رواية حب افتراضي بقلم دعاء الفيومي الفصل الرابع والعشرون
خطوة واحدة واسعة كانت كفيلة تنقله من أمام باب الغرفة حتى السرير، وأمسك الرسالة بيد مرتعشة من فرط سعادته التي لا يعلم سببها.
قرب الوردة من أنفه يتنفس عبقها الرائع، ثم نظر للرسالة، وفتحها وعلى فمه ابتسامه واسعة، وجد بها كلمات شعر وكأنها في عينيه، مطرزة، وليست مكتوبة.
(مساء الخير أو صباح الخير يا حزومة.
على حسب التوقيت اللي بتقرأ فيه رسالتي.
عارفة إنه أول مرة أكتبلك الاسم ده، وعارفة كمان إن مكنش حد بيقولهولك غير مامتك الله يرحمها؛ بس تقدر تقول حبيت أعتذر عن تأخيري النهاردة.
اه متستغربش إنها وردة واحده؛ بس ده علشان بالليل وجود ورد كتير في أوضتك غلط، فبعتلك أجمل وردة بحبها في بستاني الخاص.
تحب تعرف ليه اتأخرت؟
حتى لو متحبش هحكيلك برده، متضحكش عليا كده بس انا بحب احكيلك مغامراتي.
وأنا خارجه الصبح عربيتي عطلت؛ وبالصدفة كنت قريبة من ميكانيكي، فطلبت من الرجالة يساعدوني أوصلها لعنده، وأول ما وصلت هناك شوفت صاحب الورشة دي بيضرب طفل صغير ضرب جامد جداً، علشان إيه بقى؟ عرفت لما شديت الولد بعيد عنه وسألته فقالي إنه شرد شوية غصب عنه؛ فمردش على الأسطى لما نادى عليا، أصل أمي عيانة النهاردة أوي وأنا قلقان عليها، وهى لوحدها في البيت.
متتخيلش يا حازم حسيت بإيه وقتها، حسيت ان عيوني هتطلع نار تحرق الأسطى ده، بصيتله، وقولتله لو ده ابنك هتعمل فيه كده؟ بلاش دي انت نفسك متشردش بعقلك للحظات بدون إرادتك؟
كمان بلاش دي.
مفكرتش للحظة إنه مسمعكش علشان تعبان، أو عنده ظروف أو أي سبب ليه متعذرش طفل عنده ١٢ سنه يواجه وحش زيك مفيش في قلبه رحمة؛ لمجرد إنه محتاج الشغل.
رد عليا بكل برود وقال: الشغل شغل مليش دعوة ظروفه مهببه، ولا منيلة بنيلة على دماغه.
اتصدمت بجد إن فيه قلوب كده، قلوب القسوة عميتها، حسيت وقتها إني أعيش مع ورودي، ونباتاتي أفضل من الاختلاط بناس بالشكل ده.
المهم خدت العربية لورشة تانية قريبة منه، محبتش هو يصلحها، وبعدها خدت الولد، وروحته اطمن على والدته، وطلبت ليها ممرضة تراعيها؛ لأن زوجها متوفي، وخدت يوسف اللي هو الولد معايا هشغله معايا بالاسم كده وبس في المحل، لأنه رغم سنه الصغير إلا إنه رفض مساعدتي بدون مقابل؛ فوافقت انه يكون معايا، وعلشان أقدر ارجعه مدرسته، وأتابع مذاكرته.
مش عارفه هتقرأ الرسالة دي ولا لأ بس أنا مش عارفة ليه حبيت أقولك كل اللي حصل معايا، وكمان كنت مخنوقة، واول ما اتكلمت معاك خلاص كل زعلي راح.
سلام مؤقت يا حاضرة الضابط)
أنهى قراءة الرسالة، ومشاعر مختلفة تجتاح كيانه، لا يعلم ما هذا.
أهو فرحة بأنها لم تستطع أن تتركه ينتظر لليوم التالي دون زهراتها التي تبعث في نفسه السلام؟!
أم أنه شعور بالإعجاب بشخصيتها المختلطة ما بين الرومانسية، والقوة، والرحمة؟!
أم شعور بالتعجب، والسعادة معاً بأنها تستريح بمجرد ان تقص عليه ما تشعر به، رغم أنه ليس أمامها؟!
فجأة نظر للرسالة بيده، وفتحها مسرعاً مرة أخرى، وركز نظره بين جملتين الأولى أنها قالت له بالاسم التي كانت تناديه به والدته فقط؛ فكيف لها أن علمته.
والجملة الثانية عندما دعته ب حاضرة الضابط، فهذا كان حلمه وهو صغير، لكن تبدل مع مرور الأيام.
لكن لحظه من هذه التي تعلم بهذا الحلم؟!
لم أخبر احد بهذا غير أمي، أيضاً لا أحد يعلم بالاسم التي كانت والدتي تناديني به إلا أنا وهى؛ فكيف علمت تلك الفتاة المجهولة به؟!
حتماً سوف تصيبني بالجنون قبل أن أصل إليها.
هكذا كان يحدث حازم نفسه بتلك الكلمات،وظل يتذكر إلا أن سلطان النوم قد هزم عقله، وجعله يستسلم للأحلام .
