخذ اي ذريعة لتهرب منه. رحمها من هذا العذاب وهو شبه متأكد من ظنونه وسحب قطعة ملابس معلقة بجانبه من دون ان ينظر اليها كالعادة ويركز ابصاره بعيني تلك المرتبكة فقط. فناولها القطعة وقال:
سأخذ هذه.

سحبتها من يده بيديها المرتجفتين واسرعت متهربة من نظراته نحو منضدة البيع لتسجل السعر فتبعها الى هناك وارتكز بمرفقيه فوق الطاولة يحني الجزء العلوي من جسده بأتجاهها ويميل رأسه قليلاً بشكل مضحك يتطلع في وجهها الذي تنزله بشكل مبالغ فيه مدعية انشغالها بتسجيل السعر وقال:
كنت منشغل بعمل الشركة!
رفعت بصرها نحوه بسرعة واخفضته مجدداً بخجل واقتضاب وهي تجيب:
لم اسألك اين كنت!

اعلم. اردت قول ذلك فحسب كي لاتظني اني مللت من القدوم.
قدمت الفستان والورقة اليه بأرتباك وهي تغير الموضوع قائلة: هذا هو السعر سيدي.
تناول الاثنين منها وقدم لها بطاقته الائتمانية كالعادة كي يطول الامر اكثر مما لودفع نقداً. سحب البطاقة منها بعد انتهائها خارجاً من المتجر بصمت يثير فضولها اكثر!
عند باب المتجر سمع احدهم يهمس له فألتفت ليجدها تلك الهاربة ليلى. تقدم نحوها بملامح جامدة وقال: تفضلي!

كتفت يديها امام صدرها وهي تقول: قل لي. هل انت مهتم بأمر ميسم فعلاً ام انك تتلاعب بها فحسب؟.
فجأة انفرجت ملاحمه وتبسم عندما اصبح الامر يدور حول ميسم. كتف يديه امام صدره وقال وهو يضيق عينيه: وان كنت مهتم؟
تبسمت وهي تعبث بأظافرها وقالت: لأنك ان كنت مهتم فاليوم ستزور معرض اللوحات القريب من هنا في الساعة السابعة والنصف مساءاً. فهي تهتم كثيراً بالرسومات.

انزل يديه يمسك بأحدهما كيس الفستان والاخرى يغرقها في جيب بنطاله وقال: ولما تخبريني بذلك؟

الكلام بيننا. صديقتي هذه تحيرنا بأمرها. يأتي شاب ليتقدم لخطبتها فترفض وتقول انه لايمكنها ان ترتبط بشاب لاتعرفه. يأتي اليها شاب يبدي اعجابه ترفض ذلك وتقول انها جادة ولن تهتم بأمور الحب هذه. ولانعلم كيف سينتهي الامر معها. ترفض العلاقة والحب وترفض خطوبة من دون ان تعرفه. وانت الوحيد الذي لاحظت انها مهتمة به نوعاً ما.
اتسعت ابتسامته اكثر وهو يقول:
أهي مهتمة بي حقاً؟
وقلت ايضاً نوعاً ما. ألم تسمعني؟!

مايهمني انها مهتمة. اما المقدار فهذا سنعرفه لاحقاً.
تبسمت ليلى وقالت:
حسناً ياروميو. انا اخبرتك بما تحتاجه والباقي عليك.
في الحقيقة هناك شيء اخير. ان قدمته لي سأكون ممتناً كثيراً.
تطلعت ليلى نحوه بفضول فقال فوراً دون ان يعطيها الفرصة لتنتظر اكثر:
رقمها!

حل المساء وعادت ميسم بشوق نحو منزلها وغيرت ملابسها بأستعجال لتصل الى معرض اللوحات مبكراً. ارتدت بنطال جينز مع حقيبة قماشية طويلة تمتد من كتفها الايمن لتعبر صدرها وترتكز فوق خصرها الايسر مع قميص ابيض وشعر تربط منه خصلتين مع بعضهما من الخلف وتسدل الباقي. منظر جذب نظر هزيم اول دخولها المعرض دون ان تنتبه لوجوده!

