رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل الرابع والثلاثون
( وانحنت لأجلها الذئاب )
خارج قصر عائلة الجندي
راقبت تهاني بوابة القصر بنظرات مضطربة للغاية .. وأسندت كفها المقبوض على صدرها وتمتمت بتوتر:
-ربنا يسترها عليكي يا بنتي ويحفظك من شره!
تنهدت بصوت مسموع وهي تشرأب بعنقها محاولة رؤيتها .. وعاتبت نفسها بقسوة:
-يا ريتني ما وافقت من الأول إنك تروحي، مش هسامح نفسي لو جرالك حاجة، استرها يا رب!
شهقت بفرحة جلية حينما رأت ابنتها تركض للخارج، فتهللت أساريرها المتشنجة، وركضت نحوها لتحتضنها ..
أدمعت عيني تهاني بشدة وهي تلف ذراعيها حول ليان، وبكت وهي تقبلها من وجنتيها:
-الحمدلله انك كويسة
ضمت وجهها بكفيها، وسألتها بتلهف:
-عملك حاجة ؟ أذاكي ولا آآآ...
قاطعتها ليان بصوت لاهث:
-لأ ملحقش، بس يالا من هنا قبل ما يكتشف اللي حصل
هزت رأسها عدة مرات وهي تردد بصوت شبه مختنق:
-أيوه، عندك حق
ثم مسحت عبراتها بكفها وهي تركب في السيارة إلى جوار ابنتها ...
في المستوصف الطبي
عاونت الممرضة السمراء الطبيب شامل في الإمساك بتقى وتقييد حركتها حتى لا تفلت منه ..
بينما لم تكف تقى عن المقاومة، وإستبسلت بشراسة في الذود عن جنينها وحمايته من بطش ذلك الرجل الذي إستشعرت فيه الوجه الأخر الشيطاني لمهاب ..
أشار شامل بعينيه لها قائلاً بصرامة:
-جهزيلي بسرعة حقنة (( ... ))
اعترضت الممرضة قائلة بإنزعاج:
-بس لو سبتها آآ...
قاطعها بجدية وهو يحكم قبضته على تقى التي كانت تنتفض بجسدها بشراسة لتتحرر منه:
-أنا ماسكها كويس، روحي هاتيها.
تركتها الممرضة، وأسرعت نحو خزانة زجاجية، ثم فتحتها وبحثت بعينيها عن الدواء المطلوب، وأخرجته من الرف السفلي، ثم أخذت منه البعض في إبرة طبية، وعادت إلى شامل الذي قبض بشدة على ذراع تقى، وأمرها بصوت حاد:
-اديها الحقنة دي في دراعها بسرعة
اتسعت حدقتي تقى بهلع جلي بعد كلماته المفزعة، وتلوت بجسدها لتتفادها، ولكن أمسكت الممرضة بذراعها، وثبتته جيداً وهي تغرز الإبرة الطبية فيه ..
ثم نظرت لها شزراً وهي تغمغم بخفوت:
-أعوذو بالله منك، هديتي حيلي على الفاضي
تسربت المادة الطبية عبر عروق تقى وانتشرت في جسدها، فأشعرتها بحالة من الإرتخاء الإجباري.. وبدت الرؤية مذبذبة بالنسبة لها
ثم تحرك شامل بها نحو المقعد المقابل لمكتبه، وأجلسها عليه بحذر، ثم نفخ بإرهاق، وسلط أنظاره على ممرضته المقيتة وهو يردد بجدية:
-شوفيلي فين مدبولي، وابعتيه.
تسائلت تقى بصوت متثاقل وهي تتمايل برأسها للجانبين:
-انتو .. انتو عاوزين مني ايه، حرام عليكم .. أنا .. أنا معملتش حاجة!
ردت عليها الممرضة بتهكم واضح:
-انتي اللي عاوزانا يا إدلعدي مش احنا، وجاية هنا بخطرك، ولا ساعة ال آآ...
