رواية راقصة الحانة للكاتبة نورا عبدالعزيز الفصل السادس عشر
أستيقظ إلياس صباحاً علي صوت هاتفه ألتقته وفتح الخط دون أن يري أسم المتصل وهتف بصوت مبحوح:
- الو.
- أستاذ إلياس
قالتها كارما بهدوء شديد، أعتدل في جلسته بتعب وهو يفرك عيناه يقول:
- ايوة مين معايا.
أجابته بثقة وهي تنظر للورق علي مكتبها:
- الصحفية كارما مرات معتصم.
فتح عيناه بقوة وهو في أنتظار مكالمتها وقال برحب شديد:
- اه أهلا وسهلا.
- عشان مضيعش وقتك ووقتي أنا عايزة اقابلك النهاردة وياريت يكون في مكان عام وزحمة تعرفي تجي السينما النهاردة
قالتها بحزم وجدية، أجابها بسعادة من تعاونها معه قائلاً:
- أعرف الساعة كام.
هتفت بتحدي شديد وهي تنظر لعدد الضحايا بالمئات قائلة:
- 7 بليل في فيلم كرتون هبعتلك العنوان فرسالة مع السلامة.
وأغلقت الخط، أستعد بنشاط وخرج من غرفة يتثاءب وعاد خطوة للخلف بدون ارادته حين ظهرت أمامه من العدم وقال بتلعثم:
- واقفة كدة ليه ومروحتيش المدرسة ليه.
أقتربت خطوة منه وعيناها تشع نار قاتلة ووجنتها حمرة من غضب ثم هتفت بنبرة غليظة:
- أنت كنت بتكلم واحدة.
أبتسم علي غيرتها وملامحها الطفولية معاها وقال يشاكسها لكي يغضبها أكثر ويغيظها:
- امال هكلم واحد.
ومر من جانبها ببرود مصطنع، أستدارت تنظر عليه بصدمة. وعيناها تفتحهما علي مصراعيهما وهتفت بصدمة صارخة به تسأله:
- واحدة ست.
أجابها وهو يدخل المطبخ ببرود مُستفز ليثير غضبها أكثر مُنتقم من نومها إمس:
- أومال راجل يا دموع اه ست فيها إيه ياحبيبتي لما أصحي من النوم وأكلم ست أصبح ليها جريمة.
عقدت ذراعيها أمام صدرها بغيرة قاتلة وتغلق قبضتها بقوة حتي لا تفقد أعصابها وتقتله في تلك اللحظة، أقتربت منه ومسكت ذراعه تديره لها وقالت بأنفعال:
- طب ما تصبح عليا أنا ولا أنا مش عاجبك.
نظرها لها من القدم للرأس وقال بأستياء مصطنع:
- هو أنتي ست أنتي طفلة صغيرة علي كلام الكبار ده لما تكبر هتعرفي.
جزت علي أسنانها بغضب وهي ترفع يديها أمام وجهه وتغلق قبضتيها بغيظ قبل أن تضربه لم يتمالك نفسه إكثر وأنفجر ضاحكاً عليها، حدقت بيه بنظرة مُخيفة وضربته بقدمها في قدمه بقوة وغيظ والغيرة تنهش في قلبها وهو يخبرها آنه تحدث مع امرأة غيرها وقالت بشراسة:
- آنا هوريك انا كبيرة ولا طفلة وست لا راجل.
وتركته ورحلت غاضبة منه، ذهب خلفها لكنها أغلقت الباب بغضب بوجهه كالعادة، طرق الباب مرات عدة ولم تفتح أو تجيبه، دق باب الشقة ذهب ليفتح ووجد شاب أمامه ويحمل في يده كشكول سأله بهدوء:
- اي خدمة.
- دموع موجودة يا عمي
قالها الشاب وهو ينظر للداخل يبحث بنظره عنها، وقع سؤاله علي إلياس كدلو من المياة الباردة سقط عليه ثم لمس الكهرباء فتلقي صدمة كهربائية، تفحصه بعيناه من القدم للرأس بغيرة أكثر من غيرتها بكثير ما فعله بها بمزاح يحدث به الآن بجدية، كاد أن ينطق ولكن بتر حديثه صوتها من الداخل:
- أنا خلصت.
أبتسم الشاب لها فأستدار إلياس لها وهو يعض شفتيه السفلى بغضب وقال:
- مين ده تعرفيه.
أجابته باسمة بعفوية تغيظه أكثر:
- ده شادي زميلي في درس الانجليزي أعرفك ياشادي عمه إلياس.
رد عليها بأنفعال أكبر قائلاً:
- بس.
- بس أزاي يعني
قالتها بذهول من سؤاله فمسك يدها ورفعها أمام عيناها قائلاً بأنفعال:
- اللي لبسها دي لعبة وخطيبك.
أجابته بتحدي وتمرد عليه قائلة:
- لما أنت تقول لأهلك انا أقول لصحابي.
وتركته ورحلت مع صديقها وهو يشتعل من الغضب والغيرة أنهكت قلبه العاشق دلف إلي الداخل يغير ملابسه يستعد للذهاب إلى والده ليخبره بخبر خطبته...
نزلت دموع للأسفل وتوقفت أمام العمارة وتغيرت تعابير وجهها الي الغضب وهتفت بأشمئزاز وهي تحدق به بشراسة قائلة:
- أنت مين اللي سمحلك تيجي لحد بيتي.
غمز شادي لها بعيناه وقال بغزل:
- عشان أثبتلك آني بحبك ومش خايف من الضابط بتاعك ده وإن حبي ليكي حقيقي مش تسلية زي ما بتقولي.
أشاحت نظرها عنه وهي تزفر بضيق ثم هتف بغيظ شديد:
- أنت مش خايف علي نفسك آنا لو قولت لعمه أنك بضايقني هيقتلك فيها.
أجابها بسخرية وهو يمسك ذقنها بلطف قائلاً:
- يقلتني ههه وعمه مش عمه ده خطيبك برضو في واحدة حلوة وجميلة زيك تتخطب لواحد قد أبوها ولو بتحبيه مكنتيش نزلتي معايا دلوقتي وخليته قتلني.
صرخت به بغضب وأنفعال وهي تدفع يده بقوة بعيد عنها وتقول:
- أنت مالك يا بارد أنت ويدك تبقي جنبك وأنت بتتكلم بدل ما أقطعهالك.
ضحك بسخرية عليها وهي تهدده ويدير رأسه بلا مبالاة وهو يضحك ليقع نظره علي إلياس وهو يقف علي باب العمارة وعيناه كالصقر مثبتة عليه وتشع غضب بعد أن رأه يلمسها بيده ووجنتها أحمرت بعد أن تدفق الدم برأسه من غضبه كما ظهرت خطوط عرضية بجبينه وهو يعقد حاجبيه، أزدردت لعوبها بخوف من ما سيفعله وهو بغضبه هذا، أقترب منهم ومسك يدها بقوة ثم جذبها خلفه يخفيها عن نظر هذا القذر الذي لمسها وعيناه متشابكة بعين شادي وهتف بتهديد وهو يجز علي أسنانه بنبرة غضب مُخيفة قائلاً:
- لو مش عايزني أقتلك فعلاً تغور من وشي.
كادت أن ينطق شادي مما ثار غضبه وقبل آن ينطق بكلمة تلقي لكمة قوية علي وجهها جعلت دماءه تتدفق من أنفه وأسقطته أرضاً فحين يتعلق الأمر بطفلته فهو هي أكمل أستعداد لخضوع حروب وقتل الألف، أنتفض جسدها مع لكمته ووضعت يدها على فمها بتلقائية...
صرخ إلياس به وهو يضع يده علي جراب مسدسه وهتف بأنفعال قائلاً:
- آنا مبديش غير فرصة واحدة ومش بتساير معاك ياروح أمك...
مسكت يده قبل أن يخرج مسدسه وهتفت ببراءة وخوف قائلاً:
- عمه خلاص والنبي الناس بتتفرج علينا.
نظر حوله ثم لها وأخذها من يدها وأدخلها سيارته بقوة وغضب وأغلق الباب ثم ركب وقاد بها صامتاً، ظلت تختلس النظر له بأرتباك ثم هتفت قاطعة للصمت بهدوء شديد:
- عمه أنا...
بتر الحديث من فمها وهو يصرخ بها قائلاً:
- تقولي إيه آنك نزلتي من بيتي واحد زبالة زي ده وخليته يلمسك.
نظرت أرضاً بخوف من صراخه وهي تعض شفاتها السلفي بأحراج من فعلتها، صرخ بها أكثر قائلاً:
- يلمسك هو بتاع إيه.
نظرت له وأبتسمت كالبلهاء علي غيرته عليها، أدار رأسه للأمام يكبت غضبه وهو يري بسمتها، يعلم بأن تلك البسمة كفيلة بان تزيل غضبه صمت قليلاً ونظر لها مجدداً ورأها مازالت تبتسم، سألها غيظ قائلاً:
- بتضحكي.
أشارت إليه بنعم وهتفت بعفوية قائلة:
- اه بضحك كنت هتموت الواد.
أجابها بسرعة وتلقائية دون تفكير:
- عشان انتي محدش يلمسك غيري وقال بيحبك من اديله الحق يحبك ده انتي بتاعتي لوحدي وأنا بس اللي ليا حق أحبك انا بس أنتي فاهمة.
أبتسمت وهتفت ببراءة وهي تمسك يده وتشبك أصابعهم معا:
- فاهمة أنت وبس.
نزع يده من يدها ولفها حول كتفها وهو يجذبها لصدره أبتسمت بسعادة تغمرها وقلبها ينبض بأسمه...
أستيقظت دموع من نومها بفزع وهي تصرخ بلا بعد أن رأته في حلمها فنظرت حولها بهلع شديد تبحث عنه وهي تعلم بأنه غير موجود، قامت من سريرها وفتحت الستارة التي تحيط سريرها الصغيرة وتناولت البلطو الأبيض بيدها الصغيرة هاربة من أحلامها به وتفكيرها التي لا يتوقف بسببه ثم خرجت من مكتبها ذاهبة إلى مرضاها، رأت حسن أمامها ومرت من جواره دون أن تتفوه بكلمة واحدة، مسكها من ذراعها برفق وقال:
- إحنا متخاصمين ولا إيه .
قالت ببرود شديد ولا مبالاة تعلمتهم من حبيبها دون النظر له:
- لا هنخاصم ليه، عن أذنك عشان عندي شغل.
وأبعدت يده عنها ورحلت بلا مبالاة، زفر حسن بخفوت وذهب خلفها...
في غرفة حبيب هتف بصراخ قائلاً:
- أنت أتجننت يا إلياس تجوز دموع دي عيلة وكمان إيه جاي تقولي خطبتها ولبسنا الدبلة مش جاي تشاورني آو تأخذ أذني لا بتقولي للعلم بالشي عجبك عجبك مش عجبك اتفلق صح.
أجابه إلياس بهدوء وهو يقف من كرسيه قائلاً:
- ممكن طيب توطي صوتك دموع بره وممكن تسمع، عيلة آو مش عيلة دي تخصني لوحدي بس.
صرخ حبيب بأنفعال أكبر قائلاً:
- ما تسمع أعمل ايه، هتجوز قاصر ياإلياس عايز تتجوز حقك بس مش تتجوز واحدة قد عيالك.
هتف إلياس بضيق وهو يضع يديه في جيبه بغرور قائلاً:
- أنا حر أتجوز اللي تعجبني وأنا بحب دموع وهتجوزها.
رمقه حبيب بعيناه وهتف بجدية:
- طب هتجوزها أصغر منك ممكن لكن هتجوز رقاصة ياحضرة الضابط ولا فاكرني مش عارف أنت أتلميت عليها فين وجبتها منين، واحد مقضي حياته في الكباريهات والديسكوهات هيجيب واحدة منين.
أتسعت عيناه بذهول علي مصراعيه وتنحنح بهدوء وقال بفخر:
- دموع طالبة في ثانوية عامة وهتبقي دكتورة وأنا فخور بخطيبتي وعاجبني كدة.
كاد أن يصرخ به حبيب معارضاً ذلك الزواج لكنه أوقفه طرقات باب الغرفة ودلفت دموع وهتفت برفق ووجه عابث حزين بعد أن سمعت صراخهم من الخارج قائلة:
- عمه أنا همشي عشان أتاخرت علي الدرس...
أدار حبيب رأسه عنها بغضب، أبتسم لها وهو يعلم بأنها سمعت معارضة والده للزواج منها وخطي نحوها خطوات ثابتة وهتف بحنان قائلاً:
- بلاش الدرس النهاردة خليكي مع أثير.
أدرفت برقة شديدة وهي تنظر له قائلة:
- ما طنط معاها ولسه علي والماذون هيجوا بليل هروح وأجي بسرعة.
- تعالي بس نتكلم برا
قالها وهو يأخذها للخارج بعيد عن والده، نظرت لـوالده وهي تخرج رأته يحدق بها بأشمئزاز، أدارت رأسها هاربة من نظراته المُخيفة وخرجت معه.
وقف علي يجهز بدلته وبدلة والده الذي يعانده ولم يستيقظ من نومه حتي الآن، دلف إلي غرفة والده وهتف مُبتسماً:
- قوم يابابا العصر إذن قوم عشان تصلي المغرب قرب يأذن.
صرخ به جلال بتعب وهو يضع الغطاء علي وجهه متمرداً علي زواج أبنه قائلاً:
- مش قايم مالكش دعوة أنت هتتحاسب بدلي خليك في حالك.
أبتسم علي عليه وأقترب جلس على السرير وأشاح الغطاء عنه ثم قال بمزح مردفاً:
- وبعدين معاك يابابا أنت هتفضل تدلع كدة كتير شكل ناوي تتجوز من وراءي وبتمهدلي الموضوع صح قوم ياراجل أنت بدل ما أطلقك وأتجوز غيرك.
زفر جلال بضيق ثم جلس علي السرير ورمقه نظرة حادة بغيظ شديد وقال ببرود:
- قوم أخرج برا يالا بدل ما أغير قراري وأحلف ما أروح في حتة.
ضحك علي وهو يقف من مكانه بخوف وهتفت بخوف:
- لا علي إيه الطيب أحسن .
ثم خرج من غرفة، نظر جلال علي صورة زوجته المعلقة علي الحائط وقال مُحدثها:
- أبنك كبر يا وفاء وهتيجوز، هو اللي أخترها بنفسه مش عايزك تقلقي عليه خلاص والبت محترمة وكله بيشكر فيها، خلاص هقدر أجيلك وأنا مطمن عليه أنه مش لوحده...
تتنهد تنهيدة قوية ثم وضع يده فوق قلبه بتعب وهو يتنفس بصعوبة...
سألته بفضول وهو يقود بها وتنظر علي الشوارع الجديدة قائلة:
- إحنا رايحين فين.
مسك يدها بيده بلطف ثم أجابها مُبتسماً:
- هفسحك شوية علي ما يجهزوا هم.
توقف بسيارته أمام السينما ونزلت معاها، اشتري لها فشار ودخلوا إلى الفيلم جلسوا معاً، تشبثت بذراعه وهي تأكل الفشار بسعادة وتشاهد الفيلم، هتفت كارما وهي تجلس بجانبه من الجهة الاخري بصوت هامس قائلة:
- ممكن أعرف مطلوب مني ايه.
أجابها بخفوت شديد وهو يضع يده علي فمه يخشي إن تسمعه دموع :
- تساعديني اقبض عليه ووصل لدليل ملموس.
سألته بأهتمام قائلة:
- وأنا هستفاد أيه لما أسجن جوزي و أبوه بنتي.
نظر لها بدهشة وقال بأستغراب:
- هو مش المفروض آنك طلبتي تقابلني عشان وافقتي تشتغلي معايا.
هزت رأسها بأستنكار وهتفت بقلق قائلة:
- اه بس عشان أساعدك لازم أنت توافق علي شرطي الأول.
- شرط إيه
سألها بجدية وهو ينظر للأمام، فأجابته وهي تبتسم لطفلتها الجالسة بجوارها:
- آنا هساعدك وكل حاجة وهديك الدليل لما أوصله بس قبل ما تطلع قرر القبض علي معتصم تسفرني آنا وبنتي وجدتي برا.
قال بهدوء مبتسماً لها:
- موافق.
- انا همشي هتلاقي ورقة في علبة الفشار فيها رقم تليفون لو عوزتني كلمني عليه متتصلش على رقمي عشان معتصم بيقلب في التليفون.
قالتها بهدوء مُحذرة له ثم وقفت وهي تمسك يد طفلتها ووضعت علبة الفشار على الكرسي وذهبت، أخذ الورقة ثم نظر لدموعها رأها تشاهد الكرتون وهي تتحدث مع طفل صغير بجوارها وقف ثم أخذها وعاد للبيت.
وقف سعيد بجوار مكتبه وتنحنح بهدوء يشير لبدء حديثه ثم قال بهدوء:
- معتصم بيه في حاجة كدة حصلت وعايز أقولك عليها.
سأله معتصم بلا أهتمام وهو منشغل بأعماله في الأوراق المتناثرة على سطح مكتبه:
- قول.
- مدام كارما قابلت الضابط آللي اسمه إلياس مرتين وبصراحة آنا مش مطمن خصوصاً أنها قبلته بعد ما جت الشركة وأصرت آن في مخدرات وأدوية فاسدة
قالها سعيد بهدوء شديد خوفاً من غضب هذا العاشق الولهان بحبها وقد يقتل أذا تفوه بكلمة واحدة عنها، رفع معتصم رأسه له وعلى وجهه علامات الدهشة من حديثه وبنفس الوقت غضب قاتل له يعلمه بأن نهايته بدأت حين تفوه بحديثه عنها...