قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية عذرا لكبريائي للكاتبة أنستازيا الفصل الثالث والأربعون

رواية عذرا لكبريائي للكاتبة أنستازيا الفصل الثالث والأربعون

رواية عذرا لكبريائي للكاتبة أنستازيا الفصل الثالث والأربعون

أشعر. بالريبة الشديدة والخوف الذي تجمدت أطرافي بسببه.
ابعدت يدي عن كريس فنظر إلى لثواني، لماذا يحدث كل هذا.
كيف تتصرف بهذه الطريقة لمجرد فشلها في الحصول على ما تريده.
اليس هذا كثير جداً؟ هل يوجد المزيد!
سمعت ستيف يعلق بدهشة: بحق الإله لا يمكن أنها فقدت عقلها.
وقف السيد ماكس مقترباً منها، كان جوزيف قلقاً جداً وهو يمرر يده على ظهرها، أما جينيفر فابتعدت وعادت لتجلس وهي تحدق إليها بهدوء.

رمق رين كريس بنظرات حاقدة ثم عاود يوجه إهتمامه إليها، من الصعب الصبر على ما تفعله أوليفيا.
مجرد حديث مستفز من جينيفر أوصلها إلى تلك المرحلة. ما سر هذه العداوة بينهما أساساً!
لا يبدو الأمر وكأن جينيفر حليفة لي فقط بل. وكأنها تكرهها وحليفة لنفسها أولاً!
إنها لطيفة مع الجميع عدى أوليفيا.
هل ما نفعله جميعنا صحيح؟
أقصد.
كلوديا أيضا لا تطيقها، جينيفر وستيف. الجميع ضدها بطريقة مباشرة وصريحة!

هل أنا. أبالغ في التفكير ووصلت إلى حد السذاجة!
كان هذا ما يأسر عقلي ويقيد أفكاري حتى أسندت جينيفر كفها على وجنتها تنظر إليهم بترقب ثم تكتفت بهدوء، نظرت بدوري إلى كريس بتردد فوجدته يحدق إليهم وقد ظهرت تقطيبة صغيرة بين حاجبيه، بدى وكأنه شعر بتحديقي إليه فنظر إلى متسائلا بكلتا عينيه فأخفضت رأسي أكبت موجة مفاجئة من المشاعر الغريبة.
والتي يمكنني وصفها بكونها مشاعر دخيلة فجأة. كاليأس والخوف إلى حد ما.

لا أشعر بالراحة إطلاقاً وبدى وكأن الطمأنينة مجرد شعلة بعيدة عني الآن وتكاد تنطفئ.
بعد لحظات تحرك جوزيف ومعه رين ليساعداها على الوقوف وقد قال جوزيف بإرتباك: أرجو المعذرة جميعاً. سيكون من الأفضل أن ترتاح في سريرها وتشرب شيئا ساخنا يهدئ معدتها.
أومأنا فخرجوا وعندما أُغلق الباب عم المكان هدوء مريب.

هدوء مزعج لا يحوي سوى الهواء السلبي المليء بالإضطرابات فقط، بدى وكأننا فقدنا شهيتنا تماما كذلك فلا أحد قد أمسك بملعقته مجدداً، وحتى من فعل ذلك لم يتناول شيئاً.
وفي ظل جلوسنا أسفل عرش الصمت القوي والثقيل قال ماكس منتزعا الجميع منه: سأتحدث مع جوزيف على إنفراد، سأخبره أن الأفضل لأوليفيا هو العودة إلى منزلها.

ثم تبادل النظرات مع كلوديا وجوش، ثم مع كريس واولين وأردف: إن حدث أي مكروه لها. ففيكتوريا ستشن علينا حرب دون الخوض في التفاصيل.
أومأت كلوديا بإزدراء: تلك المرأة المتحيزة والمتعصبة لرأيها سماع صوتها وتذمرها سيصيبني بالأرق لأسبوع كامل. بل لأشهر!
علق كريس ببرود: لا أمانع سماع تذمرها. سيكون الشجار معها مسلياً.
تدخل ماكس بشيء من الإنزعاج: من فضلك يا كريس. لا تزيد الأمر سوءاً!

رفع كتفيه بلا مبالاة وابتسم بسخرية: لا أزيده ماذا؟ الجميع يعلم أن لخالتي حاسة شم قوية ترشدها إلى المشاكل خصوصا إن كانت من جهتنا نحن. ثم أنني مررت بما يكفي من جنون ابنتها. ليكن في علمك أنني جاد الآن يا ماكس. أي تصرف أحمق آخر منها سأكون من يطردها من المخيم بأكمله وليحصل ما يحصل.

أيده ستيف بغيض: صحيح! كريس محق يا خالي. لا أدري لماذا تغض النظر دائما عن أخطاء الآخرين! أنا آسف حقا لقول هذا مباشرة ولكن. ولكنك طيب إلى درجة غير معقولة وهذا ما يؤدي إلى تفاقم المشكلة!
استوقفته كلوديا بحزم: تهذب يا ستيف! ما الذي تقوله؟
عقد حاجبيه متذمراً: ولكن.

قاطعه ماكس مبتسماً بهدوء: لا بأس. أنت محق، أكثر المشاكل التي تفاقمت كان سببها الأول هو صمتي والتعامل معها بطيبة بالغة. أنا المُلام ولن أنكر هذا.
تمتم ستيف بإنزعاج على مضض: أنا لا أقصد لومك. أردت فقط أن أقول بأن.
تدخل كريس بتبرم: كن واضحا وصريحاً. إنها الحقيقة.
ثم نظر إلى ماكس وقد لمعت عينيه العسليتان بالهدوء الشديد وهو يكمل: أنت مسؤول عن الكثير.

ها هو ذا كريس قد عاد مجدداً إلى الحوار القاسي مع والده. إن كان قد انتهز الفرصة اليوم للتقرب إلى جيمي قليلاً فعليه أيضاً أن يكون متأهبا لإقتناص أصغر الفرص ليكسر الحواجز مع السيد ماكس قليلاً.
ظل ماكس يحدق إليه بصمت لثواني فأشاح كريس بوجهه، رمقته بعتاب فقلب عينيه بلا اكتراث.
حينها قال ماكس يومئ برأسه: لا يوجد ما أتعذر به. ولكن. أرجو أن هذا لا يعني أنك تلومني على ما تفعله أوليفيا!

تدخل جوش بإستنكار: لا أحد سيفعل ذلك يا ماكس! لا شأن لك بما يحدث لأوليفيا وليس الذنب ذنبك انت وجميعنا ندرك هذا جيداً.
ولكن ماكس ظل ينظر إلى كريس وقال: ربما لديك رأي آخر. كريس؟
ولكنه بدلاً من إجابته نظر إلى الساعة في هاتفه وقال بهدوء: جيمي. إنه موعد نومك.

انتبه له جيمي الذي كان يتهامس مع بريتني وشارلي، حينها دخلت آنا التي بدى وكأنها تذكرت موعد نوم جيمي فأسرعت تدخل وتحثه على أن يتبعها فتبعه الإثنان، أما أنا. فتضايقت لتجاهله سؤال السيد ماكس ولكنني لم أكد أعاتبه بصوت خافت حتى تفاجأت به يقول متكتفاً: لا ألومك على ما تقوم هي بفعله. ولكنني ألومك على السماح لها بالمجيء معنا وأنت تدرك جيداً ما يجول في عقلها.

نفي جوش معترضاً: ضع نفسك مكانه. هل ستطلب منها الرحيل مباشرة؟
لما لا!
ماذا عن والدها؟
هو أكثر من يعلم عن جنون ابنته فما المانع إذاً.
لما لم تخبره ذلك بنفسك إذاً؟
زم كريس شفتيه وبدى أن سؤال السيد جوش قد ألجمه، أبعد ناظريه بعيداً بإنزعاج فتمتمت جينيفر بملل: على أي حال يمكنكم إنهاء كل هذا بفعل واحد فقط. ليخبر أحدكم جوزيف أن وجود أوليفيا يعكر صفو الأجواء على الجميع وسيكون متفهماً لذلك.

تنهدت أمي وقالت بأسى: لا أدري لماذا أشعر أن وجودنا هو ما يزيد الأمور سوءاً.
علق أبي مؤيداً: هذا ما ينتابني أيضاً.
تدخلت أولين معترضة: غير صحيح.
أومأت كلوديا بإستياء وبدت تركز بعينيها على أمي خصيصا: توقفا عن التفكير بهذه الطريقة! ثم أنتما وماكس تقضون وقتاً ممتعاً وتستغلون كل لحظة في استرجاع صداقتكم القديمة اليس كذلك؟

أنهت جملتها وهي تلح بنظراتها متسائلة عن ذلك فابتسمت أمي لها مسايرة قبل ان يتنهد السيد ماكس: ستيفاني. مارك، لا أحد يرى ان وجودكم يزيد الأمور سوءاً سواكما، نحن فقط بحاجة إلى دفع جوزيف ليتفهم الوضع الذي نخوضه جميعنا بسبب ابنته وحسب وبعدها سنكمل التخييم بسلام.
أردف بهدوء: سأتحدث معه غداً بهذا الشأن.

بعدها ابتسمت كلوديا وقالت تحدق إلينا: دعونا من كل هذا الآن، غداً سنذهب لتناول الغداء في أحد المطاعم الموجودة أعلى الجبل هناك. كونوا مستعدين لذلك.
تبرم ستيف وعقد حاجبيه: لماذا لا نذهب للمهرجان بدلا من ذلك؟
أيده سام وهو يشد الغطاء حول كتفيه: صحيح.
تدخلت جينيفر بملل: أنت لم تحتمل صعود المقاعد الهوائية فكيف تكون مصراً على التزلج في المهرجان وكأن شيئاً لم يكن؟ ماذا تنوي غير التقيؤ؟

أخذ الغيض مجراه على ملامح سام وهو يتجاهلها ويشرب من كأس الليمون بإنزعاج.
ارحت يداي في حجري عندما نادى أبي بإسم كريس باهتمام فنظر الأخير إليه بترقب، ليكمل أبي متسائلا: هل اتفقت أنت وشارلوت على ما ستكون عليه طبيعة حياتكما بشكل جدي؟
أضاف موضحاً: الكثير من الخلافات قد انقضت كما تبدوان الآن أكثر تفاهماً لذا أريد أن أفهم ما ستتفقان عليه بشأن تخرج شارلوت وعملها لاحقاً!

وكأن سؤال أبي ذكرني بأساس مهم كان قد اندثر بطريقة ما بسبب الأحداث الكثيرة التي توالت الواحدة تلو الأخرى!
إنها أيام معدودة وستبدأ الإختبارات النهائية منها النظرية ومنها التطبيقية وبعدها سأباشر بالعمل، ولكن كريس أفسد تلك الفرصة الذهبية التي كنت أتوق إليها وأحلم بها طيلة السنوات الماضية!
بكلمة منه أو بملغ مالي قام برشوة رئيس المشفى ليتأكد من ألا تخطو قدماي هناك وقد فشلت في المقابلة بالفعل.

ما الذي أنوي فعله الآن؟
عليه أن يصحح ما فعله! أقصد. عندما حرمني من فرصة الإلتحاق هناك كان الوضع متأزما حقاً وأراد فعل أي شيء ليكسرني ونجح في ذلك، ولكن الآن الأمور قد أخذت مجرى مختلف تماماً!
نظرت إليه بترقب لأجده ينظر إلى أبي بتفكير ثم استرق نحوي نظرة وبدت عينيه محتارة قليلا قبل ان يتمتم: طبيعة حياتنا؟

أضاف متنهداً وهو يريح ظهره على الكرسي: وكيف ستكون طبيعة حياتنا سيد مارك! هي زوجتي ومن الطبيعي أن نعيش كأي ثنائي وننجب أطفالاً ونمضي قدماً!
اتسعت عيناي بدهشة في حين انفجرت جينيفر ضاحكة وهي تضرب الطاولة بيدها!

أما كلوديا فنفيت برأسها بلا حيلة، السيد ماكس ظل ينظر إلى كريس بنصف عين وبدى محبطاً من تلك الإجابة كثيراً، أما سام فقال بهدوء: سأكون واضحاً معك. عندما يتعلق الأمر بطموح شارلوت فسينسى أبي كونك زوجها أو حتى ابن أعز أصدقائه ولن يتهاون معك كما تعتقد. وبالنسبة لإجابتك فلقد فاجأتني بالفعل.

رفع كريس حاجبه الأيسر بينما قلت متمالكة نفسي: لقد كان أبي يسألك بكل وضوح عن دراستي وعملي ولم يتطرق لأفكارك هذه! أم تُراك تتهرب من سؤاله!؟
رمقني بإنزعاج وبدى بأنه سيجادلني قبل أن تتدخل كلوديا: الأمر لا يحتاج سؤال أو إجابة، ببساطة شارلوت ستنجز ما تطمح إليه وتعمل أينما تريد. اليس كذلك؟
قالتها تلقي بنظرات خاطفة عليه فنظر بدوره إليها ثم رفع كتفيه ولم يعلق.

أزعجني ذلك كثيراً ولكنني زميت شفتي والتزمت الصمت، لحظة. هل قال.
ننجب أطفالا و.
طرفت بعيني بسرعة وبدأت شيئاً فشيئاً أشعر بالإرتباك الممزوج بالسعادة والخجل.!
هذا. يحرجني حقاً، إنه يتحدث عن زواجنا بنظرة مستقبلية واسعة الأفق فجأة. وكأنه يرسم خطة ويعرضها بكل جرأة بشأن ما يرغب في أن تكون عليه حياتنا. التحدث بوضوح هكذا. من الصعب أن أصف كيفية تأثيره علي.

اللعنة لماذا لا ينهي الموضوع ويحسمه بيننا بالإعتراف وحسب!
نظرت إليه ببلاهة وشرود حتى التقطت أذني كلمته التي أعادتني إلى الواقع: آه نعم. كنتُ من حرمها فرصة الإلتحاق بمشفى آشفورد.
كان ذلك الحديث موجهاً إلى جينيفر التي ظهر الإشمئزاز على وجهها وسألتني بعدم تصديق: كيف لا زلتِ زوجته بحق الإله!

تنهدت بعمق واسندت مرفقي على الطاولة: ماذا عساي أفعل؟ لا فكرة لديكِ كم كنت محبطة آنذاك، عملت بجد طوال فترة الدراسة حتى حصلت على معدل عالي وعندما تم قبولي هناك أفسد كل شيء لذا عليه أن يتحمل المسؤولية ويعيد لي فرصتي التي سلبها مني.
نظر إلى بسخرية: لقد كدتِ تذرفين الدموع حينها.
بل كدتَ تفقد اعصابك وتلجأ إلى حيل أكثر لترغمني على مرافقتك!
لم يكن بالشيء الكبير، أنتِ من استسلمت بسهولة.

ماذا عن ذلك العقد السخيف الذي هددتني بشأنه وطلبت مني مبلغا لتعويضك به؟
كان أمامك الكثير من الخيارات ولكنك فضلت أن تأتي معي.
لقد مارست ضغوطا شتى علي!
لقد انجذبت إلى يا شارلوت وكانت هذه النقطة تقف ضدك!
لم أكن منجذبة إليك في البداية انت من أرغمني على الإنجذاب إليك بسبب أفعالك.
توردت وجنتا جينيفر وهي تقول بتوتر مبالغ به: أفعاله؟

صفق جوش بيده بحزم يستوقنا: حسنا هذا يكفي، أردت ان أذكركما أنكما الآن متزوجان عن قناعة إن كنتما قد نسيتما ذلك!
أيدته أولين بتردد: يدهشني خوضكما في أمور قديمة فجاة.
وقف كريس ومدد جسده قبل ان يقول: على أي حال لا تزعجيني بهذا الشأن، سأتحدث مع مدير المشفى وأنهي المسألة.
ابتسمتُ بإنتصار وتكتفت بفخر: بالطبع ستفعل.

رمقني بطرف عينه بتهديد ولكنني تجاهلته مردفة: عليك تصحيح خطأك الذي ارتكبته بنفسك، ليس هذا وحسب فبعد التخييم سأبتعد عنك وأركز على دراستي وإختباراتي وحسب. في الفترة المقبلة سأعتكف غرفتي وأغوص بين أوراقي وكتبي لذا عليك أن تتركني أتفرغ لأمور كثيرة.
لماذا تتحدثين وكأنني منعتك من ذلك!
أخبرك بذلك أمام الجميع لأضمن نفسي فقط لأنني لا أثق بك، لديك رأي اليوم وأخر غداً. أنتم شاهدون على ذلك.

أتراك تطمحين لتكوني أفضل ممرضة على مستوى العالم؟!
أردف بإمتعاض يلوي شفته: الزواج من طالبة جامعية ينحصر تفكيرها على الدراسة. هذا مخزي ويجلب الصداع فقط.
أيدته جينيفر ضاحكة: صحيح، لا سيما وأنك تعمل الآن مكان ماكس. الن يكون هذا محرجا في عملك؟
نظرت إليها بإستغراب: أولا هو من كان مصر على هذا الزواج، ثم ظننتك تقفين في صفي!
أسرعت تضع يدها على ثغرها وتميل برأسها لي بإنصياع وأسف شديد فابتسمت قبل أن أضحك بخفوت.

اسندت أمي يدها على كتف أبي وقالت بتفكير: أشعر بأنني خفيفة كالريشة الآن، ابنتي الصغيرة الجميلة قد تزوجت بل وستنهي دراستها بعد بضعة أيام فقط، سام سينتهي قريباً من تجهيزات المعرض وسيبحث عن وظيفة مناسبة.
قالت جملتها الأخيرة بوعيد فتظاهر فوراً بالتعب وهو يسند رأسه على الأريكة، بينما أكملت بدورها باستيعاب: لحظة واحدة. إيثان وتيا تأخرا كثيراً!
أشرت إليها بسخرية: أخبرتك أنهما سيتماديان.

احتدت عينيها بحزم فقال أبي بإنزعاج: ما الذي يفعلانه طوال هذا الوقت!
تحركت أولين وجلست على الأريكة بجانب سام وقالت مبتسمة بهدوء: سيتزوجان قريباً على أي حال، إنهما بحاجة إلى بعض الخصوصية.
نفيت أمي مقتضبة: ولكنهما يتصرفان كما لو كانا في شهر العسل بالفعل، هذا كثير جداً.

نظر إليها السيد ماكس بتمعن قبل أن يقول بكلمات موجزة مهدئة: ستيفاني. لا تقلقي، أبناؤنا لن يكرروا أخطاءنا. وجودنا ضروري لنمنعهم من ذلك اليس كذلك؟
ابتسمت كلوديا بلطف: إنه محق.
ولكن أمي لوت شفتيها بشيء من العناد، نظر كريس نحوي وهو لا يزال يقف ثم قال موجهاً حديثه إلى الجميع: أرجو المعذرة.
تحرك مبتعداً فتساءلت بإستغراب: إلى أين؟
أجابني وهو يكمل طريقه ليفتح الباب: أنا بحاجة إلى الإستحمام بماء ساخن.

عندما فتح الباب وجدنا تيا وإيثان أمامه مباشرة وبدى أن إيثان كان سيفتحه ولكن كريس سبقه، نظر الأخير إليه بإستخفاف وتجاوزه متمتماً: كن مستعداً للمحاضرة. هذا ما تجنيه عندما تتجاوز حدودك عندما تحاول التصرف مثل روميو.
رمقه إيثان بإستنكار وإنزعاج بطرف عينه بينما تقدمت تيا لتدخل مبتسمة بهدوء وعلى وجهها الراحة والسرور.
ابتسمت لذلك ولكنني سرعان ما قلت بخبث: لن تدوم هذه الإبتسامة يا تيا، أمي غاضبة منكما.

نظرت تيا بعينيها التركوازيتين بعدم فهم نحو أمي: ما الأمر سيدة ستيفاني؟
تدخل ستيف مقلدا صوتها الأنثوي: ما الأمر سيدة ستيفاني؟ لا شيء. ستبارك لكما إنقضاء شهر العسل وعودتكما سالمين.
علق سام بسخرية: هيا يا أخي الأكبر تفضل. لماذا أنت متردد؟
رفع إيثان حاجبه الأيسر بملل وأغلق الباب خلفه وتساءل متقدماً: أمي. ماذا هناك؟

احتدت عينا أمي كثيراً وقالت بهدوء يميل إلى الحدة: أنتما الإثنان. هل تجيدان العد؟ كم ساعة انقضت منذ أن خرجتما؟! هل كنتما تنويان العودة أصلاً!
قلب إيثان عينيه وهو يقترب منها ثم ابتسم مسايراً: لا داعي لكل هذا الحذر، أنتِ تبالغين بالتفكير، كل ما فعلناه هو التنزه بعيداً من هنا وتناولنا الطعام معاً وانقضى الوقت ونحن نتحدث ولم نشعر بذلك. هذا كل شيء.

قالها وهو يضع يديه بلطف على كتف أمي فزمت شفتيها بإنزعاج شديد، اقتربت تيا بتردد ولكنها ابتسمت كذلك وقالت: نحن نحترم رغباتكم سيدة ستيفاني أؤكد لكِ ذلك، إيثان محق لم نشعر بالوقت ولهذا تأخرنا.
علق أبي يشبك يديه خلف رأسه مبتسماً بهدوء: دعونا من كل هذا الآن، يوجد سؤال يجول في خاطري.
وجه الجميع إهتمامهم نحوه فأكمل ينظر إلى تيا باستغراب: أين ستنامين تحديداً؟

صحيح! إن كان هناك كوخ لعائلتي والآخر للسيد ماكس والأخير لجوزيف وأبناؤه فأين ستنام تيا؟
وقف ستيف بتبرم ووضع يديه في جيب معطفه: الحل بكل بساطة هو نومها مع شارلي وجينيفر. اليس كذك؟
أيدته جينيفر بحماسها وهي تقول واقفة: صحيح. لدينا غرفة إضافية. بل إثنتان.
وضحت أولين الأمر: لدى عائلة جينيفر كوخ يبعد من هنا مسافة قصيرة، إنه بالأسفل و ليس ببعيد جداً.

نظرت بدوري إلى تيا وقلت: أنا لا أمانع أن نتشارك غرفتي معاً. ولكنه سرير لفرد واحد لذا قد يضايقك هذا.
بدت تفكر قليلا قبل ان تخبرنا أنها لا تمانع الذهاب مع جينيفر، بعدها جلس الإثنان معنا، غير ستيف مكانه وجلس على أريكة مجاورة لسام.
عندما كنا نتحدث جميعنا شعرت بأننا وأخيراً ينتابنا كلنا الشعور ذاته.
التحرر والطمأنينة لعدم تواجد أوليفيا! لا تعليقات مسيئة ولا اختلاق مشاكل من العدم!

ومع ذلك فهناك شعور مناقض كذلك يزعجني بشأنها، ولا أنكر أنني أردت للحظة فقط أن أذهب إلى السيد جوزيف وأسأله ما إن كانت بخير الآن. ولكنني تراجعت فوراً متذكرة مضايقاتها لي ورغبتها العارمة في التدخل وزعزعة علاقتي بكريس والتي تحسنت وتطورت كثيراً!
علي الأقل أنا أعلم الآن أن كريس يبادلني مشاعري. ومع ذلك لا يرغب في الإعتراف لي وكأنه لا جدوى من فعل هذا.
لست أفهم كيف يفكر، ولكنني غير راضية إطلاقاً عما يفعله!

عندما أفقت من شرودي وجدت عينا جينيفر الزرقاوين تحدقان إلى وهي ترسم على ثغرها ابتسامة مترقبة وكأنها تنتظر خروجي من دوامة أفكاري.
ابتسمت لها فقالت واقفة: شارلوت لنتمشى قليلا.
ارتخت ملامحي باستغراب وقبل أن أتفوه بكلمة اتجهت نحوي وامسكت بيدي تحثني على الخروج معها!
لم يكن في يدي حيلة فخرجنا من الكوخ وأغلقتْ الباب.

تركت يدي ومددت جسدها وهي تستنشق الهواء بعمق ثم قالت بسعادة: وأخيراً يمكننا التحدث معاً، أنا وأنتِ فقط.
ابتسمت باستنكار: أخشى ان تصيبني عاصفة تساؤلات الآن ولا أكون قادرة على التمسك بشيء ينجدني.
تأبطت ذراعي وأرغمتني على المشي بجانبها وقالت: ليست عاصفة حقاً. دعكِ من هذا فأنا الآن أعلم بل و أراهن على أن عدوتنا واحدة يا شارلوت.

بالرغم من نبرتها المرحة إلا أن المغزى الجاد في حديثها قد وصلني فتنهدت بعمق شديد وقلت بأسى: جينيفر. صحيح بأنني لا أعرفك ولكن. كان من الواضح جداً أنكِ لا تطيقين أوليفيا وكأنك مدركة لحقيقتها.
ارتفع حاجبيها وابعدت يدها عني لتعيد خصلات شعرها الأسود خلف أذنها: لماذا تتحدثين هكذا؟
لقد انخدعت بها. ظننتها فتاة لطيفة ولكنني كنت مغفلة، الجميع كان يشك في نواياها بإستثنائي.

ظهرت تقطيبة بين حاجبيها قبل أن تغمض عينيها بقوة وتقول بحماس: أنتِ لطيفة جداً يا شارلوت!
فغرت فاهي قبل أن أضحك وأتحرك فتحركت هي أيضاً، لا يوجد وجهة محددة ولكننا نتمشي بشكل دائري حول الأكواخ، مرت لحظات صمت حتى قالت: أنتِ محقة. أدرك حقيقتها منذ زمن بعيد.
نعم. هذا واضح جداً، سمعتك تهمسين باسم والدة كريس.
آه. تلك المختلة عديمة الضمير.
إلى أي مدى تكرهينها!

لا أدري. ربما بقدر ما جعلتني أسيرة للخوف لفترة طويلة.
أدهشتني جملتها المبهمة تلك ولم أفهم ما تعنيه! حركني فضولي لأفتح فاهي وأبادر بالسؤال ولكنها سبقتني وقالت بشرود: شارلوت. أنتِ تحبين كريس اليس كذلك؟

أومأت بصمت فأردفت: عليكِ أن تتمسكي به جيداً، إن كنتِ تحبينه حقاً فعليك أن تبقي إلى جانبه. سأكون صريحة معك منذ الآن، أنا لست هنا بمحض الصدفة أو لأجل الإستماع بوقتي حقاً. لدي أهدافي الخاصة ولكن لا يمكنني البوح بها الآن، ولكنني أعلم جيداً أن وجودي هنا مهم جداً. هناك أمور على مراقبتها من بعيد والتدخل فيها إن سارت إلى منعطف خاطئ.
ما الذي تقوله!
لست أفهم.

اليست هنا من أجل شقيقها ولقضاء وقتها مع ماكس وكريس والآخرين؟!
تقدمتني بخطى واسعة ومشت على بعض الصخور المتوسطة الحجم وقالت وهي تبدو مستمتعة: عليكِ ألا تسمحي لأوليفيا بالإقتراب من زوجك إن كنتِ تحبينه حقاً، ذلك الأحمق بالرغم من وقاحته إلا أنه وضع لنفسه حدود يرفض تجاوزها ولابد وأنكِ لاحظتِ هذا. ومع ذلك أشك في أنه قادر على كبح تهوره.
وكيف لم ألاحظ.

كريس لا يجرؤ على إيقاف أوليفيا عند حدها وهذا يضايقني كثيراً.
تساءلت على مضض: لماذا برأيكِ يفعل هذا؟ لماذا لا ينهي الموضوع ويخرج أوليفيا من حياته وحسب! أقصد. هو قادر على إيقافها ولكنه متهاون معها كثيراً.
أنهيت سؤالي أترقب إجابة تشفي فضولي ولكنها أجابت وهي تقفز من فوق إحدى الصخور: ربما لأنه خائف.

ظلت تحرك قدمها تعبث بالثلج وقد وصلنا إلى بقعة إضاءتها خافتة قليلا، رددت كلماتها بعدم استيعاب: خائف؟ من ماذا تحديداً!
رسمت على ثغرها ابتسامة صغيرة قبل ان تلقي على نظرة وتعاود القفز فوق الصخور مجيبة: لا تستهيني بي لمجرد مجيئي متأخرة عن حفلة الاحداث هذه. فأنا وبكل بساطة أرى في عينيه نظرة مميزة نحوكِ.
ما هي؟!

إنه قلق بشأنكِ كثيراً. لكريس نظرة مميزة يلقيها نحو الأشخاص أو الأشياء المهمة بالنسبة له. يمكنني رؤيته يحدق إليكِ بتلك الطريقة بين الحين والأخر.
مما قد يقلق!
من أوليفيا بالطبع!
أتقولين بأنه. قلق على بشأن ما قد تفعله أوليفيا؟ لماذا أنتِ حذرة كثيراً بشأنها يا جينيفر؟ هل هناك أمر محدد يجعلك تتخذين وضعية الدفاع والهجوم في آن واحد معها؟

توقفت فوق إحدى الصخور الصغيرة الغير مرتفعة وظلت تزم شفتيها ثم أخذت شهيقا عميقا وزفرته لتنظر إلى أخيراً: شارلوت. ما أقوله الآن لا يمكنني شرحه، ولكنكِ ستفهمينه لاحقاً أعدكِ. أنا هنا لأجلك أنتِ وكريس.
اتسعت عيناي بدهشة وبدأت أغرق في بحر الحيرة!
هي هنا لأجلي؟ ما هذا فجأة! لماذا تتحدث بهذا الغموض الغريب؟

عقدت حاجباي وحاولت أن اجمع شتات أفكاري المبعثرة ولكنها سبقتني القول وهي تنزل: تعلمين بلا شك أن القدر يحب المفاجئات كثيراً.
اقتربت مني ووقفت أمامي مباشرة لتقول بابتسامة مضمرة: لذا علينا ان نستغل كل لحظة ونقضي أوقات ممتعة مع الأشخاص الذين نحبهم. إن كان العدد مكتمل اليوم فسيكون ناقصاً غداً أو بعد غد. أو حتى بعد عام وأكثر. لا شيء سيبقى كما هو، لا شيء سيدوم كما نتمنى. هل تفهمين هذا يا شارلوت؟

نفيت برأسي بارتياب فأكملت تنظر إلى الفراغ بشرود: نحن البشر استيعابنا غالبا يأتي بعد فوات الأوان، لا نستوعب أن الأيام تمضي ولا تعود إلا عندما نفتقد ما كنا عليه. الأشخاص الذين نحبهم قد لا يبقون معنا دائماً كما نظن، الأشياء الثمينة في حياتنا لا ندرك قميتها إلا عندما نفقدها. حتى الدموع التي نذرفها عليها تبدو وكأنها مجرد للآلئ تسقط على رمال الصحراء بدلا من رمال الشاطئ. تفقد قيمتها فجاة. وتذهب سُدى.

ارتخت ملامحي كثيراً وأنا أشعر بالتشتت الشديد فجأة.
كلماتها هذه.
تصيبني بالريبة بقدر ما هي قادرة على التمكن مني والسيطرة على خوالجي ببراعة!
مغزاها العميق أصابني بالضياع وقد سألتها بصوت ضعيف: جينيفر. بدأت أقلق مما تقولينه حقاً. هل كل شيء على ما يرام؟ ما الذي تلمحين له؟
نفيت برأسها مبتسمة: لا يمكنني التوضيح أكثر ولكنني وعدتك بفعل هذا بعد إنقضاء الأمر.

أي أمر بحق الإله! أنا حقاً قلقة الآن. لماذا تتحدثين عن المستقبل بهذه الطريقة؟
ضحكت بخفوت وابتعدت فتبعتها بسرعة، بدى أنها تجاهلت سؤالي تماما فارتجفت خطواتي وتباطئت كثيراً.
أشعر بالخوف. كيف لا وكلماتها هذه تحمل معنى. موحش!

وصلنا إلى نهاية الطريق وانعطفنا يمينا لنعود من أمام الأكواخ ونتمشى مجدداً بشكل دائري حول الأكواخ الأربعة فأتى قولها دون مقدمات: ربما لا يبدو هذا منطقياً بالنسبة لكِ ولكنني أعرف الكثير، أعرف عن زواجك من كريس وعن أسبابه، أعرف عن علاقة والديك بالسيد ماكس وأعلم عن معاناتك مع تلك الشقراء المزعجة. وأعلم إلى أي مدى كان ولا يزال متمسك بكِ هذا الكريس الأحمق الذي يحب الظهور كشرير عديم الإحساس.

تنهدت بلا حيلة: أنتِ تحاولين العبث بي اليس كذلك؟
ضحكت بسخرية ثم وضعت يدها على كتفي: بصراحة نعم.
إن كان هناك هدف من وجودك وتعرفين كل شيء وتقولين أن عدوتنا واحدة فلماذا لا تخبرينني على الأقل عما يجول في خاطرك الآن بدلا من كونك غامضة! ليكن في علمك أنني فضولية جداً وقد لا تفلتي من اسئلتي التي تكاد تنفجر لتحاصرك خلال لحظات.
بمناسبة الحديث عن الفضول.
قالتها وتحولت نبرتها إلى المكر فجأة: دعينا نتعمق قليلاً.

طرفت بعيني بترقب واستغراب فأكملت هامسة: الستِ فضولية بشأن جسد زوجك؟
شهقت بدهشة وأبعدتها بإحراج: ما الذي تقولينه بحق خالق السماء؟
ولكنها انفجرت ضاحكة ونفيت بسرعة: أيتها المغفلة المنحرفة عنيت الندوب على ظهره!
أخذت الجدية مجراها على ملامحي فوراً وقد توقفت عن المشي هامسة: الندوب. تلك الندوب!
اتسعت عيناي بعدم تصديق مفكرة في عمق معرفتها في كل شيء!

هذه الجينيفر. هل حتى طفولة كريس بالنسبة لها أمر واضح؟! حتى وإن كانت علاقتها بالعائلة قديمة فكيف تكون على معرفة بأمر مثل هذا على أي حال؟
إنها تفاجئني بإستمرار. من الصعب المحافظة على توازن عقلي معها حقاً!
حاولت انتزاع نفسي من هذه التسؤالات وقلت بإهتمام: كنت أريد أن أسألك عن كيفية معرفة ذلك ولكنني بدلا من هذا سأسألك عن سبب هذه الندوب. مع أنني وبطريقة ما واثقة أن والدته من تسببت بها.

رفعت سبابتها تشير لي ب لا فازدردت ريقي وقد شعرت أن إجابة منها قادمة في الطريق قد تفقدني بها عقلي!
حاولت ان أكون مستعدة ومتأهبة لما قد أسمعه فلم أعد أستبعد أي شيء بعد الآن.
تحركت أمامي بخطى سريعة فتبعتها وبدت وكأنها تعدو فلحقت بها بصعوبة حتى وصلنا إلى إحدى الأغصان الضخمة المائلة بشدة فجلستْ عليها وقالت لي بحماس: ماذا تنتظرين؟

أشارت لي أن أجلس إلى جانبها ففعلت فوراً دون تردد، كنا نجلس على يسار الأكواخ بمسافة كافية وبعيدة قليلاً.
نظرت إلى ثم ابتسمت وبهدوء، حدقت إليها بدوري بترقب حتى قالت بنبرة مرحة يختلجها شيء غريب آخر: يمكننا القول أن باتريشيا من تسببت بها فعلاً. ولكن. يوجد من كان السبب أيضاً.

ارتخت ملامحها كثيرا ولكن تلك الإبتسامة قد حافظت عليها بالرغم من ضمورها قليلا، لحظات من عمق عينيها الزرقاء الداكنة في الفراغ حتى تمتمت: لن آتيكِ بشيء غريب أو خارق للطبيعة، فلا بد وأنكِ توقعت أن والدته من فعلت ذلك. ولكن لم يكن ينبغي على كريس أن يكون من أصيب بتلك الندوب بل أنا.
أنتِ!
همست بتلك الكلمة بعدم فهم أعقد حاجباي باستغراب شديد فأومأت: نعم. كريس تعرض لتلك الضربات وهو يحاول الدفاع عني.
هاه!

إليكِ ما حدث باختصار. ولكن سأخبرك أولاً عما كان الحال عليه قبل سنوات عديدة.
كلي أذان صاغية.

زمت شفتيها ثم أجمرت شعرها الأسود ناحية اليمين أعلى كتفها وقالت تنظر إلى بهدوء: لا بد وأنكِ تعلمين على الأقل أن رين وكريس كانا على وفاق تام فيما مضى، لقد كنت كثيرة الزيارة لهاذان الإثنان في منزل ماكس، أحببت الذهاب إلى هناك بعد الدوام المدرسي لأزعج كلاهما، حسنا كنت أعشق الإهتمام بمظهري كثيراً ويمكنكِ القول أنني كنت أحب رؤية رين محرجاً مني وكريس غاضبا مني. كانت متعة خاصة بالنسبة لي وبصراحة كانت أوقات جميلة جداً.

أومأت لها بإستحسان أحثها على ان تكمل فأعقبت تثني ساقيها: ولكن هذا السلام لم يدم طويلاً، ففي إحدى المرات لم يكن رين متواجداً لسبب ما ولكن شقيقته أوليفيا بقيت في منزل ماكس، وللأسف في ذلك اليوم لم تكن أولين ولا حتى ماكس متواجدان في المنزل. أتيت لزيارة كريس أو لإزعاجه كعادتي ومضايقته وبعدها أمضيت وقتي معه في الغرفة متجاهلة تماما وجود أوليفيا إلى كانت تحشر أنفها هناك، كما عليك أن تعلمي جيداً أنني لم أتقبلها يوما منذ الصغر، كنت كثيرة الشجار معها وأكره تصنعها الدائم وتصرفها كطفلة مهذبة بينما تخفي حقيقة أخلاقها في الخفاء بعيداً عن أعين والدتها والأخرين.

منذ الصغر!
وكيف لا يكون ذلك ممكناً؟ لقد كانت تمضي كل أوقاتها مع باتريشيا بل وتعلقت الإثنتان ببعضهما كثيراً.
كيف تكون السيدة فيكتوريا راضية عن كل هذا!

لوت شفتيها بلا اكتراث: امرأة تهتم بجمالها ومظهرها وإنجازاتها فقط ولا يوجد لأبنائها مساحة خاصة في حياتها فكيف لا تكون راضية عن بقاء ابنتها مع شقيقتها تلك؟، وعندما يأتي الأمر لإرتكاب الأخطاء فأبناؤها الملائكة اللطيفون دائماً ولا سيما أوليفيا. هل تفهمين ما أعنيه؟
نعم.
أردفت: أكملي.

حسنا لنعد إلى موضوعنا، في ذلك اليوم خرجت من غرفة كريس قليلا بعدما شعرت بالجوع ورغبت في الذهاب إلى المطبخ وأحشو فمي بأي شيء وعندما رأيت الخدم هناك سهوت وقضيت وقتي في المطبخ لوقت ليس بقصير.

تغيرت نبرتها قليلا ومع ذلك رسمت ابتسامة صغيرة وهي تضيف بكلمات سريعة: بعد ان تناولت طعامي وفي طريقي للصعود إلى كريس قابلت أوليفيا التي كانت مجرد صغيرة مزعجة لا تطاق، تجادلت معي بخصوص زيارتي الدائمة لمنزل ماكس فلم أصدق خبراً لأحصل على فرصة للشجار معها. ولكنني لم أكن اتخيل أن باتريشيا ستدافع عن أوليفيا كابنتها بل وأكثر!
ما الذي فعلته!

تدخلت في شجارنا واستدرجتني إلى غرفتها فتشاجرت مع الإثنتان دفعة واحدة.
طرفت بعينها الزرقاء ببطء وبدت شاردة الذهن قليلا قبل ان تتنهد واضعة يدها على كتفي: ثم خمني ماذا؟ تلك المخبولة باتريشيا فقدت أعصابها بسببي وجرتني معها إلى حمام غرفتها وفاجأتني بمحاولاتها اليائسة لتجبرني على ابتلاع منظفات الحمام ولكنها فشلت.