قاطعها شامل بحدة وهو يشير بإصبعه:
-روحي اعملي اللي قولتلك عليه!
-حاضر يا ضاكتور.
قالتها الممرضة بإمتعاض وهي تتجه إلى خارج الغرفة ...
أدمعت عيني تقى بشدة، وشعرت بذلك الثقل الرهيب في جفنيها، وهمست متسائلة بصوت مختنق:
-انتو .. انتو هتعملوا فيا إيه ؟
إلتفت شامل نحوها، ودنا منها أكثر .. ثم مد أنامله ليتلمس وجنتها، وأجابها بهدوء مخيف وهو يرمقها بنظرات شهوانية:
-مش معقول واحدة زيك مش فاهمة هي هنا ليه!
جاهدت لتفتح عينيها وهي تسأله بوهن:
-انت.. انت عملت فيا ايه ؟
مال عليها برأسه، فشعرت بأنفاسه البغيضة تلفح وجهها، فزاد شعورها بالغثيان، وأجابها بخبث:
-ولا حاجة لسه، وبعدين أنا مش عاوزك تقلقي معايا .. ده أنا آآ...
صمت للحظة ليتفحصها بنظرات أكثر وقاحة، وسال لعابه وهو يتابع بدناءة:
-هاريحك على الأخر، ومش هاتحسي بحاجة معايا! ثواني وراجعلك!
ثم اعتدل في وقفته وحدجها بنظرات أكثر مكراً، وبرزت إبتسامته الوضيعة وهو يفرك عنقه، ثم أولاها ظهره، وأخذ نفساً عميقاً وهو يتحسس صدره وتحرك نحو باب الغرفة متمتماً بإنزعاج:
-ايه اللي أخرك يا زفت! هتضيع عليا الحتة الجامدة دي أونطة!
راقبته تقى بهلع كبير حتى خرج من الغرفة، وغريزياً حركت يدها المرتخية نحو بطنها لتتحسسه، وبَح صوتها الهامس وهي تجاهد للصراخ:
-ح.. حد يلحقني! س.. ساعدوني!
في الحارة الشعبية
وصل أوس قائداً سيارته الخاصة إلى مدخل الحارة ومن خلفه عدي وسيارة الحراسة الخاصة .. ثم ترجل منها، وركض ناحية مدخل البناية ...
انتبه الحارسين إليه، وهتف أحدهما بجدية:
-مساء الخير يا باشا
لكزه أوس في كتفه وهو يندفع للمدخل قائلاً بغلظة:
-وسع من سكتي!
ثم انطلق ناحية الدرج وأسرع بالصعود عليه ..
لم ينطق أي أحد بكلمة، بل مضوا في طريقهم خلفه صامتين ..
وصل أوس للطابق المتواجد به منزل تقى، وطرق الباب عدة مرات بعنف وهو يهتف بصوت هادر:
-ت.. تقى! افتحي، تقى!
لكن لم يأتيه أي رد من الداخل، فإنقبض قلبه أكثر .. واستمر في الطرق بعنف أشد ..
وقف عدي خلفه، وأردف قائلاً بحذر:
-بالراحة يا أوس، مش كده!
لم ينظر إليه الأخير، بل صاح بإنفعال وهو مستمر في الطرق بعصبية:
-تقى مش بترد!
رد عليه عدي بحرص وهو يحاول إبعاده للخلف:
-يمكن مش سامعة وآآآ...
قاطعه أوس بصوت هادر يحمل الغضب:
-كل ده ومحدش سامع، أنا هاكسر الباب!
جحظ عدي مصدوماً، وردد بإندهاش جلي:
-اييييه!
لم يمهل أوس نفسه فرصة للتفكير، بل إندفع بجسده بكل غضب نحو باب المنزل ليحطمه، فصاح به عدي بقلق:
-استنى يا أوس!
