رواية توأم الروح للكاتبة شاهندة الفصل التاسع عشر
نظرت أميرة إلي ظافر بصدمة ظهرت على ملامحها فلم تتخيل في أحلامها حتي أن يطلب منها ظافر الزواج، ظنت أنها لم تسمعه جيدا لتقول مرددة:
إنت قلت إيه؟
نظر إليها في هدوء مكررا كلماته قائلا:
تتجوزيني يا أميرة.
إذا لم تكن تحلم، وظافر حقا يطلب منها الزواج، لا تدري لم رقص قلبها فرحا او ربما أدركت السبب الآن فقط، فهي تعلم إنها تعشقه ككاتب وربما تعجب به كرجل ولكنها لم تكن تدرك قبل تلك اللحظه أن إعجابها به كرجل قد تخطي كل الحدود لتصبح مشاعرها تجاهه قوية حتي أنها اكتشفت أن أمنيتها، هى ان تصبح حقا زوجة له، عندما كانت تقرأ له كانت تشعر بأنه يصل إلى روحها بكلماته، وعندما عاشت معه تلك الفترة الماضية أدركت أنه يجذب روحها إليه، وبشدة، لتكتشف في تلك اللحظه أن مايجذبها إليه هو شعورها بأنها وجدت فيه توأما لتلك الروح، يماثلها في كل شئ حتي ذلك الألم الذي يخفيه دائما خلف جدار من الصلابة يتظاهر بها ومن داخله هو يتمزق ضعفا من أحزانه التي تشعر بها في عينيه، أفاقت من أفكارها علي صوت ظافر يقول بهدوء:.
قولتي إيه ياأميرة؟
كادت أن تعلن موافقتها بكل سعادة لولا ملامح ظافر الجامدة والتي نبهتها لشيئ غاب عن ذهنها، ظاهر يعرض عليها الزواج شفقة عليها بعد سماعه لقصتها بالأمس، وهي لن تقبل أبدا أن يتزوجها أحدهم شفقه حتي وإن كان ذلك الشخص توأم روحها، فقط لن تستطيع.
لذا نظرت إليه قائله بهدوء:
والعرض ده عشان صعبت عليك ياظافر مش كدة؟
شعرت بتردده الذي دام لثوان لتستطرد هي قائلة بكل برود:
آسفة عرضك مرفوض.
أحست بالغضب يحتل ملامحه وعروقه تنتفض وهو يقول بحدة:
متبقيش هبلة ومتسرعة فكري كويس قبل ماتقولي قرارك، أنا الوحيد اللي ممكن أساعدك، لو اتجوزنا، ساعتها باباكي مش هيقدر يعملك حاجه وإنتي علي ذمتي غير إنك هتكوني مطمنة معايا ومتأكدة انى مش هستغلك.
أحست أميره بغصة فى قلبها وهي تدرك أن عرضه فعلا بسبب شفقته عليها لتقترب منه قائله بألم ظهر علي ملامحها جليا:.
وعدت نفسي يوم ما اتجوز، هتجوز حد احس انه توأم روحى والوحيد اللي ممكن اعيش معاه، وأكون بالنسبة ليه نفس الشئ، خوفي من بابا مش ممكن يخليني اخلف وعدي وأرضي اتجوز واحد كل اللي يربطني بيه مشاعر شفقة، انا عارفة ان قصدك خير بس طلبك حقيقي جرحنى من غير ماتقصد، خلتنى اندم انى في لحظة ضعف فتحتلك قلبي وحكيتلك على اللى فيه.
تهدمت تلك الواجهة الجامدة لملامح ظافر وعيونه تنطق بالحيرة قبل ان يقول بتردد:.
أميرة، أنا...
أشارت له بالصمت قائلة:
من فضلك ياظافر، أنا حقيقى تعبانة ومش قادرة أتكلم او اسمع كلام تانى فى الموضوع ده، الكلام خلص خلاص، بعد اذنك أنا هطلع اوضتى أرتاح.
ابتعدت مغادرة تتبعها عينا ظافر الحائرتان بينما صعدت أميرة الى الحجرة لتدخلها وتغلق الباب، تدع دموعها الحبيسة تنهمر بحرية لتعبر عن حزنها لاضطرارها لرفض طلب الزواج من ظافر وألمها لمعرفة سبب طلبه، عن ادراكها بأنها اخيرا قد وجدت توأم روحها بينما لم يتعرف هو فيها عن توأمه، اقتربت من سريرها لتخرج ذلك الدفتر الذى استعارته من مكتب ظافر لتخط فيه أول وربما آخر كلماتها، تخرج أحزانها كما تعودت على الورق، لتكتب فى نصف السطر (رسالة الى كاتبى)، توقفت لتتأمل العنوان، لتعود وتضع خطا على كلمة كاتبى، ترفض وبشدة أن تنعته بتلك الصفة لتكتب بدلا منها، توأم روحى، لتبعد الدفتر مجددا وتنظر الى العنوان بعيون راضية، ثم تقربه منها ثانية وهى تخط كلمات تنبع من قلبها، قلبها فقط.
وقفت فرح أمام المرآة تضع لمساتها الاخيرة على مكياجها الرقيق ثم نظرت إلي نفسها في المرآة برضا
، اتجهت إلي الأسفل حين رأت أماني تصعد السلم، توقفت أماني تنظر إلي فرح بإبتسامة رضا بادلتها إياها فرح بإبتسامة ممتنة فكل ما أصبحت عليه فرح كان بفضل ما علمته اياها امانى، اقتربت فرح من اماني لتقول امانى بحنان:
قمراية يافرح.
اتسعت ابتسامه فرح قائلة:
ربنا يخليكى لية ياامانى
قالت امانى:.
مش هوصيكى يافرح، تهدى خالص وتبطلى تنطيط وشقاوة، واوعي تضعفى، بدر النهاردة هيمارس عليكي كل سحره، عايزاه يلاقي سحرك مغطى علي سحره، مفهوم؟
اومأت فرح برأسها قائلة:
والله ياامانى من ساعة ماكلمنى وقاللى ان احنا هنتعشى برة وأنا قلبي بيترعش، مخضوضة كدة وهموت من القلق.
لتبتسم قائلة:
بس متقلقيش، باذن الله هشرفك.
ابتسمت اماني قائلة:
متأكدة من كدة يافروحه، يلا حبيبتي عشان متتأخريش.
كادت فرح أن تقول شيئا حين استمعت إلي صوت فريدة يقول في حدة:
واقفه عندك بتعملى إيه يافرح؟، انتي مش عارفة ان بدر مستنيكي بره فى العربية.
نظرت كل من فرح وامانى الي فريدة التى تجاهلت امانى كلية وهي تنظر الي فرح التي تلعثمت قائلة:
عارفة ياماما وكنت رايحالوا..
قالت فريدة بنبرة محذرة:
طب يلا علي طول وياريت متقفيش معاها كتير، مش عايزاكي تتعلمى منها ازاي تغدرى بجوزك وتطعنيه فى ظهره وتدمريه، مفهوم؟
كادت فرح ان تتحدث ولكنها توقفت حين ضغطت امانى علي يدها وأشارت لها بعينيها أن تصمت.
أمسكت فرح لجام لسانها بقوة وقد كادت أن تقول الحقيقة كاملة وليحدث ما يحدث، لا تدرى لم تتحمل أمانى كلمات فريدة الظالمة ومعاملة بيجاد القاسية، لم تتعذب وتضحى بقلبها هكذا؟، لقد جنت بالتأكيد.
زفرت وهي ترمق امانى بنظرة أخيرة، لتهبط وهي تغادر بخطوات غاضبة بينما تجاهلت فريدة امانى وهي تنوى الذهاب إلي حجرتها هزت أماني كتفيها في حزن واستدارت لتصعد إلي حجرتها حين استوقفها صوت فريدة وهى تقول:
جاد حبيبى، حمد الله ع السلامة.
التفتت امانى تود أن تشبع عينيها من مرآه فقد افتقدته، لتستمع اليه وهو يقول لوالدته بصوت ادركت انه يريد إيصاله اليها:.
ماما، صوفيا خطيبتى جاية في طيارة الصبح ياريت تجهزيلها اوضه تكون قريبة من الجناح بتاعى.
تجمدت أمانى تماما وهي تستمع إلى كلماته وكلمات فريدة التي قالت فى حبور:
طبعا ياحبيبي، ده يوم المني يوم مااشوف خطيبة ابني اللي بيحبها وبتحبه عقبال ماافرح بيكم واشوف اطفالكم واشيلهم بين ايديا.
اغمضت امانى عينيها تشعر بتمزق قلبها، من تلك الكلمات التى تحطم وجدانها، ألا يكفيها ان تذكرها حماتها بأن بيجاد قد احب غيرها وسيتزوجها، لتذكر ايضا الأطفال، هؤلاء الأطفال التى تمنتهم فقط من بيجاد، حلمت بهم مرارا وتكرارا. فتحت عينيها وهى تلتفت مجددا وتصعد إلي حجرتها تاركة خلفها بيجاد حائرا من تلك النظرة التي رمقته بها فلم يرى بحياته كلها نظرة جمعت كل تلك المشاعر التى وصلته بوضوح، لقد جمعت تلك النظره حزنا وألما وعتابا آلموه، شعر بصدق مشاعر الألم التى احس بها، تساءل عن سببها، ليوقن انها نفسها المتكبرة والتي تأبى أن لا تكون سيدة الموقف، بل فى منزلة أقل، وأن صوفيا هى من ستكون سيدة المنزل وهذا بالطبع لا يعجبها، نعم هذا هو سر نظرتها إليه..
كانت أماني في تلك اللحظه تجلس علي سريرها تاركة لدموعها العنان، تتساءل كيف اصبح بيجاد بتلك القسوة، كيف هان عليه قلبها ان يجرحه بذلك الشكل؟، لم يعد بيجاد ذلك الرجل الذى احبته، اغمضت عينيها ألما تتساءل عن الغد وما يحمله إليها من عذاب تدرك أنه آت لا محالة حين تواجه غريمتها، شريكتها في قلبه، لتبتسم في مرارة وهي تنفى تلك الصفة، فقلبه لم يعد به مكان لها واصبحت غريمتها مالكته الجديدة، تساءلت في مرارة، لماذا ياتوأم الروح تعذبنى؟ ألم أكن لك يوما أنفاسك؟ألم اكن روح تناجي روحك؟فلماذا هانت روحي ولم تلقى منك سوى قسوة يدعمها جفاؤك؟ إلي متى يا بيجاد سأتحمل قسوتك والى متي ستظل تؤلمنى بأفعالك؟ إلى متى؟
قال بدر وهو يتأمل ملامح فرح الغاضبة:
مش هتقوليلى بقى مالك؟
نظرت إليه فرح تتأمل عينيه، تشعر باهتمامه، تود ان ترتمى في احضانه في تلك اللحظه تبثه مشاعرها، تحكى له عن مايؤرقها ولكنها لا تستطيع، فقط، لا تسطيع، لتقول بهدوء:
حاجة كده حصلت وضايقتنى، متشغلش بالك إنت.
أدرك بدر ذلك النزاع الذى يدور داخلها، وأنها حائرة بين أن تخبره بسر صديقتها أم تظل محتفظة به ليفوز قرارها الأخير.
فملامح فرح شفافة للغاية تكشف مشاعرها بوضوح، كاد أن يطمئنها ويخبرها أنه يعرف ليتراجع في اللحظه الأخيرة وهو لا يريد أن يفسد أمسيته معها بالحديث عن أحد سواهما، فالليلة تبدوا جميلة للغاية تزينها تلك الفاتنة القابعة أمامه لا تدرك حتي الآن كيف تبدو فاتنة ولا كم العيون التي تحسده علي وجوده معها، فرح، زوجته وحبيبته، نعم آن الأوان أن يعترف أنه أحبها رغما عنه وافتقد وجودها عندما غابت، ولم يطيق أن يستهزئ بها أحد من اصدقائه وعند عودتها بتلك الصورة، قضت علي آخر ذرة مقاومة لديه فاستسلم لعشق ظنه خطرا علي قلبه بعد تلك الساره التي علمته سابقا أن لا أمان في الحب ليدرك أن حبيبته فرح تختلف عن كل الفتيات، فهى صادقة، بسيطة، مرحة، وأهم من ذلك تعشقه وتخلص له، ورغم كل محاولتها لانكار عشقها له منذ عودتها، إلا أنها لم تستطع أن تنكر ذلك العشق الذي يظهر في عينيها ورعشة يديها عندما كانت بين يديه منذ لحظات وهما يدلفان الى ذلك المطعم، وذلك الخجل الذى غزا وجنتيها الآن وهو يتأملها، لقد كان غبيا عندما قاوم مشاعره تجاهها فحمد لله أن افاق من غبائه قبل فوات الآوان وبقى ان يجعلها تستسلم هى لمشاعرها مجددا وتكف عن مقاومته، أطرقت فرح برأسها خجلا من نظراته لتسمعه يقول بحنان:.
فرح، بصيلى.
رفعت اليه عينيها ليقول بانبهار تنبع كلماته من قلبه دون ان يشعر:
سبحان الله، عنيكى حلوة اوى يافرح، فيهم شقاوة الدنيا وحلاوتها، قاومتهم كتير، كنت خايف اقع تحت سحرهم بس غصب عنى سحرونى.
وقعت فرح أسيرة نظراته وكلماته التى جعلت قلبها يدق فى سعادة لتقول بهمس:
ليه يابدر، ليه كنت خايف؟
شرد قائلا بحزن:
مع الأسف يافرح، أنا مريت فى حياتى بتجربة خلتنى أخاف أفتح قلبى لواحدة تانية، كنت خايف انجرح من جديد.
قالت فى تقرير:
سارة، مش كدة؟
اتسعت عينيه بصدمة قائلا:
انتى كنتى عارفة؟
قالت بحزن:
كنت بحط هدومك فى الدولاب وصورتها وقعت منه وقريت الكلام المكتوب وراها.
تأمل عينيها الحزينتين قائلا فى حيرة:
يعنى انتى كنتى عارفة انى مجروح وانى مستحيل هآمن لواحدة تانية أو أحب تانى؟
نظرت إلى عينيه قائلة في حزن:.
كان عندي أمل ساعتها اني أقدر أغير أفكارك، أقدر أثبتلك ان مش كل البنات زي بعض وان زي مافيه الخاينة واللى ملهاش أمان، فيه كمان اللى مستعدة تضحى بروحها عشان خاطر حبيبها اللي بالنسبة ليها بيكون توأم روحها.
نظر إليها بدر بلهفة قائلا:
يعني أنا بالنسبة لك توأم روحك يافرح؟
نظرت إلي عمق عينيه وكادت تعترف بمكنون قلبها لتتذكر كلمات أمانى فأشاحت بنظراتها قائلة:.
قلتلك كنت، كنت يابدر، كلامك عنى فوقنى، خلانى حسيت أد ايه كنت مرخصة نفسى عشان واحد أنا بالنسبه له مش أكتر من وصية مغصوب عليها، عشان واحد أنا بالنسبه له ولا حاجة.
قال بدر بنفى:
بس انتى...
قاطعته فرح قائلة:.
متتسرعش يابدر وتخلي صورتى الجديدة تأثر فيك أنا من جوة زي ما أنا فرح، الفلاحة الطيبة، الهبلة، اللي أقل حاجه ممكن تأثر فيها، أنا من جوايا لسه زي ما أنا حتي لو اتغير شكلي وطريقة كلامى، فأنا من جوايا متغيرتش.
كاد بدر أن يخبرها أنه عندما احبها، أحب دواخلها، أحب بساطتها، طيبتها، حنانها الذي غمرته به دون مقابل، هو فقط خشي ذلك الحب الذي نما بداخله تجاهها، خشى أن يجنى مجددا صدمة تنهى تلك المرة على قلبه، فحاول ابعادها عنه، فتح فمه ليتحدث عندما رن هاتفه ليزفر بقوة وهو ينظر إلى هاتفه ليجده رقم عمه، رفع الهاتف وفتحه ليقول بهدوء:
مساء الخير ياعمى، ازيك.
استمع إلى محدثه وعينيه علي فرح التي انبسطت ملامحها عندما عرفت أن أباها من يتحدث ليمنحها بدر الهاتف قائلا:
عايز يكلمك.
أخذت منه الهاتف بلهفه قائلة:
أيوة يابابا، وحشتني
إستمعت إلي أباها لتقول بتوتر:
أبدا يابابا، أنا كنت بس تعبانة شوية الفترة اللي فاتت دى وقلتلهم بلاش يقولولك و يزعجوك، عارفة انى غلطانة بس معلش طمعانة تسامحنى.
إستمعت إلي محدثها مرة ثانية لتقول بعدها بقلق:.
حاضر يابابا، هقولهم وأشوف رأيهم إيه وأرد عليك، حاضر، حاضر يابابا سلملي عليها.
أغلقت الهاتف وهي تنظر إلي بدر الذي تبدوا عليه الحيرة من ملامح التوتر التي اعتلت وجهها، لتنظر إلي عمق عينيه قائلة بقلق:
بابا مصمم نروح البلد نقضى عنده يومين.
لتأخذ نفسا عميقا ثم تزفره قائلة:
كلنا.