رواية عاشقي المخاطر للكاتبة حنين محمد الفصل الثاني عشر
مر أسبوع على عودة زينة و معتصم الي عملهم، و بعد استئذان من عادل غريب التصرفات الذي يحاوطه دائماً حارسان لا يتركانه وحيداً أبداً، و استئذان المقدم مجاهد والد عبدالله بأن يعمل كلاً من زينة سوياً في هذا الأمر، وافق الأثنان و بدأ كلاً منهما في عمل التحريات اللازمة و الحصول على المعلومات بطرقه الخاصة..
في المعادي
وقفت زينة أمام المرآه تغلق زر حلتها الرمادية التي تعطيها مظهراً وقورا بعد أن رفعت خصلاتها البرتقالية على هيئة ذيل حصان، و لم تضع الكثير من لمسات المكياج، ثم أقتربت من معتصم الذي يجلس على الفراش يعقد رباط حذائه الجلدي باللون الأسود الذي يتناسب تماماً مع حلته السوداء ذات القميص الأسود، و بدأت في أرتداء حذائها المغلق ذو الكعب العالي، و وقف الأثنان في الوقت ذاته ليتحدث معتصم:.
-يا ريت الزيارة دي تفيدنا بأي معلومة
سحبت زينة حقيبتها الرمادية و أحاطتها بعنقها و ذراعها الأيمن لتصل الي خصرها و أجابته:
-هتفيدنا أكيد، خصوصاً بعد ما عرفت أن حراس أستاذ عادل هما من شركة Deep
هبط الأثنان من المنزل و صعدا في سيارة معتصم و انطلقا بها نحو مقر شركة حمدي في المهندسين، وصلا الي الشركة في الموعد المحدد لوصولهما ثم دلفا معاً الي مكتب الأستقبال، و تحدث معتصم بإبتسامة بشوشة:.
-مكتب أستاذ حمدي الصمدي فين من فضلك؟
-في الدور التالت يا فندم المكتب
شكرها معتصم و توجه مع زينة الي المصعد الذي نقلهما في ثواني الي الطابق الثالث، و خرج الأثنان ليجدا في وجهيهما مكتب على بعد متران فقط و تجلس امامه حسناء شقراء، فأقترب منها معتصم و تحدث برسمية شديدة قائلا:
-عندنا معاد مع أستاذ حمدي الصمدي
نظرت الحسناء الي الكشوف امامها و تحدثت بنبرة هادئة:
-حضرتك أستاذ معتصم.
أومأ معتصم برأسه فأشارت له الفتاة بالدخول قائله:
-أتفضل حضرتك أستاذ حمدي في أنتظارك
تحرك الأثنان نحو المكتب و دق معتصم الباب قبل أن يفتحه و يدخل و معه زينة التي ما أن نظرت الي حمدي أبتسمت بود، فأشار لهما حمدي بوقار بالجلوس، و أقترب كلاهما و جلسا على مقعدين أمام مكتبه فتحدث معتصم:
-النقيب معتصم السيوفي و دي حرمي مدام زينة السعيد
هز حمدي رأسه مع أبتسامة جميلة قائلاً:.
-أهلا وسهلا بيكم نورتوا المكتب، تحبوا تشربوا أيه؟!
نظر معتصم الي زينة التي تحدثت هي هذه المرة بإبتسامة بريئة مزيفة قائله:
-مش معقول يا صلاح نسيت أنا بحب أشرب أيه؟!
أبتسم حمدي في تعجب و تحدث:
-سوري يا مدام أسمي حمدي، و بصراحة محصليش الشرف أعرف سيادتك بتحبي تشربي أيه!
تنهدت زينة بملل حاولت عدم إظهاره ثم تحدثت:
-سوري يا مستر حمدي تقريباً أختلط عليّا الأمر كنت فاكراك حد تاني، ممكن عصير برتقال.
فركت زينة يديها بهدوء و هي ترفع قدمها لتضعها على الأخري و كذلك فعل معتصم، فأمسك حمدي بسماعة هاتفه و أردف:
-سهي، 2 عصير برتقال على مكتبي من فضلك
أغلق الهاتف ثم نظر الي الإثنان و تحدث:
-أنا سامع حضرتكم، أيه طلبكم!؟
بادره معتصم بالحديث قائلا:.
-المدام صحفية مشهورة و للأسف بتجري ورا مصايب كتير بسبب شغلها و عايز أعين ليها حراسة فردين على الأقل علشان أتطمن عليها في عدم وجودي معاها، و طبعاً سمعة شركة حضرتك في العالي بقالها كام شهر و علشان كده جيت هنا
أومأ حمدي برأسه و هو يعطي معتصم ورقة و تحدث بهدوء:.
-تمام يا أستاذ معتصم يا ريت تقرأ الورقة دي و توقع عليها و الصبح إن شاء الله هيكون قدام بيت حضرتك 2 من أفراد الأمن في ضهر المدام زي ظلها بالظبط، و طبعا عنوانك و أرقام تليفوناتكم و جدول كامل بمواعيد المدام الثابتة علشان يكون الحرس على أستعداد تام.
ثم جذب ورقة أخري من ملف أزرق اللون و قدمها الي زينة التي بدأت في تدوين ما قاله حمدي، أنتهي كلاً منهما من إتمام الورقة في يده ثم أعطاها الي حمدي الذي تحدث بإبتسامة جميلة:
-أتشرفت جداً بتعاملي معاكم
دلفت سهي الي المكتب و قدمت العصير الي معتصم و زينة ثم تحدثت:
-حاجة تانية يا مستر حمدي؟!
-لا يا سهي أتفضلي على مكتبك و أول ما مدام مني توصل يا ريت تبلغيني.
أومأت سهي برأسها قبل أن تنصرف مغلقة الباب خلفها، فتحدثت زينة سريعاً في محاولة لإكتساب بعض الوقت و إيضاً إشباع فضولها كصحفية و تأكيد شكوكها قائله:
-بصراحة مستر حمدي كان فيه موضوع تاني أتمني تساعدني فيه
نظر معتصم الي زينة و صمت و حاول ألا يظهر التعجب على وجهه، بينما نظر لها حمدي بنفس الهدوء المهيب و الإبتسامة الجذابة و أردف هو الأخر:
-أؤمريني مدام زينة.
-أنا حالياً بكتب رواية، و كنت عايزة أسأل حضرتك كام حاجة و متأكدة محدش هيفيدني غيرك
أشار لها حمدي لتبدأ حديثها مردفاً بلباقة:
-أتفضلي، و لو فيه أي معلومة هقدر أساعدك بيها أكيد مش هتردد
-حضرتك كنت شغال أيه قبل ما تفتح شركة Deep و يا تري طفولتك كانت عاملة إزاي؟!
نظر لها حمدي بجمود شديد قبل أن ينطق كآلة مبرمجة:
-لا يوجد إجابة لهذا السؤال، بداية الذاكرة كانت منذ سبعة أيام فقط.
نظر كلاً من معتصم و زينة الي حمدي بدهشة و هم يبتلعون لعابهم بصعوبة، فعادت إبتسامة حمدي الي شفتيه مرة اخري قائله:
-مدام زينة، أتفضلي قولي سؤالك ساكتة ليه؟!
تحدثت زينة بلهجة حاولت ألا يشوبها التلعثم قائله:
-حضرتك متجوز و قادر تدير الشركة دي إزاي في نفس الوقت و مع تقدمها المذهل في المدة القصيرة دي؟
أجابها حمدي بهدوء و هو يسترخي على الكرسي قائلا:.
-ده لأن مراتي تبقي مدام مني تيسيير ماذن الشافعي و هي اللي بتساعدني في إدارة الشركة دي و تقريباً كمان هي اللي أسستها
وقف معتصم عن مقعده و كذلك زينة و تبعهما حمدي، ثم مد معتصم يده ليصافح حمدي قائلا:
-أتشرفت بمعرفتك يا أستاذ حمدي
جاءه رد حمدي عليه بإبتسامة هادئة، فأنصرف زينة و معتصم مغادرين المكتب و ما أن خرجوا حتى وجدوا فتاة ذات شعر أحمر ناري تقف أمام المساعدة الشقراء سهي قائله:
-حمدي جوه يا سهي؟!
-أيوه مدام مني في انتظارك
تأبطت زينة ذراع معتصم و هي تبتسم الي مني بعد أن مرت بجوارها، ثم أسرع الإثنان الي المصعد و أغلقاه متجهين نحو الطابق الأرضي و منه الي سيارتهم التي أنطلقت مسرعة و وقتها بدأت زينة تتنفس بصعوبة:
-فيه حاجة غلط بتحصل، حمدي آله متبرمجة يا معتصم، بني آدم حد بيتحكم في مخه و مسح ذاكرته تماماً قبل 7 أيام
ضغط معتصم بسرعة على دواسة البنزين قائلا:.
-و أعتقد اللي ممكن نوصل منه لأي إجابة على حالته دي هي مراته، و اللي لازم ندور وراها كويس
أخرجت زينة هاتفها من حقيبتها و أغلقت المسجل به و عادت لتستمع الي نهايته عندما أطلق حمدي من بين شفتيه أسم زوجته، فرددته زينة قائله:
-مني تيسيير ماذن الشافعي
نظرت زينة الي معتصم بتفكير قائله:
-تيسيير الشافعي أسم مش غريب عليّا
في مقر جريدة منارة الحقيقة .
جلس منير أمام عادل الذي أستدعاه بسرعة، و أخذ يراقب هذان الضخمان الواقفين خلفه، فتحدث عادل:
-منير، ركز معايا هنا و اعتبرهم مش موجودين
نظر منير الي عادل بتوتر و تحدث:
-أستاذ عادل أنا بدأت أخاف منك من لمّا دول بقوا معاك علطول، هو فيه أيه؟
أردف عادل بعبارات مزيفة و يعلوا وجهه علامات الحدة قائلا:
-فيه ناس عايزة تقتلني و دول للحماية، ممكن نركز في شغلنا بقا ولا أيه؟!
حاول منير صرف إنتباهه عن هذان الحارسان و هو ينظر الي عادل بإهتمام قائلا:
-خير، فيه تحقيق جديد صح؟!
ألقي عادل بملف باللون القرمزي أمام منير قائلا:.
-أيوه، الملف ده فيه 10 ورقات كل ورقة بصورة لبنت معينة و تفاصيل عنهم، البنات دول أختفوا فجأة و محدش عارف يلاقيهم، بما أنك أقرب واحد لزينة، فالملف ده هيروح ليها و هي هتتولي تحقيقه مع معتصم، اما الملف الأزرق ده فده تحقيق مكلف بيه النقيب فاروق سويلم و عايزك معاه
ألتقط منير الملف من عادل بتعجب قائلا:
-مش ده النقيب اللي انا كنت معاه و أحنا بنمسك داليدا و خالد
أومأ عادل رأسه بتوكيد قائلا:.
-بالظبط يا منير، مواطن يوناني جه مصر من أسبوعين و فيه شكوك كتير حواليه لأنه بيزور أماكن حساسة جداً في مصر، و النقيب فاروق هو اللي تولي مسئولية مراقبته و عاوزك معاه علشان تكملوا التحقيق سوا
صفق منير بيديه بمرح و أردف:
-يعني في أحتمال انه يكون جاسوس، أيوه بقاا هو ده الشغل
و لكن سرعان ما تبدلت ملامحه و أردف بتعجب:
-ثانية واحدة، ليه ضابط عادي زي فاروق يمسك مراقبة واحد زي ده؟ ده مش شغله ده شغل.
قاطع عادل عبارة منير مردفاً بإبتسامة ساخرة:
-و أحنا مالنا يا منير و لا من أمتي بنسأل؟! نفذ من غير أسئلة كتير و أعتقد دي فرصة متتعوضش علشان ترقيتك تتعجل و لا أيه؟!
أمسك منير الملفات بحماس و أرتد واقفاً و تحدث:
-أكيد يا فندم، عن أذنك يا أستاذ عادل
و سرعان ما أقترب من مكتب عادل و تحدث بهمس:
-و خد بالك من نفسك علشان أنا حاسس أنك هتتاكل من أكوام العضلات اللي وراك دي.
أبتسم عادل في سخرية عندما فر منير من المكتب هارباً، فنظر عادل خلفه الي الحارسان و انتفض من أثر نظراتهم و اعاد نظراته أمامه من جديد متمتماً في داخله:
-أعوذ بالله، ده وشهم عاوز مكوة علشان يتفرد
في أحد مراكز التدريب على رياضة الكيك بوكسينج
أرتفع رنين هاتف زينة، فتوقفت هي و المدرب و كذلك معتصم عن التدريب، و تحدث زينة بإحترام:
-بعد أذنك يا كابتن، لازم أرد على التليفون.
أومأ لها الكابتن خالد العيّاط فذهبت نحو هاتفها لترد، في حين نظر خالد الي معتصم قائلا:
-كويس أنكم لمّا جيتو تتفقوا على التدريب حطيتوا شرط الرد على التليفونات في أي وقت
أبتسم معتصم و تحدث:
-حضرتك عارف يا كابتن أحنا شغالين أيه، علشان كده كل مكالمة لازم نرد عليها
بادر خالد معتصم بلكمة قوية في معدته فأرتد معتصم على أثرها الي الخلف قائلا بذهول و وجع غريب:
-في أيه يا كابتن؟ زينة لسه مرجعتش؟!
-أنا سمحت لزينة بس تروح ترد على تليفونها إنما لسه مكمل تدريب معاك و أكتر من مرة أحذرك أن عنصر المفاجأة من الخصم ممكن يخليك تخسر تماماً
تنهد معتصم بتعب قائلا:
-حاضر يا كابتن، هحاول أنفذ كلامك و أتنبأ بكل حركة ممكن تحصل و أخد حذري
رفع خالد قدمه سريعاً نحو فك معتصم الذي انخفض سريعاً في ذهول، فأردف خالد بهدوء و كأنه لم يكن على وشك تكسير أسنان و انف معتصم للتو قائلا:
-برافو يا معتصم.
أقتربت منهم زينة فسألها معتصم:
-فيه جديد؟!
-أستاذ عادل بعتلي ملف جديد مع منير لتحقيق جديد و أحنا بنحقق في قضية أسمهان، هنخلص تدريب و نعدي على المكتب نجيبه
أومأ معتصم لها و سرعان ما صد ساعده الأيمن لكمة كانت موجهة الي وجه زينة قائلا:
-بالراحة عليها أحنا لسه في شهر العسل مش هنبوظ وشها من دلوقتي، إحنا جايين نتعلم مش نموت و الله.
مرت ساعة و خرج بعدها معتصم بصحبة زينة في سيارة معتصم متجهين الي المعادي نحو الجريدة لتتحدث زينة بتعب جسدي شديد:
-كويس إن خالد مرجعش يضرب تاني و بدأ يدربنا على حركات جديدة، أنا جسمي من التدريبات بس هيتكسر أمال لو كان ضربنا كمان كان حصل فينا أيه؟!
ربت معتصم على كتفها بحنان قائلا:
-هتتعودي يا حبيبتي أتطمني دي مسألة وقت بس جسمك ياخد على الحركة الكتير و المجهود اللي بتبذليه ده و مش هتحسي بوجع بعد كده.
و أكمل حديثه بعد أن نظر لها بسخرية قائلا:
-طبعاً ده في حالة لو خالد مضربكيش
تنهدت زينة بتعب و غطت في النوم حتى وصل معتصم الي الجريدة، نظر لها و لم يشأ إيقاظها، فخرج من السيارة و أحكم إغلاقها، و أقترب من الجريدة، و بعد دقائق خرج و في يده ملف قرمزي، صعد الي السيارة و توجه بها نحو المنزل لإراحة جسد زينة قليلاً..
و بعد ساعتين، أستيقظت زينة بتعب و هي تجد نفسها على فراشها في منزلها الجديد مع معتصم و قد بدل لها ثيابها الي منامة قطنية مريحة باللون الأخضر، نظرت حولها و وجدته يجلس على الأرجوحة في الشرفة و في يده حاسوبه و كوب ساخن من الشاي، أرتدت معطف قصير قطني و أقتربت من الشرفة و فتحتها و شعرت بالهواء البارد يلامس وجهها، فأقتربت من معتصم و جلست امامه مباشرة فأصبحت الفاصل بينه و بين حاسوبها و تحدثت:.
-بتعمل أيه في التلج ده من غير جاكيت؟!
أستند معتصم بذقنه على شعرها قائلا:
-ما أنتي عارفة يا حبيبتي مش ببرد جسمي دايماً ساخن، أما بعمل أيه فبدور عن أي حاجة تخص تيسير الشافعي و بنته بس ملقتش حاجة غير عن مني أنها مرات حمدي بس، و كلمت عبدالله سألته عنهم بس بردوا ملهومش أي ملفات عند البوليس، مش عارف بقا أنتي سمعتي الأسم ده فين قبل كده
أمسكت زينة في قميصه القطني بقوة و هي ترتعش من شدة البرد قائله:.
-هنلاقيه متقلقش، دفيني بس قبل ما أقرأ التحقيق اللي منير جابه
ترك معتصم حاسوبه و ضمها بقوة الي صدره ثم سحب الملف قائلا:
-منير قالي أن العشر بنات دول أختفوا في ظروف غامضة و محدش يعرف عنهم تقريباً أي حاجة و دي كل المعلومات اللي قدروا يوصلولها
فتح معتصم الملف امام عينيها و بدأ في قراءته بصوت مرتفع حتى تسمعه و عندما أنتهي منه قال بهدوء:.
-تقريباً الملف ده ملوش أي لازمة غير أسامي البنات و عناوينهم و لازم نعمل أحنا تحرياتنا الخاصة علشان نعرف أيه العامل المشترك ما بينهم
خرج معتصم من الأرجوحة ثم سحب زينة من قدميها لتقترب منه و حملها بين يديه و دخل الي الغرفة قائلا:
-يلا هننزل دلوقتي و نبدأ بلاش نضيع وقت
أنحنت ذارعي معتصم فهبطت زينة على قدميها قائله:
-طب نتصل بمنير يشوف أي أثر لتيسيير؟
-لا منير عنده تحقيق مع فاروق، لازم أحنا ندور بنفسنا، بس شكل موضوع تيسيير و حمدي أو صلاح ده كبير و عاوز وقت، هنخلص الأول موضوع البنات ده و بعدين نشوف موضوع تيسيير بنفسنا، والاحسن بعد كده أننا نشتغل لوحدنا من غير مساعدة منير ده أفضل لينا و ليه.
أومأت زينة برأسها و هي تخرج بنطال جينز لمعتصم مع قميص أبيض و جاكيت من الجلد باللون الأزرق الداكن، في حين أخرجت لنفسها بنطال من خامة الجينز الفاتح مع بلوزة سوداء من القطن و جاكيت أسود من القطن، أرتدي كلاً منهما ملابسه ثم أحذيتهم و وضعت زينة مستلزماتها في حقيبتها التي علقتها كالمعتاد على عنقها و كتفها، بينما علقت كاميراتها على عنقها و أتجه الأثنان سوياً الي الدقي على عنوان الفتاة الأولي مريم حسين لمقابلة أهلها..