-متقوليش استنى
قالها أوس بإهتياج وهو يدفع الباب بكتفه بقوة رهيبة لينفتح على مصرعيه ..
ثم خطى مسرعاً نحو الداخل، وزاد خفقان قلبه برعب حينما وجد المنزل هادئاً للغاية، وخالياً من قاطنيه ..
وبلا وعي بحث بعينيه المحتقنتين عن تقى في الصالة فلم يجدها، فأسرع نحو غرفتها، واقتحمها بلا تردد .. فكانت خاوية هي الأخرى، فركض كالمجنون مفتشاً عنها في كل أرجاء المنزل وهو يصرخ بإسمها ..
توجس عدي هو الأخر خيفة على ليان، وتسائل بنبرة شبه مذعورة:
-هما راحوا فين ؟ ده محدش هنا! ولا حتى م.. مدام تهاني!
ثم أخرج هاتفه المحمول، وبحث عن رقم تهاني ليهاتفها .. ووضع الهاتف على أذنه، وانتظر بنفاذ صبر إجابتها عليه ..
استمع هو إلى صوتها الهاديء وهي تجيبه قائلة:
-أيوه يا عدي بيه، أنا آآ...
قاطعها متسائلاً بصوت متلهف:
-انتو فين يا مدام تهاني ؟
ردت عليه بنبرة شبه متعجبة:
-أنا مع ليان برا البيت، وفي الطريق أهوو
سألها بجدية مبالغة:
-طب هي تقى معاكو ؟
أجابته بإستغراب:
-لأ .. احنا سايبنها مع أمها!
صمتت لثانية قبل أن تسأله بتوجس بعد أن استشعر قلبها وجود خطب ما:
-هو .. هو حصل حاجة ؟
رد عليها بيأس:
-تقى مش موجودة في البيت، وأوس قابل عليها الدنيا!
شهقت بصوت مسموع وهي تسأله بقلق:
-ايييييه، راحت فين دي ؟ وفين فردوس ؟!
أجابها على مضض وهو يفرك رأسه:
-مافيش حد هنا خالص
هتفت بتوتر بالغ:
-طب إزاي!
في المستوصف الشعبي
بداخل غرفة الطبيب
شعرت تقى بتنميل رهيب في أطرافها بعد أن أصبحت بمفردها في الغرفة .. وبثقل كبير يجتاح جسدها .. وأنها أصبحت كالمشلولة، غير قادرة على الحركة أو الفرار ..
مالت برأسها للجانب بوهن، فلمحت بعينيها هاتفها المحمول الذي أسندته على سطح المكتب وتركته على وضعيته الصامتة ..
رأت بجفنيها - واللذين تحاول إبقائهما مفتوحين - اسم أوس يظهر على شاشته، فكافحت لرفع ذراعها للضغط على زر الإيجاب ..
وبالفعل نجحت في هذا بعد محاولة أخيرة استجمعت فيها كل قوتها الواهنة ..
لم تتمكن من الإجابة عليه، ولكنها سمعت صوته يصرخ بإسمها قائلاً بفزع:
-تقى .. انتي فين ؟ ردي عليا! تقى!
حاولت أن تجيبه، لكن خرج صوتها ضعيفاً مبحوحاً، وغير مسموع بالدرجة الكافية ..
-ردي عليا يا تقى، قوليلي سبتيني وروحتي فين ؟
قالها أوس بصوت منفعل للغاية ..
اختنق صوتها، وبكت بتحسر بعد أن أدركت صعوبة الرد عليه ...
فُتح باب الغرفة، ودلف شامل إلى الداخل ومعه مدبولي، ورمقها الاثنين بنظرات متفحصة، فتسائل مدبولي بصوت آجش وهو يقترب منها:
-هي دي الحالة يا ضاكتور ؟
إنتبه أوس إلى ذلك الصوت الرجولي الذي سمعه تواً عبر الهاتف، وأصغى بإنتباه تام له ...
رد شامل بفتور وهو يدعي البراءة:
-ايوه يا مدبولي.
أمسك مدبولي برسغ تقى، ولفه حول عنقه، ثم مرر ذراعه خلف ظهرها، واحنى نفسه للأسفل ليمرر الذراع الأخر أسفل ركبتيها، وهتف بنزق وهو يرفعها عن المقعد ليحملها:
-باين عليها مسلمة نمر على الأخر
إلتوى ثغر شامل إلتواءة خفيفة، ورد عليه بهدوء مصطنع:
-زي ما إنت شايف، جيالي خلصانة خالص!
ثم تحرك خلفه وربت على ظهره، وحدق في تقى بنظرات طامعة، وبرزت ابتسامة خبيثة من بين أسنانه وهو يتابع بمكر:
-خدها انت بس على العمليات خليني أنجز معاها، وأسقطها قبل ما آآآ... ما أفنش شغلي، وأحط لمستي الأخيرة!
نزلت كلمات ذلك الطبيب المقيت على سمع أوس كالصاعقة المهلكة، فشهق بصوت هادر:
-تقى!
بحثت فردوس عن مقعد شاغر لتجلس عليه بين المتواجدين في الإستقبال الخارجي بعد أن تخلت عن ابنتها، وأسلمتها لذلك الطبيب لينفذ رغبتها ..
فركت أصابع كفيها بتوتر وهي تطالع أوجه الجالسين، فرأت فيهم نظرات ابنتها المتوسلة لإنقاذها، فشعرت بغصة في حلقها، وبتأنيب الضمير، ولكنها حاولت إقناع نفسها أن ما فعلته هو الصواب، وأنه كان من أجل حمايتها وإنتشال عائلتها من بؤرة البؤس والشقاء ..
في نفس التوقيت، ولجت المرأة التي تم إنتهاك براءة أختها الصغرى إلى الإستقبال ومعها عدة رجال أشداء يحملون في أيديهم عصي غليظة وأسلحة بيضاء ...
رمقت تلك المرأة الحاضرين بنظرات متجهمة للغاية، وصاحت متسائلة بتشنج:
-فين الضاكتور النجس اللي اسمه شامل ؟!
انتبهت فردوس إلى صوت المرأة الغاضب، وحدقت فيها بقلق وهي تحاول فهم ما يدور ..
رأتها الممرضة السمراء، فخطت نحوها وهي عابسة الوجه، ولكنها لمحت الرجال المصاحبين لها، فإزدردت ريقها بتوتر، ثم أجابتها بحذر:
-إنتي .. انتي عاوزاه ليه ؟
ردت عليها بإنفعال وهي تحدجها بنظرات مميتة:
-جاية أخد حق اختي منه
أضاف رجل ما واقفاً بجوارها بنبرة عدائية:
-مش هانسيب تار بنتنا! وهندبحه!
شهقت فردوس مصدومة على إثر تلك العبارات المخيفة، ورمشت بعينيها بخوف ..
تباينت ردود أفعال المتواجدين ما بين هلع واضطراب كبير .. وسادت حالة من الهرج والمرج
صرخت المرأة بإهتياج وهي تشير بكف يدها:
-طربقوا المكان على اللي فيه لحد ما تجيبوا أم الضاكتور ده هنا!
هربت الممرضة السمراء من أمامها لتطلب المعاونة من زملائها في العمل ..
هبت فردوس من مكانها مذعورة، وأسرعت نحو تلك المرأة وسألتها بهلع:
-هو .. هو في ايه ؟
حدجتها المرأة بنظرات إحتقارية، ولوت ثغرها وهي تجيبها بإزدراء:
-في إن المستوصف ده بيشغل كلاب سعرانة مش دكاترة فيه بينهشوا لحم بناتنا واحنا مش دريانين
إتسعت حدقتي فردوس مصدومة، وسألتها برهبة:
-آآ.. قصدك ايه ؟
لكزتها المرأة في كتفها، ودفعتها بقوة للخلف مجيبة إياها بنفاذ صبر:
-هو أنا هارغي معاكي كتير، وسعي من سكتي خليني أشوف أمه ابن ال **** ده!
كذلك ركض بعض الممرضين وهم يحملون في أيديهم أدوات حادة نحو هؤلاء الرجال لمنعهم من إقتحام المستوصف، فنشبت بينهم مشاجرة عنيفة تحطم على إثرها الأثاث الموجود بالإستقبال ...
حاولت فردوس الإختباء منهم والنجاة ببدنها من بطشهم، وفي نفس الوقت الوصول إلى ابنتها، والهروب من هذا المكان قبل تطور الوضع للأسوأ، ولكن كان الرواق المؤدي لغرفة الطبيب يعج بالرجال المتلاحمين ..
فإنقبض قلبها، وزاد هلعها، و...
في قصر عائلة الجندي
في غرفة نوم مهاب
صاح مهاب بصوت غاضب ومخيف حينما فتح خزينته الخاصة وتفاجيء بخلوها بالكامل من محتوياتها ...
صفق بابها بعنف وهتف قائلاً وهو يكز على أسنانه بشراسة:
-عملتيها يا ليان وسرقتيني
ضغط على رأسه بكفه، وأضاف بنبرة مغلولة:
-مش بعيد أمك تهاني اللي وزتك تعملي فيا كده!
ثم كور قبضة يده في غضب، وضاقت عينيه بشدة، ثم أضاف بنبرة عدائية:
-مش هتلحقوا تتهنوا بالورق اللي معاكو، وأنا هاتعامل مع اللي عملتوه بطريقتي!
في الحارة الشعبية
لم يعرف أوس كيف نزل على الدرج بعد تلك العبارات القاتلة التي إستمع إليها من ذلك الرجل المجهول، ولكن تراءت له صورة تقى وهي واقعة تحت رحمة ذئب شرس ..
لقد شعر بأن روحه هي الموضوعة على المحك، وليست زوجته .. فقفز قلبه في صدره، وتلاحقت أنفاسة بهلع .. ركض نحو مدخل البناية، وتلفت حوله بنظرات زائغة...
لم يفهم عدي ما الذي أصاب رفيقه ليتحول وجهه للقتامة، وتشتعل عينيه كالجمرات .. فركض خلفه سائلاً إياه بتوجس:
-حصل إيه يا أوس، رد عليا!
وقعت عيني أوس على أحد الحارسين، فأسرع نحوه، وأمسك به من تلابيبه، وكاد يفتك به وهو يسدد له اللكمات المتتالية صارخاً بإهتياج:
-كنت فين ومراتي بتتاخد من هنا
لم يستوعب الحارس في البداية حديث رب عمله، وحاول صد لكماته وهو يتوسله:
-يا باشا، أنا .. أنا كنت واقف هنا ومحدش خرج، صدقني أنا آآ...
قاطعه أوس بصوت هادر منفعل للغاية:
-كداب، مراتي اتاخدت قدام عينيكم، هادفعكم التمن
تدخل عدي، وحاول إبعاده وهو يصيح قائلاً:
-سيبه يا أوس، فهمني في ايه ؟
وبالفعل نجح بمساعدة حارس أخر في تخليص الحارس من قبضتيه، وأرجعاه الاثنين للخلف، فتشنج أوس بعصبية زائدة، وصرخ بإختناق:
-تقى بتروح مين، هايموتوا ابني!
جحظ عدي بعينيه مصدوماً، وتسائل بهلع:
-مين بالظبط ؟!
رد عليه أوس بصوت صارخ ومحتد وهو يضغط على رأسه بكفيه:
-مش عارف، مش عارف!
في نفس التوقيت، تأبط الشيخ أحمد ذراع عم عوض وهو يخرجان من المسجد وسار ببطء في الحارة، وحدثه الأخير بصوت حزين:
-والله غرضي كان أصلح بينهم!
رد عليه الشيخ أحمد بهدوء:
-كويس انها جت على أد كده، واحد غيره كان اتعامل بإسلوب أسوأ، وخصوصاً إني عارف إنه مش متسامح، ولا من النوع اللي بيسيب حقه!
سأله عوض مستغرباً:
-وانت عرفت ازاي ده عنه ؟ وأنا .. وأنا مجبتش سيرته قبل كده، ده غير إني مش عارفه كويس!
رد عليه الشيخ أحمد بإبتسامة ودودة:
-يا راجل يا طيب، ده شخصية معروفة، وحكايته هو وبنتك اتقال عنها كتير في النت وعلى التلفزيون، فأنا لما شوفته عرفته على طول، وحبيت أرشده لطريق غايب عن فكره، وسبحان الله زي ما يكون كان مستني اللي ياخد بإيده، فعلاً (وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيم) ..!
تنهد عوض بإنهاك وهو يهز رأسه بخفة:
-اه والله!
ثم لمح الاثنين وجود صراخ حاد ومشادة كلامية من على بعد، فتسائل الشيخ أحمد بإهتمام:
-في ايه هناك كده ؟
تهدل كتفي عوض وهو يشرأب بعنقه محاولة رؤية المشادة بوضوح، وأجابه بصوت خافت:
-مش عارف
أشار الشيخ أحمد بعينيه، وهو يردد بجدية:
-بينا نشوف
وضع عدي قبضتيه على كتفي أوس محاولاً تثبيته وهو يقول بهدوء حذر:
-اهدى بس وفكر هاتكون راحت فين!
أزاح أوس قبضتيه بعنف، وصاح بعصبية زائدة وقد برزت مقلتيه من محجريهما بشراسة:
-بتقولي أهدى ازاي وهما هايموتوا ابني ومراتي!
سأله عدي بتوجس:
-مين بالظبط ؟
رد عليه بإنفعال أشد:
-ده اللي عاوز أعرفه!
ثم لوح بذراعه بغضب وهو يهتف بإهتياج:
-والبهايم اللي واقفين هنا زي قلتهم! مراتي اتخدت منهم وهما ولا دريانين!
إرتسم على ثغر الشيخ أحمد ابتسامة مهذبة وهو يلقي التحية قائلاً وملوحاً بكفه:
-السلامو عليكم
-في ايه يا بني ؟
تسائل عوض بريبة وهو يطالعه بنظرات متفحصة لتصرفاته المنفعلة ...
نفخ أوس من الضيق، ولم يعقب عليهما .. بينما ضغط عدي على شفتيه، وأجاب بإنزعاج:
-تقى مش لاقينها، وآآ...
قاطعه عوض قائلاً بإستغراب:
-هي كل ده مارجعتش من المستوصف ؟!
إلتفت أوس برأسه في إتجاهه، وهتف بإندهاش غريب وقد إرتفع حاجبيه للأعلى:
-مستوصف!
حرك رأسه إيجاباً وهو يتابع بهدوء:
-ايوه .. أمها خدتها تزور باين حد وأنا شوفتهم وهما رايحين ناحيته وآآ...
قاطعه أوس متسائلاً بصراخ منفعل:
-فينه المستوصف ده ؟
نظر له عوض بتعجب من إهتياجه الغير مفهوم بالنسبة له، وإستدار برأسه للجانب، ورفع ذراعه ليشير قائلاً:
-هو هناك من ناحية آآ...
قاطعه الشيخ أحمد قائلا بهدوء حذر:
-اعذرني على مقاطعتك يا عم عوض، أنا عارف مكانه، تعالى معايا وأنا هادلك عليه!
وبالفعل أسرع الجميع ناحية أحد الأزقة الجانبية ...