قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية قد زارني الحب للكاتبة سارة ح ش الفصل الثاني عشر

رواية قد زارني الحب للكاتبة سارة ح ش الفصل الثاني عشر

رواية قد زارني الحب للكاتبة سارة ح ش الفصل الثاني عشر

أزمة حب
الحب يكون جميلاً في بدايته فحسب. حين تشعر بتلك الفراشات تتراقص بمعدتك وتتلهف متى تلتقي النظرات السرية قبل الاعتراف وتلاحظ الغيرة المكتومة وتستمتع بالحب المخفي. بعد ذلك يبدأ الجحيم بالتقدم خطوة بعد أخرى ليلتهم هذا النعيم الذي تتوقع أنك حصلت عليه. او ربما أنت لم تحصل على النعيم منذ البداية بل كان جحيماً متنكراً فحسب!

كانت مرام تظن أن الواقع كما تقرأ عنه بداخل كتب رواياتها الخيالية أو تلك الافلام التي تتابعها بشغف، من أنه بعد معاناة طويلة هي قد وجدت سعادتها وبدأت الحياة تبتسم لها بعد سنين من التجهم وأن كل ما حصل لها من ألم ما هي إلا باب للوصول نحو سعادتها الفعلية بالتعرف على رامي. لم تكن تدرك أن القدر لا يلعب هذا النوع من الادوار وأنه لا توجد نهايات سعيدة. بل هناك شيء ما بعد السعادة. حيث تكمن حقيقة الاشياء الفعلية!

مرّ أسبوع منذ اخر حديث لهما في الشرفة ومنها بدأت الامور تتحسن كثيراً فيما بينها بشكل مثالي. لأول مرة منذ قدومها تشعر باهتمام رامي الفعلي لها وتحس بنظراته السرية التي يحدق بها من خلف كتابه الذي يدّعي أنه يقرأه. مع كل يوم يمر تتمنى لو أنها تبقى هنا أكثر ولا ترحل. تبقى أمامه فقط تتابع جدوله اليومي -الذي يظنه ممل- بشغف واهتمام كبيرين!

استيقظت هذا الصباح متأخرة عن عادتها. كل مرة تستيقظ مع موعد استيقاظهم للعمل ولكن وبسبب سهرها لوقت طويل تتبادل الرسائل النصية مع رامي بأمور عابرة واحاديث غير مهمة. ولكن بالنسبة لهما لم يكن مهماً عمّا يتحدثا. بل أن يتحدثا فحسب!

استيقظت حوالي الساعة العاشرة ونهضت بفزع من سريرها كمن تأخر عن مدرسته في اليوم الاول. ولأنها تعرف أن رامي في العمل خرجت ببيجاما نومها التي اشترتها لها السيدة ندى وتركت شعرها الحريري منسدل على ظهرها باريحية من غير أن تجمعه. أسرعت الخطى نحو المطبخ وهي تشاهد ارجاء الشقة من حولها حديثة التنظيف فأدركت أن السيدة ندى قد قامت بعملها بدلاً منها هذا اليوم. دخلت للمطبخ وهي تقول باحراج: - يا إلهي! أنا أسفة بحق. لقد استغرقت بالنوم هذا اليوم لا أعرف كيف لم استيقظ على حركة رزان!

تبسمت ندى على منظرها وهي تقول: - يا حبيبتي لِما هذا الاعتذار؟ ذاتاً أنتِ صاحبة فضل على لأنكِ تساعديني بأغلب الاعمال. كنت أنجزها كلها بمفردي أنا معتادة يا عزيزتي.
- أتركِ طبخ الغداء لي اليوم بما أنكِ قمتِ بتنظيف المنزل بدلاً عني!
- حسناً لنرى مواهبكِ في الطبخ يا انسة مرام
- ستنصدمين!
- بشكل سيء؟!
حركت عينيها بتفكير ثم ردت: -حسناً. أتمنى لا!
- تتمنين؟ سيعود الاولاد ليجربو حظهم بالغداء هذا اليوم؟!

