رواية زهرة ولكن دميمة الجزء الثاني بقلم سلمى محمد الفصل الحادي عشر
وكانت بيننا قصه - وكانت تقول تهواني
تاتيني بالليل مشتاقه - تختبئ بين احضاني
كانت بالعشق تولعني - تشقه نصفين وجداني
تقول بيننا حب - عشق و حنين دامي
كانت ترقص على عزفي - تغني عزف الحاني
تدور حولي كفراشه - تخرجني من سجن اشجاني
جعلتني انسى ما اسمي - جعلتني انسى عنواني
كانت تقول يا عمري - انت في قلبي و كياني
كانت تقول ما عمري - سانسى ليلك الشاجي
و نسيت القطة الصغرى - وعودا اعطتها و اماني
ذهبت و تركتني مشتاقا - اذوب في باقي احلامي
توارت عني الورده - وتركت شوكها الدامي (كلمات ابراهيم الشامي)
من بعيد كانت تلقي عليه نظرة كاملة، جسده يحتل الفراش، شعرت بتمزق غريب يسري داخل قلبها، حاولت الأقتراب منه، لكن قدميها أبت التحرك...
شعرت بروحها تسحب من جسدها...
كلا والدايه ظلا صامتين جالسين بالقرب من الفراش، منتظرين لحظة أستيقاظه...
تقلصت ملامح وجهه من الألم، هتف كل من صفية وناصر بدعاء: يارب
حاول الصراخ لكن صوته ظل عالق في حنجرته، يريد الصراخ، فالصراخ سيخفف من ألمه، حاول الصراخ لكن صوته أختنق داخل حلقه، كرر المحاولة فخرج صوته بأهة خافتة: أااه، بيسااان
وفي خلال للحظات، بدأت أهدابه تتفتح ببطء.. أغمض عينيه التي تأذت من وهج الغرفة، ثم عاد وفتحها بحذر، سأل بتمتمه: أنا فين؟
ردت عليه صفية بلهفة: سلامتك ياقلبي...
شعر بصداع يكاد يفتك برأسه، حاول رفع رأسه بعناد لكنه فشل وأنهار ساقطا على وسادته، أراد أن يحرك ذراعه فتألم، بدأ ينادي: بيساااان
دار ببصره المشوش يبحث عنها، حتى وقعت عينيه فنادى عليها: بيسااان
لم تقدر على البقاء معه، وهمت أن تخرج من الغرفة لكن صوت ندائه بأسمها شل حركتها، التفتت له...
تقابلت العيون في صمت، أكتفو بنظرات تحمل كل معاني الألم والحزن والعتاب...
لم تقوى على البقاء، أعطته ظهرها لتخرج من الغرفة...
نادى عليها: بيساااان
صفية بلهجة يشوبها القلق وهى ترى مايحدث: ريح نفسك وبلاش تتكلم...
للحظة ظلت ساكنه ثم التفتت له ونظرة لها نظرة خاوية باردة خالية من المشاعر، وخرجت من الغرفة...
أغمض عينيه، تأوه بألم: مش عايز أفوق، صرخ بشدة
أنطلقت صفارات متقطعة من الجهاز الموصل بيه، وانهار في غيبوبة...
صرخت صفية بهستيرية: أااابني
تصلب ناصر في مكانه، ثم خرج مسرعا لينادي الطبيب..
كانت بيسان واقفة في الممر بالقرب من الغرفة، وعندما أتى ناصر ومعه الطبيب القى عليها نظرة لوم...
أول ماأتى له خبر وجود زاهر في المستشفى، أنطلق في التو الى أسوان...
بمجرد وصوله رأى بيسان موجودة في الخارج واقفة بجوار غرفته
قال باستغراب: واقفة برا ليه؟ زاهر كويس...
ردت عليه بهدوء: اتخنقت وقولت أخرج شوية
قطب بين حاجبيه بعمق: اتخنقتي، ثم أضاف شكلك مش باين عليه أنك زعلانة...
أسبلت أهدابها وهمست: زعلانة طبعا...
قوس حاجبا وقال: هدخل أشوفه، هتدخلي
هزت رأسها بالنفي: لا
تركزت عيناه عليها ولكنه التزم الصمت ولم يسأل ودخل الغرفة مباشرة...