بدأت بالتمعن باللوحات واحدة تلو الاخرى بأبتسامة دافئة تأبى مفارقة شفتيها تعبر عن حماس داخلي تفشل في اخفائه. وقفت امام لوحة جذبتها كثيراً لطفلة صغيرة بخصلات ذهبية تجلس عند نافذة غرفتها وترتكز بذقنها فوق يدها المنبسطة على حافة النافذة وتحدق في القمر الذي يعكس ضوئه في عينيها الخضراوين. سمعت همس بجانبها يشاركها رأيه في اللوحة:
جميلة. اليس كذلك؟

كانت متحمسة لدرجة تود ان تخوض نقاش مع اي احد لتعبر له عن حبها بالرسومات ومايجذبها باللوحات وكأنها تود لو تجمع الحضور جميعهم وتبدأ بأخذهم في جولة على لوحات المعرض كلها وتشرحها لهم ومايعجبها فيهم ومايميز اللوحة. تود ان تتشارك حديثها مع اي شخص يملك ولعها ذاته! ولع وحماس كانا مبالغين فيهما لدرجة اجابت الهامس من دون ان تنظر اليه:
بل اكثر من جميلة. انها رائعة! انها تصف هدوء القمر بالمعنى.

فجأة قطعت حديثها عندما بدأ عقلها يستوعب صوت الهامس. وتلك النبرة المتكررة دائماً. وذلك العطر المميز، هزيم! عند هذه الفكرة انتفض عقلها والتفتت اليه دفعة واحدة بتفاجئ وانفرجت شفتيها بدهشة بينما هو كان يحدق فيها بهدوء وأبتسامة. قالت بتلعثم فوراً:
أنت. كيف.
وقبل ان تكمل جملتها التي كانت مبعثرة من الاساس امسكها من يدها فزاد ارتباكها اكثر وسحبها لتسير معه قصراً وهو يقول بذات حماسها:.

دعيني اريكِ لوحة جذبت نظري بشدة حتى اني حجزتها وسأشتريها!

حاولت سحب يدها بشتى الطرق وابعاد يده بالاخرى ولكنه كان متمسك بها بقوة! الى ان اوقفها امام لوحة لمجموعة اطفال مشردين يجلسون القرفصاء ويشكلون دائرة مع بعضهم امام سور حديقة العاب فخمة ويضعون بينهم مجموعة احجار والعاب مكسرة يلهون بها وخلف اسوار الحديقة تلك طفل ثري ذو ملابس مرتبة وجميلة يستند برأسه بأسى على السور متجاهلاً كل الالعاب الجميلة خلفه ويحدق فيهم. اشار هزيم نحو اجزاء اللوحة يشرح لها ما جذبه دون ان يترك يدها:.

انظري الى ابتسامة هؤلاء الاطفال. انها ابتسامة حقيقة فعلاً وبسيطة. ولكن ليس هذا اكثر مايجذبني. فلو ركزتي باللوحة جيداً ستلاحظين ذلك الطفل الثري لاتهمه كل الامكانيات والالعاب التي يمتلكها ويمكنه اللهو بها. ستلاحظين بوضوح نظرة التمني في عينيه لو انه يشارك هؤلاء الاطفال لعبهم.
ثم التفت نحو عينيها الساحرتين اللتين تحدقان فيه بذهول واكمل:.

تجعلني اشعر انه بأمكاننا ان نحصل على السعادة من اشياء بسيطة. ولسنا نحتاج الكثير كي نشعر بها. انها موجودة في كل شيء حولنا!
تبسمت وقالت بأحراج:
سيد هزيم. يمكنني ان افهم شرحك من دون ان تمسك يدي!
انتِ خارج ساعات العمل الان. ألا يمكنك ان تناديني هزيم فحسب؟
سحبت يدها ببطئ وهدوء وهي تقول بحزم ولكن مع ابتسامة. فهي ابسط من ان تكون قاسية في الحديث مع احدهم:
اسفة. لايمكنني ذلك. فأنا لااعرفك.

كتف يديه امام صدره وقال:
هزيم سيف، صدقيني هذا كل ماتحتاجين معرفته عني.
تبسمت واجابت:
ومن قال اني اريد ان اعرف؟
تقدم خطوة نحوها وهو يضيق عينيه بمكر ويقول:
ألستِ مهتمة؟
تنحنت بأرتباك واعادت خصلة من شعرها خلف اذنها واشاحت وجهها جانباً وهي تقول:
انا لااعرفك لأهتم.
وها انا ذا اعرفك بنفسي!
التفتت اليه بأستغراب فقال لها فوراً بأبتسامة:
فأنا اريدكِ ان تهتمي!
وان لم ارد ذلك؟

حاولي لتكتفشي ان كنتِ تريدين ذلك او لا، أليس هذا عادلاً؟ اعطني فرصة. وامنحيني بعض الوقت. واسمحي لي ان اقترب خطوة منكِ. لأفهمكِ. لتريني. لأحدثكِ. لتسمعيني، ان بقيتي مصرة على عدم الاهتمام. فسأبتعد. ولن ادعكِ تريني مجدداً، ولكن ان اهتممتي. فسأتمسك بكِ بكل مااملك من قوة!
انفرجت شفتاها بذهول واتسعت عينيها بدهشة وهي تحدق فيه بعدم استعياب واستغراب ثم قالت بضعف وارتباك:
أنت. لما تفعل هذا؟
افعل ماذا؟

فجأة وجد ملامحها تقتضب ونبرتها تكتسي بالاستياء وهي تقول:
أتريد مني ان اصدق انك وقعت بغرامي من النظرة الاولى واصبحت فجأة لايمكننك ان تتخلى عني وانك تركت فتيات عالمك الفاتنات لتجذب نظرك موظفة متجر بسيطة مثلي؟
اجابها ببراءة وبساطة:
اجل. اريدكِ ان تصدقي هذا!
زفرت بأستياء ثم قالت:.

سيد هزيم! انا لا اصدق بالحب وامور كهذه. انا انسانة جادة ولن يغريني هذا الكلام. انا وانت مختلفين عن بعضنا كثيراً ولانتشابه بشيء ليربطنا ببعضنا، انت اليوم رأيت لوحة فأعجبتك فأشتريتها ببساطة. اما انا فسأكتفي بتصويرها لأني لااملك المال لشرائها، انت تستيقظ لتجد فطارك جاهزاً تتناوله في سريرك اما انا فعلي ان اعمل واعمل لأتمكن من توفير الفطار!
ولكني لااتناول الفطار في سريري. نحن لدينا مائدة نأكل عليها.

فجأة وجدت استيائها ينقطع لتحل محله ضحكة لاارادية فتبسم وقال:
ما سيناريو الافلام هذا! وستبدأين الان بقول انت ثري وانا فقيرة والناس في عالمك لن يتقبلوني وتجعليني اشعر اني قادم من عطارد وعائلتي ترفض الارتباط ببشرية!
امسكها من يدها مجدداً وسحبها معه لتسير وهو يقول:
كفي عن هذه الثرثرة وتعالي لأريك اللوحة الاخرى التي اعجبتني...
وقفت فأوقفته معها جبراً ولكن دون ان تسحب يدها وقالت:.

أأنت جاد؟ أستختم الحوار هكذا ببساطة؟
التفتت اليها وقال:
انه حوار سخيف لاارى فائدة من مناقشته!
فهتفت به فوراً غير مصدقة مايقوله:
تظن ان حواري سخيف؟
فهتف بها ايضاً:
اجل سخيف! انا معجب بكِ وافكر بالارتباط بكِ ما دخل الفطار بهذا الموضوع سواء تناولته في سريري او على المائدة؟ وثانياً كيف سأتناول فطاري في سريري قبل ان اغسل اسناني ايتها الذكية؟
كزت على اسنانه بغيظ وهي تقول:.

كان تعبيراً مجازياً فحسب لم اقصد انك تتناوله فعلاً انا كنت اوضح فكرة.
انا لااحب التعبيرات المجازية لأني لاافهمها فتكلمي بوضوح لو سمحتي.
كان منظرهما وطريقتهما في النقاش مضحكة جداً. وطفولية جداً! حاولت سحب يدها ولكنه لم يسمح لها بل سحبها بأتجاهه اكثر فرفعت بصرها اليه بأرتباك فتبسم قائلاً:
علي تسجيل التاريخ والوقت. فهذا اول شجار لنا! ).

لمسات خفيفة فوق يدها افزعتها من سكونها وفتحت عينيها لتجد سامي يحدق فيها بأستغراب وهو يقول:
ماما. انتي تبتسمين وتبكين!
ضحكت ميسم واستقامت بجسدها حاملة معها سامي وواضعة اياه فوق حجرها وقالت:
لما استيقظت من نومك ايها الشقي؟
هل يمكنني ان انام قربكِ؟
ضمته اليها بقوة وقبلته من قمة رأسه وقالت:
بالتأكيد ياصغيري!

حملته وهي تلقي نظرة اخيرة على غرفة ريم ثم اطفأت انوارها وخرجت مغلقة بابها ليدوي صدى الانغلاق في ارجائها ويكتنف الظلام زواياها! فرد اخر رحل عن هذا المنزل وانطفئ نوره! ظلام جديد سيحل مكانه! وفراغ جديد سيحتل ذكراه! ربما لن يشهد منزل آل ياسين سوى وداع ورحيل، كل يوم سيختفي منهم فرداً دون ان يحل احداً مكانه!.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة