رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الثاني
ضحك عمّار بتسلية وهو يعتدل بِـ جلسته ثم نظر إلي آدم الذي ينظر له بضيق و قال بتهكم: إنتوا إزاي كده؟
ضحك عمّار وقال وسط ضحكاته: مش عارف والله بس ده أسلوب حياة أنا كده إذا كان عاجبك بقي!
سألها ذلك العامل الذي كان ينظف الشارع من القمامة عندما رآها جامده تحدق في الفراغ لِـ وقتٍ طويل: إنتِ كويسة يابنتي؟
تنفست بعنف وهى ترفع يدها عن فمها ثم طبطبت علي وجنتيها المتدرجة بِـ حمره الخجل مما حدث وأن أحدهم ربما قد رآها يا إلهي!.
أعاد سؤاله وهو يحمل الحقائب من الأرض: إنتِ كويسة يا بنتي؟
نظرت له بتيه لِـ بعض الوقت وتحمد ربها أنها ترتدي نظارة كي لا يراها ثم أومأت بارتباك: اه، اه كويسه الحمدلله، ثم أخذت الحقائب من يده وهي تقول بامتنان: شكراً ليك بجد شكراً..
أومأ لها وهو يبتسم وساعدها بوضعهم داخل السيارة ثم تركها وعاد إلى عمله، استقلت السيارة بهدوء لِتدوي صرختها المتألمة عندما جلست داخل السيارة لِـ ترفع نفسها قليلاً وهى على وشك البكاء جعلت العامل يهرول لها بقلق عندما سمع صوتها لِـ يسألها من جديد: إنتِ كويسة يا بنتي؟
أومأت وهي تقضم شفتيها بألم ثم وضعت رأسها على المقود قابضة عليه بقوة وضربت رأسها به عدة مرات وهي تأن و قليلاً فقط وبدأت تقود بهدوء وهي تدعوا عليه بكل ما خطر لها هذا الوقت..
توقفت أمام المنزل الكلاسيكي الشبيه بِـ منازل أمريكا بسيط وراقي مكون من طابقين ؛ لون طلائه من الخارج بُني والنوافذ بيضاء به حديقة صغيرة ممتلئة بالورود التي تهتم بها بنفسها ثم أرجوحة صغيرة كانت من أجل نادين و مازالت من أجلها..
صفت السيارة وهي تلتقط إحدى السكاكر و امتصتها بغضب وهي تدعو عليه من جديد ثم حلمت الحقائب وبدأت تسير بتباطؤ، وضعت الطعام في المطبخ ثم حملت الحقائب وصعدت إلى غرفتها كي تداوي هذا أولاً ثم تذهب إلى إبنتها..
جلست على الفراش لِـ تتأوه بألم فـ وقفت سريعاً وهي تدعو عليه على وشك البُكاء: إلهي تتشل يا بعيد مرزبة يا ربي!.
حاولت الجُلوس مُجدداً على طرف الأريكة لكنها سمعت صوت سيارة توقفت في الأسفل!
هرولت إلى النافذة لِـ ترفع طرف شفتيها بِسخرية وهي تراه يترجل من السيارة وهو يغلق سترته ولم يتخلي عن نظارته بعد يسير بِـ ثقة و تعالى وكأنه وزير وليس فلاح قبيح إضافة إلى بنيته شبيه الخرتيت هذا الفحل لن توافق عليه مُستحيل! وما هذه السيارة! هذا لا يتوقع من شخصاً مثله لا يفهم!
رفع نظره إلى الأعلى عندما شعر بتحديق أحداً به لِـ تبتعد إلى الخلف سريعاً وهي تتنفس باضطراب ثم نظرت مُجدداً لِـ تجد ندين تعانقة ثم حاوطت خصرة وسارت معه إلى الداخل..
زفرت وهي تتقدم إلى باب غرفتها ووقفت خلفه تسترق السمع عليهم لِـ تضرب رائحة عطرة أنفها عندما مر من أمام الغُرفة لِـ تعود إلي الخلف وهي تفرك أرنبه أنفها بضيق فهو سيجعلها تكره عِطرها المُفضل ذلك اللعين الآن!
تنهدت وهي تنظر إلى الحقيبة و النظارة على الفراش ثم تقدمت وأخذتهم وإتجهت إليهما وكأنها قادمة من الخارج ولم تعد من منذُ قليل..
ضحكت برقة وسألته بحماس وأعين تلتمع بـ بريق السعادة: هنجيب الشبكة إمتي بقي؟
إبتسم بجاذبيه مُخالفة لـ قساوة ملامحهُ تماماً وقال بنبرة رقيقة لا تمت إلى تلك الخشونة التي يتحدث بها مع أهل بلدته بـ صِله: في الوقت اللي تحبيه يا قلبي، وأدار وجهه بنهاية حديثه يلوك بـ لسانهِ داخل شفتيه بإزدراء من تلك الكلمات المعسولة التي يكرهها ويتحدث بها رغماً عنه ويكاد يتقيأ بسبب نُطقهِ لها!
لكزت فخذهُ بـ سبابتِها سريعاً وهي تعتدل جالسة على الأريكة تُهندم من مظهرِها وهي تهمس: ماما جايه إحترم نفسك!
فرغ فاهه ورفع زاوية شفيته بتهكم مُستنكراً قولها وهو يحدق بها بسبب كلِماتِها وكأنهُ يجلِسها على قدميه تلك اللعينة!
نظر تجاه باب الغُرفة بملامح مُقيتة مُتهجمه لم تتغير ينتظر تلك العجوز الشمطاء الوالدة المُخيفة كي يرى ما اللعنة التي ستحل عليهم وما سوف تفعلهُ!
تقدمت وصوت كعب حذائِها المُرتفع ينقُر على الأرضية المصقولة بالأخشاب اللامعة الخاصة بمنزلها الكلاسيكي الذي أشرفت على كُل قشةٍ به، خُطوات مُتهاديه بطيئة أحرقت الأخضر واليابس من برودتِها الممزوجة بـ غضبِها ومقتِها الشديد له..
وقف عن الأريكة بأعين زاغت وهو يزدرد ريقه يُحملق بها بذهولٍ شديد هل هذه هي العجوز الشمطاء؟هي حقاً لعنة!.
من المفترض أنه وقف إحتراماً لها لكن هذا لم يكن هدفه بتاتاً!.
حرك أهدابه مع مُقلتيهِ وتطلع إلي قدمِها الملساء الناعمة بداية من كاحلها إلي أعلاها يتفحصها بـ نظرات غير بريئه بالمرة وهي ترتدي فستان قرمزي ضيق يلتصق عليها كـ جلد ثانِ لها يُبرز جميع مفاتنها من جسد منحوت وقوام ممشوق بنفس ذات الأكمام الضيقة مفتوح من الأعلى وبه شق في المنتصف يظهر لون بشرتِها الحليبية النقية التي لاعيب بها يصل إلي رُكبتيها وتُمسك بيدها الناعمة حقيبة سوداء من الجلد الخالص أخذت شكل مُستطيل ويعرف تمام المعرفة أن تلك الحقائب لا تمتلكها سوى سيدات المُجتمع الراقي..
توقفت أمامهما وهي تزفر بملامح مقتضبه لم تتبين كثيرا بسبب نظارتها الشمسية التي أخفت نصف وجهها لكن فتحتي أنفها الصغيرة المتورده التي إنتفخت بانفعال جعلته يتأكد من غضبها عليهم لـِ يصل إلي أنفه رائحة عطرها الياسمين الذي إنتشر في الغُرفة مُنذ أن وضعت قدمها داخلها كـ لعنه ثم أنفاسها برائحة النعناع أثر زفرتِها الطويلة وهي تمسحه بـ نظراتِها المُتعاليه من خلف نظارتِها..
خلعت نظارتِها الشمسِيه وهي تهز رأسها تبعد خصلاتِها الكستنائيه القريبة من لون فستانها إلى الخلف بسبب تشويش الرؤية عليها، ثم وضعت مُقدمه النظارة بفمها بين صفي أسنانها اللؤلؤية من الجانب بعد أن فارقت بين شفتيها المكتنزة وهي تنظر إليه من أعلاه لأخمص قدميه تتفحصه بعسليتيها بأكثر نظره مُستحقرة مُتغطرسة إمتلكتها يوماً وهي تُحرك حاجبيها المُنمقين بأناقة مُلفته..
ألقت الحقيبة من يدها ثم النظارة وعقدت يدها أمام صدرها وسألت إبنتها صاحبه العشرون ربيعاً باقتضاب دون مُزاح بصوتها الرقيق الناعم: هو ده؟
أومأت وهي تعبث بأصابعها بتوتر مع قولها بخفوت: أه يا مامي..
هز رأسه بسخرية وهو يستمع إلى قولها تلك العبارة
مامي ياإلهي بنات المدينة يجعلونه يشعر بالإعياء عندما يستمع إلى حديثهم!
مدت يدها الناعمة كي تُصافحه لكنه لم يكُن هُنا نهائياً!
فـ عادت تزفر بنفاذِ صبرٍ مُستشعرة وقاحتهُ تِجاهها
لـ تضرب أنفهِ رائحة النعناع الممزوج بـ أنفاسها بقوة أكبر من سابقتها لـ ينتبه عليها ثم مد يده آخِذاً شهيقاً طويلاً إمتلأ برائحة أنفاسها التي أنعشت صدره وتغلغلت عُمق أنفهِ جعلتهُ يشعر بـ بروده أصابته بِـ رجفة!.
صافحها بيدهُ الخشِنه مشدوداً دون التحدث و مُقلتيه مُعلقة عليها بتركيز ومازالت نظرتِها المُستحقرة تسير عليه من أعلاهُ لأخمص قدمهِ في تعالٍ من فوق أنفها وشموخ لا يعلم سببه لكنهُ لا يعبأ فـ جمالها يُبرر أفعالها..
يبدو عليها حُب الذات إضافة أنها مُتعجرفة مغرورة مُتسلطة ولايري هذا سوي مرض نفسي ولن يُعاملها سوي كـ مريضة! سوف يتحدث معها على حجم عقلها فقط..
تحدثت نادين تعرفهم على بعضهم البعض: ماما عمّار الصِعيدي عمّار ماما ليلى هانم المِنشاوي..
إبتسم بـ لباقة لـِ ترتخي ملامحمهُ الجامدة ونظرته الصلدة قليلاً مُظهراً وأخيراً أسنانه اللؤلؤيه وهو يتحدث كي يُبدل هذا الجو المشحون: عمار وممكن تقوليلي قيس عادي..
قلبت عينيها أمامه بوقاحة وسخط تام ونظراتِها تزداد إحتقاراً تجاههُ وإرتفاع شفتيها العلوية بِسخرية كان كافياً وحده كي يجعله يثور..
كل ما كان يجول بخاطرها في هذا الوقت أنه غليظ فلاح بشِع فوق كونه صَعيدي يا إلهي كم تكرههم بشدة..
إشتدت قبضته حول يدها بنفاذ صبر فمن تظن نفسها تِلك المُقيتة؟
نظرت له بحده وهي ترفع حاجبها بتحدي والشرار يتطاير من أعين الغزال خاصتها ثم نزعت يدها من راحة يده الصلبة بقوة أدت إلى إهتزاز راحة يده وغادرت بغضب وهي تتمايل بغنجها المعهود الذي لا يوجد به ذرة تصنع واحدة، ازدرد ريقه بحلق جاف وهو يُراقب ظهرها كيف تتمايل بإغواء مُهلك بذلك القوام الفتاك الذي تمتلكه أثناء سيرها كـ لعنة..
جلس على الأريكة مُجدداً شاعراً بالحرارة تنشب بجسده بعد ذهابها فـ مسد جبهتهُ بضيق لـ يجدهُ مُتعرق فـ لعنها من تحت أنفاسه وهو يصك أسنانه بـ غضب ثم أخرج منديلاً ورقياً من جيبه كي يُجفف جبهته..
سألها وهو يتنفس بانفعال مع بصقه المنديل الذي إلتصق على شفتيه من نعومته وذوبانه من عرقهِ: مين دي؟
رمشت بتعجب ثم ضحكت وأعادت باستغراب: دي ماما يا عمّار مالك؟
نظر إلى جسدها بـ تفحص ثم إلي تلك القامة القصيرة المُخالفة لِـ والدتها الفارعة كما تقول..
لِـ يهتف نادباً حظه وهو يضع يده على شفتيه: ده إنتِ إللي ماما والله..
تعجبت أكثر ثم وضعت يدها علي جبينه عندما رأت قطرات العرق تتفصد من جبهته و سألته بقلق: أجيبلك برشام حرارة؟ شكلك تعبان!
أومأ مُستغيثاً بـ خضراويه الداكنة الوقحة التي لا تظهر سوى تحت ضوء الشمس وقال بصوتٍ أبح وهو يزدرد ريقه: هاتيلي ماما و هبقى كويس أوي..
في مدينة الإسكندرية..
توقف بالسيارة بعد قيادته عدة ساعات كان وقت الغروب تقريباً حتى توقف أمام المكان المطلوب..
أطفأ المُحرك ثم أراح وجنته على المقود وظل يتأملها وهي نائمة بهدوء يتساءل عن تلك الرقة التي تملكها! هل يستطيع جعلها تُحبه؟ هل هو سوف يُحبها من الأساس؟!
رفع رأسه وإقترب ببطء يراها عن كثب ولم يشعر سوي بتلك الرغبة في الحصول على قبلة من بين تلك الشفتين الرقيقة الهلامية! ثم مال وسرق قُبلتها الأولى دون أن تشعر به..
لعق ذلك الملمع بطعم الفراولة من على شفتيه وهو يُمرر إبهامه على شفتيها بنعومة لِـ يُلاحظ تلك الخصلة البُنية التي تمردت عن بقية شقيقاتها وخرجت كي يراها هو..
أمسكها بطرف أنامله ثم مال أكثر يستنشقها بانتشاء مغمض العينين ولا يتوق ذرعاً لِـ ذلك اليوم الذي سيمتلكها به قلباً وقالباً، ينتظر زفافهم بفارغ الصبر كي يتذوقها فهو يتوق لها بشّدة ويعلم أنها مختلفة عن الجميع..
فتحت عينيها بعد بعض الوقت لِـ تشهق بخضة عندما رأته نائماً يتأملها جعلته يبتسم ثم قال لها بِبحة رجولية هادئة: صباح الخير..
أومأت وهي تعتدل بجلستها بارتباك ثم أدخلت تلك الخصلة التي تركها هو كي يتأملها في محاولة إلى تخيلها وهي دون حجاب أمامة كم ستكون جميلة لكنها تحرمه من رؤيتها حتى وهي زوجته..
حركت شفتيها بتعجب وهي تنظر من النافذة لِـ تقع عينيها على البحر فابتسمت بعدم تصديق وسألته بابتسامة: إحنا فين؟
قال لها بهدوء: أسكندرية..
أومأت بهدوء لِـ يبتسم وهو يقوم بالعد على أصابعه واحد إثنان ثلاثـ، و شهقت بخضة ثم سألته بخوف وهي تتحدث بتلعثم: ليـ، ه؟ جبتني هنا إنت قولت إننا رايحين التجمع ومش هنتأخر؟!
تنهد وقال بلا مبالاة: إنتِ عارفة أبوكِ هيفضل يقول لأ ومش لأ بعيده ومش بعيده وهي ساعتين ثلاثة مش أكتر وهترجعي في نفس المعاد هو أوڤر شويه بس..
نظرت له بضيق وقالت ببعض الحدة التي إستلطفها: متتكلمش عنه كده! إتكلم عليه كويس؟
إبتسم وقال لها بطاعة: حاضر يا جـنّـة هتكلم عليه كويس مع إنة يستاهل أكتر من كده وإنتِ عارفه كويس!.
نظرت للاتجاه الآخر رافضة أن تنظر له ثم سألته باقتضاب: جينا هنا ليه؟
قال بهدوء وهو يمد يده لها بدعوة أنيقة لونها أسود: دي دعوة لِـ إفتتاح معرض لوحات النهاردة بتاع واحد اسمه جاسم العمري متهيألي! مش عارف ده هيفيدك ولا لأ بس على ما أذكر إنك بتحبي الرسم والديكورات عشان كده دخلتي هندسة صح؟
أومأت بهدوء وهي تتطلع على الدعوة لِـ يقول وهو ينظر إلى ساعة معصمه: هو لسه فاضل نص ساعة متهيألي نكون أكلنا حاجة مش جعانة؟
أومأت بخجل لِـ يبتسم ثم إقترح عليها عندما لاحظ نظراتِها تجاه البحر: تحبي ناكل قُدام البحر؟
إلتمعت عيناها بريق سعادة ثم سألته بحماس: هو ينفع؟
إبتسم وهو يومئ مؤكداً: طبعاً ينفع ولو مينفعش أنا هخليه ينفع أنا عندي كام جـنّـة؟!
توردت وجنتيها لأول مرة معه وهي تبتسم بسعادة حقيقية ثم أومأت مُوافقة فـ ترجل من السيارة وركض إلى الجهة الأخري وفتح الباب لها بِلباقة ومد راحة يده كـ أمير إلى أميرته لِـ تتسع إبتسامتها ثم وضعت راحة يدها بين يديه برقة وذهبت معه..
تنهدت وهي تتنفس بِـ راحة ونسمات هواء البحر تداعب وجنتيها بِنعومة فـ قُصيّ دائماً هكذا يُنسيها من تكون، فـ عندما تكون معه تنسي فقرها وتعبها وكل أحمالها الثقيلة ولا تعلم لما؟ مثلما يحدث الآن تماماً، لكن جلوسها هكذا أمام البحر ورؤية أمواجه تحت ضوء القمر لن تُنسيها أن المياه لا تصل لهم في المنزل سوى بِـ ساعات مُتأخرة من الليل..
تنهدت بضيق وهي تخفي تلك الوحمة التي وُلدت بها على كتِفها بضجر بمساحيق التجميل فهي تبغض كونها تملكها كثيراً وتكره أن تراها..
تطلعت إلى هيئتها مرة أخيرة بِرضي وهي تبتسم فـ كانت ترتدي فستان أسود بِأكمام أسدلته لِـ تظهر كتفيها الناعمين برقة، لامع ضيق من الأعلى بذيل طويل من الخلف، إرتدت حذائها المرتفع ثم القرط الأسود الدائري بإذنها ومررت يدها على شعرها الذي فارقت بينه ثم عقدته كـ كعكة بمأخرة رأسها ثم مساحيق التجميل التي وضعتهم باحترافية..
نظرت إلي دُبلتِها الذهبية التي يُطوق حوافها فصوص لامعة بتردد ثم إنتحت وأخذتها من أمام المرآة وأدخلتها بِـ بنصرها في اليد اليسرى لِـ تجد قبضتيه تطوق خصرها برقة ثم طبع قبلة ناعمة على وجنتيها مع قوله بندم وهو يُداعب وجنته بوجنتها: متزعليش..
إبتسمت وهي تنظر له في المرآة لِـ يشدد قبضته حول خصرها النحيل وهتف بحب: أنا بحبك و محتاجك تكوني جنبي!.
استدارت لِـ تكون مُقابلة ثم وضعت يدها على كتفهِ وهتفت بحنو وهي تنظر له بتأثر: عارفة يا حبيبي والله أوعدك إني هفكر و هاخد قرار في أسرع وقت الامتحانات قربت ووعد مني هخلص وهقولك أنا قررت ايه؟ ها متزعلش إنت مني!
إبتسم لها بهيام ثم رفع يده وداعب وجنتها برقة ومال يُقبلها بعمق وهو يُمرر يده الأخرى على ظهرها بشغف لـ يفصل القُبلة عندما شعر بحاجتهم إلى الهواء، أسند جبينه على جبينها وهمس وهو يبتسم باضطراب وقلبه يخفق بقوة: بعشقك يا عشق..
إبتسمت بنعومة ثم عانقته بحنان وهي تهمس بخفوت: وأنا بموت فيك، يلا حطلي روچ..
إبتسم وفصل العناق ثم أخذ من يدها أحمر الشفاه وبدأ بوضعه على شفتيها بدقة وهو يبتسم رغم ضيقهُ لِـ تغلق فيروزتيها وهي تبتسم حتى ينتهي من هذا! هو يتمنى فقط أن ترتدي حجاباً لكنها ترفض ولا يعلم لما هي جميلة وستكون أجمل به ما المشكلة؟ ولما لم تترك شعرها منسدلاً؟ فهو عندما يخبرها أن تقوم بتركة ينسدل تعاند معه ولا توافق لا يعلم كيف ينال رضاها حقا!.
في القاهرة..
جلست والدتهُ بجانبهُ على الأريكة ثم سألتهُ بضيق ونبرة مُتهمة: انت اللي جبت تالين من الجامعة؟
همهم بهدوء وهو ينظر إلي حاسوبة بتركيز ولم يتحدث لِـ تتحدث هي بحدة: أنا مش قولتلك ملكش دعوه بيها صح ولا لأ؟
صفع شاشة الحاسوب وهو يغلقه ثم صك أسنانه بغضب وسألها: إنتِ بتتكلمي معايا كده ليه؟ وليه أصلاً تكلميني؟ أنا قولتلك انك برا حياتي من زمان خليكِ في حالك و مالكيش دعوة بيا لو سمحتي ومتكلمنيش أصلاً!
صرخت به بحدة وغضب: إحترم نفسك وإتكلم بـ أدب نسيت إني أمك ولا ايه؟
صرخ بها بحدة مُماثلة وهو يقف: إنتِ اللي نسيتي إني إبنك لما جيت وقولتلك بحب تالين وعايز أتجوزها وافقتي بمنتهي السهولة وخدتيني ورُحنا عشان نخطبها ولما عجبتك طلبيتها لِـ مصطفي أخويا بكل بساطة! لأ منتهى الأمومة والحنِّيه إشبعي بابنك اللي إنت عمالة تراضيه من إتجاه وبتدوسي عليا أنا من الاتجاه الثاني ونشوف مين اللي هيكسب فى الآخر، وتركها تستشيط غضباً وغادر..
قذف الملعقة من يده بنفاذ صبر وهو يتنفس بعنف ممسداً جبهته بعصبيه بسبب أناتِها الناعمة الواضحة التي تضرب أُذنه بقوة..
فقال بضيق وهو ينظر لها: ايه يا حماتي مالك! في ايه؟
نظرت له بغضب ثم قالت بِبغض: حُمَّه تاخدك متقولش حماتي إحنا مش موافقين..
عبست نادين وهي تُقلب الطعام بالملعقة دون شهية لِـ يتحدث عمّار بصوتهِ الخشِن بجدية وهو يضع ذراعيهِ الرياضية التي ستمزق قميصه على الطاولة وكأنهُ هو من يترأسها لـ تفرض سيطرتهِ نفسها: نادين قالت لي إنك مش موافقة لِـ سبب مش مقنع عشان أقبل رفضك وأمشي بسهولة؟!
ضمت ليلى ساقيها معاً أسفل الطاولة وهي تقضم شفتيها بألم ثم وضعت مرفقيها على الطاولة بانتباء لِـ حركتها وشابكت أناملها معاً وقالت له بفظاظة: وإنت مين إنت عشان تقتنع أو لأ؟ إحنا رافضين يعني تتفضل مع السلامة مش تقعد ونتناقش فاهم؟!
إبتسم بهدوء وقال لها ببرود إستفزها: لازم أعرف سبب الرفض؟ وبعدين أنا مش بناقشك؟ أنا بسألك وإنت تردي على أد السؤال!
ضحكت وهي تتألم ثم ضمت قبضتها بقوة وقالت من بين أسنانها: إنت إنسان وقح وده سبب كفاية..
نظر لها بدون تعبير ثم قال إلى نادين: حماتي طلعت عصبيه أوى يا ندوشة..
أومأت له وهي تزم شفتيها ثم قالت له بأسف: متزعلش ياعمّار صدقني هي مش قصدها إنت بعينك هي مش بتحب اي حد من هناك مش إنت لوحدك!.
نظر عمّار إلى ليلى وسألها بامتعاض: ليه؟ شخـ، وصمت وهو يحمحم فهي ليست آدم كي يقول هذا فـ أعاد بضيق شاعراً بالتقيد في الحديث كي لا يخطئ: متضايقة مننا ليه حضرتك؟!، يا إلهي ما هذا الاحترام؟
تنهدت وقالت له بِـ مقتٍ شديد وصوت منخفض يُشبه فحيح الأفعى وصل إلى مسامعه: عشان الصعايدة مش رجالة عرفت ليه؟
إنفجر ضاحكاً بأعلى صوتهِ و كأنها ألقت على مسامعه مزحه سخيفه ثم قال بتهكم ووقاحة: أغتصبلك بنتك قدامك يعني عشان تصـ، أغمض عينيه وصمت وهو يصك على أسنانهِ بنفاذ صبر و إنتفخت أنفة كالثور الهائج بانفعال عندما وقفت بغضب وقذفت المياه بوجهه لا لم تكن مياه بل مياه غازية: قطع لسانك إنت واللى خلِفوك يا زبالة أخرج برا براااا..
هب واقفاً لـِ يتبين فرق الطول بينهم فإن بصق عليها سوف يغرقها تلك اللعينة!.
نزع السترة من على ظهر المِقعد بعنف قابضاً عليها بقوة كي لا يجن عليها الآن لِـ يتطاير زر قميصه الامامي بفضل صدره النابض بِـ ثوران اصطدم بِـ جانب أنفها جعلها تنفجر صارخة بعصبية وهي تضم قبضتها ثم ضربت على سطح الطاولة بقوة: براااااااا..
نظر لها بتوعد ووجوم للمرة الأخيرة ثم ذهب بوجهه مُكفهر من الغضب ضارباً كتفه بكتفها بقوة جعلها تسقط على المقعد بعنف لِـ تصرخ بألم وهي تمسك بحافة الطاولة كي تقف من جديد..
هتفت نادين بِـ إسمه برجاء وهي تركض خلفه كي تُجاري خطواته السريعة لكنها فشلت: عمّار، عمّار، إستني، عمّار..
ألقي السترة على المقعد بغضب واستقل السيارة بتهجم وهو يتمتم بغضب: ليلى الزفت وربي هوريكي، وصفع الباب بقوة وغضب و الشرار يتطاير من عينيه ثم أدار المقود بحدة جعل الإطار يحتك بالأرض بعنف وذهب مُخلفاً خلفه تُراب مُلوث جعلها تسعل ثم عادت أدراجها إلى الداخل بإحباط كانت تعلم أن هذا سيحدث..
وجدت والدتها تقف محلها فـ تقدمت بغضب ونيتها أن تتشاجر معها لكنها توقف بقلق ثم سألتها: مامي إنتِ بتعيطي؟
هزت ليلى رأسها وهتفت بهستيريا: أنا عايزه تلج تلج هاتيلي تلج، أومأت وركضت تأتي لها بالثلج ثم عادت بعد ثوانٍ وهي تحمل مكعبين صغيرين بين يديها جعلتها تقضم شفتيها بقهر وهي تسألها: إيه ده؟ هعمل بيهم ايه دول؟ هاتيلي لوح كبير وتعالي ورايا على الحمام، وتركتها وغادرت تسير بتعرج حتى وصلت إلى غرفتها..
عودة إلى مدينة الإسكندرية..
دلف إلى المعرض وهو يبتسم بهدوء، عشق تترفقة ويعتلي ثغرِها ابتسامة هادئة مع إمامة بسيطة تومئ بها لمن تراهُ يبتسم لها بهدوء كما كان يفعل جاسم تماماً..
نظرت إلى ملابسهِ بِـ رضى وهي تبتسم فهو يرتدي اللون الأزرق الداكن كما أخبرتهُ وكم هو يليق عليهِ..
جاسم طويل القامة يملك شعراً بُنِّي غزير إضافة إلى حاجبيه وذقنه البُنِّية كما شعرة وأعينه الزرقاء الداكنة المائلة للون الأخضر كـ والدته..
فهو ورث جمال والدته الأصيل من المنصورة وجاذبية من والده من مدينة الأسكندرية..
هو لم يستقر هنا سوى من سنوات قليلة فقط عندما فقد والده في حادث سير ولم يكن وحدهُ بل كان مع خالتهِ وزوج خالتهِ أي مع والديّ عشق ومنذُ ذلك الوقت وهي تمكث معهم في المنزل، من الثانوية تقريباً ثم تم عقد قرانهما بِـ عامها العشرين وهى الآن في الخامسة والعشرين وبعض الأشهر وبقي لديها عام ونصف وتتخرج فهي تدرس الطب وما أخرها عام لأنها رسبت تلك السنة التي توفي والديها بها..
جاسم مزيج من الحب والحنان والدفئ لا يستطيع أذية من يُحب وعندما يغضب لا يغضب لوقتٍ طويل أيضاً هو متسامح مع الآخرين ومع نفسه قبلهم هادئ غير مندفع يعطي للأشياء وقتها شخصية رائعة دافئة لا تستحق الخيانة بأي وجه من الوجوه وربما يستحق لا نعلم!
وضع يديه على عينيها حجب عنها الرؤية وهو يبتسم ثم حثها على السير وهو يقول: خليكِ مغمضه عشان أنا عملك مُفاجأة يلا..
سار بهدوء وهو يُراقب خُطواتها من الجانب بانتباه حتى وصل إلى زاوية حائط لونه كِريمي هادئ تم تعليق لوحة عشق عليها فقط من أجل أن تراها فهي ليست للبيع ولن يأخذها أحد سوف يحملها من هنا بعد إن تراها ولن يُلاحظها الجميع..
توقف أمامها وهو يبتسم ثم رفع قدميه من على ذيل فستانها وهو يقهقه لأنها لو رأته سوف تصرخ به وتذهب هيبته هباء الريح..
رفع يده عن عينيها وقال بحنان وهي يحاوط خصرها من الخلف ثم وضع ذقنه على كتفها وهمس بخفوت: فتّحي..
فتحت عينيها ببطء وهي تأخذ شهيقاً تحول إلي شهقة متفاجئة وهي تري صورتها يا إلهي كم هي جميلة!
وضعت يدها على فمها ومازالت تحاول استيعاب هذا وهي تتقدم منها أكثر وهو معها ولم يترك قيد خصرها بعد، مررت أناملها على وجهها في اللوحة وهي تبتسم بنعومة مُتذكره ذلك اليوم لقد كانت صغيرة وتغيرت ملامحها كثيراً كما ترى لقد أصبحت إمرأة الآن بعد فعلتها التي تستهين بها..
همست بنبرة مرتجفة وهي على وشك البُكاء من سعادتها: شكراً أوي يا جاسم تسلم إيدك، إبتسم بسعادة لأنها أعجبتها ثم قبل وجنتها مطولاً لِـ تسقط عبرتِها من تلك الفيروزتين اللامعة على منحدر أنفه جعلته يبتعد ثم عانقها بحنان وهو يُربت على ظهرها برفق وهمس بحنان بالغ: إنتِ بنتي!
دفنت رأسها بصدره بنعومة وهي تبكِ و لا تعلم أتبكِ بندم؟ أم سعادة لا تعلم!.
هتف ذلك الشاب الطويل ذات الشعر المُجعد إبن عمهِ الذي جعلها تسبهُ وهي تبتعد عن أحضانه: قفشتكم مُتلبسين فين مرات عمي؟
أبعدت نظرها عنه بازدراء ولم تتحدث بينما جاسم إبتسم وعانقه ثم قال موبخاً: مش ظاهر بقالك كذا يوم كُنت فين؟
قال وهو يتفحص اللوحة بنظراتهِ الحاقدة: موجود موجود حلوة اللوحة..
إبتسم جاسم وأحاط خصر عشق بتملك جعل سامي يصك أسنانه بغضب وقال بِـ ثقة: لازم تبقي حلوه مش بتاعة عشقي!
إغتصب سامي ابتسامة بالكاد ظهرت وقال وهو يضم قبضتيهِ بغضب حتى إبيضت: طبعاً لازم تكون، إيه ده قُصيّ رشدان!
كان يسير بِـ ثقة وهو يبتسم ابتسامة صفراء واضحة للجميع وهو يحاوط خصر جـنّـة بتملك وفخر كأنها ماسة وهو مالك المعرض وليس ضيف حتى إن الدعوة ليست من جاسم نفسهُ فهما لا يُرحبانِ ببعضهم البعض كثيراً ولا يتقابلانِ في مكانٍ واحد ويظل المكان هادئ حتى النهاية! لا أحداً منهما يفضل أن يرى الآخر ولو صُدفة فلن يكون هذا خيّر بتاتاً لكن قُصيّ أتى بِـ قدمه!.
تساءل سامي باستفهام: مين عزمه ده؟ ومين دي؟ دي مراته؟ مُحجبة!
نظر جاسم اتجاهه ببرود وتفحصهُ بنظرة خاطفة ثم أبعد نظره ونظر إلي زوجته محجبة؟! يا إلهي! قُصيّ الذي لا تمر إمرأة من تحت يديه دون أن يقضي معها ليله تزوج بـ محجبة! يُجب أن يعترف أن هذا مُثير وغير متوقع!.
أبعد نظره عنها ثم أبعد تلك الأفكار الساخرة أيضاً عن رأسه فهو لا يهتم وهو بعيد كثيراً كي يراهما بوضوح هذا جيّد لا يُريد أن يُلوث مُقلتيهِ الجميلة..
التفتت عشق واسترقت النظر إليه وقلبها يخفق بقوة وظهر الضيق جلياً عليها، لقد أتي كما أخبرها لكن ليس وحده! بل معها زوجته سبب جميع شجارهما معاً هي لا ترى وجهها جيّداً لكنها تعلم أنها تشبهها قُصيّ من أخبرها بهذا قبلاً فهي بمقام زوجته ومن يرى علاقتهما معاً قد يحسدهم عليها حقاً!.
يبدو أنها جميلة! هزت رأسها بسخرية وهي تضحك بخفوت بالطبع ستكون جميلة أليست تشبهها؟ ومحجبة أيضاً هل هذا هو السبب الذي جعله يتزوج بها ويتركها هي؟!
صافح أحدهم وهو يبتسم رافعاً حاجبيه بتلقائية كما يفعل دائماً وهو يتحدث..
قُصيّ ذات ذات ملامح حادة أعين بُنِّية داكنة لا تقدح سوى مكراً ووقاحة والنظر إلى ما هو مُحرم، بشرة حنطية ذات بنية رياضية حسناً هذه الأيام لا يُوجد من هو نحيل وبالي مثل سابقاً الجميع يملك عضلات بارزة وصدر صلب لكن ليس الجميع من يطلق عليه إسم رجلاً أيضاً!.
شعر أسود غزير، حاجبين معقودين دائماً تجعلك تظن إن رأيته أنه ينظر لك بِـ بُغض بسبب ملامحه الحادة وتقطيبته التي لا تُفارقه أبداً مع ذقنهِ الشائكة، سليط اللِسان، كلماتهِ لاذعة، يستطيع أن يحرجك بالحديث إن تفوهت بما لا يروقهُ أمام الجميع، لا يخجل وقح متبجح، يتدخل بما لا يعنيه و يفرض رأيهُ، صريح بِـ طريقة وقحة فإن لم تعجبهُ وتنال استحسانه سيخبرك بوجهك ثم يقوم بشتمك ويذهب هذا هو قُصيّ رشدان!
قُصيّ رشدان هو ذلك الرجل الذي إذا دعيتهُ على مائدة طعامك وضع قدمهِ عليها! هو نفس ذات الشخص الذي تملكهُ في حياتك ولا يملك ذوقاً ولا بِـ شخصٍ لبِق! لا يُنافسهُ أحد في عدم التربيه لأنه لم يراها يوماً! ولا الأخلاق لأنه لم يعرفها قبلاً؟! إضافة لكونه نافراً في بعض الأحيان! هو ليس بالشخص الجيّد بتاتاً..
تجول قليلاً في المعرض مع جـنّـة وشاهد جميع اللوحات وقد راقه بعضاً منها!.
لفت نظر جـنّـة تلك الزاوية الوحيدة هُناك الفارغة فأخذتها قدمها إلى هُناك وهذا أسعد قُصيّ أنها تحمست وراقها المكان منذُ أن وطأت قدمها هُنا كاد يذهب خلفها لكن فتاةً ما ضربت كتفه وهي تمر من جانبهِ لِـ يبتسم بـ عبث عندما وصلت له رائحة عطرها، إنها هي عشيقتة التي لا يعرف إسمها إلى الآن!، لقد أتت كما أخبرتهُ..
نظر خلفه يرى وجهتها إلى أين ويبدو أنها دورة المياة ثم أعاد نظره تجاه جـنّـة التي انشغلت باللوحة فتركها وهو يحل أزرار قميصه الأمامية وذهب خلفها..
أوقفه أحدهم بمنتصف الطريق: قُصيّ باشا؟
توقف قُصيّ وابتسم بضيق وهو يومئ لِـ يسأله الرجل ومازالت ابتسامتة قائمة لم تُفارقة: سمعت إن المدام معاك مش هتعرفنا عليها؟
ضحك قُصيّ وهو يهز رأسهُ جعلهُ يضحك معهُ متعجباً لـ يتوقف قُصيّ فجأه ونظر له بدون تعبير ورد رداً لاذعاً: إنت مالك بـ مراتي؟ تتعرف عليها بتاع ايه؟
إختفت إبتسامته وقال بإحراج: ايه، ايه، يا قُصيّ باشا فهمتني غلط ولا ايه؟ مش قصدي حاجة!
رفع قُصيّ حاجبيه وسأله بتهكم: وإنت تقدر يبقى قصدك حاجه؟ كُل عيش وابعد عني وعن أي حاجة تخصني أحسن، وتركه ينظر له بوجه شاحب وغارد..
تحدث مُساعدة بضيق: جاسم، في واحد عايز يشتري اللوحة بالعافية!
نظر له جاسم بتعجب ثم سأله بضيق: ومين ده؟
هز كتفيه بجهل وقال: مش عارف بس مُصِر وعرض عليا فلوس كتيرة جداً..
تأفف جاسم وقال له بازدراء: أنا هروح أشلها دلوقتي او روح إنت وخُد سامي معاك هو فين؟ وعشق فين؟!
تنهدت عشق بحزن وهي تقف خلف باب دورة المياه فهي ظنت أنه رآها ولاحظها لكنه لم يأتي!.
استدارت وحركت المقبض كي تخرج لِـ تشهق مع توسع عيناها بسعادة عندما وجدته كان يمسك المقبض كي يدلف وهو يبتسم بـ عبث..
حركت شفتيها كي تتحدث لكنه دفعها إلى الداخل وأغلق الباب، اندفعت وعانقته بسعادة لِـ تجده بدل الوضعية والصقها في المرآة التي بجانب الباب عندما هجم على شفتيها يُقبلها بنهم وشوق ويده تتحرك داخل شعرها بهمجية تدمر أثرها تسريحتها التي أتعبتها لِـ يحاوط خصرها بيده الأخري بينما هي طوقت عنقه بشوق لِـ يسير بها إلى دورة المياه الداخلية بترنح ولم يفصل القبلة بعد ثم أغلق الباب بقدمه خلفهم..
تنهدت جـنّـة وهي تنظر إلى اللوحة بتركيز هُناك أخطاء بها وهذا لا يروقها!.
نظر حولهُ يبحث عن عشق لكنها مُختفية مُنذُ وقتٍ طويل! لِـ يقع نظرهُ على تلك الرقيقة التي ترتدي حِجاباً توليه ظهرها وهي تقف أمام اللوحة التي تحمل وجه عشق تُحدق بها بتركيز..
أخذتهُ خطواتهُ إليها وهو يضع يديهِ داخل جيب بنطالهُ فهو ملك الحفل اليوم لما لا يفعل؟
توقف بجانبها دون أن ينظر لها ثم سألها بهدوء: عجبتك اللوحة؟
ازدردت ريقها وهي تقبض على طرف الحقيبة خاصتها بارتباك ثم قالت بصوتها الهادئ الرقيق دون أن تنظر له هي الأخرى: حلوة مرسومة بِدقة عالية بس مش ملاحظ إن اللي رسمها دقق في مناطق مُعينة و ظهرها بِطريقة مُبالغ فيها وساب حاجات ثانية أهم؟
رفع حاجبيه وهو ينظر إلي اللوحة بتركيز ثم سألها: وإنتِ شايفة إنه ظهر ايه بِـ مُبالغة؟
تنحنحت ثم رفعت أناملها الرقيقة وأدخلت خُصلاتها الحريرية التي تسللت من أسفل حجابها الكريمي إلى الداخل مجدداً وقالت بهدوء: رموش البنت دي مش ملاحظ إنها طويلة أوي بالنسبة لِـ طول الرموش الطبيعية؟
هز رأسه بعدم فهم وهو ينظر إلى اللوحة ثم قال بتردد: هي كانت مركبة رموش متهيألي؟!
إبتسمت بخفة وقالت بهدوء ورقة: هو ده اللي أنا بتكلم فيه! المفروض الفنان اللي رسم كل اللوحات الجميلة دي لما يجي يرسم البنت اللي بيحبها مثلاً او اي بنت يبين حاجات تظهر إبداعه مش ياخد الصورة زي ما شافها بالظبط ميك آب، رموش، روچ! إحنا عارفين انه بيعرف يرسم! أنا حاسة إني شايفة صورة عادية إتصورِتها البنت ولسه طالعه دلوقتي دي ما تتسماش لوحة! إحنا محتاجين نشوف عيون البنت مش جفنها؟ وده رأيي..
تنهد وهو ينظر إلى اللوحة بانزعاج قاطباً حاجبيه لما لم يُلاحظ هذا؟ لكنها جميلة أيضاً لما هذا الرأي المُزعج الآن؟ هي اللوحة الأجمل وسوف تظل هكذا فهي لِـ زوجته!
تابعت بهدوء وهي تنظر إلي أنف الفتاة وقالت: حتى الحلق كبير مفيش حلق مناخير بالحجم ده؟ هو كان عايز يظهره وقال مش مهم لو كِبر حبتين!
نظر لها بانزعاج مُضجر لكنه لم يرى سوى جانب وجهها ويبدو أنها جميلة!.
ضحك بسخرية وهز رأسه وهو يسأل نفسه لِـ يسقط شعره من عقدة الشعر ؛ بالطبع سوف تكون جميلة فـ قُصيّ رشدان لا ينتقي سوى الجميلات لكن لما هذه؟
أخرجه من شرودة قولها وهي تأشر على كتفيها: حتى الكتفين مش طول واحد شكله كان مستعجل عليها!
قضم شفتيه وهو ينظر إلي الاكتاف بتركيز فهو لم يُلاحظ هذا رغم تركيزه! يُجب أن يذهب لأنه إن ظل أكثر سوف تجعلهُ يكره اللوحة..
قالت بخفوت و إعتذار: آسفة لو ضايقتك برأيي بس أنا مش بحب أسكت عن الغلط..
أومأ بتفهم وقال بِجديه وهو يحدق فى اللوحة: المرة الجاية هاخد بالي كويس ومش هغلط تاني..
صمتت وهي تقطب حاجبيها بعدم فهم ثم شهقت برقة وتوردت وجنتيها من الخجل وهي تحني رأسها هل هو صاحب المعرض يا إلهي!
في القاهرة..
هتفت برجاء وهي ترمش بحزن: عشاني يا مامي عشان خاطري فُرصة كمان عشاني عشاني إنتِ اللي بدأتي تهاجميه من ساعة ما جه من غير ما يعمل أي حاجة!
هتفت ليلى المُستلقية على سيفها: أه هاجمته وههاجمة تاني وثالث ورابع وخامس! أنا بهاجمة عشان مين مش عشانك!
تنهدت بحزن ثم ربتت على شعر والدتها وسألتها وهي تبتسم بنعومة: إنتِ مش عايزاني أسيبك؟
أدمعت عيناها ثم عانقتها بقوة جعلتها تستلقي بجانبها وقالت بحزن مع تساقط عبراتها: هعيش من غيرك إزاي بس! مش هقدر! هو هياخدك منى..
ابتسمت نادين وهي تدفن رأسها بصدر والدتها تحتمي بها ثم قالت بخفوت وقد بدأ النعاس يزحف إليها: هتعيشي معانا يا قلبي، أنا كمان مش هقدر أعيش من غيرك بس اديله فرصة! هو سافر وهيرجع بعد اسبوع تكوني هديتي وتتكلموا براحة المرة الجاية ماشي؟
زفرت ليلى بضيق ولم ترد عليها لِـ ترفع نادين رأسها ونظرت لها بترجي جعلتها تقول بسخط: إنتِ نسيتي قال ايه؟ الحيوان! يغتصبك وقدامي؟!
بررت لها وهي تزم شفتيها: يا مامي مكنش قصده عمّار محترم جداً وكان معايا في شرم لوحدنا ولو كان عايز حاجة كان عملها!
قالت ليلى بشراسة وهي تنظر لها بحدة: كان يقربلك عشان كنت أشرب من دمه الخرتيت ده..
هزت رأسها بقلة حيلة وهي تغلق عينيها بِعبوس كي تنام فـ يبدو أن هذا لن يكون سهلاً بتاتاً وهي تُريد النوم، أمامها أسبوعٍ طويل رُبما تقنعها حتى هذا الوقت..
حاوطتها ليلى بقوة وهي تدثرها بأحضانها ثم قبلت جبهتها بحنان وهي تداعب وجنتها بـ رقة فكم هي جميلة تُشبهها ؛ لن تدعها تسقط في براثن ذلك الخنزير فهي صغيرة ولا تملك خبره وهو لا يبدو بالشخص السهل بتاتاً هى نفسها ضئيلة الحجم بجانبه فكيف ستكون إبنتها! لا لن تتركها له لن تفعل..
أنهت حمامها الدافئ بالمياه المُعطرة ثم خرجت وقامت بالتزين من أجل زوجها لأن اليوم ميعاد عودته من السفر ورُبما وصل الآن..
صففت شعرها بعناية ثم وضعت تبرجها وقامت بالتعطر بعطرها المفضل وجلست تنتظره فـ آدم ذهب كي يأتي به من المطار وربـ، استفاقت من شرودها على فتح باب الغرفة لِـ تبتسم ثم ركضت له بسعادة وهي تضحك..
عانقها بقوة وهو يبتسم مع قوله بـ حُب: وحشتيني موت يا حبيبتي عاملة ايه؟
ابتسمت وهي تطوقة بحنان وقالت بخفوت: الحمد الله يا حبيبي وحشتني أوي..
قبل جبهتها بحنان ثم تركها تقف بمنتصف الغرفة ودلف كي يأخذ حماماً!.
مدت يدها حول رقبتها بإحراج وهي تنظر في أثرة فهذه ليست المرة الأولي التي يفعل بها هذا!
هو كُل مرة عند عودته يفعل هذا وبعد خروجه يخبرها أنه متعب وينام! هي لم تقضي معه سوى شهرعسلِها فقط هذا هو الوقت الوحيد الذي شعرت به أنها تزوجت رجلاً! لكن بعد عودتهم أصبح يسافر كل أسبوع تقريباً بسبب العمل وعندما يعود يفعل هذا واليوم الثاني يأخذها ويخرج وبقية الأيام يقضيها معهم في المنزل كـ عائلة ومعها كـ خطيبته!
لا تعلم ما خطبه وكيف يظل هكذا دون أن يُطالبها بشيء لما تزوج إذاً؟ هو يجرح أنوثتها بتلك الطريقة؟ ويجعلها عاجزه عن فهم ما يُريد وأحياناً تشعر أن بها نقص هو ما يجعله لا يقترب منها! إضافة لكونه لا يشاركها بشيء لا إنتقاء الملابس ولا يخوض معها حديثاً يسألها عن دراستها وأصدقائها ومن تصادق لا شيء! آدم وحده هو من يهتم ويفعل هذا صديقها الوحيد والممنونة له كثيراً لأنه موجود بـ حياتها!
هي تعرفت عليه أولاً وأصبحا صديقين لِـ يأتي هذا اليوم الذي أخبرها به أنه قادم إلى منزلها هو ووالدته ؛ ظنت في البداية أنه قادم كي يطلبها للزواج وكانت ستوافق لكنها تفاجأت عندما قالت والدته أنها لِـ مصطفي شقيقة وليست له وهذا شوشها قليلاً لكنها وافقت وظنت أنه صادقها من البداية لأنه انتقاها إلى شقيقة كما يحدث في كثير من الأحيان بين الأشقاء! يبدو أن شقيقه لا يملك صديقات نساء لهذا أخبره أن يبحث له عن عروس وفعل وقد وافقت، ولديها أسبابها الكثيرة..
مصطفى ليس فاحش الثراء لكنه جعلها تعيش بـ مستوى جيد كانت تتمناه..
هي ليست تلك الغنية المُدللة! هي لم تعرف يوماً ماهو الدلال حتى هذه اللحظة!
لم تكن فتاة والدها المُدللة لا بل كانت تعيش في حي شعبي في شقة صغيرة بالكاد كانت تكفيهم هي وأفراد عائلتها ثم معاش والدها المتقاعد الذي كان يكفيهم طعام فقط ومن يُريد أن يُرفه عن نفسهِ أو يكمل دراستهِ عليه بالعمل فلا يوجد أموال لديهم! وهذا كان قاسي عليها في هذا السن إضافة إلى ضعفها بسبب بنيتها وعدم تغذيتها جيداً فهي أكبر أشقائها وتحملت المسؤولية وولُدت في أكثر الأيام فقراً وأكثر من عانت من بين أشقائها فهي هادئة لا تتحدث وهذا ساهم بأن تصبح مهملة أكثر..
كانت تعلم أن هذا مكانها الخطأ ولن تظل معهم هذه لن تكون حياتها! لم تستطيع التكيف معهم وتحديداً كل يوم عند ميعاد العشاء وعودة والدهم وهو يحمل الطعام لِـ يهجم عليه الجميع كـ الجراء الضالة ومن يمسك شيء فهو له! وبسبب هذا قضت نصف عمرها تنام دون طعام! وعندما كانت تلحق شيء تجد الصفعة هويت علي وجنتها من أحد أشقائها ثم يأخذ الطعام من بين يديها ويأكلهُ فالبقاء للأقوى وقد كانت صغيرة وهزيلة!.
لقد كانت حياة بائسة مُثيرة للشفقة كـ أسري الحرب وتعترف بهذا! وفي وسط صراعها في تلك الحياة وعندما ذهبت إلى العمل من أجل دراستها قابلت آدم في يومها الأول في العمل وقد كان اليوم الأخير كذلك..
صحيح أن مصطفي يكبرها بـ عشرة أعوام لكن هذا غير بيّن ومن يراهم لا يظن هذا بتاتاً إضافة إلى كونه مازال يافعاً ووسيماً كذلك فما المشكلة من الزواج به؟ لقد كانت فرصتها للخلاص لكنها لم تظن أنها سوف تكون بهذا الحزن والوحده! لكن هذا نعيم بالنسبة إلى حياتها السابقة لقد أصبحت حياتها سعيدة من جهة وحزينة من الأخرى هي لا تشعر أنها مع رجل؟ وهذا أسوأ ما قد يحدث إلى إمرأه مع زوجها وخصوصاً أنها مازالت في بداية زواجها كي تقول أنه ملّ منها! وما يجعلها تجن أن هذا لا يتبين معه شيء ولا تفهم ما مشكلته لقد نفذ صبرها ولديها حقوق عليه!.
شهقت بِفزع عندما التفتت ووجدته نائماً بـ منتصف الفراش و يدثر نفسه بالغطاء جيداً متى خرج وكيف لم تنتبه؟ وهل مر من جانبها وكأنه لم يراها ثم غفي ذلك البارد عديم الرجولة!
تطلعت إلى هيئتها بحسرة وهي تكاد تبكِ بسببه فهي كانت سعيدة بعودته وفعلت كل شيء كي تظهر جميلة رغم جمالها كي ترضيه وهو لا يشعر ولا يري..
دلفت إلى الشرفة وهي تشهق لِـ تبكِ في الداخل وحدها وهي تحتضن ذراعيها من الهواء الذي كان يلفحها جعل شعرها يتطاير وإقشعر جسدها من البرودة وهي ترتدي منامة قصيرة عارية لكن لايهم تستحق لأنها من تفعل هذا بنفسها وهو لا يستحق سوف تتجاهله من اليوم..
محت عبراتها بعنف وهي تبكِ أكثر حزناً وأسى على نفسها بسبب إحراجها ورفضها كل مرة بتلك الطريقة فهي لا تتحمل هذا!
نظرت إلي الشرفة التي بجانب شرفتها وهي تبكِ لِـ تجد آدم يجلس شارداً ويبدو عليه الهم والحزن هو الآخر..
ابتسمت بحزن وهي تنظر له بـ شفقة فـ حياته حزينه رغم أنه يملك أموالاً! كانت تظن أن أكبر مُشكلة في العالم حلها المال لكن بعد أن أصبح لديها المال إكتشفت أن هُناك أشياء لا يستطيع أن يمنحها المال!.
تعلم سبب حُزنهِ، والدتهِ هي من تجعلهُ حزيناً هكذا ولا تعلم لما؟ دائماً تتحدث معهُ بحدة وتحدي وعندما تنفرد بها تخبرها أن تبتعد عنهُ وتتوقف عن الحديث معهُ ولا تجعله يقلها إلى الجامعة لكنها لن تفعل هو لا يستحق هذا منها ولم يفعل شيء يجعلها تكرهه بالعكس هو من يفهمها أكثر من الجميع وترتاح بالحديث معهُ لأن لا أحد غيرهِ يهتم بها..
آدم رائع، لا يشبه أحداً لديه عالمه الخاص به وحده لا يدخله أحداً سوى عندما يُريد هو إدخاله..
رجل بسيط جسده كـ أي جسد عادي هو فقط طويل قليلاً ونحيل كـ عارضي الأزياء يملك شعراً مجعداً لامع لم يصففه يوماً وسيم ذقنه حليقة دائماً وملابسه غريبة بعض الشيء وهذا يجعل قُصيّ وعمّار يسخران منه معظم الوقت بسبب كنزاته الطويلة! ويخبرانه بكل بساطة أنه فتاة مُدللة ناعمة بسبب يديه الجميلة بطريقة مُبالغ بها بالنسبة لِـ رجل؟ لكنه يقول مُمازحاً دائماً أن هذا لكونه عارض أزياء وعادي بالنسبةِ لهم..
لا يملك ملامح حادة بل مسالم وبشوش الوجه مبتسم دائماً، يملك قلباً طيباً لا يعرف سوي الحُب الحُب فقط، هو رائع وهذا ما يجعله يتعرض للظُلم في كثيرٍ من الأحيان لكنه يصمت لأنه صبور؛ ويعلم أن صبره عندما ينفذ سيدمرهم ولن يروا آدم الذي عرفوه يوماً فليتقوا شر الحليم إذا غضب..
لا يملك شيء ثمين في حياتهِ سوى أصدقائهِ وتالين فقط هم ولا أحد غيرهم، لا يهتم بجسده إن كان رياضي أم لا خلافاً للجميع ؛ فقط يُمازح عمّار كي يخبره سِر عضلاتهِ لكن لا وجود لأي أسرار! فقط عمّار بنيته قوية وضخمة والرياضة ساعدته بمضاعفة هذا لا وجود لأسرار كي يعرفها سوي مُمارسة الرياضة وحمل الأثقال هذا فقط!.
لا يذهب ويصفف شعره باهتمام كما يحدث الآن! لا يذهب لِإزالة شعر وجهه كما أصبح يحدث هذه الأيام من قبل الرجال الذين غلبوا النساء في تزينهم؟! لا يهتم لا يهتم يراها فقط تفاهات وفراغ ليس إلا ومن تحبهُ سوف تحبهُ لِـ شخصيتهِ وليس لـ جسدهِ المُثير مثلما أصبحت الفتيات تقول هذا هذه الأيام بكل وقاحة وقلة حياء! في النهاية سيكبر وسوف يصبح هزيل وهرم ولن تنفعه تلك الأشياء التي قضى عمره يهتم بها..
تنهد بحزن ومط جسده بتثاقل لِـ يصل إلى مسامعه صوت أنين خافت، نظر بجانبه لِـ تتوسع عينه عندما رأي تالين تقف تبكِ وهي تنظر له وكأنها تلومه على تزويجها إلى شقيقة..
تقدم بقلق ووقف أمامها من خلف سور الشرفة الحديدي الملاصق لـ سور شرفتها ثم سألها بقلق وهو يخلع سترته ووضعها على كتفيها: مالك؟ بتعيطي ليه؟ وخارجه ليه كده في البرد؟
هزت رأسها بألم وهي تبكِ أكثر بحرقة لِـ يعانقها بحنان دافناً رأسها بصدره وهو يربت على ظهرها برقة وهتف بحزن: إهدي متعيطيش متعيطيش إهدي..
رفعت رأسها وهتفت إسمه بحرقة: آدم، آدم، ساعدني.
في مدينة الأسكندرية..
ساعدته في ارتداء سترته أمام المرآه وهي تبتسم بنعومة ثم أغلقت أزرار قميصه الأمامية لِـ يغلق هو سحاب فستانها في المقابل بخشونة جعلها تتأوه بخفوت وضربت صدره بقوة: ايه يا قُصيّ براحة!
قهقهة وهو يحاوط خصرها بقوة ثم قبل جبهتها مطولاً وهو يستنشق رائحتها بانتشاء وهمس بـ حُب: وحشتيني..
ابتسمت بنعومة وهي تحوطه من داخل سترته ثم أراحت رأسها على صدره وهتفت بـ هيام: إنت أكتر يا قُصيّ..
سألها وهو يرتب خصلاتها المسدلة بنعومة: هتيجي امتي؟
تنهدت وهي ترفع رأسها له وقالت بقلة حيلة: هحاول أجى بدري المرادي إنت عارف إن امتحاناتي لسه مش دلوقتي!.
أومأ بتفهم وهو يتأملها لِـ تتابع بوعدٍ صادق وفيروزتيها تحتضنهُ بنظراتِها الحانية: بس هجيلك، إبتسم وهو يومئ لها ثم عانقها بقوة وهو يدثرها بأحضانه بشغف ثم سألها عندما تذكر: مقولتليش جبتيلي الدعوه دي إزاي؟
حركت وجنتها ضد كتفهِ وهتفت بكذب دون أن ترتبك لـ تنتضم تلك الكذبة إلى شقيقاتها: صاحبتي مصاحبة مرات جاسم جبتلي إثنين جيت بواحدة وإنت خدت الثانية..
أومأ متفهماً لـ يلاحظ قِرط أنفها الذي سقط أرضاً يلمع أمامة فـ فصل العناق ثم انحني والتقطه وتقدم منها وهو يلاعب حاجبيه لـ تعود إلي الخلف حتي حاصرها بينه وبين الحائط لـ تضحك وهي تشعر به يدخلها بأنفها مع قوله: تعرفي انك بتبقي شبه البقرة الضاحكة وإنتِ لابساه!
ضربت صدره بغضب طفيف ثم رفعت نفسها وقبلته بخفة وهي تدفن أناملها بشعره لـ يعمقها هو وهو يضمها بشوق لا يعلم قدره لكن يعلم أنه لا يشبع منها ولا يكتفي مهما ظل معها..
جمعت حروفها المُبعثرة ثم قالت بارتباك كان هو قد حمل اللوحة وذهب في هذا الوقت تاركاً إياها تحني رأسها وحدها حتي تستفيق: آسفة لو كـ، كـ، كنت، ايه ده؟
نظرت حولها تبحث عنه لكنه اختفى! شهقت بخضة عندما التفتت ووجدت أن اللوحة قد إختفت هي الأخري هل كانت حمقاء لـ تِلك الدرجة كي لا تُلاحظ ولا تري!
انتفض جسدها عندما وجدت من حاوطها لـ تزفر عندما علمت هويته قّصيّ بالطبع من سيكون غيره فهو من يؤرق حياتها..
سأله جاسم بقلق وهو يبحث عنها: سامي مشوفتش عشق؟
إلتفت ونظر له ببرود ثم هز كتفيه بجهل، زفر جاسم ثم أخرج هاتفه كي يُهاتفها فوجد رسالة نصية منها تخبره بها أنها ذهبت إلى المنزل لأنها متعبة! بالطبع يجب أن تتعب بعد ما فعلته مع قّصيّ..
قلق عليها وترك المعرض وغادر لِـ يذهب قُصيّ هو الآخر كي لا تتأخر جـنّـة عن المنزل..
دلف إلي غُرفتها بقلق لـ يتنفس الصعداء وهو يمسد صدره عندما وجدها مُنغمسة في النوم براحة..
تقدم وجلس على طرف الفراش وأخذ يربت على شعرها بحنان وهو يتأملها بابتسامة حنونه فهي وصيته، لقد كان في السادسة عندما أنجبتها خالته، لقد أحبها في تلك اللحظة التي داعب وجنتها بها لـ تمسك هي إصبعة بأناملها الصغيرة بقوة وهي تضحك، لقد أخبرته خالته أن يهتم بها وقد وعدها بهذا، كبرت وكبر حُبها داخل قلبهُ أكثر، فهو لم يعرف إمرأة في حياته سوى عشق ولن يعرف غيرها..
تقلبت في الفراش وهي تهمهم بنعومة وقد بدلت ملابسها إلى منامة مريحة..
اتسعت ابتسامته عندما فتحت عينيها ورمشت لـ بعض الوقت وهي تحدق في السقف ثم انتصبت جالسه بتثاقل وهي تمرر يدها على وجهها تبعد أثر النوم..
قطب حاجبيه بانزعاج عندما وجد أناملها فارغة من دُبلته فسألها باستفهام: فين الدبلة يا عشق؟!
نظرت إلي أناملها الفارغة ثم قالت وهي تأشر على الكومود: في الدرج مش بلبسها في البيت انت عارف..
هز رأسه متفهماً وقد صدق قولها لأنهُ يثق بها ؛ بينما هي كانت تعتصر رأسها تُحاول تذكر ما حدث. هي خلعتها من أناملها ثم خبأتها في ملابسها قبل أن تذهب إلى دورة المياه وحدث ماحدث بالداخل هل وقعت منها؟ يا إلهي ماذا ستفعل الآن؟!
أخرجها من شرودها يده التي داعبت شعرها برقة وهو يبتسم ثم سألها: برضة مش عايزة تغيري لون شعرك؟
أومأت وهي تبعده إلى الخلف ثم طلبت بهدوء: جاسم أنا عايزة أنزل القاهرة..
قطب حاجبيه بتفكير وظهر الرفض جلياً على ملامحه ثم سألها: لسه فاضل إسبوعين على الامتحانات!
بللت طرف شفتيها وهي تومئ ثم قالت بهدوء: إنت عارف إني بحب اتفسح هناك أول ما بروح ولو روحت على الامتحانات مش هلحق أخرج وانت بِتيجي تاخدني آخر يوم من الجامعة ومش بتسبني أعمل ايه؟ وسعات بتقضي معايا فترة الامتحانات كمان وأنا دلوقتي محتاجة مُلخص أول مادة ومش معايا..
تنهد وقال بهدوء: اكتبي كل اللي إنتِ عايزاه وأنا هنزل أجبهولك..
قضمت شفتيها بضيق وهزت قديمها بتوتر ثم قالت بعناد: بس أنا عاوزة أروح وهروح، ثم قلبت الطاولة عليه وسقطت عِبراتها بحزن وقالت بألم: إنت بتتحكم فيا عشان معنديش أم ولا أب يقفوا قُصادك ويقولولك لأ صح؟
نظر له بلوم وقال بحزن: أخص عليكِ يا عشق إنتِ شايفاني كده؟ ده جزاتي عشان خايف عليكِ؟
شهقت وقالت بحرقة: هيحصلي ايه يعني أنا مش طفلة عشان يحصلى حاجة وكل ما أطلب منك حاجة تخليني أتحايل عليك زي الأطفال!
رد وهو ينظر لها بدون تعبير: عايزاني أسيبك إتحجبي!
ضحكت بسخرية وسط بكائها ولا تعلم أتبكِ لأنها تريد الذهاب إلى قُصيّ بشّدة أم لأنها كاذبة محترفة وتحزنه ولا ذنب له بشيء: إنت بتحطني قدام الأمر الواقع يعني؟ مش هتحجب يا جاسم وهنزل ومش محتاجة موافقتك وبعد إذنك بقى عاوزة أرتاح، وتمددت واولته ظهرها بضيق..
نظر إليها بضيق مماثل ثم ترك الغرفة وغادر..
هبت واقفة بعد إغلاق باب الغرفة مباشرةً وظلت تقطع الغرفة ذهاباً وإياباً بعصبية وهي تقضم أظافرها تفكير ماذا ستفعل الآن! لقد ملت من كل شيء حتى نفسها، الدراسة، حياتها، أصبحت تكره كل شيء حتى الجامعة ولن تضع قدمها بها مُجدداً..
فتحت النافذة عندما شعرت بالاختناق والحرارة التي نشبت داخلها من الغضب لـ تقطب حاجبيها بتعجب عندما وجدت أحدهم يسير في الحديقة مُتسللاً وهو يتلفت حوله كـ اللصوص يرتدي أسود من أعلاه لأخمص قدميه لا يتبين منه أي ملامح وبيده شيءً ما صغير لم تستطع تمييزه ثم توقف أمام الباب لـ بُرهة قصيرة وركض بعدها إلي الخارج!
نظرت في أثره بتعجب ثم ارتدت خُفيها وفتحت الباب بهدوء كي لا يصدر صريراً وتسللت الى الأسفل..
فتحت الباب ببطء و إنفعال ظهر جلياً على ملامحها خوفاً من أن يلاحظها أحد..
نظرت أسفل قدمها فوجدت علبة حمراء مخملية صغيرة! انحنت وحملتها بتعجب وهي تقطب حاجبيها ثم فتحتها بهدوء لـ تشهق مع توسع مقلتيها بتفاجئ وهي تجد دُبلتها بها! ما هذا الآن؟
خرجت إلى الحديقة تتلفت حولها بهستيريا تبحث عنه لكنه ذهب!هل يجب أن تذهب هي الأخرى؟
في القاهرة...
أوقف السيارة في الحي الشعبي لـ تترجل جـنّـة بهدوء دون أن تودعه ثم صعدت سريعاً إلى الشقة في العمارة القديمة التي ستسقط قريباً فوق رأس الجميع قريباً..
وجدت والدتها تجلس على بداية الدرج أمام الشقة تضع راحة يدها على وجنتها تنتظرها فـ سألتها بقلق وهي تميل عليها: ماما مالك قاعدة هـ، أوقفتها والدتها وهي تأشر لها بيدها كي تصمت وهي تنظر داخل الشقة عبر الباب المفتوح بخوف ثم قالت بصوت منخفض: هششش متتكلميش أبوكِ دخل ينام ومستحلفلك ادخلي نامي دلوقتي وهقوله أنك جيتي بعد ما دخل علي طول متعمليش صوت، أومأت لها لـ تتابع والدتها بابتسامة حنونة وهي تنظر إلي ملامحها: شكلك اتبسطتي نتكلم الصبح تصبحي على خير يلا بسرعة، ثم قبلتها ووقفت معها ودلفت بـ تسلل وأغلقت الأضواء و أوي الجميع إلى فراشة..
في مدينة الأسكندرية..
تقلب في الفراش بانزعاج غير قادر على النوم بسلام بسبب تركه لها حزينه دون أن يوافق!، حسناً هو موافق لا يُجب أن تحزن واجب عليه أن يُراضيها الآن كي يستطيع النوم والرضا عن نفسه..
ترك الفراش وهو يزفر ثم أخذته خطواته إلي غُرفتها لـ يقابله عندما دلف الفراش المُرتب وكأنها لم تكن نائمة عليه! نظر حوله بذهول يحاول تكذيب ما يرى لكنها ليست هنا حقاً والغرفة فارغة و الفراش الفراش خالي عدي من ذلك المظروف الموضوع بـ منتصفه ووضعت فوقه دُبلته!، حسناً لقد تركته وذهبت بالفعل!، عشق لا تمزح..
صباح يوماً جديد في القاهرة...
فتحت عينيها بنعاس لـ تفرج عن مُقلتيها الفيروزتين الممزوجه باللون الأزرق الفاتح، رفعت يدها وفركت عينيها كـ الأطفال والبسمه تعتلي ثغرِها لـ تمط جسدها بنعومة كـ القطة المُدللة ثم انتصبت جالسه علي الفراش وهي ترجع شعرها البُنّي الطويل خلف أذنها وهي ترمش ثم تأوهت بألم مثلما تفعل كل يوم بسبب فِراشها المُتحجر الذي أنهك جسدها والملائه المهترئه الوحيدة التي تملكها وتقف بجانبها عندما تنظفها حتى تجف ثم تضعها على الفراش من جديد هذا ما تفعلهُ كل يومين وكل هذا بفضل والدها الذي لايسأل عنها فقط يهينها وأحياناً يضربها ولا غير ذلك..
ابتسمت بـ مراره على حالها لكنها تنهدت واضعه يدها جهه قلبها وهتفت بأمل: أكيد ربنا هيعوضني أنا عارفه ربنا كبير ومش هيسبني كده..
وقفت بنشاط ثم التقطت منشفة، وضعتها على كتفها ثم سارت إتجاه دورة المياه الوحيدة التي في الشقة والتي لا تصلها المياه في معظم الأوقات كي تفعل روتينها اليومي..
عادت إلى غرفتها بعد بعض الوقت وقامت بتأدية فرضها بسعاده وقلب ينبض بحب الله فهي من تعبها أمس لم تستطع الإستيقاظ فجراً..
إنتهت وظلت مكانها أرضاً وبدأت قراءة وِردها اليومي الذي خصصت له وقت الصباح قبل أن تنشغل طوال اليوم ثم أذكارها التي لا تستطيع أن تهملها كي لا تنسى..
وقفت أمام المرآة وهي تنظر إلى جلبابها الأزرق كـ لون السماء الواسع المحتشم بحزن فهو كان جميلاً قبل عامين ولكنه الآن بهت وذيله أصبح ممزق من الأسفل فهي بحاجة إلى ثوبٍ جديد ولكنها لا تعلم كيف ستخبر والدها الذي يأخذ الأموال من والدتها وعندما ينفقهم يقوم بـ بيع الفساتين الذي يجلبهم لها قُصيّ!
فهي كانت تملك ثلاثة تقريباً وقام بـ بيعهم بالتناوب وبسعر بخس أقل من قيمتهم، فـ قُصيّ لا يجلب لها سوى الماركات الغالية ووالدها يبيعهم في سوق الثلاثاء المشهور لديهم ورغم هذا لم تتحدث ولم ترى فِلساً واحداً من الأموال! ولا يوجد أمامها الآن سوى والدتها التي تتوسط لها بتلك الأشياء..
نظرت إلى الفستان المُعلق الخاص بـ يوم أمس وهي تتساءل متى سوف يتم بيعه مثل أشقائه؟.
هزت رأسها وانفرجت شفتيها المُكتنزة المُثيرة عن ابتسامة رقيقة وهي تلملم خصلاتها الناعمة التي لا تليق سوى بها وعقدهم خلفها ثم إرتدت حجابها الوردي بابتسامة أظهرت غمازتيها وحمره وجنتها الطبيعيه بسبب نعومة بشرتها ولونها الحليبي ثم وضعت كُتبِها في الحقيبة من أجل الذهاب إلى جامعتها لكنها توقفت وقد لاح في ذهنها إسم جاسم فجأة في هذا الوقت تحديداً ولا تعلم لما؟ هي لم ترى وجهة أمس!
توقفت أمام باب الشقة عندما سمعت صوت معدتها التي تخبرها بحاجتها إلى طعام فـ قضمت شفتيها المكتنزة شبيهه الفراوله بحزن فهي لا تريد رؤية والدها الذي يظل يهينها كل يومي صباحاً! لـ تغمض عينيها بندم مُوبخه نفسها بهمس عندما سمعت صوت مقبض باب غرفة والديها وتعلم أنه والدها لأن والدتها بالتأكيد تشتري الإفطار من الأسفل الآن..
وصل إلى مسامعها تحدثه بصوته القاسي المعتاد هاتفاً بتهكم: أخيراً السنيورة ورِتنا وشها!
تحمحمت مُنظفه حلقها وهتفت بإحترام: صباح الخير يا بابا..
رد عليها باقتضاب مُظهراً صفي أسنانه الصفراء: صباح الزفت على دماغك إنتِ كُل يوم هتروحي المخروبه الجامعه ومش هترجعي غير الساعه سته سبعه بليل وانا هنا طرطور لأ وفي الاخر هتتجوزي و تقعدي في البيت زي الخدامين غاويه خساير وضياع وقت وصرمحه هنا وهناك بحجة التعليم وإنتِ فاشلة أصلاً! مش كفاية صياعتك مع قُصيّ وأنا ساكت؟!
ضمت قبضتها بقوة وهتفت بنبرة مُرتجفة وهي تبلع غصتها كي لا تبكِ ثم قالت بـ ثقه مُغلفه بالكبرياء: أنا في رابعه هندسه يا بابا لو حضرتك متعرفش؟ ولو أنا فاشلة وبتصرمح مكنتش وصلت لـ سنة رابعة زي ماحضرتك بتقول!
تهجمت ملامحه واقترب منها بغضب ثم قبض على شعرها من فوق حجابها بـ عُنف جعلها تصرخ من الألم وهتف بقسوة: لا و بتردي عليا كمان ماشي أنا هربيكِ، رفع يده كي يصفعها لكنه توقف وأنزل يده ثم إبتسم بتشفي وتركها هاتفاً بـ كُره وكأنها ليست ابنته: علي العموم هرتاح منك قُريب عشان قُصيّ حدد معاد الفرح و هتتجوزي و تغوري من وشي كفايه اوي لحد كده أنا كبرتك و خلاص وقُصيّ إبن عمك وغني ومش لازم تكوني جاهزه من كل حاجه هو عارف ظروفنا و هياخدك زي ما إنتِ جهزي نفسك..
تساقطت عبراتها بـ حسره وهتفت بقهر وهي تبكِ: إحنا إتفقنا لما أخلص السنادي؟!
إبتسم بسعادة وهو يراقب ثورانها وكأنها أحد أعدائه وهتف بسخط: وغيرنا رأينا كملي معاه على الاقل هيدفعلك هو حق الكُتب اللي كاسره ضهري!
صرخت به بقهر بسبب ظُلمهِ وكذبهِ أي ظهر هذا الذي قد كُسِر: حرام عليك ليه كده حسبي الله ونعــ، ولم تكمل بسبب صفعته العنيفة التي هويت على وجنتها الناعمة شوهتها جعلتها تصرخ قبل أن تسقط أرضاً..
ثم تركها ودلف إلى دورة المياه..
أسندت راحة يدها إلى الأرض كي تدعمها ولا تسقط وهي تبكِ بألم فـ يكفي ما يفعل معها يكفي! هو مُنذُ ولادتها قاسي لا يرحم ولا تعلم السبب حتى والدتها نفسها يفعل هذا معها وليست هي فقط!.
إستفاقت من شرودها بـ تيه وهي تبكِ على تلك اليد الحنونة التي تعرف صاحبتها جيداً وهى ترفعها من خصرها..
نظرت بجانبها بلهفة لـ تجدها والدتها حقاً! لقد جاءت الآن، أوقفتها وهي تنظر لها بأسف ودموعها تنساب على وجنتيها بأسى..
لـ تهتف جـنّـة بنبره حملت بطياتها الألم وهي تشهق من كثره البُكاء: ماما، أنا تعبت والله مش قادرة أستحمل أكتر من كده قوليله اني مش هتجوز قُصيّ مستحيل أتجوزه إنتوا خطبتوني ليه غصب عني وكتبتوا كتابي غصب عني برضه لكن لِحد هنا وكفايه كفايه اوي عشان مش هقدر أستحمل أكتر من كده مش هقدر والله...
عانقها والدتها بحزن وهي تبكِ بأسي على حاله فتاتها الوحيده ثم فصلت العناق ورفعت يدها تمحي عِبرات فتاتها الجميلة التي أطفأتها قسوة والدها..
تحدثت باعتذار وهي تُربت على وجنتها المُلتهبة أثر الصفعة بنعومة تواسيها بأسف: أنا آسفة يا بنتي أسفه سامحيني عشان ما اخترتش الأب اللى هيبقي سندك و يحافظ عليكِ ما اخترتش الأب اللى هيحبك أكتر من نفسه أسفه عشان عمره ما خدك في حضنه وحسسك بحنان الأب سامحيني أنا أخترت غلط آسفه..
إرتمت جـنّـة بأحضانها وهي تنتحب بقوة فهي لا تملك غيرها في هذه الحياة ولاتدعو سوي بأن تدوم لها وليس غير ذلك..
توقف عن البكاء من أجلها بعد بعض الوقت ثم محت عبراتها سريعاً بظهر كفها كـ الأطفال وهتفت بـ نبرتها الرقيقه الناعمه التي لا تليق سوى بها وتخرج فقط مع والدتها: أنا مش زعلانه يا ماما ده نصيبك وده قدري ومحدش يقدر يعترض مفيش قدامنا حل غير إننا ندعي إن ربنا يهديه ويُفك كربنا مش أكتر من كده، ها؟
أومأت والدتها بحزن لـ تكمل جـنّـة بترجي: متعيطيش عشاني أنا مش عاوزه أسيبك وإنتِ زعلانه عشاني كفايه..
أومأت لها وهي تغتصب ابتسامة على شفتيها
لـ تقبل جـنّـة وجنتها برقه ثم حملت حقيبتها التي سقطت من يدها مُنذُ مدة وتحركت لـ تذهب فـ سألها والدتها بقلق: مش هتفطري؟!.
ابتسمت جـنّـة وقالت لها بحزن: خلاص أنا أكلت..
نظرت لها بحزن ثم قالت بعدم رضا وهي تُطالع هيئتها: جـنّـة إنتِ خسيتي وضعفتي الأيام دي وده باين عليكِ إنتِ مش بتاكلي بره؟.
نفت سريعاً وهتفت بكذب: لا طبعاً باكل أنا همشي بقي عندي مُحاضره مع السلامة، وقامت بتقبيلها مجدداً وذهبت..
هتفت والدتها من الداخل بصوت مُرتفع وصل لها وهي تدعو لها بقلبها: لا إله إلا الله..
صاحت جـنّـة بصوت مرتفع وهي تبتسم أثناء نزولها أخذه الدرج درجتين درجتين: محمد رسول الله..
خرجت من المنزل القديم تسير بخطوات سريعة في حيّها الشعبي البسيط خلافاً لـ أخلاقها الحميدة وتربيتها ولهجتها اللبقة مُتجنبة النظر للجميع كي لا تحمل ذُنوباً دون فائده حتى وصلت الحافلة التي تستقلها كل يوم صباحاً بسبب أُجرتها القليلة..
استقلتها بهدوء وهي ترفع طرف ثوبها لأنه سيتمزق إن دهست عليه! وقفت بالداخل بين المقاعد بسبب أن الحافلة ممتلئه، رفعت ذراعها وادخلته داخل تلك الدائرة البلاستيكية المُعلقة في العمود الحديدي الخاص بالحافلة الملتصق بالسقف بقوة..
شدّدت قبضتها حولها بضعف بسبب الدوار الذي داهمها من قلة الطعام لـ تبتسم بأسى وهي تتذكرحديث والدتها عن الطعام فـ كيف تخبرها أن الأموال التي تملكها لا تستطيع جلب زجاجة مياه بها يكفي التعليم بالنسبةِ لها يكفي!.
فقط سوف تتحمل كي تقضي تلك السنة بخير ووعدت نفسها أنها ستعمل وسوف تجني أموالاً من أجل والدتها قبل أن يكون من أجلها، فـ والدتها تعمل ليل نهار في المنازل كـ خادمة للتنظيف من أجل الحصول على قدر كافي من الأموال كي تكمل جـنّـة دراستها دون أن تحتاج لـ شيء وهذا يؤلمها، يؤلمها رؤية والدتها كل يوم وهي ترتمي على الفراش القاسي بتعب عند عودتها من كثرة الإرهاق ومن المفترض أن تنال الراحة لكن هذا الفراش يضاعف آلامها ولا يريحها بتاتاً وهذا يجعل جـنّـة تبكِ من كثرة التأنيب الذي تشعر به وتحمل نفسها ذنب ما يحدث..
ووالدها ذلك العاطل عن العمل يزيد الأمر سوءا عليهم بأخذ أكثر من نصف الأموال التي تقتضيها والدتها كل يوم عندما تعود وإن رفضت إعطائه يضربها بقسوة و يسبها ويلعنها بأبشع الألفاظ أمام إبنتها دون مُراعاة مشاعرها ولا مشاعر إبنته وهي ترى والدتها تتعرض للإهانة والضرب أمام أعينها بتلك الطريقة! ويتحدث الآن بكل بجاحة عن الأموال وكونه ينفق عليها وهو يأخذهم من زوجته عُنوة وكأنه المالك لها ومن تعب بهم! هي تدعو من كل قلبها أن يتوقف كُل هذا وتتحسن معاملة والدها لهم فقط لا تُريد أكثر ولا أقل..
توقفت الحافلة بسبب الزحام الذي أصبح روتيناً يومياً خاص بالسائقين!.
نظرت حولها وهي تتنفس باختناق بسبب الزحام في الحافلة حتى وجدت نافذة يتبين منها السيارات المتوقفة في الخارج لـ تجد أمامها في الجهة المقابلة نهر النيل..
ابتسمت بنعومه وهي تنظر اتجاهه فهي تعشق البحر وكم تمنت أن تعيش بمكانٍ به بُحيرة! فأكثر ما أسعدها أمس هو جلوسها أمام البحر في الإسكندرية وكم تشتهي العودة إلى هُناك الآن..
تحولت تلك الإبتسامة الرقيقة لأخرى مريرة وهي تبعد تلك الأفكار عن رأسها فهذا سيظل حلماً صعب المنال بعيداً كُل البعد بالنسبةِ لها ولن يتحقق مهمي حيت!
وجدت نفسها وبدون إرادة منها تترجل من الحافلة ثم قطعت الطريق كي تصل إلى الجهة المُقابلة كي تتأملهُ قليلاً فـ بالرغم من خروجها كُل يوم من أجل الجامعه لـ ثلاث سنواتٍ مُتتالية لم تذهب يوماً إلى مكان سوي الجامعه فقط ليس أكثر ولا أقل فلم تجرؤ وتقدِم على الذهاب لـ غير مكان قط هي لم تتربى على هذا..
قطعت الطريق وهي تنظر أمامها مُباشرةً اتجاه المياه تسير في وسط الزحام الذي إنتهى بابتسامة رقيقة غافلة عن السيارة التي كادت تصدمها لكن السائق كان سريع البديهة و ضغط على المكابح بقوة لـ تقف السيارة مُصدره صوتاً حاد بسبب احتكاك الإطار بالأرض بـ عُنف جعلها تنتفض بخضه وهي تنظر تجاه السيارة لكنها لم ترى السائق..
زفرت براحة ثم أكملت طريقها حتى وصلت الى المكان المنشود، الجسر..
بينما جاسم كان يقبض على المقود بقوة حتى أبيضت عروقه وهو يتنفس بعنف مُنفساً عن غضبه مُتجاهل الطريق وأبواق السيارات من خلفه التي كانت تطلق أصواتاً مُزعجة كي يتحرك فهو كاد يقتل شخصاً الآن بسبب تشتيته وعقله الشارد..
فتح النافذة بعنف و أعصاب تالفة عندما شعر بالاختناق كي يتنفس هواء نقي..
وجدت هاتفها المُتهالك مثلها قديم الإصدار يرن بصوته المبحوح كـ حالتهِ تماماً لـ تخرجه من الحقيبة كي ترى من فهي لا تخرجه منها من الأساس..
حدقت به قليلاً وهي تتساءل بنفسها عن تعبير قُصيّ إن رأي هذا الهاتف معها؟!
ضغطت على الزر لـ تجيب لكنها لم تكمل جُملة واحدة بسبب كم الصدمات التي تلقتها من تلك المكالمة وكان أقواها صوت قُصيّ الأجش وهو يخبرها أنه قادم وسوف يأخذها من الجامعة اليوم كي تنتقي ثوب زفافها لـ يسقط الهاتف من يدها بسبب إرتجافها واقعاً في النهر مع دموعها الحارة التي أخذت تنساب على وجنتيها الناعمتين بحزن وأسى..
نظرت إلى السماء وهي تبكِ بحرقة وكل ما كانت تتمناه بتلك اللحظه أن يغفر الله لها بسبب ماهي قادمه عليه الآن! لأن حياتها أصبحت لا تُطاق..
ثوانٍ قليلة فقط ووجدت نفسها تقف على حافة سور الجسر الحديدي و لا تعلم كيف صعدت عليه حتى!
تطاير حجابها وجلبابها إلى الخلف بقوة بسبب الرياح القوية بينما هي كانت تحني رأسها تحدق في المياه والمسافة القاتلة بتردد وخوف فهي لا تعرف السباحة والمنظر وحده يثير الرعب داخلها..
توسعت عينيها بخوف عندما سمعت صياح أحدهم بها من الخلف كي تتوقف فأغلقت عينيها وكتمت أنفاسها وقفزت سريعاً ولا تعلم ماذا سيكون مصيرها حتماً الموت غارقة؟!.
خرج جاسم من السيارة بضيق عندما إشتد الزحام وهتف باستفهام يسأل ذلك الرجل الذي قابله وهو يتمتم بـ لا حول ولا قوة إلا بالله : هو في إيه؟
تنهد الرجل بحزن وهو يهز رأسه ضارباً كفية معاً: في واحدة إنتحرت نطت من على الكوبري..
توسعت عيناه بتفاجئ ثم أومأ له بهدوء وهو ينظر إلي الجسر وكم أراد أن يذهب و يقفز خلف تلك التى قفزت من اليأس الذي يشعر به لكنه منشغل الآن!.
عاد إلى السيارة عندما خفّ الزحام ووجد السيارات خلفه يحسونه على التقدم ومازالت أصوات الأبواق تصدح بصوت مرتفع ونفاذ صبر استشعره..
عاد إلى القيادة بحزن ثم اتجه صوب وجهته الثانية، الجامعة، وكما توقع هى ليست هُناك فهذا يومها الأول بالقاهرة يعني أنها تتجول الآن فهو يوم ترفيهي بالنسبةِ لها ويعلم هذا جيداً..
ضرب المقود بغضب ثم عاد إلى القيادة بسرعة عائداً أدراجه إلى الإسكندرية فهو لن يعرف عنها شيء سوى عندما تُريد هي ولا يتوقع أن تفعل لأنها تركت الهاتف خلفها والشقة التي من المفترض أنها تمكث بها هُنا لم تذهب إليها والمفتاح معه كانت تأخذه منه قبل أن تذهب وتركته خلفها هو الأخر! ومتأكد أنها لن تذهب إليها حتى لو معها مفتاح وهو لا يعلم كيف يصل لها الآن وسوف يجن!
تصيبه هستيريا عندما تبتعد عنه ولا يعرف عنها شيء وهذا ماكان يجعله ينصاع لها في أغلب الأوقات ولا يرفض لها طلباً كي لا تختفي بتلك الطريقة لأنها عنيدة ولا يعلم ماذا سيفعل الآن؟! أمله الوحيد هو بطاقتها الائتمانية فـ عندما تسحب منها أموالاً سوف يعرف مكانها..
هز رأسه مبتسماً بسخرية وهو يصك أسنانه بغضبٍ من نفسهِ ومن ضعفهِ أمامها فهو لا يعرف حتى من أصدقائها كي يسأل عنها! يتركها دائماً بحريتها وبعد كُل هذا تبكِ وتخبره أنه يستغل كونها وحيدة! اللعنة هو الوحيد هُنا وليس هي حقاً! فإن والدته هي الأخرى تتخذ صفها دائماً..
عودة إلى الوقت الحالى...
تحدث بتثاقل دون أن يرى من المتصل: ألو..
وصل له صوت الرجل الإسكندراني المُتأصل الذي يعرفهُ جيداً وتحدث وهو ينظر إليها كيف فاقدة للوعي بعد أن أخرجها من المياه كـ جثة هامده: جاسم بيه لقيت مراتك!