قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل الخامس والثلاثون

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 3 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل الخامس والثلاثون

( وانحنت لأجلها الذئاب )

في المستوصف الشعبي
في غرفة العمليات
أسند مدبولي تقى على الفراش الطبي الموضوع في منتصف الغرفة .. ووضع ذراعيها إلى جانبيها، وإلتفت ناحية الطبيب شامل، وسأله بفضول:
-هو الضاكتور بدران مش هايعمل العملية معاك آضاكتور ؟
رد عليه شامل بهدوء مصطنع وهو يرمقه بنظرات محتقنة:
-لأ .. دي عملية تخصني! عندك إعتراض ؟!

تابع مدبولي بعدم إكتراث وهو يشير بكفه:
-لأ يا ضاكتور، خد راحتك، و أني أعد برا، نادي عليا لما تعوزني!
ثم سمع الإثنين صوت صياح بالخارج، فأدار كلاهما رأسيهما نحو الباب، ومن ثم استطرد شامل حديثه قائلاً بإنزعاج:
-روح شوف الدوشة اللي برا، وخليهم يتلموا، احنا هنا في مستوصف، يعني في عيانين، وعمليات محتاجة تركيز!
هز رأسه بخفة وهو يردد بإمتثال:
-ماشي يا ضاكتور.

تابعه شامل وهو ينصرف من غرفة العمليات بعينين تلمعام ببريق لئيم، ثم خطى سريعاً نحو باب الغرفة، وأوصده من الداخل، وأدار جسده في إتجاه تقى الممددة على الفراش، و فرك كفيه بإشتهاء شاذ، وغمغم مع نفسه قائلاً بنبرة شهوانية:
-أول مرة تقع تحت إيدي حاجة نضيفة! وجيالي بمزاج أهلها، لأ وهاعمل اللي عاوزه معاها من غير ما حد يفتش ورايا!
أخذ هو نفساً عميقاً، وزفره على مهل، ثم اقترب من فراشها وهو مسلط أنظاره الجارحة عليها ..

بدت تقى في حالة لا وعي وهي تتمايل برأسها للجانبين ..
فقد تمكن المخدر منها .. وأصبحت في وضعية تحسد عليها ..
أمسك شامل برسغها .. وتحسس ملمس بشرتها .. ثم احنى رأسه عليها، وهمس في أذنها بنبرة أقرب لفحيح الأفعى:
-مش هاتحسي بحاجة، هانتبسط شوية قبل ما أريحك وأرتاح أنا كمان!

إرتد طرفي عينيها بحركة عصبية مذعورة وهي تحاول إبعاد وجهها عنه .. لكنه ثبته بكفه، وتابع بنبرة ماجنة:
-متخافيش، دي زي شكة الدبوس!
تقوس فمه بإبتسامة شيطانية عريضة، وإعتدل في وقفته، ومرر عينيه ببطء على جسدها ليتفحص ..
شعر بإثارة رهيبة تجتاحه وهو يتخيل ما سيفعله معها، وإزدرد لعابه بهوس مقزز ..

في الإستقبال
تفاجيء مدبولي بالشجار العنيف الدائر بالخارج، وصاح مصدوماً وهو يتوارى عن الأنظار:
-نهار اسوح! دي عاركة بالسيوف والشوم!
زاد تشابك الأيدي بين النساء وأخريات، وكذلك الممرضين مع رجال المرأة الغاضبة، وتحطم كل شيء بالخارج ...
شهق مدبولي مذعوراً حينما شعر بيد توضع على كتفه، وقفز في مكانه قائلاً بهلع:
-معملتش حاجة
-اسكت يا منيل، دي أنا!

قالتها الممرضة السمراء بخفوت وهي تكز على أسنانها بغيظ
رمقها مدبولي بنظرات إحتقارية، وهمس بسخط:
-هو انتي! قطعتي خلفي بوشك العكر!
حدجته بنظرات مشتعلة وهي تهمس مغتاظة:
-لم نفسك!
أشار برأسه متسائلاً بفضول:
-هو ايه اللي حاصل هنا ؟
ردت عليها بحذر:
-مش عارفة بالظبط، بس الحكاية فيها الضاكتور شامل
سألها بإهتمام وهو عاقد ما بين حاجبيه:
-عمل ايه ؟
ردت عليه بنبرة حائرة:
-بأقولك معرفش، بس الليلة مش هتعدي على خير

لمحت فردوس من مكانها الممرضة السمراء وهي تتحدث مع أحد الأشخاص، فتلهفت للركض نحوها، والسؤال عن ابنتها.. ثم الفرار بها من هنا ..
ولكن تعذر عليها فعل هذا بسبب التراشق بالمقاعد والأدوات الموضوعة في الإستقبال ..
صاحت المرأة بصوت جهوري غاضب وهي تلوح بذراعها:
-انت يا ضاكتور النجاسة، اطلعلي بروح أمك، مش هاسيبك النهاردة
ثم وقعت عينيها على الممرضة، وأشارت نحوها وهي تهتف بصراخ هادر:
-بنت ال *** دي هاتدلني عليك، جيبوهالي من شعرها.

انتفضت الممرضة السمراء في مكانها مذعورة، وصرخت مصدومة:
-يا نصيبتي، أنا ماليش دعوة!
ثم ركضت هاربة نحو الممر الداخلي ..
قررت فردوس أن تتحرك فوراً، وألا تظل قابعة في مكانها ..
وبالفعل ركضت وهي تحني جسدها للأمام نحو الباب المؤدي للممر ..
ولكن لسوء حظها ضربت رأسها بعصا غليظة من أحد الأشخاص، فصرخت متأوهة من الآلم، وسقطت على الأرض غارقة في دمائها ومتكورة على نفسها ...

نجح أحد الرجال بالإمساك بالممرضة السمراء، وتم جرها للخارج حيث توجد المرأة الغاضبة بالإستقبال ..
ألقاها الرجل عند قدميها، فصاحت الممرضة بخوف جلي:
-والله ما عملت حاجة، أنا عبد المأمور، أخري ألم فلوس الكشوفات
هدرت بها المرأة بصوت هائج:
-فين اللي مشغلك ؟
رفعت رأسها نحوها، وتلعثمت بهلع وهي تجيبها:
-ب.. بيبقى في مكتبه، ي ... يا في العمليات!
سألتها المرأة بصوت غليظ ومحتد:
-فينها العمليات ال *** دي ؟
أجابتها الممرضة دون تردد وقد إرتجف جسدها:
-هناك، أخر الممر على إيدك اليمين!

عند مدخل الحارة الشعبية
وصلت سيارة الحراسة الأخرى التي تقل ليان ووالدتها إلى مدخل الحارة، فترجلت الاثنتين منها، وأسرعت تهاني ناحية الحراسة المرابطة أمام مدخل البناية، وسألته بهلع:
-هو .. هو حصل ايه ؟
تسائلت ليان هي الأخرى بقلق بعد أن وقفت إلى جوارها:
-فين أخويا ؟

رد عليها الحارس بنبرة رسمية:
-معندناش خبر لسه يا هانم
-يا بني رد عليا، هو في ايه بالظبط ؟
أجابها الحارس بهدوء جاد وهو يشير بيده:
-كل اللي أعرفه إنهم راحوا ناحية مستوصف قريب من هنا!
لطمت تهاني على صدرها وهي تشهق برعب:
-مستوصف، يا ساتر يا رب!

نظرت ليان في إتجاهها، وسألتها بإهتمام جلي:
-في ايه يا مامي، انا مش فاهمة حاجة!
أمسكت تهاني بقبضته ابنتها، وأجابتها بخوف وهي تسحبها خلفها:
-تعالي بسرعة نلحق نشوف في ايه!
-استني يا ليان هانم، احنا جايين معاكو!
قالها أحد رجال الحراسة وهو يسرع في خطواته ليلحق بهما، ومن ثم لوح لرفاقه ليلحقوا به ...

على مقربة من المستوصف الشعبي
تأمل أوس بنظرات متأففة ذلك المكان الكريه الذي يتواجد به ذلك المستوصف، وإنقبض قلبه فزعاً حينما وقعت عينيه على مدخل المستوصف ورأى المشاجرة المحتدمة بين عشرات الأشخاص ..
صرخ أوس في أحد رجال حراسته قائلاً بصرامة وهو يشير بكفه:
-سلاحك بسرعة!
أشهر الحارس سلاحه الخاص من جرابه، وسلمه إلى رب عمله دون تردد .. فركض الأخير بصورة جنونية نحو المدخل وهو لا يرى سوى وجه تقى أمامه ...

بداخل غرفة العمليات
في نفس التوقيت، جذب شامل تقى من قدميها نحوه، ثم أبعدهما عن بعضهما البعض بعد أن تأكد من غيابها تماماً عن الوعي، وأنها لم تعد مدركة لما يدور من حولها ...
حدق هو فيها بنظرات ماجنة، وهمس بجموح:
-ساعة الحظ مع اللي زيك ماتتعوضش!
كان على وشك إزاحة عباءتها للكشف عن ساقيها وجسدها، ولكنه توقف عن فعل هذا حينما سمع الطرقات العنيفة على باب الغرفة ..
إنخلع قلبه فجأة، واضطربت أنفاسه بشدة، فقد ظن أن والدتها قد جاءت لرؤيتها ..

لذا أرخى قبضتيه عنها، و أسرع بربط سحاب بنطاله، وإرتدى معطفه الطبي، ودار حول الفراش ليقف أمام رأس تقى، ثم مرر ذراعيه أسفل كتفيها، وسحبها من إبطيها للأمام .. وعدل من وضعيتها على الفراش، ووضع على وجهها قناع الأكسجين الصناعي .. وجاهد ليضبط أنفاسه اللاهثة .. ثم أسرع بفرد الملاءة عليها ..
أغمض عينيه لوهلة، ومن ثَمَ تحرك بثبات نحو باب الغرفة، ووضع القناع الطبي الأبيض على أنفه، وصاح مدعياً الغضب وهو يفتح الباب:
-ده اسمه تهريج، في عمليات هنا وآآ...
توقف عن إتمام عبارته الأخيرة حينما وجد تلك المرأة أمامه، فقطب جبينه مندهشاً، وسألها بحدة:
-انتي مين وعاوزة ايه ؟

سألته بصوت متجهم للغاية ونظراتها القاتلة مسلطة عليه:
-انت شامل ؟
رمقها بنظرات ساخطة، ورد عليها بصوت محتقن من أسلوبها الفظ معه:
-اسمي الدكتور شامل، وآآ...!
لم تمهله الفرصة للإكمال، بل نبشت بأظافرها في وجهه، وخدشته بشراسة وهي تصرخ فيه بجنون مهينة إياه:
-آآآه يا بن ال **** يا نجس، بنات الناس مش لقية تعمل فيهم مابدالك يا قذر يا *****
تفاجيء شامل من حركتها المباغتة، فتأوه متألماً، ودفعها بقبضته للخلف وهو يصيح بحدة:
-انتي متخلفة يا ولية إنتي!

ثم تحسس وجهه بحذر، ورأى آثار الدماء عالقة بأطراف أنامله ..
لمحت المرأة بطرف عينيها تلك الفتاة الغائبة عن الوعي، فضاقت عينيها بإحتقان، وأدركت على الفور ما كان على وشك فعله معها، لذا هدرت بصوت غاضب وهي تدير رأسها للخلف:
-تعالوا يا رجالة هنا بسرعة، أنا لاقيت النجس الخسيس، هاتهولي ابن ال **** متكتف ومربعن برا.

اتسعت عينيه بخوف عقب جملتها المهددة .. وابتلع ريقه، وحاول البحث بعينيه عن مخرج للنجاة بنفسه قبل أن يقع تحت رحمتها، ولكنه كان محاصراً ..
ولم يستطع الهروب فقد تمكن بعض الرجال من الإمساك به، وإنهالوا على رأسه وجسده بالضرب المبرح، ثم سحلوه إلى خارج الغرفة ...
وقفت المرأة على العتبة ترمقه بنظرات ساخطة، ثم بصقت فوقه بإشمئزاز جلي، ومن ثم عاودت النظر إلى تلك المغيبة ..
وسارت نحوها لتتفقدها .. ولكنها تسمرت في مكانها مذعورة حينما سمعت صوت طلقات نارية تأتي من الخارج، فأدارت رأسها نحو الباب، و ...

في المستوصف الشعبي
اقتحم أوس مدخل ذلك المستوصف المتدني في خدماته بقوة وإنفعال محاولاً المرور بين أجساد الرجال المتلاحمين، ولحق به عدي ورجال حراسته الخاصة، وكذلك الشيخ أحمد ..
كان الإستقبال مسدوداً، وتعذر عليه الدخول، واستمر التراشق بين المتواجدين بكل ما تطاله أيديهم، فتراجع مسرعاً للخلف، ورفع السلاح الذي بحوزته للأعلى، وأطلق عدة أعيرة نارية في الهواء .. فتوقف الجميع عن الإقتتال، وحدقوا به بإستغراب .. وظنوا من هيئته الراقية أنه من رجال المباحث ..

تدخل أفراد الحراسة، وبدأوا في تفريق الجموع بعنف وقوة، ومع هذا استمر السباب والتطاول بالألفاظ الجارحة ...
مرر أوس عينيه على أوجه الجميع باحثاً عن تقى بينهم، وخاصة بين السيدات المتواريات في الخلف .. فلم يجدها بينهن، فقفز قلبه رعباً في صدره، وتلاحقت أنفاسه برهبة واضحة ..
إتسعت حدقتيه بفزع كبير حينما وقعت عينيه على فردوس المنكبة على وجهها على الأرضية، فركض نحوها، وجثى على ركبته أمامها، وسألها بهلع وهو يحاول رفع جسدها للأعلى:
-ايه اللي حصل، وفين تقى ؟

تراخى جسدها ومالت برأسها للأمام، وتأوهت بصوت مكتوم ..
فتأمل هو تلك الدماء التي تغطي جبينها بذعر واضح على تعابير وجهه .. وسألها مجدداً بخوف:
-حصل ايه ؟ مراتي فين ؟
ظلت فردوس تئن بخفوت، وأجابته بصوت ضعيف وهي تشير بإصبعها:
-الحق ..آآآ.. الحقها هي .. هي جوا!

نظر أوس إلى حيث أشارت بإصبعها .. ثم أسندها على الأرضية بحذر، وركض نحو الممر الجانبي ..
رأى عدي ذلك المشهد الدامي، فأخرج هاتفه المحمول وهاتف – دون تردد - شرطة النجدة على الفور ..
وقف الشيخ أحمد في مكانه يضرب كفاً على الأخر بتحسر وهو يردد:
-لا حول ولا قوة إلا بالله! لا إله إلا الله! إيه اللي بيحصل هنا ؟!
وصل العم عوض إلى المستوصف وهو مذهول مما يراه ..
لم يتخيل أن يتحول ذلك المكان المعروف عنه بمداواة المرضى من الفقراء والمحتاجين إلى ساحة للحرب ... لكن لم يطرأ بباله أن تكون زوجته شريكة في إلحاق الأذى بإبنته الوحيدة ..

ركض أوس عبر الممر باحثاً بجنون عن زوجته تقى، شعر وكأن عقله قد غاب تماماً عنه ..
لم يعرف إلى أين يذهب وأين يبحث عنها، فالغرف كثيرة، وهناك عدة ممرات جانبية متشعبة ..
انتبه هو إلى تلك الأصوات الغاضبة، فأدار رأسه للخلف، وتحرك نحو مصدرها، فرأى عدة رجال يسحلون طبيباً على بطنه، ويركلونه بعنف وهم يتعمدون إهانته ..
صرخ شامل مستغيثاً وهو يتآلم من تلك الضربات الشرسة:
-آآآآه، هاموت في ايدكم، آآآه!
نظر لهم أوس بنظرات محتدة وسألهم بإنفعال:
-ايه اللي بيحصل هنا ؟

رمقه أحدهم بنظرات عدائية وهو يصيح فيه بغلظة:
-ملكش فيه! ووسع من سكتنا بدل ما تتكوم جمبه
إستشاط أوس غضباً من طريقته المهينة، ورفع سلاحه في وجهه وهو يصرخ فيه بغضب جم:
-هاتكون ميت قبل ما تعملها
لحق عدي بأوس، ورأه وهو مشهر سلاحه في وجه بعض الغرباء، فصاح بقوة وهو يتجه نحوه:
-أوس ماتتهورش، البوليس جاي دلوقتي وهايتعامل مع الأشكال دي كلها!

أضاف رجل أخر بصوت محذراً وهو يلوح بذراعه التي تحمل عصا غليظة:
-بص يا أخ إنت وهو، إحنا مالناش دخل بيكم، كل اللي يهمنا النجس ده، ومسكناه
صاح شامل مستغيثاً بتوسل:
-الحقوني، ه.. هايموتوني!
صاح أوس بصوت جهوري متعصب وقد إحتقنت عينيه بشراسة:
-ولا ده ولا مليون غيره يفرقوا معايا، أنا بأدور على مراتي هنا!
انضمت المرأة إليهم على إثر صوتهم المرتفع، وهتفت بتذمر غاضب:
-هو الكلب ده لسه هنا ؟ مطلعتوش بيه برا ليه ؟!

أجابها أحدهم بصوت محتقن:
-الأخ ده مانعنا
ضيقت المرأة عينيها، وهدرت بعصبية:
-والله لو جابولك مين يا **** يا ****، محدش هايحوشك من ايدي!
أضاف عدي قائلاً بتحذير وهو يرمقها بنظرات قوية:
-اسكتي يا ست انتي واعرفي بتتعاملي مع مين!
صاح بها أوس بصوت مخيف:
-أنا عاوز مراتي، مش عاوز الكلب ده
رددت المرأة بصوت متعجب:
-مراتك!

تابع بنبرة عدائية وقد أظلمت عينيه:
-ايوه، ومحدش هيتحرك من هنا قبل ما أعرف هي فين!
أضافت المرأة بلا وعي وهي تفرك جبينها:
-تكونش هي البت اللي مفرفرة جوا، ولحقتها قبل ما النجس ده يعمل فيها زي ما عمل في اختي، وآآ...

وقعت كلماتها كالطعنة النافذة في صدر أوس، فتلونت مقلتيه بحمرة مخيفة، وبرزت عروق وجهه بشراسة جلية، وربط سريعاً بين ما سمعه عبر هاتف تقى، وبين حديث المرأة الغاضبة، فقاطعها بصوت هادر وقوي:
-هي فين ؟
انتفض جسدها للحظة من صوته المتشنج، وأدارت رأسها للخلف، وأشارت بذراعها وهي تجيبه بحذر:
-أخر الطُرقة دي!
حدج أوس شامل بنظرات مميتة، وصاح بصوت صارم لعدي:
-الكلب ده يخصني أنا كمان، مايتسابش إلا لما أحاسبه!

هز رأسه موافقاً وهو يجيبه بإيجاز:
-ماشي
اعترضت المرأة قائلة بتذمر:
-لألألألأ ... ده يخصني، قسماً بالله ما هاسيبوه من إيدي قبل ما أخلص حق اختي!
لم يصغْ أوس إليها، بل صاح مجدداً بصوت متصلب في عدي:
-سامعني ياعدي، ده يخصني وبس!
رد عليه رفيقه بحذر محاولاً تهدئة ثورته الغاضبة:
-حاضر .. حاضر!
ثم ركض أوس بخطوات سريعة إلى حيث أشارت ..

وصل الطبيب بدران إلى المستوصف، وتفاجيء بالتجهمر الكبير أمام مدخله، فتسائل بإنزعاج:
-في ايه هنا ؟ ده مستوصف مش آآآ...
-امسكوه الكلب ده كمان!
قالها أحد الأشخاص مقاطعاً إياه بصوت آجش ومنفعل
إستدار بدران إلى مصدره، وتفاجيء بمن يضربه بعصا غليظة على كتفه، فطرحه أرضاً وهو يصرخ من قوة الضربة ..
تسمرت تهاني في مكانها مذعورة مما رأته، وتمسكت بإبنتها وهي تشهق قائلة بهلع:
-يالهوي! إيه اللي بيحصل هنا ؟!

جابت بعينيها المكان باحثة عن أوس، فرأت العم عوض وهو يقف في الخلف، وإلى جواره الشيخ أحمد، فضغطت على أصابع ابنتها، وهتفت فيها بقلق بالغ:
-عمك عوض واقف هناك أهوو ..!
ثم سارت الإثنتين بخطى سريعة نحوهما .. وما إن أصبحت تهاني على مسافة قريبة حتى هتفت بصوت مرتفع:
-يا عم عوض، ايه اللي حاصل عندك ؟
إلتفت عوض برأسه نحوهما، وأجاب بصوت منزعج:
-مش عارف والله، بس الدنيا مقلوبة جوا
أضاف الشيخ أحمد قائلاً بتوتر:
-ربنا يسترها على عباده.

تسائلت تهاني بتلهف وهي تتفرس تعابير وجهه:
-طب فين أوس ؟
أجابها عوض بهدوء زائف وهو يشير بعكازه:
-جوا مع فردوس وتقى
جحظت بعينيها مشدوهة، وسألته بقلق جلي:
-اييييه ؟ وهما ايه اللي جابهم هنا ؟
تهدل كتفيه وهو يجيبها بحيرة:
-محدش عارف لسه!

تسارعت دقات قلب أوس بعد أن وصل إلى وجهته المنشودة .. ولهث بصعوبة وهو يحاول ضبط أنفاسه على عتبة باب غرفة العمليات ..
إزدرد ريقه بخوف وهو يدلف إلى الداخل حيث إلتقطتها عينيه المحتدتين ..
همس بإسمها وقلبه يكاد يخرج من بين ضلوعه:
-ت.. تقى!
وقف أمام الفراش الطبي، ونظر إلى وجهها المغطى بقناع الأكسجين بهلع، ثم أزاحه ببطء، وتأمل ملامح وجهها المتشنجة برعب واضح على قسماته .. ثم تحسس وجنتها بحذر، وهمس لها بصوت خائف:
-ت.. تقى، أنا .. أنا هنا جمبك!

ألقى نظرة سريعة على جسدها بعد أن أزاح الملاءة من عليها، وتفحصها بهلع ليتأكد من عدم إصابتها بمكروه، وتنفس الصعداء لعدم وجود أي جرح أو نزيف بها، فانحنى عليها ولف ذراعيه حولها، ورفعها إلى صدره ليضمها بشغف كبير إليه .. وتابع بصوت شبه مختنق:
-متخافيش يا تقى، محدش هايعملك حاجة، أنا معاكي!
ثم أحاطها بذراعيه ليحملها، وعاد مسرعاً من حيث أتى، وعينيه لم تبرحا تأمل وجهها الساكن ...

وصلت عدة سيارات إسعاف خارج المستوصف، فخفق قلب تهاني بقوة، وتسائلت بلهفة:
-هما .. هما جايين هنا ليه ؟
استطرد الشيخ أحمد حديثه قائلاً بتوجس:
-سترك يا رب، جيب العواقب سليمة
أضاف عوض بقلق واضح:
-قلبي مش مرتاح، حاسس إن في كارثة جوا!
تسائلت ليان بإهتمام وهي تحاول رؤية ما يحدث بالداخل:
-هو فين أوس وتقى ؟

أفسح بعض الأشخاص الطريق للمسعفين ليحملوا المصابين إلى الخارج، فشهقت تهاني بهلع ولطمت على صدرها حينما رأت فردوس من ضمنهم ..
أسرعت هي خلفهم وهي تهتف بخوف:
-فردوس، جرالك ايه ياختي ؟
ضيق الشيخ أحمد عينيه قائلاً بإنزعاج:
-لا حول ولا قوة إلا بالله، هاتروح ورا مراتك يا عم عوض ؟
نظر له بجمود، وهز رأسه نافياً وهو يقول بفتور:
-مش قبل ما اطمن على تقى!
تسائلت ليان بحيرة وهي تتلفت حولها:
-هما .. هما رايحين فين ؟
-خليكي هنا يا بنتي
رد عليها عوض بجمود غريب وهو يشير بعكازه لها ...
ضغطت ليان على شفتيها بضيق، ولم تبرح مكانها، ولكن كان الفضول يقتلها لمعرفة ما الذي يدور بالداخل ...

إنهالت المرأة بحذائها القاسي على رأس شامل بعد أن تم تقييده من يديه وقدميه، وركلته في معدته وهي تصرخ بشراسة:
-مش هارحمك، وهاخلص ذنب اختي منك!
أضاف أحد أقاربها قائلاً بحنق:
-عنك انتي، اومال احنا هنا ليه!
تدخل عدي قائلاً بتحذير شديد اللهجة:
-محدش هيلمسه قبل ما يجي أوس باشا
لوت المرأة ثغرها قائلة بإحتجاج:
-لا بشوات ولا بهوات، احنا هناخد بتارنا منه الاول!

أشار عدي بكفه لأفراد الحراسة الخاصة بالتدخل فوراً وتكوين حاجز بشري أمام ذلك الطبيب .. فتذمر الرجال وكانوا على وشك الصدام معاً، ولكن صاح بهم عدي قائلاً بصوت جهوري:
-الكل هيستنى لحد ما يجي الباشا!
خرج أوس إلى الاستقبال حاملاً تقى بين ذراعيه، فأسرع إليه عدي متسائلاً بقلق واضح وهو يتفحص وجهها:
-هي مالها ؟ حصلها ايه ؟
رد عليه أوس بنبرة ممتعضة:
-مش عارف لسه، بس هحاسب اللي عمل فيها كده
هتفت المرأة بغيظ وهي تقترب منهم:
-بص يا جدع إنت، ابن ال **** ده كان ناوي يعمل في مراتك حاجات استغفر الله العظيم وآآ...

قاطعها شامل بصراخ مختنق:
-كدابة، أمها هي اللي جابتها عشان تسقطها، وأنا كنت هاعملها العملية وبس!
شخصت أبصار أوس عقب تلك العبارة الصادمة، وإحتقنت عروقه بشدة حتى كاد وجهه يتحول لقنبلة موقوتة على وشك الإنفجار في أي لحظة ..
للحظة توقف عن التنفس، وشعر بعجز تام في أوصاله .. ولكنه نجح في التغلب على صدمته، وأفاق من حالة الشلل المؤقت التي إنتابته ..

لقد آلمه بعنف التفكير في كونه من وافق من البداية على أرسلها إلى والدتها لزيارتها، نعم ..تلك التي خانت ثقتها، وكادت أن تودي بحياتها وحياة جنينه ..
شعر عدي بحالة رفيقه والذي بدى في حالة مريبة للغاية خاصة وأن الطعنة الغادرة جاءت من أقرب الناس إلى زوجته، فخشى عليه أن يتهور ويرتكب أي حماقات وهو في أوج غضبه .. لذا هتف بنزق:
-أوس خد تقى على الدكتورة بتاعتها وآآآ...

قاطعه أوس وهو يكز على أسنانه بشراسة أشد:
-خدها مكاني على عيادة بارسينيا، وانا هاحصلك
اعترض عدي متضرعاً له بعد أن رأى تحول عينيه للإظلام التام، وتجمد تعابير وجهه:
-يا أوس ما آآ...
قاطعه أوس مرة أخرى بصوت آمر وأكثر تصلباً:
-اسمع الكلام!
هز عدي رأسه مستسلماً، فقد أدرك أن أي محاولة لإقناع أوس بالعكس لن تفلح معه، فقد سبق السيف العذل ...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة