رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل العاشر
توقفت سيارة الأجرة على مدخل الحارة الشعبية، وترجل منها حارس الأمن الأسبق " أحمد "، وأغلق الباب خلفه، ثم إنحنى بجذعه قليلاً للأمام ليعطي السائق أجرته من النافذة .. ودس الباقي في جيبه، ثم جاب المكان بنظرات متفحصة ..
اقترب هو من أحد المقاهي الشعبية، ولوح بيده في الهواء عالياً وهو يصيح ب:
-سلامو عليكم
خرج له العامل الذي يلبي طلبات الزبائن مسرعاً من الداخل وهو يحمل صينية فارغة في يده، وأجابه ب:
-أؤمر يا افندي
تنحنح أحمد بصوت خشن وهو يشير له لكي يأتي:
-كنت عاوز شوية
اقترب منه العامل، فوضع أحمد كفه على كتفه، ودس مبلغ نقدي في جيبه الأمامي، فنظر له العامل بإمتنان .. ثم مال برأسه نحوه، وهمس له ب:
-أومال بيت الست أم تقى فين ؟
ضيق العامل عينيه في استغراب، وسأله بحيرة ب:
-أم تقى ! تقصد الست فردوس ؟!
إرتخت عضلات وجه أحمد المشدودة، وهتف مسرعاً ب:
-أه هي
أشار العامل بيده للأمام، وأجابه بجديه ب:
-احود يا باشا شمال من المدخل اللي جاي، هتلاقي البيت في وشك على أخر الحارة
ربت أحمد على كتفه في امتنان جلي قائلاً:
-توشكر يا أخ
ثم تحرك بخطوات أقرب إلى الركض صوب المكان الذي أرشده إليه ..
تابعهما منسي الذي كان ينفث دخان ( الشيشة ) بشراهة، ثم أشار بعينيه للعامل، وسأله بصوت جاف ومتحشرج ب:
-إنت يا بني، تعالى هنا
سار العامل في إتجاهه، ثم مال بجذعه نحوه، وأردف بهدوء:
-أؤمر يا سي منسي
نفث مجدداً دخان الشيشة وكأنه يخرج بركاناً من صدره، ثم بصوت فظ تسائل ب:
-عاوزك في إيه الجدع ده ؟
لوح بيده وهو يجيبه بنبرة عادية ب:
-هو كان بيسأل على بيت الست فردوس أم تقى
إعتدل منسي في جلسته، وحدجه بنظرات حادة وهو يهتف بحنق ب:
-نعم !
إبتسم العامل إبتسامة عريضة – وكأنه حقق إنجازاً هاماً – وتابع بثقة ب:
-أيوه، وأنا دلته عليه
إحتقنت عيناه أكثر، وأردف متسائلاً بشراسة:
-طب ليه ؟
هز كتفيه في عدم إهتمام وهو يرد عليه بفتور:
-مقاليش
إغتاظ منسي من ردود العامل الغير مبالية، فعنفه قائلاً:
-غور من قدامي
نظر له الأخير بإستغراب، وسأله مستفهماً ب:
-ليه كده بس يا سي منسي ده أنا آآآ...
قاطعه منسي بصوت غليظ قائلاً وهو يحدجه بنظرات مهينة
-إنت هتلوك لوك معايا كتير، غور من وشي، جتك القرف !
إمتعض وجه العامل، وكظم غيظه، ثم سار مبتعداً عنه وهو يغمغم ب:
-ماشي !
ثم زم ثغره في تأفف، وصاح عالياً:
-أيوه جاي !
أسند منسي الشيشة على الطاولة الصغيرة الموضوعة بجواره، وحدق في الفراغ أمامه، وحدث نفسه بنبرة حائرة ب:
-أنا لازم أعرف مين أصلاً ده وجاي ليه وعشان إيه بالظبط، أكييييد وراه حاجة !
في منزل أوس بمنطقة المعادي،،،،
جلس أوس على الأريكة الوثيرة والمقابل للفراش المسجى عليه جسد تقى واضعاً هاتفه المحمول عل أذنه ومشعلاً لسيجارته الفاخرة ثم بصوت آجش وصارم أردف ب:
-في ظرف نص ساعة تكونوا عندي، أي تأخير مش هاقبل بيه
نفض هو بقايا السيجار المحترق على الأرضية اللامعة، ثم تابع بنفس الصلابة وهو محدق بتقى الفاقدة للوعي ب:
-لأ مش في القصر .. في بيتي التاني، اكتبي العنوان عندك !
أملى أوس الطرف المقابل على الهاتف عنوان منزله، ومن ثَمَ أنهى المكالمة، وأسند الهاتف على " الطاولة الصغيرة " المجاورة، ثم أكمل تدخين سيجارته وهو ينظر بتلذذ غريب إلى تلك الهزيلة التي سيوصمها الليلة بسوط عذابه ...
تمكن أحمد من الوصول إلى البناية التي تقطن بها تقى، وظل يتلفت حوله محاولاً الإستدلال على الطابق المتواجد به منزلها ..
قرع بشكل عشوائي على أول منزل قابله، ففتحت له جارة ما الباب، ونظرت له بفضول قائلة:
-عاوز مين يا أخ ؟
نظر متفحصاً للمنزل بنظرات مطولة، وأجابها بتردد ب:
-هو .. هو ده بيت الست آآ.. الست أم تقى
نظرت له شزراً، ولوت فمها في ضيق وهي تجيبه بإمتعاض ب:
-لأ يا أخويا، شقتها اللي في التالت مش هنا
ثم طرقت الباب في وجهه، فتعجب أحمد من ردة فعلها،وعبست ملامحه، وحدث نفسه بتأفف ب:
-ايه الناس دي !
ثم إتجه إلى الدرج صاعداً إلى حيث أخبرته ...
في منزل تقى عوض الله،،،،
ارتدت فردوس عباءتها القديمة وعَدَلت من وضعية حجابها أمام المرآة، ونظرت إلى زوجها عوض من زاوية عينيها قائلة:
-هاروح المصنع يا عوض، الأكل جمبك على الكومودينو، مش هتأخر هاخلص الوردية وأرجع على طول
ثم سمعت هي صوت قرع الجرس، فإستدارت برأسها للخلف متسائلة بحيرة:
-ده مين اللي جاي السعادي ؟
غرست الدبوس في حجابها، وهي تلج من الغرفة متجهة ناحية باب المنزل ..
فتحت الباب على عجالة فتفاجئت بذاك الشاب الذي بدت ملامحه مألوفة لها ...
تفرست في ملامحه المرهقة بتمعن شديد، هي متأكدة من أنها قد رأته من قبل، ولكنها لا تتذكر حالياً ...
حاولت أن تجبر عقلها على التذكر في وقت قصير، لكنه أبى أن ينصاع لها حالياً ..
ضيقت عينيها أكثر، ولكن قطع تفكيرها صوته الرجولي الخشن ب:
-إزيك يا ست أم تقى، إنتي مش فكراني ؟
أجابته دون تردد وهي تنظر له بفضول ب:
-لأ .. بس شكلك مش غريب عني
تنحنح هو بصوت خافت، ثم إدعى أنه يسعل، وأجفل عينيه وهو يجيبها بتلعثم ب:
-أنا .. أنا أحمد اللي .. اللي كنت شغال مع بنتك عند البيه في القصر !
اتسعت حدقتي عينيها في صدمة، وأضاء عقلها بذكرى رؤيته وهو يترجل من سيارة الأجرة مع إبنتها قبل أشهر قليلة .. ففغرت شفتيها في ذهول، وإندفعت نحوه ممسكة إياه من تلابيبه، وهزته بعنف غير مسبوق وهي تصرخ ب:
-بنتي ! هي فين ؟ خدتوها فين ؟ انطق !
حاول هو تهدئتها بعد أن باغتته بهجومها عليه ..، وبتريث أزاح كفيها القابضين على ياقته قائلاً بتوتر:
-أنا معرفش عنها حاجة .. أنا .. أنا كنت جاي أسأل عنها
لم تتركه فردوس بل إستمرت في الإمساك به بكل قوتها صارخة بصوت محتد ب:
-يا كداب يا بن ال ***، بتضحك على ست كبيرة زيي
أبعد يديها عنه، وضمهماً معاً، ثم قال بصدق شديد:
-والله ما باكدب يا ست .. ده آآآ...
قاطعته هي بصراخ أعنف وهي تتلوى بذراعيها محاولة تحريرهما ب:
-يا ناس الحقوني
أرخى قبضتيه عنها، ثم أسرع بوضع كفه على فمها ليكممها ويمنعها عنوة عن الصراخ، وأسند رأسها بكفه الأخر، ودفعها إلى الداخل، وركل الباب بقدمه لينغلق قائلاً بحنق:
-شششششش .. اسكتي يا حاجة، أنا معملتش حاجة، اسمعيني بس
كافحت فردوس لتبعد يديه عنها، وخربشته بأظافرها، ولكنه كان أقوى منها، فنظرت له بإحتقان، فبادلها نظرات حادة، ثم تابع بإنفعال ب:
-اسمعيني يا ست أم تقى، أنا مش جاي أذيكي، أنا بس عاوز اسأل عن تقى
تمتمت بصوت مكتوم محاولة الرد عليه، فحذرها قائلاً:
-أنا هاشيل إيدي بس اوعي تصرخي، أنا مش ناوي شر، بس متخلنيش أندم إني جيت
أومأت برأسها موافقة، فهي لم يكن لديها أي خيار أخر، فما تبتغيه هو معرفة مكان إبنتها الغائبة ..
تدريجياً أبعد أحمد راحته عن فمها، ونظر لها ممتناً وهو يقول بهدوء حذر:
-كده تمام يا ست أم تقى
تحسست فمها الذي آلمها بسبب قبضته الغليظة عليه .. وحدجته بنظرات مغتاظة وهي تسأله بحدة ب:
-بنتي فين ؟
فرك أحمد وجهه بضيق وهو يجيبها بصوت محتد ب:
-ما أنا قولتلك أنا معرفش مكانها، ده أنا كنت مفكر إنها هنا
هتفت محتجة بنبرة عالية وهي تنظر له بصرامة ب:
-لأ بنتي ضاعت مني من ساعة ما آآآ...
لم تكمل جملتها الأخيرة، بل أولته ظهرها، وصمتت عن الحديث بعد أن تذكرت كيف طعنتها بكل غل بيديها تلك دون أن تمهلها الفرصة للدفاع عن نفسها ..
و أوغر صدرها أنها حكمت عليها بأنها مذنبة رغم يقينها من براءتها، لكنها إستسلمت لشيطان نفسها، ونفذت حكمها عليها فوراً ..
والأعجب أن إبنتها رفضت أن تدينها، وتحملت اللوم عنها، ثم اختفت بعدها تاركة إياها تتجرع مرارة الخزي والوحدة ..
أفاقت من شرودها، ومسحت بحذر عبراتها التي علقت بأهدابها، ثم إستدارت بجسدها ناحيته، وسألته بصوت مختنق ب:
-أومال مين يعرف ؟
دعك فروة رأسه في حيرة عدة مرات، وتملكه القلق الشديد وهو يحاول تجنب فكرة أن تكون تلك البريئة واقعة في أسر من لا يرحم ..
هو يعلم مدى قسوته وغلظته، بالإضافة إلى جبروته وسلطته .. وتقى لا حول لها ولا قوة .. فكيف ستقف أمامه، وتدافع عن نفسها ..
نفخ بإحباط سائلاً إياها بيأس:
-طب.. طب هي ليها مكان تاني غير ده ممكن تروحه ؟!
حدجته بنظرات محتقنة وهي تهتف محتجة ب:
-بأقولك بنتي مالهاش أثر، زي ما يكون فص ملح وداب، وإنت جاي تقولي هي فين، ما تشوف البيه اللي مشغلك آآ...
توقفت عن إكمال جملتها حيث طرأ بعقلها فكرة خطيرة ربما تكون السبيل لمعرفة مكانها ..
رمقها أحمد بنظرات إستغراب، فقد سيطر عليه الفضول لمعرفة ما الذي تفكر فيه ..
تفاجيء بها تمسك بذراعه بقبضتها الواهنة، فنظر نحوها وهو مقطب الجبين متسائلاً:
-في ايه ؟
جحظت بعينيها وهي تسأله بتلهف ب:
-قولي مكان البيه بتاعك ؟
إزداد إنعقاد ما بين حاجبيه، فهو لم يفهم مبتغاها من سؤالها الجاد هذا، فأجابها دون تريث ب:
- تقصدي قصره ولا شركته ؟
هتفت دون تأخير وهي مسلطة أنظارها عليه:
-قصره!
بداخل أحد مراكز التجميل ذائعة الصيت،،،
تسابقت الفتيات المتواجدات بالمركز على تجهيز عروس الليلة .. فهي ليست كسائر العرائس، إنها نجمة من نجمات المجتمع، وعائلتها ذات الحسب والنسب ..
وبالطبع شهرة للمركز أن تكون متواجدة به ..
تنهدت ليان بفتور وهي ترى الكل رهن إشارتها يسعى لإرضائها .. لم تشعر أبداً بسعادة العروس ليلة زفافها .. ولا بفرحة عائلتها بها ..
فالكل يرسم قناع السعادة الزائفة فقط ليتجنبوا الفضيحة التي زجت بنفسها بها ..
لم تهتم بمعرفة أسماء المدعوين .. ولم تعبأ بتصميم فستانها الباهظ الثمن الذي ترتديه ويخطف أنظار من يراها فيه .. ولم تكترث حتى بفقرات الحفل الأسطورية التي تسرب محتواها للإعلام ..
كانت فاقدة للإحساس في كل شيء ..
نظرت ليان إلى نفسها في المرآة بنظرات عميقة، كأنها ترى شريط حياتها في الأشهر الماضية يمر سريعاً مذكراً إياها بفداحة ما حدث ..
بررت لنفسها بأنها ليست من تستحق اللوم، بل والدتها التي سقطت من أنظارها بأفعالها المشينة مع صديق العائلة، فهي بلا وعي أجبرتها على أن تخطو مثلها، وتسقط في ذاك البئر القذر ..
أخذت نفساً مطولاً وحبسته في صدرها محاولة السيطرة على المشاعر المهتاجة بداخلها .. ثم بهدوء زفرته .. ورفعت رأسها عالياً في ترفع وكبرياء ..
وحدثت نفسها بثقة غريبة ب:
-مش أنا المجرمة، مش أنا !
وقفت رفيقتها جايدا من خلفها ناظرة إليها بنظرات غير مريحة .. تساورها الشكوك بوجود أمر خاطيء في تلك الزيجة السريعة ..
هي تعلم تقريباً كل شيء عن ليان، ولكن في الفترة الأخيرة بدت لها غريبة وغامضة .. ولم تعد كلتاهما تتحدثان كالسابق ..
وضعت جايدا يديها على كتفي ليان العاريين، ومالت برأسها للأمام، ونظرت لها عبر المرآة قائلة بخفوت:
-مالك يا ليو ؟ شكلك مش happy ( سعيد ) خالص
تنهدت في إنهاك، وأسندت كفها الأيسر على كف يد رفيقتها، وأجابتها بنبرة هادئة:
-عادي
زمت جايدا شفتيها بإعتراض قائلة:
-Noway ( إستحالة ) يكون عادي، إنتي مش بتضحكي خالص، وآآ..
قاطعتها ليان بنبرة شبه متوسلة بعد أن أجفلت عينيها قليلاً:
-بليز جودي، أنا مش قادرة أتكلم
هزت جايدا رأسها رافضة، وتابعت بإصرار واضح:
-ده يخليني متأكدة إن في حاجة غلط
نظرت لها ليان بضيق، وأردفت بحزم ب:
-جايدا، سوري أنا مرهقة من الفرح، فبليز بلاش نتكلم
مطت جايدا شفتيها للأمام في ضيق، ونظرت إليه بنظرات معاتبة، ثم قالت بهدوء:
-اوكي ..
إنضمت إليهما ناريمان، ونظرت إلى ليان بنظرات متمعنة، وقالت بحماس زائف:
-واو .. شكلك stunning ( مذهل )
ثم أمسكت بكف يدها، وأجبرتها على النهوض من على المقعد لتراها بوضوح أكثر ..
كانت ليان ترتدي فستاناً أبيض اللون ومرصعاً باللأليء الصغيرة البراقة في غالبية أجزائه ..
