رواية عاشق المجهول الجزء الأول للكاتبة أمنية الريحاني الفصل الأول
( حب لا تراه الشمس )
أمام إحدى الفلل العريقة فى الإسكندرية:
تقف فتاة صغيرة لم يكمل عمرها الثلاثة عشر أعوام أمام الفيلا، وبجانبها رجل كبير فى السن يمسك يدها فى حرص قائلاً: بصى يا بنتى، أنا كده عملت اللي عليا، دا العنوان اللي والدك أدهولى، وقالى إنك هتلاقى أهلك هنا
تنظر له الفتاة بعيون راجفة قائلة: بس أنا خايفة يا عم نوح
نوح: خايفة من إيه يا بنتى، دول أهلك، وهيبقوا أحن عليكى من أى حد
وينظر لحارس الفيلا قائلاً: لو سمحت يا ابنى، يحيي بيه موجود؟
الحارس: لا يا حاج مش موجود حالياً
نوح: ولا غالية هانم؟
الحارس: لا غالية هانم موجودة جوا، هى وعادل بيه
نوح: طب إديها يا ابنى خبر إن حد عايز يقابلها
توجه الحارس لإبلاغ غالية، بينما يربت نوح على ظهر فاطمة قائلاً: يالا يا بنتى، الهانم جوا أهى، وأكيد هتفرح لما تشوفك
تتشبث به بتلقائية، ليمسك يدها فى حنان قائلاً: متخافيش، وافتكرى دايماً إنتى مين وبنت مين
فى داخل القصر:
يقف عادل أمام المرآة يصفف شعره ويضع عطره وهو يتحدث فى التليفون قائلاً: يا ابنى خلاص أنا لبست ونازل أهو
(عادل الصفدى: شاب وسيم، وهو الأبن الأكبر ليحيى الصفدى فى السنة الأخيرة من كلية السياسة والأقتصاد )
يستعد عادل لجمع كتبه، ولكنه يتوقف حين يسمع صوت شجار عالى يأتى من الخارج، يعتليه صوت والدته غالية، فيركض مسرعاً نحو الصوت، ليجد والدته تتشاجر فى الاسفل مع فتاة صغيرة لا تتجاوز الثلاثة عشر عام
تلقى غالية بعض الأورق فى وجه الفتاة الصغيرة التى تبكى بشدة، وهى تقول فى غضب: إنتى فاكرة شوية الورق دول هيخلونى أصدق إنك بنت عاصم، هو أى واحدة نصابة تيجى تقولى إنى بنت أخوكى هصدقها
الفتاة وهى تبكى فى براءة قائلة: نصابة، صدقينى يا طنط أنا مش نصابة، بابى هو اللي قالى أجى على حضرتك، وقالى إنكم أهلى وهبقى فى أمان وسطيكم، وأنا معرفش حد تانى أروحله
غالية: روحى يا شاطرة من مطرح ما جيتى، بكفيانا نصابين وولاد شوارع
تمسك الفتاة حقيبتها الصغيرة فى حزن شديد، وتتجه إلى الباب تجر فى قدميها لا تعلم إلى أى مكان ستذهب، ينظر لها عادل فى شفقة، وتتقابل أعينهم فى نظرة طويلة، نظرته لها نظرة إرتياح وشفقة، ونظرتها له نظرة خوف ورجاء، بعد خروج الفتاة ينظر عادل إلى والدته متساءلاً: مين دى يا ماما؟
غالية: ملكش دعوة أنت يا عادل، دى بنت نصابة
يركض عادل إلى الأعلى محدثاً والده فى الهاتف، ويحكى له كل ما حدث
أما عن الفتاة التى خرجت من باب الفيلا فى قهر، تبحث عن نوح أملاً منها أن تجده ينتظرها، ولكن يتلاشى الأمل سريعا حين لا تجده، تنظر الفتاة حولها لا تعلم إلى أى مكان ستذهب، فهى لأول مرة تخط قدماها هذه البلد ولا تعلم أى شيء عنها
أما فى الداخل بعد أن روى عادل ما حدث لوالده يتفاجيء به يصيح قائلاً: والبنت راحت فين يا عادل؟
عادل: معرفش، ماما طردتها برة الفيلا، ومعرفش راحت فين؟
يحيى: تقب وتغطس وتلاقيها، البنت دى لازم تلاقيها بأى شكل
عادل: أنا مش فاهم حاجة، هى مين دى، وليه حضرتك بتقولى لازم ألاقيها؟
يحيي: البنت دى تبقى بنت خالك
عادل: بنت خالى؟!
يحيي: أيوا بنت خالك عاصم، يعنى لحمك ودمك، يعنى لازم تلاقيها وتحافظ عليها، وأول ما تلاقيها وديها لعمتك مريم لحد ما أرجع من السفر وأتصرف معاها
عادل: ايوا يا بابا بس...
يحيي: مفيش وقت للكلام، لما أرجع هفهمك كل حاجة، المهم دلوقتى تحافظ على عرضك ولحمك، عادل، البنت دى بقت أمانة فى رقبتنا، مفهوم؟
عادل: حاضر يا بابا
فى خارج الفيلا:
تجلس الفتاة بعيداً عن الفيلا على أحد الأرصفة خائفة، تضم نفسها بذراعيها محاولة بث الطمأنينة إلى نفسها، وتنتفض ناظرة حولها مع أى قطة أو كلب يمر بجانبها، بعد قليل شعرت بسيارة تقف أمامها، وينزل منها شخص ما متجهاً نحوها، فأمسكت حقيبتها فى ذعر وركضت محاولة الهرب، ولكنه ركض تجاهها وأمسكها
فى داخل الفيلا:
تسير غالية فى توتر داخل حجرتها محدثة نفسها: كنت فاكرة إن صفحتك أنطوت من زمان، من ساعة ما أخترت تبعد عننا وتعصانا وتروح تتجوز الهانم، ومكنتش عارفة إن الصفحة دى هتتفتح تانى بعد أكتر من 13 سنة، بس لا يا عاصم صفحتك هقفلها من تانى زى ما قفلتها زمان
ونعود للفتاة التى أمسكها الشخص فى ذعر منها قائلة: أنت عايز إيه، أنا مش معايا أى حاجة أديهالك، أنا ...
يضع الشخص يده على فمها فى حنان، ويضمها إليه محاولاً تهدئتها قائلاً: هشششششش، بس يا حبيبتى متخافيش، أنا مش عايز آذيكى، أنا ابن عمتك
تنظر له لتجده نفس الشخص الذى قابلته داخل الفيلا أثناء خروجها، مازال جسدها ينتفض داخل حضنه، فيضمها إليه فى حنان قائلاً: اهدى، خلاص أنا معاكى، مفيش حاجة هتحصلك وأنا معاكى
تنظر له وشفتاها تنتفض قائلة: بس عمتى طردتنى، أنا مش نصابة
عادل: أنا عارف إنك مش نصابة، وعارف إنك بنت خالى، ممكن تهدى بقى وتيجى معايا
الفتاة: على فين؟
عادل: هنروح نشرب أى حاجة فى أى مكان لحد ما تهدى
يمسك عادل يدها ويدخلها سيارته، ويتحرك بها
فى إحدى الفنادق فى إنجلترا:
يقف يحيي فى شرفة حجرته محدثاً نفسه: ياه يا غالية، لسه قلبك قاسى، كل السنين اللي فاتت مقدرتش تحنن قلبك على أخوكى، وصلت بيكى تطردى بنته، طب ذنبها إيه البنت الصغيرة دى، يمكن يكون الذنب الوحيد ليها إنك أنت أهلها
ويتذكر هذه المكالمة الهاتفية التى أجراها مع عاصم قبل سفره بيومين يوصيه فيها على إبنته إذا وصلت مصر فى أى وقت، وأنه يخشى أن يحدث له شيء ويتركها فى الدنيا وحيدة، خاصة وهو يعلم مدى قسوة أخته غالية، ولكن يحيي طمأنه أنها ستكون فى حمايته إذا حدث أى شيء
فى إحدى المطاعم:
يجلس عادل بجانب الفتاة التى تشرب كوب من عصير البرتقال
عادل: ها بقيتى أحسن؟
الفتاة: الحمد لله، أنت طيب أوى، مش زى عمتو
عادل: معلش، هى بس تلاقيها اتفاجئت بيكى، بصى انا معرفش حكايتك إيه، بس اللى متأكد منه دلوقتى إنك بنت خالى، وطالما طلعتى بنت خالى يبقى مهمتى أحافظ عليكى وأحميكى لحد ما بابا يرجع من السفر...