رواية حب افتراضي بقلم دعاء الفيومي الفصل السادس
عندما وصل عمر، ومعه بدر قاعة الأفراح، وجدوا ما لم يتوقعه أحدهم؛ فقد رأوا بالون بحجم كبير عليه صورة لحسناء، ومعها رجل لا يعرفوه، فهم لم يروا حازم من قبل، ومكتوب.
(حفل زفاف دكتور حازم المنياوي، والدكتورة حسناء حلمي).
صدمة كبيرة اجتاحت قلب، وعقل عمر، فهل لهذه الدرجة وصلت حقارتها كي تطلبه يغني في زفافها، لماذا؟ ما الذي فعلته كي تعذب قلبي هكذا؟ لكن لا وألف لا لن أترك قلبي للعذاب طويلآ، فالندم يكون على من يستحق فقط، وقلبي يستحق حياة أخرى؛ حياة بها أشخاص يحبونه بصدق، لا يعرفون معنى الخيانة.
كل هذا كان يحدث به عمر نفسه، وبدر يحاول جذبه للخارج.
بدر بإصرار: تعالى ياعمر خلينا نمشي، انت يابني فوق كده ورد عليا.
نظر له عمر بثبات: لا يا بدر دول طالبين المطرب المجهول بالإسم، وأكيد عرفوا هو مين المطرب ده بما انهم طلبوني، وأنا لازم أغني النهارده، ومش هبقى مجهول.
هز بدر رأسه بالرفض وقال بتصميم: لا مش هتغني ياعمر اسمعني، متعذبش نفسك، ولو على الشرط الجزائي دي أخر حفلة ليك هنا، وأنا متكفل بالشرط ياسيدي بس مشوفكش مكسور.
احتضن عمر بدر بقوة وكأنه يستمد القوة، والشجاعة منه وتحدث بهدوء: مش حكاية فلوس يابدر ومش أنا اللي هكون مكسور، أنا هخرج من هنا أقوى وأحسن، بس أنا حابب أقدم الأغنيه دي أخر هديه مني للعروسه.
ضم بدر شفتيه ثم هتف بقلة حيله: اللي تشوفه يا عمر المهم انك تكون كويس.
توجهوا لمكتب المدير، وبعد الإستئذان دلفوا للداخل
ابتسم مدير القاعه وهتف: يا أهلا بالمطرب المجهول اللي عايز يسبنا ويمشي.
عمر بابتسامة هادئه: معلش بقى سامحني اللي كنت بشتغل علشانها اختارت غيري.
المدير بصدمة: انت انفصلت عن خطيبتك؟!
هز عمر رأسه بإيجاب ثم نظر لمديره برجاء: أيوة انفصلنا، وفرحها هنا النهارده، شوف حضرتك أنا في الأول بشكرك جداً انك قبلت بشغلي هنا، وكمان بشروطي رغم ان القاعه كبيره وألف واحد أشهر مني يحب يغني فيها وهو ظاهر كمان للناس، عارف انك عملت كده علشان حضرتك كنت صديق لوالدى في يوم من الأيام قبل سفره و...
المدير بجديه:لا مش كده وبس لكن علشان انت صوتك فعلا رائع، وموهوب يعني انت مكسب لأي مكان تشتغل فيه.
عمر بابتسامه: متشكر لحضرتك بس انا ليا طلبين عند حضرتك اتمنى يلاقوا القبول
المدير: خلاص من غير كلام أنا بعفيك طبعا من الغنى النهاردة، ولو كنت أعرف مكنتش كلمتك، بس العريس هو اللي طلبك، بالإسم وكأنه يعرف مين هو المطرب المجهول روح انت وأنا هتصرف.
عمر برفض: لا أنا عايز أهديهم أغنية النهاردة، بس لو سمحت أي كان اللي هغنيه ياريت يكمل متفصلش الصوت.
المدير بهدوء: حاضر يابني، وزي كل مرة مش هنجيب اضاءة عليك علشان تفضل مش معروف.