صدره عاري يبرز مفاتنها الأنثوية بطريقة مثيرة، وكتفيه مكشوفان يوضحان نعومة بشرتها، كما زين عنقها عقد ثمين من الألماس الحر .
أدارتها ناريمان لتتمكن من رؤية الفستان من الخلف .. فبدى ظهرها مشدوداً، ومكشوفاً حتى قبل خصرها بقليل ..
إنحنت جايدا للأمام لتعيد فرد ذيل الفستان الطويل الذي أكمل تلك اللمسة الجمالية عليه ..
اقتربت المصففة من العروس، وهي تبتسم لها إبتسامة مجاملة:
-واو .. كيوت خالص .. فعلاً أميرة
بادلتها ناريمان نظرات الإعجاب، وأدرفت بثقة:
-شور .. دي بنتي
زمت المصففة شفتيها الكبيرتين للأمام، ثم أشارت بيدها وهي تتابع بجدية ب:
-طيب هستأذنك الأميرة ترجع مكانها عشان أحط الطرحة، وأعمل ال finishing بتاعي
أشارت ناريمان بعينيها وهي تجيبها ب:
-أوكي
عاودت ليان الجلوس على مقعدها، وأكملت المصففة عملها وهي تحاول إختلاق حديث شيق معهن، ولكن كانت العروس شاردة في ملكوت أخر ..
في منزل عبد الحق بالزقاق،،،،
تغنجت بطة بجسدها أمام المرآة وهي تضع أحمر الشفاه الصارخ، ودندنت بخفوت مع نفسها ..
ثم إلتفتت برأسها ناحية عبد الحق الممدد على الفراش وأردفت بجدية ب:
-ها.. كده حلو ؟
سال لعابه وهو يرى جسدها العاري يتمايل بدلال من أسفل قميص النوم الشيفون القصير ذي اللون الأخضر الذي ترتديه، فإعتدل في نومته، وفتح لها ذراعيه وهتف متحمساً:
-تعالي في حضن جوزك يا مزة
تعمدت بطة أن تسير ببطء شديد وهي تتجه نحوه لتتأكد من تأثيرها القوي عليه .. فإزداد حماسة ورغبة فيها ..
وضعت يديها في شعرها وحركته بطريقة تحمل من الإغراء ما دفعه للجنون .. فصاح بشوق:
-يخربيت جمال أمك
-هو في زيي يا .. يا عبده
قالتها بنبرة أنثوية فاجرة، ثم أعقبتها بضحكة رقيعة جعلته يصفق بحماس ملتهب ..
ولكنها توقفت فجأة عما تفعل لشعورها بأنها مراقبة ..
حيث لمحت طيف شخص ما يظهر من عقب الباب ..
فتحولت عينيه إلى شعلتين من الغضب، وإكفهر وجهها، وتحولت من الرقة إلى الخشونة ..
نظر لها عبد الحق بإندهاش عجيب، وسألها بإستغراب ب:
-في ايه يا ولية ؟ قلبتي كده ليه ؟
كورت قبضتها بغل، وسارت نحو باب الغرفة، وأمسكت بالمقبض وفتحته فجأة لتجد تلك العجوز الوقحة منحنية أمامها ..
إبتلعت إحسان ريقها بصعوبة وهي تعتدل في وقفتها .. بدت مصدومة من إفتضاح أمرها .. وحاولت أن تبدو غير متأثرة وهي تشرع حديثها ب:
-ف... في ايه يا بت ؟
وضعت بطة يدها في منتصف خصرها، وإستندت بالذراع الأخر على الباب، وحدجتها بنظرات مميتة وهي تجيبها ب:
-إنتي اللي في ايه يا حماتي ؟ واقفة عندك هنا ليه ؟!
رفعت إحسان حاجبها بطريقة ضجرة وحركته بعصبية، ثم لوحت بيدها أمام وجهها وهى تجيبها بحدة ب:
-جرى إيه يا بت هو إنتي هاتقوليلي أقف فين في بيتي ؟
ردت عليها بطة بتذمر وهي تتعمد التمايل بخصرها لتثير إستفزازها:
-لأ مش هاقولك تقفي فين، بس مايصحش تبصي على الراجل ومراته من خرم الباب وهما نايمين مع بعض !
وضعت إحسان كف يدها قبالة جبينها، وصاحت مزمجرة ب:
-نعم يا روح أمك، أبص على مين ؟ ما تفوقي لنفسك، ده إنتي ماتجيش مَرَة في سوق النساوين
إحتقنت عيني بطة بعد تلك الإهانة المريرة التي تلقتها للتو، وكزت على أسنانها وهي تعنفها بإهتياج ب:
-ولما أنا مش مَرَة، حطاني في دماغك ليه
أشارت لها بإصبعها بطريقة مهينة، ثم حذرتها بصرامة ب:
-لأ بقى، اقفي عوج واتكلمي عدل معايا
إنفعلت بطة أكثر وأرخت قبضتها عن خصرها، ولوحت بيدها ناحيتها، وهتفت بنبرة بعصبية ب:
-أنا بأتكلم عدل، الدور والباقي عليكي إنتي
لكزتها إحسان بقسوة في كتفها، ثم دفعتها للجانب لتدلف إلى الغرفة وهي منزعجة الملامح، وسلطت أنظارها على إبنها، وصرخت فيه ب:
-واد يا عبده، إنت هتسيب المحروسة مراتك تغلط فيا، وأنت أعد كده زي خبيتها !
نهض عبد الحق من على الفراش، وأجابها متذمراً:
-عاوزاني أعمل ايه يعني ؟
صرت على أسنانها وهي تأمره بحدة ب:
-هاتلي حقي منها
تشنجت بطة وهي ترى أسلوبها الخبيث في تحميلها اللوم دائماً دون أن تقترف أي خطأ، فهدرت غاضبة وهي تشير بكلتا يديها ب:
-هو أنا غلطت فيكي عشان يجبلك حقك، على رأي المثل ضربني وبكى، وسابقني وإشتكى .
نفخ عبد الحق بإنزعاج جلي، ثم صاح عالياً ب:
-يووووه، هو الواحد ميعرفش يتهنى في بيته أبداً
وقفت بطة أمام زوجها، وحدجت أمه بنظرات قاتلة، ثم أردفت بعصبية ب:
-أمك هي السبب !
إغتاظت إحسان من طريقة زوجة إبنها الفجة في الرد عليها، فإهتاجت قائلة:
-داك مو لما يتنفخك
أشارت بطة بإصبعها محذرة ب:
-متغلطيش فيا
وجهت إحسان أنظارها نحو إبنها الذي عقد ساعديه أمام صدره، وأطرق رأسه للأسفل في إحباط مما يحدث، وهتفت فيه بحنق وهي تلكزه في ذراعه:
-شايف مراتك وعمايلها
أشاح بيده في الهواء وهو يجيبها بصوت هادر ب:
-يعني أموتها عشان ترتاحي يامه
تحولت مقلتيها لشعلتين حمراوتين من الغضب، ثم إندفعت بثقل جسدها نحو بطة وهي تصيح بصوت متوعد ب:
-لأ هاموتها أنا
أمسكت إحسان بخصلات شعر بطة، ولفتها على يدها عدة مرات لتحكم لسيطرة عليها، وتضمن عدم إفلاتها، وأجبرت رأسها على الإنحناء للخلف، ثم إنتزعت بيدها الأخرى فردة ( شبشبها ) من قدمها، وإنهالت عليها بالضربات المتلاحقة على أجزاء متفرقة من جسدها، فصرخت الأخيرة مستغيثة ب:
-آآآآآآآآآآه .. يا خرابي، الحقوووني
تفاجيء عبد الحق بما فعلته والدته، فتدخل للحول بينهما، وحاول تخليص زوجته من براثن والدته قائلاً برجاء:
-بالراحة يامه، إيدك طارشة
دفعت إحسان إبنها بكتفها، وإستمرت في ضرب بطة بعنف، وهي تصيح بصوت غاضب ب:
-اسكت ياض، أنا اللي هاربيهالك
تمكن عبد الحق من تخليص زوجته من يدها، ونجح في إبعاد والدته للخلف، ثم فرد ذراعيه في الهواء ووقف بجسده أمامها، وهتف قائلاً بعصبية:
-حرام يامه، هاتموت في ايدك
ذرفت بطة الدموع، وتحسست ذراعيها وجسدها بكفيها بعد أن تراجعت لزاوية الغرفة، ثم أردفت بصوت مختنق من البكاء وهي تعيد جمع خصلات شعرها ب:
-والله ما أعدالكم فيها
لوحت هي بشبشبها في الهواء، وأجابتها بعدم إكتراث وهي تحدجها بنظرات متشفية ب:
-في ستين داهية
كادت مقلتي بطة تخرجان من محجريهما من شدة الغيظ، وودت لو كان بيدها سكيناً حادًا لتقتل به تلك العجوز الفظة فوراً ...
ألقت إحسان بشبشبها على الأرضية لترتديه .. ثم ولجت خارج الغرفة بتفاخر، ولم تكف عن ذم زوجة إبنها بألفاظ بذيئة ...
غمغم عبد الحق بكلمات مبهمة وهو يتابع والدته بنظراته المحتقنة ..
أسرعت بطة ناحية خزانة الملابس، وأخرجت عباءتها السوداء لترتديها، ولكن حاصرها عبد الحق بذراعيه عند ضلفة الخزانة متوسلاً السماح ب:
-ورحمة أبوكي ما تزعلي، ده أنا مصدقت
ضربته بقوة في صدره وهي تهتف بتشنج:
-ابعد عني
إحتضنها هو بين ذراعيه للحظة، ثم أسند كفيه على ذراعيها، وهزها برفق قائلاً بعناد وهو ينظر لها بنظرات عاشقة:
-لأ مش هابعد، ده أنا بأحبك يا بت
أزاحت قبضتيه عنها، ورمقته بنظرات إستنكار وهي تنطق بحنق ب:
-بلا حب بلا نيلة، كفاية إنك ساكت وأمك بتموتني من الضرب
بادر هو بالرد عليها ب:
-ما أنا حوشتها عنك
رفعت حاجبيها في إستهجان، وقالت ساخرة:
-يا سلام .. كتر خيرك
أخفض عبد الحق نبرة صوته لتصبح هامسة، وأسبل عينيه لها وهو يتأملها بإشتهاء:
-وربنا إنتي قمر، وعينيكي زي حجر المعسل تظبط الدماغ
زمت شفتيها للجانب، وتنهدت بإنزعاج وهي تجيبه ب:
-أعوذو بالله على تشبيهاتك
صمت كلاهما للحظات .. فأمعن عبد الحق النظر في شفتي زوجته، وتأمل ملامح وجهها الجميلة، وقرأت هي في عينيه رغبته الشديدة فيها، فتعمدت أن تتنهد بحرارة لتزيد من لهيبه ..
وضع هو راحته على وجنتها ليتحسسها برفق، فأغمضت عينيها في إستسلام للمساته الناعمة عليها .. ثم مال برأسه نحو رأسها ليشعر بأنفاسها المشتعلة تؤجج من شوقه فيها ..
إبتسم عبد الحق إبتسامة مراوغة وهو يقبلها من جبينها، ثم حرك فمه نحو أرنبة أنفها، وقبلها منه، وهمس قائلاً:
-يالا بقى، خلي آآآ...
صدح صوت مقيت من الخارج جعلهما ينتفضان في ذعر وهما يبتعدان عن بعضهما البعض ب:
-واد يا عبده، تعالى عاوزاك، مش هتفضل لازق للمصدية دي كتير
عبس وجه بطة مجدداً، وتشنجت تعبيراتها، ونظرت لزوجها بإزدراء قائلة:
-روح شوف أمك .. روح !
نفخ عبد الحق من الغيظ، و ضرب جانبيه بحنق، وصاح بضيق بادي في نبرته ب:
-جاي يامه .. جاي
ثم تمتم بضجر مع نفسه ب:
-وربنا ما هترتاحي يامه إلا لما تجيبي أجلي !
وقفت تتابعته بنظرات ساخطة وهو يلج خارج الغرفة، ثم ألقت بعباءتها على الأرضية، وزفرت بإحتقان ب:
-يا أنا يا إنتي يا أم أربعة وأربعين في البيت ده...!