- شيء من هذا القبيل!
ثم توجهت ضاحكة نحو الحمام لتغسل وجهها واسنانها لتعود مرة اخرى نحو المطبخ لتبدأ بأعداد الغداء وندى جالسة معها هناك يتبادلن اطراف الحديث الى أن قطع حديثهما اتصال على هاتف ندى. ردت بصوت مرحب وحنون بادئ الامر: - نجلاء؟ اهلا حبيبتي كيف حالك؟
ثم تحولت النبرة الى التفاجئ وهي تقول: - حقاً؟ ومتى عدتم؟ يا لهذه المفاجئة الرائعة! بالامس اتصلتِ بي لماذا لم تخبريني لأستقبلكِ بالمطار؟

ثم خفت حدة التفاجئ قليلاً وهي تسألها: - وريهام؟ عادت ايضاً؟

ثم فجأة تغيرت تعابير ندى وكان واضحاً أن كلام الطرف الاخر لم يعجبها وقالت بشيء من الانزعاج: - وهل تظنين أن تصرفها صحيح يا نجلاء؟ أنا اعتبر ريهام مثل رزان ولو فعلت رزان ذات التصرف لاتخذنا ذات الموقف اتجاهها. هل تفضلين أن لا نتدخل بابنة اختي التي نعتبرها واحدة منا؟ إذاً ما هذا الكلام؟ لو اساءت رزان التصرف أما كنتِ ستنصحينها للصح؟ ولو خالفتكِ وعاندتكِ أما كنتِ ستتخذين منها موقف؟

ثم ارتفعت نبرتها قليلاً وهي ترد على شيء مستفز قالته نجلاء: - وماذا كنتِ تريدن مني أن أفعل حين اتصلت بي وانا ذاتاً أرى أن تصرفها خاطئ؟ كنت أظنها ستضع اعتبار لي أنا على الاقل. أم لهذا الحد كانت مهمة رحلتها؟
استمعت لثواني لنجلاء الذي كان واضحاً أن صوتها مرتفع وعصبي بعض الشيء ولكن لم تستطع مرام فهم الكلمات. لحظات حتى عادت صوت ندى لتأتأ: - أجل ولكن. نعم. لا انا. أجل أعرف.

كان جلياً أن جلاء لم تعطيها فرصة لذلك الى ان انتهت المكالمة وكان بعض التجهم والحزن بادياً على وجه ندى. فقالت مرام لتطمئن: - أنتِ بخير خالة؟!
- أجل أجل حبيبتي. أنها أختي نجلاء. لقد كانوا في سفر وعادو الان.
- يبدو أن سير المكالمة لم يعجبكِ مقارنة أنهم كانوا بسفر.

تنهدت ندى بحيرة ووضعت هاتفها جانباً على مائدة الطعام التي تجلس عليها في المطبخ وقالت تشرح الاسباب لمرام: - مات زوجها قبل سنتين تقريباً تاركاً لها رئاسة مجلس الادارة في شركته التي يعمل بها رامي بالاضافة لابنة مدللة أكثر من اللازم، انشغلت نجلاء بامور الشركة وزيادة الارباح أكثر مما أهتمت بتوجيه ابنتها ريهام نحو الصح أو منعها من شيء تريده أن كان خاطئ وهذا أدى الى تمرد ريهام أكثر لدرجة لم تعد والدتها تسيطر عليها بل وذاتاً قلما تجط نجلاء أن تصرفات ابنتها خاطئة وأن تدخلنا ومنعناها من شيء أو حاولنا نصحها.

ثم اشارت نحو الهاتف وهي تقول:
- هذا ما يحصل! تتصل نجلاء لتبدأ بتبرير تصرفات ابنتها الطائشة ومن أنها لم ترتكب ذاك الخطأ الذي يستحق انتقادنا أو منعنا لتصرفها!
تنهدت مرة اخرى ولكن هذه المرة بملل وهي تقول بنفاذ صبر:
- لن أتدخل مرة اخرى بأمور كهذه ودعِّ كل شخص يتحمل مسؤولية تصرفاته!
في هذه الاثناء كانت مرام تتذوق الطعام فنظرت نحو ندى بوجه بائس وهي تقول:
- ربما عليكِ تأجيل قراركِ هذا!

نظرت لها بعدم فهم لتكمل تلك الاخرى:
- هل تظنين إني أملك الوقت الكافي لأعادة طبخ الطعام؟
- لماذا؟!
- طعم السكر لن يعالجه أي شيء!
- وضعتِ سكر بدل الملح يا حمقاء؟!
فضحكت وهي تقول:
- أمزح فقط أحاول رؤية ردة فعلكِ!
طرحت ندى انفاسها براحة وهي تقول:
- لقد أوقعتِ قلبي وأنا اتخيل أن الاولاد سيعودون ولن يجدو ما يأكلوه!
- يا لقلب الام!

