رواية فراشة أعلى الفرقاطة للكاتبة منال سالم الفصل الخامس والثلاثون
في منزل فرح عبد الحميد
أضاءت السماء بشمس يوم جديد، فتسربت أشعتها الذهبية إلى داخل الغرفة، وبدأت فرح في التقلب على فراشها، ثم تثاءبت قليلا قبل أن تفتح عينيها لتجده محدقا بها بنظرات رومانسية، وممددا إلى جوارها وهو يبتسم لها بهدوء و...
-يزيد بنبرة رخيمة: صباح الخير عليكي يا فراشتي.
انتفضت فرح من نومها فزعة، واتسعت عينيها في صدمة، ثم أمسكت بأنامل يدها الملاءة، وجذبتها نحوها لتغطي جسدها بها، ثم رمقته بنظرات حادة وهي تبتعد إلى طرف الفراش، وتأملت هيئته وهو يرتدي تي شيرتا ذي لون أبيض، وبنطالا من القماش ذي لون رمادي شاحب و..
-فرح بصوت ناعس ومتحشرج: انت بتعمل ايه هنا؟
ظل يزيد يبتسم لها في عذوبة آسرة، و...
-يزيد بهدوء مستفز: نايم
-فرح بزمجرة عالية: وإنت مين سمحلك تنام هنا في أوضتي، أطلع برا.
استدار يزيد بجسده، وعقد كلا ساعديه خلف رأسه المسنود على ظهر الفراش و..
-يزيد مبتسما في برود: لأ.
رمقته هي بنظرات مغتاظة، ثم عبست بوجهها، و...
-فرح بنبرة محتقنة: بقولك ايه ده مش بيتك، واللي بينا خلاص انتهى، فاتفضل من غير مطرود.
أخذ هو يطلق صفيرا خافتا من بين شفتيه، ثم استدار برأسه لينظر نحوها، و...
-يزيد بهدوء: مين قالك الإشاعات دي، أنا أعد هنا، ومش ماشي
-فرح بصراخ عالي، وبنظرات مشتعلة: مش هايحصل.
ثم تراجعت بظهرها للخلف، ولم تدر أنها كانت على وشك السقوط من حافة الفراش، فلمحها يزيد من زاوية عينه، فاعتدل سريعا من نومته، ومد ذراعه القوي نحوها ليمسك بها قبل أن تفقد توازنها..
وبالفعل أحاطها يزيد بذراعه، وشدها بقوة إلى منتصف الفراش، فأصبحت هي أسفله، وجثى هو فوقها، واستند بكفي يده إلى جوارها، ثم حدق مباشرة في عينيها بنظرات أخجلتها، فابتلعت ريقها في توتر شديد، وحاولت أن تتحرك من حصاره القريب والشديد لها، ولكنها عجزت عن فعل هذا...
مال هو برأسه قليلا على رأسها، ثم تنهد بحرارة لفحت وجنتها، فأدارت رأسها للجانب لتتجنب الوقوع في تأثيره، و..
-يزيد بخفوت: رغم إني ماليش في جو الغنى ولا الكلام ده، بس عشانك أنا، آآ..
-فرح مقاطعة بضيق: ابعد عني، سيبني بقى، امشي من هنا!
ابتسم لها يزيد، ثم انحنى على رأسها أكثر، واقترب من أذنها ليهمس ب..
-يزيد وهو يدندن بنبرة هامسة: قول عليا مجنون، قول عليا موهوم، خدها كلمة مني ومن الأخر، هتحن في يوم، هاتقولي امشي مش هامشي، هاتجيبلي حد يقولي امشي مابمشيش، أن غصب عني مابنمشي، وبقيت خلاص من غير هواك مش عارف أعيش..
ثم طبع قبلة صغيرة على وجنتها التي بدأت تشتعل تدريجيا بحمرة الخجل، ومن ثم نهض عنها وعن الفراش، ووضع كلا يديه في جيب بنطاله و..
-يزيد بهدوء: أحب أبشرك إني ملازمك زي ضلك.
ابتلعت فرح ريقها، واعتدلت على الفراش، وظلت ممسكة بالملاءة التي تدثرها، ورغم أنها كانت تتجنب النظر إليه مباشرة، إلا أنها حاولت أن توهمه بأنها جادة و...
-فرح بنبرة هادرة تحمل القوة: انت بتحلم، أنا مش عاوزاك، انت انتهيت بالنسبالي، ووجودك في حياتي خلاص.
أخرج يزيد يديه من جيبي بنطاله، ثم عقد ساعديه أمام صدره ورمقها بنظرات ثابتة، و..
-يزيد متسائلا بنبرة جادة: ومين اللي هايسمحلك بده؟
نهضت هي عن الفراش، ونفضت الملاءة بعيدا عنها، ثم وقفت على بعد عدة خطوات منه مستجمعة كل شجاعتها، و...
-فرح بنبرة واثقة وحادة وهي تشير بيدها: انت ملكش حكم عليا، ولو مطلقتنيش بالذوق أنا هارفع عليك قضية في المحكمة، وهاكسبها.
تأمل يزيد هيئتها، وتمعن في قميص نومها القطني – ذي اللون الأصفر وفتحة الصدر المغلقة – والذي يصل إلى ما بعد ركبتيها، وأكتافه تصل إلى منتصف عضديها، و..
-يزيد وهو يمط شفتيه في سخرية: ممم، بجد، قضية ومحكمة!، أنا كده المفروض أقلق يعني؟
-فرح بنبرة محتقنة وهي تشير بيدها: اوعى تكون مفكر إني هخاف منك، أنا أقدر كويس أوي أنفذ كلامي، وبكرة تشوف.
-يزيد مبتسما في تحدي: طيب لحد ما يجي بكرة، فأنا أعد معاكي
-فرح بتذمر: تقعد معايا بصفتك ايه؟ ها؟
-يزيد بنبرة عميقة وهو يبتسم لها في غرور: جوزك يا مدام يزيد جودة
-فرح بنبرة متشنجة: انت مش جوزي، مش جوزي
-يزيد بهدوء حذر: قوليها من هنا للسنة الجاية، ده مش هايغير من الواقع حاجة..
ثم سار عائدا في اتجاهها عدة خطوات، فتراجعت هي للخلف في ارتباك ملحوظ، ثم توقف هو عن الحركة وحدجها بنظرات متفحصة و...
-يزيد بنبرة متريثة وواثقة: اعملي حسابك إن أنا موجود معاكي، ومش ناوي أسيبك لا الوقتي ولا بعدين..!
ارتبكت هي من نظراته الجريئة لها، وأحاطت نفسها بذراعيها، في حين ابتسم هو لها في غرور مستفز و..
-يزيد متابعا بثقة: وبعدين أنا مبسوط هنا..
ثم صمت لبرهة قبل أن يردف ب...
-يزيد بنبرة أقرب للهمس: ده حتى الجو هنا حلو، ويفتح النفس على الأخر.
ثم ابتسم لها بهدوء، واستدار بجسده ليتجه إلى خارج الغرفة، وقام بإغلاق الباب خلفه..
أخذت هي تزفر في ضيق، ثم ضربت بقدمها الأرض في عصبية وهي تتمتم ب...
-فرح بنبرة منزعجة تحمل التحدي: استحالة أخليك هنا، انت أخر واحد افكر أكمل معاه.
ثم جلست هي في منتصف الفراش، وأخذت تفكر في طريقة للخلاص منه للأبد، وبالفعل بحثت عن هاتفها المحمول، وقامت بالاتصال برفيقتها إيلين، وبعد أن أجرت المحادثة المعتادة من السلام والسؤال عن الحال، والإطمئنان على الحال طلبت فرح منها أن...
-فرح هاتفيا بنبرة جادة: أنا عاوزاكي تجيلي البيت الوقتي
-إيلين متسائلة هاتفيا بفضول: ليه؟
-فرح بخفوت: بصي أنا مش هاعرف أشرحلك بس قولي ان مطلوب مني شغل، ولازم أسلمه بنفسي في الجرنان
-إيلين بنبرة حائرة: بس ليه كل ده؟
-فرح بنبرة خافتة: هاقولك بعدين، المهم أنا هستناكي، لازم تيجيلي الوقتي
-إيلين وهي تمط شفتيها في عدم فهم: حاضر يا فرووح.
ثم أنهت فرح المكالمة معها، وأسندت هاتفها على الكومود، وظلت تنظر أمامها في الفراغ بنظرات ضيقة وهي تعيد ترتيب أفكارها...
توجه يزيد ناحية غرفة المعيشة، وبحث عن شاحن لهاتفه الذي أوشكت بطاريته على الانتهاء، وبالفعل وجد واحدا مطابقا لهاتفه، فأوصله به، ثم عبث ببعض الأزرار ليهاتف آدم..
في منزل آدم الجزار
غفا آدم مجددا على فراشه الوثير رغم محاولات زوجته إيقاظه لأكثر من مرة، ولكن أزعجه صوت رنين هاتفه المتواصل، وزفر في ضيق، ثم ضع الوسادة على أذنه لكي يمنع مرور الصوت إليها، ولكن لم يتوقف الهاتف عن الرنين، لذا اضطر أن ينهض عن الفراش ليجيب عليه و..
-آدم هاتفيا بصوت ناعس: أيوه..
-يزيد هاتفيا بجدية: صحصحلي كده يا آدم.
-آدم متسائلا بنبرة متحشرجة وقلقة: خير في حاجة يا يزيد؟ فرح جرالها أي حاجة؟
-يزيد بهدوء: لأ، بس أنا عاوز منك سلمى.
قطب آدم جبينه في اندهاش، ثم رفع أحد حاجبيه، ووضع يده على طرف ذقنه ليحكها قليلا و...
-آدم بنظرات استغراب ونبرة متعجبة: ليه؟
-يزيد بنبرة مهتمة: هاعمل بيها شغل عالي
-آدم وهو يمط شفتيه: مممم، شغل، هو انت ناوي على ايه؟
-يزيد وهو يتمتم بنبرة رسمية: دي أسرار عسكرية، لا يجوز الإفصاح عنها
-آدم وهو يعيد رأسه للخلف: والله! طيب أنا آآ...
-يزيد مقاطعا بحزم: البنت تكون عندي بعد نص ساعة، وكمان تعدي على شقتي تجيبلي شنطة الطواريء من هناك، انت معاك المفتاح صح؟
-آدم وهو يوميء برأسه: أها
-يزيد متابعا بحسم: ساعتين بالكتير وتكون كل حاجة عندي، ماشي يا سيادة المقدم
-آدم وهو يلوي فمه في عدم استيعاب: ربنا يسهل
-يزيد بجدية: هايسهل بس انت انجز، سلام!
ثم أنهى معه المكالمة تاركا إياه في حالة ذهول و...
-آدم متسائلا بإندهاش: يا ترى بيخطط لإيه بطل الحرب والسلام؟! والبت سلمى ناوي يعمل بيها ايه؟
في غرفة الطعام
بدأت شيماء في إعداد طاولة طعام الإفطار لزوجها بعد أن انتهت من إطعام صغيرتها، ثم...
-شيماء بنبرة عالية: آندومي، يالا تعالى، الفطار جاهز يا حبيبي.
دلف آدم خارج غرفة النوم وهو ممسك بهاتفه المحمول في يده، وباليد الأخرى يعبث بشعره، و..
-آدم وهو يتثاءب: أنا جاي اهووو.
رمقته شيماء بنظرات ممتعضة وهي عابسة لوجهها، و..
-شيماء بضيق: انت كنت نايم؟ أومال بس عمال تقولي صحيني من بدري، وأوعي يا شيمو تسيبني نايم، وبعد ما أصحيك ألاقيك روحت نمت
-آدم بنبرة متحشرجة: النوم سلطان يا شيموو
-شيماء وهي تمط شفتيها في عدم اقتناع: طب سيب البتاع ده الوقتي، وتعالى افطر
-آدم بهدوء: ماشي، أنا أصلا خلصت كلام فيه
-شيماء متسائلة بحيرة: انت كنت بتكلم مين؟
-آدم بنبرة عادية: ده يزيد هو اللي اتصل بيا، يعني عاوز شوية حاجات أجيبهاله عشان مش هايعرف ينزل ويسيب فرح لوحدها
-شيماء بنبرة دبلوماسية، وهي ترص الأطباق على الطاولة: ربنا يهدي سرهم
-آدم متابعا بحماس: يارب، لأحسن فرح دي زي النسمة، رقيقة كده ومش هاتستحمل الهوا الطاير.
تركت هي ما كانت ممسكة به، ثم وضعت يدها في منتصف خصرها، و رمقت زوجها بنظرات محتقنة و...
-شيماء بنبرة ضائقة: لا والله، وانت طبعا أكتر واحد عارفها
-آدم مبتسما في سعادة: ياه، ده انا معايا الكتالوج بتاعها.
استدارت شيماء بجسدها لتبحث عن شيء لتمسك به، فلم تجد سوى سلة بلاستيكية صغيرة، فأفرغت محتوياتها على الطاولة، ثم قذفتها بقوة في اتجاهه، فتفاداها آدم بأعجوبة حيث انحنى بجسده للجانب و..
-آدم بنبرة شبه غاضبة: ايه اللي بتعمليه ده، انتي اتهبلتي
-شيماء بضيق: عشان تبطل تتكلم عن واحدة تانية قصادي
-آدم بنبرة ممتعضة: دي مش أي واحدة، دي فرح، وبعدين دي مرات صاحبي، يعني المفروض متغيريش منها.
-شيماء بغيظ: برضوه واحدة، أنا ماليش دعوة.
ثم لوت شفتيها في ضيق جلي، واستدارت بجسدها وهي تعقد ساعديها أمام صدرها، فاقترب آدم منها، ثم أسند وجهه على كتفها، و..
-آدم بخفوت، ونظرات عاشقة: يا شيمو ده مافيش في القلب إلا انتي.
ثم مال برأسه ناحية وجنتها، وقبلها قبلة صغيرة، فهزت هي كتفيها في اعتراض و..
-شيماء بنبرة خافتة: اوعى كده، أنا مخصماك
-آدم بنبرة مهتمة: لالالا، أنا ماقبلش أبدا اننا نتخاصم.
ثم لف ذراعيه حول زوجته، وأحاطها من الخلف، و..
-شيماء بنبرة هامسة: بس بقى البت تشوفنا
-آدم مبتسما في خبث: لأ ما أنا ناوي أسربها عند يزيد
-شيماء وهي تعقد حاجبيها باستغراب: انت هتبعتها عندهم تاني؟
-آدم بحماس: أيوه، هو هايعمل بيها شغل عشان يظبط فرح، وانتي عرفاني أي حاجة تخص فرح أنا آآ، آآآآآآآآآآآآآآه!
لم يكمل هو جملته، حيث تأوه من الآلم، وذلك بسبب قيام زوجته بلكزه بمرفقها في جانبه بشدة، و..
-شيماء بنبرة منزعجة: ابقى خلي الست فرح تنفعك، والله لأوصي يزيد عليك
-آدم بنبرة متآلمة: أكتر من كده...!