رواية حب أعمى للكاتبة شاهندة الفصل العشرون
كانت الفتيات يجلسن سويا فى صمت يستمتعن بنسمات البحر الرقيقة، يتأملن البحر فى عشق، فلطالما كان البحر رفيقهن وملجأهن، قطع الصمت صوت ضحى، تتساءل فى فضول قائلة:
ياترى بيقولوا علينا ايه دلوقتى؟
نظر اليها كل من نوران وبدور بحيرة، يتساءلن عمن تقصد بسؤالها لترد على سؤالهما الصامت باستنكار قائلة:
الشباب يابنات، شهاب وسليم وزين
قالت بدور بضيق:
طب شهاب وجوزك، وسليم وجوز نوران، لكن زين يتكلم علينا بصفته ايه؟
قالت نوران بحيرة، تتعجب من ضيق بدور من شئ بسيط كهذا:
عادى يابدور، انتى اتضايقتى كدة ليه؟
لم تدرى بدور حقا لما أصابها الضيق عندما أحست بأن زين قد يسمع أى شيئا يقال عنها أو يقول شيئا ما بدوره عن حياتها، ربما لأنه كان شاهدا على مواجهتها المأساوية مع نزار، أو ربما لأنه شاهد ضعفها وقلة حيلتها أمامه، أو ربما لأنه كلما تلاقت أعينهما أثار داخلها شتى المشاعر والتى لاتود أن تحللها أو حتى تمنحها اسما، وربما لكل تلك الأسباب متجمعة، لينعكس اضطرابها على صوتها قائلة:
أنا، أنا مش مضايقة، وهضايق ليه يعنى؟ كل الموضوع ان احنا منعرفوش .هو مش أكتر من محامى سليم وصاحبه، ومش حابة أسرارنا تبقى مشاع أدامه
هزت نوران كتفيها قائلة:
أنا يمكن معرفش زين من زمان بس بصراحة ثقتى فيه من غير حدود، زين راجل محترم ويعتمد عليه، وموقفه معايا قبل كدة أكبر دليل
قالت ضحى:
وأنا كمان بحسه انسان محترم وشبه سليم وشهاب فى أطباعهم، مبحسوش غريب وبعدين لو كنتى شفتى كان زعلان عليكى ازاى فى المستشفى مكنتيش قلتى كدة
نظرت اليها بدور بدهشة تتساءل عن سبب وجوده بالمستشفى وتأثره بحالتها، لتنبذ ذلك الشعور لديها والذى يجبرها على الاهتمام بالاجابة، لتقول فى حدة:
ويزعل علية ليه، وهو كان يعرفنى أصلا منين ؟
قالت ضحى فى ملل:
يوووه، خلاص بقى يابدور، أنا اللى غلطانة انى سألت من الأول، مش عارفة مش طايقاه ليه بس؟
قالت نوران:
والله يابنات، زين ده راجل أخلاق، ومحترم و بجد يابختها اللى هتكون من نصيبه، تعرفوا انه أرمل وعايش على ذكرى مراته لغاية دلوقت
قالت ضحى:
شهاب فعلا قالى ان مراته ماتت، لما سألته
أحست بدور بالفضول، تود لو عرفت عنه أكثر لتنفض ذلك الشعور وهى تشعر بالغضب من نفسها، لتسمع نوران وهى تقول:
الحمد لله انى مكلمتوش يمسك قضية طلاقك يابدور، .ده انتى مش طايقة حتى سيرته.
نقلت بدور نظرها بينهما بغيظ لتقول:
ايه الكلام اللى انتوا بتقولوه ده، انتوا الظاهر اتجننتوا، انا هقوم أتمشى أحسن
لتنهض مبتعدة فى خطوات سريعة غاضبة لتنظر ضحى الى نوران رافعة احد حاجبيها وهى تقول:
مش قلتلك؟
أومأت نوران برأسها قائلة:
معاكى حق، نخلص بس من موضوعها مع نزار ونفوق لموضوعها مع زين.
لتبتسم الفتاتان وهما ينظران فى إثر بدور صديقتها التى تعذبت كثير وربما آن الأوان أن تبتسم لها الحياة من جديد
قال زين بقلق:
والصداع ده بيجيلك من أد ايه ياسليم؟
أمسك سليم رأسه قائلا:
من يوم ما وقعت فى المستشفى، وانبارح زاد لدرجة انى مقدرتش أستحمله.
قال شهاب فى قلق:
قوم بينا نروح للدكتور ياسليم وأهو بالمرة نطمن عليك.
قال سليم:
مش هينفع ياشهاب، مش عايز أقلق نوران علية، أنا مستنى بس لما نرجع اسكندرية وهروح للدكتور بتاعى علطول
قال زين بابتسامة:
والله ورجعت تحب وتخاف وتقلق زى زمان ياسليم، بركاتك يانوران.
قال سليم:
قلتلك قبل كدة خليك فى حالك يازين وسيبك منى.
قال زين:
خلاص ياعم متزقش، أنا قايم أشوف مدير القرية كان عايزنى فى ايه، شوية وهرجعلكم
لينهض مغادرا، ليميل سليم على شهاب قائلا:
انت تعرف نزار ياشهاب معرفة شخصية؟
قست عينا شهاب وهو يقول:
لأ، معرفوش معرفة شخصية، على أد السلامات وبس، وده لما بنشوف بعض فى المناسبات، أصله شخصية مغرورة أوى وأنا مبحبش النوعية دى، هو بصراحة سمعته فى الشغل كويسة اوى لكن فى حياته الشخصية معروف انه هلاس وعينه زايغة، أنا مش عارف بس ايه اللى وقع بنت زى بدور دى فيه؟
اعتدل سليم قائلا:
النصيب ياشهاب، بس أنا كدة بأيد موضوع طلاقها منه، الحقيقة الموضوع ده مسبب القلق لنوران، وقلقنى معاها وكلام زين عن تعامل نزار انبارح مع بدور مستفزنى على الآخر
عقد شهاب حاجبيه قائلا:
هو نزار جه انبارح؟
أومأ سليم برأسه قائلا:
أيوة، ولولا تدخل زين، كان ممكن ياخدها معاه أو يعمل فيها حاجة.
قبض شهاب على يده بقوة قائلا:
آه لو كنت شفته، كنت فرمته.
قال سليم:
أنا بفكر أخلى زين يمسك قضية طلاق بدور لإنى واثق انه مش هيطلق بسهولة ومعنديش ثقة فى أى حد تانى غير زين يقوم بالمهمة دى، بس طبعا لازم موافقتها الأول
قال شهاب:
يبقى نخلى البنات يكلموها وربنا يقدم اللى فيه الخير.
أومأ سليم برأسه بارتياح لتلك الفكرة قائلا:
يااارب
كادت بدور أن تقع بعد أن اختل توازنها عندما اصطدم بها طفلا كان يجرى لولا أن أمسكتها يد قوية لرجل حالت دون وقوعها على الأرض لتعتدل وتشكر صاحب تلك اليد التى ما ان وقعت عينيها عليه حتى اتسعت عينيها من الصدمة لتتحول ملامحها بعد لحظات إلى الغضب وهى تعتدل قائلة بحدة:
هو ايه حكايتك معايا بالظبط؟ ماشى ورايا ليه؟ مراقبنى ليه؟ نفسى أعرف عايز منى ايه؟ أنا ست متجوزة وحتى لو كان بينى وبين جوزى خلافات فأنا لسة على ذمته ولو انى شايفة ان ده مش همك.
ترك يدها بهدوء لتدرك بخجل أنها كانت تتمسك بيديه دون وعى، مال باتجاهها ينظر الى عينيها مباشرة قائلا ببرود:
أنا مش مراقبك ولا حاجة ولا عايز منك حاجة، انا كنت فى طريقى عشان اقابل مدير القرية، وشفتك بالصدفة وانتى هتقعى، فأنا آسف انى مسبتكيش تقعى جايز الخبطة كانت تفوقك من الأوهام اللى فى دماغك.
كاد أن تقول شيئا ليقاطعها ذلك الرجل الذى اقترب من زين قائلا فى أسف:
زين بيه، معلش اتأخرت عليك، بس كنت براجع الحسابات مع مدير الفندق ومحستش بالوقت.
التفت زين الى الرجل قائلا بهدوء:
محصلش حاجة يامستر حسين، أنا جاى معاك حالا
ثم التفت الى بدور التى أحست بالذنب لاندفاعها بتوبيخه بهذا الشكل وقد ثبت أنه برئ من تلك التهم التى وجهتها اليه، لتعلو الحمرة وجهها خاصة وقد رفع يده فى تحية مقتضبة قائلا:
سلام يامدام بدور
ليبتعد مع حسين بخطوات ثابتة تتبعه عينيها الحائرتين، تشعر بالذنب يغمرها لإحساسها بظلمها اياه ومشاعر حزن غريبة تسللت اليها لإحساسها بأنها أغضبته، غافلة عن ذلك الذى تابع كل ما يحدث بأعين قد اتقدت شراراتها من الغضب يقسم أن يرجعها إليه حتى لو كان هذا آخر عمل يقوم به فى حياته
اتجهت نوران بخطوات سريعة الى حجرتها وما ان وصلت اليها حتى دلفتها فى لهفة، تدرك أنها تأخرت كثيرا على حبيبها سليم، لتجد الغرفة تغرق فى ظلام دامس، تحسست الحائط بخوف فلطالما خشيت الظلام حتى وجدت ذر الاضاءة ولكن قبل أن تضغطه، وجدت من يحيط بها من الخلف، لتصرخ من الفزع وتنتفض من الخوف لتجد صوت سليم يصل اليها فى قلق قائلا:
متخافيش يانوران، أنا سليم..
لتهدأ ضربات قلبها وتستند بظهرها الى صدره، ليمد يده ويضغط على ذر الاضاءة وينير المكان، ثم يديرها لتواجهه صاعدا بيده على طول ذراعها حتى وصل الى وجهها يحيطه بلهفة قائلا:
انتى كويسة؟
رفعت يدها تحيط بيديه الساكنة على وجهها قائلة:
أنا كويسة متقلقش، أنا، أنا بس مبحبش الضلمة، بترعبنى.
قال فى ندم:
أنا آسف ياحبيبتى، أنا اللى قفلت النور، مخدتش بالى ان الضلمة ممكن تضايقك أو تخافى منها.
ربتت على يده قائلة بحنان ممزوج بعتاب:
يبقى نسيت.
عقد حاجبيه بحيرة قائلا:
نسيت؟ ؟
ابتسمت قائلة:
فى يوم كنت بكلمك واتس وببعتلك ماسيدج، وفجأة سكت كتير، وانت فضلت تبعتلى ماسيدجات كتيرة، نور روحتى فين، نور كلمينى، نور انتى فين قلقتينى، كان ساعتها النور قطع وانا من خوفى رميت التليفون من ايدى ولما النور جه، كلمتك تانى وقلتلك ان النور كان مقطوع وانى مبحبش الضلمة، وانت ساعتها قلتلى،، .
قاطعها قائلا بحنان:
حبيبتى قوية ومش لازم تخاف من اى حاجة فى الدنيا طول ما انا جنبها
اتسعت ابتسامتها وهى تراه يتذكر ما كان بينهما من جديد لتقول بحنان:
ووعدتنى تكون جنبى وتقوينى ووفيت بوعدك ياسليم.
ابتسم سليم قائلا بخبث:
محادثة حصلت بينا من ٣ سنين وفاكراها بالحرف، ده انتى كنتى واقعة بقى
انزلت يديه من على وجهها قائلة بغضب طفولى:
ما انت كمان فاكرها ياسى سليم، مش أنا لوحدى اللى فاكراها،، أنا واقعة؟ ماشى ياسليم، ماشى
كادت أن تبتعد عنه ولكنه أمسك بيدها يديرها مرة أخرى لتصبح بمواجهته، ليقرص وجنتها قائلا:
وفيها حاجة لما تحبى جوزك يانوران؟
تأملت ملامحه الوسيمة قائلة:
لأ ياسليم، مفيهاش حاجة، أنا معترفة انى حبيتك ومن زمان أوى، يمكن من أول مرة كلمتك فيها حسيت انك توأم روحى، بس،، ...
لتصمت لا تدرى كيف تعبر عن شعورها ليعقد سليم حاجبيه قائلا:
بس ايه يانوران؟
نظرت الى عينيه قائلة فى حيرة:
بس نفسى أعرف أنا بالنسبة لك ايه، أنا عارفة انك كنت معجب بية لما كنا بنتكلم مع بعض بس لما ارتبط بنور، حبيتها هى، يمكن زعلان منها عشان اتخلت عنك، بس كتير بحس انك لسة بتحبها وانها لسة جواك وعشان كدة مش قادر تحبنى أو تقولى كلمة بحبك وده بيقتلنى ياسليم
كاد سليم أن يقول شيئا لولا رنين هاتفه المتواصل والذى قاطعه ليخرجه من جيبه وهو يجيب محدثه قائلا:
ألو
رد عليه محدثه الذى لم يكن سوى زين قائلا فى قلق:
انت فين ياسليم؟
انتقل القلق فى صوته الى قلب سليم ليقول بتوجس:
فيه ايه يازين؟
قال زين بمرارة:
بدور ياسليم، بدور اختف ومش لاقيينها
ليقول سليم بجزع:
بدور اختفت
وضعت نوران يدها على فمها فى صدمة وهى تدرك ان اختفاء بدور ليس عاديا وأن وراءه شخصا ما، وهذا الشخص يعرفونه جيدا،،،، انه ذلك الوغد نزار
سألت بدور بخوف:
واخدنى على فين يانزار؟
ألقى نزار اليها نظرة سريعة ليعود وينظر أمامه وهو يقود السيارة قائلا فى سخرية:
تؤتؤتؤ، خايفة وانتى معايا يابدور، مش انتى اللى كنتى بتقوليلى انك مبتخافيش من حاجة وانا جنبك، وانى أمانك وحمايتك
قالت بدور فى سخرية مريرة:
الكلام ده كان زمان لما كنت هابلة وعبيطة وواقعة فى حبك، لما كنت فاكراك بتحبنى، لما كنت بدور البريئة، لكن انا دلوقتى فتحت وشفتك على حقيقتك، شفتك من جوة يانزار
علت السخرية ملامح وجهه وهو يقول:
وايه هى حقيقتى ياست بدور، نورينى بيها ياحبيبتى
قالت فى مرارة:
شفت أد ايه انت انسان أنانى ومغرور ومستهتر. مبتفكرش غير فى نفسك وبس، شفت حقيقة لا حباها ولا عايزاها
توقف فجأة بسيارته لتنظر بدور حولها بحيرة، لاترى سوى منزل صغير يبدوا مهجورا، نزل نزار ثم التف حول سيارته ليفتح لها الباب ناظرا اليها بسخرية، ثم سحبها من ذراعها، لتمشى خلفه مقيدة اليدين، تتبعثر خطواتها من سرعته، لتتوقف بغتة قائلة بحدة:
انت ساحبنى كدة ليه، ومودينى على فين؟
ضغط على ذراعها بقسوة وهو ينظر الى عينيها بغضب قائلا:
آخدك على مكان هربيكى فيه من أول وجديد، هعلمك فيه ازاى تحترمى جوزك وازاى تكلميه، مش أنا أنانى ومستهتر، انا هوريكى انى كمان حقير يابدور
ليصمت لثانية يتأمل ملامحها النافرة ثم يستطرد بصوت كالفحيح:
أنا الظاهر دلعتك أوى، وسيبتك على راحتك، بقى لسانك اطول منك وكمان خليتى الكل يفتكرك رخيصة ويطمعوا فيكى، خليتى كلب ولا يسوى يبص ليكى، يبص لمرات نزار العدوى
اتسعت عينيها بصدمة قائلة:
قصدك مين؟
قال صارخا:
زين باشا، اللى كل ما التفت ألاقيه بينى وبينك، نظرات ولمسات وقذارة هتدفعى تمنها غالى أوى، أوى يابدور
قالت فى فزع:
حرام عليك يانزار، انت ظالمنى، انا صحيح بكرهك بس مستحيل أخون، أنا مش زيك ولا يمكن أكون زيك
سحبها مجددا خلفه قائلا:
هنشوف ياست بدور، هنشوف
صرخت بدور قائلة:
سيبنى يا نزار، سيبنى امشى واعقل، متبقاش مجنون
تجاهلها نزار ليفتح باب المنزل دافعا اياها الى داخله، ليدلف خلفها مغلقا الباب خلفه، تبدو ملامح الشر على وجهه وتجعله يبدو كشيطان من الإنس..