- أي قلب أم أنتِ الاخرى! لكنكِ لم تعرفي بعد رد فعل رزان حين تكون جائعة ولا تجد ما تأكله. أقسم لكِ لو كنت مجرمة واختطفتها وليس امها فلن اجازف بحرمانها من الطعام!
ضحكت مرام وهي تتخيل رد فعل رزان كيف يكون حقاً حين تجوع. لقد صُدمت بهذا مرات عديدة اثتاء بقائها معهم!

حان وقت الظهيرة وعاد رامي ورزان نحو المنزل. جلسو حول مائدة الطعام ومع أول ملعقة تناولها رامي استعدل بظهره وقال:
- أمي؟ هل أنتِ من طبخ هذا؟
فقالت السيدة ندى:
- ألم يعجبك عزيزي؟
- لا أنه لذيذ. ولكن هذا ليس نمطكِ في الطبخ.
فردت مرام بخدود متوردة:
- أجل. أنا من طهوت اليوم!
فقال بأعجاب ولؤم ممازح بذات الوقت:
- واو. كنت أظنكِ من النوع الاحمق بهذه الامور. هيئتكِ كانت تدل على ذلك.
فضحكت رزان وهي تقول:.

- الان ستصبح الامور مشوقة.
فردت مرام بكل ثقة بينما تنظر له بغرور مصطنع:
- ماذا عسانا نقول؟ المظاهر خداعة. فأنت أيضاً كنت تبدو جميلاً في الصور قبل ان أقابلك فعلاً واراك بالواقع.
لتضحك رزان مرةٍ أخرى وهي تخاطب رامي:
- ردّها أن استطعت.
ففقال بينما يشير لها بيده:
- على مهلك ابا سفيان.
- لا أظن أن ابا سفيان من قال هذه العبارة يا متحاذق.
فتجاهل الشجار مع هذه ليكمل مع تلك التي تجذبه أكثر وهو يقول:.

- وما الذي تعرفينه انتِ عن الجمال؟ ذاتاً الفتيات يحلمن بنظرة مني.
أثارت غيرتها عبارته هذه ولكنها أدعت الاعتيادية وهي تضحك ساخرة منه:
- على مهلك ايها الحالم. لا أظن إني أقضي نهاري أفكر بنظرات رامي متى سيرمقني بها.
فقل باستفزاز بينما يضع ملعقة طعام اخرى بفمه:
- لقد قلت الفتيات سيد مرام!
وهنا قالت رزان وكأنها مصدومة:
- لالا هذا لا يمكن السكوت عليه. لا تقولي ليس لديكِ رد؟
فضربتها ندى على رأسها:.

- كفِّ عن تحريضهما أنتِ الاخرى!
- أسكتي أمي الامر مشوق!
فردت مرام بينما ترفع كتفيها بحيرة:
- ماذا أفعل! أضطررت أن أكون سيد هنا. وجدت أن البيت يحتاج لرجل على الاقل!
وهنا رفعت كلتا الفتاتين يديهما لتضرباها ببعضها كعلامة على الانتصار حين ألجمت مرام رامي عن الرد. هو لم يكن عاجز عن الرد بقدر ما كان مسحور بضحكتها العالية التي يسمعها لأول مرة!

وسط ضحكاتهما العالية وتناقشهما حول انتصارهما العظيم كانت ندى تراقب وجه ابنها. تلك النظرات الدافئة التي يحدق بها بمرام لم تجده ابداً يحدق بامراة بهذا الشكل. لا تعرف هل عليها أن تكون سعيدة؟ أم يعتصر قلبها عليه؟ فأي فرصة قد يملكها هذان الاثنان مع بعضهما؟

انتهى الغداء وتشاركتا رزان ومرام غسل الصحون بينما جلس رامي يشاهد التلفاز بابتسامة لم تفارق ثغره وندى بقربه تقوم بالتطريز. قطعت عليه المباراة التي لم يكن يركز معها من الاساس وهي تقول:
- مرام فتاة لطيفة.
نظر اليها بانتباه لتكمل بينما تراقب عن كثب ادخال الابرة واخراجها في القماش:
- خلوقة. مثقفة. عاقلة. لطيفة. مرحة. ومن الطبيعي أن يتمناها كل الشباب يا رامي!

هنا اختفت ابتسامته لترفع عينيها فقط نحوه دون رفع رأسها وحملقت به من خلف زجاجة نظاراتها وهي تقول:
- انا والدتك يا رامي. وسأشعر بك قبل أن يفعل أي أحد اخر ذلك، ورأيت كيف تحدق بها اليوم!
فقال معترضاً:
- أمي لقد كان.
فقاطعته هي بينما ترفع رأسها كاملاً عن انخفاضه لتشاركه الجدال بجدية:.

- رامي. بظروف واقدار اخرى أنا من كنت سأشجع ارتباطك بها. ولكن أنت تعرف ما يمنعنا الان. ورامي أبني الذي أعرفه بعقليته ورصانته لن يرتكب حماقة كهذه. أليس كذلك؟!
زفر بحيرة بينما يرمي جهاز التحكم بسخط بجانبه فأكملت ندى مترجية:
- لا تجلعها تتعلق بك يا رامي وانت تدرك أنك لن تعطيها فرصة الارتباط بك بيوم. لا تعذب شخص مُعذب يا عزيزي. لا تكسر قلبها!
فنظر لها بملامح متوجعة:
- وقلبي أنا يا أمي؟!

- كلنا نملك قلوب حمقاء لذلك ليس من المنطقي أن نركض وراء ما تحدده لنا. هنالك أمور أهم من العاطفة والحب. هناك مسؤوليات على عاتقك عليك حلها اولاً.
- وأن فشلت في حلها؟!
- أن كنت تظن أنك ستفشل في حلها، هل تظن أنه من الصواب التلاعب بمشاعر المسكينة؟!
- أنا لا اتلاعب بمشاعرها أمي.
- ربما لا تنوي ذلك. ولكن هذا ما يبدو الامر عليه. بل ذاتاً هذا ما هو الامر عليه!

في هذه الاثناء دخلتا رزان ومرام تحملان الشاي. ما أن وضعت مرام الاكواب على المنضدة حتى سارع رامي بالنهوض ولاحظت مدة تجهمه واضطرابه فقالت بينما تشاهده يتجه بخطوات ساخطة نحو غرفته:
- ألن تشرب الشاي؟!
فرد باختصار:
- لا.
ودخل الغرفة وأغلق الباب من بعده دون تعليق اخر. بقيت تحدق ببابه المغلق بخيبة امل وهي كانت متوقعة مشاركته الجلوس لوقت اطول. جلست حيث كان يجلس ونظرت نحو ندى بتساؤل:
- ما به رامي؟!

فقالت بينما تطبطب على يدها:
- لا شيء عزيزتي. لقد شعر بالتعب فقط.
لم تصدقاها كلاهما ولكن مرام لم تفهم الامر كما فهمته رزان وقد أدركت بما تحدثت به أمها مع رامي. ومع ذلك فضّلت كلاهما الصمت.
ساعة أخرى وذلك الغامض يحبس نفسه في غرفته فقررت مرام دخول غرفتها والتحدث اليه. ما أن جلست على سريرها حتى باشرت بكتابة رسالة له:
- هل أنت بخير؟!
ثواني حتى وصلها الرد:
- بخير لا تشغلي بالكِ.

- بدوت غريباً حين دخلت الغرفة. ولك ساعة فيها ولم تخرج. هل تشاجرت مع الخالة ندى
- لا يمكن تسميته مشاجرة. أنه مجرد جدال، وهي محقة فيه!
- للخالة ندى نظرة عاقلة للمدى البعيد، بالتأكيد أنها لا تريد شيء سوى مصلحتك.

لم يصلها رد بعد ذلك من رامي. ربما لم يكن هذا الجواب الذي احتاجه منها. أراد ولو امل بسيط من أي أحد بتشجيعه بالاستمرار في طريق حبها الوعر. ولكن يبدو ان الذين يعرفون والذين لا يعرفون ينصحونه بالابتعاد واستخدام الطريق السالك. فهذا ما سيفعله كل شخص عاقل حين يقف عند مفترق طرق احدهما صخري ووعر واخر مرتب وسالك. لابد ان يختار الطريق الاسهل. ولكن المثير للملل في الطريق السالك أنه لن يعش به قصة حب مجنونة وكاتمة للانفاس!

في وقت العصر خرجت مرام من الغرفة لتجد رزان تغط بالنوم على اريكة الصالة وندى في المبطخ تؤدي بعض الاعمال. اتجهت عيناها بشكل لا أرادي نحو غرفة رامي لتجد بابه مفتوح وغرفته خالية. شعرت ببعض التضايق بعد أن ادركت خروجه. جذبها صوت ندى وهي تقول بابتسامة بينما تجفف يديها:
- اهلاً بالملاك النائم!
تبسمت واشارت نحو رزان وهي تقول:
- يبدو أن أننا نكتسب العادات مع بعض.
- هذا الهلاك النائم.

وفجأة فتحت رزان عيناها المتورمة وهي تقول:
- انا نائمة ولست ميتة. استطيع سماعكِ سيدة ندى!
جلست مرام ضاحكة عند قدميها واستغلت عودة ندى للمطبخ وهي تقول:
- والان بما أننا بمفردنا. أخبريني ما الامر؟
ادّعت رزان عدم الفهم وهي تقول:
- ماذا؟!
- ما الذي يحزنكِ؟!
استعدلت بجلستها تحاول انكار الامر وهي تقول باعتيادية:
- هل شاهدتني أبكي مثلاً؟!

- لا. أنتِ من الاشخاص الذين يضحكون بشدة حين تنكسر قلوبهم. وعيناكِ المتورمة لن تخفيها كذبة أنكِ كنتِ نائمة!
تنهدت رزان بحزن وهي تقول:
- تشاجرت من فادي.
- ولِما كل هذا التجهم؟ كل المرتبطين يتشاجرون مع بعضهم ويتصالحون!
فرفعت بنصرها الايمن امامعا وهي تقول:
- ليس هذه المرة يا مرام!
شهقت الاخرى بصدمة وقالت:
- هل أخبرتِ أمكِ ورامي؟!
هزت رأسها رافضة وهي تقول:
- قال أنه سيفاتح رامي هذه الليلة بالامر.

- ما هذا الغباء يا رزان؟ ما الذي يستحق كل هذا؟!
دمعت عيناها وهي ترد:
- ربما في النهاية لم نكن مناسبين لبعضنا فعلاً.
- من قال هذه التراهات؟!
- هو.
- هل حصلت مشكلة أم ماذا؟!
- حسناً. لنقل إني عاندته بشيء ما ومنعني من شيء ورغم ذلك قمت به. للمرة الرابعة!
ثم نظرت لها بانكسار وهي تقول:
- أنا أحبه يا مرام.
- إذاً تمسكي به!
- إذ كان هو يريد تركي. هل سأجبره على عدم فعل ذلك؟!

- لا تحطمي قلبكِ في سبيل العناد والكبرياء.
فجأة سمعن صوت رامي وهو يقاطع حديثهن:
- على ذكر الكبرياء.
نظرن اليه بفزع لا يعلمن منذ متى كان يقف خلفهن وهو يرفع كتالين بيده مخاطباً مرام:
- أحضرت هذين من أجلك.
تبسمت بفرحة وهي تأخذ الكتابين من يده لتقرأ العناوين. كانتا روايتين احدهما(الكبرياء والتحامل) لجين اوستن والاخرى(أنا قبلك) لجوجو مويس. فقال بينما تنظر لهن بفرحة:.

- رأيت بما أنكِ لا يمكنكِ دخول مواقعك على الانترنت في الوقت الحالي ففكرت بجلب بعض الكتب كي تشغلي وقتك بهن.
نظرت له بامتنان شديد وهي تقول:
- حقاً شكراً لك، لا تتخيل مدى حبي للكتب لاسيما الروايات.
- ماذا افعل! احاول أن لا أكون مثالي قدر الامكان والقدر يعارضني بذلك!
فأدعت مرام الندم والضجر وهي تقول:
- لا حول ولا قوة إلا الله. لقد نسيت ومدحته.
فقالت رزان بملل مشابه:.

- ألم تلاحظي منذ قدومكِ إني اتجنب مدحه؟ كم مرة نهرتكِ أن لا تفعلي؟!
-أنا انسى واتعامل معه مثل البشر يا رزان.
فقال بينما يسحب الكتب من يدها:
- حسناً دعيني اتصرف كالحيوانات إذاً لأحول حياتكن انتما الاثنين الى جحيم.
ثم اشار الى جيبه وهو يقول:
- وانسي امر الحلوى انسى رزان انتِ وهذه!
فوراً قفزت رزان لتتمسك بيده وهي تقول:
- انا ذاتاً اكره مرام!
فردت الاخرى وكأنها مصدومة:
- أنتِ حقاً عديمة الوفاء!