عمر: بعد ما أخلص غنى لو سمحت، تسلط الضوء عليا عايز أظهر ممكن؟
المدير: اللي تشوفه ياعمر، بس صدقني انا بعفيك من الشرط الجزائي لو ده اللي شاغل بالك.
بدر بتعجب: عمر انت متأكد من اللي بتعمله ده؟
عمر بإصرار: أيوه يابدر اللي بعمله ده هو اللي هيفوقني.
شعر مدير القاعه بالحزن من أجل عمر لكن قرر فعل ما طلبه منه، لعله بهذا يساعده على النسيان
جلست أمام المرأه، بعد أن انتهت من التزين وأصبحت في أبهى صورها، كان الفستان الأبيض، الذي أحضره لها حازم من باريس خصيصاً يظهرها كملكه متوجه، كما ذاد من جمالها التاج اللامع فوق حجابها الملفوف بطريقه أبرزت جمالها، لكن مع كل هذا فلم تصل فرحتها لعيونها، وشعرت باختناق لا تعلم مصدره.
نظرت والدة حسناء لها بتعجب وقالت: مالك يابنتي مش فرحانة ليه؟ مش ده اللي كنتي عايزاه؟!
هزت حسناء رأسها بإيجاب: فعلا ده اللي كنت عايزاه، بس مش عارفه مخنوقه ليه مش عارفه أفرح، حازم جابلي عربية، وشبكه أ لماظ، كل اللي طلبته، بس انا حاسة قلبي مقبوض مش عارفه السبب.
استمتعوا طرقات على باب الغرفة، فتحت والدة حسناء.
حلمي بهدوء: جاهزين ولا إيه العريس تحت مستني.
والدة حسناء: أيوة خلاص، ياله يا حسناء بابا مستني.
عندما سلم حلمي ابنته لحازم المبتسم بنصر وكأنه حاز على ما يريد، جلسا سويآ ومال عليها قليلاً وقال لها: مبروك حبيبتي، عاملك مفاجأة، إنما تجنن فيه مطرب بيغني هنا في القاعه بيقولوا اسمه مجهول مش حابب حد يعرفه، بس صوته حلو جداً.
ابتسمت حسناء وهزت رأسها دون كلام.
بعد عدة فقرات كان يتابعها عمر من بعيد، يقف بجانبه صديقه المخلص بدر حان موعد فقرة غنائه وبالفعل قاموا بتخفيف الإضاءة كالعادة، بحيث لا يراه أحد وصعد عمر بثبات
وبدأ بالغناء، وكانت كلماته كأسهم موجهه لقلب حسناء.
ملهمش في الطيب يا قلبي ياطيب
ياللي ما شافوا منك غير كل شئ طيب.
والله يعوض علينا الله يعوض علينا.
باللي يفرح عنينا اللي يفرح عنينا.
ونلاقي حبيب يجينا يداوينا ويطيب.
يداوينا ويطيب.
سيبهم ياقلبي سيبهم سبب الأوهام تاخدهم.
غالي حبك ياقلبي والغالي مش نصيبهم.
بكرة القلب اللي باعنا يندم على يوم ودعنا يندم على يوم ودعنا.
أصبر ياقلبي اصبر انسى اللي كان ودور تاني على حب تاني على قلب يصون ما يغدر.
بكرة القلب اللي بعنا يندم على يوم ودعنا يندم على يوم ودعنا.
ملهمش في الطيب ياااااقلبي يااااطيب.
بعد انتهاء عمر من الغناء، كانت حسناء قد علمت صوته جيدآ وتجمعت الدموع بمقلتيها، لكن لم تسمح لدموعها بالنزول، كي لا يراها أحد، وشعر حازم بالغيظ فهو من طلبه وهو يعلم هويته بعد فترة من مراقبته، وأراد أن يزين انتصاره أن يجعله يحيي زفافه.
فجأه سلطت الإضاءة على عمر ووقف، وتحدث بثبات وابتسامة قائلا: السلام عليكم، أعرفكم بنفسي اسمي عمر، ومهنتي محامي تحت التدريب، وزي ما بيقولوا المطرب المجهول ده لأني مكنتش حابب حد يعرفني، ولأني مكنتش هكمل في المجال ده، أنا اشتغلت فيه من سنة بالظبط، علشان أوفر فلوس زيادة علشان الإنسانة اللي حبيتها، بس هى طلعت متستهلش تعبي، فده أخر حفل هغني فيه، وحبيت أقول لكل واحد وواحده فيكم، أوعى تيجي على نفسك في يوم، علشان اللي بتحبه، لو مش هيقدر تضحيتك، وحبك، دور على اللي يحبك بجد، وهو هيقدر أقل حاجه تعملها علشانه.
انهى عمر كلامه الذي أثر في قلوب الجميع، ثم توجه لصديقه وطلب منه المغادرة، لكن قبل مغادرة القاعه أوقفهم صوت والد حسناء ينادي من خلفهم.
حلمي: استنى ياعمر.
استدارعمر وابتسم في وجهه: افندم يا عم حلمي، أسف لو ضايقتك بكلامي بس كان لازم أعمل كده بما إنها طلبتني أغني في فرحها.
حلمي: أنا اللي أسف يابني، حقك عليا بس محبتش اضغط عليها، علشان متلومنيش بعد كده، وعلشانك كمان لأنها مكنتش هترضى مهما انت قدمتلها، بس على فكره هى مش ممكن تطلبك أكيد دي صدفه، هى مكنتش تعرف انت بتشتغل في أي قاعه صح؟
عمر بهدوء: أيوه مكنتش تعرف محبتش اقولها، على العموم مش هتفرق مين طلب ده وكل شئ نصيب، حضرتك ملكش ذنب، ومنعرفش الخير فين، اسمح لى أستأذن.
حلمي بهدوء: مع السلامه يابني ربنا يفرحك.
خرج عمر وبداخله انسان جديد، طوى صفحة حسناء بل مزقها نهائيآ من حياته، وقرر الاجتهاد في عمله.
بعد أن انتهت عليا، وعبير من تنظيف الشقة، جلسا يستريحا.
عبير وهى تلتقط أنفاسها: والله ماعارفة راسك الناشفة دي ليه يابت أبوي.
ابتسمت عليا بهدوء ابتسامه حزينه لم تصل لعيونها وقالت: معلش كده هكون مرتاحة أكتر.
ضمت عبير شفتيها، مع رفع السفلى بقلة حيله ثم أشاحت بيدها في الهواء وهتفت في تردد: ربنا يستر البيت كلاته مفيش فيه حد، ومهجور من وقت ما سافرتي اسكندرية، وأنا اتزوجت سالم، حتى السكان اللي كانوا عندنا فيه سابوه، نهايته اقوم اشوف الوكل.
دمعت عين عليا عندما لاحت لها ذكريات طفولتها في المنزل، كم اشتاقت لوالديها.
شردت قليلا.
عليا: ماما عايزاه أسألك عن حاجه.
الأم: قولي ياحبيبتي.
عليا: هو انتي اتجوزتي أبوي عن حب زي اللي بشوفه في المسلسلات.
الأم: ههههه لا يابتي، جواز عادي أبوكي راجل، وشهم ويجمعنا العشرة، ووجودكم لكن الحب اللي بالك فيه ده لأ.
عليا: هو انتي شايفه الحب حلو يا أمي.
الأم: احنا ناس محافظه يابتي والحب ده حتى لو في القلب لازم يفضل جواه منبوحش بيه إلا لحلالنا، بس انا عايزاكي متوافقيش إلا بواحد زيك، مناسب ليكي في كل حاجه، علشان متندميش، واحنا عمرنا ما هنغصب عليكم في جواز.
استفاقت عليا من شرودها على صوت عبير، وهى تخرج من المطبخ.
عبير: علياااااا.
عليا: ها إيه بتقولي حاجه.