الساعة الثانية عشر منتصف الليل أمسك هاتفه وهو جالس على فراشه في غرفته في بيت والده كما أصرت والدته عليه؛ فلم يرد إغضابها.
فتح الهاتف وقام بمحادثة دكتورة ليلى على تطبيق الماسنجر.
بدر: السلام عليكم دكتورة ليلى أسف لو كتبت لحضرتك في الوقت ده بس فيه حاجه حصلت ضروري حابب استشيرك فيها، لو ممكن دلوقتي عرفيني أتصل بحضرتك.
ما هى إلا ثوان ووجد هاتفه يعلن عن اتصال؛ فنظر للشاشة وجدها تنير باسم دكتورة ليلى.
رد مسرعاً: السلام عليكم.
ليلى: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ازيك يا بشمهندس بدر.
بدر بابتسامه: الحمد لله بخير أنا أسف على الإزعاج في التوقيت ده.
ليلى نافيه: ولا ازعاج ولا حاجه مفيش داعي للأسف أنا أساساً لسه في العيادة منتظرة كريم هيعدي يروحني فمفيش مشكله، انا بس مستغربة من اختفائك المفاجئ الفترة اللي فاتت، وحاولت اكلمك اكتر من مرة مكنش فونك بيجمع.
استنشق بدر بعض الهواء ثم أخرجهم ببطئ ثم تحدث بصوت خفيض وقص عليها ما حدث في الصعيد، وما قالته عاليا بعد رجوعهم للأسكندرية، وأيضاً أخبرها عن القصيدة التي وجدتها عاليا.
بدر: أنا بجد تعبان ومحتار وخايف يا دكتورة، تعبان من إحساسي بأن حبي من طرف واحد، ومحتار ان كان سكوتي عن اني مقلش لعاليا الحقيقة صح ولا غلط، وخايف عليها تتصدم لما تعرف انها كانت موهومه يعني مرض نفسي هيكون رد فعلها ايه.
تنهدت ليلى وهتفت بهدوء: اهدى لو سمحت يابدر، عاليا محتاجلك الفترة دي اكتر من أي وقت، وحكاية الخطف دي ينطبق عليها مثل( رُبَ ضارةٍ نافعة)
لأنها ساعدتنا إن مشاعر عاليا تتلخبط، وتبقى مش عارفه هي شعورها تجاهك إيه، على فكرة هي بدأت تتعلق بيك أو بمعنى أدق بدأت تعترف بده لنفسها بس مش قوي، هي حاليا اللي مانعها انها متخيلة إن بينها وبين كريم كلام، ووعد بالحب؛ فالمرحلة الجاية هتكون المواجهة، ومينفعش تتأجل أكتر من كده.
بدر بصوت يشوبه القلق: طيب وامتحاناتها؟
ليلى بهدوء يبث له الطمأنينة: متقلقش خاالص، عاليا مش مريضة نفسية بالدرجة اللي تخليها متقدرش تدخل امتحان تها، أو أنها تحتاج لحجز أو ما شابه ذلك، الصدمة كانت هتبقى أقوى لو مكنتش بدأت تغير تفكيرها في علاقتكم ببعض وده حصل بالضبط من بعد ما انقذتها، مشاعرها كانت موجودة، بس اللي حصل حركها، كمان إثارة الغيرة عندها شئ ممتاز، أنا إن شاء الله هقدر أسعدها تتخطى اللي هيحصل هي مجرد محتاجه حد يواجهها بالحقيقة، ولو عندها مخاوف من حاجه نعرف هي إيه، ونخليها تواجهها .
بدر بهدوء: طيب إيه اللي هيتم؟
ليلى بهدوء: هقولك كل حاجه بس مش دلوقتي بكرة ان شاء الله.
أغلق الهاتف، ووقف وتوجه للحمام توضأ، ووقف بين يدي ربه يصلي، ويدعوه أن يحفظ ابنة عمه، من كل شر، وأن يكتب له، ولها السعادة في الدارين، وأن يجمع بينهم كما يتمنى.
جلست على سجادة الصلاة في غرفتها بعد أن انهت ركعتي استخارة ورفعت يدها مقابل وجهها، وتحدثت بصوت باكي متمنية من الله أن يريح قلبها.
(اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم؛ فأنت تعلم، وأنا لا أعلم، وانت علام الغيوب.
اللهم إن كان لي في زواجي من كريم خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري؛ فيسره لي، وإن كان هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري؛ فاصرفه عني، واصرفني عنه، ثم أرضني به).
مسحت على وجهها بكفيها وقامت للنوم، وهى راجية من الله عز وجل أن يدلها للطريق الصحيح، فالحيرة التي لا تعلم لها سبب تنهش قلبها، وتريد التخلص منها.
تجلس في غرفتها على فراشها، وحولها بعض الأوراق، والملفات الخاصة بالشركة، منهمكة في فحصهم، والتدقيق بهم كما طلب منها أخاها.
أعلن هاتفها عن استلام رسالة واتس اب؛ فأمسكت الهاتف، ونظرت للرسالة، ورسمت ابتسامة واسعة على فمها أظهرت أسنانها اللؤلؤية، ووضعت يدها على خدها الذي اشتعل بحمرة الخجل؛ ثم أنزلتها على قلبها لعله يهدأ من نوبة سرعة دقاته التي تحدث كلما رأته، أو سمعت صوته، أو حتى رأت اسمه يزين شاشة هاتفها.
كل تلك المشاعر هى بالنسبة لها كحلم لم تتوقع حدوثه يوماً ما؛ فهى لم تشعر بتلك الأحاسيس من قبل نهائياً.
قرأت الرسالة بصوت يصل لسمعها وكأنها تدندن بعض كلمات أغنية رومانسية.
(القمر صاحي لسه ليه؟ أه معلش آسف القمر مبينامش بيفضل سهران ينور ليل العشاق السهرانين، لخبطي كياني، ونستيني أي وجع مريت بيه في حياتي يا كل حياتي.
ها إيه رأيك أنا حابب أكلم مالكة قلبي دلوقتي صوت تسمحيلي يا مولاتي؟ )
ترددت هل توافق، أم سيظهر خجلها، وتوترها عندما يستمع صوتها؛ كما أنها لا تستطيع مجاراته في، تلك الكلمات التي يشعل بها لهيب الحب في قلبها، هي لا تعلم شئ عن هذا العالم الرومانسي الذي طالما حلمت أن تكون جزء منه؛ لكن قلبها حسم الأمر وكتبت أصابعها كلمتان فقط( ماشي اتفضل)
ابتسم هو بعفوية على تلك الطفلة التي عشقها؛ فالبراءة عنوانها، لا تعلم كيف تجاريه في الحديث لكنه عشق ذلك أيضًا فحيائها يزينها، وأخلاقها تذيد من حبه.
ضغط أزرار هاتفه مسرعاً كي يستمع لصوتها الذي تتراقص دقات قلبه عليه وكأنه معزوفة موسيقية.
ملك بصوت منخفض، ومهزوز: السلام عليكم.
عمر بصوت يملؤه الحب: الله على أجمل وأرق صوت سمعته في حياتي، ده كده أنا هبطل أغني، صوتي ميجيش حاجة جمب رقة وجمال صوتك.
شعرت ببرودة تسري في جسدها حتى أنها أصابها رعشة خفيفة من شدة فرحها؛ وحاولت التحدث فخرج صوتها مرتعش مصحوب بابتسامة: أستاذ عمر أنا بصراحة إكده مش عارفة أقولك إيه على مجاملتك الرقية دي، أصل أني موخداش أسمع الكلام ده، بس متشكرة لذوقك.
عمر بصوت يصتنع الحزن: كده برده لسه هتقولي يا أستاذ، وبعدين تعالي هنا إيه مجاملتك دي، وعلى ايه بتشكريني؟
شوفي يا ملك من هنا ورايح أنا عمر وبس، هبقي جوزك، وتقوليلي يا أستاذ!.
تاني حاجه مينفعش تشكريني لأني مش بجاملك أبداً.. أنا مجرد بوصف جزء من إحساسي تجاهك.
ملك بتوتر: انت زعلت طيب خلاص حقك عليا.
ابتسم عمر لبرائتها، وهتف بمراوغة: حقك عليا يا إيه؟
أغمضت عيونها وكأنه يراها، وقالت بابتسامة: حقك عليا يا عمر.
ضحك بصوت عالي بعض الشئ، وهتف: الله على اسمي ده طلع حلو بشكل، بس خلي بالك هكتفي بيه لوحده كده مؤقتا بس لعند ما نكتب الكتاب، بعدها عايز ألقاب تانيه معاه.
ابتسمت بخجل لفهما مقصده؛ لكن سرعان ما تذكرت شئ يؤرقها أرادت أن تستريح من فكرها فهتفت بهدوء: أنا حابه أسألك سؤال ممكن؟
عمر مسرعاً: مليون سؤال أنا تحت أمرك.
تحدثت بجديه وبصوت منخفض تتمنى رداً يريح قلبها: ليه اخترتني أنا رغم يعني إني مطلق...
قاطعها عمر هاتفياً بهدوء: وإيه يعني، فين المشكلة؟! انتي معملتيش حاجة عيب، ولا حرام ده موضوع قسمة، ونصيب ومدام وافقتي عليا يبقى أتمنى متتكلميش تاني خاالص في اللي فات.
دلوقتي قلبك خالي وهيكون ملكي أنا، ولا أنا غلطان في كده.؟
ردت مسرعة دون وعي: لا مش غلطان أبداً هو فعلاً ملگ...
قطعت حديثها عندما انتبهت لما ستتفوه به، وشعرت بالخجل من اندفاعها.
عمر بابتسامه: كملي يا ملك وقفتي ليه بس؟
معقول لسه مش بتثقي فيا؟!
ملك بصدق: والله أبداً مش حكاية ثقة، بس مكسوفة هبابة.
عمر بضحك: هبابة! الله على الصعيدي وحديت الصعيد اللي عشقته يابوووووي هو انا لسه هستنى گتير؟ أني إكده هتجن.
ابتسمت وهتفت: بعد الشر عنيك من الجنون، بس انت بتتحدت صعيدي زين أهو.
عمر بتأكيد: طبعاً لازمن اتحدته زين، ده هو ده اللي كعبلني في حبك.
ملك بتوتر، وترقب لردة فعله: طيب وحسناء كانت بتتحدت صعيدي كومان، علشان إكده حبيتها؟ .
شعر بالضيق عند ذكر ها لهذا الاسم، ليس لأنه مازال يتذكره؛ ولكن لأنه فهم مقصد ملك من ذلك؛ فهى تخشى أن تكون بديلاً أو مسكن؛ فقرر أن يحترم فضولها، ومشاعر ها، ويطمئن قلبها.
عمر بهدوء: عاليا اللي حاكيتلك عنها اكيد صح؟
ملك بهدوء: مكنتش حابب اني اعرف؟ لو أكده بلاش على راحتك، وصدقني مهزعلش دي حريتك وانا اللي يهمني الجاي مش اللي فات.
عمر بهدوء: لا يهمك اللي فات والا مكنتيش قولتي اسمها بس انا مش زعلان من عاليا كنت حابب بس اني انا اللي اقولك، على العموم حسناء كانت مرحلة في حياتي ومش هنكر اني حبيتها؛ لكن الغدر يا ملك بيقتل الحب، يمكن لأن دي طبيعتي غيري ممكن يفضل يحب حتى لو اتغدر بيه؛ لكن أنا لا وألف لأ
اللي يبعني ويخوني لا يمكن يكون ليه مكان في قلبي.
مش هنكر صحيح اني انجرحت، وفضلت شوية صعبان عليا نفسي إن حبي اتقابل بالخيانة؛ لعند ما ظهرتي قدامي وكأنك طوق النجاة، لقتني نسيت خالص وجعي وكأنه مش موجود؛ وده مش معناه انك مسكن أو حب بحاول انسى بيه القديم لا بالعكس أنا حسيت ان لما ربنا أراد ليا الانفصال عنها؛ ده علشان ليا نصيب في الأحسن.
حسيت ان فعلا ربنا بيختار لينا الخير حتى لو احنا فهمنا غير كده في الأول .
ملك انتي مليتي قلبي حب من أول ما شوفت تواضعك في الشركة، وطريقة نقاشك مع زميلتك، وحفاظك على سر اخوكي رغم انه كان هيفرق بينا.
أنا حبيتك بكل تفاصيلك وسعيد اني فتحتلك قلبي دلوقتي علشان نبدأ حياتنا مع بعض بدون أي حاجه تقلقنا.
ملك بنبرة صادقة: عمر أنا أسفة لو ضايقتك حتى لو للحظة، أني عارفة، ومتوكدة إن أخلاقك لا يمكن يسمحولك تاخدني بديل علشان تنسى غيري، كومان عارفه إنك قبلتني رغم الماضي، وأن ماضيك يخصك لوحدك المهم الجاي، واني اوعدك إني هكون ليك الزوجة اللي بتحلم بيها.
حاول عمر تغير طريقة الحديث الرسمية نوعا ما فابتسم وهتف مداعباً: بس انا مش عايز زوجة.
قطبت ما بين حاجبيها وهتفت بتعجب، وغضب: كيف يعني ده؟! أومال فاكرني إيه إياك، وبعدين معناته ايه حديتك مع أخوي؟!
ضحك عمر بكل صوته، وهتف: العرق الصعيدي بجدعنته، وقوته ظهر عليكي في ردك يا مالكة قلبي؛ بس انا هقولك كيف يا ستي أنا مش عايز زوجة بس أنا عايز زوجة، وحبيبة، وصديقة.
ثلاثة في واحد يعني.
سرعان ما هدأت، ابتسمت من كلامه، وهتفت بنبرة تظهر ابتسامتها: إكده تبقى طماع شوي.
عمر بتأكيد: طماع بس متأكد إن حبك هيرضي طمعي.
خجلت ملك كعادتها وحاولت التحدث بجدية لتخفف من حدة هذا الخجل: ألا من حق انت كيف عرفت اني لساتني صاحية؟
عمر بابتسامة: ما انا قولتلك في الأول وهل يخفى القمر؟
ملك بخجل: لا أني بتحدت بجد كيف صوح؟
عمر بنفس الابتسامه: كنت بكلم سالم علشان أبلغه بآخر إجراءات تصفية الشركة، ودمجها مع شركة بدر هناك، وقال انك سهرانه بتخلصي في ملفات الموظفين علشان تشوفوا مين يحب يتنقل معانا هناك، ومين ظروفه متسمحش ومحتاج الشغل علشان يفضل راتبه ثابت لعند ما نوفر ليه شغل بديل.
ملك بجدية: أيوه صوح، وخلاص معدش فاضل الا ملف واحد.
عمر بفرح: طيب تمام أوي كويس انا كمان ان شاء الله على اخر الاسبوع هكون ظبط كل شئ.
ملك بفرحة لم تخفها نبرة صوتها: طيب زين قوي إكده.
عمر بابتسامة: الزين الأكتر بقى هو اللي هقوله ليكي دلوقتي، أنا استأذنت من سالم إننا بعد ما والدي يكلمه بكرة وأنا عندكم، نخرج أنا وانتي، ومعانا والدتك، وعبير علشان نشتري شبكتك ياأجمل، وأرق عروسة في الكون، وطبعاً مهما كانت عمرها ما هتكون قيمتك، بس وعد اني هعوضك ان شاء الله دايماً.
ملك بصدق: والله أنا ما عايزة حاجة، إلا دبلة عليها إسمك تربطني بيك وبس، أما الشبكة والحاجات دي شكليات المهم هو التعامل بالمعروف بيناتنا.
عمر بنبرة إعجاب: كل دقيقة بيذيد حبي ليكي يا عوض ربنا ليا، بس انا حابب أهديكي حاجه بسيطة مني.
ملك بابتسامة خجوله: خلاص ماشي اللي تشوفه طبعاً.
عمر بحب: هسيبك على عيني بس مش عايز أسهرك اكتر من كده، ورانا حاجات كتير نعملها بكرة إن شاء الله، تصبحي على خير يا مالكة قلبي.
ملك بحب: وانت من اهل الخير والسعادة، يا عوض ربنا ليا، زي ما بتقول إني عوض؛ فأنت أكبر عوض ليا حقيقي.
أنهوا المكالمة، وكل منهما في قمة سعادته، ينتظرون الوقت يمر سريعاً كي يلتقيا، ويقترب موعد لم شملهم.
فتح لها باب السيارة التي أوقفها أمام منزلهم الجديد، والذي أعده على وجه السرعة؛ كي تخرج من المشفى إليه مباشرةً.
مد يده لها يساعدها في الترجل من السيارة حيث كانت تجلس بجواره في الأمام؛ بينما ترجل والدها من الباب الخلفي.
ظلا ينظرون للبيت من الخارج بإعجاب؛ حيث كانت مساحته ليست الكبيرة كبيت والده، ولا بالصغيرة كبيت والدها هى. وكان يتكون من طابقين، ومطلي بأفضل أنواع الطلاء الخارجي، ويوضع عليه لافته مكتوب عليها (منزل الأمل)
تيقنت من المكتوب على اللافتة بتعجب، وهتفت: مكتوب منزل الأمل ليه الاسم ده يا حامد؟!
وقف في مقابلتها، وحاوط وجهها بكفيه ونظر في عينيها وتحدث بحب: أني اللي طلبت من الخطاط يعملها، ويكتب إكده؛ علشان أني عندي أمل في ربنا إنه البيت ده يكون وش السعد علينا، ونعيش مرتاحين بعد اللي شفناه، وكمان عندي أمل كبير في ربنا إنه يعوضنا بولد، أو بنتة كيف القمر زي أمها إكده.
ابتسمت وردة، وهتفت بحب: إن شاء الله يا قلبي، ولو ربنا عوضنا ببت هنساميها أمل.
تدخل والد وردة، وهتف: ربنا يبارك فيكم يا ولدي ويجعل البيت ده بيت الهنا، والفرح ليكم، ولولا كم الجايين إن شاء الله.
حامد بحماس: الله يبارك في عمرك يا بوي، تعالوا ندخل نشوف البيت بقى علشان الوقت متأخر، وأكيد محتاجين ترتاحوا.
دخلوا جميعاً للبيت من الداخل، وظل يجول فيه حامد، وهم يتبعانه يصف لهم أماكن، وأنه خصص الطابق السفلى للمعيشة، لكن به غرفة مزودة بحمام صغير لوالد وردة، اما الطابق العلوي به غرف للنوم مزودة أيضاً بحمامات صغيرة ستكون خاصة لحامد، وزوجته، وأولادهم فيما بعد.
كان يتحدث بحماس، وسعادة واضحان على وجهه، ثم صمت ليأخذ بعض الأنفاس، ونظر لهم هاتفاً: ها عجبكم البيت، هو صحيح مش كبير قوي بس أني عملته بحب، وأن شاء الله مع الأيام هنكبره.
وردة بصدق: أني والله كفاية عندي أكون وياك يا نور عيني، ولو هعيش في خيمة هتكون قصر في عيني، ما بالك من البيت الجميل ده.
تحدث والد وردة بجدية: انت راجل صوح يا حامد يا ولدي، وربنا أكرمني انك بقيت جوز باي، هقدر أموت وأني مطمن انك أمين عليها، كفاية إن بعد موت أبوك في السجن مارضيتش تورث منيه حاجه مع انه كان كاتب كل حاجة باسمك بيع وشرى علشان ميتصادروش لو اتمسك، علشان ماله حرام، واتبرعت بالفيلا تتعمل ملجأ اليتامى، وكومان اتبرعت لعلاج المدمنين اللي أهاليهم ميقدرش على مصاريف العلاج، وساعدت كتير من شباب بلدنا الغلابة انهم يتجوزوا.
حامد بحزن: هو خد بطاقتي من غير ما أعرف، ومضاني على ورق من غير ما يخليني اقراه، ولأني بعترف كنت ضعيف قدام تهديده بقتلكم؛ كنت بطيعه لعند ما اشوف حل، وإلا كنت قبل ما يموت رجعتهم ليه، وخليت الحكومة تصادرهم؛ بس دلوك بحاول أصلح جزء من اللي عمله.
أني عارف إن لا هو، ولا أني هناخد ثواب من الفلوس دي لأنها حرام بس كان ده الحل الأحسن قدامي، واطمنوا أني شغلي كان بعيد عن شغل أبوي صوح في القماش بردية بس انفصلت عنه، وكان راس المال من ورثي من أمي، والحمد لله قدرت أوفر منيه، واجيب البيت ده، والعربية حتى، وهيعيشنا مستورين، صوح مش زي ما كنت مع ابوي بس أحسن براحة البال.
وردة بهدوء، وهى تضع يدها على كف حامد: أني متوكده من ده يا حبيبي، وخلاص أبوك ميجوزش عليه غير الرحمة دلوك؛ وبكفايه موته كانت صعبة قوي.
حامد بجمود: الجزاء من جنس العمل يا وردة، وهو لما راس العصابة عرف انه نجا من الرصاص، ورجع السجن بعت اللي يحطله مخدرات في الأكل وقتله، ولولا إنه كان قايل لمسجون معاه من رجالته يبلغ الحكومة بمكان الورق اللي هو شايله بيعرفهم مين الراس الكبيرة اللي كانت بتحركه، كان زمان السر اندفن معاه.
والد وردة: الحمد لله ان الصفحة دي انطوت من حياتكم، دلوك خليكم في الجاي، الساعة بقيت واحدة بعد نص الليل، معرفش صممت ناجي بالليل اكده ليه يا ولدي بس مش مهم؛ المهم هقوم أصلي ركعتين لله، وانام علشان نقدر نقوم نصلي الفجر إن شاء الله.
انصرف والد وردة إلى غرفته، ونظر حامد لوردته، وهتف بحب: نورتي بيتك، كيف ما بتنوري دنيتي يا وردتي.
نظرت له بأعين تشع حب: دنيتي منورة بوجودك فيها يا حبيبي، وتاج راسي.
(نسيبهم يحبوا في بعض بقى اتبهدلوا كتير معانا، كفايه عليهم كده صح؟ )
تجلس في كافتريا الجامعة تحتسي قهوة تساعدها على طرد ألم رأسها الناتج من سهرها في المذاكرة طوال الليل؛ فها هي امتحانات عانهم الأخير قد اقتربت، وهى قد اضاعت بعض الوقت بسبب ما حدث معها في الأونه الأخيرة، تريد النجاح بتفوق كي توفي بوعدها لكريم الذي ساعدها كثيراً؛ كي تستطيع جمع ما فاتها من محاضرات، وينتظر منها المقابل ألا تخذله، كما أنها تتمنى تحقيق حلمها بأن تصبح زميلة له، فجأة تذكرت عاليا، وحديثه عن كريم، وحبها له، أنبت نفسها قائلة.
لماذا تركتي لقلبك العنان كي يدق باسمه؟
ألم تكوني دائماً مقيدةً لصوته؟
أفيقي من غفلتك، فحتى وان كان قلبه لكِ، وليس لها؛ فلن تستطيعي أبداً جرحها.
دمعت عيناها مواسية لقلبها الحائر بين حبيب لم تشعر بتلك المشاعر إلا تجاهه، ومنذ البداية، وبين صديقة درب لا تريد إيذائها.
شعرت بقلبها يدق متسارعاً، وأنفاسها تخطف عندما وصلت رائحة عطره المميزة إلى أنفها، فمدت كفها ومسحت دمعتها سريعاً قبل أن تستكمل مسيرتها على وجهها، وما هي إلا ثانيتين، وكان يجلس أمامها مبتسماً، وهتف: صباح النشاط يا دكتورة المستقبل.
بادلته الابتسامة لكن بها بعض الحزن: صباح الخير، ميعاد محاضرتك الساعة ١١ ودلوقتي الساعة لسة ٩، غريبه جاي بدري ليه؟
تصنع الحزن، وهتف: إيه ده هو انتي زعلانة إنك شوفتيني على الصبح قبل محاضرتك الأولى؟
ردت مسرعة: لا أبداً مقصدش والله، أنا بس اتفاجأت لأنك كلمتني الصبح، وعرفت اني عندي محاضرة ٩ونص، ومقولتش انك هتيجي.
ابتسم وهتف بصدق: أول مرة أحس إن قلبي وبس هو اللي بيحركني، وكأن عقلي اتلغى ومش عايز أهتم لكوني معيد، ولا لأي حاجة تانية غير إني اشتاقت أشوف عيونك فجيت على طول، بس قوليلي ليه عيونك فيهم دموع، وحاسسهم محتارين ودايماً حاسك مترددة في كلامك معايا، حسناء أن حبي من طرف واحد، أو أنا فارض نفسي عليكي؟
ردت مسرعة: لا طبعاً إيه اللي بتقوله ده؟!
توترت قليلاً فقررت الإنسحاب من أمامه حتى تجمع شتاتها، وتعلم ماذا عليها فعله، كادت أن تستأذن في الذهاب للمدرج؛ إلا أنها رأت الفتاة التي نادت على كريم، ووقف يتحدث معها بعد محاضرة لهم ذات مرة، وكان يبدوا عليه الضيق وقتها، ثم تدفقت لذهنها ذكرى يوم الحب عندما أعلن عن خطبته لأحد زميلاتهم، وأن أساسها من الصعيد؛ فدفعها فضولها، وغيرتها أيضاً أن تسأله في كل هذا.
حسناء بجدية: كريم لو سمحت بص وراك كده.
نظر خلفه فرأى تلك الفتاة تنظر لهم بضيق، وما أن شعرت بانتباههم لها رحلت بعيداً عنهم.
عاد بوجهه للأمام، وبدا عليه التوتر، وهتف:احم بصيت فيه ايه؟
ضيقت عيناها وهتفت: مين البنت دي أنا شوفتها بناديك مرة بعد المحاضرة.
كريم بتوتر: وليه المشكلة ما هى زميلتكم، يعني عادي ممكن تكون بتسأل عن حاجه.
حسناء وقد بدأت شكوك تراودها: عادي طبعاً بس الغريب انة اضايقت لما نادت عليك، وبعدين انت يوم الحب كنت قولت انك هتخطب واحدة زميلتنا، وأساسها من الصعيد، والبنت دي من سوهاج هى دي اللي كنت هتخطبها، بعد وفاة والدة ساجد.
تصبب جبينه عرقاً، وذاد توتره فالآن لا مهرب من الحقيقة؛ لكنه يخشى أن تبتعد عنه من عشقها قلبه بصدق.. يخشى أن لا تغفر له ما فعله في الماضي، رغم أنه قد تاب وأصلحه، الا انه مازال يشعر بالذنب.
حسناء بتعجب: مالك يا كريم ساكت ليه، هو فيه حاجه مش حابب تتكلم فيها؟! لو كده أكيد هحترم ده لأن كل واحد عنده خصوصياته، وانا أسفة فعلا لو تماديت مش عارف...
قاطعها كريم مسرعاً: مفيش تمادى ولا حاجة، أنا عايز اقولك كل حاجة علشان أنا عايز أبدأ معاكي بدون ما يكون فيه سر في حياتي، مش دي البنت اللي كنت هتخطبها، دي أقرب صاحبة ليها، البنت اللي كنت بتكلم عليها هى والدة ساجد.
اتسعت عيناها وهتفت: مامت ساجد ازاي؟!
المفروض ساجد عنده سنتين دلوقتي يبقى كنت هتخطبها ازاي، وبعدين هي اتوفت امتى؟!
وضعت يدها على رأسها، وهتفت: أنا كده مش فاهمه حاجه.
كاد كريم أن يتحدث إلا أن صوت هاتفه قاطعه، نظر إليه وهتف محاولاً الهروب من الكلام حتى وان كان لدقائق: دي ليلى يمكن عايزه حاجة علشان ساجد.
ردت بلهفة: ساجد! طيب رد بسرعة هو كويس ولا فيه حاجه؟
ابتسم فرحاً بحبها لولده، وقام بالرد على الاتصال الثاني لشقيقته.
كريم بهدوء: صباح الخير يا ليلى... إيه طب ثواني هشوف مكان فيه شبكة علشان مش سامعك... أيوه ياليلى كنت ببعد شوية عن حسناء... أيوه انا في الكلية بتقولي عاليا راجعة النهاردة؟... امممم يعني متأكدة ان ده مش هيصدمها جامد الامتحانات قربت... بس حسناء يمكن تزعل لو عرفت إني عملت ده بدون ما تعرف، وبعدين هى اكيد هتشوف عاليا في المحاضرات، وقتها يمكن متحبش تكلم معايا اساسا خوف على مشاعر عاليا... طيب هروح واقولها أو اقولك هديها الفون تكلميها.
اقترب مرة أخرى من حسناء، ومد يده بالهاتف قائلاً: ليلى عايزة تكلمك يا حسناء.
همست له بعيون قلقة: يعني ساجد كويس.
ابتسم وقال: ايوه بخير والله كلميها.
حسناء بابتسامة: صباح الخير على عيون أجمل دكتورة.
ضحكت ليلى، وهتفت: صباح الخير يابكاشة.
حسناء بصدمة مصطنعه: أنا بكاشة، لا أبداً والله دا انتي حبيبتي.
ليلى بضحك: طيب اثبتيلي بقي لاني محتاجلك ضروري.
حسناء بصدق: محتجالي! ده انت تأمري حبيبتي.
ليلى بحب: تسلمي لي يا قمر، بصي يا ستي انا عايزة اشتري هدوم جديدة لساجد، وجودي، والنهارده مش هروح المشفى غير بعد الظهر، وانا مبعرفش اشتري الحاجات دي لوحدي بحتاج اخد رأي حد، حتى سمر صاحبتي عندها وردية الصبح، قولت اكيد مفيش أقرب، ولا أحسن منك للمهمة دي ها تكنسلي المحاضرات النهاردة بس وتيجي معايا،ولا صعب ؟
حسناء بلهفة: محاضرات ايه بقى ده ساجد باشا، وجودي حبيبتي مسافة الطريق هكون عندك، واهو ابو ساجد البركة فيه بقى يسامحني في محاضرته، ويراجعلي عليها.
قالت جملتها هذه وهى تنظر إلى كريم بابتسامة، فأشار لها ب لا ضاحكاً.
ليلى: لا قابليني قدام الكلية، وانا خلاص قربت عليكم، ٥ دقايق واكون عندك.
أغلقت الهاتف، ونظرت له بتحدي وابتسامة: بقى بتقولي لا طيب خلاص هاخد المحاضرة من اي زميلة، أو زميل عادي.
قالتها بابتسامه تقصد استفزازه.
نظر لها بغضب، وهتف: زا إيه يا ماما سمعيني كده، قومي يا حسناء شوفي سي ساجد اللي طلعلي في البخت ده، وهستناكي هنا بعد المحاضرة نرجعها سوا قبل ما تروحي.
وقفت، وهتفت مبتسمة: بس اعمل حسابك قبل المراجعة حضرتك هتفهمني اللي كنا بنتكلم فيه علشان مش هفضل كده بحيرتي، لولا وصول ليلى مكنتش همشي من غير ما اعرف.
هز رأسه بهدوء، وهتف: أكيد لانه مفيش مفر النهاردة كل حاجه هتوضح.
خرجت عاليا من غرفتها مسرعة، وهى تحمل كتبها الدراسية، وجدت الجميع يتجمعون حول مائدة الإفطار.
عاليا مسرعة: صباح الخير.
كامل بحب: صباحك سعاده يا بتي.
إيمان: تعالي يا عاليا عملتلك البيض عيون زي ما بتحبيه.
عاليا بنبرة سريعة: لا معلش يا طنط انا اتأخرت جداً، راحت عليا نومة.
إيمان: أني مرضيتش أصحيكي، قولت هتكوني تعبانة من السفر ومش هتروحي الجامعة النهاردة.
اقتربت منهم عاليا، وحملت كوب من الشاي الساخن، و شفت منه رشفة، وهتفت: لا أصل عندي محاضرات مهمة، وبقالي فترة مش بحضر.
أغمض بدر عيونه بقوة، وتنفس بحدة؛ فهو يعلم السبب الحقيقي لذهابها اليوم بالذات، تريد أن تعرف كيف استطاع كريم الرحيل من الصعيد على حسب تفكيرها، وأيضاً تريد أن تعرف قصة القصيدة.
الجدة: بتشربي شاي على الريق يا عاليا مينفعش أكده يابتي .
وضعت الكوب، وأسرعت تقبل جدتها، وهتفت: معلش بقى هاكل في الكلية سلام.
أوقفها صوت بدر: استنى يا عاليا هوصلك قبل ما اروح الشركة.
بعد وقت ليس طويلاً وصلت عاليا إلى جامعتها، وطوال الطريق لم يتحدث معها بدر بكلمة واحدة؛ بل كان شارد الذهن يشعر بالقلق يكاد يفتك بقلبه.
فتحت عاليا باب السيارة بعد أن أوقفها بدر، وهتفت بحزن من تجاهله لها منذ أن رأى ميرفت: متشكرة يا بدر.
نظر لها وهتف: متشكرة على إيه يا عاليا، خلي بالك من نفسك، وأوعي تخلي أي حاجه تزعلك، أو تأثر عليكي مهما كانت.
انتبه لما قال فأسرع مكملاً حديثه: اقصد لو حسيتي انك متأخر عليكي محاضرات كل حاجه هتبقى تمام.
ومتروحيش وحدك انا هرجع اخدك بعد المحاضرات، علشان عايز مصطفى.
هزت رأسها بهدوء، وترجلت من السيارة، واتجهت نحو الكلية، اما هو أخرج هاتفه، وقام بالاتصال على ليلى.
توجهت عاليا للمدرج الخاص بها؛ وبعد انتهاء المحاضرة الأولى خرجت، وتوجهت نحو مكتب كريم محدثة نفسها: اكيد وصل دلوقتي معدش وقت كبير على محاضرته، واكيد هيتفاجئ اني رجعت بس انا كمان مش قادرة استنى علشان افهم كل حاجه.
دقت مكتبه، فسمح لها بالدخول.
كان يجلس خلف مكتبه، وينظر في بعض الأوراق التي أمامه، ولم يرفع نظره؛ فتحدثت هي بابتسامه بعد أن اقتربت: كريم.
رفع نظره، ورغم أنه تذكرها الا انه تعمد إظهار العكس فهتف بتعجب، وهو عاقداً لحاجبيه: كريم! مفيش دكتور ولا أستاذ أو أي ألقاب؟
اتسعت عيونها، وهتفت بتعجب: كريم هو انت بتتكلم ليه كده، انت مش عارفني، وبعدين ايه مقابلتك دي انا قولت مش هتصدق نفسك لما تشوفني هنا.
ارتكز بمرفقيه على سطح المكتب، وشبك أصابعه ببعض، ونظر لها بذهول: هو الظاهر فيه سوء تفاهم حضرتك بتتكلمي وكأني عارفك مش فاهم ازاي، هو حضرتك زميلة معانا هنا.
شعرت بالدوار فوضعت يدها على رأسها؛ لكن سرعان ما تذكرت أنها مختفية عنه منذ وقت، ولا يعلم عنها شئ؛ فبالتأكيد هو يفعل ذلك إثر غضبه من اختفائها؛ فهتفت مسرعة: شكلك زعلان علشان اختفائي من أخر مرة اتكلمنا؛ بس انت متعرفش اللي حصل، انا هحكيلك. أص...
قاطعها كريم، وهو يقف: ولا أصل ولا فصل أنا مش فاضي عندي محاضرة، وحضرتك اكيد عندك سوء تفاهم معلش هستأذن.
تركها، وخرج من المكتب تحت نظراتها المتسعة، شعرت بدوار شديد فجلست على الكرسي الموضوع أمام المكتب، وهى تتذكر كلماته لها في الصعيد، وضعت يدها على رأسها وضغطت بقوة، وهتفت: لا كده فيه حاجه غريبه انا لازم افهم.
تفتكروا ايه هيحصل لعاليا لما تكتشف الحقيقة، وموقفها هيكون ايه من حسناء؟