اتسعت عيناي وكدت أعلق بدهشة لولا أنها أكملت باستيعاب: أو لنقل أنها نجحت تقريباً، فلقد تم أخذي إلى المشفى لإجراء غسيل معدة وما شابه ولكن دعكِ من هذا الآن، كريس على ما يبدو شعر بتأخري المبالغ به وخرج ليتفقدني ويبدو انه بطريقة ما استشعر أمراً غير طبيعي ووجدني هناك في غرفة والدته، في اللحظة التي دخل كريس فيها كنت ملقاة على أرضية الحمام غير قادرة على استساغة طعم المنظفات وأشعر بألم في حلقي ومعدتي ولن أنسى ذلك الألم حينها. ولكن الألم الحقيقي الذي لن يفارق جسدي ومخيلتي كان في اللحظة التي جلبت فيها باتريشيا أحد أحزمة ماكس من الخزانة على حين غرة.

عقدت حاجباي بارتياب: أحد الأحزمة! لا يمكن...
أومأت بهدوء: بلى.
ابعدت يدها عن كتفي وشبكت كلتا يديها تضم بهما ساقيها المثنيان متمتمة: تلقيت ضربة على ظهري شعرت فيها بتشنج جميع أعضاء جسدي، تلك اللعينة استخدمت كامل قوتها في ضربة واحدة ولم أتمكن من سماع صوتي او الصراخ من شدة الألم.

رصيت على أسناني بحنق شديد ولم أشعر بيدي التي ارتفعت لأضعها على كتفها مواسية لتكمل: الضربة الثانية صوتها محفور في أذني حتى اليوم. ذلك أنني لم أكن من تلقيتها بل ذلك الأحمق كريس الذي حاول منعها من ضربي.
شعرت بالضيق والحزن يعتريني بشدة وقد نظرت للفراغ بإستياء، باتريشيا تلك كانت مجرد عبء ولا سيما على كريس.

في لحظة كهذه أسمع فيها مثل هذا النوع من الأحداث المؤسفة أتمنى فقط لو كنت إلى جانبه حتى لو لم أكن ذات فائدة، بل كنت سأبذل كل جهدي لحمايته من أي ضرر نفسي أو جسدي. ذلك الحظ السيء هو السبب، لو كانت أولين متواجدة على الأقل. او ماكس. أو أي شخص آخر بالغ!

انتزعني صوت جينيفر من شرودي لتقول بنبرة هادئة تحمل شيء من الرغبة في المرح: بعد تلك الضربة التي تلقاها عجزت عن ابعاده عني، كنت أكبر منه سناً ولكنني أجبن منه بكثير، مؤسف ومخزي صحيح؟

نفيت بسرعة بإستياء فأعقبت مبتسمة بضمور: لم تمانع باتريشيا ان تكمل ضرب كريس فبعد ان تشنجت أنا وشعرت بالموت لذلك الألم على ظهري من ضربة واحدة ظل يتلقى كل الضربات رافضا ان يبتعد عني، كنت مجرد جثة تستلقي على بطنها وبالكاد تفتح عينيها، ووقوع صوت الضربات على ظهره كان بمثابة وقوع ثقل هموم العالم على صدري. سمعته يتأوه بشدة بل وتوسل لها لتتوقف. توسل إليها بصوت خافت ضعيف وبدى وكأنه وصل إلى أقصى حدود التحمل وبعدها لم أسمع منه كلمة فأدركت غيابه عن الوعي. المنقذ الوحيد في هذه اللحظة كانت تلك الشقراء المزعجة التي دمعت عينيها وبدت خائفة وهي تحدق إلى محبوبها، هذه المختلة تدخلت في وقت متأخر جداً وطلبت من باتريشيا التوقف، أخبرتها انه لا يجب إيذاء كريس بل أنا. لقد حاولت مرارا وتكرارا حتى توقفت باتريشيا لاهثة وجثت على الأرض، تلك الشقراء اسرعت نحو كريس لتتفقده وبدأت بالبكاء عندما لم يستجب لها وهرعت لتخبر أحد الخدم.

انتابني ألم مزعج من انقباض قلبي بل وشعرت بأن صدري لم يعد يحتمل دخول المزيد من الهواء إلى جوفه، تفاجأت ببعض الدموع المتحجرة في مقلتاي وأسرعت أشيح بوجهي متمتمة بصوت مرتجف: لا يمكن ان تكون أماً. هي لا تعرف معنى الرحمة أو الأمومة.

ما الجديد. يوجد الكثير من النساء اللواتي يمنع إطلاق لقب الأم عليهن. يوجد من تعذب أبناءها ويوجد من تحرمهم من الكثير، يوجد من لا تبالي بمشاعرهم ويوجد من تتخذ من أولادها أكياس ملاكمة لتفريغ همومها وطاقتها. عليك أن تعي هذا جيداً. لقب الأمومة محرم وممنوع على فئة من النساء تجردن من الإنسانية تماماً.

أومأت بتفهم: أعلم ولكن. هذا قاسِ حقاً! إن كانت والدته تصرفت بتلك الطريقة فإلي من كان عليه ان يلجأ؟ لا يوجد من هي قادرة على ان تحل مكان الأم الحقيقية يا جينيفر حتى لو بذلت السيدة أولين كل جهودها، هذه المرأة تحب كريس بالفعل وترى فيه الإبن الذي لم تلده ولكنه. كأي شخص آخر لا بد وأنه يتمنى أن تصرفات امه تلك كانت مجرد كابوس مرعب! من الصعب تقبل هذا. إنه ظلم!

أغمضت عيناي محاولة تمالك نفسي وألا أبكي أكثر فاسندت رأسها على كتفي وهمست بشرود: ولكنه واقع. نسمع دائما عن جرائم لا تطرف لها العين، يوجد نساء ماتت لديهن غريزة الأمومة الحقيقية. إنهن مشوهات وبشعات من الداخل أكثر مما تتصورين.

ولكن. أن تكره كريس وتفرغ حقدها عليه أمر لا يقبله أي عقل بشري، كل هذا لأجل أمي وأبي اللذان حاولت افساد علاقتهما منذ البداية! ماذا عن السيد ماكس الذي أحبها وصبر على تصرفاتها. لماذا لم تشعر بالحب الذي يكنه إليها.؟!
لا أظنها كانت تعي ما يعنيه الحب. هذا تفسيري الوحيد.

أردفت بصوت منخفض: أكرهها كثيراً هي وتلك الشقراء. لن ألتمس الأعذار لهما، حتى وإن رحلت باتريشيا فلقد تركت خلفها أثر من الصعب محيه، رحلت بعد أن خلفت خلفها زوبعة وفوضى من الصعب جداً التخلص منها، علاقة كريس بوالده السيئة بل وحتى بابنه. أعلم جيداً أنه مجرد مغفل لا يجيد التعامل مع جيمي حتى وإن حاول.
ولكنه. حاول اليوم جاهداً التقرب إليه!
ولكنه سيظل يرتكب الأخطاء. من الصعب توجيهه.
هذا رغماً عنه.

ابعدت رأسها عن كتفي محتارة تنظر إلى بتمعن قبل ان تضحك بخفوت فاستغربت ذلك، لم أعلق وإنما ابعدت خصل شعري المتناثرة ومسحت ما تبقى من دموع حول عيناي فقالت: يا لها من رائحة حب زكية وقوية. أخبريني.

أضافت بخبث مقربة وجهها: لا يمكنني تخيل ذلك لذا اسدي لي خدمة من فضلك، هل يتصرف زوجك بعاطفية؟ هل يوجد أي حدث رومانسي لطيف! من الصعب رسم صورة لكريس وهو يتصرف بتلك الطريقة ولكنك تدافعين عنه مباشرة دون تردد وردودك جاهزة. كيف يعاملك.؟
بتبلد.
اختصرت الأمر بهذه الكلمة ثم ابتسمت رغما عني عندما طرفت ببلاهة: ما هذا!
ثم سرعان ما لمعت عينيها بشيطانية: بتبلد هاه؟ فضيحة رائعة تستولي على عناوين الأخبار.

ضربت كتفها بخفة وقد ضحكت بخفوت، ثم هدأت قليلا وأخذت الجدية مجراها على ملامحي: ولكنك لم تكملي، ما الذي حدث بعد ذلك؟

تلاشت السخرية من وجهها لسؤالي ونظرت للأمام لتقول على مضض: كما أخبرتك، أجريت غسيل معدة وبقيت في المشفى بسبب ظهري أيضاً، أما كريس فأمضى عدة أيام هناك حتى شعر بالتحسن، ولكن تلك الندوب على ظهره تركت أثراً لن يمحي ذلك اليوم من ذاكرته. ولأكون صريحة معك. كنت مستمرة في كوني جبانة فلم أجرؤ على النظر إلى كريس بعد ان تسبب له في ذلك الأذى.
ولكنك لم تخطئي في شيء!

سأظل مسؤولة عما حدث، لو لم أتشاجر معهما لم حدث ما حدث. كان على اللجوء إلى حلول بديلة، كتجاهلهما أو مرافقة كريس لنخرج من المنزل أو أي تصرف آخر حتى.

أردفت بعد صمت لثواني معدودة: بصراحة شعرت بالخوف أكثر من الحقد نحو باتريشيا، ظل الخوف يلازمني كلما مررت أمام منزل ماكس مما تحكم في الكثير من القرارات المصيرية في حياتي لاحقاً، فوجدت نفسي فجأة أقرر الدراسة خارج البلاد والذهاب إلى إحدى المدن حيث أحد أفراد العائلة متواجد هناك، درست وتخرجت بل وعملت والتحقت بإحدى مؤسسات الإعلام، كنت أتواصل مع كريس بين فترات متراوحة بعيدة، أما ماكس وكلوديا فكنت تقريباً دائمة التواصل معهما. ربما ماكس يشعر تجاهي بالذنب أو المسؤولية وهذا ما كان يدعوه للتواصل معي والإطمئنان بشأني دائماً.

تغيرت فجأة نبرتها لترتخي ملامحها وتقول بعاطفية مبالغ بها: أوه. ماكس كان حب الطفولة هل يمكنكِ تصديق هذا؟
أغمضت عيناي بلا حيلة: هل كان عليكِ تغيير الموضوع بهذه الطريقة؟

صدقاً! كنت معجبة بماكس وتمنيت الزواج منه أيضاً، عندما كنت لا ازال صغيرة كنت كثيرة الزيارة لمنزله، حتى عندما كان كريس لم يبلغ الخامسة بعد كنت أزورهم بحجة رغبتي في رؤيته واللعب معه ولكنهم لا يعلمون أنني كنت أتجاهله وأتركه يلعب في مناطق خطيرة وأتسلط عليه بينما أراقب ماكس من بعيد.

انفجرتُ ضاحكة فأضافت بعين حالمة وبخجل: كان ولا يزال وسيماً. ولكنني بعدها قمت باستغلال مشاعر رين نحوي لأشعر بنخوة الإنتصار قليلاً وظننت أنني سألفت نظر ماكس بل ورسمت خيالاً ورأيته يشعر بالغيرة على ولكن لم يكن لجهودي أي فائدة. حسناً فليكن يوجد الكثيرون الآن يحومون حولي في العمل وفي كل مكان تخطو عليه قدمي. ولكنني أفضل البقاء عزباء لأرى المزيد من الرجال يتهافتون علي.

ارتفع حاجباي بعدم استيعاب: هل أنتِ في كامل قواكِ العقلية؟
ضحكت بخفوت وضربت كتفي بقوة فتأوهت واختل توازني!
اعتدلت في جلستي أكتم ضحكة قد انتابتني لخبلها وتهورها، وقفت بدورها ورفعت كلتا يديها بقوة ثم قالت: ثم ماذا؟ ثم يغدر رين بي ويقع في حب فتاة من مدرسته.
ثم ضحكت فجأة وقالت بسخرية وخبث: ولكن عقاب الإله قد حل به عندما قبّل كريس فتاته وافترقا.
فغرت فاهي بعدم تصديق وعلقت بدهشة: هل تعرفين هذا أيضاً.!

بدت مستغربة وهي تنزل يديها: ولما لا أعرف! فلقد فعل كريس هذا ليبعد تلك الفتاة عن رين، كنتُ من أخبرته أنني رأيتها مع أحد الفتية وتستغفل رين فتصرف بدوره بحماقة.
أنتِ. لست ملمة بكل شيء وحسب بل عاصرت الاحداث كلها!

قلتها وأنا أضحك بعدم تصديق. فقالت مفكرة: إنه مجرد غبي، فلقد أخبرته أن يتصرف بطريقة أخرى. أعطيته فكرة الذهاب إلى تلك الفتاة ومواعدتها ثم في إيقاعها في حبه عمداً ليكسر قلبها كما فعلت مع رين. ولكنه اختار فجأة ان يقبلها أمامه.
نظرت إلى بسخرية: الا تعتقدين أنه كان مجرد منحرف مقرف صغير؟!
من الصعب تحديد الصف الذي تقفين إلى جانبه!