رأى الطبيب يقوم بالكشف على زاهر وبجواره ناصر وصفية...
ران الصمت المعبر عن الألم بين الجميع...
سأل أكنان: هو كويس
ردت صفية وقد كست ملامحها الهم: لا
قال ناصر بثقة مفتعلة: أن شاء الله هيكون كويس...
أخذت صفية تعض على شفتيها، شعور من تعرف أنها فعلت شيء خاطىء، وتوجهت بنظراتها المتألمة الى أبنها...
أندفعت أحدى الممرضات الى داخل الغرفة، ومررت الى الطبيب مظروف، أسرع يفضه مخرجا منه صورة الاشعة، ثم وضعها على جهاز لوحي موجود بالغرفة، أضاء الجهاز ونظر للأشعة بتركيز...
صاحت صفية بالطبيب: قولي الحقيقة يادكتور...
ناصر بلهجة مهدئة: أهدي ياصفية
أجاب الطبيب عليها: خير أن شاء الله
كررت صفية سؤالها: ماتقولي أبني عنده أيه؟
صفية كانت منهارة، وغارقة في دموعها...
سأل أكنان بلهجة حازمة: عنده أيه.
أجاب الطبيب وهو يشير بأصبعه بحركة دائرية على الاشعة دون ملامستها: الحادثة عملت تجمع دموع على المخ، وده السبب في دخوله بغبيوبة...
صفية بصراخ: أبني
هتف ناصر فيها بحدة: أسكتي، خلي الدكتور يكمل كلامه
كمل الطبيب حديثه قائلا: أحب أطمنكم أن دي مش أول مرة تمر عليا، في حالات كتير نفس حالة أبنكم، خفت مع العلاج وفاقت من الغيبوبة، ومارست حياتها الطبيعية عادي...
سأل أكنان: وهيفوق أمتى؟
رد الطبيب بهدوء: الله أعلم، كله في علم الغيب، أنا هبتدي معاه بالعلاج من دلوقتي، الادوية اللي هياخدها هتساعد في أذابة التجمع الدموع...
كرر أكنان سؤاله: مقولتش هيفوق أمتى
بسط يديه وقال: أمتى بالظبط معرفش، هنبتدي معاه بالعلاج وهنشوف هيستجيب ولا لأ
سأل أكنان: أعمل ليه عملية وشيل التجمع ده
صمت للثواني ثم قال: للأسف مش هينفع في حالته وهتبقا مخاطرة...
_ والعملية متنفعش ليه؟
_ عشان التجمع موجود في منطقة حساسة، المركز المسئول عن معظم الوظائف الحيوية في الجسم، ثم وجه نظراته للكل، أنتو دلوقتي عندكم حلين ياالمخاطرة والعملية تتعمل، يا الصبر ونستنى نشوف نتيجة العلاج معاه، وأنا من رأيي نستعمل الادوية الاول وأن شاء الله هيفوق..
قال كلامه ثم غادر تارك الجميع ينظرون لخروجه بصمت مؤلم...
وقفت صفية بجوار الفراش، وأخذت تنتحب في صمت، وانسابت الدموع ملتهبة على وجنتيها، وارتسمت على قسمات وجهها كل معاني الحزن لأم تكاد تقفد ابنها، ذكريات اليوم ومافعلته هاجمتها بقسوة فهتفت بوجع: أاااه...
قال أكنان بلهجة مطمئنة: أن شاء الله هيفوق ويرجع أحسن من الأول
أحتضن ناصر زوجته وقال بتصميم: متعيطيش زاهر هيخف وهيفوق، فاااهمة ياصفية
هزت رأسها بالأيجاب ودموع الذنب لم توقف عن الأنسياب...
عندما خرج من الغرفة لم يجد بيسان في الجوار، فقام بالاتصال بها
_ بيسان أنتي فين؟
_ أنا روحت، حسيت أني تعبانة وعايزه أنام
أمسك أكنان الهاتف أمام وجهه ونظر للشاشة بذهول للحظات، ثم قال بصدمة: روحتي تنامي وسايبة زاهر...
أجابت بيسان بلامبالاة: وجودي زي قلته مش هيفرق معاه...
أرتسمت على وجهه علامات التعجب وقال: أنتي مسألتيش عنده أيه...
بسطت كف يديها وتأملت خاتم الزواج بشرود وهمست: عنده أيه؟
أكنان بلهجة غاضبة: لسه فاكرة تسألي، جوزك في غيبوبة ياهانم وياعالم هيفوق منها أمتى...
ضمت أصابع يديها بعنف وقالت: متعصب ليه دلوقتي
هتف بحدة: بسبب برودك ولا مبالاتك، ده زاهر حبيبك وجوزك مش حد غريب...
أكنان بعصبية: أيه كمية البرود اللي أنتي فيها...
رفعت حاجبيها وردت عليه بضيق: سلاااام عشان مصدعة ومش قادرة أتكلم
أنفجر أكنان في الهاتف المغلق: مستهترة عديمة المسئولية شعر بانقباض داخل قلبه، غادر المستشفى حزينا، فصديق عمره مريض وشقيقته تغيرت وأصبحت غريبة الأطوار...
أتصل بكريم مباشرة، قال أكنان بكأبة: بتعملي أيه؟
سأله كريم بفضول: مش عوايدك تتصل، مالك؟
زفر بحدة قائلا: زاهر في المستشفى، في غيبوبة
أنتفض كريم في جلسته ثم عبس قائلا: حصل أمتى وأزاي وهو وضعه أيه دلوقتي...
قال بلهجة حزينة: بيقولو وقع من على السلم وراسه أتخبطت على الأرض
رد كريم بنبرة غير مصدقة: وقع على السلم، طب أزاي؟وليه؟
تنهد بحيرة: معرفش أيه اللي حصل، بس ده كل اللي عرفته، وبالنسبة لوضعه الدكتور مع العلاج هيفوق بس محتاج وقت، أنا هفضل كام يوم هنا معاه، مش هقدر أسيبه اليومين دول خالص، عايزك تبقا تروح الشركة وتابع الشغل هناك كأني موجود...
أجابه بسرعة: طبعا كأنك موجود، صمت على الهاتف للحظات ثم قال، وبيسان عاملة أيه دلوقتي...
عندما ظل صامتا، كرر سؤاله متوترا: بيسان كويسة، أنا لما كلمتها الصبح، حسيتها متغيرة ومش على طبيعتها...
رد بعصبية: كويس ومفهاش حاجة...
_ أومال أيه وصوتك أتغير ليه لما سألتك عليها...
_ زي مانت قولت يا كريم بيسان مش على طبيعتها
_ حصل أيه منها خلاك تقول كده
_سابت زاهر لوحده ومهتمتش تسأل عنده أيه، لما خرجت من ألاوضة ملقتهاش، فقولت أتصل بيها أطمن عليها وأشوفها راحت فين، قالت انها روحت عشان تعبانة وعايزه ترتاح، أتصرفت باستهتار
عقد بين حاجبيه بشرود: الصبح مكنتش مظبوطة وقالت كلام غريب
قاطعه في الكلام، قائلا بفضول: كلام أيه.
تنهد وهو يحك رأسه: أنها عايزه تسيب زاهر وأنها خلاص زهقت وأنه كان بالنسبة ليها زي اللعبة، قولت أكيد حصل حاجة بينهم، بس هي قالت لأ، وبعدين اللي حصل لزاهر وأنها كانت باردة في رد فعلها، في حاجة غريبة ياأكنان، مش دي بيسان اللي كانت هتموت على زاهر عشان تتجوزه، مش عارف ايه اللي غيرها كده...
هز أكنان رأسه بحيرة: بيسان أتغيرت ياكريم، أتغيرت جامد ومبقتش زي الاول، وأنا كمان مش عارف...
أستئذنت ضحى والدتها في البقاء مع زهرة هذه الليلة والمبيت معاها...
أسيقظت ضحى في منتصف الليل، لم تجد زهرة في الفراش، وباب الغرفة مفتوح على مصرعيه، نهضت جالسة على الفراش وخرجت من الغرفة، رأت زهرة جالسة على الكرسي وقد أسندت ذقنها على ركبتيها، شعرت ضحى بالقلق من منظرها...
قالت ضحى بصوت لكي لا تفزعها: زهرة
أدارت زهرة رأسها نحوها ببطء...
شهقت ضحى لرؤية عينيها منتفخة وحمراء من البكاء: أنا سبتك بمزاجي أول ماشوفتك، وقولت في حاجة مزعلك وزعل جامد عشان كده مرضتش أسيبك تباتي لوحدك، : مالك يازهرة، ثم جلست على حافة الكرسي، مالك يازهرة، فضفضي ليا وأنتي هترتاحي...
ظلت زهرة صامتة تتأمل ضحى بصمت للحظات، ثم قالت بصوت مختنق: الكلام اللي هقولهولك سر ياضحى...
هبطت ضحى من على حافة الكرسي وجثت على الأرض، وجذبت زهرة من يديها للجلوس بجانبها، وقالت لها برقة: طبعا يازهرة كل كلامك ليا سر.. ثم ضحكت بخفة، أسرارك كترت يازهرة...
الدموع سالت على وجنتيها، كانت خائفة وكلمات ضحى الرقيقة زادت من خوفها...
وضعت ضحى يديها على كتفها وضمتها اليها وقالت: أنا معاكي، أحكي كل اللي في قلبك عشان ترتاحي...
أغمضت عينيها للحظات ثم فتحتهم وتنهدت قائلة: عرفت مين أبو ولادي...
سألتها بارتباك غير مستوعبة ماسمعت: أبو ولادك...
زفرة بألم: عرفت الراجل اللي أعتدى عليا يوم فرح أحمد...
_ وعرفتي أزاي وأنتي مش فاكره ملامحه ولا فاكرة الوقت ده، ثم هزت رأسها باستيعاب، أنتي أفتكرتي اللي حصل
_ مفتكرتش حاجة
قالت بحيرة: أومال عرفتيه أزاي
ردت عليها بصوت يدمي القلب: هو اللي أعترف ليا، لما عرفني وأكتشف ان ليه أطفال...
تعلقت عينيها على زهرة، سألتها بصوت رقيق: ومين هو؟ ورد فعله لما عرف أن عنده أطفال؟
همست بتردد وهي تتطلع اليها بعيون متألمة: أكنان نجم...
الصدمة الجمت لسانها لبرهة من الوقت: أكنان اللي هو أكنان أبن عم كريم...
هزت رأسها في صمت ثم قالت: أيوه هو
سألت بلهجة حائرة: مش قادرة أستوعب كلامك، أزاي أزاااي يازهرة.
شردت زهرة وهي تهمس بخفوت، أنا ححكيلك وبدئت في سرد حكايتها كما أخبرها، أخبرتها كل شيء حدث بينهم وعندما أنتهت، شهقت ضحى بعنف ثم هتفت بغضب: أناااا أناااا عايزه أخنقه وأطلع روحو في أيدي، يااااه كل ده يطلع منه، سألت مترددة، في حد يعرف باللي حصل غيركم، مقلش لأي حد
نظرة لها مستفهمة: تقصدي مين؟
قالت باضطراب: أقصد كريم...
ردت بنفي والدموع تنساب على وجنتيها: مفيش حد يعرف غيرنا وأنتي، أنا تعبانة أوي ياضحى ومش عارفة أعمل أيه، جوايا جرح لسه بينزف
ربتت ضحى على رأسها بحنيه، ثم قالت برقة: مع الوقت هتلاقي الجرح التئم والوجع قل، الوقت هو العلاج الوحيد ليكي دلوقتي، الوقت بيقدر يعالج أي جرح مهما كانت شدته...
هتفت بألم: يارب ياضحى...
جاء الصباح بطيئا على غير عادة على الجميع، لم يغمض لهم جفن، فقد كان يتملكهم خوف مهما هو قادم...
نظر الى ساعته، فوجدها قد أقتربت من وقت الظهيرة...
أرتدى ملابسه سريعا، لم يضع عطره المميز، لم يلتفت الى تصفيف شعره، ركب سيارته وأنطلق الى المستشفى للاطمئنان على زاهر...
كان معظم أقاربه موجودين معه في الغرفة الا من بيسان، القى السلام ثم خرج مباشرة وذهب الى الطبيب المعالج لزاهر
_ وضعه النهاردة أيه يادكتور
_ مش هيبان حاجة دلوقتي، مع العلاج والاشعة اللي هنعمله، نقدر أقولك الوضع هيكون أيه
_ تقصد أيه بالكلام ده..
الطبيب بهدوء: العلاج لو جاب نتيجة التجمع الدموع حجمه هيقل وده هيبان في الاشعة اللي هنعمله بعدين، ولما الورم يقل ضغطه على خلايا المخ هيقل وبالتالي هيفوق من الغبيوبة، بعد أذنك هروح أشوف بقيت المرضى
هز أكنان رأسه بالموافقة وبعد أنصرافه، أخرج هاتفه وأتصل بيبسان...
أنتي فين يابيسان؟
بيسان بهدوء: أنا في البيت...
قال بلهجة ساخرة: في البيت.. أنتي ناسية ان ليكي جوز راقد في المستشفى، عايزك تلبسي وتجي دلوقتي المستشفى...
ردت بلهجة باردة: مينفعش أجي دلوقتي، عشان أنا سافرت وعند بابا في الفيلا...
قال أكنان بصدمة: سافرتي وسبتي جوزك
أخذت تمضع أظافر يديها وهي تتحدث: وجودي زي قلته، يعني هعمل ليه أيه، وأنا بصراحة أتخانقت من الجو هناك وقولت أغير جو، من الأخر كده ياأكنان أنا زهقت منه وقررت أطلب الطلاق...
سمع كلامها وهو في حالة ذهول وكأنه في كابوس، يتمنى الأستيقاظ منه سالما، فقال بانفعال: أيه البرود اللي بقيتي فيها ده، الأحساس أنعدم من عندك، تطلبي الطلاق وهو في غيبوبة مش تستني لما يفوق الأول...
بيسان بغضب مكتوم: أنا حرة أعمل اللي أنا عايزه
زاد أنفعاله وقال: حصل أيه ليكي وأيه اللي غيرك مرة واحدة كده..
_ كل اللي حصل أني فوقت من وهم أسمه زاهر، سلااام وأقفل الكلام في موضوع زاهر، ثم أغلقت الهاتف في وجهه، وضعت يديها على كلتا أذنيه تحاول كتم صوت الصريخ بداخلها، أخذت الأصوات تتردد مدويه بداخلها مردده، أنتي كده هترتاحي، هترتاااااحي، بس أنااا أنااا، ظلت أصوات الصراخ يتصارعان داخل عقلها حتى غلبها النوم...
وعلى الجهة الأخر، ظل زاهر واقف مكانه لفترة من الوقت مصدوم من شقيقته، صدمة عمره، اتاه أتصال أخر جعله يفيق من شروه، هتف بحدة في المتصل: بتتصل ليه
أجابه بلهجة مترددة: حضرتك قولتلي لو حصل أي حاجة غريبة أتصل بيك..
_ أتكلم علطول
_ البنت اللي مكلفني بمراقبتها، خرجت مع اللي أسمه أحمد وقعدو سوا في مطعم وبعدين مشيت معاه وهو كان بيسند فيها وشكلها مش متزن وشبه غايبة عن الوعي..
صاح بانفعال: وقفهم بأي طريقة فاااهم بسرعة ياغبي، متخلهاش تروح معه
رد بارتباك: بس بس
أخذ قلبه يدق بعنف وصرخ فيه: بس أيه...
قال بخوف: وأنا بكلمك، طلع بيها بالعربية...
هتف بغضب: أطلع وراهم ياغبي وخدها منه، عارف لو جرالها حاجة، هتكون نهايتك على أيدي، وسيب الخط مفتوح متقفولهش، وبلغني بكل خطوة ليك أول بأول، وأنا هركب الطيارة وهجي أسكندرية دلوقتي
رد عليه بلهجة مذعورة: حاضر يابيه، ثم أنطلق بسيارته مسرعا للحاق بالسيارة الأخرى...
تعالت نبضات قلبه تنبئه بكارثة سوف تحل، فهو قال أنها كانت غير متزنه وشبه غائبة عن الوعي...
قبل ساعة من الأن، رن جرس الباب...
تحركت زهرة لفتح الباب وهي تحدث نفسها، أنتي لحقتي ياضحى، ده أنتي لسه طالعة، أهدي أنا جايه خلاص أستني الجرس هيتحرق كده في أيدك، تفاجئت بوجود أحمد أمامها...
هتفت بحدة: أيه اللي جابك هنا تاني...
نظر لها برجاء: أنا محتاج أتكلم معاكي يازهرة
تمعنت في النظر له، وجهه أصبح نحيل وعيونه غائرة وملابسه غير منظمة..
كرر كلامه بتوسل أكثر: عشان خاطري يازهرة، محتاج من وقتك نص ساعة بس، نص ساعة بس، وبعد كده مش هتشوفيني تاني، أعتبريها أخر مرة، وأخذ يترجها لفترة من الوقت حتى شعرت بالشفقة تجاهه
ردت قائلة له: خلاص يا احمد، استنى برا بعربيتك على أخر الشارع وأنا هغير هدومي وهخرج معاك بس دي هتكون أول وأخر مرة، أتفقنا.
ارتسمت على وجهه ابتسامة باهتة: حاضر يا زهرة...
ارتدت ملابسها بسرعة، ثم خرجت من منزلها ووجدته منتظر بداخل سيارته في المكان المتفق عليه ويبدو عليه التوتر، وكان يضرب بيديه على عجلة القيادة بعنف، شعرت بالقلق وهي تدلف إلى داخل السيارة وبمجرد دخوله أنطلق بالسيارة، توقف أمام كافيه لاتينو...
نظرة له بانزعاج: مش عارفة أيه لزمتها تجيبني هنا، ماكنت قولت اللي انت عايزه وأحنا في العربية
بادلها نظرتها بنظرة رجاء ثم قال: أنا مش عايز اتكلم معاكي في العربية، عايز نقعد مع بعض وأكلمك براحتي.. مش أكلمك في الطريق والعربيات رايحة جاية...
نزلت زهرة مضطرة من السيارة ودخلت معاه إلى الكافيه، جلس كلاهما على طاولة موجودة بالركن ثم طلب من الجرسون عصير فروالة لها وعصير ليمون له...
قالت بضيق: مش عايزه أشرب حاجة، قول كنت عايز أيه وخلصني، انا بجد زهقت...
تجاهل كلامها كأنه لم يسمع شيء: لسه فاكر كويس أنك بتحبي تشربي عصير الفروالة، مفيش حاجة نسيتها كانت بينا
_ لو سمحت يا احمد كلامك ده ملهوش لزمة دلوقتي، خلاص انا شيلتك من حسابتي من يوم ماتجوزت، ياريت تفهم كلامي كويس وإنساني وشيلني من حياتك...
_ عندك حق ملهوش لزمة الكلام في الماضي
_ ايه بقا الكلام المهم اللي كنت عايزني فيه
قاطع كلامهم اقتراب الجرسون، قام بوضع الطلبات أمامهم، وعند انصرافه أمسك أحمد كأس العصير ومده باتجاه زهرة، وقال بابتسامة باهتة: بلاش تكسفيني..
أمسكت زهرة كأس العصير من يديه مضطرة وتناولت عدة رشفات منه ثم وضعت الكأس على الطاولة...
زمت شفتيها بضيق وقالت: عصير وشربته، هااا كنت عايز تقول ايه
قال بلهجة يشوبها الحزن: لدرجادي مش مستحملة وجودي
هتفت بحدة: لو مقولتش انت عايزه ايه، هقوم وأسيبك...
أبتسم بألم: انا محتاج اتكلم، الكلام معاكي بيريحني..
حاولت مقاطعة كلامه، لكنه استمر في الكلام قائلا بحزن، معلش استحمليني الوقت ده، انا كل اللي محتاجه اني اتكلم وبس معاكي، اتكلم وانتي تسمعيني...
وعندما انتهى من حديثه، شعرت زهرة بالشفقة تجاهه وهمست بعطف: ياااه كل ده حصل معاك، لو كنت أعرف أساعدك كنت ساعدتك...
نظر له بندم: قلبك طيب يا زهرة ومش بتعرفي تكرهي حد، انا مبسوط انك وافقتي تقعدي معايا وتسمعيني...
شعرت بالدوار، أمسكت رأسها
سأل أحمد: مالك يازهرة
تمتمت بضعف ثم حاولت النهوض: أااه
كادت تقع، نهض بسرعة وقام بأسنادها: زهرة، حاولي تمسكي نفسك شوية لحد ما نوصل العربية، لاحظ نظرات شخص تتبعهم لكنه لم يبالي، وبمجرد اراحتها على الكرسي، وجلوسه على مقعد القيادة أنطلق بالسيارة بسرعة شديدة ويديه تقبض على عجلة القيادة بعنف...