اخذت رزان الحلوى ونضهت نخو غرفتها تأكلها بتلذذ واستمتاع شديد. ضحكت مرام على منظرها وهزت رأسها بيأس من طفوليتها. ذلك الفادي لا يعرف ما سيضيع من بين يديه!
رمى الكتب مرة اخرى في حجرها مع الحلوى وقال بيننا يستند بمرفقيه على ظهر الاريكة حيث تجلس ومال بجسده عليها وكأنه يجعل الحديث بينهما خاصاً فقال بصوت منخفض:
- هل تشاجرت مع فادي؟!
ضيقت عينيها بتشكيك وقالت:.

- هل تريد رشوتي ببضع كتب وحلوى لأخبرك اسرار غيري؟!
- اجل.
- إذاً نعم لقد تشاجرت مع فادي!
ضحك ضحكة مكتومة وقال:
- لا تتعبين المحقق أن ارتكبتِ جريمة!
رفعت الكتابين معاً وهي تقول:
- بمن تنصحني؟!
- أنا قبلك
- حسناً إذاً سأقرأ الكبرياء والتحامل
فقال بنبرة اعلى مما كان يتحدث بها بينما يستعدل بظهره:
- أنتِ خُلقتِ لتعانديني!
رفعت كتفيها ببساطة وقالت:
- أحب استفزازك!

بقي يحدق بعينيها بابتسامة دافئة جعلها تخجل فوراً من سكوته وتحاول فتح مواضيع عشوائية فقط لتبعد عينيه. ولكن كلما تحدثت اكثر كلما شعرت به يغوص داخلها اكثر!

حلّ المساء وكانوا جالسين في الصالة بعد العشاء كل مشغول بأمره عدا ندى التي نامت مبكراً. رزان تقلب بهاتفها بملل منتظرة على أحر من الجمر أن يتواصل معها فادي بعد شجارهما هذا الصباح مما ادى الى سحب الخاتم من يدها من شدة عصبيته فأدركت أن هذه المرة تختلف عن كل المرات السابقة من شجاراتهم.

أما رامي فيدّعي تقليبه في التلفاز رغم أنه يستغل الوقت السري المتاح له ليحدق بملامحها الهادئة وهي تطالع كتابها بابتسامة احياناً وبتركيز احياناً اخرى. وكما عاندته هي قد بدأت بقراءة الرواية الاخرى حقاً!
فجأة قالت رزان بعد إشعار قصير وصل الى هاتفها:
أحمد قادم.
قالتها رزان بشيء من الاستغراب وهي تقرأ رسالة فادي اليها فنظر رامي اليها باستغراب ممتعض:
- أحمد؟!
ثم نظر نحو مرام وهو يسألها:.

- لقد مر أسبوع واحد فقط. أهذه هي الفترة التي قال أنه سيبتعدها كي لا يجذب الانتباه أليكِ؟!
اغلقت كتابها وهي ترد بذات استغرابه:
- لم يخبرني أنه قادم!
فكرر عبارتها بتأكيد ساخط:
-لم يخبركِ؟ أنتما تتواصلان؟!
- أجل بالتأكيد.
- ظننته لا يملك هاتف.
- أنه يستخدم هاتف فادي.
بقي يحدق بها بجمود ولكنها لاحظت مدى استيائه الواضح. هذا الفتى مخيف حين يغضب!
أعاد عينيه نحو شاشة التلفاز وهو يقول:.

- إذاً قومي لتلبسي شيء أكثر حشمة.
فردت بتعجب:
- وما بها ملابسي التي أرتديها أمامك؟ قليلة الحشمة؟!
نظر لها بطرف عينه فوضعت كتابها بجانبها على الفور وقالت من غير جدال:
-حسناً سأضع وشاحاً فوقها!
ودخلت مسرعة نحو الغرفة وكأنه تذكر للتو أن له فتاة اخرى في. هذا المنزل فنظر نحو رزان التي تحدق به بالكاد تكتم ابتسامتها وتكتف يديها الى صدرها بتحفز فقال بذات النبرة التي أمر بها مرام لعله يغطي على جريمته:.

