رواية عشق للكاتبة عفت بشندي الفصل الرابع
فى صبيحة اليوم التالى استيقظ احمد وتوضأ وصلى فرضه.. وخرج ليجد والدته تنهى صلاتها وتكملها بالدعاء.. وتذكر انها من علمته الصلاة قبل ان يتعلم الكلام.. وعودته ان يطلب ما يحتاج من الله بالدعاء منذ اكمل عامه الثانى.. لذا صارت الصلاة كالهواء بالنسبة له لا يستطيع البعد عنها.. كما تعود فى ايام يتمه الزائفة ان يرتمى على سجادة الصلاة بالساعات يلهج بالدعاء كلما احس بوحدته وشوقه لامه...
قامت راوية وخلعت خمارها وابتسمت ابتسامة مشرقة حين رأته يتأملها...
- صباح الخير يا حبيبى.. خمس دقايق واجهز الفطار.. تشرب شاى بلبن زى زمان مع السندوتش؟
ابتسم بحنان وقال:
- مفيش حاجة علميتهانى اتغيرت.. بس مش عاوز اتعبك
- تعبك راحة يا نور عينى..
جهزت افطارا لهما مع الشاى باللبن وتناولاه سويا وهما يتجاذبان الحديث دون ذكر اى شئ بخصوص ما حدث فى الماضى.. كانت راوية تتأمل ملامحه وحديثه .. لا تصدق عينيها .. اما هو فكان يريد نقل كل لحظة فى حياته لها حتى يشعر انها لم تفارقه.. ولكن دون ذكر اهل بيته حتى لا يذكرها بما حدث قديما..
حكى عن طفولته وزملائه ودراسته .. ثم تنحنح بحرج..
- على فكرة .. فى حاجة تانى عاوز احكيها بس ..
- ايه.. قلبك دق يا حمادة
- تشربى قهوة؟.. جربيها من ايدى
وقام مسرعا لعمل القهوة.. وابتسمت هى بفرحة .. فصغيرها لم يعد صغيرا هكذا..
عاد بالقهوة .. وضعها على الطاولة .. وجد راوية تقوم وتقول له:
- اعترف بسرعة مين دى المجرمة اللى خطفت قلب ابنى
- مجرمة مرة واحدة؟
- طبعااا.. مانا لازم اقوم بدور الحما كما يجب ان يكون
ضحكا سويا وقال:
- هى معرفة اسرية .. بنت كويسة اوى ومحترمة .. وانا برتاح ليها.. كلمت بابا من فترة بس تعب جدى اخر الموضوع
- يعنى ايه .. لا بص.. انا من جوايا خلاص عشت دور الحما .. عاوزة اعيش دور الجدة بسرعة يلا
احتضنها احمد واحس انه عاد صغيرا.. فها هى امه الحنون المداعبة الصديقة التى كانت تحدثه وهو طفل وتعتبر تفاهاته امورا جسام تحتاج نقاشات لا تنتهى ..
قامت الام لعمل الغداء وقام معها وظلا يتجاذبان الحديث حتى سمعا باب الشقة يفتح .. نظرا لبعضهما بصمت.. وخرجت راوية لمقابلة زوجها..
- حمدلله ع السلامة.. ازيك يا رمزى.. مش هتصدق المفاجأة
- مفاجأة ايه..
- احمد جه يا رمزى.. عرف انى عايشة وجه
خرج احمد من المطبخ فى هذه اللحظة .. والتقيا.. عرف احمد من اين اتت إش إش بلون عينيها الزيتونى وشعرها الكستنائى..
كان ينظر لرمزى لا يعرف كيف يوجه مشاعره .. هل يضايقه انه زوج والدته.. ام يشعر بالخزى لما فعله به جده .. ام بالامتنان لوقفته مع امه..
انقذه رمزى من مشاعره المضطربة حينما اقترب منه وترقرقت عيناه بالدموع واخذه بين ذراعيه هاتفا:
- الغالى ابن الغالى .. ياااااااااه.. كان نفسي اشوفك اوى يا حبيبى .. نورت بيتك واخيرا رجعت بسمة امك الضايعة من سنين..
كان اللقاء حميميا دافئا على غير المتوقع.. ظل رمزى يسأله عن ابيه ويتحدث معه فى شتى الموضوعات وكأنهما صديقين .. حتى عندما اتت إش إش سلمت من بعيد ودخلت لوالدتها المطبخ ولم تقطع حديثهما..
مضى خمسة ايام.. ترك فيها رمزى عمله لمرافقة احمد.. كانا يخرجان سويا كثيرا تاركين راوية وإش إش لقرب انتهاء امتحاناتها..
لم يفتح اي من الثلاثة الحديث عن الماضى.. كانوا يتجاهلونه عامدين حتى يستمتعوا بجو البهجة الذى عم البيت ..
وانجزت إش إش امتحاناتها.. واخذت الإجازة .. كانت تتجنب احمد بشكل عجيب.. ولم تشكل هى له اى اهتمام.. بل احس براحة لابتعادها حتى لا تظل تثرثر له مثل اول يوم رأته فيه .. ولكن فى آخر يوم فى الامتحانات وجدها تطرق الباب عليه..
- ممكن ادخل
كان منهمكا فى متابعة موضوع على الانترنت.. رفع رأسه مندهشا حين سمع صوتها.. لكنه سمح لها بالدخول..
دخلت بهدوء وجلست بجانبه على الاريكة .. وظلت صامتة..
- نعم يا إش إش.. فى حاجة
- ايوة .. بس لما تخلص
- لا لسة ادامى شوية .. قولى عاوزة ايه
- هو لازم اكون عاوزة حاجة
- اكيد.. امال جاية ليه
- طيب .. عاوزة اخويا..
التفت لها مندهشا.. فقد احسها اكبر من كل مرة تحدثت فيها معه
- مش فاهم.. يعنى ايه عاوزة اخوكى.. مانا موجود اهه
- موجود ازاى
- موجود ازاى يعنى ايه.. مانا قاعد جنبك اهه
- لا انا عاوزة اخويا يكون موجود بجد.. مش قاعد جنبى بس
- مش فاهم
- يعنى المفروض لما اختك تكون معاك تقعد معاها
- مانا معاكى اهه
- طيب ممكن تسيب اللاب..
لم تعطه فرصة للرد.. بل قامت واخذت الجهاز من يده وضعته على الطاولة .. واخذت احمد الغارق فى دهشته من يده واجلسته على السرير.. ثم ذهبت الى الناحية الاخرى واحتضنته ونامت على كتفه .. قائلة:
- الاخ لما يكون ماشافش اخته من زمان بيفرح وياخدها ف حضنه.. ويبقى عاوزها تقعد معاه على طول .. مش دا اللى بيحصل فى الافلام..
ضحك احمد بشدة لجدية طريقتها ف الحديث وبساطة وتلقائية كلماتها
- طيب مش انتى كنتى مشغولة ف امتحاناتك
- لا كنت مقموصة منك
- مقموصة مرة واحدة .. ليه
- عشان انا مستنياك من زمان وانت مش حسيت منك انك مستنينى وكمان زعقتلى...
بدأ احمد يستمتع بالحديث .. خاصة انه كان يظنها كالقطة المشاكسة ولكنه ولسبب لا يعرفه وجد فى مشاكستها متعة،. والمتعة الاكبر كانت فى وداعتها وهى بين يديه كقطة وديعة ..
- بس يا إش إش انا ما كنتش اعرف اصلا ان ليا اخت.. يبقى هستناكى ازاى ..
رفعت رأسها وقطبت حاجبيها فى تفكير .. وقالت:
- طيب اديك عرفت.. هتعمل ايه
- تحبى اعمل ايه
- اول حاجة تصالحنى
- ههههههههه ههههههههه.. حاضر يا ستى .. انا اسف.. بس مش انتى قلتى لماما انك مسامحانى
- انا قلت كدة عشان مش تعاقبك بس لما لقيتك بتعيط..
- ههههههههه ههههههههه ههههههههه.. طيب ربنا يخليكى فعلا كانت هتعاقبنى وانتى انقذتينى.. وثانيا؟
- ثانيا باه تحكيلى عنك كل حاجة وانا احكيلك كل حاجة.. ماحنا اخوات ولازم نعرف كل حاجة عن بعض..
تأملها مليا وهى تتحدث بجدية كذا.. انها جميلة رقيقة صادقة .. براءتها ونقاء عينيها اللتين تحتار فى لونهما جعلته يشعر باحساس غريب عليه.. وشعر انه فعلا يريد ان يحكى لها وتحكى له.. يريد ان يعيش معها طفولتها تلك.. فشاكسها قائلا:
- طيب مش احنا اخوات..
- اه
- يبقى نتفق اتفاق
- ايه
- اننا نبقى اصحاب اوى.. ونحكى كل حاجة لبعض.. واى كلام بينا مش تقوليه لحد..
- مااااشى .. بس انت كمان مش تقول.. اصل عندى اسرار كتير مش بحكيها لحد وكنت مستنية احكيهالك زى ما الاخوات بيعملوا ف الافلام
- بردو الافلام.. عموما اتفقنا.. عاوزة تعرفى ايه عنى
- كل حاجة .. عايش مع مين .. بتعمل ايه.. ف مدرسة ايه
- هههههههههه.. حيلك حيلك.. بصى يا ستى .. انا كبير خلصت مدرسة وكلية كمان .. وبشتغل دكتور وبساعد بابا ف تجارته على خفيف .. عايش مع بابايا ومراته وجدى واخويا..
- اخوك؟ يعنى انا ليا اخ تانى
- لا دا اخويا انا .. من بابايا.. انتى اختى من مامتى
- خسارة.. كان نفسي يبقى ليا اخوات كتير
- يعنى انا مش كفاية .. امال ايه مستنياك وعاوزة احكيلك
- لا.. انا مستنياك وعاوزة احكيلك وبحبك اوى بس كان نفسي يكون عندى اخوات كتير يخرجونى ونقعد سوا ونحكى كل حاجة
- طب ما تجربينى يمكن اكون انا واحد بس اكفى كل الاسرار..
- يعنى احكيلك واشوف
- اه جربى
- طيب عاوزة اسالك سؤال
- ايه
- انت بتحبنى ؟
- طبعا ..
خرجت الاجابة بتلقائية منه .. ووجد انه يشعرها حقا.. وغمره هذا الاحساس بفرحة عارمة.. لكن فرحته تحولت لدهشة حين قالت:
- امال بابا مش بيحبنى ليه...