رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل الثاني والعشرون
( وانحنت لأجلها الذئاب )
في منزل عبد الحق بالزقاق الشعبي
دست إحسان يدها في جانب الأريكة، وسحبت منه عبوة بلاستيكية صغيرة مجهولة الهوية وغير متضح معالمها، ومدت بها يدها نحو ابنها وهي تقول بلؤم:
-خد الوصفة دي ياض
تناولها منها عبد الحق، ونظر لها متفحصاً إياها وهو يديرها بأصابعه، وتسائل بفضول:
-وصفة إيه دي ؟!
أجابته بنبرة واثقة وعينيها تلمعان ببريق مخيف:
-دي ياخويا كريم أبصر ايه معمول من الأعشاب الطبيعية، حاجة لزوم السعادة الزوجية
فغر فمه بإستغراب:
-هاه!
بينما تابعت بجدية وهي تربت على فخذه:
-وكل اللي جربها ربنا كرمه!
سألها مستفهماً وهي قاطب جبينه:
-ودي مين قالك عليها ؟
أجابته بمكر وهي تضيق عينيها:
-الولية أم نجاح الداية، وجايبها من واحد مخصوص بيعملها بس للي عاوز!
إزدرد ريقه وهو يسألها بإهتمام:
-هاه، ودي .. دي آآ.. مضمونة ؟
لوحت بيدها وهي تجيبه بتفاخر:
-إلا مضمونة، دي متجربة، وجابت نتيجة مع نسوان كتار
حك طرف ذقنه، وتسائل بفضول أكبر وهو يدقق النظر في العبوة:
-وآآ.. ودي استخدمها ازاي ؟
إلتوى ثغرها وهي تردد بهمس:
-انت تدعك بيها ايدك كويس قبل ما تخش على مراتك، والمحروسة تدهن بيه جسمها من تحت، وآآ.. وهتدعيلي!
مسح عبد الحق طرف أنفه، وفكر للحظة في محتويات تلك العبوة، وما قد تسببه من أضرار لزوجته .. خاصة أنه يتوقع سوء نية والدته، لذا ضيق عينيه بشدة متسائلاً بقلق:
-انتي متأكدة يامه إنها مش بتعمل مشاكل ؟
صاحت به إحسان بصوت شبه متعصب:
-يا واد بأقولك وصفة طبيعية من الأعشاب، ومن الطب النبوي
ثم مدت يدها لتختطف منه العبوة وهي تضيف بضيق زائف:
-ولو مش مصدق هاتها، خسارة فيك وفيها
أبعدها عن يد والدته، وهتف بإصرار:
-خلاص يامه، هاخدها!
تقوس فمها بإبتسامة مخيفة، وهمست بشماتة:
-جربها، وأنا أوعدك مش هاتندم
ابتلع ريقه وهو يرد عليها بإيجاز:
-ربنا يستر!
في منزل تقى عوض الله
حدج مهاب الجندي فردوس بنظرات جارجة وهو يقف على عتبة منزلها مردداً بصلابة:
-انتي فردوس ؟
أجابته بتلعثم وهي تهز رأسها إيجاباً:
-اه، أنا! إنت .. إنت بقى مين ؟
أكمل مهاب حديثه بغموض دون أن تطرف عينيه القاسيتين:
-أنا مهاب الجندي، طليق تهاني أختك، أكيد سمعتي عني!
شهقت بصدمة وهي جاحظة العينين:
-هاه، إنت أبو آآ...
قاطعها بصوت قاسي ونظراته القاتمة تتأملها بإحتقار:
-أيوه، وأبو أوس الجندي، غني عن التعريف طبعاً!
توقف للحظة ليكمل بعدها بصوت جاد يحمل الغموض:
-و جايلك انتي وبس، ولمصلحتك تسمعيني، ده لو عاوزة تستفيدي!
أثارت تلك الكلمات المقتضبة إهتمامها، وبدت غير معترضة، فتابع قائلاً بهدوء:
-ها ينفع نتكلم هنا ولا ..آآ
إشرأب بعنقه للأعلى ليضيف بحذر:
-ولا في حد تاني معاكي ؟
إزدردت ريقها بتوتر وهي تهز رأسها نافية ..
لا إرادياً تنحت جانباً .. وأفسحت له المجال ليمر، فقد إستشعرت وجود شيء ما سوف تستفيد منه، خاصة وأنه يقصدها هي فقط ...
خطى مهاب للداخل وهو ينظر حوله بإحتقار، فالمكان لا يليق بمستواه الراقي، ولا بمكانته المرموقة في المجتمع .. فبالنسبة له هذا المنزل المتواضع ما هو إلا بالوعة تجتمع فيها القاذورات .. ولكنه كان مضطراً للمجيء إلى هنا من أجل إنهاء كل المشاكل العالقة كما إعتاد أن يفعل بنفسه ..
أغلقت فردوس الباب بهدوء بعد أن تطلعت بعينيها للخارج بتتأكد من عدم متابعة أي أحد لها من الجيران .. ثم إستدارت لتنظر ناحيته وتسائلت بتوتر:
-إنت .. انت عاوز مني ايه ؟
زم فمه ليبدو التأفف واضحاً على تعابيره الجامدة، وأجابها بتريث:
-مليون جنية ليكي انتي وبس لو نفذتي اللي هاطلبه منك بالحرف!
إنفرجت شفتيها في عدم تصديق وهي تردد بتلعثم:
-هاه .. مليون جنية.
أومأ برأسه وهو يجيبها بثقة موجزة:
-ايوه
تداخلت أفكارها، واضطربت بعد سماع هذا المبلغ الضخم .. فسألته مستفهمة:
-بتوع ايه دول ؟ وعشان ايه ؟ واشمعنى أنا وآآ...
رفع يده أمام وجهها ليخرسها عمداً، وقائلاً بصرامة:
-ششش .. هافهمك كل حاجة، بس بشرط، لو وافقتي هتتفتحلك أبواب السعادة والهنا، وهاتشوفي اللي عمرك ماشوفتيه معايا.
اقترب منها خطوة واحدة ليضيف بتهديد جامح:
-أما إذا رفضتي، وده حقك طبعاً، إستعدي للجحيم اللي عيلتك هاتشوفه!
ابتلعت ريقها بخوف، ورمشت بعينيها وهي تردد:
-هاه، إنت آ..
أردف قائلاً بشراسة وهو يحدجها بنظراته الجارحة:
-انتي بإيدك تختاري!
اضطربت وهي تسأله بحيرة:
-وطلباتك دي ايه ؟
تقوس فمه بإبتسامة شيطانية وهو يجيبها:
-هو طلب واحد بس!
سألته بقلق وهي محدقة به:
-ايه هو ؟
صمت لبرهة، ومن ثم أجابها بصوت قاتم:
-بنتك تجهض اللي في بطنها
إتسعت عينيها رعبت، وشهقت بإسمها بفزع:
-تقى!
إستأنف حديثه بمكر وقد برقت عينيه ببريق شرس:
-ايوه، وهتاخدي مليون جنية لو نفذتي ده .. شوفي بقى لما يكون معاكي الفلوس دي كلها هاتعملي ايه بيها!
تقطع صوتها وهي ترد عليه:
-بس .. بس ده ضناها وآآ..
أولاها ظهره، ودس يده في جيب بنطاله، وقاطعها ببرود قاسي:
-كده كده هي مش هتولد أًصلاً، فتجهض على ايدك انتي أحسن ما تجهض على ايدي وتخسري بنتك خالص، والفلوس وكل حاجة!
سألته بحدة زائفة وهي تتابعه بنظراته المرتعدة:
-ده تهديد ؟
أدار رأسه في إتجاهها، وأجابها بعدم إكتراث وهو يهز كتفيه:
-سميه تهديد، إتفاق، مش هاتفرق، المهم تفكري وتختاري!
زادت حيرتها وخوفها على حياة ابنتها، وأدركت مدى الخطر المحدق بها، فحاولت أن تستفهم أكثر منه، ولكن عجزت الكلمات عن الخروج من فمها .. فمن يقف أمامها ليس بشخص عادي، وإنما شيطان تجسد في هيئة بشري ..
جف حلقها وهي تجاهد للحديث ب:
-أنا .. أنا.
إتجه ناحية الباب، وأشار بيده وهو يضيف بهدوء قاتل:
-أنا لو خرجت برا باب البيت ده هاعتبر الإتفاق لاغي، فقرري الوقتي، بس اعملي حسابك بنتك مش هايطلع عليها نهار، هي تحت رحمتي!
-آآ..
راقبها مهاب بتلذذ، فقد أصاب رأيه فيها، هي امرأة هشة، لن تتحمل أي ضغط، وستنهار أمام تهديداته القوية ..
أخذ نفساً عميقاً، وزفره بهدوء وهو يتابع بعدم إكتراث:
-واضح كده إنك مش عاوزة تتفقي، اعتبري اللي قولناه لاغي، وآآ...
قاطعته بصوت لاهث وبلا أدني تفكير:
-ماشي .. أنا موافقة!
إلتوى فمه بشدة، وهتف بإيجاز:
-تمام!
ازدردت ريقها بندم، فقد قايضت جنين ابنتها بحياتها، وقبلت بالثمن الباهظ الذي عرضه عليها ..
هي وقعت بين خيارين، واختارت أقلهما ضرراً من وجهة نظرها، وما سيعود عليها بالنفع في النهاية .. فتلك الزيجة لم يأتي من ورائها إلا المصائب .. والأفضل أن تنتهي أي روابط مع تلك العائلة المتسلطة حتى لو كان الأمر على حساب إبنتها ..
خشيت فردوس أن يكون ذلك الرجل يستغل جهلها، ويدبر لها مكيدة، فتسائلت بقلق:
-بس .. بس إيه اللي يضمني إنك آآ.. إنك هاتدفع ومش نصباية منك ؟
دس مهاب يده في جيب سترته الداخلي، وأخرج ورقاً مطوية منه، ثم مد ذراعه نحوها، وتشدق قائلاً:
-ده شيك بنص المبلغ معاكي، تقدري تصرفيه من النهاردة لو عاوزة!
اختطفت فردوس ( الشيك ) منه، وحدقت فيه بنظرات مذهولة وهي تعد تلك الأصفار التي تملأ الفراغ به ..
غمغمت بعدم تصديق وهي تقرأ ما دون فيه .. ولكن قطع فرحتها صوت مهاب المهدد:
-بس لو خالفتي الإتفاق يبقى استحملي انتي وبنتك وجوزك اللي هيجرالكم
إرتسم على ثغرها ابتسامة راضية وهي تردد:
-اطمن .. أنا .. أنا عند كلمتي!
سيطرت حالة من الثقة على مهاب بعد أن عقد مع تلك المرأة ( اتفاق الشيطان ) من أجل التخلص ممن أفسدت حياة ابنه، وأبعدته عنه ..
في سيارة أوس الجندي
جلست تقى في المقعد الخلفي، وحدقت بالنافذة الملاصقة لها ..
وعلى قدر الإمكان تحاشت النظر إلى أوس الجالس إلى جوارها، وإستندت بطرف ذقنها على مرفقها ..
كانت السيارة قد تحركت بهما قبل قليل نحو وجهتها .. وتبعت السيارة سيارة حراسة خاصة لتأمين الحماية لهما ..
تجسد أمام مخيلة تقى تلك اللحظة العابرة التي اختطف فيها قبلة منها ..
أغمضت عينيها لتبعد المشهد عن تفكيرها ..
توردت وجنتيها خجلاً .. ودت لو قاومته وإستنكرت فعلته تلك حتى لا يظن بها الظنون ..
لكن ذلك التخبط الذي يشوب مشاعرها يجعلها حائرة ما بين القبول والرفض ..
تنهدت بصوت مسموع، ومطت شفتيها وهي تضغط عليهما ..
كما تردد في عقلها صدى كلماته الأخيرة عن مقابلة أخته .. تلك الصغيرة التي لم ترها من قبل، واليوم تلتقي بها كزوجته ..
هي لم تعرف عنها إلا من حديث عفاف عنها حينما أخبرتها بإيجاز ب...
وقفت تقى حائرة أمام خزانة ملابسها محاولة إنتقاء ما ترتديه، فعاونتها المدبرة عفاف في إختيار كنزة طويلة من اللون القرمزي، وبنطال من الجينز لترتديهما ..
سألتها تقى بإرتباك وهي تنزع ثيابها المنزلية:
-هي.. هي ليان دي حلوة ؟
أجابتها بإبتسامة مشرقة:
-زي القمر
سألتها تقى بإهتمام وهي تعيد رأسها للخلف:
-طب .. طب هي عاملة إزاي ؟ يعني هي بتتعامل مع الناس بأنهي اسلوب وآآ...
قاطعتها عفاف بنبرة مطمئنة:
-متقلقيش منها، دي دلوعة، وفرفوشة، وتتحط على الجرح يطيب!
ثم تنهدت بحزن وهي تتابع بأسف:
-بس حظها وحش، الدنيا جنت أوي عليها، وخيبت آمالها، ربنا يعوض عليها، ويعينها في اللي هي فيه!
أصغت تقى لما قالته، وشعرت أنها مرت بمأساة ما، ولكنها لم تحاول التطرق إلى تفاصيل أكثر دقة، فما يشغل تفكيرها الآن هو ردة فعلها حول هذه المقابلة الغير متوقعة ..
أغلقت سحاب بنطالها الجينز، وجلست على طرف الفراش لترتدي حذائها، وتسائلت بحذر:
-هو احنا هانشوفها فين ؟ أصل آآ.. أوس مقاليش!
ردت عليها عفاف بجدية:
-أكيد في المستشفى
قطبت تقى جبينها بإندهاش، وحدقت فيها بنظرات حائرة، وتسائلت بعدم فهم:
-مستشفى! هي عيانة ؟!
زفرت عفاف بصوت مسموع مكملة ب:
-يعني .. حاجة زي كده، ربنا يزيح عنها
تنهدت مجدداً بحرارة، والتوتر يسيطر على تفكيرها بالكامل، هي تخشى من تلك المقابلة، فكلتاهما سترى الأخرى لأول مرة .. وبغض النظر عن كونها شقيقة زوجها، إلا أنها في نفس الوقت ابنة خالتها التي تحبها .. فهل هي الأخرى تعرف تلك الحقيقة أم أنها ستتفاجيء بها ؟
لاحظ أوس شرودها، فإبتسم إبتسامة عذبة وقد خمن إلى حد كبير سببه ..
فإيماءاتها العفوية، وحركة أصابع كفها المتوترة أكدت له إحساسه .. قربها منها ينعكس عليها بشدة، ويحد أثراً في نفسها ..
حاول أن يخفف حدة إرتباكها بتقديم هدية لها ..
-اتفضلي
قالها أوس وهو يمد يده بعلبة بيضاء مغلفة بشريط ستان أحمر ..
نظرت تقى إلى العلبة بإندهاش، وتسائلت وهي ترفع رأسها في إتجاهه:
-ايه دي ؟
أجابها بإيجاز:
-عشانك!
عضت على شفتها السفلي وهي تهز رأسها معترضة لتقول:
-بس أنا .. أنا مش عاوزة حاجة
إبتسم لها إبتسامة باهتة وهو يرد بجدية:
-مش لازم تعوزي عشان أجيبلك، دي ليكي!
-أنا آآ..
تجمدت تعابير وجهه قليلاً، وبرقت عينيه وهو يقاطعها بصوت آمر رغم هدوئه:
-خديها، دي بالأمر!
إزدردت ريقها بخوف، وأخذت منه العلبة بيد مرتعشة لتتفقدها ..
كانت العلبة تحتوي على هاتف محمول على أحدث طراز ..
أخرجته من وضعه، ورفعته للأعلى لتهتف بإندهاش وهي تتأمله:
-ده ليا ؟
أومأ بعينيه وهو يراقبها بإهتمام، وأجابها بإيجاز:
-أكيد
تدلى كتفيها للأسفل، وسألته بنزق:
-بس أنا هاعمل بيه ايه ؟
رد عليها بجدية وهو محدق بها:
-تكلمني وأكلمك
فغرت ثغرها، ورمقته بنظرات متعجبة، فتابع قائلاً بنبرة متريثة:
-مستغربة ليه ؟ ده الطبيعي! المفروض يكون معاكي موبايل عشان أما أعوزك أكلمك، وانتي برضوه كده
بررت موقفها قائلة بفتور:
-بس انا معرفش حد عشان أكلمه عليه، ومافيش حد في عيلتي معاه موبايل إلا آآ...
خشيت أن تنطق بإسم خالتها فتثير حنق أوس، فإقتضبت حديثها .. وضغطت على شفتيها بإرتباك ...
جذب أوس المحمول من يدها، وأدار جسده في إتجاهها ليضيف بجدية مفرطة:
-بصي يا تقى في حاجات كتير لازم تتعودي عليها معايا، من ضمنها وجود موبايل، ممكن مايفرقش معاكي، ولا مع عيلتك، بس معايا هو مهم، لما أحب أطمن عليكي هاكلمك عليه، وانتي كمان!
تلعثمت قائلة وهي ترمش بعينيها بتوتر:
-بس .. بس أنا مش بأعرف أستخدمه
تقوس فمه بإبتسامة خطيرة، وغمز لها وهو يتابع بثقة:
-هاعلمك عليه، وده سهل جداً على فكرة
أمعنت تقى النظر في شاشة الهاتف، واقترب أوس أكثر منها حتى إلتصق كتفه بظهرها، فبدى أنه يحتويها أكثر من محاولته شرح طريقة إستخدامه ..
لم تنتبه إلى ذراعه الذي إلتف حول كتفيها ليضمها إليه، و
أكمل قائلاً بتسلية:
-هو مش متسجل عليه أي أرقام إلا اسمي، وبتجيبه من القايمة دي!
هزت رأسها وهي تردد بخفوت:
-أها
ابتسم أوس أكثر .. هي لا تهابه كما كان .. تتصرف بصورة أكثر طبيعية .. فزادت سعادته ..
أشار بإصبعه على شاشة الهاتف مضيفاً بمزاح:
-مكتوب عليه اسمي، أوس .. شايفاه
هزت رأسها بخفة وهي تهمس:
-اها
إستأنف قائلاً بمكر:
-اسمي متسجل أوس بالعربي
ردت بإيجاز وهي تنظر له بإندهاش:
-طيب.
ضغط بأصابع كفه على ذراعها، وهمس لها بتسلية أكبر:
-طب أ، و، س تبقى ايه ؟
أجابته بنفاذ صبر:
-عرفت إنه أوس!
انحنى برأسه عليها لتتقلص المسافات بينهما، وهمس لها معاتباً إياها
-طب ما انتي بتعرفي تنطقيه أهوو، ليه بخلانة عليا بيه ؟!
تلون صدغيها بحمرة ملتهبة بعد أن شعرت بحرارة أنفاسه القريبة عليها، وحاولت التراجع مبتعدة لكنها أدركت أنها محاصرة بذراعه، فتوترت بشدة ..
بينما إلتوى فمه بإبتسامة مغرية وهو يتأمل سكونها معه بسعادة ..
لم يردْ أن يفسد تلك اللحظة الأخرى المميزة بينهما، فأرخى ذراعه عنها حتى تتحرر منه، وإكتفى بالإستمتاع بتأثيره عليها وهو يدير رأسه في إتجاه النافذة الملاصقة له ..
في منزل تقى عوض الله
جلست فردوس على الأريكة دون أن تنهي أعمال المنزل، وفكرت بتريث شديد في كل كلمة قالها مهاب ..
إنتابها حالة من الندم لتسرعها في قرارها، ولكنها عاودت تذكير نفسها بأنها اتخذت القرار الصائب من أجل حماية عائلتها وخاصة ابنتها، وتحسين مستواهم المعيشي ..
نفخت بضيق وهي تبرر لنفسها:
-دول مليون جنية برضك، يعني مش مبلغ هين، ده .. ده هاينقلنا لحياة تانية خالص، هاقدر أعالج الراجل، وأعزل من الحارة الفقر دي، وأرتاح من الغلب اللي شيلاه على كتافي بقالي سنين!
إستندت برأسها على مرفقها، وفكرت بصوت مسموع:
-بس .. بس تقى، وجوزها ممكن آآآ..
تجهم وجهها وهي تقول بسخط:
-جوزها! هي دي أصلاً جوازة، ده احنا ماشوفناش منها إلا تعب القلب والقهر والمرار الطافح!
نهضت عن الأريكة، ووضعت يديها على رأسها، ودارت في الصالة وهي تتابع بحيرة:
-طب .. طب أنا هاخلي البت تسقط إزاي وهي مع جوزها، يوووه .. لازم أركز كده وأفكر في طريقة أجرجرها بيها هنا .. بس قبلة لازم أشوف فين المكان اللي هايعمل ده، ماهو انا مش هاعملها هنا! ايوه مش ناقصة فضايح!
دارت حول نفسها في الصالة، وظلت تلوح بيديها بحركات غير مفهومة، ثم شهقت بصوت مرتفع وهي تصيح فجأة:
-بس .. هي الولية أم نجاح، دي بتعرف الكُفت وهاتفيدني! أنا هانزل أشوفها الوقتي...!