رواية عذاب قسوته بقلم آية محمد و أم فاطمة الفصل الثاني
خرجت بخطوات بطيئة لسيارته،حلقها جاف من فرط توترها الملحوظ، سحبت الباب الخلفي لسيارته فتخشبت أصابعها علي مقبضه حينما قال بغضب _أنا مش السواق الخصوصي بتاع جنابك ..
أغلقته سريعاً ثم جلست جواره بحزن من كلماته، تحرك بسيارته بغضب كأنه لم يحتمل تلك الدقائق القليلة التى ستجمعه بها،سرعته جعلتها ترتجف من الخوف بأن يفتعل حادث على الطريق فحمدت الله حينما توقف أمام المنزل، هبطت من سيارته بعدما حمدت الله على كونها تقف على قدماها من جديد، كاد بالرحيل ولكنه أنتبه لصوت والدها الذي كان بالخارج هو الأخر فقال ببسمة هادئة_أيه الصدف اللي تفتح النفس دي، أزيك يا إبني عامل أيه؟ ..
تجمدت "ريهام" محلها بخوف من أن يهين والدها أو يتعامل معه بجفاء ولكنها تفأجات به يخرج من سيارته ويصافحه بود_الله يسلمك يا عمي،أخبار حضرتك أيه؟ ..
أجابه بفرحة _الحمد لله يا حبيبي،ثم بنبرة ود أجابه_متطلع تقعد معانا شوية ولا أحنا مش أد المقام ؟ ..
إبتسم القاسي قائلاٍ بمحبة _لا طبعاً أزاي ...هركن عربيتي وهطلع ورا حضرتك ..
كاد فمها بأن يصل للأرض من فرط صدمتها حتى أنها لم تستمع لنداء والدها الذي يحثها على الصعود فأستدار لفريد قائلاٍ بسخرية _هى البت مسهمة فيك كدليه ؟ ..
أستدار لما يشير إليه ليجدها تتطلع له بصدمة فكبت بسمته بصعوبة فهى أعتادت منه على الجدية والصرامة بالتعامل معها حتى أنها ودت لو نقلت صورة تفصيلية لأبيها عن القاسي الذي تعيش معه فربما ألتمس لها العذر بأن ما تراه درب من الخيال! ...
أفاقت على هزات يد والدها فشعرت بالحرج فصعدت الدرج سريعاُ حتى لا يرى أحداً وجهها المتورد ..
هبط من سيارته معدلاً من وضعية الهاتف على أذنيه فقال بلطف لسكرتيرة مكتبه_أنا وصلت أهو أعمليله قهوة لما أطلع .
وأغلق هاتفه ليتوجه لمصعد العمارة سريعاً،ولج للداخل ثم كاد بالضغط على الزر الجانبي ولكنه تفاجأ بفتاة تدلف خلفه ثم وقفت أمام اللوحة بأرتباك فقالت بصوتٍ مسموع_هى قالتلي الدور الكام؟! ..
ثم حكت رأسها بتذكر غير عابئة بمن يقف خلفها بضيق فكان يود الصعود مسرعاً لمن ينتظره بمكتبه منذ ما يقرب الساعة والنصف، أخرجت هاتفها لتطلب رفيقتها حتى تتأكد من رقم الطابق الصحيح فأنتبهت للصوت الرجولي القادم من خلفها ..
"حسام" بغضب_هنفضل كدا كتير ؟ ..
إستدارت "فاطمه" لمصدر الصوت لتجد أمامها شاباً فى نهاية العقد الثاني من عمره،يتمتع بمظهر جذاب للغاية،عيناه زيتونية محاطه بهالة من اللون العسلي،شعره فحمي اللون يتوسط رقبته،بجسد رفيع قليلاٍ ولكنه ممتد بعضلات توضح قوته الرجولية،تنحنحت بحرج ثم أستجمعت كلماتها _حضرتك تقصد أيه؟ .
وجدها فتاة بملامح رقيقة للغاية حتى وجهها المستدير تكمنه ملامح من البراءة غريبة، أنغمس غضبه خلف هالة من الهدوء فجاهد للحديث بصوتٍ أقل لهجة من ذي قبل _أحمم بقول يعني تعرفيني عايزة تطلعي فين ولمين ممكن أساعدك؟ ..
تحدثت بلهفة _ أنا جاية أشوف الوظيفة اللي نزل عنها أعلان عن مكتب محاماة هنا فى العمارة وبصراحة مش فاكرة المكتب فى أنهي دور ..
إبتسم بفرحة لصدفة هكذا ثم أستعاد ثباته ليشير لها برفق_طب تسمحيلي ؟ ..
فهمت مقصده فتباعدت عن اللوحة ليضغط "حسام" على الطابق المنشود ليصعد للأعلى بهما ثم توقف بعد لحظات أمام الطابق الرابع، خرج "حسام" من المصعد مشيراً له ببسمته الجذابة _إتفضلي يا أنسة ..
لحقت به بخجل حتى وقفت أمام الباب الرئيسي لمكتب من أفخم ما يكون، يعلوه لافتة ضخمة مكتوب عليها "فريد أيوب، حسام الزيني"، رفعت عيناها على الأسماء بلمحة أمل على أن تكون جزءاً من جفن عمالقة القانون بالقاهرة، تراقبها "حسام" ببسمة خافتة، تحاولت ملامحها للتوتر حينما رأت عدد لا بأس به من الفتيات الحاملة لنفس الإعلان، غامت سحابة الخذلان على ملامح وجهها؛ فحسمت أمورها سريعاً، إستدرات لتغادر المكان فأقترب منها "حسام" بأستغراب_رايحة فين يا أنسة؟!..
توقفت محلها بحرج حينما تذكرت عدم شكرها له فقالت على إستحياء_أنا بشكرك جداً على مساعدتك الكريمة دي وبعتذر لو كنت عطلت حضرتك عن حاجة..
أجابها ببسمة هادئة_مفيش داعي للشكر ولو على العطلة فأنا جيت المكان اللي كنت رايحله...
تأملته بتركيز فقالت بذهول_هو حضرتك جاي عشان الإعلان اللي نزل؟
إبتسم "حسام" على برائتها ثم أشار لمحامي يعمل لديه تحت التمرين فهرع إليه بوقار _تحت أمرك يا "حسام" باشا
شهقت "فاطمة" بصدمة؛ فوضعت يدها على فمها خجلاً محدثة ذاتها ( معقولة دا "حسام الزيني" صاحب المكتب )
ثم نظرت إليه بعين ترتجف فوجدته يكبت بسمته بصعوبة ليقطع سيل الصمت بكلماته الحازمة "لعلاء" _ الآنسة "فاطمة" هتنضم لفريق العمل معانا، فعرفها طبيعة شغلنا وبعدين أديها ملف قضيه "أحمد فرج" تدرسه وتشوف هتقدر إزاى تطلع بحلول قضائية نخرجه منها من قفص الإتهام..
تنحنحت بحرج بعدما أوشك على الأنصراف_أنا بجد مش عارفة أشكر حضرتك إزاى يا مستر"حسام".
" حسام" بمرح_إشكرينى بفنجان قهوة مظبوط بدل اللي بتعملها "منى"وبشربها جبران خاطر
تعالت ضحكتها فجاهدت للحديث_ثواني وتكون عند حضرتك .
بمنزل "ريهام"
وضع "فريد" القهوة من يديه على الطاولة قائلاً ببسمة هادئة_بستأذن حضرتك يا عمي ورايا شغل كتير فى المكتب، بس بوعدك دى مش هتكون أخر زيارة..
راقبته من خلف الستار بدهشة،تستمع لحديثه مع والداها وتراه يبتسم إبتسامة أذابت قسوة معاملته لها، تنهدت بحزن فكيف سيمنحها الفرصة ليرى كم تعشقه حد الجنون حتى قسوته باتت تعتاد عليها، توجه للمغادرة فأنتبه لها، هائمة به كأنها تراه لأول مرة، تعلقت النظرات بعضهما البعض ليشير لها بهدوء _أول متحب ترجعي البيت كلميني..
إكتفت بأشارة بسيطة من رأسها، كبت بسمته بصعوبة على مظهرها المضحك ثم غادر بصمت، أغلق والدها الباب مبتسما بفرحة ده طلع إبن حلال والله يا بنتى، الحمد لله ربنا عوضك خير عن طليقك دا
أشاحت "ريهام" بوجهها عن أبيها حتى لا يرى دمعتها على كلماته الأخيرة فكيف ستخبره أنه وطليقها على حد السواء ولكن ما زاد الأمر صعوبة إنها تحبه برغم سوء معاملتها .
بمكتب المحاماة..
ولج "فريد" إلى المكتب فلحق به الأخر للداخل قائلاً ببسمة سعادة _ ليك وحشة يا عمنا .
إكتفى ببسمة صغيرة ليجلس على مكتبه بثبات_ وأنت كمان وحشتنى يا *حسام"، أخبار والدتك أيه ؟
أجابه" حسام" بهدوء _بتسلم عليك يا سيدى وبتوصينى عليك كمان .
إبتسم بحزن _ربنا يبارك،" ليان" كانت نسخة منها فى الطيبة والحنية .
زفر" حسام" بضيق من تشبثه بذكرياتها_وبعدهالك يا" فريد"، أنت بتظلم نفسك وبتظلم الإنسانة اللي إتجوزتها، ويا سيدى الحي أبقى من الميت .
رفع عيناه التى حاوطتها الأحزان بتمكن_"ليان" هتفضل موجودة بقلبي وعينى عمرها مهتشوف غيرها ولا قلبى هينبض لحد تاني .
زفر بغضب_طيب" وريهام" ذنبها أيه تعذبها معاك بالشكل ده .
لكم مكتبه بغضب مميت يشير على حدته_ذنبها إنها قبلت تتجوز واحد وهى عارفة إنه قلبه مش ليها وأنا حطيت شروطي عليها إننا هنكون زوجين على الورق، وظيفتها تربية البنت مش أكتر.
"حسام" ببسمة الم _مجتمعنا بيقسى على الست المطلقة فبيجبرها على حاجات هي مش عايزاها فبلاش تظلمها للمرة التانية، وبعدين ليه متحطتش في إعتبارك إنها بتحبك .
تعالت ضحكاته بسخرية_ بتحبني!، أنت متعرفش أنا بعاملها إزاى ؟
رمقه بنظرة مميتة_ طول مأنت شايف حبها ليك بسخرية وإستهزاء طول مأنت بتقرب من طريق الندم، متخليش ماضيك يزيدك قسوة عليها.
شعر "فريد" من حديثه بتأنيب الضمير تجاه تلك المسكينة فما ذنبها حقاً فى الأرتباط برجل بتر قلبه مع موت حبيبته وزوجته ومع ذلك هناك شعور قد تسرب إليه عندما رأها فى كامل زينتها فلم يدرك أكان إعجاباً أم مجرد رغبة عابرة!
"حسام" بأستغراب _رحت فين ؟
إنتبه له "فريد" فقال بحدة مصطنعة _مفيش، وكفاية كلام عن الموضوع ده وياريت تقفله. إنتبهوا على صوت طرق باب المكتب؛ فولجت "فاطمة" للداخل حاملة القهوة، إبتسم تلقائياً حينما رأها فقال بهيام لحظه "فريد" جيداً _حطيه على المكتب وإتفضلى أنتِ، وما أن إستدارت إستعداداً للإنصراف حتى أستوقفها بقوله_ولا أقواك أستني لما أدوق الأول وأحكم عشان أعرف هتستمرى فى الشغل معانا أو لا .
تلون وجهها غيظاً من قوله متحدثة بصوت منخفض_إيه ده هو هيذلنى بفنجان قهوة .
سمعها" فريد" فأبتسم وتطلع لصديقه متسائلاً بخبث_مش تعرفنا بالأنسة ؟
"حسام" بتذكر_أه دي أنسة "فاطمة" إتعينت النهاردة ضمن الفريق الجديد اللي بيدرب عندنا .
ثم إرتشف بضع قطرات من القهوة وأظهر على وجهه معالم الضيق عن تعمد فرتاعت "فاطمة" خوفاً من أن لا تستمر بالعمل فما نالته من فرصة عظيمة أن تتدرب فى مكتب عمالقة القانون، تابع "حسام" حديثه ببرود_مش بطال، أمال اللي كنت بشربه طول الفترة اللي فاتت كان أيه؟! .
تنفست "فاطمة" الصعداء وهرولت للخارج فضحك "حسام" وعيناه تتابعها ليفق على صوت "فريد"_إيه يا إبنى رعبت البنت وهى شكلها مش بتاعت مقالب .
" حسام." بهيام_هى فعلاً رقيقة أوى، وكيوتة كدا تحسها كيكة بالبسكويت.
جذبه" فريد" بمكر_لا ده شكله حب من أول نظرة.
أجابه بعدما عاد لأتزانه _لا مش للدرجادي، مش أنا اللي أقع بالسهولة دى، ده مجرد إعجاب .
رمقه بنظرة مطولة محملة بالشك_لما نشوف
وتوجه للخروج قائلاً بتحذير_متنساش تحجز على الطيارة
رمقه بنظرة ضيق_مفيش فايدة، عايز تهرب ؟أجابه بغضب _ مش هنرغي كتير بالموضوع دا.
ثم ولج لمكتبه مواصلا عمله لساعات طويلة بدون كلل أو ملل، حتى إنه لم يشعر بوجود رفيقه لجواره فقال بحزن_ كفاية كده النهاردة،ويلا روح إستريح شوية .
رفع عيناه بثبات_روح أنت يا "حسام"، أنا قاعد شوية .
وأمام إصراره تركه على وعد منه بعدم التأخير أكثر من ساعة، ولكن مضى الوقت سريعا ولم يشعر إلا حينما دق بندول الساعة معلناً عن الثانية بعد منتصف الليل .
جابت غرفتها ذهاباً وإياباً قلقاً من تأخيره الملحوظ، حاولت مراراً وتكراراً الأتصال به ولكن كانت تتراجع فى أخر لحظة حتى لا يغضب من إتصالها، إستجمعت شجعاتها وإتصلت به أخيرًا؛ فتعجب حينما رأى إسمها على هاتفه، فشعر بالقلق فربما أصاب إبنته شيئا فأجاب بنوع من القلق _في حاجة؟ البنت كويسة ؟
أسرعت بالحديث _مفيش حاجة هى بخير، بس كنت بطمن عليك، أنت أتاخرت أوى، فيه حاجة ؟
إختلطت مشاعره بين الغضب واللين لقلقها عليه فقال بثبات_ عندي شغل وقربت أخلص وراجع، نامى أنتِ، ثم أغلق هاتفه دون سماع كلماتها، شعرت بغصة مريرة تطوفها من فعلته فحاولت أن تغفو ولكن جفاها النوم حتى تتطمئن على وصوله بسلام .
ولج "فريد" لغرفته فوجدها نورها مضاء يظهر فعلم أنها لم تخلد للنوم فقال دون النظر إليها _أنتِ لسه صاحية؟
أجابته بتردد _مجليش نوم غير لما أطمن أنك رجعت، تحب أحضرلك العشا؟
تذكر إنه لم يتناول شىء طوال اليوم ومعدته تتضور جوعاً فلم يستطع رفض طلبها _ ياريت، أنا فعلاً مأكلتش حاجة من الصبح.
"ريهام" بفرحة حينما شعرت بتغيره بالحديث معها_ثوانى ويكون الأكل جاهز عقبال متاخد الشور بتاعك.
إكتفى ببسمة بسيطة وعقله تستحوذه فكيف لها أن تكون بهذا القلب الناصع للبياض رغم ما يفعله معها، وبالفعل حينما إنتهى من حمامه وجد أمامه طاولة الطعام مليئة بكل ما طاب ولذ، تناول طعامه ببسمة إعجاب فمسح فمه قائلاً بهدوء _الاكل يجنن تسلم إيدك.
رمقته بنظرة مطولة يطوفها الدهشة والذهول فأقترب منها ببسمة هادئة، طافت العينان بعضهما بنظرات مطولة بأنذار بداية عشق .
فهل ستكون بداية حقيقية أم سيقف القدر عائق بطريقهما ؟