رواية حب افتراضي بقلم دعاء الفيومي الفصل الثاني عشر
نظروا سريعاً نحو مصدر هذا الصراخ، وما هى إلا ثانيه لإستيعاب الموقف حتى أطلق بدر العنان لقدمه نحو طفله صغيرة معلقة في جذع شجرة، وتصرخ بشدة كادت أن تسقط أرضاً؛ إلا أن ذراعي بدر إلتقطتها.
ثم جلس مستنداً على ركبتيه، وضربات قلبه تتسارع، ونظر للبنت ليطمئن عليها، ومسح دموعها، وهو يربت على كتفها بهدوء.
بدر بصوت هادئ: خلاص يا حبيبتي متخافيش، إيه بس طلعك فوق كده؟!
تحدثت البنت بصوت ضعيف من أثر صراخها: كنت عايزه أجيب توت علشان بحبه.
ابتسم لها بدر وقال: طيب حبيبتي لما تحبي تجيبي توت بعد كده قولي لحد كبير، علشان كده خطر عليكي.
هزت رأسها بموافقه على حديثه وهتفت: حاضر.
قبلها بدر في جبينها، وأحضر لها بعض حبيبات التوت القريبه له، وودعها.
هذا المشهد حدث أمام أعين عليا المتسعه، فقد شعرت أن قدمها امتدت أسفل الأرض كجذور الشجرة التي تقف جانبها؛ فلم تستطع التحرك، وعندما عاد بدر عندها، وجد الدموع تتسابق على وجنينها دون صوت، وجدها ترتجف بقوه، وهى واقفه دون حركه، كأنها لم تراه وهو ينقذ تلك الفتاه فهى تائه في ذكرياتها.
اقترب بدر منها بقلق: عليا مالك، خلاص البنت بخير.
نظرت له عليا بعيون زائغه، ثم أغمضتها، وسمحت لقدمها أن ترتخي، غير قادره على الصمود لكنها لم تفقد وعيها بالكامل، وقبل أن تستقر أرضاً، إستقرت في أحضان بدر الذي امسكها بهلع، وصرخ باسمها.
ربت على وجهها بخفه، بيد مرتعشه، ويردد اسمها، وقد أدرك ماذا أصابها.
بدر بخوف: عليا فوقي الله يخليكي، متخليش قلبي يقف، أوعي تستسلمي فاهمه؟
صوته الذي يحمل الحنان، والقلق معاً جعلها تفتح عيونها بهدوء ورددت باسم: ذياد،ذياد.
تنهد عندما فتحت عيونها، وقال مطمئناً: متخافيش يا غاليه البنت بخير خلاص طول ما انا موجود، مش هسمح لحاجه تخوفك، أو تزعلك.
احتضنت كلماته قلب عليا فهدأت، نظرت لبدر بعيونها التي تأسره، كلما نظر لها.
عليا بعيون دامعه: افتكرت ذياد قبل ما...
قاطعها بدر: شششش خلاص إهدي، ومتفكريش في اللي فات، الموقف عدى خلاص؛ ثم رفع يده، ومسح دموعها.
في هذه اللحظه كل منهم بدأ يستوعب وضعهم، فبدر يجلس، وعليا بين أحضانه، هذا لم يحدث معهم من قبل حتى وهم صغار.
شعر بدر وكأن كهرباء تسري في جسده، ودقات قلبه تكاد تسمع جميع الناس، حمد ربه سراً أن المكان هادئ، لا يوجد به أناس كثيرون، أما عليا فقد أحست بشعور افتقدته منذ زمن، دائماً كانت تبحث عنه في احلامها، لقد شعرت بالأمان.
كل هذا في غضون لحظات، ثم اعتدلت عليا سريعاً، وأجزمت أن وجهها الأن حرارته مثل الجمر من شدة خجلها.
بدر بتوتر: أسف يا عليا، اتخضيت عليكي، محستش بنفسي.
عليا رغم شعورها بشدة الخجل، الا أن قلبها يكاد يخرج من بين ضلوعها لا تعلم لما تريد الابتسام لكنها تماسكت، وقالت وهى تنظر للأسفل: إحم عارفه مش محتاج تبرر لي تصرفك، أخلاقك أنا حفظاها.
بدر بابتسامه ليغير الموضوع: طيب انتي أحسن دلوقتي صح؟ حابب أسألك عن حاجه ممكن، ولا مش قادرة؟
عليا بابتسامه وهى تضم قدمها، أصدرها، وتحيطهم بذراعيها قالت: لا أنا كويسه إسأل براحتك، إنت النهارده بطل فرحانه إنك أنقذت البنت، وهجاوب على كل اللي انت عايزه أكيد، أنا لعند دلوقتي مش مصدقه عنيا إنت جريت بسرعة جدا رغم...
وضعت يدها على فمها وبترت كلمتها.
ابتسم بدر بتهكم واكملها هو: رغم إني طخين صح؟
معلش ما هو مش كل طخين بيكون تقيل الحركه.
عليا بإحراج: أنا أسفه يا بدر مكنتش أقصد.
بدر بهدوء: ولا يهمك أنا مبعرفش أزعل منك، كمان انتي مقولتيش حاجه تستاهل الأسف، دي نظرة كل الناس، ها اسأل؟
عليا بسعادة لتفهم بدر: طيب قول كنت عايز تسأل في إيه؟
بدر وهو ينظر لها مباشرة: امبارح بالليل سمعت صوتك بتتكلمي من شباك المنور، بس مسمعتش حد بيرد عليكي، كنتي بتكلمي مين؟!
توترت عليا، ونظرت للأسفل بحرج وصمتت تفكر، كيف لها أن تخبره بوجود كريم، فهو متخفي ولا يريد أن يعلم أحداً بمكانه؛ لكن هذا بدر لا تستطيع أن تكذب عليه فهو يفهمها من نظرة عيونها، أيضاً هى لم تخفي عليه شئ طيلة حياتها لكن لا تعلم لما لم تخبره بحبها لكريم حتى الأن؛ حقاً هى لا تعلم.
بدر: إيه يا عليا روحتي فين كده، سؤالي صعب للدرجه دي؟!
أنا لولا الوقت كان متأخر وقتها كنت طلعت أشوف بتكلمي مين بس سمعتك بتقولي داخله أنام علشان تصحي تذاكري، قولت بتتكلمي في الفون، بس استغربت التوقيت، وكمان وقوفك في شباك المنور اللي الشبكه عنده وحشه، قولت أسألك وأطمن عليكي.
عليا وقد اعتدلت في جلستها، وتحدثت وهى تفرك يديها ببعض: هقولك كل حاجه يا بدر، بس أوعدني تحافظ على سره.
بدر بتعجب: سره! سر مين؟!
عليا بهدوء وهى تبعد نظرها عن بدر: سر كريم معيد عندي في الكليه، اللي كنت شوفت صورته انا رسماها.
مطرقه غليظه دقت رأس بدر عندما سمع إسم كريم.
بدر بصدمه: كريم! سر كريم إزاي يعني، مش هو مات؟
نظرت له عليا بتعجب: إنت عرفت منين إنه مات؟! أنا عمري ما كلمتك عنه.
بدر: سمعت حسناء وهى بتبلغك الخبر، وبعدها طلبتي مني أدخل وأساعدك متروحيش الكليه تاني، وتيجي هنا لعند الإمتحان.
عليا بحرج: صراحه ده كان سبب إني مش عايزه أروح الكليه، مكنتش متخيله هدخلها إزاي وهو مش فيها، أصل بصراحه كان فيه جوايا مشاعر تجاهه، بس وقتها مكنش حصل بينا أي كلام.
شعر بدر بغصه في حلقه، لكن اكمل حديثه بعصبيه يحاول أن يخفيها: طيب خلاص هو مات، سر إيه بقى، وإيه علاقته بسؤالي دلوقتي، مدام خبيتي عني من الأول بتجيبي سيرته ليه دلوقتي؟
عليا بتوتر: أصل كريم عايش لسه، وهو اللي كنت بكلمه امبارح من شباك المنور.
صدمه أخرى لبدر فكيف أن يكون هذا المدعو كريم، على قيد الحياه فقد سمع رجال الإسعاف وهم يقولون قد توقف قلبه، حتى وإن قدر الله له الحياه فماذا أتى به إلا هنا، وكيف تحدثه عليا، وكيف لم يشعر بوجوده من قبل في المنزل؟
كل هذه الإستفسارات تزاحمت في عقله، وكأنها تتسابق أي واحد منهم سيحصل على إجابته أولاً
وقف منتفضاً من الأرض، وأخذ يسير قليلا ذهاباً، وإياباً قبل أن يتحدث، يحاول السيطره على غضبه.
نظرت له عليا بخوف من مظهره الذي يبدو غاضباً، فهى في البدايه لم تخبره بمشاعرها، رغم عادتهم الدائمه منذ صغرهم أن لا يخفوا شيئاً عن بعض، كما أنها لم تخبره بتواجد كريم معهم في البيت، وأخذت تتسائل مع نفسها بقلق هل سيغضب منها، أم سيتفهمها ؟
نظر لها بدر بعيون حازمه: إحكيلي إزاي بالضبط اللي اسمه كريم ده عايش، وازاي وصل لهنا واشمعنا البيت هنا اللي نزل فيه هو مش بيته، إيه صدفه؟!
عليا بتوتر: لأ مش صدفه، هو الصراحه كان عمل حادثه، بس كانت مقصوده، وهو عمل إشاعه إنه مات لكن الحقيقه إنه عايش، و مصطفى هو اللي ساعده في كده إنت عارف إن شقتهم قصادنا وشباك المنور بيطل علينا، فهو جاب كريم هنا وبيهتم بيه.
بدر بعصبيه: يعني لما قررتي تيجي هنا كنتي عارفه بوجوده هنا؟
عليا مسرعه: لأ لا والله هو مصطفى أقرب حد لكريم، علشان كده جه هنا، وأنا جيت هنا مكنتش عايزه أروح الكليه و كريم مش فيها قلبي مكنش عايز يصدق إنه خلاص مات.
بدر بقهر: وانتي إيه علاقتك إنتي بموته ليه تزعلي؟
( أراد أن يذيد عذابه بسماع تلك الكلمه منها، رغم أنه يعلمها جيداً، لكن اعتقد أنه بهذا يستطيع أن يتخلص من حبه)
عليا بإحراج: بصراحه هو أنا يعني وكريم فيه بينا مشاعر إحم ح...ب.
اقترب من الشجرة وضربها بكف يده، ففزعت عليا، وانتفضت مسرعه إليه وقبل أن تمسك يده، جذبها منها، وتحدث بغضب شديد: ياله علشان أروحك، علشان خلاص مش قادر اسمع منك حاجه، كفايه.
دمعت عيناها ونظرت له بترجي عليا: بس يا بدر...
قاطعها بدر بصرامه لم تعتد عليها: قلت كفايه دلوقتي، وبعدين هتصرف في موضوع اللي اسمه كريم ده.
عليا بصوت خافت: حاضر بس أرجوك يا بدر بلاش حد يعرف بوجوده، أصل يضروه.
نظر لها بدر بغيظ ولم ينطق، وسار وهى معه، والصمت عنوان طريقهم، حتى أوصلها للبيت.
بدر بحزم: عمره دخل عندك الشقه؟
عليا تعمدت أن لا تخبره بالمرة الوحيده الذي رأت فيها كريم داخل شقتها؛ كي لا تذيد غضبه: لأ كل كلامنا من الشباك بس.
استدار بدر ولم يدخل البيت؛ بل تركها وذهب ليفرغ غضبه في أي شئ بعيد عنها.
صعدت عليا وفتحت باب الشقه، وهى تشعر بإختناق فلم يسبق لها أن رأت بدر بهذه العصبيه، والأدهى أنها السبب، دخلت وأغلقت الباب واستندت عليه بظهرها و أغمضت عيناها تعتصرهم، وتحدث نفسها لائمه إياها: كان المفروض أقول لبدر كل حاجه، أنا ليه خبيت عليه؟! ليه الموضوع ده بالذات اللي مقدرتش أحكيله عنه، رغم إني عمري ما خبيت عنه حاجه.
فتحت عيناها ببطئ، وتحركت نحو غرفتها، وفي طريقها رأت النافذة المطله على نافذة كريم فاتجهت نحوها بهدوء ثم وقفت فجأه وشعرت أنها لا تريد أن تراه، أو تتحدث إليه فتراجعت، واتجهت لغرفتها، وقامت بإخراج الهاتف من حقيبتها وهاتفت عبير كي تطمئن عليها، وتستمد منها بعض الطاقه الإيجابية لتخفيف توترها وحزنها.
دخلت حسناء تبحث بعينيها يميناً، ويساراً عن المكان الذي تجلس فيه ليلى؛ كما تواعدا أن يلتقيا في النادي، فقد هاتفتها ليلى، وأكدت عليها الموعد، ورغم تعجب حسناء من إصرار ليلى في التقرب منها؛ إلى أنها أقنعت نفسها أن ذلك يرجع لعملها كطبيبة نفسيه، تحب مساعدة الأخرين، كما أن حسناء كانت بالفعل تحتاج لتلك العلاقه؛ علاقة صداقه تعوضها قليلا عن اشتياقها لعليا.
رأت حسناء يد ليلى تشير إليها، فاتجهت نحوها بابتسامه هادئه.
حسناء وهى تحتضن ليلى: أخيراً وصلت ليكم.
ليلى بابتسامه معلش النادي زحمه النهارده، علشان الويك إند، مفيش دراسة ولا شغل.
حسناء بلهفه تداريها لكن عيونها تكشفها: هو فين ساجد؟
ليلى بابتسامه: ماشي ياستي ساجد بس اللي بتسألي عليه، طيب وجوري؟! على العموم هما الإتنين مع الدادة هناك عند البسين.
حسناء بإحراج: معلش أصلي مش عارفه اتعلقت جداً ب ساجد ؛ رغم إني مشفتوش غير مرة؛ يمكن لأنه يتيم مش عارفه بس عنيه سحرت قلبي.
ليلى بضحك: هههه تيرارارا، إيه ده كله ناقص تقولي شعر في سي ساجد؛ بس تعرفي هو فعلا زي ما يكون ربنا وهبه نعمة إن كل اللي يشوفه يحبه.
حسناء: فعلآ حبيته أوي.
ليلى: قوليلي بقى والدك قال إيه لما حكتيله اللي هببه البني أدم اللي كنتي متجوزاه؟
صمتت حسناء وهي تنظر للأسفل قليلاً، ثم رفعت نظرها ونظرت ل ليلى بعيون دامعه ونطقت بانكسار، وحزن: مقلش ولا كلمه بس كان كفايه عليا نظرته ليا كانت بتقول حذرتك، ودي نتيجة اللي عملتيه، تعرفي يا ليلى كأنه كان متوقع متصدمش، بس الظاهر شكلي وتعبي قدامه، ولما عرف اني مش هكون أم، هما اللي منعوه إنه يبهدلني، أو يعاتبني، حتى لما ماما جيت تتكلم وتقول إني السبب منعها وقالها خلاص محدش بيهرب من قدره، وهى اتعلمت درس قاسي بس للأسف متأخر.
ليلى وقد رأت دموع حسناء تتساقط: وليه العتاب، إنتي ذنبك إيه؟! من الموقف اللي عمله البني آدم ده هو اللي ندل، فين غلطك؟ فضفضي.
حسناء بدموع وهى شاردة قليلاً: ذنبي إني خذلت أهلي، وخذلت أكتر إنسان كان بيخاف عليا، وحتى خذلت نفسي بتصرفي.
وبدأت حسناء بسرد ما حدث معها منذ أن تعرفت على عمر، إلى أن طلقها حازم على مسامع ليلى التي انفعلت بكل حواسها مع حسناء، خاصة أنها استشعرت ندمها.
معانتهاءحسناء من الحديث كانت دموعها تغرق وجنتيها عندما تذكرت الألم النفسي، والجسدي الذي عانته مع حازم.
ليلى بهدوء: إهدي حبيبتي، تعرفي نسينا نطلب حاجه.
ثم نادت على النادل وطلبت منه عصير ليمون.
ليلى: حسناء كفايه لوم في نفسك مش هقولك إنك مغلطيش في حق عمر، لكن غلطك مش وقت ما سبتيه بس، غلطك لما افترضتي إنك بتحبيه وعيشتيه الحب ده، لو كنتي حبتيه بجد لا يمكن كان الحب ده اتهز ببساطه كده، كمان مش هقولك إنك لما بصيتي للمظاهر ده كان صح، بس كمان إنتي قولتي إن ظروفكم الماديه مش كويسه أوي طبيعي إنك تنبهري ببعض المظاهر، بس الغلطه بس إن انبهارك هو اللي اتحكم فيكي، والصح إنك كنتي اتحكمتي فيه، كل اللي هقولهولك بس هوني على نفسك
(كل ابن آدم خطأ، وخير الخطائين التوابين)
وأنا شيفاكي ندمانه على غلطك، اللي اتعاقبتي عليه وخلاص؛ إعطي لنفسك فرصه للحياة من جديد إنتي لسه صغيره، ركزي الفترة الجايه في مستقبلك، ودراستك، وحققي بإيدك الحياه اللي حلمتي بيها.
كلمات ليلى كانت بمثابة نسمة هواء تأتي في وقت الظهيره صيفاً، فتسبب بعض انتعاش للروح؛ بالفعل حسناء كانت في أمس الحاجه لتلك الكلمات التشجيعية، فأي عتاب حالياً سيرهق روحها فيكفيها تأنيب نفسها.
حسناء: تعرفي يا ليلى إنت ربنا بعتك ليا في توقيت فعلاً كنت في أمس الحاجه إني أسمع كلامك ده، أتمنى نفضل صحاب بجد أنا من وقت ما عليا زعلت مني، وسافرت وأنا وحيده.
ليلى بابتسامه: عليا دي صديقتك؟
حسناء بحزن: كانت أعز صديقه ليا بس موقفي مع عمر، بعدها عني لأنها تعرفه، وكمان حصلتلها ظروف صعبه شويه فسافرت الصعيد وبعدين المسافات، زي ما بعدت ممكن القلوب تبعد.
ليلى بحب: إن شاء الله ترجعوا أصحاب أكتر من الأول، وأكون أنا تكملة الثلاثي المرح المسافات مش بتبعد قلوب مخلصة.
ابتسمت حسناء بامتنان ل ليلى، واعتدلت في جلستها قليلاً وهى تمسك كأس العصير إذ بنظرها يقع على الطفلين ساجد، وجوري، يتشاجران بجانب بعضهما على دميه يريد كل منهما اخذها من الأخر، ومن ترعاهم غافلة عنهم تتحدث في هاتفها، وضعت الكأس من يدها بسرعه ووقفت، تبعتها ليلى في الوقوف بتعجب.
ليلى: مالك يا حسناء بتبصي على إيه؟!
تحركت حسناء باتجاه المسبح، دون أن تجيب ليلى التي تبعتها بنظرها وصدمت عندما رأت أن ساجد يكاد يسقط في الماء؛ فهرولت هى الأخرى خلف حسناء؛ لكن قبل أن يصلا إليهم جذب ساجد الدمية من يد جوري بقوه أسقطته بالفعل في الماء، صرخت الخادمه عندما انتبهت لما حدث، لكن قبل أن تعلم كيف تتصرف كانت حسناء قد قفزت دون تردد، والتقتت ساجد الذي كان يطفوا، وينزل في الماء بذراعها المعافى.
ومدت يدها به ل ليلى التي أخذته وضمته بخوف، وهي تصرخ باسمه، خرجت حسناء من المسبح وأمسكت ساجد بلهفه، وضغطت على بطنه بهدوء لكي يخرج أي ماء قد ابتلعه، بالفعل هدأت نوبة السعال التي اجتاحته وأخرج الماء من فمه، وأنفه، ثم حملته على قدمها وبحركه تلقائيه لف ذراعيه حول رقبة حسناء التي ضمته بقوه، وكأنها تريد أن تدخله في قلبها.
ليلى وهى تحتضن جوري الباكيه: خلاص حبيبة مامي متخافيش سجوده كويس .
جوري اقتربت من ساجد ومدت يدها بالدميه وقالت له ببراءه: ختها يا سجوته و ازعلس (خدها يا سجوده و متزعلش) .
ابتسمت حسناء على برائتها، وقبلتها في جبينها وهى ما زالت تضم ساجد، وكأنه قطعه منها لا تريد أن تبتعد عنه.
تعجبت ليلى لكن لم تعلق، ونظرت لمن كانت تعتني بالأطفال بنظرة لوم ووجهت حديثها لها: المفروض سيادتك شغلك معايا إنك تخلي بالك من الولاد، وده لما بنخرج بس، يعني وقت مش كبير علشان تقضيه تليفونات.
المغربيه بتوتر: والله يا هانم...
قاطعتها ليلى بحزم: أي كان عذرك مش مقبول، أنا مش بحب قطع الارزاق، بس انتي قصرتي ونتيجة تقصيرك كان ممكن لا قدر الله أفقد حد من الولاد، معلش مضطره أستغني عنك.
اعتذرت المربيه بندم، واستأذنت في الرحيل.
ليلى: قومي يا حسناء نروح عندي علشان ساجد مياخدش برد بهدومه المبلوله، وانتي كمان تغيري، بس قبلها هنعدي على المشفى نشوف الجبيرة اتبلت.
حسناء: لا معلش هروح أنا البيت، وكمان الجبيره ملهاش مايه أوي بسيط هنشفها وبكره اروحله.
ليلى بحزم: مفيش مرواح بالشكل ده، وبعدين هتاخدي تاكسي ازاي وانتي كده، ولو وصلتك البيت أول ساجد ممكن يتعب، ماشي الجبيره خليها بكره،بس ياله نروح الأول.
حسناء باستسلام: ماشي بس مش عايزه اتأخر.
ليلى: ماشي حبيبتي قومي ياله.
استقلوا سيارة ليلى، وجلست حسناء بجانب ليلى في الأمام وهى ما زالت تحمل ساجد بين أحضانها، بينما جوري استسلمت للنوم بالمقعد الخلفي.
ليلى: يا بنتي مش كنتي نيمتيه ورا مع جوري، بدال التعب ده.
حسناء بابتسامه وهى تنظر لساجد: لأ أنا مرتاحه كده، وبعدين أنا فعلا ويمكن تستعجبي كلامي إلا إن دي فعلا حقيقه، حاسه روحي اتعلقت بساجد، وكأنه معايا من زمان مش لسه شايفاه إمبارح، أنا نفسي مستغربه بس ممكن لأننا بنكمل بعض أنا وهو، هو يتيم أم، وأنا...
صمتت قليلآ ثم تابعت بدموع محبوسه: أنا اتحرمت إني أكون أم.
ليلى بضحك لتخفيف التوتر لدى حسناء: أنا حاسه إنك هتقولي شعر في سي ساجد بعد شويه هنيالووو يا موزه.
ضحكت حسناء رغمآ عنها وقالت بتعجب: مزه! إنتي متأكده إنك دكتوره.
رفعت ليلى كتفيها وهى مبتسمه: بيقولوا كده
ياله كده وصلنا.
ترجلوا من السياره، وحملت ليلى ابنتها، فهرول إليهم حارس المبنى.
الحارس: عنك يا هانم.
ليلى: لا يا عم سعيد اتفضل بس مفاتيح العربيه خلي حد بعد إذنك ينضفها من المايه، وإحنا هنركب الأسانسير عادي.
سعيد وهو يسير أمامهم ليفتح لهم المصعد: أمرك يا هانم، اتفضلوا.
فتحت ليلى منزلها، ودلفت وهى ترحب ب حسناء وتحثها على الدخول.
ليلى: اتفضلي يا حسناء واقفه ليه، طارق جوزي مش هنا، ومش هيجي الا بالليل متتكسفيش.
دخلت حسناء بإحراج، وهى ما زالت تحمل ساجد
ليلى: بصي هنيم جودي وأجي اخد ساجد أحميه .
ذهبت ليلى لغرفة الأطفال ووضعت جودي النائمه في فراشها، وعادت لحسناء وجدتها تداعب ساجد الذي استيقظ.
ليلى بابتسامه: كويس يا سجودتي انك صحيت، ياله على الحمام، وانتي يا حسناء اتفضلي حبيبتي اوصلك للحمام التاني، وهجييلك هدوم ناشفه.
حسناء بتردد: هو أنا ممكن أطلب طلب.
ليلى بحب: طبعا اتفضلي.
حسناء: ممكن أحمي ساجد أنا.
نظرت لها ليلى بشفقه استطاعت أن تخفيها بابتسامه.
ليلى: ها يا دودو تحب أنطي حسناء تحميك.
ساجد بفرحه وهو يمسك يد حسناء: أه اه انطي حسناء حميني.
فرحه اعتلت ملامح كلا من حسناء العاشقه لهذا الطفل، وليلى التي بدأت الأفكار الورديه تداعب عقلها لإكمال النقص عند ساجد، وحسناء، وأخيهت أيضاً.
بالفعل انتهت حسناء من تحميم الصغير وهى تشعر بسعاده، وكأنه ولدها، وألبسته ثيابه وهى تداعبه ويضحكان سوياً، أحضرت لها ليلى ملابس خاصه بها، لكنها مناسبه فهما متقاربتان في الحجم تقريباً، شكرتها حسناء، وأبدلت ملابسها المبلله، لكن كان هذا بعد فتره فقد أصابتها رعشه خفيفه، لاحظتها ليلى عندما رأتها.
ليلى: إيه ده إنتي بتترعشي ليه، شكلك خدتي برد، نزولك المايه، مع برودة الجو تعبك الظاهر.
حسناء: لا مفيش تعب ولا حاجه، شويه وهبقى كويسه، ساجد نام هستأذنك بقى علشان أروح.
ليلى: لا ثواني وكوباية نسكافيه تكون جاهزه تدفيكي.
حسناء بإحراج: لا يا ليلى كده كتير معلش كفايه قلق عليكي كده.
ليلى تصتنع الزعل: كده مش عايزه تشيلي الكسوف بينا، أنا ربنا اللي عالم ارتاحتلك إزاي يا حسناء من وقت ما شوفتك، وبعدين أنا مديونالك بحياة ساجد، وكمان أخويا لأن لو كان حصل لإبنه حاجه كان راح فيها.
حسناء بهدوء: خلاص متزعليش والله القلوب عند بعضها، وكأني أعرفك من زمان، هشرب النسكافيه يا ستي ولا تزعلي.
ابتسمت لها ليلى، وأشارت على غرفه استقبال الضيوف.
ليلى: اتفضلي حبيبتي هنا، وأنا خمس دقايق وأكون عندك.
دخلت حسناء الغرفه، وتأملتها قليلاً بإعجاب فكل ما فيها يدل على ذوق رفيع، ورقه مثل صاحبة المنزل، اتجهت عيناها لبعض الصور الموضوعه على منضده صغيره، بجانب الغرفة، ابتسمت واقتربت نحو صورة تجمع جوري، وساجد، وعندما نظرت للصورة التي بجانبها اتسعت عيناها، وذادت رعشة جسدها، أيعقل هذه الصدفه.
تنحنحت ليلى وهى تضع ما بيدها.
ليلى بابتسامه: نونه، الكيك، والنسكافيه جاهزين حسنااااء
حسناء بخضه: ها
ليلى: ايه يا بنتي سرحانه في ايه، ومالك مصدومه كده.
أشارت حسناء لصورة وقالت: مين ده؟
ليلى بتعجب: ده كريم أخويا، ليه فيه إيه تعرفيه؟!
حسناء بحزن: أصله كان المعيد بتاعي الله يرحمه، كنت متخيله إن أخوكي والد ساجد بس.
ليلى بتعجب أكبر: الله يرحمه، ربنا يرحمنا جميعاً، بس هو عايش مامتش، كمان هو فعلا أخويا الوحيد وأبو ساجد.
نزلت تلك الكلمات على أذن حسناء، وكأنها مطرقه ضربت رأسها لتهتز قليلآ، فتسندها ليلى باندهاش لكل ملامح التعجب، والصدمه التي كست وجه حسناء، وأجلستها، وناولتها كوب النسكافيه الذي أعدته لعلها تهدأ، ومعه طبق به كيك، لكن حسناء هزت رأسها بالرفض فها هى الأن في حاله من الصدمه.
حدثت نفسها وهى شارده: كريم عايش؟! طيب إزاي
أنا شوفتهم بنفسي وهما بيصرخوا في المستشفى.
ليلى بصوت مرتفع: روحتي فين يا بنتي قوليلي إيه الموضوع؟