نظرت لها عبير بتعجب: لا انتي حالتك حالة، من وقت ما جيتي وانتي دايمآ شاردة، وساكته بنادم عليكي بقالي كتير، قوليلي إيه مضايقك يا خيتي.
عليا بهدوء: معلش ياعبير مفيش حاجه أنا بس تعبت من توضيب الشقه.
رفعت عبير حواجبها وضيقت عينها وكأنها تعلم أن هناك ما يحزن أختها لكن تركت قرار التحدث لها رددت: ماشي، أنا جهزت ليكي وكل جوه في المطبخ، تحبي أغرف ليكي قبل ما أنزل.
عليا بابتسامه: لا مش جعانة دلوقتي، كلي انتي.
عبير: لا أني كومان شبعانه، هسيبك بقى علشان هروح أشوف ملك، لأن صوتها مكنش عاجبني لما كلمتها، وعلشان أروح بقى سايبه مروان مع سته، ومع أم السعد من بدري.
عليا وهي توصل عبير عند باب الشقه: سلمي عليها كتير وحشتني، ارتاح النهاردة وابقى اشوفها بكرة باذن الله.
عبير بابتسامة حنونة: إن شاء ياحبيبتي، ومتخافيشي سالم هيخلي غفر يكونوا قريبين من البيت علشان تكوني مطمنه، واحنا كمان.
عليا وهى تنظر إلى الشقه المقابلة: فاكرة لعبنا مع بعض، احنا، وسالم، وملك، ولاد خالنا ومريم، ومصطفى جيرنا رغم انهم كانوا اكبر بس كنا بنلعب سوا كانت أحلى أيام.
عبير: أيوه هما سابو البيت من كام سنه، وراحوا اسكندرية علشان مصطفى اتعين في الجامعة عنديكم.
عليا: أيوة الصراحة كان دايماً يسأل عني، ويقول لو محتاجه حاجه اروحله، وأكملت دون وعي منها وكان أقرب صديق لكريم.
عبير بتعجب: كريم مين؟!
عليا بتردد: ها لا أصله معيد عندنا، كان بيوصيه عليا.
هزت عبير رأسها ثم هتفت: اها طيب سلام علشان عوجت قوي، خلي بالك من حالك.
عليا بهدوء: ماشي سلام.
دخلت عليا غرفتها، وأمسكت دفترها، وشرعت في رسم لوحة جديدة لكريم، ودموعها تتساقط، دون توقف.
بعد انتهاء حفل زفاف حازم، وحسناء ذهبوا لجناح قد استأجره والد حازم لهم لقضاء بعض الأيام بحريه.
جلست حسناء على الفراش بعد أن ابدلت ملابسها، تنتظر خروج حازم من الحمام، كي تؤنبه على ما حدث في الزفاف.
خرج حازم بعد فتره وعندما جلس جوارها نظرت له بلوم وهتفت بضيق: انت اللي طلبت عمر يغني الليلة، كنت تعرف انه هو اللي بيغني؟
احمرت عين حازم ونطق بعصبية: في واحدة تجيب سيرة خطيبها الأول لجوزها يوم دخلتهم.
حسناء بتردد: انت السبب إني اجيب سيرته، ليه عملت كده؟
حازم بصوت مرتفع: أنا أعمل اللي انا عاوزه، وبفلوسي أجيب اللي أحبه، حتى انتي جبتك هنا بفلوسي، صحيح دفعت كتير بس تستاهلي.
نظرت له بصدمة ونطقت بشفاه مرتعشه من الغضب: بتقول إيه أنت اتجننت.
أمسكها حازم من زراعها بقوة حتى تألمت: أنتي بتغلطي فيا، إيه تنكري انك اتجوزتيني علشان فلوسي، وعلى فكرة انا اتجوزتك علشان ابويا يحل عني لأنه مصمم إني اتجوز، ومفيش مانع إنك عجبتني، وأنا اللي بيعجبني بشتريه.
انسابت دموع حسناء معلنه عن صدمتها وخوفها وقالت بصوت ضعيف: أنت بتعمل ليه كده انت بتخوفني منك.
نفض ذراعها وتحدث بنبرة مخيفة: إنتي اللي عصبتيني بسؤالك ماكنا كويسين.
حسناء بهدوء وخوف من عصبيته: معلش خلاص.
نظر لها مع رفع حاجبه وقال بحزم: اتأسفي.
اتسعت عين حسناء بصدمة، وقالت بتعجب: بتقول ايه؟!
رفع صوته بقوه: قولت اتأسفي إيه انطرشتي.
أ تعدت أوصلها وقالت من بين شهقاتها: أنا أسفه.
حازم: أيوه كده شاطرة، ياله تعالي بقى.
حسناء برعشه: أجي فين؟
اعتدل حازم على الفراش وأشار بيده على المكان بجانبه وقال بابتسامه: تيجي هنا جمبي اخلصي
شعرت بالتوتر والخوف بنهش قلبها لكن تحدثت بهدوء: طيب مش نصلي طيب.
حازم وهو يجذبها من يدها: اه هنصلي بس بعدين، ياله بقى.
حسناء بعد أن جذبت يدها قالت بهدوء: ياحازم اسمعني بس، انت ليه بتعمل كده خلينا نصلي علشان ربنا يبارك في حياتنا، ويمكن يزرع الحب في قلوبنا، حابه أعيش في استقرار معاك، حتى لو جوازنا مش عن حب.
ثم اكملت برجاء: خلينا نبدأ من جديد، نصلي وتقول الدعاء اللي هو
، هتحط إيدك على رأسي وتقول:
(اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ) صدقني ده أحسن لينا .
اعتقدت حسناء أن قلبه سيرق، ويراعي خوفها
لكن كانت صدمتها الكبرى عندما تحدث .
حازم بملل: خلصتي الخطبه بتاعتك، قولتلك بعدين بس انتي مش بتفهمي.
جذبها بقوة وألقاها على الفراش دون أن يعير كلامها أي إهتمام.
في هذه اللحظه علمت حسناء أنها وقعت بين براثن أسد لا يهتم لأمر فريسته، وأنها من أوقعت نفسها له دون مجهود يذكر منه؛ فاستسلمت لمصيرها.
كان بدر، وعمر يجلسون سوياً على شاطئ البحر كما اعتادوا ينظرون للأمواج تتضارب بقوه وكأنها تمثل الصدمات التي يتلقونها واحدة تلو الأخرى، كان كل منهم شارد الذهن.
بدر يفكر في من أخذت قلبه، وسافرت فهو الأن يحتضر بالبعد عنها، يفكر بجديه أن يذهب ليكون بجوارها، يشعر أنها بحاجته.
عمر يفكر كيف يبدأ حياة جديدة، فالماضي لا يستحق الحزن، لابد أن يهتم بمستقبلة لعل الله يعوضه بالأفضل.
نظر بدر لعمر وتحدث بجديه: عمر إيه رأيك لو جالك فرصة عمل في الصعيد، وبمرتب أحسن من هنا كتير ممكن توافق؟
هز عمر رأسه بالموافقه: أوافق طبعا، اللي كنت قاعد علشانها هنا خلاص، يبقى إيه المانع، بس هو فين الشغل ده واشمعنا الصعيد؟! .
أمسك بدر هاتفه وضغط عدة أرقام، وهو يشير لعمر أن ينتظر بعض الوقت.
أجاب الطرف الأخر وقال بمزاح
سالم: السلام عليكم ازيك يابدر اتوحشتك ياراجل، بقالك نص ساعة مكلمتنيش علشان تطمن على عليا، وكأنها مش في حماية راجل هيحافظ عليها.
بدر: بطل غلاسة يا عم انت، انت راجل وسيد الظباط كمان بس أن بكلمك دلوقتي في شغل.
ضم سالم حاجبيه بتعجب وقال: شغل إيه ده؟!
بدر بجديه: قولي فاكر عرض الشراكة اللي انت عرضته عليا في الشركة اللي ابوك سابها، وانت مش فاضي تديرها.
سالم بفرحة: أيوة طبعا ومازال عرضي مستمر، أنا سايبها ومعرفش بيعملوا فيها إيه، لأن مش فاضي ليها.
بدر بصوت جاد: وانا موافق، هشارك بس هدخل فيها قسم الديكورات، تبقى بدل ما هى شركة مسؤلة عن البنا بس، تكون بتسلم المباني متشطبه.
سالم بإعجاب: وأنا موافق ياعم، اعتبر انها شركتك مش هلاقي حد أثق فيه زيك، وبالمرة تبقى جمب عليا وترحمني من صداع التليفونات.
بدر بضحك: ماشي يا عم سالم، مكنوش عشر اتصلات في اليوم، و3 عليها، اسمع بقى انا مش هقدر أدير الشركة لوحدي، هيكون معايا عمر صديقي هو محامي، وبثق فيه زي نفسي.
سالم: يا عم بقولك الشركة شركتك، وبعدين أنا كنت سايبها لناس غريبة، فطبعاً في إيديكم هتكون في أمان.
بدر: اتفقنا ياسالم، ربنا يجعلها شراكة خير علينا.
سالم: يارب ياصاحبي.
اعتدلت عبير على الفراش الخاص بملك أخت زوجها، ونظرت لها بأعين متسعه من الصدمه بعد سماع ما روته لها.
عبير بعصبيه: بتقولي إيه ياملك، يعني إيه انتي زي ما انتي بقالك خمس شهور متجوزه، وجوزك مقربش منيكي، طب سكتي ليه وجايه دلوك تقولي الكلام ده طب ليه؟!
ملك ببكاء: وطي صوتك بس، هو من أول جوازنا وقالي إنه مبيحبنيش، وإنه اتجوزني غصب عنيه.
علت شهقاتها ثم أكملت، وإنه كومان مش حابب يشوف خلقتي.
عبير بصدمة: طيب وانتي إيه سكتك كل ده.
ملك بدموع: كان عندي أمل إني أقدر أخليه يحبني علشان أحافظ على بيتي مهدوش، وانتي عارفه اللي بتطلق إهنه بيقولوا عليها إيه، محبتش أحط رأس أخوي في الطين.
ربتت عبير على قدمها بحنان وقالت بصوت هادئ بعض الشئ: طب وهو إيه اللي غصبه على الجواز، مقلش السبب، وبعدين هو كان يطول.
ملك بنحيب: لا مقلش، وكل ما أحاول اتحدت معاه يصدني.
عبير: أنا صحيح، لما اخوكي يتعصب علي، أو يصدني بزعل شويه، بس برجع وبسامح لأني متأكده إن ده عكس اللي جواه، وإنه بيحبني لكن انتي لااااا لا يمكن نسكت.
ملك مسرعة: لا ياعبير أنا اتخدت وياكي، لأني كنت مخنوقه، وانتي مش بنت عمتي، ومرت أخوي وبس، لا انتي صحبتي، وأختي خلي كلامي معاكي سر لعند ما اعرف أخرتها، يمكن يفوق.
احتضنتها عبير وتقول بنبرة مستسلمة: ماشي ياخيتي بس مهصبرش كتير، لازم يكون فيه حل.
رفعت ملك يدها لوجهها وأزالت دموعها وجاهدت في الهدوء ثم قالت مغيرة لمجرى الحديث: ليه ما جبتي عليا معاكي، اتوحشتها كتير البت دي.
تقبلت عبير رغبتها في تغير الحديث وقالت: هى كمان اتوحشتك، وبعتالك السلام لعند ما تاجي تشوفك بكرة، كانت تعبانة شوي النهاردة.
ملك: سلامتها ألف سلامة ياخيتي.
استمعوا لصوت الخادمة تدق الباب فأذنت لها ملك بالدخول.
الخادمة: سي سالم بيه تحت ياستي.
وقفت عبير: تعالي سلمي عليه ياملك.
نزلا سويآ وعندما رأت ملك سالم ارتمت بين احضانه، فهو ليس أخاها فقط، بل أب حنون عليها.
سالم بحنيه: اتوحشتك ياملك.
ملك بحب: وانت كمان وحشني قوي يا أخوي، كل ما اجي تكون في الشغل.
سالم: معلش حقك عليا، كيفك ليه عيونك حمرة إكده؟ انتي كنتي بتبكي؟
ملك بتوتر: لا دخل فيها حاجه، وانطرفت بس، استنى دقايق أحضر العشا.
سالم: لا الوقت اتأخر قوي يادوب نروح، علشان مروان، أمال فين حامد، وفين أبوكي الحاج علوان؟
ملك بتردد فهى لا تعلم أين يذهب، أو متى سيعود: أصل هو عنده شغل، ولسه مجاش،وأبوي الحاج تلاقيه عنده طلبية تسليم قماش علشان إكده اتأخر زمناته على وصول.
وقف سالم وقال بابتسامه: أه الله يعينهم، عاوزاش حاجه؟
ملك: تسلم ياخوي، ربنا يباركلي فيك.
نظر سالم لزوجته ومد يده: ياله ياأم مروان، نستأذن إحنا بقى.
ملك بابتسامه حزينه: مع ألف سلامه، ابقوا طلوا عليا أني مهحبش اجي كتير البيت انتوا عارفين.
هز سالم رأسه بموافقه: حاضر عنينا ليكي ياخيتي.
سارت عبير معه وهى شاردة الذهن فمن رأته بالداخل يشع قلبه رقه، وحنان هو زوجها وحبيبها الذي افتقده، ولا تعلم متى سيعود.
أثناء خروجهم من الفيلا تقابلا مع علوان يدخل بمفرده.
علوان: يامرحب يامرحب بسعادة الباشا، منور الثرايا والله.
سالم: بنورك ياحاج علوان، كنا بنمر على ملك بس ما شوفناش حامد أمال هو فينه دلوك الوقت متأخر عاد، معقول مخلصش شغل لدلوك؟
علوان بتوتر: حامد ليه ملك اشتكت من حاجه لا سمح الله؟
سالم بتعجب من توتر علوان: لا وتشتكي ليه، أني بسأل عنيه بس.
تنهد علوان وقال: تلاقيه سهران شوية اهنه، ولا اهنه هبابة وتلاقيه جاي.
سالم وهو يستأذن للرحيل: طاجي بالسلامة إن شاء الله.
خرجوا من الفيلا بالسيارة ونظر لعبير.
سالم: هى ملك كانت بتبكي، ولا مطروفة صوح.
عبير بتردد: لاااا زي ما قالتلك.
سالم: مش عارف مش مستريح.
عبير بابتسامه: ربنا يريح قلبك ياحبيبي، اطمن .
دق قلب سالم لكلمة عبير، ونظر لها بحب ثم سرعان ما عاد إليه بروده الخارجي فقط، ونظر أمامه دون حديث.
هزت عبير رأسها بأسى، فهى لا تستطيع أن تخرج العاشق الذي يرتدي قناع الثلج هذا.
في مكان أخر
أخذ حامد في الإلتفات خلفه بين التارة والأخرى، وكل لحظة يقوم بإمساك الشال الذي يرتديه؛ ليخفي ملامح وجهه جيدا، حتى وصل إلي المكان المنشود، حاول فتح الباب لكنه وجده مغلق من الداخل، طرق الباب بخفة...
أتى من الداخل صوت أنثوي رقيق: مين؟
حامد بخفوت: أفتحي الباب ياوردة
بمجرد سماعها صوته، فتحت له الباب بسرعة، دخل حامد وبمجرد إغلاقه الباب ضمها لأحضانه بقوة.
حامد باشتياق: أتوحشتك قوي يا وردتي.
وردة بذعر: أبوي هيشوفنا إكده ياحامد
قام بجذبها دون كلام من يديها باتجاه غرفة نومها واغلق الباب بالمفتاح
حامد: إكده مش هيشوفنا ياعشقي
أصبح وجه ورده باللون الأحمر خجلا.
ثم قالت بصوت رقيق: إللي عملته دلوجتي عيب وميصوحش خالص ياحامد
حامد وجه لها نظرات مشتاقة: بقولك يابت أتوحشتك قوي.
وردة بدلع: وأنت كمان ياحامد اتوحشتك قوي... بس انا زعلانه منيك.
حامد ضيق بين حواجبه بتركيز: ميتى حوصل وفي يوم زعلتك ياعشق الروح
وردة زمت شفتيها بدلال: لأنك من أخر مرة كنت إهنه مجيتش، ولما كلمتك تلفونك مقفول على طول، اني بقلق عليك أوي يا حامد، وبخاف يكون أبو ك عرف انك بتاجي إهنه.
حامد: والله غصب عني كان شغل، وتلفوني وقع واتكسر ولسه جايب واحد النهارده، وياستي أنا جاي دلوك عشان اصالحك... واخرج من جيبه علبه قطيفة... خدي ياوردة
وردة بفضول: أيه دي
حامد بابتسامة: افتحيها وأنتي تعرفي
مسكت العلبه واخذت تقلبها بين كف يدها: اوعي تكون فاكر نفسك هتضحك عليا بالهدية دي.
حامد: افتحيها بس وانا متأكد إنها هتعجبك
لما رأت مابداخل العلبة حاولت بصعوبة تخفي تأثرها بهذه الهدية...قائلة بخفوت: برده زعلانه
حامد: عيني في عينيك وقوليها لسه زعلانه منك ياحامد
ابتسمت وردة وقالت: أنت كنت لسه فاكر ياحامد
حامد بحب: وأنا من ميتى بنسى حاجة عاجبتك... ها لسه زعلانه؟!
وبعدين انتي عارفه البلوى اللي بلاني بيها أبوي، في البيت لازمن اكون في طوعه اليومين دول لعند ما اشوف حل
وردة بابتسامة خفيفة: خلاص مزعلناش... علشان افتكرت السلسلة اللي عاجبتني...بس مش كتير الفلوس اللي دفعتها فيها؟
حامد: كل يهون عشان خاطر عيونك يا وردتي.
شعرت عليا بالجوع، دخلت المطبخ، وأشعلت النار، ووضعت عليها الطعام لتسخينه، ثم رن هاتفها، ذهبت لتجيب، ولكنه فقد شحنه قبل أن تتحدث، اوصلته بشاحن الكهرباء، ونظرت على المنضدة وجدت رسمتها الأخيرة لكريم، أمسكتها وجلست تحدثها بدموع: وحشتني اوي، قولت إنك هتتقدم، بس سبتني، صحيح مقلتهاش ليا، بس اكيد كنت تقصدني، انا عارفه.
وحشتني، كنت محتجالك، انت اللي حلمت بيه طول عمري، شكلك، وتصرفاتك، علمك، كل حاجه ليه سبتني، محتاجه تكون جنبي.
غفت عليا من كثرة البكاء، وهى تضع رأسها على المنضدة، ثم بعد فترة استيقظت فزعة على رائحة دخان شديدة، جعلتها تسعل وهرولت للمطبخ مسرعة، أطفأت النار وحمدت الله أنه لم يحدث حريق، زاد سعالها حتى كادت أن تختنق، خرجت وقامت بفتح باب الشقه، وجميع النوافذ، وعندما فتحت أخر نافذه وهى المطلة على نافذة الشقه المقابلة لهم، فكل شقتان متقابلتان في البناية نافذتان من الخلف متقابلتان، نظرت للنافذة وهى تسترجع بعض الذكريات.
فجأة فُتحت النافذة المقابله واتسعت عين عليا مما رأت، وشعرت بالدوار ثم وقعت مغشيآ عليها.