أنا أقف مع الجميع. يمكنكِ القول أنني أقف في المنطقة الرمادية، بعيداً عن المنطقة البيضاء أو السوداء، هذا عدل اليس كذلك؟
لا أستبعد وقوفك ضدي يوما ما إذاً.
هذا يعتمد على تصرفاتك.
أنتِ مخيفة!
امسكت بيدي تحثني على الوقوف وهي ترمقني بسخرية، تحركت عاجزة عن إخفاء ابتسامة الراحة التي أشعر بها الآن، هي لم تخبرني عن جزء من طفولتها وحسب ولكنها أيضاً تتفق معي في الكثير من الأفكار.

بطريقة ما. أشعر أنها ستكون عون لي بل وقد تكون كتفاً أستند عليه لاحقاً، من يعلم. فالحياة مليئة بالمفاجئات، ولكن هذا الجزء يقلقني قليلاً. فحديثها عن المستقبل مشؤوم وموحش إلى درجة شعوري بالإرتياب والتوتر!
كيف تتحدث بتلك الطريقة وكأننا سنفتقد شخص ما قريباً؟!
علي أي حال أنا لن ألجأ إلى الطريقة السلبية في التفكير، على أن أكون متفائلة. لم أعتد إغراق نفسي في دوامة سوداء تعكر على صفو مزاجي.

نظرت إليها بشرود مفكرة في نفسي إن كانت ستخبرني عن سبب خلاف رين وكريس، إن كانت تعلم كل تلك الأشياء فلا بد وأنها تدرك حقيقة خشية رين للظلام بتلك الطريقة الغريبة، أنا أعرف جيداً ودون أدنى شك أن كريس ارتكب حماقة ما وقد كان السبب في ذلك. وإلا لما رأيت تلك النظرة الأشبه بالإضطراب أو الندم عندما رأى رين في تلك الحالة وتجاهلني ليذهب للإستحمام والنوم فوراً.

تحرك لساني من تلقاء نفسي وقد سيّره الفضول بلا حواجز: جينيفر. لست أفهم سبب خلاف كريس ورين، أعلم أن كريس أخطأ في حقه ولكنني.
لست الشخص الأنسب لذكر ذلك الموقف، كما أنني لا أريد التمسك بتلك الذكريات السيئة.
أضافت وهي تتنهد تنظر إلى السماء: أتساءل إن كانا سيعودان إلى علاقتهما الأخوية تلك، من يراهما الآن لن يصدق ما كان الوضع عليه. إنهما يتجاهلان وجود بعضهما تماماً.

ثم نظرت إلى بحذر قبل أن تهمس في أذني: ولكن دعيني أخبركِ بسر صغير وإياكِ وإعلام أي شخص بشأنه. حسنا لا يهمني إن كنتِ ستبوحين بالأمر فبصراحة لا يوجد أمر قد يُخفى أصلاً.
ما هو!
قلتها بلهفة وحماس فابتسمت ونظرت للأمام وقد وصلنا تقريباً عند الكوخ الأخير حيث كنا نتناول الطعام ويجلس الجميع، فوقفنا لتقول بنبرة محفزة: ألم أخبركِ للتو أنني أتيت متأخرة عن حفلة الأحداث؟

أومأت بترقب أتأهب لما ستقوله فأعقبت: ما سأقوله الآن لا دليل لدي لأثبته لكِ ولكن. إياكِ وأن تعتقدي أن وجود رين هنا لأجل معاداة كريس.
عقدت حاجباي باستغراب وفتحت فاهي لأستفسر في اللحظة التي فُتح فيها باب الكوخ فأطبقت فمي بسرعة بالرغم من النيران المشتعلة في داخلي والتي من الصعب إخمادها!

لم يكن سوى سام الذي خرج يمرر يده على معدته حتى انتبه لنا وأكمل طريقه متمتماً بلا اكتراث: قال السيد ماكس بأنه علينا النوم مبكراً لنذهب لتناول الفطور في المطعم.
علقت جينيفر بإمتعاض: ماكس هذا بأي حق يغير الخطة دون الأخذ برأيي، ألم نتفق على تناول الغداء في المطعم، ثم انه يستيقظ مبكراً جداً!

رفع كتفيه بلا مبالاة وهو يتجه إلى كوخ عائلتي وبعده خرج إيثان الذي كان يتهامس مع تيا التي تسير إلى جانبه، اقتربت جينيفر نحوهما بسرعة وابعدتهما لتحتضن ذراع تيا الغير مستوعبة ثم قالت تنظر إلى إيثان بحزم وخبث: حان وقت حظر تجول العشاق، على أن أخذها إلى كوخ عائلتي لتنام هناك، أي اعتراض أيها العاشق المُتيم؟

رفع إيثان حاجبيه ثم وضع يديه في جيبه بسخرية: تبدين وكأنكِ مهووسة بإفساد علاقة أي ثنائي تقع عليه عينيك.
أيدته تيا بإستخفاف محاولة إبعاد جينيفر: أنت محق، كنت أرى السعادة في عينيك عندما كانت السيدة ستيفاني منزعجة لتأخرنا!
أومأت جينيفر رافضة الإبتعاد عنها: وكيف لا أشعر بالسعادة!
أتى صوت مستنكر: عن أي سعادة تتحدثون؟

لم تكن سوى كلوديا التي خرجت وخلفها الباقون جميعهم، لتقول جينيفر بملل: لا شيء. كلوديا أنا بحاجة إلى الحديث معكِ لاحقاً لأنني أكره كم تبدين أصغر سناً في كل مرة، سُحقاً كيف تفعلين هذا!
ابتسمت كلوديا بثقة ومررت يدها في شعرها بغرور: أخبركِ بذلك مقابل أن تعترفي لي بالحمية الغذائية التي تتبعينها.

كانت تيا تحاول إبعاد جينيفر عنها حتى ابتسم لها إيثان خلسة وودعها بعينيه وهمس لها بشيء خمنت أنه سيقول أمراً ك تصبحين على خير أو ما شابه.
ابتسمت لذلك بسرور وراحة ورأيته يتحرك مبتعداً فتبعته أنا أيضا إلى كوخ عائلتي، ولم يخفى عني الأسئلة التي فجرتها أمي على كل من كلوديا وجينيفر بغية الأخذ بفائدة ما يتحدثان بشأنه. أحاديث النساء هذه مملة ولا أستسيغها. أعترف أنني أفضل الحديث مع سام وإيثان عوضا عن ذلك.

ستيف:
ها هي ذا شارلوت أيضا تتبع أخيها إيثان، أكره النوم مبكراً ولكن خالي وأولين وأبي اتفقوا دون الأخذ برأينا لنتناول الفطور في المطعم الموجود أعلى القمة الجبلية هناك.
كنت أريد السهر قليلاً على الأقل ولكنني أعلم ما سيكون عليه الحال صباحاً. فالسيدة أولين ستغضب وتنفجر في وجهي مما يترتب عليه تعكر مزاجي كثيراً.
تحركت متجهاً إلى الكوخ مفكراً بتشتت عما أشعر به.

أشعر بشيء من السعادة والطمأنينة لأجل تحسن علاقة شارلوت وكريس، هذا ملحوظ جداً وبالرغم من أنه يوجد شعور مزعج يضايقني بسبب الألم الذي ينتابني في صدري إلا أنني في الوقت آنه مسرور لأجلهما.
ولكنني قلق من أوليفيا.

أمرها هو الشيء الوحيد الذي يجعلني عاجز عن الوصول إلى أسمى وأعلى مراحل الراحة النفسية والسكينة، كان من المفترض أن يكون التخييم حافلاً باللحظات السعيدة ككل مرة ولكن. وجودها يفسد كل شيء! ما فعلته على مائدة الطعام لا يغتفر ولا يمكن تبريره!
ولكن يبدو ان الجميع تخطى ذلك او ربما يتظاهرون بهذا لأجل بعضنا البعض.
وبالأخص كريس.

نعم. أشعر بأنه يحاول جاهداً تجاهلها أو نزع أي قيمة لوجودها بالنسبة له! هذا واضح جداً ومن السهل ملاحظته، ولا سيما كونه صريحاً في التحدث عن رغبته تلك أمامنا.
ان يتحدث عن الصورة التي رسمها في مخيلته لمستقبله مع شارلوت، يشرح الكيفية التي تثبت انه متعلق بها إلى حد كبير، لست مغفل كما استطيع الآن فهم ما تفوهت به السيدة أولين أمام أوليفيا.

عندما قالت أن كريس يحب شارلوت أكثر مما تحبه هي. كنت مستنكراً كثيراً لهذا ولكنني الآن أشعر ب.
بقوة وبمعنى هذه الجملة!
تنهدت بعمق شديد وأنا أفتح الباب لأدخل، شعرت بالدفء يحتويني ما أن اغلقت الباب خلفي، فحرارة الكوخ هنا أسرتني بكل معنى للكلمة! بل بدأت فجأة أشعر بالنعاس والرغبة في إغماض عيناي بعمق.

نزعت المعطف وعلقته ونظرت إلى الغرفتين على يميني، الأولى لأمي وأبي والأخرى لخالي، وجهت نظري إلى الدرج حيث غرفتي في الأعلى وكذلك كريس وجيمي.
أراها فكرة جيدة ليتشارك الغرفة مع ابنه، سيساعده هذا في زيادة وعيه والتحول من أحمق مهمل إلى اب مثالي.
حسناً ليس إلى هذه الدرجة.

ابتسمت بسخرية محدثاً نفسي ثم صعدت الدرج، لم أستطع منع ابتسامة الراحة ان تعود إلى ثغري مجدداً، وهذا ما يجعلني سعيد أكثر. فأنا أشعر بالسرور لكريس وربما يمكنني لاحقاً أن أتجاهل مشاعري تماماً وسأنجح في هذا! هذا ما كان يشغل تفكيري حتى شهقت رغما عني بذعر وفزعت عندما وصلت إلى الأعلى و رأيته في وجهي واضعا منشفة على رأسه ويرتدي ملابساً سميكة وفوقها معطف قطني، رمقني للحظة قبل ان يتمتم بنصف عين: لماذا كنت تبتسم كالأبله؟

امتعضت الوي شفتي: ولماذا خرجت كالشبح فجأة!
فليكن، بأي حقِ تنهي الماء الساخن بحق الإله؟
اتسعت عيناي: لم أنهيه! لم استهلكت الماء الساخن كله لقد خرجت قبل أن ينفذ!
لقد كان ساخناً لبضعة دقائق فقط!
أكمل بإنزعاج مبعداً المنشفة عن رأسه ليرميها على وجهي: اللعنة عليك شعرت بالموت لبرودة الماء المفاجئة.

ابعدت المنشفة عن وجهي بانزعاج ثم للحظة فكرت بتردد ما إن كان كريس يتجاهل ما سمعه بيني وبين شارلوت ويتعمد عدم الحديث بهذا الشأن.
لست أفهم حقاً.!
طرفت بعيني بتردد مشيحاً بوجهي ثم تنهدت وتحركت متمتماً: على أي حال. تصبح على خير أغرب عن وجهي أنا بحاجة للنوم وإن كنت لا أشعر بالنعاس لأن السيدة اولين لن ترحمني صباحاً.
ولكنه استوقفني: مهلاً.

نظرت إليه من أعلى كتفي باستغراب فبدى جدياً وهو يستند على الحائط خلفه وتساءل بهدوء يحدق إلى بتمعن: هل لديك أي فكرة عن سبب تصرفها بتلك الطريقة؟
ارتفع حاجباي بحيرة: هل لاحظت ذلك أيضاً؟
هل أنت أحمق! كيف لن ألاحظ شرودها وهدوئها المبالغ به! هي حتى لم تعد توبخك كالأبله في كل مكان.
تكتفت أستند على الحائط المقابل له أفكر في كلماته، إن كان هو أيضا شعر بتغير السيدة أولين.
فهذا يعني أنني كنت محقاً.

نظرت إليه بإستنكار: بصراحة لا أدري، ولكنني أراها مختلفة أيضاً. ينتابني شعور سيء بعض الشيء!
أومأ بصمت وأخفض ناظريه قليلاً يفكر بعمق فزميت شفتاي وقد بدأ القلق يتمكن مني.
عقد حاجبيه وقال مخمناً: لا يمكن ان تلك الأوليفيا قد ضايقتها بشيء صحيح؟ هي لن تتأثر إلى هذه الدرجة ما تتفوه به تلك!
نفيت بعدم اقتناع: مستحيل.
وضع يديه في جيب المعطف منهمكاً في أفكاره حتى تمتم: لا فائدة ترجى منك.

قالها وابتعد عن الحائط بغية التحرك فأسرعت أقول دون شعور: كريس. بشأن ذلك الموضوع. هل أنت.
ولكنه اكتفى بالقاء نظرة هادئة على قبل ان يتجاهلني ويكمل طريقه وعندما مر أمامي رفع يده يضرب قفاي بتبرم ولا مبالاة دون أن يعلق فتابعته بعيناي.
ظننه سيدخل إلى الغرفة ولكنه وقف أمامها ورمقني دون تعبير واضح: توقف عن المبالغة في التفكير، قد تكون مجرد أبله مغفل ولكنك.

بدى وكأنه يفكر في كلمة مناسبة وقد وقفت في مكاني اترقب ما سيقوله بتركيز حتى قال يوجه نظره إلى الباب أمامه: ولكنك ستيف.
هاه. ما هذا الآن.؟
فتح الباب ودخل فأغمضت عيناي متنهداً بإحباط، متى سيصرخ في وجهي تحديداً؟ هل الأمر فقط كما قالت السيدة أولين؟ بأن كريس واثق من مشاعر شارلوت وحسب؟
ثم عقدت حاجباي أفكر محدثاً نفسي: أم تراه يثق بي أكثر؟!
من هو؟
انتفضت في مكاني فزعاً واستدرت فوراً!

لم يكن سوى خالي ماكس الذي ينظر إلى باستغراب وقد توتر بسبب ردة فعلي معلقاً: لما كل هذا الخوف!
لويت شفتي بإنزعاج: أنتَ حقاً والد كريس! يا الهي ما خطب خفة الحركة التي تتمتعان بها!
ابتسم بسخرية ثم لانت ملامحه متسائلاً بإهتمام: هل نام؟
نفيت بسرعة: دخل إلى الغرفة للتو.
ثم رمقته بخبث أمسك بيده أجره معي: ما رأيك أن نتطفل عليه يا خالي!
ماذا؟!
هيا حاول أن تتمرد قليلاً.

ولكنه بدى متردد بعض الشيء ومع ذلك لم يعلق وعندما وصلنا فتحت الباب بدوري دون استئذان، وكنت شاكراً لفعلتي هذه لأننا وجدناه يجلس على طرف سرير جيمي وينظر إليه. بل ويده اليمنى كانت مستقرة على رأسه الصغير ولكنه ما أن رأنا حتى ابعد يده و وقف مبتعداً عن سرير جيمي فوراً واتجه إلى سريره بهدوء.

نظرت إلى خالي بطرف عيني فوجدته ينظر إليه ثم إلى جيمي النائم حتى ابتسم براحة واضحة، تركت يده وقلت بملل: رأيت مشهداً عاطفيا وجميلاً للتو.
استلقى على سريره واندس تحت الغطاء ليقول: أطفئ الإضاءة وأخرج.

ولكن خالي تدخل فوراً ليقول وقد رسم ابتسامة لطيفة على ثغره حملت شيئاً من الجدية: كريس. سأتحدث مع جوزيف غداً بعد تناول الفطور في المطعم، أنا فقط أبحث عن فرصة مناسبة كي لا أكون فظاً معه، كما يوجد أمر أحتار بشأنه قليلاً. لقد تفهمتَ وضع ستيفاني ومارك ولكنني لا اراك تحاول التعمق معها في علاقتك وكأنك تكتفي بكونهما والدا زوجتك فقط. هل أنا محق؟

استلقى كريس على جانبه وتمتم دون ان ينظر نحونا: لن أجبر نفسي مبكراً فليس وكأن الأمر سهل بالنسبة لي، هذا كل شيء والآن هل يمكنكما إغلاق الإنارة؟
هكذا إذاً.
ثم نظر خالي إلى الفراغ بعشوائية قبل ان يسأله بتلهف: هل يمكننا الحديث غداً بشأن موضوع ما؟
أضاف مترقباً لردة فعله: أود إيضاح أمر مهم، لا بد من وضع النقاط على الحروف الآن. أريد التحدث عن سبب حفاظي على زواجي من والدتك بالرغم مما تعرضتَ له.

عقدت حاجباي باستغراب وفضول شديد في حين حرك كريس رأسه قليلاً ينظر إلى خالي لثواني قبل ان يعاود يرخيها على الوسادة: لنرى ما بجعبتك.
أومأ ماكس بهدوء ثم قال متأهباً للخروج: حسناً إذاً.
نظر إلى كذلك بنظرة سريعة وابتسم: تصبحان على خير.
أحلاماً سعيدة.
قلتها قاصداً كلاهما، تظاهرت بأنني خرجت بغية الذهاب إلى غرفتي ولكن ما قررته كان انتظار نزول خالي إلى غرفته ثم مشيت على أطراف أصابعي لأعود حيث كريس مجدداً.

فتحت الباب ببطء دون استئذان وحينها لمحته يكاد يبتعد عن سريره وعيناه على جيمي وعندما رآني قلّب عينيه بنفاذ صبر: ماذا الآن!
أفلت ضحكة خافتة حاولت السيطرة عليها لأقولها وقد أغلقت الباب خلفي: اللعنة عليك أيها البغيض ما المانع من إظهار حنان الأبوة تجاه ابنك وما الذي يهينك في هذا أصلاً!
رفع الغطاء على جسده وتجاهلني فقلت بخبث: أنت حتى لم تكن تخطط لإغلاق الإنارة.

رمقني بحدة: ماذا تريد؟ مزاجي لن يحتمل ثرثرتك لذا انقلِع إلى غرفتك يا ستيف.
أومأت مهدئاً ورفعت كلتا يداي مقترباً: حسنا اصمت قليلاً لن أطيل البقاء.
قلت لك اخرج لا يوجد ما تفعله هنا.
بل يوجد! أريد تأمل رؤية ابن خالي وهو يبدو لطيفا مع ابنه.
كنت أحاول جاهداً كتم ضحكة قد انتابتني وقد فشلت عندما رمقني بطرف عينه بحدة فضحكت بخفوت متمتماً: هيا أكمل ما كنت تنوي فعله.
كنت أنوي أغلاق الإنارة وحسب.
نعم صدقتك.

بدى وكأنه استسلم وتجاهل عناده وجلس على السرير للحظات قبل ان يتحرك ويجلس على سرير جيمي فجلست بدوري على سريره بل واستلقيت عليه.
ظل ينظر إلى جيمي حتى قال بهدوء وعيناه لا تزال متسمرة عليه: إنني أحاول جاهداً ولكنني لا زلت لا أدري ما هي الطريقة الصحيحة بالضبط.
ارتفع حاجباي باستغراب مفكراً في كلماته قبل ان أحاول فهم ما يعنيه: هل تقصد جيمي؟

أومأ بصمت فقلت بسخرية: ما بالك يا رجل! ما فعلته اليوم كان إنجازاً ستحققه خلال خمس سنوات ولكنك حققته خلال ربع ساعة، هل تظنني كنت الهو ولم انتبه لشيء؟ رأيتك تحدثه من بعيد ثم بكى المسكين وبدى سعيداً بعدها فأدركت أنك تقدمت خطوات عديدة. أنا أثني عليك في هذه المرحلة المتقدمة. هنيئاً لك يمكنني أن أعترف أنك أب جيد الآن ولكنك لا زلت تفتقر إلى الكثير. لا تقلق سأدربك جيداً.

رمقني بإستخفاف قبل ان يبتسم بتبرم: كفاك سخفاً. ثم يدهشني ان مُتبنى مثلك قد يساعدني على ذلك.
امتعضت لقوله واعتدلت على السرير بغيض: أتُراك تحاول ان تبدو مضحكا؟
نفي برأسه ونظر إلى جيمي ثم تلاشت ابتسامته قليلاً وارتفعت يداه نحو رأس الصغير ليمررها في شعره متمتماً بنبرة استنكار: كيف يشبهني إلى هذا الحد.!
ربما لأنك والده.
اللعنة على ظرافتك كف عن الرد على كل شيء، كنت أتساءل بذلك في نفسي فقط.

علي الأقل هو يشبهك أنت وليس تلك الكلارا. كنت حينها سأجري لجيمي عملية تجميل فورية منذ صغره.
ضحك بخفوت: الفكرة نفسها انتابتني الآن فقط.
ضحكت بدوري وانا اجلس لأضع الوسادة على حجري: ياللأبوة.
أخبرني.
ماذا؟
كيف برأيك ستكون الطريقة المُثلى لمعاملته؟ تحدث بلا هراء او استخفاف وإلا اخرس منذ الآن.

لويت شفتي أفكر قليلاً وقد رفعت رأسي أتأمل السقف بشرود، الطريقة الأنسب لمعاملة جيمي لا يمكن حصرها في مجرد كلمات، ثم أنا لم أجرب الأبوة أصلا لأغمره بوابل من الفلسفة! ولكنني على الأقل أعلم أن هذا الصغير يتمنى الكثير.
تمتمت اعقد حاجباي مفكراً: اسمع. لا أدري حقاً كيف يمكنني إفادتك ولكن. عامل جيمي بطريقة.

توقفت قليلا باحثا عن الكلمة المناسبة فحدق إلى بترقب حتى قلت مفرقعا باصبعي بثقة: الأمور التي تمنيتها أنت في صغرك، هي تقريبا ما سيتمناه جيمي كذلك الست محقاً؟ كلاكما لا أشقاء لديه، يمكنك ضمي إلى القائمة، أياً يمكن. إنه بحاجة إلى مرافق، صديق مقرب يفهمه ويلاعبه، بحاجة إلى شخص يوليه إهتمام خاص جداً ويبدي له الحب الذي يحتاجه. هذا كل شيء!
لا أشقاء.

تمتم بتلك الكلمة بشرود ثم أومأ بفهم فنظرت إليه بحيرة وقد بدى مركزاً على أمر ما يجول في عقله فجأة!
ومع ذلك قاطعت أفكاره متسائلاً بجدية: كريس. حاول أن تفكر في خالي ماكس قليلاً.
لم يبدي ردة فعل او يقل شيئاً، بل اكتفى بالتحديق إلى جيمي ولم يعلق، ظلت يده تداعب شعره وفقدت الأمل تماماً، ولكنني تفاجأت به يقول بهدوء بعد لحظات: التعامل مع ماكس أصعب بكثير مما هو مع جيمي، الأمر معقد جداً.

قولك هذا. يشير إلى أنه يوجد نية لتصحيح الوضع!
أظنني بحاجة إلى عشرة أعوام إضافية لأتمكن من تصحيحه.
هذا كثير جداً! ستكون في السابعة والثلاثين بينما خالي سيتجاوز الستين من عمره! أما أنا فسأكون في الثلاثين. غير ممكن!
لا يدهشني حسابك السريع للأرقام بقدر ما يدهشني أنك اقحمت نفسك في الموضوع، ما شأنك أنت تحديدا؟

ما شأني؟! أنا المصلح الإجتماعي في هذه العائلة ولا يمكنك إنكار هذا، ثم أنني سأكون مشغولاً بعد عشر سنوات في أمور كثيرة ولن أتفرغ لهارائك هذا.
أضفت بإنزعاج: لما لا تحاول غداً؟
نظر للفراغ وبدى سيقول شيئاً فأسرعت أقترح بحماس: ماذا عن هذا؟ فلتلقي عليه تحية الصباح أولاً. وبعد تناول الفطور في المطعم حاول أن تفتح مع أي موضوع حتى لو كان بشأن العمل. سيكون سعيداً لمجرد التوغل في حديث كهذا صدقني!

وقف مبتعداً عن سرير جيمي واقترب ليجرني من ذراعي يجبرني عن الإبتعاد عن سريره: على أي حال يوجد ما يود إخباري عنه.
أنت بخيل وقاسي!
اخرج وأغلق الإنارة والباب خلفك.
أشكر الإله على الطفرة الجينية التي حلت بعقلي، أظنني الوحيد الذي يفكر بطريقة مختلفة في هذه العائلة.
بلا شك. فأنت الوحيد الأحمق هنا.
شارلوت:
أشعر بالبرد الشديد.
لقد تقلبت للمرة المئة تحت الأغطية محاولة العودة إلى النوم ولكنني عجزت عن هذا!

برودة الطقس على هذه المرتفاعت من الصعب تحملها! البرودة القارصة تكاد تخترق عظامي حقاً، مع أنه من المفترض أن تكون الأكواخ دافئة ولكنني لا زلت اشعر بالبرد.
ابعدت الغطاء عن وجهي قليلا ولم أقابل سوى الظلام في الغرفة.
استيقظت مبكرتاً جداً ولا أسمع سوى صوت أنفاسي من شدة الهدوء، الجميع يغط في النوم.
بالطبع. فلا أحد سيستيقظ والساعة تشير إلى الخامسة والنصف.
هذا ما أدركته من النظر إلى شاشة هاتفي.

عاودت أندس تحت الغطاء وحاولت النوم ولكنني عجزت مجدداً فزفرت بغيض واعتدلت على السرير، الوقت الذي قضيته في محاولة العودة إلى النوم كان أكثر من ربع ساعة، فها هي تشير الآن إلى السادسة وعشر دقائق.

تحركت بإحباط أبعثر شعري المنسدل على ظهري بضجر شديد، اتجهت نحو النافذة وفتحت الستائر، لم تشرق الشمس بعد ولا تزال السماء مظلمة يكسر عتمتها لمعة النجوم المبعثرة في فضائها وكأنها مجوهرات ثمينة لا تقدر بثمن متزينة بها لتعرض إطلالتها للمستيقظين أمثالي في هذا الوقت.
مددت جسدي بكسل وتثاءبت ثم أجمرت شعري للأعلى بعشوائية وغسلت وجهي بماء دافئ.

خرجت من غرفتي وتحركت في محتوى الهدوء الذي يجتاح الكوخ، الصمت سيد المكان إلى درجة أنه قدم لي خدمة سماع تقلب إيثان المبالغ به على فراشه وصوت سام الذي يتحدث أثناء نومه.
نزلت الدرج اضم المعطف إلى جسدي ورأيت على الطاولة التي تنتصف الأرائك كيس صغير وبداخله قطع بسكويت، حسنا هذا جيد.

فطور مبكر جداً أيضاً، جلست على الأريكة أتناول البسكويت واعبث بهاتفي في هذا الظلام وكأنني شبح يشعر بالملل وخرج ليقضي وقته في أي شيء مسلِ.
ومع ذلك لا يوجد ما أفعله كما أن الشبكة هنا ضعيفة جداً ولا يمكنني فعل شيء في هاتفي.

وضعته في جيب معطفي وتنهدت مستسلمة لأخرج من الكوخ بأكمله، فتحت الباب وأغلقته خلفي، أظنها ستشرق بعد قليل، إنه وقت الغدوة على أي حال. الوقت الذي يحمل في طياته الحد الفاصل والزمني بين شروق الشمس وما قبلها.
الوقت الذي تبدأ السماء تتلون فيه بفرشاة لن يستطيع أفضل الفنانين امساكها يوماً بين أنامله ليرينا تدرجات تحبس الأنفاس كهذه في السماء نزولاً إلى الأفق البعيد.

استندت على الباب متكتفة وابتسمت أتأمل المكان بشرود، الموقع هنا مرتفع جداً ويمكنني رؤية كل شيء بالأسفل دون الحاجة إلى التقدم أكثر لأرى المخيمات الكثيرة هناك، وكذلك الأشجار الكثيفة التي تحمل فوق أغصانها واوراقها الثلوج المستقرة هناك لتكسوها وتجعل من الأبيض ملكاً مهميناً في هذا المكان.
ياللسكينة في هذا الوقت.
إنه هدوء جميل جداً.

التقطت اذني صوتاً خافتاً قطع تأملاتي فنظرت إلى يميني، لمحت شخصاً يخرج من كوخ السيد ماكس ولم أستهلك وقتاً طويلاً لاكتشف الكيان الذي خرج ووقف أمام الباب وظل واقفاً ينظر إلى الأمام.
كريس! لماذا استيقظ في وقت مبكر الآن؟ هذا غريب! ثم نومه ثقيل جداً ولا أظنه انزعج من أمر ما ليفيق.
فكرت في إن كان على الذهاب إليه أو تركه يفكر فيما قد يستولي على عقله في وقت مثل هذا.

ثم هذا الأحمق يرتدي معطفاً سميكا وقفازات وقبعة أظنها سوداء ومع ذلك لا أظنه يشعر بالدفئ من وقوفه هكذا وكأنه قد انكمش على نفسه.
هل أذهب؟ أم أتركه؟
هاذان السؤالين كانا يتشاجران في عقلي حتى ابتسمت بخبث للحظة وكأن في داخلي هناك شيطان خامد فتح عينيه للتو فقط!

عدت أدراجي لأدخل الكوخ كاللصة وأسرعت إلى غرفتي وبحثت من بين ملابسي في الحقيبة عن السلاح الذي سأستخدمه الآن. فأنا لا زلت في حرب مع كريس بشأن تنازله والإعتراف لي وسأفعل المستحيل حتى أجبره على رفع راية الإستسلام.
ثم أوليفيا لا تزال نائمة وعلى استغلال كل ثانية.
نعم. إنها فرصتي لأجبره على الإستسلام، فرصتي لأجره إلى هاوية الإعتراف المُحتم بلا عودة.

وجدت ما أبحث عنه فأخذته واتجهت إلى المرآة المعلقة في الحمام ووضعته على شفتاي.
بلا شك، لم يكن سوى ملمع للشفاه بلون زهري لطيف. قد أبدو ماكرة أو منحرفة بفكرتي هذه ولكنني يئست وهو السبب في لجوئي إلى حيلة كهذه! الذنب ليس ذنبي.
نظرت إلى نفسي في المرآة لثواني حتى ارتفعت يداي لأرتب شعري وأنزل غرتي على جبيني.

خرجت من الغرفة وقد بدأت فجأة أرغب في التراجع عن ما قررت فعله! بدأت أشعر أنها مجرد خطة طفولية سخيفة وعلى التعقل.
ومع ذلك قدماي لا تزال تنزل الدرج، هذا يعني أن عقلي وقلبي بدءا يتشاجران أيضاً، وأظن المسيطر كالعادة كان قلبي الذي يرغب في سماع تلك الكلمة من ذلك الوغد.

أخذت شهيقاً عميقا وملأت رئتاي بالهواء ثم زفرته ببطء وفتحت الباب لأخرج، بطريقة ما شعرت بأنه قد يكون قد عاد إلى الكوخ ولكنني وجدته لا يزال واقفاً هناك على وضعيته السابقة.

تحركت أتظاهر بأنني لم أنتبه له لأتقدم إلى الأمام حيث يمكنه رؤيتي، كنت أنظر إلى الامام مباشرة واضعة يداي في جيبي لأبدو وكأنني أتأمل المكان، حاولت أن أختلس نظرة نحوه بطرف عيني ولكنني ما ان فعلت ذلك حتى وجدته يتقدم حيث أقف فانتفضت وأسرعت أنظر للأمام.
اقتربت خطواته أكثر فنظرت إليه وارتفع حاجباي باستغراب: كريس؟!
وصل إلى ووقف ينظر إلى بتمعن فأسرعت أقول بحيرة: لماذا استيقظت مبكراً؟

بدى وكانه يفكر بشيء ما وهو ينظر إلى بطريقته المتمعنة تلك وقد لمحت الشك في عينيه! أيكون قد رآني أدخل إلى الكوخ وأعود مجدداً؟ لا أظن هذا. ماذا إذاً!
أجاب أخيراً: لا سبب محدد، ماذا عنكِ؟
لا سبب محدد.
رفع حاجبه الأيسر فتنهدت: حسناً شعرت بالبرد أثناء نومي فاستيقظت مبكراً ولم أستطع العودة إلى النوم. ماذا عنك؟ هل حقا لا سبب محدد؟
رفع كتفيه: كنت أفكر في بعض الأمور فقط.
أنت لن تعترف من المرة الأولى اليس كذلك؟

ليس وكأنكِ فعلتِ ذلك.
ابتسمت بسخرية ولم أعلق، اكتفيت بدس يداي في جيبي ونظرت للأمام أخفي التوتر الذي بدأت اشعر به، وأخيراً نحن وحدنا. ولكنني مرتبكة قليلا ولا أعرف ما على قوله.
هل على التزام الصمت؟
نظرت إليه بطرف عيني فوجدته لا يزال ينظر إلي!
أمسك بيدي اليمنى وقد أخرجها من جيبي ليحثني على التحرك معه، ارتفع حاجباي بحيرة أحدق إلى يده ثم تساءلت: إلى أين؟
لنتمشى قليلاً.

شقت الإبتسامة طريقها نحو ثغري وقد أحكمت أناملي بقوة على يده، حتى لو كنا سنتمشى ونجد أنفسنا في بداية الطريق إلى المخيم في الأسفل فلا أمانع إن كنا سنمضي وقتنا أنا وهو معاً وحدنا ولا طرف ثالث يتدخل بيننا أو يفسد اللحظة التي صبرت عليها!

تقدمت وأسرعت في خطواتي لأمشي إلى جانبه وبدوت سعيدة بلهاء كطفلة وجدت من يقدم لها حلوتها المُفضلة!، لم يعلق أحدنا حتى ابتعدنا عن الأكواخ وقد بدأ وقت شروق الشمس تقريباً ذلك أن اللون القرمزي الممزوج بالأصفر بدأ يدخل في تدرجات السماء الداكنة، توقفنا عن المشي في أحد البقاع التي تكثر فيها الأشجار وبينها مسلكاً في المنتصف نمشي عليه وانتهى بنا الأمر في الوقوف عند نهاية المنحدر على بعد مسافة كافية.

كنا نجلس على أحد الأغصان الكبيرة المائلة على الأرض وكل منا ينظر إلى الأسفل بصمت.
متى سيبدأ الحديث؟ وماذا سيقول أصلاً؟
ومع ذلك خابت ظنوني كثيراً عندما التزم الصمت وظل كلانا يحدق إلى شروق الشمس التي أظهرت جزءا من قرصها أخيراً خلف الجبال والمرتفعات في الجهة الأخرى.
حسنا ربما سأكتفي بمشاهدة شروق الشمس لأول مرة مع كريس. أظن بأن هذا يكفيني.

اسندت رأسي على كتفه وشيئاً فشيئاً لم أكتفي بذلك، فلقد طوقت خصره بيدي وأرحت رأسي تماما على كتفه متمتمة بشرود: إنه شعور مختلف.
همهم إيجاباً فقلت بنبرتي تلك: علينا تكرار هذا. يجب أن نراقب الشروق أو حتى الغروب معاً.
سمعته يتنهد وقد شعرت به يتعمد جعل نبرته متبرمة ومتململة: الشروق والغروب أمران يتكرران يومياً.
أنت حقاً، مدمر للحظات!

قلتها بغيض مبتعدة عن كتفه فرفع يده اليسرى يجبرني على الإتكاء على كتفه مجدداً متمتماً بسخرية: عَنيت أنه يمكننا تكرار هذا يومياً ولكن مستوى عقلك لا يزال في العام الثالث.
همست على مضض: أتساءل متى ستكون صريحاً ولطيفاً في انتقائك للكلمات، هل تريد مني مساعدتك؟ يمكنني معاونتك على الإشتراك في ندوة أو دورة لمعاملة الزوجة بلطف.
من قد يشارك في هراء كهذا!
أمثالك.

إذاً دعيني أساعدك في الدخول إلى ندوة لرفع مستوى الذكاء في المقابل.
لست بحاجة إليها. أنت من يحب تعقيد كل شيء.
أضفت على مضض: ولكنني اعترف أنك في الآونة الأخيرة تتصرف بطريقة أفضل مع الجميع، يوجد تحسن ملحوظ، كما أنني أثني عليك بشأن الأمس، لقد كان جيمي مسروراً حقاً.
شعرت به يفكر قليلاً وبدى وكأنه استوعب أمراً: جيمي.
أضاف بهدوء: وجدت أمراً قد يساعدني على التقرب إلى جيمي أكثر ومنحه ما يريده حقاً.

ارتفع حاجباي بإهتمام شديد وابتعدت عن كتفه أنظر إليه بتركيز: ما هو؟
علينا أن ننجب أطفالاً.
أجفلت لقوله المفاجئ وانتابني إحراج من ذلك كثيراً فأسرعت أطرف بعيني بتوتر وأشيح بوجهي، يقولها هكذا ببساطة. ألا يوجد تقدير لردة فعلي!

ازدردت ريقي بصعوبة بالغة وقد تمكن مني الخجل، هذه المرة الثانية التي يذكر فيها هذا الأمر. حديثه عن الاستقرار العائلتي لست معتادة عليه منه ولكنه يسعدني أكثر مما يتخيل! ما الذي على قوله في لحظة مماثلة؟ كيف أجيبه؟

حركت شفتاي محاولة التحدث والتظاهر بالرزانة ولكنني فشلت في حين أعقب: أخبرني ستيف أن جيمي بحاجة إلى أشقاء، إن كان يشعر بالوحدة فلا بد وأنه يتمنى وجود أخ أو أخت يقضي وقته معهما بدلاً من قضائه بمفرده، الا تعتقدين هذا؟
حاولت أن أبدو جادة ومع ذلك بدوت كالمغفلة وأنا أميء برأسي فوراً: آه نعم. محق، إنه بحاجة إلى ذلك.
ثم أسرعت أنظر للأمام وزميت شفتاي قبل أن أرمقه بطرف عيني فضرب رأسي بخفة: توقفي عن هذا.

وكيف عساني أتصرف عندما تذكر أمراً كهذا فجأة!
وما أدراني أنا.
ضاقت عيناي أحدق إليه بتمعن، بدأ أخيراً يستوعب سوء علاقته بجيمي. ومع ذلك يراودني سؤال الآن، لماذا ألقى بنفسه إلى جحيم كلارا التي جعلت من جيمي يعاني الوحدة!
حاولت قمع سؤالي ولكنني فشلت لأقول دون شعور: يوجد أمر لا أفهمه يا كريس، أعلم أنك قد تنزعج من ذكره ولك حرية التحدث ولكن.

نظر إلى بترقب فأكملت بجدية: بشأن جيمي، هل كنت حقاً مجبراً على الزواج من كلارا لأجل جيمي وحسب؟ بالتفكير بالأمر لا يبدو الوضع منطقياً، حتى وإن كنت مجرد متهور طائش آنذاك لا أظن أن الأمر أخذ مجراه بهذه الطريقة لمجرد كونك تحب إظهار نفسك كالمتمرد أمام السيد ماكس.

طرف بعينه ببطء ينظر للأسفل قليلا قبل أن ينظر إلى الجهة المقابلة حيث الشروق فأردفت: لا تبدو من هذا النوع بالنسبة لي، ليس وكأنك كنت ستسمح للظروف بأن تجبرك على الإرتباط بإمرأة لم تحبها يوماً. هل أنا مخطئة؟
لمعت عيناه العسلية ببريق عميق جداً جعلني أعجز عن إبعاد عيناي عنه، بدى هادئاً جداً حتى تنهد وقال: الجميع يظنني تزوجتها لتغطية الطيش الذي اقترفته.

أومأت بإهتمام فأكمل بشيء من السخرية: أظنكِ ستكونين أول من أحدثها بهذا الشأن مع أنني أكره الحديث عن موضوع كهذا.
كلي أذان صاغية.
وجد الفضول والتركيز على وجهي فقال بملل يجوبه لؤم: ولكنني لا أريد التحدث عن هذا الموضوع أو ربما لا أريد إرضاء فضولك.
انزعجت ولكنني حاولت مسايرته: هيا تحدث! ليس وكأن الأمر سراً خطيراً! لن تخسر شيئاً.
أضفت وقد فشلت في التحكم في نبرتي الراجية: سأبقي الأمر سراً.

