رواية راقصة الحانة للكاتبة نورا عبدالعزيز الفصل الحادي والعشرون
دق جرس الباب، فتحت أثير الباب وأبتسمت بسعادة وهتفت بعفوية:
- ماما إلياس جه.
ركضوا الأطفال له وهم هيتفوا ببراءة:
- خاله جه.. خاله جه.
دلف إلياس ببرود ونظر للأسفل لهم وأبتسم بتكلف وهو يري ببراءتهم براءة طفلته التي تسكنه رغم رحيلها، هتف بهدوء:
- عاملين إيه.
أبتسمت أثير وهي تغلق الباب، وقالت:
- مجننيني معاهم ياسيدي، أدخل علي في الصالون.
تركهم ودلف آلي الداخل...
هتفت جميلة بغيظ قائلة:
- وأنا عايزة أشوف عيال لابني وأشيلهم علي ايدي قبل ما اموت.
أستدار حبيب لها بغضب ثم هتف بأستياء قائلاً:
- انتي مبتقفليش الموضوع دا أبدا، دموع ماتت ياجميلة فاهمة عايزة تجوزيه غيرها هو عندك لكن دموع لا فاهمة.
تتنهدت بقوة وهي تدير رأسها بحزن ثم قالت وهي تضرب قدميها بيدها قائلة:
- آنا وأنت عارفين كويس أنها عايشة وكمان فين، وابنك بقاله 9 سنين منسهاش زي تيا ورافض تماماً آنه يعرف حد غيرها، خلاص نقولوه انها عايشة ويروح يجيبها ويتجوزوا خليني افرح باأبني الواد بيكبر وعنده 41 سنة هفرح بعياله امتي.
- دموع ميتة يا جميلة وأبنك معاه شهادة وفاة ليها زي ما هي معاها شهادة وفاة له ونفرض قولناله أنها عايشة تفتكري هيسامحك ويسامحني علي كدبنا عليه كل السنين دي وقتها هتخسري ابنك بدل ما تفرحي بعياله
قالها بتحذير يمنعها من الحديث مع أبنه، فأجابته بندم:
- آنا غلطانة آني سمعت كلامك وقتها خليتني كدبت علي كل الناس بدل غيبوبة دخلتها من الصدمة تقول ماتت، أبنك ضابط ياسيادة اللواء مش غبي أنت مديله شهادة وفاة مش مسجلة لو دور علي أسم دموع في السجل هيعرف كل حاجة عنها ووقتها عمره ما هيسامحنا فكر ازاي نصلح المصيبة دي .
فتح باب الغرفة ودلف إلياس بعد أن سمع جملتها الأخير، وقال:
- مصيبة ايه خير ياأمي.
أزدردت لعوبها بدهشة ثم هتفت بأبتسامة مزيفة:
- مفيش ياحبيبي ده الولية اللي ساكنه فوقنا مجنناني بعيالها بقول لأبوك يكلم جوزها، تعال نتغدا لاحسن أنت واحشني جدا، بقي ياواد يابكاش مشوفكش كل الشهور دي ايه ياواد مبتفتكرش أن ليك ام تسال عليها.
وأخذته وخرجت من الغرفة، دلفت أثير لوالدها بصدمة بعد أن سمعت حديثهم وسألته بتلعثم:
- بابا دموع عايشة مماتتش زي ما أنت قولت.
صرخ بها بغضب من حديثها وذكري أسم دموع من الجميع:
- يوووووه بقي أنا ناقص.
- بابا في حاجة كدة متعرفهاش، إلياس متجوز دموع لو عايشة دله عليها دي مراته وفي اللي يثبت ده
صعقت من حديثها فهو فعل كل هذا حتي لا يتزوجها والآن هو بالفعل زوجها، مسكها من معصمها بقوة وعيناه تشع نار من الغضب وقال:
- متجوزها ازاي.
تألمت من قبضته وهتفت بخوف من والدها:
- عرفي يابابا وهو معاه نسخة وهي كمان.
- طب اسكتي متنطقيش بحرف وأياكي تقولي حاجة لجوزك
قالها حبيب وهو يترك يدها بزفر وخرج خلفهم...
أنتهت من الجراحة فنظرت علي يدها مُرتدية القفازات البيضاء ملوثة بالدماء وترتجف لم تصدق بأنها أنهت الجراحة دون أن تأذي هذه الطفلة، نظر حسن عليها و رأها في صدمة نفسية كبيرة بالتأكيد تعيش في ماضيها الأليم الأن كاد أن يتحدث لكنها خرجت تاركة الجميع خلفها وعيناها ثابتة علي يدها رأت يد تمسك يدها، رفعت نظرها ورأت كارما فهتفت بهدوء:
- انا متشكرة جداً أنك عن عملتي العملية.
جذبت يدها بقوة من قبضتها وذهبت باكية، نظرت كارما عليها وقالت مُحدثة نفسها بسرية:
- عايشة وإلياس أتهمني أنا ومعتصم بموتك، في حاجة غلط.
أستدارت ورأت حسن يخرج من غرفة العمليات فأسرعت إليه تمسك طفلها بيدها، وقالت بخفوت:
- لو سمحت.
نظر حسن لها وقالت مُبتسماً بأستعجال:
- ايوة بنت حضرتك طالعة حالا.
- أنت تعرف جوز دكتورة دموع
سألته بأستسفار، دهش من سؤالها وقال:
- إلياس الله يرحمه لا عمري ما شوفت عن أذنك .
ذهب يبحث عنها، فهتفت بذهول أكبر قائلة:
- الله يرحمه إلياس مات ده امتي.
خرجت أريج من غرفة العمليات مع الممرضات ثم ذهبت آلي الغرفة، أجلست كارما طفلها بجوار أخته وهتف بحذر:
- هعمل مكالمة تليفون اوعي تتحرك من هنا يامصطفي.
أبتسم لها وقال ببراءة:
- حاضر يا ماما.
خرجت من الغرفة وأخرجت هاتفها وضغطت علي أسمه إليــــــاس .
دلف إلياس الي شقته مساءاً فتهف بسعادة وهو يغلق الباب قائلاً:
- دموع أنا جيت، تعالي ياحبيبتي شوفي أنا أشترلك ايه.
وضع الشنط من يده علي السفرة ثم أستدار متمتماً:
- بصي بقي ياحبيبتي أنا عجبني الفستان ده فأشتريته متأكد أنه هيعجبك أوي.
نظر لصورتها الكبيرة المُعلقة علي الحائط بحجمه ودمعت عيناه بوجع ثم جلس علي كرسيه الهزاز بتعب وقلب مُنهك قتله الفراق وأغمض عيناه...
فتح إلياس عيناه بتعب وجد نفسه في غرفة بالمستشفي والمحلول الطبي معلق بالكانولا في يده وبداخل فمه أنبوب مثبت باللاصقات الطبية لم يستطيع الحركة أو نطق شئ، هرع حبيب له وقال بسعادة:
- إلياس أبني.. يادكتور يادكتور.
أسرع للخارج يحضر الدكتور، فدلف معه وفحصه جيداً، خرج حبيب من الغرفة وأتصل بزوجته يطمئنها علي أبنها وقال:
- إلياس فاق.
نظرت بذهول علي دموع وهي بسريرها تبكي صامتة وقالت بخفوت:
- دموع كمان فاقت.
عادت الروح لجسدهما بنفس التوقيت لكن العالم فرقهما ولا يقبل بجمعهما معاً، أغلق معاها ودلف آلي إلياس ووجدت الدكتور نزع عنه الاجهزة فسأله بتعب وهو يبحث عنها وهو يتذكر بأنه رأها هناك حين أصاب:
- دموع كح كح دموع فين يابابا.
أردف الدكتور محذراً له بشدة قائلاً:
- بلاش كلام أنت قلبك مفتوح أحمد ربنا أنك عايش لحد دلوقتي إحنا عملنا اللي نقدر عليه عشان نطلعك عايش دي معجزة آنك تاخد رصاص في القلب وتفضل عايش لحد ماتوصل المستشفى...
تذمر بضيق ونرفز وأعاد سؤاله بتعب:
- كح كح دموع فين كح يا بابا.
نظر حبيب للأسفل بحزن مُصطنع ثم للدكتور بحدة، فهتف الدكتور بأسف مصطنع:
- البنت اللي جت معاك من أسبوع البقاء لله دخلت غيبوبة من الصدمة وتوفيت من يومين.
أنقبض قلبه وأتسعت عيناه بصدمة وهو يحاول القيام من السرير ودمعت عيناه، حاول حبيب إيقافه فصرخ به وهو يدفعه بقوة وقلبه يعتصره الألم من صدمته قائلاً:
- أبعد عني، دموع عايشة مماتتش أنتوا دكاترة حمير مبتفهموش.
نزع عن يده الكانولا فنزفت يدها ووضع يده على صدره يؤلم الجرح مع ألم فراقها الذي لا يصدقه، ونزل من سريره وكاد أن يسقط مسكه الدكتور فدفعه بقوة أسقطته على الأريكة، خرج من الغرفة وخلفه حبيب والدكتور يصرخ بأسمها بتعب:
- دموع كح كح دمـــوع كح كح دمــ...
سقط على الأرض فاقد الوعي من الصدمة وألم جسده المصاب بعد تلقي رصاصتين وغيبوبة دامت لأسبوع يصارع الموت بها من أجل البقاء معاها والوفاء بوعوده الذين وعد بهم...
هتف بصوت مبحوح ودموعه تتساقط بوجع وتعب من المعاناة وحده مُحدثاً صورتها قائلاً:
- بيقولوا أنك موتي وسيبتني، ميعرفوش أنهم لو جابوا مئة شهادة وفاة عمري ماهصدق آنك مشيتي أنا حاسس بيكي يا دموع قلبي حاسس بيكي وبقلبك، لسه عايشة جوايا...
بتر حديثه رنين هاتفه برقم محفوظ تحت أسم كارما أجابها بتهكم قائلاً:
- آلو.
- أزيك يا حضرة الضابط
قالتها كارما بأستياء، فأجابها بملل:
- عايش خير.
عقدت ذراعها أمام صدرها وهتفت بغيظ شديد قائلة:
- يعني مراتك طلعت عايشة اهي ولا ده يكون شبحها وأنا مش واخدة بالي.
أعتدل على كرسيها بأستغراب شديد وقال:
- مراتي مالها، مراتي مين.
هتفت بنرفزة شديدة صارخة به قائلة:
- مراتك دموع هانم مكنش في لزوم للخناق قدام ولادي وتعرفهم آن أبوهم قاتل.
وقف بصدمة ألجمت لسانه بعد أن سمع جملتها ثم هتف بتلعثم وكلمات متقطعة تكاد تخرج من صدره قائلاً:
- دموع عايشة، انتي فين.
- في إسكندرية
قالتها بغيظ شديد منه، أخذ مفاتيحه وخرج مسرعاً من الشقة وعاد نبض قلبه مجدداً وقال مُتمتماً:
- آنا جايلك هي فين بالضبط، خليكي معاها متسبهاش...
دلف حسن صباحاً آلي الغرفة بعد أن طرق الباب وأذنت له، رأها تقف أمام مرآة طويل بجوار مكتبها وتلف وشاحها الصوف حول عنقها فهتف مُبتسماً:
- خلصتي.
أجابته وهي تستدير تأخذ الطاقية الصوف من فوق المكتب قائلة:
- آه بقالي 26 ساعة صاحية بسبب الحادثة لا كلت ولا نمت.
أستدارت للمرآة ترتدي طاقيتها الوردي فوق رأسها وترتب شعرها الذهبي القصير علي كتفها وظهرها، جلس فوق المكتب وقال بمرح:
- يبقي أعزمك علي الغداء، عاجبني أوي الطاقية دي دكتورة غنية معكيش فلوس تجيبي طاقية من يوم ما عرفتك وأنتي مبتغيرهاش كل شتاء بيها.
أخذت هاتفها من جيب البلطو الابيض وهتفت بفخر وسعادة ممزوج بحزن:
- دي هدية مميزة من إلياس حبيبي جابهالي أول شتاء لينا مع بعض الكوفية دي والطاقية ومعاهم جوندي عشان بيخاف عليا من البرد والساقعة.
وقف معاها بحب وهتف مبتسماً مغموراً بحبها لهذا الإلياس:
- بتحبي أوي كدة، نفسي أعرف عملك ايه عشان تحبيه اووي كدة كل السنين دي.
خرجت معه وأغلقت باب مكتبها وهي تقول بنرة دافئة طفولية وعيناها تبث منها حبها الحزين الذي يسكنها:
- هو الوحيد اللي بيقدر يحتويني وقت ضعفي وخوفي بيخاف عليا من الدنيا كلها حتي من نفسه بيحميني من نفسه، هو الوحيد اللي ماسكة أيده لها طعم وإحساس مختلف عن كل الناس وكل الرجالة، إلياس مش بس حبيبي لا كمان أول راجل في حياتي وأول مرة حد يمسحلي دمعتي بأيده كان هو، لو فضلت أحكيلك مش هعرف أعبر عن لحظة واحدة بعيشها معاه وبين أيده.
خرجوا من الباب الخلفي الذي يوصل لجراج السيارات، سألها بهدوء شديد قائلاً:
- ممكن أسألك سؤال.
أشارت إليه بنعم وهي تفتح سيارتها وتركب في كرسي السائق، فركب بجوارها وهتف بأحراج:
- أنتي عندك 26 سنة منفسكيش تكوني ام علي الأقل تلقي سبب تعيشه عشانه بدل الذكريات اللي عايشة فيها...
أجابته وهي تضغط على زر تشغيل المحرك مُبتسمة بفخر من حالها قائلة:
- آنا الراجل الوحيد اللي ممكن يكون اب لولادي هو إلياس ومادام راح يبقي مفيش ولاد وعمري ما هسمح لراجل غيره يلمسني.
أبتسم عليها وقال بمرح شديد:
- راحت عليك يامدحت، معرفش الراجل الحمار ده اترفض مرة بيحاول تاني ازاي معندوش دم ولا كرامة رجولته مبتنقحش عليه.
قهقهت ضاحكة عليه وهي تقود، تأمل ضحكتها بسعادة فهي مثل البدر لا تطل سوي مرة واحدة في الشهر وأحيانا يعجز عن اخراجها من بين شفتيها...
وصل إلياس آلي المستشفي مع أذان العصر بعد أن قاد كالمجنون طوال الليل ليصل لها لا يعلم ماذا حدث وكيف ولكن هناك أمل بأن تكون هي وحية، صعد ركضاً الي غرفة إريج ودلف وجد سلمي تفحصها وبحانبها كارما هتف بتلعثم من الركض:
- دموع فين.
- معرفش هي عملت العملية
قالتها كارما بأستياء منه، أعاد سؤاله لــ سلمي .
رفعت نظرها له وقالت بدهشة:
- قصدك دكتورة دموع بتاعتنا، تلاقيها خلصت ورديتها من ساعة كدة، أنت جوزها ؟؟.
فسألها بدهشة من سؤالها قائلاً:
- أنتي تعرفيني.
أنهت فصحها ووقفت ثم قالت مُردفة:
- طبعاً صورك في كل مكان في مكتبها، عموماً هي خرجت من ساعة.
خرج معاها من الغرفة بسعادة بعد أن تأكد بأنها هي طفلته مادام معاها صوره، فأعاد الأسئلة عليها:
- بيتها فين.
- بيتها متحرك معاها متعرفش توصله
قالتها وهي تبتسم له، فأجابها بدون فهم:
- أزاي مش فاهم.
توقفت عن المشي ونظرت له ببسمة ثم أردفت بسخرية مزاحة قائلة:
- دكتورتنا الجميلة معندهاش بيت، بيتها الوحيد عربيتها وخدتها معاها وهي خارجة تقدر تستناها هي مش هتتأخر برا.
تركته ورحلت لعملها وقف بصدمة في مكانه أحبيبته لا تملك بيت تعيش بسيارة وماذا حدث أخر في حياتها...
صرخ حبيب بها بغضب قائلاً:
- أبنك طلع متجوزها، متجوز رقاصة جوز أمها تاجر مخدرات وأمها مقتولة وعاشت وسط الرجالة.
تمتمت بهدوء شديد مقابل غضبه قائلة:
- شوفت عشان كدة قولتلك فكر في حل الموضوع ده آنا كمان ضميري واجعني وندمانة أني طوعتك كان لزومها إيه ننقل البت من المستشفى وهي في غيبوبة بين الحياة و الموت ونقوله ماتت حبل الكدب قصير وربنا سترها سنين نصلح غلطنا بقى قبل ما يكتشف ونخسره ويوم لما يعرف هيروحلها هي وأحنا آللي هنخسر...
- دلوقتي بقيت آنا اللي غلطان مش كان عاجبك الحل ووافقتني عليه
قالها بنرفزة وهو يجلس على كرسيه، فهتفت بهدوء:
- حاول تلاقي حل دي مراته في النهاية.
صمت بغضب مكتوم بداخله...
أنهت غداها مع حسن وركبوا السيارة وقادت به وهي تكاد تفتح عيناها من التعب، ضغطت على الفرامل فجأة حين رأت أمامها حادث صدام وفرار، ترجلت من سيارتها معه وجدت شاب في مقبل عمره بجانب موتسكيل ويرتدى خوزة علي رأسه، شقت قميصه بمهارة وهي تقول:
- أتصل بالاسعاف ياحسن بسرعة.
وضعت يدها علي بطنه وشعر بنزيف داخلي وبطنه تضخم شئ في شئ...
جلس في الاستقبال ينتظرها على نار إحر من الجمر وهو يتذكر ذكرياته معاها وكيف كانت بسمتها وعيناها الخضراء وهل كبرت وكيف أصبحت هل ستعرفه حين تراه، كيف أصبحت طبيبة وكيف مظهرها بزي الطبيبة، قطع شرودها صوت سيارة إسعاف تقف أمام الباب والجميع يركض للخارج، وبعد ثواني دلف سرير متحرك عليه مريض غارق في دماءه وهي تجلس علي ركبتيه فوقه وتضغط على صدره تنعش قلبه وتتنفس بقوة، وقف بذهول حين رأها بالفعل هي حبيبته الصغيرة لم تتغير كثيراً قصت شعرها ومازالت نحيفة وقصيرة ضئيلة الحجم وترتدي طاقيتها ووشاحها، ذهب خلفها مسرعاً والممرضين و حسن يدفعوا السرير بقوة مُتجهين لغرفة العمليات، قفزت من فوقه بسرعة وهتفت بقلق قائلة:
- آنا هغير هدومي بسرعة خليهم يبدوا.
أشار إليها بنعم وركضت بسرعة وهي تخلع طاقية ووشاحها، رأه حسن وصدم صدمة ألجمته وكيف لميت آن يحي، مسكه من ذراعه فنظر إلياس له ببرود، هتف حسن بتلعثم:
- إلياس.
- أنتوا كلكم تعرفوني بقى
قالها بأستفزاز يريد الذهاب لها، أخذه حسن بالقوة وهو يسأله:
- دموع شافتك.
أشار إليه بلا، فأكمل حديثه مجدداً:
- يبقى متخلهاش تشوفك، أنت متعرفش حالتها عاملة أزاي وممكن يحصلها آيه لو شافتك، في مريض بيموت في اوضة العمليات لو شافتك هترفض العملية ممكن تستناها بعد العملية، بالمناسبة آنا حسن صديقها الوحيد بعدك، ايه رأيك نشرب قهوة سويا واهو أحكيلك حالتها عاملة أزاي وعايشة ازاي.
نظر للممر الذي ذهبت به ثم أشار إليه بنعم وذهب معه، إرتدت زي العمليات ودلفت بعد التعقيم ولم تجده في الغرفة، بدأت جراحتها كالمعتاد روتين يومي لها...
أشتروا القهوة من الكافتريا وذهبوا آلي غرفتها و حسن يحكي له ماذا حدث منذ أن فاقت من غيبوبتها وأخبره بموته حتى الآن وكيف أصبحت دكتورة ترفض شراء بيت لها وتعود له بعد عملها ولم تجده به كما اعتادت، سأله إلياس بفضول:
- وازاي أخدت الحاجات دي من بيتي.
- والله ده تسأله للي دبر موتها ليك وموتك ليها بس مش محتاجك تفكيري اكيد ودوها وأنت مش في البيت وقالولك آنهم رموا حاجاتها بسيطة.
قالها حسن بغضب، فكر بحديثه وغضبه يزيد بداخله من والده ووالدته وكيف خدعه طوال السنين آلتي مرت، كيف كذبه عليه وحرمه من حبيبته وزوجته وعذبوا قلبه معاهم، وقف من مكانه وهو يتفحص المكان وصور خطبتهما على مكتبها ودمياتها التي أشتراهم لها علي سريرها الصغير، خرج حسن من الغرفة وتركه فتح أحد الادراج وهو يجلس علي كرسي مكتبها ورأي جميع الدفاتر وردية فتح أحدهم ووجود أسمه بها وورقة زواجهما وشهادة وفاته المزورة، قرأ المكتوب وعلم بأنها في نهاية كل يوم تكتب له ما حدث معاها قرأ جميع الدفاتر وهو ينتظرها تخرج من الجراحة، فتح الباب ودلف حسن مبتسماً:
- دموع خلصت.
ترك ما بيده وخرج مسرعاً معه، هتف حسن محذراً له بخوف:
- خد بالك دموع منامتش بقالها 30 ساعة ونص، اوضة العمليات آخر الممر هتلاقيها طالعة دلوقتي.
ذهب حسن فركض مسرعاً آلي هناك فرأى الباب الزجاجي يفتح وتخرج منه وهي ترتدي تيشرت وبنطلون أزرق اللون زي العمليات وبيديها قفازاتها البيضاء وعلي رأسها طاقية طبية وفوق فمها كمامة لم يظهر منها سوي عيناها الخضراء وبقدمها حذاء طبي، توقف مكانه ينظر عليها وهي تخلع قفازاتها بتعب وتثني رقبتها يمين ويسار بأرهاق وعيناها تكاد تفتحهما، رفعت رأسها للأعلي لكي تقوس ظهرها للخلف فوقعت عيناها عليه...