- وأنتِ الاخرى ايضاً قومي لترتدي شيئاً مناسباً!
- الان تذكرت يا سيد رامي أن لك أخت يجب أن تحتشم أمام رجل غريب وليست محبوبتك مرام فقط!
فقال ناهراً:
- ششش ستسمعكِ أمي!
- ولست قلقاً من أن تسمعني مرام؟!
ثم نهضت من كرسيها وجاءت لتجاوره متحفزة للكلام فقال بملل:
- بالله عليكِ لا تبدأي!
فقالت بعبارتها الطائشة المعتادة:
- كم مرة ستعيش؟!
حسناً طائشة. ولكن منطقية! نظر نحوها محاولاً ختم النقاش:.

-أنسي الامر رزان. هذا لن يحصل!
- فقط أن أردته أن لا يحصل.
- طريقنا لا نهاية له.
- وهذا هو الحب. بلا نهاية ورغم ذلك ستجازف خوضه!
-الظروف لا تسمح.
-أتظنها صدفة أنك أنت من بين كل الناس في المدينة عثرت عليها؟ ألا تظن أن لله مشيئة في ذلك!
- هذا ليس أحد افلام هوليود التي تتابعيها يا رزان. هذه الحياة الواقعية حيث لا شيء مما تقولينه الان سيحصل.
- رامي انت تحبها.

- ماذا أعرف عنها لأحبها؟ ايام قليلة فقط من عرفت بها مرام الحقيقية. طوال خمس سنوات انا لا أعرف سوى مرام أخت زيد وعلاء وابنة عادل.
-الحب لا يحتاج للوقت.
- رزان. رجاءاً توقفي!
ومع عبارته هذه خرجت مرام من الغرفة تضع وشاحاً فوق كتفيها لتغطي جسدها العلوي بأكمله. اول ما التفت اليها اشارت الى ملابسها وهي تقول:
- راضٍ الان استاذ رامي؟!

لم يعلق بشيء ولم يبتسم حتى. فهو كان ذاتاً متضجور من قدوم أحمد. فجأة رن جرس الباب فالتفت باستغراب نحو رزان وقال:
- بهذه السرعة جاء؟!
- لا، لا أظنه هو. قال أنه بعد عشر دقائق سيخرج من منزله. على الاقل سيأتي بعد نصف ساعة من الان.
ثم نهضت من مكانها وهي تقول:
- دعني للاحتياط البس شيء ما.
ودخلت مسرعة نحو الغرفة بينما بقيت مرام ثابتة في مكانها تحدق بالباب الذي اتجه رامي نحوه ليفتحه.

فتح الباب ولاحظت أنه تيبس في مكانه من غير حركة وسمعت صوت انثوي يقول:
- مرحبا رامي.
قطبت حاجبيها باستغراب والذي ازداد اكثر حين لاحظت ارتباك رامي وهو ينظر اليها متمنياً أنها اختفت من خلفه أو دخلت مع رزان للغرفة. ولكنها لا تزال قابعة حيث هي تنظر بعد فهم لهذا الزائر الغريب.
عاد رامي لينظر امامه مع انبعاث الصوت الانثوي مجدداً يقول:
- هل سأبقى في الباب وانت متحجر كالصنم لا تنطق بشيء؟!

ثم تخطته ودخلت لتتفاجئ برؤية مرام تقف أمامها.
كانت فتاة عشرينية ذات ملامح حادة جميلة وعيون واسعة وقوام ممشوق برز اكثر من خلال تلك الملابس الضيقة التي ترتديها ونثرت شعرها الاسود على كتفيها محررةٍ إياه من قيد الحجاب.
رفعت حاجبها بحدة وهي تخاطب مرام:
- ومن هذه؟
نظرت مرام بحيرة ووجه منكسر نحو رامي الذي كان اسوأ حال منها وقالت:
- رامي؟!
فقالت الاخرى ساخرة:
- واو! يبدو أنكما على علاقة وثيقة!

تناست مرام كل ما هو لائق أو لا ووجدت نفسها تسألها حين رأت رامي صامت ولا ينوي تفسير شيء:
- من أنتِ؟!
- أظن أنكِ الضيفة هنا وأنا من يجب أن يعرف من تكوني.
ثم أردفت فوراً:
- ولكن رغم ذلك. أنا ريهام ابنة خالتهم. وخطيبة رامي!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة