رواية عشقت رجلا للكاتبة إيناس جمعة الفصل الخامس
استيقظ أثير على لمسات حانية تشبه تلك التي كانت توقظه بها والدته شعر بأنه يحلم لذلك لم يرد الاستيقاظ من هذا الحلم
جلست بجواره وأخذت تمرر أصابع يدها بخفة فوق خده كي لا يصحو
لم تعلم أنه قد استيقظ ولكنه يتصنع النوم لينعم بلمساتها الحنون.
ظهرت منه ابتسامة عفوية فعرفت أنها وقعت بالفخ، أبعدت يدها عنه ولكنه كان أسرع منها، أمسك بيدهها وسحبها بقوة إلى جواره حتى التصقت بجسده ووضع قبلة على وجنتها، ارتعش على إثرها جسدها بأكمله واحمر خديها بصورة مضحكة جعلته يضحك بشدة فخبأت وجهها بصدره من خجلها
أثير: صباح الخير يا أحلى شي صار بحياتي
نور بابتسامة خجلة: صباح النور الفطور جاهز
أثير: وانتي كنتي قاعدة فوق راسي لتقوليلي إن الفطور جاهز.
نور: بس بقى الحق عليي إني حبيت فيقك بطرقة حنونة
أثير: لك دخيله الحنون إي بس اذا بدك تفيقيني هيك كل يوم بقعدلك بالبيت وببطل بروح على شغلي
نور: إي لا تروح وين المشكلة
أثير: منفلس بتضلي معي إذا فلست
نور: بضل معك حتى لو ما بقي عندك إلا خبزة وزيتونة
وضع قبلة فوق جبينها قائلا: الله يخليلي ياكي.
كانت نور قد قطفت القليل من زهرات الياسمين ووضعتهم على طاولة الطعاملتضيف الى المنزل رائحة منعشة، وقامت بفتح الستائر لتدخل الشمس إلى منزلهم الريفي البسيط فبالرغم من أن أثير لديه شركة انشاءات ضخمة إلا أنه يحرص على البساطة الريفية في كل حياته
تناول أثير طعامه وارتدى ملابسه مستعدا للخروج سمع صوت رنين هاتفه
أثير: عطيني الموبايل من عالطاولة
نور: عمي احمد عم يتصل
أثير: بابا خير شو بده.
أثير: ألو إي بابا وعليكم السلام
اليوم؟ هلا؟ طيب عشر دقايق وبكون عندك
ثم أغلق الهاتف فسألته نور: خير في شي
أثير: والله ما بعرف بده ياني امرق لعنده
نور: طيب انتبه على حالك
أثير مقبلا جبينها: وانتي كمان اذا احتجتي شي حاكيني
وصل أثير منزل والده وألقى السلام على زوجة أبيه وأخويه الذين يبادلونه السلام بطريقة فوقية ومتكبرة.
ثم قبل يد والده، وجلس وهو يشعر بضيق من وجوده في هذا المنزل فهو قليلا جدا ما يدخله فذكرياته فيه أليمة جدا
جلس الجميع في غرفة الجلوس
أثير: خير بابا طلبتني في شي
أحمد الأب: كل خير يا ابني اختك رهف إجاها عريس وحابين ناخد رأيك
أثير: رهف جاييها عريس طيب على عيني بابا بس مانك شايف أن رهف صغيرة
نطقت رهف والسم يقطر من كلماتها و بدون ادنى احترام لكونه أخيها الكبير.
رهف: أولا أنا ماني صغيرة تانيا حتى لو كنت صغيرة هاد الشي بيرجع إلي ولأهلي
نظر أثير نحو رهف نظرة تخلو من أي تعابير فهو عاجز عن التصرف في هذه اللحظة هو يحبها فهي اخته الصغيرة ولكنه غاضب منها على قلة احترامها وفي الوقت ذاته هو يشفق عليها فهي لم تتلقى التربية إلا على يد عبلة التي تملأ الغيرة والحقد قلبها وعقلها
وقف أثير بهدوء بالغ واتجه نحو رهف ثم أمسك بيدها وسحبها نحو غرفتها قائلا: تعي معي.
وقفت عبلة قبالته وصرخت بوجهه: اترك البنت من ايدك لوين آخدها انشالله مفكر ما الها اهل يوقفو بوجهك
صرخ الأب بعبلة: خليكي بحالك إنتي أخوها الكبير وبده يحكي معها كلمتين مارح ياكلها
رمق أثير عبلة بنظرة اشمئزاز وأكمل طريقه نحو غرفة رهف وهو يسحبها خلفه بهدوء
دخل الغرفة وأدخلها ثم أقفل الباب خلفه
عبلة بصراخ: لك كيف بتتركه يجرها هيك وراه بركي ضربها.
أحمد الأب: حتى لو ضربها بتستاهل لأن مية مرة صرت منبه عليها أن أثير أخوها الكبير وبدها تحترمه
جلس أثير على الكرسي مقابل رهف التي جلست على السرير وهي خائفة من ردة فعله على قلة احترامها
ولكنه فاجأها حين أمسك بيدها وربت عليها بحنان
أثير: إنتي متخيلة إني ما بتمنالك الخير أو إني عم احكي هيك لإني مو حابب شوفك فرحانة إنتي أختي الصغيرة صحيح نحن ما تربينا سوا بس هاد الشي ما بينقص غلاوتك بقلبي.
أنا بدي ياكي تتعلمي وتدرسي وتكبري وتحققي أحلامك
وبعدين بتتزوجي لاحقة عالهم والمسؤولية والولاد
رهف: إنتا عنجد بتحبني؟
أثير: طبعا بحبك عندك شك بهالشي
رهف: إنتا بتحب إيناس وبس بتعتبرها إن بس هي أختك
ولا مرة عاملتني متل ما بتعاملها
أثير: إيناس وعيت عهالدنيا وهي يتيمة وما كان إلها حدا غيري لهيك كنت قريب منها أما إنتي وهشام أمكن الي بعدتكن عني
رهف: بس ماما دائما بتقول إنك بتكرهنا لأنك بتكره ماما.
أثير: أنا لا بكرهكن ولا بكره أمكن بالعكس إنتي غلاوتك بغلاوة إيناس وأكتر يا ستي إنتي الصغيرة
رمت رهف نفسها بحضن أخيها فهي أيضا تكن له حبا كبيرا ولكن عبلة كانت دائما تقف عائقا أمام هذا الحب
مسح دموعها ثم سألها: ها شو قررتي
رهف: أنا بدي اتزوج علاء بالنسبة للدراسة هو وعدني إن يخليني كمل دراستي بعدين أنا ماني صغيرة كل رفقاتي الي معي بالمدرسة اتزوجوا.
أثير: أنا ما رح وقف بطريقك بس فكري منيح الزواج مو لعبة الزواج مسؤولية كبيرة
رهف: مسؤولية كيف يعني.
أثير: بدك تعرفي كيف تكوني بيت سر زوجك بدك تعرفي كيف تحافظي على علاقتك فيه وتحمي بيتك بدك تعرفي كيف تتصرفي بحكمة بكل موقف أيمت تقولي إي وأيمت تقولي لأ وقت بيلزم الأمر بدك تكوني دكتورة وانسة ومحامية جوات بيتك الزواج مو أن تنين حطيناهن ببيت واحد وخلص اذا حاسة حالك جاهزة لكل هالشي انا معك بس فكري منيح بالأول
انهى أثير كلامه ثم ربت على كتف رهف وخرج من الغرفة
واتجه نحو والده.
أثير: بابا إنتا شفت الشب اتعرفت عليه سألت عنه
ألأب: لا والله يا ابني
أثير: طيب على أي أساس لكن إنتا بدك توافق
وقفت عبلة وهي تصرخ بوجه أثير: لا هيك بقى كثير أنا أول مرة بشوف حدا بيكره الخير لأخته
نظر نحوها بغضب مؤجل من سنين طويلة وقال: ليكي خالتي أنا طول عمري تاركك تشتغلي على راحتك بس وقت الي بيوصل الموضوع لرهف اعذريني ما رح اسمحلك تشتغلي الي بدك يا
عبلة: رهف بتكون بنتي
أثير: وبنتك بتكون اختي.
صاح الأب بصوت عال: خلص خلص بقى انتا وياها
أثير أنا أبو البنت وأنا موافق إنتا مو مطلوب منك غير تكون موجود المسا تحضر الطلبة
أثير: يعني للبريستيج مو أكتر، طيب على راحتك بابا على قولك هي بنتكن وانتو احرار فيها بس بكرا مو عند أول مشكلة تجو تركضو لعند أثير تقولولو حللنا المشكلة
بخاطركن
ثم خرج وصفق الباب خلفه والغضب يتصبب منه على شكل حبات عرق اتصل بصديقه أحمد وأبلغه بأنه لن يأتي إلى الشركة.
أكمل طريقه باتجاه المنزل حتى وصل وطرق الباب وملامح الغضب والحزن تملأ وجهه
فتحت نور الباب وابتسمت ابتسامة مشرقة انسته كل همومه لم يشعر بنفسه إلا وهو يرتمي بأحضانها
نور: شبك أثير في شي
أثير: لأ بس تعبان شوي
نور بقلق: شبك نتصل بالدكتور
أثير: لأ مو جسمي الي تعبان قلبي
نور: سلامة قلبك تعال معي
جلست نور على الأريكة واستلقى أثير واضعا رأسه على قدمها وبدأت تدلك جبينه وتلاعب خصلات شعره.
وهي تحكي له إحدى القصص التي كانت ترويها لها جدتها
نعم هذا هو الزواج حاولت الانتحار في أول ليلة لهما ولكنها اليوم لاتطيق فراقه أكثر من ساعة
كان لها طبيبا يداوي كل جراح قلبها
كان لها مزارعا يقتلع ذكرياتها القاسية ويزرع مكانها الحب والأمان
كان لها سدا منيعا يصد عنها كل من يريد إيذاءها
هاهو يستلقي فوق قدمها كالطفل البريء تزيل همه وتشفي جرحه
باختصار (كان لها رجلا فكانت له امرأة ).
سحبت نفسها بهدوء حين تأكدت أنه غط في النوم وضعت تحت رأسه وسادة وغطت جسده بوشاح دافئ
ثم سمحت لنفسها باستغلال فرصة نومه ووضعت قبلة على جبينه
ثم ذهبت تكمل تنظيف المنزل
في وقت الظهيرة استيقظ أثير وقد شعر بالتعب من النوم فوق الأريكة ولم يستطع تذكر الأحداث بسرعة
ولكنه ابتسم حين تذكر كيف ضمته إلى حضنها وروت له قصة حتى نام شكر الله في سره على كونها زوجته.
بحث عنها في المنزل فلم يجدها فنظر من النافذة ليراها في حديقة المنزل تسقي الورود تناول وشاحآ دافئا من الغرفة وخرج متجها نحوها
وصل إليها ووضع الوشاح على كتفيها فابتسمت لفعلته
أثير: القمر شو عم يعمل
نور: عم اسقي الورورد أيمت فقت
أثير: هلأ من دقيقتين
نور: ما بدك تقلي شو كان صاير معك الصبح
أثير: رهف جاييها عريس
نور: وين المشكلة
أثير: المشكلة إن هي عمرا 18سنة وهني ما بيعرفوا الشب ولا بيعرفوا اهله.
نور: طيب قلت هاد الحكي لعمي
أثير: عمك آخ خليني ساكت بابا ما إله كلمة بشي الكلمة كلمة عبلة
نور: طيب ورهف شو رأيها
أثير: رهف متخيلة أن الزواج فستان أبيض وصالة منعزم عليها رفقاتنا ومنرقص كم ساعة وبعدين خلص
نور: ما بعرف إذا رأيي بهمك بس 18 مو صغيرة يعني بتكون واعية منيح وبتعرف شو بدها وبعدين اذا هي واهلها موافقين انتا ليش شاغل بالك
أثير: ليش شاغل بالي؟ ممكن لإنها أختي مثلا.
نور: وأنا ماعم قلك اتخلى عن اختك لما بتوقع بمشكلة وبتحتاجك كون جنبها بس عالاقل خليها تجرب اذا فشلت بتتعلم واذا نجحت منكون كلنا مبسوطين
أثير: مابعرف انشالله خير على كل حال المسا جهزي حالك بدنا نروح عبيت أهلي
في المساء وصل أثير ونور إلى بيت الأب
وبعد قليل وصل علاء ووالدته جلسوا قليلا وتحدثوا
ثم بدأت والدة علاء بالتحدث.
أم علاء: متل ما بتعرفو أنا ما عندي غير هالولد من بعد ما توفى أبو علاء الله يرحمه قررت افرح فيه وجوزه مشان شوف ولاده وانا على حياة عيني
لهيك أنا طالبة إيد بنتكن رهف لابني علاء
الأب أحمد: انشالله إذا في نصيب بنتنا ما بتكون غير لابنك
أثير: استاذ علاء انتا شو بتشتغل وين ساكن احكيلي عن حالك
علاء: أنا بشتغل بمكتب عقارات الحمدلله شغلي ماشي وحاليا ساكن مع أمي بس أنا عندي شقة جاهزة ما ناقصها أي شي.
أم علاء: بس أنا اتفقت مع ابني أن بيقعد بشقته أول كم شهر وبعدين بيرجعوا بيقعدوا معي انا مرة كبيرة ومابدي عيش وحدانية بآخر حياتي
لم يجد أثير أي سبب للرفض ولكن لا يعرف لماذا لا يشعر بالارتياح تجاه هذا الشاب
اتفقوا على أن تكون الخطبة بعد أسبوع والعرس بعد شهر من الآن.
شو توقعاتكن للأحداث القادمة وهل برأيكن خوف أثير بمحله أو لأ
وشو رأيكن بعلاقه أثير ونور
بتمنئ تدعموني بالفوت والتعليقات
انتهت السهرة في بيت الأب وعاد أثير مع زوجته إلى المنزل.
لاحظت نور أنه لم يكن على سجيته، وهي تعرف ضمنيا أنه غير راض عن خطبة أخته، لم تكن تعرف ما عليها أن تفعل، كيف ستروح عنه هذا الغضب الكامن بين أضلعه.
يجلس على الأريكة وفي حجره وسادة يحتضنها بإحدى يديه ويده الأخرى تقلب بين محطات التلفاز بعبثية واضحة
لم ينتبه لتلك التي تراقب تفاصيل جلسته وفي مقلتيها نظرة هيام لم تلق يوما إلا به
تحدث نفسها قائلة (ما الذي فعلته بي أيها الرجل، بالأمس كنت لا أطيق ذكر اسمك على مسمعي، واليوم يقتلني صمتك وبعدك، اشتاقك حتى وأنت أمام عيني )
قطعت هذا الصمت وهي تقطع المسافة الفاصلة بينهما.
جلست بجواره وهو لا زال يقلب بالجهاز الذي سحبته من يده على حين غرة قائلة
نور: إنتا بتعرف تلعب شطرنج صح
رمقها أثير بنظرة استغراب فهو دائما ما يراها تتجنب الحديث معه ولكنها الآن تعرض عليه اللعب
أكملت نور بانزعاج من صمته: ألووو أثير وين رحت
أثير: هاا نعم
نور: عم اسألك بتعرف تلعب شطرنج
أثير: بعرف ليش بقى
نور: تعلب؟
أثير: منلعب قومي هاتي العلبة
نور: قد ماكنت بتعرف أنا متأكدة إنك مارح تفوز.
أثير: ياعيني الواثق بنفسه ليه بقى
نور: جدو الله يرحمه هو الي علمني وأكيد سامع إنه ماحدا كان يهزمه بالشطرنج
أثير: هاتي لشوف
بدأت اللعبة وقد نسي أثير ما كان يفكر فيه
هو الآن سعيد، سعيد بزوجته التي أتت إليه مرتجفة خائفة وتريد الإنتحار ولكنها الآن فتاة قوية مشاكسة وواثقة من نفسها
شعر بشيء من الفخر لحكمته بالتصرف مع المشكلة.
كان يمتلك القدرة على الصراخ والضرب والإهانة فهو لديه القوة الجسدية الكافية لتدمير رجل قوي فما بالك بأنثى رقيقة وبريئة بهذا الشكل
ولكن ما الذي كان سيجنيه غير دعوات صادقة من بريئة مظلومة
صحيح أن مايمر به الآن ليس سهلا ويحتاج الكثير من الصبر والقدرة على التحمل ولكنها تستحق ذلك كله
استفاق من شروده على صوت شكوتها
نظر إليها ليجدها تكتف يديها حول صدرها وتضم شفتيها بحزن طفولي مضحك.
فضحك بشدة على هيأتها وهو لا يعلم أصلا ما الذي أحزنها
أثير: شبك لي حردانه
نور: لإنك مانك معي أنا عم إلعب لحالي من ساعة
أثير: طيب خلص عيدي اللعبة
نور: بس هالمرة بتركز
أثير: بركز
نور: وعد
أثير: وعد خلصيني يلا
أعادا اللعب مرة أخرى وأثير مبهور بذكائها وقدرتها على قراءة أفكاره وتوقع حركاته
حتى انتصرت عليه في ثلاث جولات متتالية
نور: شو نلعب الرابعة
أثير: لا رابعة شو خلص بيكفي
نور: شو خلص بيكفي بدك تعترف
أثير: بشو.
نور: بإنك خسرت
أثير: عأساس هو سر يعني خسرت
نور: يعني بدك تعترف بذكائي
أثير: يا ستي إنتي أذكى وأحلى وأطيب بنوتة شفتها بكل حياتي
سحبت كلماته كل دماء جسدها نحو خديها المنتفخين فأحمرا بشدة من الخجل
اقترب أثير منها وهو سعيد بتأثيره عليها
أثير: يسلملي الخجول أنا اذا من كلمتين بيقلبو خدودك حمر لكن ما احكي كل الي عندي شو بصير فيكي
لم تجرؤ على النظر نحو سهام عينيه الجريئة بل ظلت تهرب بعينيها هنا وهناك.
والدماء التي في خديها تحولت من دماء خجل لدماء خوف
يضع أثير يده على خدها ويمرر إبهامه فوق شفتيها الممتلئة ومع اقترابه يزداد ارتجفاها ولكنها لا تمتلك الجرأة على الابتعاد
أمام ناظريها تمر صور، لحظات من العذاب التي كانت تتذوقها والدتها قبل كل علاقة زوجية تقيمها مع والدها
حين كانت تنام في غرفتهما وتمثل النوم
ثم صورة والدتها المغطاة بالدماء وجسدها ينتفض حتى فارقته الروح.
لا يزال أثير على بعد إنشات قليلة عن شفتي نور ولكنه أحس بارتجافها فتح عينيه المغلقة ونظر بشدة داخل مقلتيها ليرى نظرة الرجاء التي رآها أول ليلة
لم يفهم ما السبب ولكنه أراد فقط أن يطمئنها فابتعد عنها مسرعا حتى يلتقط أنفاسها وهو لا يعلم ما الذي يخيفها إلى هذه الدرجة
في داخله مشاعر متداخلة من الحزن والقلق والشك؟
أجل الشك فما الذي يجعلها خائفة من اقترابه منها
لا طبعا هناك أسباب كثيرة قد تخيفها.
هكذا كان يفكر وهو يمسح على وجهه بيديه بتوتر وغضب
نظر إليها وقد انكمشت على نفسها واضعة يدها حول قدميها المثنية في زاوية الأريكة وتنظر إليه بأسف
نور بصوت يكاد لا يسمع: أنا آسفة
لم يعرف ما الذي يجب أن يفعله في لحظة كهذه
في داخله الآن رجلان لا رجل واحد أحدهما يريد الانقضاض عليها كما ينقض الأسد الجائع على فريسته
والآخر يريد أن يحتضنها ويطمئنها
أحدهما يشك بها والآخر متيقن من صدقها.
أحدهما يريد القسوة والآخر يريد الحنان
مرت بباله كلمات عمته سناء حين قالت: إنتا بالنسبة إلها الدنيي كلها اوعك تخوفها منك
فقرر أن يصغي للصوت الحنون بداخله اقترب منها بهدوء وهي لازالت ترقبه بخوف تخشى أن يكمل ما بدأ به
أخذها بين يديه محتضنا جسدها بحضن بريء
حضن لم تكن تحتاج الآن سواه
أثير: ممكن افهم شو الي صار
نور: اتذكرت ماما
أثير: رح تضلي تحكي بالألغاز فهميني
نور: أثير بترجاك أنا رح احكيلك كلشي بس مو هلأ.
أثير: لكن أيمت
نور: بخاف احكيلك ما تصدق الي بدي قوله بخاف تقول عني مجنونة متل ماكتار قبلك هيك قالوا
أثير: يا حبيبتي إنتي احكي وانا بصدقك هلأ قولي انك شفتي كائن فضائي وانا بصدقك
نور: الي صار معي أصعب من إني شوف كائن فضائي
بترجاك أثير ما تضغط عليي.
أثير: شوفي نور رح احكي معك بصراحة انتي اجيتي على هاد البيت غصب عنك ونحن اتفقنا انك تعيشي معي فترة على أمل انك تتقبلي هي العيشة بس الواضح ان هاد الشي ما صار ولا رح يصير
نور بخوف: شو قصدك
أثير: إذا إنتي عايشة معي لإنك خايفة ترجعي على بيت أهلك فاطمني أنا حتى لو انفصلنا ما رح اسمح انك ترجعي تعيشي هنيك انتي بتبقي بهاد البيت وأنا بطلع منه
نظرت نور إليه بصدمه من كلامه وشكوكه.
نور: أثير أنا صحيح فتت على هاد البيت بالغصب
بس هلأ ما في قوة بالدنيا بتطلعني منه
أثير: أنا هاد الي عم قوله أصلا قلتلك انتي بتقي هو...
لم تسمح له بإكمال جملته
نور: أثير أنا ما قصدي على هدا البيت
وأشارت بسبابتها نحو جدران المنزل ثم وضعتها فوق قلبه ومررتها من أقصى اليسار حتى أقصى اليمين وهي تقول: أنا قصدي على هدا البيت.
ثم استاقمت بسرعة لتبتعد عنه ولكنه أمسك بمعصمها وسحبه بقوة لتقع بين جدران بيتها الدافىء القابع فوق قلبه تمام
محتضنا بيديه ماضيها وجراحها ونكساتها وانكساراتها وآلامها
كان يستمع إلى أنفاسها المضطربة ودقات قلبها السريعة ويدها المرتجفة فوق قلبه
أبعدها قليلا ونظر في عينيها ليجد نظرة عتب
نور: معقول ماقدرت بعد كل هالوقت تفهمني.
أثير: مين قلك اني ما فهمتك مين قلك أصلا أن عندي استعداد اتخلى عنك حتى لو إنتي بدك أنا بس كنت حابب اسمع ردة فعلك على كلامي
نور: أثير أنا ما حسيت بقيمة حالي إلا معك ما حبيت حالي إلا معك ولا حبيت الدنيا إلا معك مافيك تتخيل وجودك بحياتي قدي مهم
ابتسم وهو بداخله يرقص فرحا لسماع هذه الكلمات قبل جبينها قائلا: الله لا يحرمني منك.
مر أسبوع مليء بالتحضيرات لخطوبة رهف حيث كانت الفتيات تخرجن كل يوم لشراء الألبسة والفساتين وباقي التجهيزات الخاصة بالتجميل
في يوم الخطوبة تجهز أثير في المساء
وقد سبقته نور إلى منزل والده حتى تساعد اختيه في تحضير الحلويات والضيفة ومكياج العروس
وأخذت معها فستانها الذي منعت أثير أن يراه
ولكنه شدد على المعايير الخاصة به من حيث الطول والوساعة.
في المساء كان أثير قد وصل إلى منزل والده وأخذ يبحث بعينيه عن نور نظر إلى باب غرفة رهف حين خرجت إيناس ترتدي فستانا مخمليا باللون الخمري
يصل إلى ما بعد الركبة بقليل ويزينه عند الخصر حزام لامع.
تجاوزها لينظر إلى الأميرة التي خرجت خلفها ترتدي فستانا أبيضا يتخلله الأزرق النيلي اللامع
ليعطيها طلة ملائكية وكأنها هربت من قصص الأميرات.
وقف متسمرا في مكانه لا يستطيع النطق بكلمة واحدة
فقط ينظر إليها ليشبع عينيه منها
استفاق من شروده على صوت إيناس وهي تصرخ
إيناس: أخي ألووو عم حاكيك حلوو صح
أثير: ها اي اي حلو
اتجه نحو نور التي تقف بخجل من نظراته الجريئة أمام الجميع
ابتسم لها قائلا: أنا قلت طويل للأرض
نور: بس...
أثير: قبل بس قلت يكون كله مغطى
نور بحزن: يعني بدله
أثير: امممم مع الأسف
نور: طيب.
ابتسم أثير لتفهمها غيرته الزائدة ودخلت لترتدي فستانا آخر فهي كانت اشترت أكثر من فستان
ثم خرجت بعد قليل وهي ترتدي فستانا مزينا برسومات الورود يصل طوله الى الأرض وعلى خصره حزام كبير.
ضحكت علياء بشماتة حين رأتها بدلت فستانها
علياء: يييي يا خسارة فستانك الأول كان أحلى بس معليش هني الرجال هيك بيحبو يخربو الفرحة دائما
نور وقد فهمت ما ترنو إليه: لا بالعكس أنا أصلا حبيت هاد أكتر
وصل علاء ووالدته وبدأت مراسم الخطوبة بوجود الاقارب وبعض من أصدقاء رهف
قاموا بتلبيس الخواتم ثم رقص العروسان
وانتهت مراسم الخطوبة.