في القطار الذاهب الي الأسكندرية
أغلقت ريهام معطفها بقوة و هي تشعر بالبرد الشديد و نظرت في ساعة يدها فلقد تبقي خمس دقائق قبل أنطلاق القطار، فتحت هاتفها لتبدأ بتصحفح الأنترنت حينما وجدت ظل يقف أمامها يمنع عنها الأنوار و شاب يضع حقيبته في الرف العالي في القطار، ثم هبطت بنظره تجاهها و وجدها ترفع رأسها، فنظرت له ريهام بصدمة مردفة:
-هو أنت مراقبني ولا أيه؟!
جلس عبدالله على المقعد المجاور لها و أردف متعجباً:
-هراقبك ليه؟! أنا معرفش عنك أي حاجة من أخر مرة شوفتك فيها في الكافيه
نظرت ريهام له بإهتمام و سألته بفضول شديد:
-رايح أسكندرية تعمل أيه؟ أحنا في الشتا!
أجابها عبدالله بإبتسامة بشوشة و أجابها:
-و ايه أحلي من كده سبب يوديني أسكندرية! أنا أخدت أجازة أسبوع بعد ما معتصم رجع و باخد كل سنة أسبوع لأسكندرية بحب الجو هناك
ثم جلس بجانبه و أردف بإهتمام:.
-أنتي بقا رايحة فين في الشتا ده؟!
أراحت رأسها على مقعدها قائله بتنهيدة:
-رايحة أريح دماغي شوية، محتاجة أشم هوا نضيف، و أفتكرت أني عمري ما نزلت أسكندرية، فقولت أروح
أمتلأت عيون عبدالله ببريق من التعجب و سألها:
-رايحة أسكندرية أول مرة لوحدك؟ طب أنتي هتنزلي فين!
رفعت ريهام كتفيها بجهل و لم تلتفت له من جديد، و بدأ القطار في التحرك سالكاً طريقه نحو الأسكندرية، و أستمر الأثنان على صمتهما و عبدالله يختلس نظرات الي تلك المجنونة التي تجلس بجانبه، ثم بادرها بعدم تحمل:.
-لا مش قادر، يعني أيه نازلة أسكندرية من غير ما تبقي عارفة أنتي رايحة فين و في الشتا؟ أيه هتباتي في الشارع مثلا و لا هتقضي الكام يوم دول نوم في الشواطئ، علفكرة المطر بيهجم على أسكندرية في لمح البصر مش هتلحقي تستخبي تحت شمسية حتي
نظرت الي ساعتها ثم أردفت بدون أن تلتفت له و هي تقول:.
-أتكلمت بعد ساعة و نص و بتديني نصايح، مكنتش أعرف أن فيه حد موصيك عليّا يا حضرت الظابط، خليك في حالك أفضل و أستمتع بأجازتك
أجابها عبدالله بتلقائية و عفوية شديدة:
-مش هعرف أستمتع من غير ما أتطمن عليكي
أخيراً توجهت نظرات ريهام إليه و هي ترفع أحد حاجبيها بشك، فأكمل عبدالله سريعاً:
-أي حد مكاني هيقول نفس الكلام، مش من الشهامة أني أسيبك في بلد أنتي متعرفيهاش في الشتا و أول مرة تنزليها يا ريهام.
تنهد قبل أن ينطق برجاء:
-ممكن تعتبريني المرشد بتاعك لحد ما ألاقيلك مكان تستقري فيه و أوعدك مش هتشوفي وشي تاني
أومأت ريهام برأسها بهدوء و أجابته:
-ماشي، في الكل الحالات كنت محتاجة حد يساعدني، سبني أنام بقاا علشان تعبانة
في شبرا الخيمة
وقفت زينة أمام أحد مكاتب توظيف خادمات و هي تمسك بدفترها، فتحدث معتصم من خلفها:.
-حسب اللي قالوه الأهالي و الجيران لينا، ان كل بنت من دول كانت بتشتغل في تنضيف البيوت، و اللي وظفهم مكتب في شبرا، و ده المكتب اللي فيها، يلا ندخل يمكن نقدر نوصل لأي حاجة
تقدم كلاهما الي المدخل و منه الي المكتب فوجدا مساعد شاب في العقد الثالث من عمره يجلس على مكتبه، فأقترب معتصم و زينة منه و ألقي معتصم عليه التحية، ثم أردف:
-فين مدير المكتب أو المديرة؟
رفع الشاب بصره ببرود و تحدث:.
-الأستاذة كاميليا موجودة، مين حضرتك؟ واخد معاد!
نظر معتصم الي زينة ثم أعاد نظره الي الشاب و أردف:
-مكنتش أعرف أن المفروض أخد معاد الأول قبل ما أجي أطلب خدامة تساعد مراتي في شغل البيت
تهللت أسارير الشاب الذي وقف بفرحة شديدة و قد ذهب البرود عن وجهه و أردف:
-حضرتك جاي تطلب خدامة مش تشغل واحدة.
ظهر الضيق على وجه زينة من هذا الغبي الذي كان يظن أنها خادمة، بينما حاول معتصم كبح أبتسامته و أردف بلهجة حادة:
-أيوه، ممكن بقي أتواصل مع المديرة
-دقيقة واحدة بس هبلغها بوصول حضرتك، ممكن أتشرف بإسمك؟
-معتصم السيوفي
ركض الشاب نحو الباب جواره و دق عليه ثم أسرع في الدخول و بعد ثواني خرج قائلا:
-أستاذة كاميليا في أنتظارك جوه.
دلف معتصم بصحبة زينة الي الداخل، لتقابلهم كاميليا بإبتسامة جميلة و صافحت كلاً من معتصم و زينة مردفة:
-أهلا وسهلا أتفضلوا
جلس كلاً من معتصم و زينة و كذلك كاميليا التي تحدثت بلباقة:
-أسفة جدا على طريقة علاء، بس المكتب لسه في البداية و مفيش عندنا عملاء كتير و كل اللي بييجوا بيكون علشان التوظيف بس
أبتسمت زينة و هزت رأسها قائله:
-عادي يا أستاذة كاميليا ولا يهمك
وضعت زينة قدماً على الأخري و أردفت:.
-بصراحة أنا كنت في النادي مع جوزي و هناك قابلت صديقة قديمة ليّا و كان معاها صاحبتها و قعدنا سوا و كنت بقولهم إني محتاجة حد يساعدني في البيت و بصراحة صاحبة صاحبتي رشحت المكتب ده و قالتلي إن كل الخدم عندها من هنا
أرتسمت إبتسامة جميلة على وجه كاميليا و نطقت:
-أكيد دي ثرية هانم، هي تقريباً أكتر حد أتعامل معانا و كل أسبوعين بتطلب خدم جداد
ثم أضافت بعفوية و لهجة مرحة:.
-بالرغم من شروطها الغريبة في اختيار البنات
أتسعت إبتسامة زينة و تحدثت بفضول:
-شروط أيه؟! حابة أعرف علشان هي بتشكر جدا في البنات اللي معاها و عايزة أشوف هتتوافق معايا أنا كمان ولا لأ
نظرت كاميليا الي معتصم و أردفت بنبرة تملؤها الحيرة:
-مدام ثرية أرملة و علشان كده الشروط متوافرة معاها أنما حضرتك متجوزة فمش عارفة ممكن توافقي ولا لأ
أنتقلت الحيرة الي زينة و معتصم و تحدثت زينة بعدم فهم:.
-ليه هي أيه الشروط دي؟
-إن البنات يكونوا جميلين جداً و نشيطين جدا و عذاري و كمان ميكونش ليهم أهل أو على الأقل مش ناس معروفة أو ممكن تهتم ببناتهم
أحتل الشك تفكير معتصم و كذلك زينة، فبادر معتصم و سألها:
-طيب ليه عذاري؟ و ليه ملهومش أهل؟
-معرفش إجابة السؤال الأول بس كتخمين علشان ميكونش وراها بيت يشغلها عن الشغل عندها و ملهمش اهل فعلشان هما بيقيموا عند مدام ثرية في الفيلا بتاعتها.
حاولت زينة إنهاء حالة التوتر هذه فأردفت:
-تمام، انا عاوزة بنوتة تكون محتاجة الشغل جداً و خلاص مش مهم أي حاجة تانية طبعا غير الأمانة
أرتسمت إبتسامة على وجه كاميليا قائله:
-موجودة يا فندم
أمسك كاميليا بورقة و أعطتها لهم مردفة:
-يا ريت تملي الأستمارة دي، و تكتبي عنوان الشغل اللي المفروض البنت هتروحه
أومأت زينة برأسها و ملأت الأستمارة و اعطتها الي كاميليا بإبتسامة لطيفة و أدرفت:.
-يا ريت تروح هناك و تقول إنها تبع مستر كامل السعيد مذيع برنامج التليفزيون المشهور لإن الحقيقة هو اللي طالب عاملة نظافة في الأستوديو مش أنا
أومأت كاميليا برأسها و أردفت:
-تمام يا مدام زينة
ألتقطت كاميليا أسم زينة عن الأوراق فأردفت به في نهاية حديثها، ثم تحدثت زينة بإبتسامة قائله:
-لو مش هتسبب ليكي في مشكلة، انا عايزة عنوان مدام ثرية، حابة أشكرها بنفسي إنها وصلتني بيكي.
ظهر التردد على وجه كاميليا للحظات قبل أن تهز رأسها بالإيجاب و فتحت الحاسوب و ألتقطت ورقة و قلم و بدأت في تدوين العنوان عليها و أعطتها الي زينة التي أخذتها منها و أردفت:
-كانت بتشكر في بنوتة شاطرة جدا معاها، أسمها مريم حسين، ياريت لو تبعتي واحدة زيها
نظرت كاميليا في حاسوبها من جديد و ما ان لقطت عينيها أسم مريم حسين أردفت بإبتسامة:.
-فعلا يا مدام زينة، فيه بنت عندها بالإسم ده، هشوفلك واحدة زيها أكيد
أبتسمت زينة إبتسامة نصر و هي تقف و كذلك معتصم و مدت يدها لتصافح كاميليا قائله:
-مبسوطة إني اتعاملت معاكي يا كاميليا
مرت ساعة في سيارة معتصم الذي تحدث:
-خلاص قربنا نوصل أهوه فوقي بقا كده و بطلي نوم
ضربته زينة بقوة على ذراعه اليمني قائله بغيظ:.
-خلي فيه شوية دم أنا تعبت من كتر اللف طول اليوم أنت الشغل معاك متعب، أقف في أي مكان خلينا نشرب قهوة أفوق بيها، و يا ريت لو نأجل المشوار ده لبكره لإني مش مستعدة ليه أبداً دلوقتي، ومش هنخسر حاجة يعني، ماهو مفيش تحقيق بيخلص في يوم يا معتصم
ضغط معتصم على مكابح السيارة التي توقفت ثم نظر الي زينة التي ظهرت عليها آثار التعب و أشار الي المقعد الخلفي قائلا:.
-أسف يا حبيبتي، مكنتش أعرف فعلا أنك تعبتي أوي كده، أرجعي أرتاحي في الكنبة اللي ورا و أنا هطلع على البيت
قفزت زينة سريعاً ما ان أعطاها أذن و نامت على المقعد الخلفي في حين أنطلق معتصم و قد أرتفعت صوت ضحكته و هو يقول:
-متجوز قردة
-بس يا رخم.