زم شفتيه يتظاهر بالتفكير قبل ان ينظر إلى بهدوء: فليكن، لم يعد الأمر يعني لي الكثير، ربما لأنني أعترف بأنني تعلمت أشياء مهمة جداً.

أسرني في طقوس التركيز الشديد وقد أكمل: فليكن، لا جدوى من المقدمات، الأمر باختصار أن أوليفيا تمادت ذات مرة في محاولة إقناعي أنه ينبغي لنا البقاء معاً، وعندما اقول تمادت فأنا أعني ذلك حرفياً. إن كنتِ قد رأيت تصرفاتها المخبولة تلك فأنتِ لم تشهدي على تهديداتها ومحاولاتها للإنتحار لتحشرني في زاوية الإستسلام، الطريقة الوحيدة للهرب آنذاك كانت عن طريق التعرف على كلارا التي لم أكن أطيقها ولكنني. وجدتها وسيلة يمكنني استخدامها لإبعاد أوليفيا عن ساحتي ومع ذلك انقلب كل شيء ضدي، أعترف أنني كنت فاقداً لعقلي للجوئي إلى حيلة كتلك وأستحق ضريبة ما حدث، فعندما حملت بجيمي كنت رافضا لإنجابها بل وحذرتها من ذلك ولا أدري كيف وصلت بي الجرأة لأفكر في محاولة إقناعها بالإجهاض، لم يكن ماكس أو العائلة على علم بحملها ولكن تلك اللعينة كل ما ارادته هو ان تجد رابطة بيننا وقد كان تفكيرها ينحصر على المال فقط فأخبرت ماكس بحملها.

اتسعت عيناي بدهشة ليكمل بإستخفاف: ومع أنني كنت أرغب في قتلها وأكره أن يربطني شيء بها إلا أنني وما أن وقعت عيناي على جيمي لأول مرة. لا أدري ما الذي حدث لي!
همست بعدم استيعاب: لحظة. اقترفت كل هذا وتهورت لتبعد أوليفيا عنك؟
أومأ بهدوء فنظرت إلى الفراغ محاولة ترتيب أفكاري.

ما نوع الضغوطات التي مارستها أوليفيا عليه لتوصله إلى هذا الحد؟ إلى أي مدى فقد عقله حينها ليتهور مع تلك الجشعة كلارا التي وجدها وسيلة وظن بأنها ستخلصه من تلك المجنونة!
انتشلني من أفكاري وهو يقول بإنزعاج: على أي حال لدي أمور أؤمن بها ومقتنع بشأنها كثيراً.
أضاف بشيء من الثقة وهو يشير إلى بإستفزاز: على سبيل المثال، بأن القدر سيوقعك في حبي لأنه قُدر لنا أن نكون معاً.

نظرت إليه بنصف عين: ها قد عدنا إلى الحوار النرجسي المقرف فجأة. جد طريقة أفضل تغلق بها الموضوع من فضلك!
ابتسم بهدوء وابتعد عن الغصن فتبعته بملل وقد بدأت أدرك أنه دخل في تلك الهالة التي يراها براقة جداً.

غيرنا وجهتنا وتوغلنا في المشي بلا هدف محدد لأتنهد بعمق وهمست بشرود: عندما أفكر بالأمر أجده غريباً قليلاً. أقصد. قد تكون محقاً، كلا والدينا كانو أصدقاء يوما ما، وبعدها التقينا ونحن صغار بالرغم من أنني لا اذكر شيئاً. ثم توظف أخي في شركة جدك والتقى بوالدك الذي أدرك هويته، وبعدها التقينا مجدداً بعد ان تعمدت أنت التصرف بوقاحة وسرقة قبلتي الأولى التي كنتُ قد رسمتُ لها أحلاماً وردية جميلة. ناهيك عن التصرف الهمجي لك عندما ظننته اللقاء الأول لنا في ذلك الملهى! ثم قمت بحياكة خطة سخيفة وجعلتني أبدو كالمغفلة بسبب تلك الشقة...

اقتضب متمتما على مضض: لا تتحدثي هكذا.
أضاف بإستيعاب: ليكن في علمك أمراً مهماً جداً، عندما كنتِ صغيرة كنتِ معجبة بي منذ اللقاء الأول، بل النظرة الأولى.
اتسعت عيناي: هاه؟
أردفت بشك: أنت تكذب! لا يعني أنني لا أتذكر ما حدث أن تختلق الكذبات السخيفة يا كريس!

انفرجت زاوية فمه بابتسامة إستخفاف وتعجرف: هذا ما حدث حقاً ولا يوجد ما يدفعني للكذب، عندما رأيتني واصلت ملاحقتي في كل مكان في المنزل وكل ما كنت تفعلينه هو التحديق إلى وكأنني كائن هبط من الفضاء إلى الأرض.
لويت شفتي بعدم تصديق: ما هذا بحق الإله؟!
رفع كتفيه: إنها الحقيقة.
ثم تغيرت ابتسامته تلك من السخرية الى الضمور وقد همس: كنتِ مجرد مزعجة، كانت ليلتان فقط ولكن لهما أثر كبير جداً.

عقدت حاجباي باستغراب وقد تملكني الفضول لأفهم ما يعنيه، أبطأت من سرعة المشي ففعل ذلك في المقابل، سألته بدوري بإهتمام: ما الذي حدث؟
رمقني بطرف عينه للحظات ثم نظر إلى الأمام ولكنني تفاجأت به يمسك بيدي فجأة يقربني إليه!
وقف أمامي مباشرة وحدق إلى بعين هادئة شاردة.
أبعدت ناظري للحظة بتوتر ثم عاودت أنظر إليه متسائلة: ما الأمر؟!

نفي ببطء وهمس: عندما رأيتني للمرة الأولى كنت أبكي كالمغفل المثير للشفقة في حديقة المنزل.
فغرت فاهي مرددة: كنت تبكي!
كنت أبدو كطفل هارب من أوليائه وجلس يفكر في طريقة ينفصل فيها عن عائلته، كان الأمر كالمعتاد. أبكي بسبب تصرفات أمي ولكنك لم تمنحيني خصوصيتي آنذاك وتطفلتِ علي. لم أكن على علم حتى بمجيء أحد الضيوف إلى منزلنا ذلك اليوم. قد يبدو هذا مضحكاً أو سخيفاً. ولكنني ظننتكِ طيفاً ظهر بغرض مواساتي فقط.

شعرت بتدفق الدماء نحو وجنتاي وقد أسرني الخجل حتى أنني انزعجت من ألم في معدتي جراء هذا التوتر.
كلماته تلك. غير معقولة وتدفعني للرغبة في التحليق في السماء بصدق!

ظل ينظر إلى وكأنه يترجم ردة فعلي حتى أعقب مقرباً إياي نحوه أكثر: سألتني في البداية عن سبب بكائي، وعندما لم أجبكِ بدأت في البكاء معي دون سبب، عندما توقفت أنا توقفتِ، جلست إلى جانبي وعاودتِ تسألينني عن سبب تضايقي الشديد، كنت مترددا كثيراً وبدأت حينها أتساءل. ما هذه الطيف التي تستمر في مواساتي؟! هل هي حقيقية حتى!

أخفضت عيناي بإحراج شديد فرفع رأسي ممسكاً بذقني هامساً: أخبرتكِ حينها أنني أفكر في الهرب من المنزل، أخبرتكِ أنني أكره أمي بل وأخاف منها ولكنني مجبر على التظاهر بحبها طوال الوقت حتى لا تضرني وتؤذيني. ولطالما كذبت على نفسي وصدقت كذبتي هذه، كنت أبوح لكِ بالكثير واندمجت في حديثي معك، كانت ساعات معدودة في الليلة الأولى وقد بدأت تواسينني بطريقة طفولية لا جدوى منها.

ثم رسم ابتسامة على ثغره وأكمل: بل وأنكِ تفوهتِ بأمر أثار إهتمامي حينها. حاولتِ إخراجي من هالة الضيق التي كانت تنتابني عندما سألتكِ لماذا على أن أحتمل ما يحدث لي، لماذا على أن أتعرض لكل تلك المتاعب وكيف لا أمرح كباقي الأطفال اللذين كنت أحسدهم؟ هل تعلمين بما أجبتني حينها؟

شعرت بالغرق في لون عينيه وقد نفيت برأسي بشرود بلا معرفة فنظر إلى ثغري ليهمس ويده الأخرى تطوق خصري: قلتِ لي. لا بد وأنكَ أحد الأشخاص الطيبون إذاً. لأن أبي أخبرني ذات مرة عندما ذهبنا في نزهة أن أحاول الإستمتاع وقضاء وقتي بسعادة، ولكنني عدت إليه باكية وأخبرته أنه يوجد أشخاص يصطادون الفراشات في الحديقة واخبرني أنه من الطبيعي حدوث هذا النوع من الصيد في حدائق الفراشات ولكنني استمريت في البكاء دون توقف حتى قال عندما ترين الأشخاص يصطادون الفراشة لجمالها وروعة ألوانها وقد وقع الإختيار عليها دون غيرها فهذا ما يحدث أيضاً للناس الطيبون الجميلون من الداخل، هكذا تختبرهم الحياة وهكذا تقسو عليهم. لذا أخبرك بأنك شخص طيب ولهذا أنت تبكي . اليس هذا مثيراً.

أنا. قلتُ هذا!
كنت أشعر بالدهشة والغرق أكثر في عيناه التي لا تزال تحدق إلي.
أخبرته بتلك الجملة. اللطيفة؟! يا الهي.
يبدو أنني كنت أحاول جاهدة مواساته!
همست متسائلة: أنا حقاً. مندهشة كثيراً، ألهذا قلت لي ذات مرة لم تعودي حكيمة؟
أومأ بصمت فأعادت لي ذاكرتي كلماته ذلك اليوم وقد جعلني أتساءل في نفسي بعدم فهم عن سبب الكامن ورائها!
رفعت عيناي إليه فابتسم بثقة: أنتِ شفافة جداً. أخبرتك بهذا مسبقاً.

أضاف بملل: تبدين مختلفة هذه الأيام.
أجفلني قوله بشدة ولا أعلم لماذا!
تظاهرت بعدم الفهم: مختلفة! من أية ناحية أيها الفيلسوف المفكر كريستوبال؟
لسانك السليط بات أكثر لطفا، طباعك الحادة أصبحت أقل اندفاعا وحدة، بل وعدت إلى سابق عهدك في التصرف بحكمة.
سابق عهدي!
عقدت حاجباي باستغراب ولم أجد الفرصة لأسأله إذ تعالى رنين هاتفه فأخرجه ونظر إلى الشاشة ثم ضغط الزر الأيمن ليصمته ووضعه على الطاولة.

عدت إلى الواقع عندما شعرت بدنوه نحو ثغري، ومع أنني لم أشعر بالسعادة يوماً بقدر ما أشعر بها الآن إلا أن كان لعقلي الحق في اتخاذ القرار عندما أشحت بوجهي بعيداً قبل أن يقبلني.
عاود يجبرني على النظر إليه فقلت بهدوء ولا أزال متأثرة بما قاله قبل قليل: شعوري بالسرور الآن لا يسمح لك في استغلال الأمر لتقبلني.
عذرا؟

قالها بإستنكار شديد فأكملت: كم مرة على تكرار هذا؟ اعترف لي وتنازل لأنني لن أسمح لك بالتمادي معي.
أضفت أرمقه مخفية توتري: ثم أنني لا زلت مندمجة في ما قلته لي.
ابتعد عني بمسافة قليلة وقال متجاهلا جملتي الأخيرة: إلى متى عليكِ التصرف بهذه الطريقة بحق الإله؟! أنا زوجك يا شارلوت ولست مجبرا على اللجوء إلى التفوه بتلك الكلمات السخيفة!

أضاف بإنزعاج: كما أنني لست أحمقاً، لا يوجد فتاة تستيقظ في هذا العالم وتتعمد وضع ملمع للشفاه وترتيب شعرها بعناية ثم تخرج لتأمل الطبيعة في الهواء الطلق!
اتسعت عيناي بدهشة وطرفت بعيني بعدم تصديق! اللعنة. هذا الوغد جعلني أبدو كالبلهاء المنتصرة وفي الحقيقة يعلم بنيتي! هل على الشعور بالحرج أو الغضب!

ومع ذلك جادلته مبتعدة عنه بغيض: ولما لا أضع ملمعاً للشفاه؟ أنا فتاة أيضاً ومن حقي وضع مساحيق التجميل كلها حتى لو كان ذلك قبل موعد نومي لذا لا شأن لك! ثم أنني لست صلعاء الرأس لتستنكر عنايتي بشعري ما الخطأ في ذلك!؟
قلتها متحركة بغضب فتبعني بحزم: انتظري. لم ننتهي بعد. قلت لكِ توقفي حالاً.

ولكنني تجاهلته وأكملت طريقي حتى استوقفني ممسكاً بيدي واجبرني على الوقوف بجانب إحدى الأشجار ليزمجر بحدة: من تظنينني؟ للمرة المئة أخبركِ أنكِ أوضح من زجاج شفاف لذا توقفي عن محاولة خداعي بتصرفات ملتوية، ما الخطأ في أن نقبل بعضنا؟ ألم نكن نفعل ذلك أصلاً! ما المختلف الآن بحق خالق السماء؟
رصيت على أسناني: ما المختلف الآن؟ حسنا سأجيبك وبكل وضوح. المختلف أنني كنت مجرد حمقاء واقعة في حبك وتستسلم لك بسهولة!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة